سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Sunday, July 21, 2019

جوري / منى سليمان

July 21, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الحادي عشر - بقلمي منى سليمان 

* حنين *   

بالمشفى... 
صدح صوت رنين هاتف أدم وهو يجلس إلى جوار جوري داخل أحد المطاعم القريبة من المشفى... أخرجه من جيب سرواله ثم أجاب على الفور عندما وجد الاتصال من رئيس الفرقة المسرحية بالجامعة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، فينك يا أدم؟ 
- أنا أسف جداً بس في ظرف طارئ منعني من المتابعة ونزول الجامعة

تفهم رئيس الفرقة ما قاله أدم ومع ذلك أخبره بما اتصل لأجله فلمعت عينيّ أدم فرحاً وردد بسعادة

- بجد مش عارف أشكر حضرتك أزاي، بكرة هكون متواجد في الميعاد
- مفيش داعي للشكر، أنت موهوب يا أدم وتستحق الفرصة دي

لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى أنهى أدم المكالمة ولمعة سعادة تظهر بوضوح داخل مقلتيه فشعرت جوري كذلك بالسعادة لأجله وقالت ببراءة

- شكلك مبسوط
- أووووووووي، أستاذ كريم اتصل علشان يبلغني أن المخرج فريد صلاح الدين هيجي بكرة يحضر العرض ويختار وجوه جديدة لمسرحيته الجديد

ازدادت ابتسامة جوري إتساعاً فبادلها بغمزة من عينه وأردف بسعادة: شوفتي وشك حلو علياً أزاي، بكرة عيد ميلادكِ واليوم اللي هتتحقق فيه أحلامي بأمر الله

- ربنا يرزقك كل ما تتمنى ويخليك ليا

خفق قلبه بسعادة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يرفع كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة فخجلت من فعلته لكنها لم تسحب يدها كعادتها بل تبادلت معه نظرات عشق أصدق من الكلام

*****

في ذات اللحظة أنهت لمياء المكالمة وهي تشعر بالحنين لسماع صوت عماد فقررت الاتصال به عوضاً عن مراسلته فضغطت زر الاتصال وجلست على الأرجوحة الكائنة بالشرفة لكنه لم يجيب فكررت الاتصال عدة مرات دون جدوى فظنت أنه خلد إلى النوم لشعوره بالتعب والإرهاق ومع ذلك شعرت بقليل من الغضب، وما هي إلا دقائق حتى غادرت الشرفة واتجهت صوب فراشها لتحصل على قسط من النوم...
على الجانب الآخر كان عماد يراقب هاتفه وشرار الغضب ينبعث من مقلتيه لدرجة جعلته يكور قبضته بغل متناسياً الألم الذي يشعر به وظل على تلك الحالة حتى توقفت عن الاتصال فردد في نفسه

- خلصتي مكالمتك مع حبيب القلب وافتكرتيني، كلكم زي بعض

ألقى بالهاتف على الفراش ثم دلف إلى الحمام لينعش جسده تحت المياه عله يخمد النيران المشتعلة بداخله، لكن زاره طيفها طوال الوقت فصرخ بحدة

- أطلعي من راسي

*****

مضى ما بقى من اليوم بدون أحداث جديدة، ومع الساعات الأولى للصباح ودع أدم حبيبته وانطلق بسيارته إلى الجامعة ليحلق التدريبات الأخيرة للعرض المسرحي الذي يقوم ببطولته أملاً في لفت انتباه المخرج المسرحي المشهور فريد صلاح الدين فلوت فاطمة ثغرها بضجر وقالت بغيظ

- هيفضل لأمتى يفكر في التمثيل، ده أنا قولت لما يدخل هندسة هينسى الهبل ده
- يا أختي سبيه براحته و

قاطعتها فاطمة قائلة: يا أحلام تمثيل إيه وبتاع إيه، يشوف مستقبله أحسن

- ما ده مستقبله يا طمطم

قالتها جوري فرمقتها فاطمة بنظرة غضب وهتفت: طبعاً ما أنتي معاه على طول الخط

اقتربت جوري منها وطبعت قبلة على وجنتها وقالت بمرح طفولي: بحبه أعمل إيه

- طيب غيري عليه ليمثل بصحيح وتيجي واحدة كده ولا كده تلف عليه، ده وسط اللهم أحفظناً
- لو حوالين أدم ألف واحدة، مش هيشوف غيري أنا عشقه وملكة قلبه

تناست فاطمة غضبها وابتسمت لا إردياً فاقتربت منها جوري مرة أخرى وعانقتها فبادلتها فاطمة العناق وهي تدعو الله لهما

****

في ذات اللحظة كانت لمياء تتناول طعام الإفطار برفقة والدتها ووالدها الذي لاحظ شرودها وتناولها للطعام ببطء شديد فابتسم بخبث وهتف مازحاً 

- اللي واخد عقلك

فاقت من شرودها وابتسامة ساحرة ترتسم على شفتيها وقالت: محدش واخد عقلي غيرك يا حلو

رفع أحمد أحد حاجبيه بعدم تصديق ثم نظر إلى زوجته وتحدث مازحاً: شوفي يا ستي بنتك بقت بكاشه، لا وبتعاكسني قدامك

اصطنعت ماجدة الغضب قائلة: كله من دلعك، بتدلع الكل وأنا منسيه

ضحكت لمياء بجنون وهي تردد: جبته لنفسك يا عم الحاج

- شكلي كده، قومي بينا نشوف عماد علشان تغيريله على الجرح وبعدها أجي أشوف الحلو اللي زعلان مني

نظر إلى زوجته وغمز لها بمشاكسة ثم اصطحب ابنته إلى شقة عماد وطرق بابها عدة مرات فاستيقظ عماد وترك فراشه على عُجالة بالرغم من شعوره بالتعب والإرهاق ثم اتجه صوب باب الشقة وفتحه فقال أحمد

- شكلك كنت نايم بس إحنا جايين حسب الميعاد 
- أتفضل يا عمي، أسف راحت عليا نومه

تراجع عماد خطوات قليلة إلى الوراء ليفسح لأحمد مجالاً للدخول فدلف ودلفت خلفه لمياء وهي تردد بسعادة

- صباح الخير

تجاهلها عماد بل وتركها ولحق بأحمد فمطت شفتيها بضجر وتمتمت بخفوت: ماله ده

أغلقت باب الشقة ولحقت بهما حاملة علبة الإسعافات الأولية لتُغير الضمادات الخاصة بجرحه، وبالفعل أزالت رباط يده القديم وبدأت في تطهير المنطقة المحيطة بالجرح ثم عاينت الجرح لتتأكد من عدم وجود أي عدوى أو التهابات، وخلال لحظات قليلة بدأت في وضع الضمادات الجديدة فصدح صوت رنين هاتف والدها ووقف عن مقعده قائلاً 

- لمؤاخذة يا ابني هدخل أرد على المكالمة في البلكونة علشان الشبكة بقالها كام يوم صعبة
- اه طبعاً يا عمي أتفضل البيت بيتك

ابتعد أحمد قليلاً فانتظر عماد حتى دلف بالفعل إلى الشرفة ثم قبض بعنف على معصم لمياء متناسياً الألم الذي يشعر به فجحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما فعله وتساءلت بصوت مرتعش

- أن أنت بتعمل إيه؟ 

كانت النظرات المنبعثة من عينيه أشبه بسهام نارية مسمومة ما زاد شعورها بالخوف وكادت أن تكرر سؤالها وهي تحاول التملص من قبضته إلا أنه أحكم قبضته عليها وسبقها متسائلاً 

- مين سعد؟ 

تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها في صدمة بل وأخذت ترمش عدة مرات ثم استوعبت ما حدث وبادلت سؤاله بسؤال

- أنت كنت واقف وسمعتني؟! يعني لما كلمتك كنت صاحي وما ردتش، صح؟ 
- ردي عليا وقوليلي مين سعد، حبيبك صح؟ 

تملكتها الصدمة من جديد كما تملكها الغضب فأجابته بحدة: أنت بني أدم مش طبيعي، سيب إيدي حالاً بدل ما أصوت و

بترت كلمتها حينما زاد قبضته أكثر وأكثر على معصمها لدرجة جعلتها تشعر أن عظامها على وشك التهشم فتأوهت بشدة وأجابته بصعوبة 

- أخويا، سعد أخويا

كانت أجابتها كفيلة بإخماد النيران المشتعلة بقلبه وعقله فحرر معصمها وأمسك يدها ثم رفعها إلى شفتيه وطبع على باطنها قبلة عميقة فتناست غضبها وشعرت بخجل لم تختبره يوماً فسحبت يدها وتراجعت إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بباب الشقة وفي حركة واحدة فتحت الباب وغادرت ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على شفتي عماد الذي رفض عقله ما فعله لكنه لم يهتم واستمع فقط إلى صوت قلبه، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى عاد أحمد واندهش لعدم وجود لمياء 

- أمال لمياء فين؟ 
- خلصت وقالت هترجع الشقة
- طيب يا ابني أنا كمان لازم أمشي علشان ورايا شوية شغل

أومأ برأسه كإشارة بتفهمه لما قاله فودعه أحمد وعاد إلى شقته...
في ذات الوقت كانت لمياء مازالت تقف خلف باب غرفتها واضعة يدها على قلبها علها تهدئ من دقاته المتسارعة... تضاربت المشاعر بداخلها بين الغضب لما فعله والألم الذي خلفته قبضته، والسعادة لاستشعارها الغيرة المصاحبة لنبرة صوته وأنفعاله ومع ذلك نفضت الفكرة من رأسها وتنفست بعمق ثم قررت وضع حد لمشاعرها تجاهه عن طريق خصامه فاتجهت صوب هاتفها وأغلقته حتى لا يتصل... 
على الجانب الأخر فاق عماد من شروده وترك مقعده ثم عاد إلى غرفته والتقط هاتفه ليتحدث إليها، لكنه وجد هاتفها مغلقاً فزفر بضيق وتمتم في نفسه

- أكيد زعلانه، بس مستحيل تبعد عني بعد ما لاقتها

*****

بجناح فخم بأحد الفنادق الكبرى تملمت فاتن بكسل عندما شعرت بيد هشام تحاول إفاقتها فخبأت رأسها بالوسادة ومع ذلك لم يستسلم وأزال الوسادة فزفرت بضيق وهتفت بغضب ملحوظ 

- أبو عبد الرحمن أنا تعبانة وعايزه أنام
- لا حبيبتي جومي 

اعتدلت فاتن في جلستها ويتطاير من عينيها شرار الغضب: عايز إيه دلوقتي؟ 

- عايزك
- أبو عبد الرحمن أنا تعبانة وجسمي مكسر و

قاطعها قائلاً: بس بيناتنا إتفاق 

صرت فاتن على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك به لكنه سبقها وابتعد قليلاً ثم عاد حاملاً مفتاح سيارة من أحدث طراز، وبمجرد أن عاد إليها لوح بالمفتاح أمام عينيها وقال

- هاي مني إلك

التقطت المفتاح وهي تكاد لا تصدق ما تراه فابتسم بخبث وتابع: هالا خلينا نستمتع شوي

لم يترك لها فرصة للاعتراض وانقض على جسدها كمن وجد فريسته فاستسلمت لرغباته مقابل ما قدمه إليها

****

في ذات اللحظة استيقظت سهيلة وفتحت عينيها بكسل عندما وصل إلى أذنيها صوت رنين هاتف محسن الذي استيقظ هو الأخر، التقط الهاتف على الفور وأشار إليها لتلتزم الصمت ثم ضغط زر الإيحاب وقبل أن يتحدث سبقته زوجته وقالت بصوت كساه الحزن وغلفته الحسرة 

- أتجوزت عليا يا محسن، قصرت معاك في إيه علشان تبعني بالرخيص

جحظت عينيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه وتمنى أن يفيق من الكابوس الذي ظن أنه يعيشه لكنه تأكد أن ما سمعه حقيقة حينما تابعت

- بعتني ليه يا محسن، يا حب عمري يا أبو ولادي، يا اللي وقفت في ظهرك من أول يوم دخلت بيتك
- فرح حبيبتي إيه الكلام الفارغ ده، مين

قاطعته قائلة بحدة وصوت عالِ: كفاية كذب وقولي بعتني ليه؟ 

- حبيبتي أنا مش فاهم حاجة
- حبيبتك!! صورك مع الهانم اللي أكيد نايمة في حضنك دلوقتي ماليه السوشيال ميديا والجرايد الصفراء يا إعلامي يا عظيم

أتسع ثغر محسن في صدمة بينما أسرت سهيلة ابتسامة النصر بصعوبة واصطنعت عدم الفهم، ففاق محسن من صدمته عندما تابعت زوجته

- طلقني يا محسن، سمعت طلقني ولعلمك هترجع مش هتلاقيني في البيت

لم تنتظر رده وأنهت المكالمة فسقط الهاتف عن يده ما جعل سهيلة تتساءل بخبث: مالك يا حبيبي؟ 

- بيتي أتهد يا سهيلة، الدنيا كلها عرفت بجوازنا

تعالت شهقاتها واصطنعت عدم التصديق فوضع محسن رأسه بين كفيه كمن خسر الدنيا وما فيها فجذبته إلى صدرها وربتت على كتفه وهي تردد

- كل مشكلة وليها حل ولو الحل أننا نتفصل أنا موافقة 

استحضرت الدموع على الفور فرفع محسن رأسه إليها ثم جذبها إلى صدره وهتف

- أنا بحبك يا سهيلة ومقدرش أعيش من غيرك، فرح كمان حبيبتي ومقدرش أعيش بعيد عنها وعن ولادي 
- يعني مش هتسيبني؟ 
- مستحيل حاجة تفرقنا غير الموت أنا ما صدقت لقيتك، قومي لمي هدومك لازم نسافر حالا وأنا أكيد هلاقي حل

لم تعترض كعادتها ونفذت رغبته على الفور لتظهر أمامه الأنثى العاقلة المطيعة لكل أوامره على عكس زوجته الغاضبة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادرت برفقته إلى السيارة فانطلق عائداً إلى القاهرة وبداخله حزن وحيرة وغضب

*****

بالجامعة.... 
جلس فريد على أحد مقاعد الصف الأول ليتابع العرض المسرحي فلفت انتباهه براعة أدم في التمثيل ومال على أذن رئيس الفرقة المسرحية وسأله عن أدم فأشاد هو الأخر بأدائه وإتقانه لفن التمثيل وتقمص الشخصيات، فتابعه فريد باهتمام وإعجاب، وبمجرد أن انتهى العرض أسرع أدم بالاقتراب من فريد وصافحه فقال الأخير 

- أنت مشروع نجم 
- رأي حضرتك وسام على صدري
- طلعت دبلوماسي كمان مش فنان وبس

ابتسم أدم بامتنان وهتف: حقيقي رأي حضرتك شرف ليا

- جهز نفسك هيكون ليك دور في المسرحية الجاية

سرت السعادة داخل أوردة أدم فربت رئيس الفرقة المسرحية على كتفه وتحدث قائلاً 

- صدقتيني لما قولتلك ليك مستقبل باهر
- بجد مش عارف أقول إيه
- ما تقولش حاجة، سيب أرقامك مع المساعد بتاعي وهكلمك قريب، بعد إذنكم

قالها فريد ثم ارتدى نظارته الشمسية وغادر برفقة رئيس الفرقة المسرحية فاقترب مساعده من أدم وحصل منه على جميع أرقام هواتفه ثم لحق بفريد فرفع أدم رأسه إلى السماء وردد بسعادة

- الحمد والشكر ليك يارب

أخرج هاتفه من جيب سرواله واتصل على الفور بصغيرته وقص عليها كل ما حدث فانطلقت صرخة سعادة من بين شفتيها وهتفت

- مبروك يا حبيبي، مبروك مبروك مبروك
- ربنا يخليكي ليا يا عمري، وجودك جمبي هو اللي بيقويني دايماً، جهزي نفسك نص ساعة وهكون عندك وهعزمك على الغداء في أجمل مطعم في القاهرة وضواحيها

قال كلماته الأخيرة بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون ثم ودعته وأنهت المكالمة لتستعد للقائه 

*****

بعد مرور ما يقارب الخمس ساعات... 
شعر عماد بالحنين لرؤية لمياء أو لسماع صوتها على الأقل، لكنه كلما حاول الاتصال بها وجد هاتفها مغلقاً فأخذ يجوب غرفته ذهاباً وإياباً بطريقة هسترية وبالنهاية أخذ قراره وغادر شقته ثم تنفس بعمق وضغط زر جرس الشقة المجاورة فترك أحمد مقعده وفتح الباب، واندهش بشدة لرؤية عماد يقف أمامه فتساءل بقلق

- مالك يا ابني؟ 
- الجرح واجعني جداً خايف لتكون الخياطة فتحت
- يا ستار، أدخل وهندهلك لمياء تشوفه

شكره عماد ودلف إلى الداخل مدعياً الشعور بالألم بالرغم من السعادة الساكنة بداخله فهو على وشك لقائها وإطفاء شوقه لرؤيتها... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى اقتربت منه والقلق يظهر بوضوح داخل عينيها فنست غضبها وسألته 

- إيه بيوجعك؟ 
- قلبي

قالها بصوت خفيض وصل مُباشرةً إلى مسامعها نظراً لقربها الشديد منه فأسرت ابتسامتها بصعوبة واصطنعت الجدية قائلة 

- لو الغرز فيها شيء كان الجرح نزف، حضرتك خد قرص مسكن ونام والصبح هتبقى تمام، بعد إذنك

كادت أن تغادر لكن سبقها أحمد قائلاً: يا بنتي فكي الرباط وشوفي كويس ليكون في التهاب ولا حاجة

استسلمت لمياء لرغبة أبيها واقتربت مرة أخرى من عماد ثم أمسكت يده فشعرت أن هناك ماس كهربائي أصابها ومع ذلك تمسكت بثباتها وتعمدت عدم النظر إليه، وما هي إلا دقائق حتى انتهت من فحصه وأعادت ربط يده ثم وجهت نظراتها صوب والدها وهتفت 

- الجرح مفيهوش حاجة يا بابا، محتاج مسكن شديد مش أكتر
- طيب الحمد لله
- بعد إذنكم عندي مذاكرة 

لم تستطع انتظار رد والدها فغادرت على عُجالة قبل أن يفهم والدها ما يدور بينهما، وما أن وصلت داخل غرفتها أغلقت بابها ووقفت خلفه وهي تتمتم في نفسها 

- مجنون

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري / منى سليمان

July 21, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل العاشر - بقلمي منى سليمان 

* دفء أسري *   

شعرت لمياء بالخوف والتوتر في آن واحد، وشعرت كذلك بهروب الكلمات، لكنها استجمعت شجاعتها وقصت على والدها كل ما حدث ما زاد إعجاب عماد بها... انتقل أحمد بنظراته صوب عماد ورأى الدماء تغطي قميصه وسرواله فاقترب منه وقال بحنان 

- ألف سلامة عليك يا ابني، أبقى خد بالك
- الله يسلم حضرتك وأسف أني جيت مع الدكتورة في العربية بس حالتي ما سمحتش أسوق العربية و

قاطعه أحمد قائلاً: لا كده أزعل منك، إحنا ولاد أصول ونفهم في الواجب وأنا بثق في بنتي وعارف ومتأكد أنها مستحيل تعمل شيء غلط

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد عندما رأى لمياء توجه نظراتها صوب الأرض في حضرة أبيها فهتف

- ونعم التربية يا عمي

طلب أحمد من السائق الانصراف ثم أشار بيده إلى حارس العقار وطلب منه مساعدة عماد وخلال دقيقة واحدة استقلوا جميعاً المصعد إلى الطابق العاشر... وما أن استقر المصعد غادرت لمياء إلى الشقة بينما دلف أحمد إلى شقة عماد وانتظر حتى أراح جسده على الفراش وتحدث بهدوء 

- لو أحتاجت أي حاجة ما تتكسفش، إحنا جيران والنبي وصى على سابع جار ما بالك الباب في الباب، ووالدك الله يرحمه كان إنسان محترم 
- بجد مش عارف أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر بنتي دكتورة يعني ملاك رحمة وأنت زي ابني ربنا يرجعه بالسلامة ويوقفله ولاد الحلال في الغربة، هسيبك ترتاح

حرك عماد رأسه  بامتنان فغادر أحمد واتجه مُباشرةً نحو شقته ووجد لمياء تقف في انتظاره وهي تحني رأسها خجلاً فاقترب منها ووضع يده أسفل ذقنها ثم رفع وجهها إليه وهتف

- أوعي تحني رأسك أبداً قدام حد حتى لو أنا
- أنا آسفة يا بابا، لما عرفت أنه عمل حادثة أتخضيت ومحستش بنفسي غير وأنا بروحله

أزال أحمد يده عن ذقنها فأردفت: حضرتك زعلان مني؟ 

- شوفي يا بنتي أنا طول عمري مديكي حريتك ولحد النهارده ما شوفتش منك حاجة غلط لأني ربيتك صح ومتأكد أنك هتفضلي كده، طالماً التعامل بينكم بحدود وأدب يبقى أتصرفي على طبيعتك، وبالنسبة لموضوع الكتاب كان نفسي أعاكسك شوية بس جوري سبقتني 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم خبأت جسدها في صدره فأحاط جسدها بيديه ثم طبع قبلة على خصلات شعرها وتابع

- يلا يا بكاشه أدخلي أعملي أكل لينا وللمريض اللي جمبنا علشان أمك راحت لخالتك وبالليل هروح أجيبها
- حاضر يا أطيب بابا في الدنيا

ابتعدت عنه قليلاً ثم طبعت قبلة على وجنته ودلفت إلى الداخل فجلس أحمد على أحد المقاعد وتمتم في نفسه

- بناتي الأتنين كبروا ومش عارف السنين جريت أمتى، ربنا يحفظهم

****

بمكان أخر... 
جلست على الأرض تبكي وهس تتذكر ثورته لمجرد رؤيتها، تذكرت كيف ابعدها رجال الأمن الدار وتردد في أذنها صوت تكسير محتويات المكتب... تعالت شهقاتها وشعرت بغصة في قلبها وظلت على تلك الحالة حتى عادت شقيقتها إلى المنزل فاقتربت منها وتساءلت 

- روحتي لعماد؟ 

حركة رأسها لأعلى وأسفل والدموع تنهمر بغزارة على وجنتيها فتابعت شقيقتها بغضب

- منظرك بيقول طردك وأنا قولتلك من الأول ما تروحيش لأته مستحيل يسامحك
- كفاية مش عايزه أسمع حاجة، مش هفضل عمري كله أتحاسب على غلطة 

قاطعتها شقيقتها قائلة: أنتي دمرتيه ودمرتي كل حاجة، مش هيسامحك بين يوم وليلة،  سبيه يهدى وأنا هروحله بنفسي وأحاول أقنعه، دلوقتي قومي أتوضي وصلي واستغفري ربنا وأدعيله 

استطاعت كلمات شقيقتها إخماد النيران المشتعلة بداخلها فرفعت رأسها وكفيها إلى السماء ودعت الله مراراً وتكراراً ليزيل الذنب عن كتفيها

***
بالمشفى... 
طرق أدم باب غرفة أحلام ثم دلف إليها حاملاً بيد باقة فخمة من الزهور الحمراء التي تعشقها جوري، وباليد الأخرى علبة من الحلويات المفضلة لمدللته ثم اقترب منها شيئاً فشيئاً حتى استقر أمامها فلمعت عينيها فرحاً وهي تضع يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فابتسم بسعادة وهتف

- كل سنة وأنتي طيبة وعقبال مليون سنة تعيشيهم في حضني

تسارعت نبضاتها فرحاً وأتسعت ابتسامتها الساحرة فلم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بجسدها في صدره وهي تردد

- قولت هتنسى عيد ميلادي علشان الظروف اللي إحنا فيها
- أنا أنسى نفسي ومنساش اليوم اللي جيتي فيه الدنيا علشان تنو دنيتي 

أبعد رأسها عن صدره ووضع يده أسفل وجنتها ثم نظر مُباشرةً إلى زرقاوية عينيها وتابع

- بحبك يا جوري
- وأنا بحبك اوووي، كتيررررر

كاد أن يتحدث لكن قاطعه خروج أحلام مستندة على يد فاطمة من حمام الغرفة فابتعدت جوري عنه وتراجعت خطوات قليلة إلى الوراء وهي تتحدث بخجل

- كان بيقولي كل سنة وأنتي طيبة

أسرت أحلام ضحكتها بصعوبة بينما اصطنعت فاطمة الغضب وقالت بجدية مصطنعة

- عيشنا وشوفنا، معايدة عيد الميلاد بالأحضان 

ازداد خجل جوري وتمنت أن تنشق الأرض بها بينما رمق أدم والدته بنظرة نارية بادلته إياها بابتسامة لتزيد غضبه فرفع أحد حاجبيه وهتف

- بطلي هزارك التقيل ده يا طمطم
- طب لم نفسك بدل ما عمك يحلف يمين ما تفضلوش سوا في شقة واحدة، وتعالى وريني جايبلها إيه علشان

قاطعتها أحلام بوهن: طيب رجعيني السرير الأول وبعدين شغلي المفتش كرومبو اللي جواكي

- لمؤاخذة ياختي نسيتك

ابتسمت جوري وهي مازالت توجه نظراتها صوب الأرض بينما ضحك أدم على جنون والدته الذي ورثه عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى أراحت أحلام جسدها على الفراش فاقتربت فاطمة من أدم وتساءلت

- جايبلها إيه؟ 
- ورد وحلويات، تاخدي حته؟ 
- اه
- لا دي بتاعت جوري بس

رفعت جوري بصرها إليه وابتسامة عذبة ترتسم على ثغره فغمز لها بمشاكسة وأردف

- وجبتلها عربية علشان أكفر عن ذنبي وتعرف أني بثق فيها ومش عايز أخليها تابع ليا

لمعت عينيّ جوري من جديد وانبعث ضوء السعادة من وجهها لكن سعادتها لم تكن بسبب الهدية، بل لتبدل حاله وثقته بها فسألته برقة

- بجد يا أدم بتثق فيا ومش هتخليني تابع ليك؟ 
- أكيد يا عمري، وكمان هعلمك السواقة بنفسي بس لما لولي تشد حيلها 
- ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا

راقبت فاطمة المشهد بسعادة وتأكدت بالدليل القاطع أن ابنها ورث جميع صفات والدته، الغيرة والحنان، الغضب والرحمة، العقل والجنون... تلألأت الدموع داخل مقلتيها عندما تذكرت حبيبها الراحل فدلفت إلى الحمام حتى لا تُفسد عليهما لحظات الصفاء والعشق، ثم نظرت إلى وجهها بالمرآة ورددت بخفوت

- وحشتني أوي يا صبري، ابنك طالع حتة منك كنت تغير وتزعق وتتخانق وبعد دقيقة تهدى وتاخدني في حضنك، الله يرحمك ويجمعنى بيك

غسلت وجهها وغادرت الحمام ثم اقتربت من أدم واختطفت منه علبة الحلويات لتشاكسه لكنه لك يرفع راية الاستسلام واسترد ما أخذته ثم قبض برفق على معصم جوري وركض إلى الخارج فضحكت أحلام حتى دمعت أعينها ثم نظرت إلى فاطمة وقالت مازحة

- مجنونة أكتر من ابنك
- أيوه كده اضحكي خلي الدنيا تنور
- ربنا يخليكي ليا يا سندي
- ويخليكي ليا ويشفيكي ويعافيكي يارب


****

انتهت لمياء من إعداد وجبة ذكية الرائحة ثم أحضرت صينية كبيرة ووضعت عليها العديد من الأطباق، وخلال دقائق قليلة غادرت المطبخ واتجهت صوب والدهاوهتفت مازحة

- الأكل كله جاهز يا أحمد باشا

رفع أحمد بصره إليها وضيق بين حاجبيه ليصطنع الغضب فابتسمت برقة وتابعت

- قصدي الأكل جاهز يا أطيب أب في الدنيا
- أكلنا ولا أكل جارنا اللي جاهز؟ 
- الأتنين

قالتها ثم عادت أدراجها إلى المطبخ وحملت الصينية وغادرت فاقترب منها أحمد وحمل الصينية عنها ثم غادر الشقة واتجه نحو شقة عماد وطرق بابها بخفة، فترك عماد فراشه بصعوبة ثم اتجه نحو باب الشقة وفتحه

- جبتلك أكل علشان تاكل كويس وبالمرة يبقى عيش وملح

شعر عماد بالسعادة فلم يهتم أحداً به منذ وفاة والده فابتسم بامتنان وهتف

- بجد مش عارف أقول إيه ولا أشكر حضرتك أزاي، أنا فعلاً كنت جعان ومش قادر أعمل أي شيء 
- يبقى أقعد كل بألف هنا وشفاء، لمياء اللي طبخت ربنا يستر بس ويطلع الأكل عدل 

تسارعت نبضات عماد في سعادة لمجرد وصول أسمها إلى أذنيه، لكنه استرد رباط جأشه وقال

- أكيد هيعجبني، كفاية تقدير حضرتك ليا
- طيب كل الأول وبعدين نتكلم حكم طبيخ بنتي عجيب، ربنا يستر

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد فودعه أحمد وعاد إلى شقته ليتناول الطعام برفقة ابنته... 
أما عماد فجلس يأكل بنهم لشعوره الشديد بالجوع، وما أن فرغ اراح جسده إلى الخلف قليلاً وتمتم في نفسه

- من سنين ما أكلتش أكل حلوة كده

شرد لعدة دقائق في نظرة القلق التي رآها داخل عينيها، وعبس بشدة عندما تذكر دموعها فأكمل حديثه مع النفس قائلاً 

- بلاش تعلقها بيك وأنت عارف ظروفك كويس

بمجرد أن توقف عن الحديث، استمع إلى صوت يتردد بقوة داخل أذنيه، نعم أنه صوتها العذب الذي يجذبه إليها أكثر فأكثر فابتسم بسعادة وأردف

- مش يمكن تكون دوايا

أخرج هاتفه من جيب سرواله وقرر إرسال رسالة نصية فكتب

 (تسلم أيديك الأكل حلو جداً) 

اهتز هاتف لمياء الموضوع إلى جوارها على الفراش فالتقطته وأسرعت بقراءة الرسالة، واندهشت بشدة عندما رأت أسمه فأخذها الفضول لقراءة كلماته، فقرأتها وابتسمت ثم كتبت

(كنت فاكرة هتقولي أكلك غريب زي ما بابا دايماً بيقولي، بس والله ده الأكل اللي على الموضة، مبسوطة أنه عجبك) 

ضغطت زر الإرسال فصدح صوت رنين هاتفه فقرأ رسالتها على الفور ثم أرسل

(بالعكس الأكل جميل جداً، من سنين ما أكلتش أكل بيتي للأسف عايش على أكل الشارع) 
(يا حرام) 

أرسلتها بتلقائية فقرأها وابتسامة خلابة تزين ثغره وكاد أن يرسل واحدة لكنه رفع رأسه عن الهاتف وتحدث إلى نفسه

- أنا أكيد اتجننت، إيه شغل المراهقين اللي بعمله ده

ألقى بالهاتف على المقعد المجاور له وألف فكرة تدور برأسه فقاطعت لمياء شروده برسالة، التقط على أثرها الهاتف شوقاً لقراءة كلماتها

(الجرح بيوجعك ولا المسكن كويس؟) 
(لا مش حاسس بأي ألم، هستأذن والدك تغيريلي على الجرح مش هقدر أسوق العربية لحد المستشفى، هضايقك؟) 

قرأتها وابتسمت ثم أرسلت رسالة قصيرة تحمل معانِ كثيرة 

(بالعكس ده شيء يسعدني، مش هيضايقني أبداً) 
(لما تفضي أبعتيلي رسالة علشان أبعتلك الرواية) 
(أوك، هصلي العشاء وأقول لحضرتك تبعتها) 

قرأها عماد وابتسم ثم وضع الهاتف وترك مقعده متجهاً إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي ولكن طاردته ذكرياته الأليمة وما حدث صباحاً فتجدد الألم بقلبه وتمتم بحدة

- أنا بكرهك، وهعيش وأموت وأنا بكرهك يا حقيرة

****

أوقفت سيارتها أمام فندق فخم لكنها لم تترجل من السيارة بل ترددت في ما جاءت لأجله فظلت جالسة لمدة ليست بالقليلة أخذت قرارها وترجلت ثم دلفت إلى الداخل واستقلت المصعد إلى الطابق العاشر حيث يجلس الثري العربي في انتظارها... اقتربت من باب الغرفة وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالتوتر ومع ذلك طرقت الباب فانتفض هشام عن مقعدة وفتح الباب ثم جذبها بخفة إلى الداخل وهتف

- يا الله على هالچمال، الفندق نور والله

ضحكت فاتن بدلال وقالت: مش أوي كده يا أبو عبد الرحمن

- والله اشتاجتلك، هالا بنتمم عقد الزواچ وبتصيري إلي لأسبوع 

أخرج من جيب جلبابه سندات ورقية بقيمة مليون ريال سعودي ثم قدمه إليها وتابع

- مهرك يا عروسة

أخذت منه ما قدمه إليها فابتعد قليلاً ثم عاد حاملاً علية من الذهب الخالص فتحتها فاتن ووجدت بداخلها مجموعة من الحلي والمجوهرات  فأردف

- وهاد كله لألك
- كتير أوي كده

قاطعها قائلاً: ما في شي بيغلى عليكي، يلا أمضي ورق الزواچ لتحلى ليلتنا

- طيب والشهود؟ 
- مضوا قبلك وراحوا ولا تجلجي هاد عقد رح تمضي عليه بيلزمك تبقي معي لأسبوع ويلزمني طلجك بعد الأسبوع، بتجولي زوجتك نفسي وأنا بجبل

ابتلعت فاتن ريقها بصعوبة وقررت تنفيذ الصفقة فقامت بإمضاء عقد الزواج الأشبه بعقد شراكة ثك سلمت جسدها إليه ليفعل ما يحلو له

****

في ذات اللحظة كان محسن يتناول العشاء برفقة سهيلة على ضوء الشموع... أطعمها بيديه ليدللها فبادلته وأطعمته وهي تصطنع الدلال لمعرفتها الجيدة بأن هناك من يراقبهما ويلتقط لهما الصور الفوتوغرافية، وبمجرد أن علّا صوت الموسيقى، ترك مقعده وتقدم منها ثم مد لها يده فوضعت كفها بداخلها ومضت معه إلى حلبة الرقص ثم بدأت تتمايل وهي تتبادل معه نظرات العشق وبالنهاية اسندت رأسها على كتفه لتُعطي للفضيحة التي اعدت لها سالفاً مجموعة من الصور الرومانسية التي تُحاكي قصة عشقها له

***

في الثامنة مساءاً انتهت لمياء من أداء فرضها ثم رفعت يديها إلى السماء ودعت الله كثيراً... بعد لحظات قامت عند سجادة الصلاة وحملت الهاتف لتراسل عماد كما طلب منها حتى يرسل روايته، لكنها ما أن أمسكت الهاتف بين راحتها طرق والدها باب الغرفة ثم دلف إليها وهتف

- قاعده لوحدك ليه؟ 
- كنت بصلي وهذاكر شوية
- ربنا يفتح عليكي، أنا نازل أجيب أمك محتاجة حاجة وأنا راجع أجبهالك؟ 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم وقفت على أطارف أصابعها وطبعت قبلة على وجنته وقالت

- أنت مش مخليني عايزه حاجة، ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا، صحيح جارنا طلب مني تغيريله على الجرح الصبح بدل ما يتصل بالمساعد بتاعه يجي ياخده المستشفى مخصوص يغير عالجرح، قولتي إيه؟ 

بالرغم من معرفتها المُسبقة بذلك إلا أنها شعرت بالخجل فأجابته بصوت مرتعش

- اللي حضرتك تشوفه
- خلاص الصبح نروحله سوا، هتحرك بقى بدل ما أتأخر على ماجدة 
- مع السلامة

انتظرت حتى غادر والدها وأمسكت هاتفها من جديد لتتحدث إلى عماد لكن سبقها صوت رنين فابتسمت بسعادة 

- وحشتني وحشتني وحشتنننننننني
- وأنتي كمان وحشتيني، الشبكة بتقطع أقفي في حته فيها شبكة

اتجهت لمياء مُباشرةً صوب الشرفة وقالت: بجد وحشتني يا سعد أرجع بقى

- سعد!!! 

رددها عماد بغضب ثم صر على أسنانه وترك الشرفة حيث كان يجلس في انتظارها، وبمجرد أن دلف إلى غرفته أخذ يجوب المكان ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية وهو يردد

- كلكم زي بعض، كلكم زي بعض، كلكم خاينين

توقف فجأةً عن الحركة ثم ثنى جزعه ونظر إلى عينيه عبر المرآة وتابع بنبرة صوت تثير الفزع

- هخليها تندم


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Friday, July 19, 2019

حريق على الجسر، هاني النجار

July 19, 2019 0
حريق على الجسر، هاني النجار

ليس أصعب على الانسان من شعوره بأنه قيد التلاشي والفناء أو أن هويته مثار نهب واشتهاء
ترزح تحت معول الاخرلمحوها.
لكننا إن كنا نظن أن سبيل الحرية هو التحرر من الاصفاد التي تٌكبّل المعاصم ، 
والتحلل من الأغلال التي تُقل الأعناق
أو كنا نعتقد أن أول خطوةعلى طريق الاستقلال هي اإنفلات من براثن هذا الآخر 
فنحن بلا ريب رهائن الغفلة ، ذاهلون عن المرجعيات الحقيقة التي تدفع بنا اأو تكاد..
نحو طريق الحرية.


للقراءة إضغط هنا:
للتحميل إضغط هنا:

Sunday, July 14, 2019

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع - بقلمي منى سليمان 

* صدفة *   

بالمشفى... 
ودعت أحلام الجميع ثم مضت برفقة إحدى الممرضات لإجراء مجموعة من الفحوصات قبل بدء الجراحة فجلست جوري تبكي على أحد المقاعد خوفاً من فقدان والدتها... اقتربت منها فاطمة وضمتها إلى صدرها ثم همست في أذنها 

- خلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله

قالتها جوري ثم ابتعدت عن صدر فاطمة وكفكفت دموعها وخلال دقيقة واحدة أخرجت المصحف من حقيبتها وبدأت تتلو آياته بتدبر فتركت فاطمة مقعدها واقتربت من أدم قائلة

- اتصل شوف عمك وماجدة أتأخروا ليه
- حاضر 

ابتعد أدم قليلاً ليتحدث إلى عمه بينما عادت فاطمة لتجلس إلى جرار جوري وبدأت هي الأخرى في تلاوة القرآن عله يزيح الثقل الكائن بداخلها

****

وقفت لمياء عن الدرج وهمت أن تبتعد لكنه لم يسمح بذلك وسبقها بخطوة مانعاً إياها من الصعود فرفعت بصرها إليه ورمقته بنظرة نارية بادلها إياها بابتسامة خفيفة زينت شفتيه فقالت بغيظ

- من فصلك وسع شوية لأني متأخره جداً 
- أنا أسف

انطلقت الكلمات من بين شفتيه بطريقة هادئة لم يعتاد عليها من قبل لكنها لم تكن كافية بالنسبة إليها فبدأت تتحدث بطريقة جنونية كتلك التي يمتلكها الأطفال عند الغضب

- لو سمحت يا أستاذ عماد عديني، مفيش حاجة بينا تستدعي الاعتذار أنا اللي غلطانه علشان اتصلت بحضرتك بس على فكرة دي كانت فكرة بنت عمي غير كده مكنتش هتصل، ممكن أعدي بقى؟ 
- لا مش ممكن، أولاً أنتي مش غلطانه في حاجة بالعكس احترمت جداً تقديرك لوالدك ورغبتك في انتظار إذنه قبل أي خطوة، ثانياً تقدري تتصلي في أي وقت لأن ده شغل وقولتلك قبل كده أنا والدار تحت أمرك، ثالثاً أنا أسف 

شعرت لمياء بقليل من الرضا ومع ذلك لم تظهر له ذلك فأرجعت خصلات شعرها خلف إذنها وقالت برقة

- خلاص محصلش حاجة، ممكن أعدي بقى؟ 
- اه طبعاً ممكن

أفسح لها المجال لتمر إلى جواره ووقف يتابعها بعينيه حتى توقفت بدون سابق إنذار وعادت إليه لتسأله

- هو حضرتك بتعمل إيه هنا؟ 
- أنا ساكن هنا

جحظت عينيها وأتسع ثغرها في صدمة فابتسم على فعلتها وتابع: وواضح أنك ساكنة هنا، صدفة عجيبة

- فعلاً 
- طلعنا جيران


كادت أن تتحدث لكن قاطعها هبوط المصعد فرددت: الحمد لله

اقتربت من المصعد وقامت بضغط الزر فلحق بها عماد ووقف هو الأخر في انتظاره فشعرت بالتوتر دون أن تُظهر ذلك لكنه شعر بتوترها عندما استمع إلى صوت أنفاسها المضطربة، لم تمض سوى لحظات قليلة حتى استقر المصعد بالطابق الخامس فدلفت لمياء ولحق بها عماد متسائلاً 

- الدور الكام؟ 
- العاشر

قالتها بخجل ملحوظ يشبه خجل طفلة لم تتعدى العاشرة فأسر ابتسامته بصعوبة وهتف

- أنا كمان ساكن في الدور العاشر

ضغط زر الطابق العاشر ووقف يراقب الصدمة الظاهرة بوضوح على قسمات وجهها والتزم الصمت حتى لا يزيد غضبها، ولكن كان للقدر كلمة أخرى، توقف المصعد بين الطابق السابع والثامن فشعرت بالخوف ونظرت إليه بأعين ملأها الرعب 

- هو وقف ليه؟ 
- أكيد لسه بيعملوا الصيانة وإحنا استعجلنا
- وبعدين هنفضل محبوسين هنا؟!! 

رفع سماعة المصعد وقام بالاتصال على حارس العقار وأخبره بوجودهم بالداخل ثم أنهى المكالمة ونظر إليها قائلاً 

- قال هيتصرف
- أنا خايفه أوي وكمان إتأخرت وعندي سيكشن عملي
- هتلحقيه بأمر الله

ساد الصمت بينهما من جديد فاستغل عماد الفرصة التي ظهرت أمامه من العدم وسألها

- لسه زعلانه مني؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أفهم من كده هتطبعي كتابك عندنا ولا غيرتي رأيك؟ 

قال كلماته بطريقة مازحة فابتسمت وهي توجه نظراتها صوب الأرض ثم استجمعت شجاعتها ورفعت بصرها إليه 

- لو بابا وافق يشرفني طبعاً أتعامل مع حضرتك
- ممتاز 

تحرك المصعد بدون سابق إنذار وأكمل صعوده إلى الطابق العاشر فخرجت لمياء منه ثم لحق بها عماد وأردف

- تحبي أوصلك الجامعة؟ 
- ميرسي، السواق منتظر تحت بالعربية هيوصلني ويرجع ياخدني، بعد إذنك

دلفت إلى الشقة ثم ودعته بابتسامة وأغلقت بابها فاتجه صوب شقته وهو يشعر بأمر غريب يدور بداخله، أما هي فظلت واقفة خلف باب الشفة واضعة يدها على قلبها ثم تنفست بعمق ودلفت إلى غرفتها لتأخد النقود وخلال دقائق قليلة غادرت فتابعها عماد بعينيه من خلال شباك غرفته حتى انطلق قائد السيارة، وبمجرد أن اختفت السيارة تماماً ابتعد عن الشباك وجلس على أحد المقاعد وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغره سرعان ما اختفت وحل مكانها نظرة مريبة فردد في نفسه

- ما ينفعش 

****

في الظهيرة استيقظت سهيلة وهي عازمة النية على إخبار ابنتها قبل أن تعرف بما حدث من خلال الصحافة ووسائل الإعلام الفنية التي ستتناقل الخبر... تركت فراشها والغرفة كذلك ثم ذهبت إلى غرفة ابنتها وجلست إلى جوارها قائلة بصوت هادئ

- فاتن wake up يا عمري

تململت فاتن بكسل ثم وضعت الوسادة فوق رأسها فأزالت فاتن الوسادة وكرر كلماتها بصوت أكثر جدية ما جعل فاتن تعتدل في جلستها والضجر يظهر بوضوح على قسمات وجهها فتابعت والدتها

- صح النوم
- صباح الخير
- فوقي كده علشان عايزاكي في موضوع مهم 
- سمعاكي يا مامي، خير؟ 
- في موضوع كده حابه أبلغك بيه، عارفه أني غلطانه علشان خبيت عليكي بس الموضوع جه بسرعة و

قاطعتها فاتن متسائلة بقلق: في إيه قلقتيني؟ 

- أنا أتجوزت محسن منصور من شهرين و

توقفت سهيلة عن إكمال كلماتها عندما تبدلت ملامح فاتن وجحظت عينيها من هول الصدمة فقالت بحدة وصوت عال

- What?!! 
- أنا عارفه أني غلطانه بس أعمل إيه بحبه 

تطاير شرار الغضب من عينيّ فاتن واستعدت لإطلاق سهامها في وجه والدتها، ولكن سبقتها الأخيرة وتابعت بنبرة صوت تحمل الانكسار المصطنع

- هو أنا مش من حقي أحب واتحب وأعيش حياتي زي والدك ولا خلاص أروح أدفن نفسي بالحياة 

تساقطت دموعها الأشبه بدموع التماسيح فزفرت فاتن بضيق ثم ربتت على يد والدتها وتحدثت بهدوء 

- بعد الشر عنك، أنا بس مش مصدقة أنك خبيتي عني
- حقك عليا وأوعدك مش هخبي عنك حاجة تاني أبداً 
- مبروك مامي
- الله يبارك فيكي يا قلبي، عمو محسن قال هيعمل معاكي لقاء قريب أوي

أتسع ثغر فاتن في سعادة فاعتلت الفراش ورددت بسعادة: بجد يا مامي؟ 

- طبعاً يا قلب مامي

أخذت فاتن تقفز فرحاً ثم ألفت بجسدها على الفراش وانطلقت من بين شفتيها أعلى الضحكات فتركتها سهيلة وغادرت، وبمجرد أن عادت إلى غرفتها لمعت عينيها بخبث وتمتمت في نفسها 

- كده تمام أوي وكل حاجة ماشيه زي ما خططت وأحسن 

****

بالمشفى... 
كانت جوري تجوب الممر المؤدي إلى غرفة العمليات ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية لشعورها الشديد بالخوف فترك أدم مقعده واقترب منها في محاولة منه لتهدئتها ولكن دون جدوى فقد كان شعورها بالخوف يفوق طاقتها الاحتمالية، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها خروج الطبيب فركضت باتجاهه وتساءلت 

- العملية نجحت؟ 
- الحمد لله حالتها مستقرة وتم استئصال الورم بنجاح
- ألف حمد وشكر ليك يارب

قالتها جوري وهي تبكي بغزارة فأحاط أدم خصرها من الخلف بعد أن ابتعد الطبيب وقربها منه قائلاً 

- إيه لازمة الدموع دلوقتي؟ 
- كنت خايفه عليها أوي 
- الحمد لله ربنا طمنك فياريت بلاش دموع، هروح أطمن ماما وعمي وأرجعلك

بمجرد أن ابتعد أدم، اقتربت لمياء من جوري وعانقتها فتمسكت بها وهي تردد 

- كنت خايفة أوي 
- هي عامله إيه دلوقتي؟ عديت عليهم بره قالوا لسه
- الدكتور قال كويسه وأدم خرج يبلغهم
- طيب ما تعيطيش طالماً الدكتور طمنك

تنهدت جوري بحرقة ثم جلست على أحد المقاعد الموضوع أمام جحرة العمليات ثم نظرت إلى لمياء وقالت

- خايفه أخسرها يا لمياء، خايفه في يوم أصحى وملقيش جمبي لا أب ولا أم
- أخس عليكي ليه تفولي عليها بس، وبعدين تعالي هنا هو مش إحنا أخوات ولا إيه، وأدم جمبك وهيفضل جمبك لأخر العمر
- ربنا يخليكم ليا، أنتي بجد أختي وصديقتي وأقرب حد ليا

عانقتها لمياء مرة أخرى فتمسكت جوري بها علها تجد الأمان الذي فقدته منذ أن علمت بمرض أحلام

****

بمقر دار دار الحكمة للنشر والتوزيع جلس عماد على مقعده داخل مكتب فخم وأمامه مجموعة من الأوراق عليه مراجعتها ليقرر ما يصلح للنشر... كان شارداً لدرجة جعلته ينسى الزمان والمكان، فقط تذكر حديثه معها وتساءل في نفسه ما سر انجذابه نحوها بالرغم من عدم اهتمامه بفتاة من قبل؟... ظهرت على شفتيه ابتسامة خفيفة عندما تذكر معاملتها الجافة له قبل أن يعتذر منها... ظل على تلك الحالة لساعة كاملة ثم فاق من شروده على الأصوات التي تتردد بداخله فاشتعل صراع داخلي مع نفسه... وقف عن مقعده وهو يشعر بالاختتاق ثم دلف إلى الحمام الملحق بغرفة المكتب وغسل وجهه مراراً وتكراراً ثم نظر إلى نفسه في المرآة وردد بحدة

- ما ينفعش اللي بتعمله ده، من أمتى بتهمك واحدة، طلعها من دماغك ولو الكتاب بتاعها السبب يبقى شيله من حساباتك وشيلها هي كمان

أزال المياه عن وجهه ثم عاد ليتابع عمله وكأن شيئاً لم يكن، فقد قضى حياته بعيداً عن النساء وعليه التمسك بقراره إلى الأبد

*****

في العاشرة مساءاً عادت لمياء إلى المنزل برفقة والدها ووالدتها، بينما بقت جوري إلى جوار والدتها وكذلك فاطمة وأدم الذي رفض الابتعاد عن مدللته... دلفت إلى غرفتها وهي تشعر بثقل جسدها فقد كان يوم شاق... أبدلت ثيابها ثم توضأت وصلت فرضها وبمجرد أن فرغت حملت هاتفها ودلفت إلى الشرفة لتتحدث إلى جوري... 
على الجانب الأخر صدح صوت رنين هاتف جوري فتركت مقعدها وابتعدت قليلاً ثم أجابت قائلة

- وصلتوا؟ 
- اه يادوب أتوضيت وصليت

في ذات اللحظة كانت الكوابيس تطارد عماد كعادة كل ليلة فانتفض عن الفراش وهي يتصبب عرقاً وما أن شعر أنه على وشك الاختتاق غادر الغرفة ودلف إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي فاستمع إلى صوتها العذب وهي مازالت تتحدث عبر الهاتف

- تصدقي يا بت أنتي الشقة من غيرك هادية أوي
- ربنا ما يحرمنا من بعض ويشفي ماما وعموماً كلها ٤٨ ساعة وأجي أقعد على قلبك

تنهدت لمياء بحرقة فشعرت جوري بالقلق عليها وتابعت متسائلة: مالك؟ 

- عايزه أفاتح بابا في موضوع النشر وخايفه يرفض
- تااااني، يا بنتي ما قولتلك عمي تفكيره غير كده خالص، أقولك أصبري لما ماما تخرج وأنا بنفسي هفاتح عمي، بس قوليلي بالحق أنتي خايفه على فرصة النشر ولا حاجة تانية؟ 
- قصدك إيه يا ست جوري؟ 

قالتها بغضب ونبرة صوت حادة فابتسمت جوري وأجابتها بمرح طفولي: يعني قولت يمكن يعني مهتمة بدار النشر وصاحب دار النشر

- بقولك إيه أقفلي بدل ما أجي أكسر الفون على راسك وأبيتك جمب طنط في الرعاية
- أعوذ بالله منك، أنا هقفل من نفسي جتك القرف

أنهت جوري المكالمة المكالمة وعادت إلى فاطمة وأدم، بينما جلست لمياء على أحد المقاعد لتتأمل السماء ونجومها فشعر عماد برغبة ملحة في الحديث معها دون أن تفهم ذلك فاصطنع الحديث عبر هاتفه الخلوي قائلاً 

- يا سامي أسمعني علشان مش حابب كلام كتير في الموضوع ده

ميزت صوته بسهولة فتسارعت نبضاتها وحاولت التماسك فتابع بحدة مصطنعة وصوت عال

- بكرة الصبح خطة المبيعات الجديدة وأرقام التوزيع لسنة المعارض يكونوا على مكتبي ومش هقبل اعذار، مع السلامة

أنهى مكالمته التي لا وجود لها واتجه صوب سور الشرفة عله يتحدث معها دون أن يعرف السبب الذي يدفعه لذلك، فوقفت هي الأخرى عن مقعدها واقتربت من السور لتتلاقي أعينهم في نظرة سريعة قطعها بكلماته التي تحمل الاندهاش المصطنع بطياتها

- الصدف كترت النهارده بينا
- فعلاً، سبحان الله أوضة حضرتك طلعت جمب أوضتي والحيطة في الحيطة 
- لحقتي السيكشن بتاعك؟
- لحقته الحمد لله، مش عارفه ازاي بقالي سنتين ونص في القاهرة وما تقابلناش قبل كده في العمارة
- أنا لسه راجع من أمريكا من شهر قضيت منهم أسبوعين بنام في الدار لحد ما جهزت الشقة، لأنها مقفولة من تلات سنين تقريباً 

ضيقت لمياء بين حاجبيها فاندهش من فعلتها وتابع: مالك؟ 

- العمال اللي كانوا شغالين في شقتك مكنش بيحلالهم الدق غير وأنا نايمة 
- يا خبر أبيض، ده أنا هروح أشتكي حالاً لمهندس الديكور اللي سلمته الشقة

قال كلماته بطريقة ساخرة محببة إلى القلب فابتسمت ببراءة ليبادلها بسؤال

- قولتي أنك بتقرأيلي، يا ترى قرأتي إيه؟ 
- كل كتب حضرتك ورواياتك بلا استثناء 
- واو، وعجبوكي على كده؟ 
- أكيد، حضرتك كاتب مميز جداً وأفكارك دايماً مختلفه والنهايات على الأغلب سعيدة بس لاحظت في أخر رواية قسوة في معاملة البطل للبطلة بالرغم أن العشق بينهم كبير أوي

شرد عماد في كلماتها وبدأت أفكار عديدة تدور في رأسه ولكن سرعان ما فاق من شروده عندما تابعت برقة

- هستأذن من حضرتك وأدخل علشان مقتولة نوم
- اه طبعاً أتفضلي
- تصبح على خير

ودعها بابتسامة ساحرة جعلتها تتوه في قسمات وجهه ولم يعيدها إلى أرض الواقع سوى صوته

- تلاقي الخير

انتظر حتى دلفت وأغلقت باب شرفتها ثم دلف هو الأخر واتجه صوب المرآة ليطالع ملامح وجهه فابتسامته لا تظهر إلا في وجودها بالرغم من عدم معرفته الجيدة بها... ظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم حنى رأسه وتمتم بخفوت

- خليك بعيد عنها وبلاش تتعلق بيها، لو عرفت حقيقتك هتكرهك

صمت للحظات ثم رفع رأسه مرة أخرى ونظر إلى الغضب البادي على وجهه وتابع بغلظة وحدة واضحة

- أو هتخونك 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس - بقلمي منى سليمان 

* اتصال *    

استعادت لمياء توازنها وارتدت مُسرعة إلى الخلف هي تشعر بالإحراج فابتسم سامح على هيئتها وقال مازحاً 

- ما يقع إلا الشاطر يا دكتورة 

ازداد شعورها بالإحراج وهمت أن تعتذر منه لتغادر لكن سبقها عماد عندما تحدث بحدة وصوت عالِ

- أنا ماشي يا سامح، أشوفك بعدين
- تمشي فين بس ده أنا ما صدقت شوفتك
- أنا

بتر عماد كلماته بعد أن قاطعته لمياء قائلة: معلش لازم أمشي، بعد إذنكم

لم تنتظر الرد وغادرت على عُجالة فتابعها عماد بعينيه حتى اختفت تماماً بينما راقب سامح صديقه في صمت ثم وكزه في كتفه وهتف مازحاً 

- يا ابني قولي بس إيه النظام وانا أطبطك
- أنا مش فايقلك وورايا شغل، سلام

ما أن غادر عماد لمعت أعين سامح بخبث وتمتم في نفسه: أقطع دراعي لو ما كان في حاجة 

****

بعيادة الطبيب... 
ترقرقت الدموع داخل مقلتيّ جوري بعد أن سمعت ما والدتها مُقبلة عليه... جاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها ولكن دون جدوى فخانتها دمعة وسالت برفق على وجنتها سرعان ما مسحتها ووقفت عن مقعدها قائلة بثبات مصطنع

- هنزل أشوف أدم على ما تخلصوا

غادرت دون أن تلتفت خلفها وهبطت الدرج وهي تكتم صرختها، وظلت على تلك الحالة حتى وصلت إلى سيارة أدم الذي ترجل من السيارة واقترب منها وهو يشعر بالقلق على هيئتها، وقبل أن يتحدث سبقته وألقت بجسدها في صدره فغمرها بذراعيه وحنانه متناسياً الزمان والمكان، وظلت جوري على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها حينما فطنت إلى وجودها بين أحضانه بالطريق فابتعدت والخجل يكسو وجنتيها ما جعل ابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره وتحدث بمشاكسة

- ياما نفسي تنسي خجلك وأنتي في حضني ولو لمرة واحدة
- بطل قلة أدب

قالتها بغيظ وهي تزيل الدموع عن وجنتيها فسألها بصوت دافئ: مالك يا عمري؟ 

- حسيت أني بتخنق لما سمعت الدكتور بيشرح لماما هتتعالج أزاي، خوفت تشوف دموعي فبعدت علشان ماأزودش وجعها
- عندك حق، ما ينفعش نزود وجعها وننهار قدامها
- ربنا يشفيها ويعفو عنها
- يارب يا قلبي، تعالي نشرب أي حاجة في الكافيه ده على ما يخلصوا 

حركت رأسها بالموافقة ومضت معه إلى حيث أشار بسبابته فحاول الإمساك بكفها لتتشابك أيديهما لكنها أبعدت يدها وقالت بغيظ

- بس يا أدم إحنا في الشارع
- عندك حق يا عم جعفر
- أنت رخم على فكرة

قالتها بنبرة صوت تحمل الغضب بطياتها ثم سبقته بخطوة فضرب أحد كفيه بالأخر وتمتم في نفسها

- دي الشاويش عطيه كمان، مش هم جعفر بس

****

استقل عماد سيارته والأفكار تتخبط في رأسه وكأنه في صراع داخلي مع النفس بالرغم من عدم معرفته بسبب غضبه المفاجئ... أدار محرك السيارة وانطلق بها لكنه توقف على بعد أمتار قليلة عندما رأى لمياء تقف بالطريق... ترجل من السيارة بعد أن وضع نظارته الشمسية واقترب منها قائلاً بغيظ

- مستنيه حد ولا إيه؟ 
- طالبة عربية بس شكل اللوكيشن معلق وكل شوية يقولي جاي وما بيجيش

استطاعت كلماتها قطع الشك الذي تسرب إلى قلبه قبل عقله فتنفس بعمق ثم تحدث بهدوء 

- لو تحبي أنا ممكن أوصلك 
- ميرسي بس مش هينفع
- ليه؟

سألها بدون أي تردد أو تفكير فاندهشت بشدة دون أن تُظهر له ذلك ثم أجابته بخجل

- مش هينفع بجد

وجهت نظراتها خلفه ثم عادت لتنظر إليه وتابعت: بعد إذنك العربية جت، باي 

لوحت مودعة بطريقتها الطفولية فابتسم بخفوت ثم أدار جسده وقال قبل أن تدلف إلى السيارة 

- ما تتسيش تفكري وتردي عليا
- أكيد طبعاً 

ركبت وأمرت السائق بالانطلاق فعاد عماد إلى سيارته وانطلق هو الأخر إلى دار النشر ليتابع عمله

****

في ذات الوقت تململت فاتن في فراشها وخلال دقائق قليلة استيقظت وهي تشعر بصداع حاد كعادتها، فقد أصبت دائمة السهر والعودة إلى المنزل مع الساعات الأولى للصباح... اعتدلت في جلستها بصعوبة ثم ضغطت زر الجرس الموضوع إلى جوارها فتركت الخادمة ما تفعله وركضت مُسرعة إلى غرفة فاتن حتى لا تصطدم بلسانها السليط

- تحت أمرك يا هانم
- ماما لسه في هنا ولا خرجت؟ 
- لا الهانم الكبيرة ما رجعتش امبارح

اندهشت فاتن بشدة ثم أشارت بيدها إلى الخادمة لتغادر... تركت فراشها وبدأت تبحث عن هاتفها حتى وجدته فأجرت اتصالاً بوالدتها... في ذات اللحظة كانت سهيلة قابعة بين أحضان محسن منصور مقدم البرامج الأشهر بمصر والوطن العربي، وما أن صدح صوت رنين هاتفها ابتعدت عنه وأجاب قائلة

- صباح الخير يا روحي
- صباح النور، أنتي فين؟ مش قولتي مفيش شغل today
- ماجي تعبانه ومفيش حد معاهم فاضطريت أفضل معاها

استشعرت فاتن الكذب في كلمات والدتها التي لم تهتم لمرض أحدهم يوماً، ومع ذلك لم تظهر لها ذلك وتحدثت بهدوء مصطنع

- سلميلي عليها
- هتنزلي؟ 
- ممكن أروح أشوف داد وممكن أخرج مع الشلة، لسه مش عارفه

بعد مرور عدة دقائق أنهت فاتن المكالمة ثم دلفت إلى الحمام لتنعم بحمام دافئ... بينما على الطرف الأخر وقفت سهيلة على الفراش لترتدي ثيابها فاندهش محسن من فعلتها وتساءل

- بتلبسي ورايحه فين؟ 
- هروح، وكفاية أوي اللي حصل لحد دلوقتي
- سهيلة أنا بحبك
- بتحبني يبقى تعلن للكل جوازنا

أكملت ارتداء ثيابها ثم حملت حقيبتها وهمت أن تغادر الغرفة إلا أنه سبقها ووقف أمامها قائلاً 

- إحنا متفقين من أول يوم أن جوازنا هيفضل سر لحد ما ظروفي تتحسن وأعلنه بنفسي
- وأنا زهقت، عايشه معاك زي الحرامية ومراتك واخده كل حقوقها وزيادة، يا تعلن جوازنا يا نطلق 

ضيق محسن بين حاجبيه وتطاير شرار الغضب من عينيه فشعرت أنه على وشك الفتك بها وتابعت بنبرة صوت تحمل الدلال بطياتها

- أنا بحبك يا محسن، وخربت ببتي وأطلقت علشانك

رمقها محسن بنظرة اندهاش فطوقت عنقه بذراعيها وأردفت: أيوه سبت فريد علشانك، لأن من أول مرة شوفتك وأنا بحبك وأنت محستش بحبي ده غير من شهرين بس، ولما فكرت تتجوزني أتجوزنا في السر، يرضيك كده؟ 

قالت كلماتها الأخيرة بصوت يحمل الغضب والدلال فأحاط خضرها بذراعه وقربها منه بشدة ثم تأمل انعكاس صورته داخل مقلتيها وأجابها قائلاً 

- طبعاً ما يرضنيش ولو كنت أعرف أنك بتحبيني زي ما بحبك كنت جيت من زمان، بس أرجوكي أديني فرصة ألاقي الوقت المناسب وأعلن جوازنا
- دايماً بتغلبني في الكلام
- يلا تعالي نقعد سوا شوية قبل ما تمشي

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها ثم مضت برفقته إلى الفراش وهي تتمتم في نفسها

- وغلاوتك عندي بكرة الصبح خبر جوازنا هيبقى سيرة على كل لسان 

*****

في المساء اجتمعت أسرة جوري على مائدة الطعام في أجواء ساحرة ملأتها مشاكسات أدم لكل واحدة منهن عله يخفف من حدة التوتر الذي ملأ أرجاء المكان، فغداً ستخضع أحلام للجراحة بعد أن صمم الطبيب على إجرائها في أسرع وقت... وبعد أن فرغوا من تناول الطعام بدأت لمياء في إفراغ محتويات السفرة بمساعدة جوري التي نظرت إليها وتساءلت

- أنتي مخبيه عني حاجة، صح؟ 

حركت لمياء رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما قالته جوري فتابعت: كده من أمتى بنخبي حاجة على بعض؟! 

- والله مستنيه ندخل الأوضة وأحكيلك لأني محتارة
- خلاص تعالي نعمل الشاي وندخل نقعد جوه، أهو حاجة تنسيني اللي هيحصل بكرة

قالت جوري كلماتها الأخيرة بحزن ملحوظ فربتت لمياء على كتفها وقالت برقة

- هتخف بأمر الله وتبقى زي الفل، وما تقلقيش أنا جبتلك المحاضرات اللي فاتتك النهارده وبكرة كمان هجبلك وأجي على المستشفى، لو مكنش سيكشن عملي كنت فوته وجيت من أول اليوم
- لا روحي جامعتك وهاتي محاضراتي وبعدين تعالي بدل ما نتعطل، إحنا الأتنين، يلا نخلص علشان نقعد و

توقفت جوري عن إكمال كلماتها عندما رأت أدم يقف خلف لمياء، فرفع أحد حاجبيه وتحدث بشك

- سكتي يعني أول ما قربت، بتقولوا إيه؟ 
- بنقول كلام بنات تحب تسمع؟ 

قالتها لمياء ثم غمزت لجوري بمشاكسة فضربها أدم بخفة على رأسها وأجاب سؤالها بغيظ

- لا مش عايز أسمع، أنا هدخل ارتاح شوية

انصرف أدم بعد أن طبع قبلة على جبين حبيبته، وبعد مرور عدة دقائق جلست لمياء إلى جوار جوري على الفراش وقصت عليها كل ما حدث معها بالأمس والمفاجأة التي وجدتها في الصباح، فوضعت جوري يدها على ثغرها لتكتم صرختها وبمجرد أن استردت أنفاسها تساءلت ببلاهة

- عماد القاضي بجد ولا أنتي، أتجننتي؟ 
- لا هو بجد، وأنا برضو يوم الحادثة أقول وشه مش غريب بس من الخضه معرفتش أميز، المهم قوليلي أعمل إيه
- تقبلي طبعاااااااااااً
- وبابا؟ 

عقدت جوري بين حاجبيها قائلة: ماله عمي؟ 

- ممكن يرفض وأكيد مش هعمل كده من وراه
- بالعكس، أولاً عمي مثقف جداً، ثانياً هو نفسه بيرسم من سنين وعمره ما منعك تكتبي يبقى فين المشكلة؟! 

القت لمياء جسدها على الفراش وأخذت تنظر إلى سقف الغرفة فوكزتها جوري في قدمها بعنف وأردفت

- ما تقولي فين المشكلة؟ 
- مش عارفه خايفه 
- عموماً عمي جاي بكرة علشان عملية ماما، انتظري يومين تلاته وفاتحيه
- يكون أستاذ عماد زهق ومش بعيد يقولي لا
- خلاص اتصلي بيه فهميه

اعتدلت لمياء في جلستها وهتفت باندهاش: أنتي أتجننتي، أكلم مين؟ 

- عماد القاضي
- يا سلااااااام!! 
- والله عادي فهميه بس أنك محتاجة كام يوم، أسبوع بالكتير وتردي عليه
- لا أتحرج
- أنا قولتلك رأيي وأنتي حرة، هروح أنام ساعة وأقوم أسهر مع ماما، اوعي تنامي هنسهر كلنا سوا

غادرت جوري إلى غرفتها فبقت لمياء في مكانها وأخذت تفكر في كل ما قالته ابنة عمها ووقعت في حيرة من أمرها هل تُجري الاتصال أم تنتظر موافقة أبيها؟... وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها عندما أخذت قرارها وأجرت الاتصال... 
على الجانب الأخر كان عماد يتقلب في فراشه يميناً ويساراً وتطارده الكوابيس كعادة كل مساء، ولم يُخرجه من تلك الحالة سوى صوت رنين هاتفه فانتفض جسده عن الفراش وهو يتصبب عرقاً... كان كالمغيب لا يعرف ولا يعي مكان وجوده وخلال دقيقة واحدة استرد وعيه بالكامل وأحضر هاتفه ليجيب المكالمة ولكن انقطع صوت رنينه فمسح وجهه بكف يده ثم ترك الفراش ودلف إلى الحمام لينعش جسده تحت المياه، وبمجرد أن فرغ تناول الدواء الخاص به ثم جلس على حافة الفراش وأعاد الاتصال بالرقم... 
تسارعت نبضات قلب لمياء عندما صدح صوت رنين هاتفها فأغمضت عينيها وتنفست بعمق ثم ضغطت زر الإيجاب وقالت بصوت مرتعش

- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- أستاذ عماد معايا؟ 
- أيوه أتفضلي
- أنا لمياء

لوى عماد ثغره وشعر برغبة ملحة في الفتك بها ثم تمتم في نفسه: بالسرعة دي أتصلتي

فاق من شروده عندما استمع إلى صوتها: حضرتك معايا؟ 

- نعم عايزه إيه؟ 

قالها بنبرة تعالي فترقرت الدموع داخل مقلتيها ثم استجمعت شجاعتها وقالت بثبات

- آسفة أني بتصل في وقت متأخر بس حضرتك قولت أتصل عادي، عموماً أنا كنت متصله علشان أطلب من حضرتك مهلة أسبوع أخد إذن بابا لأني مقدرش أعمل حاجة من غير موافقته، كمان بابا مش عايش في القاهرة، بس خلاص أنا صرفت نظر عن الموضوع كله وشكراً على الفرصة وآسفة على الإزعاج، بعد إذنك

لم تنتظر رده وأنهت المكالمة فزفر عماد بضيق ندماً على طريقته معها فأعاد الاتصال بها لكنها لم تجيب فقد كانت تبكي لشعورها بالإهانة، فكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى ما جعله يلقي بالهاتف على الفراش وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة أنهاها بصرخة هزت أركان المكان

- كفااااااية بقى
*****

انتظرت سهيلة حتى صعدت فاتن إلى غرفتها ثم دلفت إلى حجرة المكتب الخاصة بزوجها السابق فريد، وبدأت تبحث عن رقم أحد الصحفيين لدى جريدة صفراء تختص فقط بكشف المستور والأخبار المفبركة... ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة ثم أخرجت هاتف أخر قامت بشرائه وهي في طريقها إلى المتزل، وهلال دقيقة واحدة أجرت الاتصال فأجاب الصحفي 

- الو
- حضرتك أستاذ إبراهيم سعد؟ 
- أتفضلي مين معايا؟ 
- مش هينفع أقولك أسمي بس عندي خبر هيقلب الوسط الفني والإعلامي 

لمعت عينيّ إبراهيم فرحاً فسألها عن أي خبر تتحدث فأجابته وهي تأسر ابتسامة النصر بصعوبة

- محسن منصور أتجوز سهيلة خاطر من شهرين عند مأذون بس الجوازة في السر حتى بنتها ما تعرفش

وقف إبراهيم عن مقعده وأحضر ورقة وقلم ليدون ما قالته وبمجرد أن انتهى أكمل حديثه قائلاً 

- أنتي متأكدة من الكلام ده؟ 
- أيوه طبعاً وتقدر تتأكد بنفسك وتصورهم سوا كمان، هما بعد يومين هيسافروا سوا العين السخنة تلات أيام وهينزلوا في قرية بيلا روزا، زي ما تقول كده شهر عسل قصير والمايه تكدب الغطاس

كاد أن يسألها مِن أين جاءت بتلك المعلومات إلا أنها سبقته وأنهت المكالمة لتصدح ضحكتها الشيطانية بكل أرجاء المكان، وبمجرد أن تمالكت أنفاسها رفعت أحد حاجبيها بتفاخر وتمتمت في نفسها بسعادة

- أنا زي الفريك محبش شريك ولو مراته عندها دم هتخلع وتسيبهولي

*****

مع الساعات الأولى الصباح غادرت أحلام إلى المشفى برفقة ابنتها وشقيقتها وأدم الذي رفض الذهاب إلى الجامعة ليبقى إلى جوار طفلته فاليوم ستمر بتجربة لم تعيشها من قبل... ودعتهم لمياء وعادت إلى غرفتها لتبدل ثيابها لكي تذهب إلى الجامعة... 
في ذات اللحظة كان عماد يمارس رياضة الركض كعادة كل صباح وبمجرد أن انتهى أجرى اتصالاً بهاتفها لكنها تجاهلت ذلك كما فعلت طوال الليل ولم تجيب، زفر بضيق وقرر العودة إلى منزله ليذهب إلى الجامعة عله يصلح ما فعله.... 
بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انتهت لمياء من إبدال ثيابها ثم غادرت الشقة واستقلت المصعد هبوطاً، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الأرضي تذكرت أن حافظة نقودها خالية فضربت جبهتها بكف يدها وقالت بغيظ

- يخرببت الزهايمر

عادت إلى المصعد وحاولت فتحه ولكن دون جدوى فنادت حارس العقار وسألته عن السبب فأخبرها أن عمال الصيانة يعملون على سطح العقار لتحسين خدمة المصعد فضربت قدمها بالأرض كالأطفال وتحدثت بغضب

- يادي الحظ المهبب، هطلع العاشر على رجلي وأنا أصلاً متأخرة

زفرت بضيق وبدأت رحلة الصعود إلى الطابق العاشر، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الخامس خارت قواها وجلست على إحدى درجات السلم لتلتقط أنفاسها وبقت جالسة لدقائق قليلة، وما أن أخذت قرارها لتكمل صعودها تفاجأت برؤية أخر شخص قد تتوقع وجوده أمامها، فأتسع ثغرها وهي تكاد تصدق ما تراه وقالت بدون أي تفكير

- أنت بتعمل إيه هنا؟ 

لم يجيبها ولو بكلمة واكتفى برسم ابتسامة على شفتيه فعضت هي على شفاها السفلى بغيظ ورددت بخفوت

- هو يوم أسود من أوله


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف