03/09/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Saturday, March 9, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 09, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل السادس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* احتواء *

هل أحلم... لا إنه كابوس ساستيقظ منه بعد قليل... وماذا إن كان كابوسي حقيقة.. كيف أحيا بعد الفراق؟ كيف أعيش بعد كل صفعات الزمن؟... أخبرني يا زمان أي ذنب اقترفت لتسرق مني الأمان فالسعادة وبالنهاية أسرتي؟ أخبرني متى تنتهي دموعي وألامي؟ أو أخبرني أين المفر من جروحي وأحزاني؟.... 
كانت تُغمض عينيها وتردد الكلمات وهي تبكي بغزارة... انتبه لها وتمنى أن يخبأها بداخله لينتهي حزنها ولكن أمنيته كانت مستحيلة.. بعد مرور ساعة كاملة ترجل أمير من السيارة ثم اتجه صوب باب وعد وفتحه فاستندت عليه وترجلت هي الأخرى... أحاط ظهرها بذراعه وساعدها على الدخول إلى العقار ثم اصطحبها إلى شقة والدها بناءاً على رغبتها... وقفت بين الغرف تتأمل الصمت والفراغ فبالأمس كان صوت ضحكات شقيقيها يصدع في أرجاء المكان واليوم ودعتهم كما ودعت أبيها ودفنوا جميعاً تحت التراب منذ قليل... تساقطت الدموع من مقلتيها واحدة تلو الأخرى ثم اتجهت صوب غرفة مصطفى وعبد الرحمن، جلست على فراش مصطفى وتحسسته بباطن كفها وباليد الأخرى أمسكت ملابس عبد الرحمن لتشتم رائحته... كانت النيران تتأكلها فقد رحلوا جميعاً دون أن تودعهم، أغمضت عينيها وتذكرت ما حدث بالأمس بعد أن انطلقت من بين شفتيها أعلى الصرخات... ركض أمير إلى الغرفة ووجدها تحتضن جسدي شقيقيها فاقترب منها مسرعاً وتحسس نبضهما فنظرت إليه بعين راجية وقالت والدموع تنهمر على وجنتيها

- ساعدهم وخليهم يفتحوا عينيهم، هما بس دايخين وبعد ما تساعدهم هيقوموا يحضنوني ويقولولي وحشتينا، صح يا أمير؟ 

شعر بغصة في قلبه ولم يستطع أن يخبرها برحيلهم كما رحل أبيها فاقترب منها وأبعد جسد مصطفى ثم عاد وحرر جسد عبد الرحمن من بين يديها فصرخت منادية بأسمائهم ثم ألقت بجسدها في صدر أمير فحاوطها بكلتا يديه في ذات اللحظة التي دلفت فيها حنين إلى الغرفة بعد أن استمعت إلى صوت وعد فجلست راكعة على الأرض من هول الصدمة.... 
فاقت وعد من ذكرياتها الأليمة عندما جلس أمير إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه فأسندت رأسها على صدره لتبكي على من رحلوا بلا وداع تاركين بقلبها الحسرة والألم... كم تمنى أن يحمل الحزن عنها لكنها أمنية بعيدة المنال 

- ربنا يرحمهم، لو فضلوا عايشين كانوا هيتعذبوا أكتر
- منها لله منيرة هي السبب في كل حاجة، أكيد بابا ما استحملش الصدمة وأكيد ربنا رحم مصطفى وعبد الرحمن علشان ما يجيش يوم ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأمهم أتمسكت في شقة

صمتت للحظات وأكملت بكائها ثم ابتعدت عنه قليلاً وتساءلت بصوت كساه الألم

- هي الدنيا لحد أمتى هتفضل تكسرني؟ 

كانت كلماتها بمثابة جمرة نار تسللت إلى قلبه وحرقت كل ما قابلها إلا أنه تمسك بهدوئه وأجابها قائلاً 

- مفيش حاجة هتكسرك طول ما أنا جمبك، أنا سندك وأمانك
- أوعى تسيبني وتمشي أنت كمان

قالتها بصعوبة نتيجة لبكائها فجذبها إلى صدره مرة أخرى عله يعطيها الأمان الذي تحتاج إليه وظلت قابعة بين أحضانه حتى انتبهت إلى صوت رنين الجرس فتركت أمير واتجهت صوب باب الشقة لتتفاجأ برؤية والدتها

- حنين كلمتني وقالتلي أنك أكيد محتجالي فسبت الدنيا وجتلك

قالت رمزية كلماتها ودموعها تتساقط ثم فتحت ذراعيها فارتمت وعد داخل أحضانها وهتفت بصعوبة

- ما تسيبنيش تاني، ما تمشيش أنا فعلاً محتجالك 

شددت رمزية في احتصانها وأخذت تمسد على خصلات شعرها وهي تقول بصوت دافئ

- من النهارده مش هبعد عنك وهنرجع نعيش سوا

ابتعدت وعد عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وتساءلت: بجد؟ 

- لما حنين كلمتني قالي لو خرجتي ما ترجعيش بس اختارتك أنتي، أنا اتخليت عنك مرة ونمتي في الشوارع بس دلوقتي مش هبعد لأني مليش غيرك
- أنا بحبك أوي يا ماما
- وأنا مليش غيرك في الدنيا دي

احتضنتها رمزية مرة أخرى وطبعت قبلة حانية على خصلات شعرها فدمعت أعين أمير إلا أنه أسر دموعه واقترب منهن قائلاً 

- كفاية حزن بقى وتعالوا نمشي من البيت ده
- عندك حق يا جوز بنتي، البيت ده ملعون 

غادروا جميعاً بعد أن ودعت وعد ذكرياتها الحلوة والمرة التي قضتها بين جدران هذا المنزل فانطلق أمير إلى منزل سوسن 

******

بسجن النساء... 
عادت منيرة إلى زنزانتها وهي تجر أذيال الحسرة فقد أخبرها مأمور السجن منذ قليل بوفاة طليقها وولديها... كادت أن تسقط أرضاً عدة مرات إلا أنها استندت على الحائط حتى وصلت إلى فراشها الأشبه بأشواك الصبار... جلست على حافة الفراش ثم أغمضت عينيها وتذكرت حقارتها ومعاملتها السيئة لطفليها... عادت بذاكرتها إلى ثلاث أشهر عندما كانت تتحدث عبر الهاتف إلى إبراهيم لتواعده... كان مصطفى يلعب بسيارته ويغني بأعلى طبقات صوته فزفر إبراهيم بضيق وقال بغيظ

- ما تسكتي الكلب ابنك ده علشان أسمعك 
- حاضر

أبعدت الهاتف عن أذنها واقتربت من مصطفى وأخذت منه السيارة عنوة ثم ألقت بها من الشباك فعلّا صوت بكائه... اقتربت منه وصفعته بقوة على وجنته ليصمت فركض عبد الرحمن باتجاه شقيقه ثم نظر إليها وقال بغضب 

- ما تضربيش أخويا، إحنا مش بنحبك أصلاً بنحب بابا ووعد بس

اشتعلت منيرة غضباً فأمسكت به هو الأخر وضربته بقوة ثم ألقت به وبشقيقه داخل الغرفة وأغلقت بابها بالمفتاح وأكملت حديثها مع إبراهيم وكأن شيئاً لم يكن... 
عادت إلى أرض الواقع والندم يتملكها بعد فوات الأوان فعلمت أن الله ينتقم منها ورددت بخفوت

- ذنب وعد ورمزية، ذنب الزنا مع مرزوق ويحيى وإبراهيم، ذنب ولادي اللي ضربتهم كل يوم 

ظلت تردد تلك الكلمات مرارا وتكراراً حتى التوى ثغرها ويدها ثم فقدت توزانها وسقطت عن الفراش فتجمعن السجينات حولها وقالت إحداهن

- شكلها أتشلت حماتي كانت نفس المنظر كده

ساعدتها أخرى على العودة إلى الفراش ثم اقتربت من باب الزنزانة وطرقتها بعنف وهي تقول

- في واحدة تعبانه

******

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل... 
لم تتوقف دموعها ولو لدقيقة وفشلت جميع محاولات حسام في إسكاتها بالرغم من شعوره هو الأخر بالحزن فأشار بيده إلى النادل وطلب منه كوباً من عصير الليمون لها عله يساعدها وبمجرد أن ابتعد النادل نظر مُباشرةً إلى عينيها التي تورمت من كثرة البكاء وقال بهدوء لم يعتاده في الحديث معها

- وبعدين معاكي، بقالك ساعة ما بطلتيش عياط
- صعبانين عليا أوي ومش مصدقة أني كنت بلعب معاهم من كام يوم لما كنا في النيابة
- ربنا يرحمهم، ممكن تبطلي عياط بقى؟ 
- مش عارفه أبطل أصلاً 

قالتها ببراءة وهي تبكي بغزارة فشعر للمرة الأولى بألم يسري بداخله بسبب رؤيته لدموعها فتحدث بصوت أقرب إلى الرجاء قائلاً 

- طيب علشان خاطري ما تعيطيش، قلبي وجعني عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها علها تتوقف عن البكاء فاختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم كفكفت دموعها وهتفت بذات المشاكسة 

- بطل رخامة يا هولاكو، مش طالبه رخامتك بجد
- هبطل بس لو عيطتي تاني ما أوعدكيش
- معاد الوزير راح عليا لما كنا في المقابر، هنعمل إيه دلوقتي؟ 
- روحي بكرة وقولي أن كان عندك حالة وفاة وأكيد هيدخلك عادي

كادت أن تتحدث لكن قاطعها النادل حينما وضع عصير الليمون أمامها فمطت شفتيها بضجر وقالت بدون أي تردد أو تفكير

- أنا مبحبش الليمون

نظر النادل إلى حسام فمد يده وأخذ كوب العصير ثم نظر إليها وهتف بغيظ

- أحسن هشربه أنا، واختاري اللي أنتي عايزاه
- لو سمحت هاتلي فنجان قهوة سادة 
- تحت أمرك

بمجرد أن غادر النادل، وجهت نظراتها إلى مياه النيل فساد الصمت بينهما للحظات قطعها حسام عندما قال مازحاً 

- مش واخد على هدوئك يا شكل

اعتقد أنها ستبادله المزاح لكنها تساءلت بصوت كساه الألم: تفتكر وعد حاسه بإيه بعد ما خسرت أبوها وأخواتها في يوم واحد؟ 

تنهد حسام بحرقة وأجابها بصوت هادئ: وعد أرق بنت شوفتها في حياتي، جميلة وهادية عامله زي النسمة بالظبط والأهم من ده كله أنها حساسة وأقل حاجة بتأثر فيها بس أجمل حاجة فيها قوتها، بتقدر تقف على رجلها وما بتسمحش لأي حاجة تكسرها وده اللي بحبه فيها

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، لوت شفتيها بضجر وشعرت بالغضب يتملكها دون أن تعرف سببه فأشهرت سبابتها في وجهه وهتفت بحدة 

- حبك برص

تأمل غضبها للحظات ثم انفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته فما كان منها إلا أنها حملت حقيبتها وغادرت دون أن تعيره أي اهتمام فلحق بها وقبض برفق على معصمها 

- مالك بس يا شكل؟ 
- سيب أيدي يا رخم بدل ما أصوت وأقول خاطفني
- صوتي واللي هيقرب هضربه بالنار

صرت على أسنانها وحاولت التملص من قبضته إلا أنه لم يسمح بذلك فقالت بهدوء 

- لو سمحت سيب أيدي، مش عايزه أقعد معاك أنا حره 
- بس أنا عايز أقعد معاكي

رفعت بصرها إليه فتقابلت أعينهم في نظرة طويلة قطعها حينما أردف بمشاكسة

- عايز تمشي يا شكل وتسيب هولاكو لوحده؟ 
- ما هولاكو بيضايقني ويعصبني
- خلاص تعالي وهتوسطلك عنده
- ماشي

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته حتى لا يغضبها مرة أخرى ثم حرر معصمها فمضت معه إلى الداخل وبداخلها مشاعر لا تستطيع تفسيرها

******

بمطار القاهرة... 
اندهش أمجد من سكونها وصمتها الذي لازمها منذ الأمس... توقع أن تثور وتبكي عند دفن الجثامين إلا أنها لم تفعل ولم تتحدث مع أحد ولو بكلمة فازداد شعوره بالقلق عليها وقال بهدوء 

- حنين

رفعت بصرها إليه دون أن تتحدث ورمقته بنظرة تساؤل فتابع: أنا قلقان عليكي، أتكلمي قولي أي حاجة 

تنهدت بحرقة ثم وضعت رأسها بين كفيها فأردف: حنين كلميني يا عمري، طلعي الحزن اللي جواكي، أنتي كده بتقتليني 

حررت رأسها ثم وجهت نظراتها إليه وقالت بحزن: أنا موجوعه أوي، شوفتهم لما أتولدوا وكل يوم كانوا بيكبروا قدام عيني تقريباً أنا ووعد اللي ربيناهم والأتنين راحوا 

- محدش بيعترض على أمر ربنا
- أنا مش بعترض، أنا موجوعة

كم تمنى أن يجذبها إلى صدره لكن منعه الزمان والمكان من ذلك فأمسك كفيها بين كفيه عله يخفف عنها فتساقطت دموعها الأسيرة على كفيه وظلت تبكي وتبكي دون أن يمنعها أو يطلب منها التوقف لتخرج كل ما يؤلمها

- هو أنا قولتلك قبل كده أني بحبك

اختلطت دموعها بابتسامة خفيفة زينت ثغرها فتابع بصوت دافئ: بحبك يا أجمل مجنونة في الدنيا، كفاية دموع علشان تقدري تعيشي اللي جاي، اللي راح ما بيرجعش بس بنخليه ذكرى حلوة نفتكرها لكن ما بنقفش عندها

- يعني الوجع اللي في قلبي هيخف؟ 
- هيخف وهتيجي أيام حلوة تنسيكي الألم 
- أنا بحبك أوي

قالتها بدون أي تردد أو تفكير فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره ثم أحاطها بحنان، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ولاحظت نظرات الجميع وهمساتهم، ابتعدت عنه وقالت بخجل

- هو باباك هيوصل أمتى؟ 
- خلاص الطيارة على وصول، هيفرح لما يشوفك
- شبهك؟
- لا أنا شبه ماما الله يرحمها، بس بابا حليوه برضو
- خلاص لو طلع حليوه أوي أوي يعني هصرف نظر عنك وأتجوزه هو 

قالتها مازحة لتشاكسه فاصطنع الغضب وهتف بغيظ: ده أنا كنت قتلتك وقتلته

- مجنون

*******

في ذات اللحظة أوقف أمير سيارته أسفل منزل سوسن، حمل حقيبة رمزية بالرغم من اعتراضها ثم اصطحبهن إلى الداخل... ما أن ضغط زر الجرس اتجهت سوسن صوب الباب وفتحته وتفاجأت برؤية رمزية فقالت الأخيرة 

- أزيك يا سوسن؟ 
- بخير يا حبيبتي، أدخلوا أنتوا واقفين ليه؟ 

دلف أمير في البداية ثم اقترب من والدته ليطمئن عليها فلحقت به وعد وبادرت في عناقها فربتت سلوى على ظهرها وهتفت بصوت دافئ

- عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، طول ما أنتوا جمبي هتغلب على كل صعب

استغلت رمزية انشغال وعد بالحديث مع سلوى وطلبت من سوسن التحدث معها على انفراد فاصطحبتها سوسن إلى غرفتها ثم تساءلت بقلق 

- مالك يا رمزية؟ 
- أنا محرجة منك أوي بس

قاطعتها سوسن قائلة: عيب عليكي من أمتى في بينا إحراج، قولي اللي عايزاه على طول

- أنا أطلقت ومليش مكان أروحه غير بيتك، فلو تسمحي أفضل هنا لحد ما الاقي شغل و

قاطعتها مرة أخرى قائلة: البيت بيتك يا رمزية وبلاش الحساسيات دي طول عمرنا أخوات 

- أنا بجد مش عارفه أشكرك أزاي
- والله لو قلتي كده تاني لأزعل منك، أنتي ووعد هتملوا عليا البيت
- ربنا يديكي على قد طيبة قلبك يا أصيلة يا بنت الأصول

*******

بالمطار... 
هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وعلى متنها محمود والد أمجد بعد غياب دام لعامين... استقبله أمجد بعناق دام لعدة دقائق ثم ابتعد عن أبيه بصعوبة ونظر إلى حنين قائلاً 

- أقدملك حنين، وده يا حنين الشاب الروش بابا

ابتسمت حنين على جنونه ثم مدت يدها لتصافح أبيه فقال محمود بسعادة 

- إيه الجمال والرقة دي كلها يا حنين
- ميرسي يا عمو ولون حضرتك صغير أوي على عمو

صر أمجد على أسنانه حينما شعر بقليل من الغيرة فردد في نفسه بغيظ: أبويا بيشقط الحته بتاعتي

فاق من شروده حينما استمع إلى صوت ضحكات حنين فرمق والده بنظرة غضب وتابع بجنون

- ما تخف شوية يا عم الحاج 
- أخرس يا ولد وسيبني أتعرف على القمر براحتي
- بقولك إيه أنا هروح أحجزلك تذكرة عودة وأخلصي 
- لا أنا قاعد على قلبك هنا ومش هرجع أمريكا

ضرب أمجد قدمه بالأرض كالأطفال فضحكت حنين حتى دمعت عينيها على جنون حبيبها وأبيه الذي يفوقه في الجنون والمشاكسات، وبمجرد أن استردت أنفاسها تأبطت ذراع أمجد ومضت برفقته إلى السيارة فلحق بهم محمود بعد أن استلم حقائبه 

********

بالمطعم... 
كانت أمل تتحدث إلى شقيقها لتطمئن على وعد فراقبها حسام في صمت بالرغم من شعوره بالحزن بعد أن تجدد بكائها... انتظر حتى أنهت المكالمة ثم مد لها يده وأعطاها منديلاً لتمسح دموعها فأخذته وقالت برقة

- شكراً 
- بتعيطي ليه تاني؟ 
- أمير قالي أن وعد تعبانه أوي

انتفض حسام عن مقعده وتساءل بقلق ملحوظ: تعبانه أزاي؟ 

توقفت أمل عن البكاء ورفعت أحد حاجبيها بغضب فابتلع ريقه ثم جلس على مقعده مرة أخرى وتابع بنبرة صوت أكثر هدوءاً 

- أتخضيت عليها
- لا حنين أوي

قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامعه فأسر ابتسامته بصعوبة وتحدث بهدوء قائلاً 

- وعد أختي وغلاوتها في قلبي زي غلاوة حنين بالظبط
- بالظبط بالطبط يعني؟ 
- اه بالظبط بالطبط يا شكل

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها ثم أرجعت خصلات شعرها خلف أذنها وقالت برقة

- مصدقاك يا هولاكو، يلا أطلبلي أي حاجة أكلها 
- ده أنتي داخله على طمع بقى
- أيوه، أنجز بقى علشان جعانة أوي
- من عينيا يا شكل 

أشار بيده إلى النادل وتحدث معه لعدة دقائق فتأملته أمل في صمت، وما أن انتبه لنظراتها أتسعت ابتسامته الساحرة وتساءل بمشاكسة

- بتبصلي كده ليه يا شكل؟ 
- رخم

رفع أحد حاجبيه فتابعت: سوري بس الصراحة شكل دي بتغيظني

- خلاص ما تزعليش، بتبصيلي كده ليه يا حضرة الصحافية العظيمة؟ 
- وأنت بتتكلم جد بحس ليك هيبة مش موجودة في الرجالة وشوية الشعر الأبيض دول وقار 

أسر الابتسامة التي كانت على وشك الظهور وهتف بجدية مصطعنة: بتعاكسيني؟ 

- لا طبعااااااااااااا 
- ماشي، تعرفي أنتي كمان غير كل البنات اللي قابلتهم
- ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة
- حلوة أوي

قالها بنبرة صوت هادئة فتوردت وجنتيها خجلاً وقالت بارتباك ملحوظ: هي إيه اللي حلوة؟ 

- الحاجة المختلفة فيكي
- اه بحسب، طب قول بقى مختلفة في إيه؟ 
- أصل بصراحة عمري ما شفت بنت جميلة زيك وملامحها رقيقة زيك برضو وفي نفس الوقت بتتحول لبنت بيئة ولسانها عاير قص بالبلدي كده بتقلبي دكر

لوت شفتيها بضجر فانفجر ضاحكاً على هيئتها ثم استرد أنفاسه وتابع: مجنونة

*******

بمنزل سوسن.... 
كانت وعد تجلس على أحد المقاعد شاردة الذهن، شعر أمير بالأسى عليها كما شعر أنه يقف مكتوف الأيدى أمام الحزن الذي يحرق قلبها... ترك مقعده وتقدم منها حتى استقر أمامها لكنها كانت غارقة في بحور ذكرياتها فلم تنتبه لوجوده... ربت على كتفها بحنان حتى لا يفزعها فتقابلت عينيه بالدموع الساكنة داخل مقلتيها

- قومي ارتاحي شوية

حركت رأسها بالموافقة ووقفت عن مقعدها فاستأذن أمير من سوسن ورمزية ثم مضى برفقة طفلته إلى غرفتها... أراحت جسدها على الفراش فدثرها جيداً ثم جلس على حافة الفراش وأخذ يمسد بباطن يده على خصلات شعرها... فاجئته عندما تركت وسادتها وأسندت رأسها على قدمه فابتسم بسعادة وشعر براحة قلب بينما شعرت هي بالاحتواء وظلت هكذا حتى استسلمت عينيها إلى النوم فانتظر حتى تأكد من نومها وأعاد رأسها على الوسادة ليغادر الغرفة فتمسكت به وقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- خليك جمبي

أراح جسده إلى جوارها وجذبها لتغفو على صدره فتمسكت به وكأنه بر الأمان بالنسبة إليها 

طبعاً كلكم مصدومين من موت مصطفى وعبد الرحمن بس السؤال هما لما يكبروا ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأن أمهم جابتهم من علاقة مشبوهة وبعد كده كررت نفس العلاقة مع يحيى وبعده إبراهيم هيكون إحساسهم إيه؟ ونظرة المجتمع ليهم هتكون إيه؟... ثانياً منيرة اتنازلت عن حضانتهم لأبوهم وأبوهم مات يعني ممكن تطالب بيهم وكمان قضية الزنا اللي رفعها يحيى هتسقطت بموت المدعي... الأهم من ده كله هما مش ولاد يحيى يعني ملهومش حق في الورث وحقهم يروح لعمهم ولو وعد سكتت هتشيل ذنب كبير، كمان وعد ملهاش ذنب تربي ولدين وتشيل مسئوليتهم وهي عايزه اللي يسندها ويشيل مسئوليتها، وبالنسبة للتعليقات اللي قالت رمزية تطلق وتربيهم، سوري يعني رمزية معلهاش ذنب علشان تربي ولاد منيرة ده أولاً ،ثانياً هي من حقها تعيش الحياة اللي تختارها بعد الطلاق لأن للاسف حياتها مع يحيى وجوزها التاني كانت سراب، يارب تكوني فهمتوني.. فصل بكرة طويل وكله مشاكسات وأمجد مسخرة 😂😂😂🤣🤣

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف