07/14/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Sunday, July 14, 2019

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع - بقلمي منى سليمان 

* صدفة *   

بالمشفى... 
ودعت أحلام الجميع ثم مضت برفقة إحدى الممرضات لإجراء مجموعة من الفحوصات قبل بدء الجراحة فجلست جوري تبكي على أحد المقاعد خوفاً من فقدان والدتها... اقتربت منها فاطمة وضمتها إلى صدرها ثم همست في أذنها 

- خلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله

قالتها جوري ثم ابتعدت عن صدر فاطمة وكفكفت دموعها وخلال دقيقة واحدة أخرجت المصحف من حقيبتها وبدأت تتلو آياته بتدبر فتركت فاطمة مقعدها واقتربت من أدم قائلة

- اتصل شوف عمك وماجدة أتأخروا ليه
- حاضر 

ابتعد أدم قليلاً ليتحدث إلى عمه بينما عادت فاطمة لتجلس إلى جرار جوري وبدأت هي الأخرى في تلاوة القرآن عله يزيح الثقل الكائن بداخلها

****

وقفت لمياء عن الدرج وهمت أن تبتعد لكنه لم يسمح بذلك وسبقها بخطوة مانعاً إياها من الصعود فرفعت بصرها إليه ورمقته بنظرة نارية بادلها إياها بابتسامة خفيفة زينت شفتيه فقالت بغيظ

- من فصلك وسع شوية لأني متأخره جداً 
- أنا أسف

انطلقت الكلمات من بين شفتيه بطريقة هادئة لم يعتاد عليها من قبل لكنها لم تكن كافية بالنسبة إليها فبدأت تتحدث بطريقة جنونية كتلك التي يمتلكها الأطفال عند الغضب

- لو سمحت يا أستاذ عماد عديني، مفيش حاجة بينا تستدعي الاعتذار أنا اللي غلطانه علشان اتصلت بحضرتك بس على فكرة دي كانت فكرة بنت عمي غير كده مكنتش هتصل، ممكن أعدي بقى؟ 
- لا مش ممكن، أولاً أنتي مش غلطانه في حاجة بالعكس احترمت جداً تقديرك لوالدك ورغبتك في انتظار إذنه قبل أي خطوة، ثانياً تقدري تتصلي في أي وقت لأن ده شغل وقولتلك قبل كده أنا والدار تحت أمرك، ثالثاً أنا أسف 

شعرت لمياء بقليل من الرضا ومع ذلك لم تظهر له ذلك فأرجعت خصلات شعرها خلف إذنها وقالت برقة

- خلاص محصلش حاجة، ممكن أعدي بقى؟ 
- اه طبعاً ممكن

أفسح لها المجال لتمر إلى جواره ووقف يتابعها بعينيه حتى توقفت بدون سابق إنذار وعادت إليه لتسأله

- هو حضرتك بتعمل إيه هنا؟ 
- أنا ساكن هنا

جحظت عينيها وأتسع ثغرها في صدمة فابتسم على فعلتها وتابع: وواضح أنك ساكنة هنا، صدفة عجيبة

- فعلاً 
- طلعنا جيران


كادت أن تتحدث لكن قاطعها هبوط المصعد فرددت: الحمد لله

اقتربت من المصعد وقامت بضغط الزر فلحق بها عماد ووقف هو الأخر في انتظاره فشعرت بالتوتر دون أن تُظهر ذلك لكنه شعر بتوترها عندما استمع إلى صوت أنفاسها المضطربة، لم تمض سوى لحظات قليلة حتى استقر المصعد بالطابق الخامس فدلفت لمياء ولحق بها عماد متسائلاً 

- الدور الكام؟ 
- العاشر

قالتها بخجل ملحوظ يشبه خجل طفلة لم تتعدى العاشرة فأسر ابتسامته بصعوبة وهتف

- أنا كمان ساكن في الدور العاشر

ضغط زر الطابق العاشر ووقف يراقب الصدمة الظاهرة بوضوح على قسمات وجهها والتزم الصمت حتى لا يزيد غضبها، ولكن كان للقدر كلمة أخرى، توقف المصعد بين الطابق السابع والثامن فشعرت بالخوف ونظرت إليه بأعين ملأها الرعب 

- هو وقف ليه؟ 
- أكيد لسه بيعملوا الصيانة وإحنا استعجلنا
- وبعدين هنفضل محبوسين هنا؟!! 

رفع سماعة المصعد وقام بالاتصال على حارس العقار وأخبره بوجودهم بالداخل ثم أنهى المكالمة ونظر إليها قائلاً 

- قال هيتصرف
- أنا خايفه أوي وكمان إتأخرت وعندي سيكشن عملي
- هتلحقيه بأمر الله

ساد الصمت بينهما من جديد فاستغل عماد الفرصة التي ظهرت أمامه من العدم وسألها

- لسه زعلانه مني؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أفهم من كده هتطبعي كتابك عندنا ولا غيرتي رأيك؟ 

قال كلماته بطريقة مازحة فابتسمت وهي توجه نظراتها صوب الأرض ثم استجمعت شجاعتها ورفعت بصرها إليه 

- لو بابا وافق يشرفني طبعاً أتعامل مع حضرتك
- ممتاز 

تحرك المصعد بدون سابق إنذار وأكمل صعوده إلى الطابق العاشر فخرجت لمياء منه ثم لحق بها عماد وأردف

- تحبي أوصلك الجامعة؟ 
- ميرسي، السواق منتظر تحت بالعربية هيوصلني ويرجع ياخدني، بعد إذنك

دلفت إلى الشقة ثم ودعته بابتسامة وأغلقت بابها فاتجه صوب شقته وهو يشعر بأمر غريب يدور بداخله، أما هي فظلت واقفة خلف باب الشفة واضعة يدها على قلبها ثم تنفست بعمق ودلفت إلى غرفتها لتأخد النقود وخلال دقائق قليلة غادرت فتابعها عماد بعينيه من خلال شباك غرفته حتى انطلق قائد السيارة، وبمجرد أن اختفت السيارة تماماً ابتعد عن الشباك وجلس على أحد المقاعد وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغره سرعان ما اختفت وحل مكانها نظرة مريبة فردد في نفسه

- ما ينفعش 

****

في الظهيرة استيقظت سهيلة وهي عازمة النية على إخبار ابنتها قبل أن تعرف بما حدث من خلال الصحافة ووسائل الإعلام الفنية التي ستتناقل الخبر... تركت فراشها والغرفة كذلك ثم ذهبت إلى غرفة ابنتها وجلست إلى جوارها قائلة بصوت هادئ

- فاتن wake up يا عمري

تململت فاتن بكسل ثم وضعت الوسادة فوق رأسها فأزالت فاتن الوسادة وكرر كلماتها بصوت أكثر جدية ما جعل فاتن تعتدل في جلستها والضجر يظهر بوضوح على قسمات وجهها فتابعت والدتها

- صح النوم
- صباح الخير
- فوقي كده علشان عايزاكي في موضوع مهم 
- سمعاكي يا مامي، خير؟ 
- في موضوع كده حابه أبلغك بيه، عارفه أني غلطانه علشان خبيت عليكي بس الموضوع جه بسرعة و

قاطعتها فاتن متسائلة بقلق: في إيه قلقتيني؟ 

- أنا أتجوزت محسن منصور من شهرين و

توقفت سهيلة عن إكمال كلماتها عندما تبدلت ملامح فاتن وجحظت عينيها من هول الصدمة فقالت بحدة وصوت عال

- What?!! 
- أنا عارفه أني غلطانه بس أعمل إيه بحبه 

تطاير شرار الغضب من عينيّ فاتن واستعدت لإطلاق سهامها في وجه والدتها، ولكن سبقتها الأخيرة وتابعت بنبرة صوت تحمل الانكسار المصطنع

- هو أنا مش من حقي أحب واتحب وأعيش حياتي زي والدك ولا خلاص أروح أدفن نفسي بالحياة 

تساقطت دموعها الأشبه بدموع التماسيح فزفرت فاتن بضيق ثم ربتت على يد والدتها وتحدثت بهدوء 

- بعد الشر عنك، أنا بس مش مصدقة أنك خبيتي عني
- حقك عليا وأوعدك مش هخبي عنك حاجة تاني أبداً 
- مبروك مامي
- الله يبارك فيكي يا قلبي، عمو محسن قال هيعمل معاكي لقاء قريب أوي

أتسع ثغر فاتن في سعادة فاعتلت الفراش ورددت بسعادة: بجد يا مامي؟ 

- طبعاً يا قلب مامي

أخذت فاتن تقفز فرحاً ثم ألفت بجسدها على الفراش وانطلقت من بين شفتيها أعلى الضحكات فتركتها سهيلة وغادرت، وبمجرد أن عادت إلى غرفتها لمعت عينيها بخبث وتمتمت في نفسها 

- كده تمام أوي وكل حاجة ماشيه زي ما خططت وأحسن 

****

بالمشفى... 
كانت جوري تجوب الممر المؤدي إلى غرفة العمليات ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية لشعورها الشديد بالخوف فترك أدم مقعده واقترب منها في محاولة منه لتهدئتها ولكن دون جدوى فقد كان شعورها بالخوف يفوق طاقتها الاحتمالية، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها خروج الطبيب فركضت باتجاهه وتساءلت 

- العملية نجحت؟ 
- الحمد لله حالتها مستقرة وتم استئصال الورم بنجاح
- ألف حمد وشكر ليك يارب

قالتها جوري وهي تبكي بغزارة فأحاط أدم خصرها من الخلف بعد أن ابتعد الطبيب وقربها منه قائلاً 

- إيه لازمة الدموع دلوقتي؟ 
- كنت خايفه عليها أوي 
- الحمد لله ربنا طمنك فياريت بلاش دموع، هروح أطمن ماما وعمي وأرجعلك

بمجرد أن ابتعد أدم، اقتربت لمياء من جوري وعانقتها فتمسكت بها وهي تردد 

- كنت خايفة أوي 
- هي عامله إيه دلوقتي؟ عديت عليهم بره قالوا لسه
- الدكتور قال كويسه وأدم خرج يبلغهم
- طيب ما تعيطيش طالماً الدكتور طمنك

تنهدت جوري بحرقة ثم جلست على أحد المقاعد الموضوع أمام جحرة العمليات ثم نظرت إلى لمياء وقالت

- خايفه أخسرها يا لمياء، خايفه في يوم أصحى وملقيش جمبي لا أب ولا أم
- أخس عليكي ليه تفولي عليها بس، وبعدين تعالي هنا هو مش إحنا أخوات ولا إيه، وأدم جمبك وهيفضل جمبك لأخر العمر
- ربنا يخليكم ليا، أنتي بجد أختي وصديقتي وأقرب حد ليا

عانقتها لمياء مرة أخرى فتمسكت جوري بها علها تجد الأمان الذي فقدته منذ أن علمت بمرض أحلام

****

بمقر دار دار الحكمة للنشر والتوزيع جلس عماد على مقعده داخل مكتب فخم وأمامه مجموعة من الأوراق عليه مراجعتها ليقرر ما يصلح للنشر... كان شارداً لدرجة جعلته ينسى الزمان والمكان، فقط تذكر حديثه معها وتساءل في نفسه ما سر انجذابه نحوها بالرغم من عدم اهتمامه بفتاة من قبل؟... ظهرت على شفتيه ابتسامة خفيفة عندما تذكر معاملتها الجافة له قبل أن يعتذر منها... ظل على تلك الحالة لساعة كاملة ثم فاق من شروده على الأصوات التي تتردد بداخله فاشتعل صراع داخلي مع نفسه... وقف عن مقعده وهو يشعر بالاختتاق ثم دلف إلى الحمام الملحق بغرفة المكتب وغسل وجهه مراراً وتكراراً ثم نظر إلى نفسه في المرآة وردد بحدة

- ما ينفعش اللي بتعمله ده، من أمتى بتهمك واحدة، طلعها من دماغك ولو الكتاب بتاعها السبب يبقى شيله من حساباتك وشيلها هي كمان

أزال المياه عن وجهه ثم عاد ليتابع عمله وكأن شيئاً لم يكن، فقد قضى حياته بعيداً عن النساء وعليه التمسك بقراره إلى الأبد

*****

في العاشرة مساءاً عادت لمياء إلى المنزل برفقة والدها ووالدتها، بينما بقت جوري إلى جوار والدتها وكذلك فاطمة وأدم الذي رفض الابتعاد عن مدللته... دلفت إلى غرفتها وهي تشعر بثقل جسدها فقد كان يوم شاق... أبدلت ثيابها ثم توضأت وصلت فرضها وبمجرد أن فرغت حملت هاتفها ودلفت إلى الشرفة لتتحدث إلى جوري... 
على الجانب الأخر صدح صوت رنين هاتف جوري فتركت مقعدها وابتعدت قليلاً ثم أجابت قائلة

- وصلتوا؟ 
- اه يادوب أتوضيت وصليت

في ذات اللحظة كانت الكوابيس تطارد عماد كعادة كل ليلة فانتفض عن الفراش وهي يتصبب عرقاً وما أن شعر أنه على وشك الاختتاق غادر الغرفة ودلف إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي فاستمع إلى صوتها العذب وهي مازالت تتحدث عبر الهاتف

- تصدقي يا بت أنتي الشقة من غيرك هادية أوي
- ربنا ما يحرمنا من بعض ويشفي ماما وعموماً كلها ٤٨ ساعة وأجي أقعد على قلبك

تنهدت لمياء بحرقة فشعرت جوري بالقلق عليها وتابعت متسائلة: مالك؟ 

- عايزه أفاتح بابا في موضوع النشر وخايفه يرفض
- تااااني، يا بنتي ما قولتلك عمي تفكيره غير كده خالص، أقولك أصبري لما ماما تخرج وأنا بنفسي هفاتح عمي، بس قوليلي بالحق أنتي خايفه على فرصة النشر ولا حاجة تانية؟ 
- قصدك إيه يا ست جوري؟ 

قالتها بغضب ونبرة صوت حادة فابتسمت جوري وأجابتها بمرح طفولي: يعني قولت يمكن يعني مهتمة بدار النشر وصاحب دار النشر

- بقولك إيه أقفلي بدل ما أجي أكسر الفون على راسك وأبيتك جمب طنط في الرعاية
- أعوذ بالله منك، أنا هقفل من نفسي جتك القرف

أنهت جوري المكالمة المكالمة وعادت إلى فاطمة وأدم، بينما جلست لمياء على أحد المقاعد لتتأمل السماء ونجومها فشعر عماد برغبة ملحة في الحديث معها دون أن تفهم ذلك فاصطنع الحديث عبر هاتفه الخلوي قائلاً 

- يا سامي أسمعني علشان مش حابب كلام كتير في الموضوع ده

ميزت صوته بسهولة فتسارعت نبضاتها وحاولت التماسك فتابع بحدة مصطنعة وصوت عال

- بكرة الصبح خطة المبيعات الجديدة وأرقام التوزيع لسنة المعارض يكونوا على مكتبي ومش هقبل اعذار، مع السلامة

أنهى مكالمته التي لا وجود لها واتجه صوب سور الشرفة عله يتحدث معها دون أن يعرف السبب الذي يدفعه لذلك، فوقفت هي الأخرى عن مقعدها واقتربت من السور لتتلاقي أعينهم في نظرة سريعة قطعها بكلماته التي تحمل الاندهاش المصطنع بطياتها

- الصدف كترت النهارده بينا
- فعلاً، سبحان الله أوضة حضرتك طلعت جمب أوضتي والحيطة في الحيطة 
- لحقتي السيكشن بتاعك؟
- لحقته الحمد لله، مش عارفه ازاي بقالي سنتين ونص في القاهرة وما تقابلناش قبل كده في العمارة
- أنا لسه راجع من أمريكا من شهر قضيت منهم أسبوعين بنام في الدار لحد ما جهزت الشقة، لأنها مقفولة من تلات سنين تقريباً 

ضيقت لمياء بين حاجبيها فاندهش من فعلتها وتابع: مالك؟ 

- العمال اللي كانوا شغالين في شقتك مكنش بيحلالهم الدق غير وأنا نايمة 
- يا خبر أبيض، ده أنا هروح أشتكي حالاً لمهندس الديكور اللي سلمته الشقة

قال كلماته بطريقة ساخرة محببة إلى القلب فابتسمت ببراءة ليبادلها بسؤال

- قولتي أنك بتقرأيلي، يا ترى قرأتي إيه؟ 
- كل كتب حضرتك ورواياتك بلا استثناء 
- واو، وعجبوكي على كده؟ 
- أكيد، حضرتك كاتب مميز جداً وأفكارك دايماً مختلفه والنهايات على الأغلب سعيدة بس لاحظت في أخر رواية قسوة في معاملة البطل للبطلة بالرغم أن العشق بينهم كبير أوي

شرد عماد في كلماتها وبدأت أفكار عديدة تدور في رأسه ولكن سرعان ما فاق من شروده عندما تابعت برقة

- هستأذن من حضرتك وأدخل علشان مقتولة نوم
- اه طبعاً أتفضلي
- تصبح على خير

ودعها بابتسامة ساحرة جعلتها تتوه في قسمات وجهه ولم يعيدها إلى أرض الواقع سوى صوته

- تلاقي الخير

انتظر حتى دلفت وأغلقت باب شرفتها ثم دلف هو الأخر واتجه صوب المرآة ليطالع ملامح وجهه فابتسامته لا تظهر إلا في وجودها بالرغم من عدم معرفته الجيدة بها... ظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم حنى رأسه وتمتم بخفوت

- خليك بعيد عنها وبلاش تتعلق بيها، لو عرفت حقيقتك هتكرهك

صمت للحظات ثم رفع رأسه مرة أخرى ونظر إلى الغضب البادي على وجهه وتابع بغلظة وحدة واضحة

- أو هتخونك 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس - بقلمي منى سليمان 

* اتصال *    

استعادت لمياء توازنها وارتدت مُسرعة إلى الخلف هي تشعر بالإحراج فابتسم سامح على هيئتها وقال مازحاً 

- ما يقع إلا الشاطر يا دكتورة 

ازداد شعورها بالإحراج وهمت أن تعتذر منه لتغادر لكن سبقها عماد عندما تحدث بحدة وصوت عالِ

- أنا ماشي يا سامح، أشوفك بعدين
- تمشي فين بس ده أنا ما صدقت شوفتك
- أنا

بتر عماد كلماته بعد أن قاطعته لمياء قائلة: معلش لازم أمشي، بعد إذنكم

لم تنتظر الرد وغادرت على عُجالة فتابعها عماد بعينيه حتى اختفت تماماً بينما راقب سامح صديقه في صمت ثم وكزه في كتفه وهتف مازحاً 

- يا ابني قولي بس إيه النظام وانا أطبطك
- أنا مش فايقلك وورايا شغل، سلام

ما أن غادر عماد لمعت أعين سامح بخبث وتمتم في نفسه: أقطع دراعي لو ما كان في حاجة 

****

بعيادة الطبيب... 
ترقرقت الدموع داخل مقلتيّ جوري بعد أن سمعت ما والدتها مُقبلة عليه... جاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها ولكن دون جدوى فخانتها دمعة وسالت برفق على وجنتها سرعان ما مسحتها ووقفت عن مقعدها قائلة بثبات مصطنع

- هنزل أشوف أدم على ما تخلصوا

غادرت دون أن تلتفت خلفها وهبطت الدرج وهي تكتم صرختها، وظلت على تلك الحالة حتى وصلت إلى سيارة أدم الذي ترجل من السيارة واقترب منها وهو يشعر بالقلق على هيئتها، وقبل أن يتحدث سبقته وألقت بجسدها في صدره فغمرها بذراعيه وحنانه متناسياً الزمان والمكان، وظلت جوري على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها حينما فطنت إلى وجودها بين أحضانه بالطريق فابتعدت والخجل يكسو وجنتيها ما جعل ابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره وتحدث بمشاكسة

- ياما نفسي تنسي خجلك وأنتي في حضني ولو لمرة واحدة
- بطل قلة أدب

قالتها بغيظ وهي تزيل الدموع عن وجنتيها فسألها بصوت دافئ: مالك يا عمري؟ 

- حسيت أني بتخنق لما سمعت الدكتور بيشرح لماما هتتعالج أزاي، خوفت تشوف دموعي فبعدت علشان ماأزودش وجعها
- عندك حق، ما ينفعش نزود وجعها وننهار قدامها
- ربنا يشفيها ويعفو عنها
- يارب يا قلبي، تعالي نشرب أي حاجة في الكافيه ده على ما يخلصوا 

حركت رأسها بالموافقة ومضت معه إلى حيث أشار بسبابته فحاول الإمساك بكفها لتتشابك أيديهما لكنها أبعدت يدها وقالت بغيظ

- بس يا أدم إحنا في الشارع
- عندك حق يا عم جعفر
- أنت رخم على فكرة

قالتها بنبرة صوت تحمل الغضب بطياتها ثم سبقته بخطوة فضرب أحد كفيه بالأخر وتمتم في نفسها

- دي الشاويش عطيه كمان، مش هم جعفر بس

****

استقل عماد سيارته والأفكار تتخبط في رأسه وكأنه في صراع داخلي مع النفس بالرغم من عدم معرفته بسبب غضبه المفاجئ... أدار محرك السيارة وانطلق بها لكنه توقف على بعد أمتار قليلة عندما رأى لمياء تقف بالطريق... ترجل من السيارة بعد أن وضع نظارته الشمسية واقترب منها قائلاً بغيظ

- مستنيه حد ولا إيه؟ 
- طالبة عربية بس شكل اللوكيشن معلق وكل شوية يقولي جاي وما بيجيش

استطاعت كلماتها قطع الشك الذي تسرب إلى قلبه قبل عقله فتنفس بعمق ثم تحدث بهدوء 

- لو تحبي أنا ممكن أوصلك 
- ميرسي بس مش هينفع
- ليه؟

سألها بدون أي تردد أو تفكير فاندهشت بشدة دون أن تُظهر له ذلك ثم أجابته بخجل

- مش هينفع بجد

وجهت نظراتها خلفه ثم عادت لتنظر إليه وتابعت: بعد إذنك العربية جت، باي 

لوحت مودعة بطريقتها الطفولية فابتسم بخفوت ثم أدار جسده وقال قبل أن تدلف إلى السيارة 

- ما تتسيش تفكري وتردي عليا
- أكيد طبعاً 

ركبت وأمرت السائق بالانطلاق فعاد عماد إلى سيارته وانطلق هو الأخر إلى دار النشر ليتابع عمله

****

في ذات الوقت تململت فاتن في فراشها وخلال دقائق قليلة استيقظت وهي تشعر بصداع حاد كعادتها، فقد أصبت دائمة السهر والعودة إلى المنزل مع الساعات الأولى للصباح... اعتدلت في جلستها بصعوبة ثم ضغطت زر الجرس الموضوع إلى جوارها فتركت الخادمة ما تفعله وركضت مُسرعة إلى غرفة فاتن حتى لا تصطدم بلسانها السليط

- تحت أمرك يا هانم
- ماما لسه في هنا ولا خرجت؟ 
- لا الهانم الكبيرة ما رجعتش امبارح

اندهشت فاتن بشدة ثم أشارت بيدها إلى الخادمة لتغادر... تركت فراشها وبدأت تبحث عن هاتفها حتى وجدته فأجرت اتصالاً بوالدتها... في ذات اللحظة كانت سهيلة قابعة بين أحضان محسن منصور مقدم البرامج الأشهر بمصر والوطن العربي، وما أن صدح صوت رنين هاتفها ابتعدت عنه وأجاب قائلة

- صباح الخير يا روحي
- صباح النور، أنتي فين؟ مش قولتي مفيش شغل today
- ماجي تعبانه ومفيش حد معاهم فاضطريت أفضل معاها

استشعرت فاتن الكذب في كلمات والدتها التي لم تهتم لمرض أحدهم يوماً، ومع ذلك لم تظهر لها ذلك وتحدثت بهدوء مصطنع

- سلميلي عليها
- هتنزلي؟ 
- ممكن أروح أشوف داد وممكن أخرج مع الشلة، لسه مش عارفه

بعد مرور عدة دقائق أنهت فاتن المكالمة ثم دلفت إلى الحمام لتنعم بحمام دافئ... بينما على الطرف الأخر وقفت سهيلة على الفراش لترتدي ثيابها فاندهش محسن من فعلتها وتساءل

- بتلبسي ورايحه فين؟ 
- هروح، وكفاية أوي اللي حصل لحد دلوقتي
- سهيلة أنا بحبك
- بتحبني يبقى تعلن للكل جوازنا

أكملت ارتداء ثيابها ثم حملت حقيبتها وهمت أن تغادر الغرفة إلا أنه سبقها ووقف أمامها قائلاً 

- إحنا متفقين من أول يوم أن جوازنا هيفضل سر لحد ما ظروفي تتحسن وأعلنه بنفسي
- وأنا زهقت، عايشه معاك زي الحرامية ومراتك واخده كل حقوقها وزيادة، يا تعلن جوازنا يا نطلق 

ضيق محسن بين حاجبيه وتطاير شرار الغضب من عينيه فشعرت أنه على وشك الفتك بها وتابعت بنبرة صوت تحمل الدلال بطياتها

- أنا بحبك يا محسن، وخربت ببتي وأطلقت علشانك

رمقها محسن بنظرة اندهاش فطوقت عنقه بذراعيها وأردفت: أيوه سبت فريد علشانك، لأن من أول مرة شوفتك وأنا بحبك وأنت محستش بحبي ده غير من شهرين بس، ولما فكرت تتجوزني أتجوزنا في السر، يرضيك كده؟ 

قالت كلماتها الأخيرة بصوت يحمل الغضب والدلال فأحاط خضرها بذراعه وقربها منه بشدة ثم تأمل انعكاس صورته داخل مقلتيها وأجابها قائلاً 

- طبعاً ما يرضنيش ولو كنت أعرف أنك بتحبيني زي ما بحبك كنت جيت من زمان، بس أرجوكي أديني فرصة ألاقي الوقت المناسب وأعلن جوازنا
- دايماً بتغلبني في الكلام
- يلا تعالي نقعد سوا شوية قبل ما تمشي

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها ثم مضت برفقته إلى الفراش وهي تتمتم في نفسها

- وغلاوتك عندي بكرة الصبح خبر جوازنا هيبقى سيرة على كل لسان 

*****

في المساء اجتمعت أسرة جوري على مائدة الطعام في أجواء ساحرة ملأتها مشاكسات أدم لكل واحدة منهن عله يخفف من حدة التوتر الذي ملأ أرجاء المكان، فغداً ستخضع أحلام للجراحة بعد أن صمم الطبيب على إجرائها في أسرع وقت... وبعد أن فرغوا من تناول الطعام بدأت لمياء في إفراغ محتويات السفرة بمساعدة جوري التي نظرت إليها وتساءلت

- أنتي مخبيه عني حاجة، صح؟ 

حركت لمياء رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما قالته جوري فتابعت: كده من أمتى بنخبي حاجة على بعض؟! 

- والله مستنيه ندخل الأوضة وأحكيلك لأني محتارة
- خلاص تعالي نعمل الشاي وندخل نقعد جوه، أهو حاجة تنسيني اللي هيحصل بكرة

قالت جوري كلماتها الأخيرة بحزن ملحوظ فربتت لمياء على كتفها وقالت برقة

- هتخف بأمر الله وتبقى زي الفل، وما تقلقيش أنا جبتلك المحاضرات اللي فاتتك النهارده وبكرة كمان هجبلك وأجي على المستشفى، لو مكنش سيكشن عملي كنت فوته وجيت من أول اليوم
- لا روحي جامعتك وهاتي محاضراتي وبعدين تعالي بدل ما نتعطل، إحنا الأتنين، يلا نخلص علشان نقعد و

توقفت جوري عن إكمال كلماتها عندما رأت أدم يقف خلف لمياء، فرفع أحد حاجبيه وتحدث بشك

- سكتي يعني أول ما قربت، بتقولوا إيه؟ 
- بنقول كلام بنات تحب تسمع؟ 

قالتها لمياء ثم غمزت لجوري بمشاكسة فضربها أدم بخفة على رأسها وأجاب سؤالها بغيظ

- لا مش عايز أسمع، أنا هدخل ارتاح شوية

انصرف أدم بعد أن طبع قبلة على جبين حبيبته، وبعد مرور عدة دقائق جلست لمياء إلى جوار جوري على الفراش وقصت عليها كل ما حدث معها بالأمس والمفاجأة التي وجدتها في الصباح، فوضعت جوري يدها على ثغرها لتكتم صرختها وبمجرد أن استردت أنفاسها تساءلت ببلاهة

- عماد القاضي بجد ولا أنتي، أتجننتي؟ 
- لا هو بجد، وأنا برضو يوم الحادثة أقول وشه مش غريب بس من الخضه معرفتش أميز، المهم قوليلي أعمل إيه
- تقبلي طبعاااااااااااً
- وبابا؟ 

عقدت جوري بين حاجبيها قائلة: ماله عمي؟ 

- ممكن يرفض وأكيد مش هعمل كده من وراه
- بالعكس، أولاً عمي مثقف جداً، ثانياً هو نفسه بيرسم من سنين وعمره ما منعك تكتبي يبقى فين المشكلة؟! 

القت لمياء جسدها على الفراش وأخذت تنظر إلى سقف الغرفة فوكزتها جوري في قدمها بعنف وأردفت

- ما تقولي فين المشكلة؟ 
- مش عارفه خايفه 
- عموماً عمي جاي بكرة علشان عملية ماما، انتظري يومين تلاته وفاتحيه
- يكون أستاذ عماد زهق ومش بعيد يقولي لا
- خلاص اتصلي بيه فهميه

اعتدلت لمياء في جلستها وهتفت باندهاش: أنتي أتجننتي، أكلم مين؟ 

- عماد القاضي
- يا سلااااااام!! 
- والله عادي فهميه بس أنك محتاجة كام يوم، أسبوع بالكتير وتردي عليه
- لا أتحرج
- أنا قولتلك رأيي وأنتي حرة، هروح أنام ساعة وأقوم أسهر مع ماما، اوعي تنامي هنسهر كلنا سوا

غادرت جوري إلى غرفتها فبقت لمياء في مكانها وأخذت تفكر في كل ما قالته ابنة عمها ووقعت في حيرة من أمرها هل تُجري الاتصال أم تنتظر موافقة أبيها؟... وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها عندما أخذت قرارها وأجرت الاتصال... 
على الجانب الأخر كان عماد يتقلب في فراشه يميناً ويساراً وتطارده الكوابيس كعادة كل مساء، ولم يُخرجه من تلك الحالة سوى صوت رنين هاتفه فانتفض جسده عن الفراش وهو يتصبب عرقاً... كان كالمغيب لا يعرف ولا يعي مكان وجوده وخلال دقيقة واحدة استرد وعيه بالكامل وأحضر هاتفه ليجيب المكالمة ولكن انقطع صوت رنينه فمسح وجهه بكف يده ثم ترك الفراش ودلف إلى الحمام لينعش جسده تحت المياه، وبمجرد أن فرغ تناول الدواء الخاص به ثم جلس على حافة الفراش وأعاد الاتصال بالرقم... 
تسارعت نبضات قلب لمياء عندما صدح صوت رنين هاتفها فأغمضت عينيها وتنفست بعمق ثم ضغطت زر الإيجاب وقالت بصوت مرتعش

- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- أستاذ عماد معايا؟ 
- أيوه أتفضلي
- أنا لمياء

لوى عماد ثغره وشعر برغبة ملحة في الفتك بها ثم تمتم في نفسه: بالسرعة دي أتصلتي

فاق من شروده عندما استمع إلى صوتها: حضرتك معايا؟ 

- نعم عايزه إيه؟ 

قالها بنبرة تعالي فترقرت الدموع داخل مقلتيها ثم استجمعت شجاعتها وقالت بثبات

- آسفة أني بتصل في وقت متأخر بس حضرتك قولت أتصل عادي، عموماً أنا كنت متصله علشان أطلب من حضرتك مهلة أسبوع أخد إذن بابا لأني مقدرش أعمل حاجة من غير موافقته، كمان بابا مش عايش في القاهرة، بس خلاص أنا صرفت نظر عن الموضوع كله وشكراً على الفرصة وآسفة على الإزعاج، بعد إذنك

لم تنتظر رده وأنهت المكالمة فزفر عماد بضيق ندماً على طريقته معها فأعاد الاتصال بها لكنها لم تجيب فقد كانت تبكي لشعورها بالإهانة، فكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى ما جعله يلقي بالهاتف على الفراش وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة أنهاها بصرخة هزت أركان المكان

- كفااااااية بقى
*****

انتظرت سهيلة حتى صعدت فاتن إلى غرفتها ثم دلفت إلى حجرة المكتب الخاصة بزوجها السابق فريد، وبدأت تبحث عن رقم أحد الصحفيين لدى جريدة صفراء تختص فقط بكشف المستور والأخبار المفبركة... ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة ثم أخرجت هاتف أخر قامت بشرائه وهي في طريقها إلى المتزل، وهلال دقيقة واحدة أجرت الاتصال فأجاب الصحفي 

- الو
- حضرتك أستاذ إبراهيم سعد؟ 
- أتفضلي مين معايا؟ 
- مش هينفع أقولك أسمي بس عندي خبر هيقلب الوسط الفني والإعلامي 

لمعت عينيّ إبراهيم فرحاً فسألها عن أي خبر تتحدث فأجابته وهي تأسر ابتسامة النصر بصعوبة

- محسن منصور أتجوز سهيلة خاطر من شهرين عند مأذون بس الجوازة في السر حتى بنتها ما تعرفش

وقف إبراهيم عن مقعده وأحضر ورقة وقلم ليدون ما قالته وبمجرد أن انتهى أكمل حديثه قائلاً 

- أنتي متأكدة من الكلام ده؟ 
- أيوه طبعاً وتقدر تتأكد بنفسك وتصورهم سوا كمان، هما بعد يومين هيسافروا سوا العين السخنة تلات أيام وهينزلوا في قرية بيلا روزا، زي ما تقول كده شهر عسل قصير والمايه تكدب الغطاس

كاد أن يسألها مِن أين جاءت بتلك المعلومات إلا أنها سبقته وأنهت المكالمة لتصدح ضحكتها الشيطانية بكل أرجاء المكان، وبمجرد أن تمالكت أنفاسها رفعت أحد حاجبيها بتفاخر وتمتمت في نفسها بسعادة

- أنا زي الفريك محبش شريك ولو مراته عندها دم هتخلع وتسيبهولي

*****

مع الساعات الأولى الصباح غادرت أحلام إلى المشفى برفقة ابنتها وشقيقتها وأدم الذي رفض الذهاب إلى الجامعة ليبقى إلى جوار طفلته فاليوم ستمر بتجربة لم تعيشها من قبل... ودعتهم لمياء وعادت إلى غرفتها لتبدل ثيابها لكي تذهب إلى الجامعة... 
في ذات اللحظة كان عماد يمارس رياضة الركض كعادة كل صباح وبمجرد أن انتهى أجرى اتصالاً بهاتفها لكنها تجاهلت ذلك كما فعلت طوال الليل ولم تجيب، زفر بضيق وقرر العودة إلى منزله ليذهب إلى الجامعة عله يصلح ما فعله.... 
بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انتهت لمياء من إبدال ثيابها ثم غادرت الشقة واستقلت المصعد هبوطاً، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الأرضي تذكرت أن حافظة نقودها خالية فضربت جبهتها بكف يدها وقالت بغيظ

- يخرببت الزهايمر

عادت إلى المصعد وحاولت فتحه ولكن دون جدوى فنادت حارس العقار وسألته عن السبب فأخبرها أن عمال الصيانة يعملون على سطح العقار لتحسين خدمة المصعد فضربت قدمها بالأرض كالأطفال وتحدثت بغضب

- يادي الحظ المهبب، هطلع العاشر على رجلي وأنا أصلاً متأخرة

زفرت بضيق وبدأت رحلة الصعود إلى الطابق العاشر، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الخامس خارت قواها وجلست على إحدى درجات السلم لتلتقط أنفاسها وبقت جالسة لدقائق قليلة، وما أن أخذت قرارها لتكمل صعودها تفاجأت برؤية أخر شخص قد تتوقع وجوده أمامها، فأتسع ثغرها وهي تكاد تصدق ما تراه وقالت بدون أي تفكير

- أنت بتعمل إيه هنا؟ 

لم يجيبها ولو بكلمة واكتفى برسم ابتسامة على شفتيه فعضت هي على شفاها السفلى بغيظ ورددت بخفوت

- هو يوم أسود من أوله


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف