03/17/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Sunday, March 17, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 17, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثاني والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غرام وانتقام *

الحب كلمة من أربع حروف ولكن تحمل بداخلها الكثير، نظرات وهمسات ومشاكسات وصعاب يتخطاها فقط الحب الحقيقي...
تململ أمير في الفراش وفتح عينيه بمجرد أن استشعر عدم وجود وعد إلى جواره... ترك الفراش وأخذ يبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتجلس قطتها على قدمها... اقترب منها بهدوء إلى أن استقر خلفها ثم ثنى جزعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة وتساءلت

- إيه صحاك؟
- قلقت لما ما لاقتكيش جمبي، مالك؟

قال كلمته الأخيرة بعد أن جلس على المقعد المقابل لها فأجابته: مفيش حاجة، قلقت وقومت، قولت أصحيك لما المنبه يرن علشان تروح شغلك، شهر العسل خلص

قالتها بطريقة طفولية فقبض برفق على معصمها ثم جذبها بخفة فوقفت عن مقعدها وجلست مرة أخرى على قدمه وتابعت

- أوعي تنشغل عني
- إيه رأيك تيجي معايا؟
- مش هينفع أخر الأسبوع كتب كتاب ماما يعني فاضل أربع أيام ويادوب نحلق نجهز كل حاجة

رفع يدها إلى شفتيه وطبع على باطن كف يدها قبلة عميقة وهتف: خدي بالك من نفسك وما تتعبيش نفسك

- ما تخافش عليا
- لا أخاف طبعاً لتكوني حامل ولا حاجة

غمز لها بمشاكسة فضحكت على جنونه وبمجرد أن استردت أنفاسها وضعت يدها على كتفه وتحدثت مازحة

- مخك ضرب خالص من أول شهر جواز
- لو مكنش ورايا شغل كنت وريتك الجنان على أصوله

صمتت لدقائق وشردت في عينيه فبادلها نظرات العشق وتأمل كذلك انعكاس صورته داخل عينيها لتقطع الصمت قائلة

- أنا بحبك أوي
- وأنا بعشقك

******
بمنزل أمجد...
استيقظ في الثامنة والنصف عندما صدع صوت رنين آلة التنبيه وقبل أن يترك فراشه ألقى نظرة سريعة على صغيرته النائمة فقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- صباح الخير

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم طبع قبلة على جبينها ففتحت عينيها وأردفت

- هتسيبني وتروح المشرحة؟
- غصب عني معجزة أني أخدت شهر أجازة بس مش هتأخز، هتنزلي أمتى؟
- هعدي على وعد الساعة ١١ وسواق أمير هيوصلنا عند طنط سوسن
- خدي بالك من نفسك

قالها ثم أتكى على ذراعه وأخذ يداعب وجنتها بظاهر يده فتركت وسادتها وأتخذت من صدره وسادة وتابعت

- أنا بحبك أووووي كتيررررررر
- وأنا بعشقك يا أجمل مجنونة في الدنيا، حسام قالك أنه هيطلب أيد أمل في كتب كتاب بابا؟
- قالي وحلفني ما أقولهاش وللأسف مضطرة أسكت بس هقول لوعد لساني مش قادر يسكت

ضحك على جنونها فشاركته الضحك وهي تشعر بالسعادة لأجل شقيقها الذي قرر الزواج بعد طول انتظار ولن يبقى وحيداً

******

في التاسعة استيقظت أمل لتذهب إلى عملها لكنها لم تغادر الفراش بل رقدت على ظهرها وأخذت تفكر في الهمجي الذي سقطت في غرامه وتعلم جيداً أنه يكن لها مشاعر ولا يرغب في البوح بمشاعره... شعرت برغبة ملحة في الفتك به فقد تزوج الجميع وهي باقية في انتظار اعترافه فاعتدلت في جلستها ثم أمسكت هاتفها وبحثت عن صورته وبمجرد أن وجدتها ضيقت بين حاجبيها وهتفت بغيظ

- أقسم بالله حلوف ولا بتحس و

توقفت عن إكمال كلماتها وصرخت عندما صدع صوت رنين هاتفها ثم وضعت يدها على ثغرها وتنفست بعمق ثم أزالتها وأردفت

- منك لله خضتني وأنا بهزقك

ضغطت زر الإيجاب بعد أن توعدت له وقالت بحدة: نعم

أبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد من الرقم فتأكد أنه يتحدث إليها فلوى شفتيه بضجر وقال

- مالك يا بت أنتي؟
- ملكش دعوة، هتقول متصل ليه ولا أقفل السكة في وشك؟
- أقفليها كده وأنا أجي أجيبك من شعرك

قالها بحدة تفوق حدتها فصرت على أسنانها فكانت أشبه بالبركان الذي على وشك الانفجار وإلقاء الحمم البركانية ولكن في وجه حسام فقط فتحدثت بغيظ قائلة

- مين دي اللي تجبها من شعرها يا بارد يا تلم يا رخم
- أتعدلي يا أمل بدل ما أعدلك وأقص لسانك
- أنا مش عايزه أتكلم معاك أصلاً، أقففففففل

أبعدت الهاتف عن أذنها وألقت به على الفراش اعتقاداً منها أنه أنهى المكالمة فتابعت بغيظ وهي تنظر إلى الهاتف

- الكل بيتجوز وأنا قاعده مستنيه جنابك تنطق وتقولي بحبك، جتك القرف

تركت الفراش واتجهت كالإعصار صوب الحمام فأبعد حسام الهاتف عن أذنه وابتسم بسعادة فطفلته تعشقه بجنون وغضبها نابع عن العشق الساكن بداخلها فتنهد براحة وردد في نفسه وهو ينظر إلى صورتها الموجودة بهاتفه

- حمارة صحيح، كلها أربع أيام وأقولك أني بعشقك يا هبله

*******

في الظهيرة ذهبت حنين إلى منزل وعد ليذهبن إلى منزل سوسن وبالطريق أخبرتها حنين برغبة حسام في الزواج من أمل فشعرت وعد بالسعادة لأجل حسام كما رحبت باختياره لأمل... بعد مرور ما يقارب الساعة ترجلن أمام مركز تجاري فخم وبدأن في اختيار كل ما يليق برمزية التي عادت الفرحة تسري بداخلها من جديد....
مرت الأيام هادئة و انشغلوا جميعاً في تحضيرات عقد القران وطوال تلك المدة تعمدت أمل عدم رؤية حسام ولم تجيب أي من مكالماته عله يشعر بأهميتها

******

في صباح اليوم الرابع كانت وعد في طريقها إلى المطبخ عندما صدع صوت رنين جرس شقة سوسن فقد قضت ليلتها برفقة والدتها... اندهشت بشدة فلم تتخطى الساعة السابعة صباحاً فاتجهت صوب باب الشقة وفتحته لتتفاجأ بحبيبها.... أتسعت ابتسامتها الساحرة فبادلها بأخرى وقال بعشق

- وحشتيني، وطول الليل ما نمتش علشان مش في حضني

خفق قلبها بسعادة مع كل كلمة من كلماته وبمجرد أن فاقت من سحر كلماته ألقت بجسدها في صدره فشدد في احتضانها ليطفأ شوقه وحنينه إليها... ابتعدت عنه بصعوبة فدلف إلى الداخل وتساءل بعد أن أغلق باب الشقة

- كنتي صاحيه ولا صحيتك؟
- أنا كمان ما نمتش طول الليل وكنت رايحه أعمل شاي يفوقني
- يبقى نشربه سوا

أمسكت يده واصطحبته إلى المطبخ فشاكسها بلمساته وقبلاته فكانت تعبس تارة وتبتسم على جنونه الذي لا يتوقف تارة أخرى، وما أن انتهت من إعداد الشاي حمل عينيها الصينية واتجه إلى الشرفة... انتبهت وعد إلى صوت بكاء أمل فاتجهت إلى غرفة الصغيرة وحملتها فتوقفت عن البكاء... وقف أمير عن مقعده حينما رأى وعد تقترب وصغيرته بين يديها فحملها وقال بسعادة

- وحشتيني، صاحيه بدري ليه أنتي كمان؟
- أكيد عرفت أنك هنا

قالتها وعد فنظر إليها وهتف: قصدك بتقطع عليا

- أمولا تعمل اللي هي عايزاه و

توقفت عن إكمال كلماتها عندما صدع صوت رنين هاتف أمير فاندهشت بشدة إلا أنها لم تعلق بينما أخرج أمير الهاتف من جيب بنطاله واندهش هو الأخر لاتصال حسام في هذه الساعة المبكرة فأجاب قائلاً

- أنت ما نمتش من فرحتك ولا إيه؟
- للأسف طلبوني في مهمة مستعجلة بس بأمر الله هكون موجود في المعاد ولو أتأخرت ما تقلقش
- خد بالك من نفسك، ترجع بالسلامة

أنهى حسام المكالمة وحاول الاتصال بأمل ليتحدث إليها قبل أن يغادر لكنها تمسكت بالعناد ولم تجيبه فزفر بضيق وكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى فأرسل إليها رسالة نصية

(خلي عندك دم وردي عليا، أولاً وحشتيني جداً.. ثانياً أنا طالع دلوقتي مهمة وعايز أسمع صوتك علشان لو ما رجعتش يكون صوتك أخر صوت سمعته)

أرسلها ثم حمل مفتاح سيارته ليغادر وقبل أن يصل إليها صدع صوت رنين هاتفه وسرت السعادة بأوردته عندما وجد الاتصال منها فأجاب قائلاً بصوت دافئ

- وحشتيني

لم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة فقد كانت تبكي بغزارة تأثراً بكلماته فشعر بغصة في قلبه وتساءل

- بتعيطي ليه؟
- علشان أنت رخم أوي ورسالتك رخمة زيك، عارف لو ما رجعتش على معاد كتب الكتاب هاجي أجيبك أنا

مرر يده بين خصلات شعره في سعادة فالجميلة خاصته تخشى عليه وتبكي من خوفها لفقدانه فتنفس بعمق وتمنى أن يخبرها بعشقه إلا أنه فضل الانتظار للمساء حتى لا يُفسد كل ما خطط له فتحدث بصوت دافئ قائلاً

- ما تعيطيش وما تخافيش عليا، أنا هرجع علشانك يا أمل

اختلطت دموعها بابتسامة ساحرة وهتفت: لا إله إلا الله

- محمد رسول الله

قالها وأنهى المكالمة ثم دلف إلى سيارته وانطلق بها، بينما أنهت أمل المكالمة وتركت فراشها ثم توضأت وصلت ركعتين لله لكي يعود حسام إليها كما وعدها

******

في السادسة مساءاً أوقف أمجد سيارته أسفل منزل سوسن.... ترجل منها وكذلك فعل والده وهو يشعر بالتوتر فالمشاعر التي تسري بداخله كان قد نسيها فأعاده أمجد إلى أرض الواقع عندما ربت على كتفه وقال مازحاً

- مبروك يا عريس، عايزينك تشرفنا النهارده

صر محمود على أسنانه ووكز ابنه المشاكس في كتفه فتأوه كمشاكسة لوالده إلا أنه لم يهتم وهتف بغيظ

- لم نفسك يا قليل الأدب
- بشجعك الله
- واد أنت إحنا طالعين عند الناس عارف لو قعدت تضحكني زي عوايدك هتبرى منك

أسر أمجد ابتسامته بصعوبة وحرك رأسه بالموافقة ومضى برفقة والده وهو يتمتم في نفسه

- أبويا ده نمس بس مداري

وصل محمود إلى وجهته فوقف يهندم ثيابه ثم تنفس بعمق وضغط زر الجرس... ترك أمير مقعده واتجه صوب باب الشقة وفتحه فدلف محمود وأخذ يبحث بعينيه عن عروسه لكنه لم يجد أحد فنظر إلى أمير متسائلاً

- هو مفيش غيرك ولا إيه؟
- والله بقالي ساعتين مرمي هنا لوحدي وكلهم في الأوضة مع العروسة
- طيب

دلف إلى الداخل ولحق به أمجد فوكز أمير في كتفه وقال مازحاً: أبويا متوتر، تقولش أول مرة يتجوز

- أتهد ما تضحكنيش بدل ما يشتمنا

بعد مرور عدة دقائق حضر الشيخ الذي سيقوم بعقد القران فاتجه أمير صوب غرفة وعد وطرق بابها ليخبرهم بوصول الشيخ فتأبطت رمزية ذراعه ومضت برفقته وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالتوتر، وبمجرد أن استقرت أمام محمود أتسع ثغره فقدت كانت تشبه الأميرات... كانت ترتدي فستاناً ضيق من الستان الأبيض، حجاب باللون الوردي مع لمسات طفيفة من الماكياج.... اقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها فخجلت بشدة وسحبت يدها مسرعة فقال محمود بسعادة

- مبروك يا عروسة
- الله يبارك فيك

تأبطت ذراعه ومضت معه إلى طاولة عقد القران المزينة بالورود الحمراء والستان الأبيض فبدأ الشيخ في إجراءات عقد القران... كانت الأجواء ساحرة وشعر الجميع بفرحة عارمة عدا أمل فقد كانت تشعر بالقلق على حسام الذي لم يأتي حتى الآن... لاحظ أمير شرود شقيقته فأخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً بهاتف حسام لكنه وجده مغلقاً فشعر هو الأخر بالقلق... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الشيخ وعلا صوت الفرح في أرجاء المكان وتبادلوا التهاني حتى استقرت رمزية أمام محمود فطبع قبلة على جبينها وهتف بصوت دافئ

- ألف مبروك يا أجمل عروسة
- الله يبارك فيك

أخرج علبة من جيب بنطاله وفتحها ثم أخرج منها أسواره وألبسها إياها وألبسها أيضاً خاتم من الألماس فقالت برقة

- ليه كلفت نفسك؟
- دي شبكتك ده أولاً، ثانياً مفيش حاجة في الدنيا تغلى عليكي
- ربنا يخليك ليا ويفرح قلبك زي ما بتفرحني
- طول ما أنتي جمبي الفرحة هتسكن في قلبي، يلا بينا

بعد مرور ما يقارب الساعة تأبطت رمزية ذراعه بعد أن ودعت ابنتها والجميع ثم مضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى منزله ليبدأ حياة جديدة وهي إلى جواره

*******

بشقة سوسن...
اجتمعوا على مائدة الطعام وقضوا سوياً أوقات سُرقت من الزمن عدا أمل فقد كانت كالمغيبة ولا تشعر سوى بالقلق على الغائب الذي ودعها منذ أكثر من ١٢ ساعة ولم يأتي حتى الآن ولكن قاطع شرودها صوت هاتف حنين فأجابت قائلة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، أستاذة حنين معايا؟
- أيوه
- أنا الرائد سمير زميل حسام

تسارعت نبضات قلبها خوفاً فوقفت عن مقعدها وقالت بصوت مرتعش غلفه الخوف

- حسام حصله حاجة؟

انتفضت أمل عن مقعدها واقتربت من حنين كالإعصار ثم اختطفت الهاتف واستمعت إلى صوت زميله يقول

- حسام أتصاب وهو موجود دلوقتي بمستشفى الشرطة

لم تستطع أمل أن تتحمل ما سمعته فسقطت مغشياً غليها... حملها أمير ووضعها على الأريكة بينما صرخت حنين منادية بأسم شقيقها بعد أن تحدثت إلى زميله وعلمت هي الأخرى بما حدث.... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادروا جميعاً إلى المشفى فلم تتوقف حنين ولو لدقيقة عن البكاء وكذلك أمل... ما أن وصلوا أمام مستشفى الشرطة ترجلت أمل وركضت مسرعة إلى الداخل فشعروا بالأسى عليها... رأت اللواء نجدت يقف أمام باب غرفة العمليات فاقتربت منه وتساءلت

- فين حسام؟
- في العمليات وللأسف أصابته خطيرة

وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها ثم تراجعت إلى الخلف وجلست على أحد المقاعد فانفجرت دموعها كالشلال... مضت ساعة كاملة على وجود حسام بغرفة العمليات، وبمجرد أن خرج الطبيب منها، ركضوا جميعاً باتجاهه

- حالته حالياً مستقرة بس هيفضل في الرعاية ولو الأربعة وعشرين ساعة الجايين فاتوا من غير مضاعفات يبقى مفيش خطر على حياته، بعد إذنكم

غادر الطبيب وتم إخراج حسام من غرفة العمليات فانهمرت دموع أمل كالشلال ولحقت به إلى غرفة الرعاية المركزة ولكن منعها الطبيب من الدخول فوقفت أمام زجاج الرعاية وراقبته وهي تردد

- ما تسيبنيش أنا بحبك

ظلت تراقبه عبر الزجاج الكاشف لغرفة الرعاية لمدة ثلاث ساعات دون أن تشعر بالتعب وفشلت محاولات الجميع في أقناعها لترتاح ولو دقيقة فطلب أمير من أمجد اصطحاب الجميع إلى الفيلا، رفضت حنين المغادرة ولكن مع إصرار الجميع غادرت وبقى أمير برفقة شقيقته... قبض على معصمها برفق وأجبرها على الجلوس ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه فأسندت رأسها على صدره وتجددت دموعها

*******

بمطار القاهرة هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من سويسرا وعلى متنها رائد علم الدين الذي جاء خصيصاً لينتقم مِن مَن راقبها رجاله لثلاث أسابيع تمهيداً لاختطافها... دلف إلى السيارة وأمر سائقها بالانطلاق، بعد مرور ما يقارب نصف الساعة توقف السائق أمام فندق سبع نجوم يطل على نهر النيل وبمجرد أن ترجل رائد وجد خادمه الوفي يقف في انتظاره بعد أن أخفى هيئته بنظارة سوداء وشعر مستعار... صعد رائد إلى جناحه فأطلعه حكيم على كافة المعلومات التي حصل عليها فراجع رائد الملف وتوقف أمام صورتها فأمر حكيم بالانصراف ثم نظر إلى الصورة وقال ببرود

- حلوة وخسارة في الموت، هبقى أتسلى بيكي قبل ما أقتلك

********

في الواحدة والنصف من منتصف الليل حل السكون داخل المشفى وغفى أمير على المقعد المقابل لغرفة الرعاية لكن أمل لم تغفى فالنيران المشتعلة بداخلها لن تخمد إلا عندما بستيقظ حبيبها المشاكس... اختلطت دموعها بابتسامة عندما تذكرت نبرة صوته وهو يناديها "بشكل" تارة و"نانسي" تارة أخرى فرددت بخفوت

- أصحى بقى يا مجنون

فاقت من شرودها عندما وجدت الطبيي يقترب من الغرفة فنظرت إليه بأعين ذبلت من كثرة البكاء وقالت بصوت أقرب إلى الرجاء

- ما ينفعش أدخل؟
- صدقيني صعب بس لما يفوق هتكوني أول واحدة تدخلي
- طيب هدخل معاك دلوقتي وهخرج وأنت خارج، هشوفه بس وأخرج أرجوك

قالت كلمتها الأخيرة والدموع تتساقط بغزارة من مقلتيها فشعر الطبيب بالأسى على حالها ولم يشعر بنفسه إلا وهو يسمح لها بالدخول فكفكفت دموعها وارتدت الملابس المخصصة للرعاية ثم ركضت إلى الداخل وجلست على المقعد المجاور له واضعة كفه بين كفيها وهمست بالقرب من أذنه

- قوم بقى يا رخم، الدنيا وحشه من غير رخامتك وغتاتك

وصلت كلماتها الأخيرة إلى مسامع الطبيب فأسر ضحكته بصعوبة وردد في نفسه

- غرام وانتقام

لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الطبيب من معاينة حسام وطلب من أمل الخروج لكنها لم تستطع ترك يده وتجدد بكائها فسمح لها بالبقاء لعدة دقائق أخرى وغادر ليتابع عمله... استعاد حسام وعيه بمجرد أن غادر الطبيب وأغلق باب الرعاية لكنه لم يفتح عينيه عندما استنشق عبير عطرها وشعر كذلك بيدها الممسكة بيده

- أول مرة قابلتك لما فتحتلك باب الشقة قولت لنفسي إيه الهيبة دي لسه في رجالة ليهم هيبة كده

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة واستمع إلى باقي حديثها

- وبعد كده رخمت عليا وقولت إيه قليل الذوق ده لسه في رجالة قلالات الذوق كده، وبعدها طبعاً معركة الاجتماع، اللواء نجدت كان شكله مسخرة وهو بيفض العاركة زي ما بيقولوا

ضحكت بجنون حينما تذكرت الشجار العالمي الذي دار أثناء اجتماع كبار قادة البحث الجنائي لكنها توقفت فجأةً عن الضحك وتساقطت دموعها من جديد حتى أنه شعر بدموعها على كف يده فكاد أن يفتح عينيه ليخبرها أنه مازال إلى جوارها إلا أنها أكملت حديثها قائلة

- بس برغم كل حاجة حصلت وبرغم رخامتك وغتاتك أنا بحس معاك بالأمان، اليومين اللي فاتوا من غير ما أكلمك كانوا أسوأ أيام حياتي ولو ما فتحتش عينيك تاني وسبتني ومشيت مش هعيش بعدك، يلا بطل رخامة وقوم قولي أنك كويس ومش هتسيبني

لم يستطع أن يتحمل صوت بكائها أكثر من ذلك فضغطت بيده على يدها ليخبرها أنه إلى جوارها فتوقفت عن البكاء ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم من جديد وقبل أن تتحدث سبقها وهتف بصعوبة وصوت غلفه الألم

- أسف أني أتأخرت عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها فاختلطت دموعها بابتسامة ساحرة جعلت جهاز تخطيط نبض القلب الموصول بجسده يسجل تزايد في عدد نبضاته فهتف مازحة هي الأخرى

- وحشتني يا أرخم هولاكو في الدنيا

شعرت بيده تحاول جذبها فوقفت عن مقعدها واقتربت منه فجذبها مرة أخرى وجعلها تقترب أكثر فظنت أنه يريد قول شيء لكنه فاجئها عندما طبع قبلة على جبينها ما جعل حمرة الخجل تسيطر على وجنتيها فابتسم على هيئتها وهتف مازحاً وهو مازال ممسكاً بكف يدها

- سبحان الله طلعت بتتكسف يا شكل

لم تجيبه ولو بكلمة فقد كان شعورها بالخجل يفوق طاقتها فتابع: زعلانه مني؟

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي ثم استجمعت شجاعتها وقالت برقة: هروح أجيب الدكتور علشان يطمن عليك

همت أن تسحب يدها لتبتعد لكنه لم يسمح بذلك فنظرت إليه وأردفت: سيب أيدي علشان

قاطعها قائلاً: خليكي جمبي، ما تبعديش

قالها بصوت دافئ لم يعتاد عليه فخفق قلبها بسعادة وجلست على المقعد المجاور للفراش وساد الصمت لتتحدث لغة العيون فكلماتها أصدق وتصل إلى القلب مُباشرةً

*******

بمنزل محمود...
تململ في الفراش بعد أن شعر بعدم وجود رمزية فاعتدل في جلسته ونظر إلى ساعة الحائط ووجدها تشير إلى الثانية صباحاً... ترك الفراش وترك الغرفة كذلك ليبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتتأمل سكون الليل والسماء المزينة بالنجوم... اقترب منها حتى استقر خلفها ثم أحاط ظهرها بذراعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم.... ثنى ركبتيه وجلس أمامها ممسكاً كفيها بين كفيه وتساءل

- مالك؟
- معرفتش أنام
- بجد ولا أنا زعلتك في حاجة؟

قالها بحنان وصوت دافئ فسحبت أحد كفيها وتحسست وجنته دون أن تجيبه فطبع قبلة على باطن كفها وتابع

- تعرفي من سنتين ما حستش أني سعيد غير النهارده
- وأنا من سنين نسيت الفرحة ونسيت حاجات تانية كتير بس لقتها معاك
- ربنا يخليكي ليا بس دلوقتي لازم تنامي وترتاحي

وقف عن الأرض وجذبها بخفة فوقفت عن مقعده ومضت برفقته إلى الغرفة وبمجرد أن أراح جسده إلى جوارها جذبها إلى صدره فغفت في أقل من دقيقة لشعورها بالحنان وكذلك الأمان، أما هو شعر براحة قلب كان قد نسيها فاستسلم إلى النوم بعد أن شدد في احتضانها

******

في ذات اللحظة توقف السائق داخل المقابر فترجل رائد ولحق به حكيم وبمجرد أن وصل رائد أمام مقبرة الأسرة أشار لحكيم بالتوقف ودلف بمفرده بالرغم من الظلام الدامس... اقترب من قبر والدته ووقف أمامه لدقائق ثم انتقل إلى قبر خاله وثنى ركبتيه ليجلس القرفصاء وبعد مرور عدة دقائق من الصمت تحدث بثبات قائلاً

- أنا جيت علشان أحد حقك وكلها كام يوم وأجبها أدفنها جمبك بعد ما أخليها تطلب مني موتها

وقف عن الأرض وتحسس بيده اليافطة الرخامية الموضوعة على قبر خاله وكُتب عليها عادل سعيد السيد، رحل في الأول من يوليو لعام ٢٠١٨، وما هي إلا دقائق حتى غادر المكان وأمر السائق بالعودة إلى الفندق وطوال الطريق تذكر عادل  فقد كان له الأب والأم والصديق والسند بعد وفاة والديه وهو في الخامسة من عمره


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف