03/06/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Wednesday, March 6, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 06, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الخامس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* الوداع الأخير *

بسجن النساء جلست منيرة على فراشها الموضوع في نهاية العنبر المخصص للسجينات تحت الحبس الاحتياطي... كانت كلمات المحقق تردد في أذنيها مراراً وتكراراً حينما طلب من يحيى إجراء تحليل الحمض النووي لولديه فعلمت أنها خسرت كل شيء... عادت بذاكرتها إلى سبع سنوات وتذكرت عندما أجرت اختبار حمل منزلي فجاءتها النتيجة صامدة بعد أن علمت أنها تحمل في أحشائها جنين من علاقتها الأثمة مع جارها... وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي على كانت على وشك الانطلاق ثم تحاملت على جسدها وغادرت الحمام لتلقي بجسدها على الفراش وهي لا تعلم كيف تتخلص من ورطتها... انتظرت حتى خلدت والدتها إلى النوم وتركت شقتها كعادة كل يوم لتذهب إليه لكنها لم تذهب بمفردها فبداخلها قطعة منه، استقبلها بترحاب فقد اعتقد أنه لا على وشك. قضاء ليلة ساخنة ككل لياليه إلا أن جميع أحلامه تبخرت عندما أخبرته بحملها فجحظت عينيه في عدم تصديق وتساءل 

- أنتي بتتكلمي بجد يا منيرة؟ 
- أيوه يا مرزوق أنا لسه عامله تحليل من كام ساعة
- دي مصيبة ولازم نخلص منها

وضعت منيرة يدها على ثغرها لتكتم شهقاتها فابتعد عنها دون أن يعيرها أي اهتمام وبمجرد أن فاقت من صدمتها وقالت بنبرة صوت حزينة

- أنت وعدتني بالجواز علشان كده سلمتك نفسي، جاي دلوقتي وتقول على اللي بينا مصيبة!!!! أنت لازم تكتب عليا

انتفض عن مقعده واقترب منها كالإعصار ثم قبض يده بعنف على معصمها وقال بحدة وصوت عال

- اللي في بطنك ده ينزل وبعدها مش عايز أشوف وشك تاني، اللي ترخص نفسها عمر ما واحد يكتب عليها، أنا اخدت منك كل حاجة بمزاجك ما غصبتكيش يا حلوة

نفض معصمها بعنف فسقطت تبكي على الأرض بعد أن تخلى عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى جمع ملابسه وغادر فعلمت أنه لن يعود.... مرت الأيام وتعرفت على يحيى من خلال زوجته رمزية وانخرطت معه في علاقة جسدية بعد أن أوهتمه أن أحدهم اعتدى عليها وأدعت كذلك بعد مرور شهر على العلاقة المحرمة  أخبرته أنها تحمل في أحشائها طفل منه وبعد مرور سبعة أشهر أنجبت ولديها مصطفى وعبد الرحمن فاعتقد أنهما ولديه بعد أن دفعت مبلغاً كبيراً من المال للطبيب النسائي فأوهم يحيى أيضاً أن ولديه ولدا في منتصف الشهر السابع بدلاً من التاسع... 
عادت إلى أرض الواقع وسقطت دموع الندم من مقلتيها ولكن بعد فوات الأوان فقد دمرت حياتها وحياة أطفالها كما دمرت حياة رمزية ووعد من قبل 

*******

تجمع المارة حول يحيى واستدعى أحدهم سيارة الإسعاف وتم نقله إلى إحدى المستشفيات الجامعية في حالة يرثى لها... بغرفة الطوارئ وُضع يحيى على فراش الموت بعد أن فقد الكثير من دمائه وغلفت الكسور سائر جسده... أفرغوا محتويات جيبه ووجدوا بطاقته الشخصية ومبلغاً من المال إلى جانب هاتفه ومفكرة صغيرة تحتوي على أرقام عائلته فقام أحد الممرضين بالاتصال بمنيرة لكنه وجد هاتفها مغلقاً فأجرى اتصالاً بهاتف وعد إلا أنها لم تستمع إلى صوت رنين هاتفها فقد كانت تلعب وتمرح مع الصغار داخل دار الرعاية، فوجد بالنهاية رقم هاتف أرضي تم تسجيله بأسم المكتب فأجرى الاتصال ولكن ما من مجيب فنظر إلى زميله وقال 

- ولا رقم من المكتوبين رد، هبقى أجرب كمان شوية
- ده لو فضل عايش لكمان شوية

*******

بدار الأيتام... 
شعر أمير بالإرهاق فجلس على أحد المقاعد الخشبية الموضوعة بحديقة الملجأ، شعر بالسعادة حينما رأى سعادة وعد التي كانت تلعب معهم كطفلة لم تتعدى السابعة من عمرها... ظل يراقبها حتى انتبهت إلى نظراته فتركت الأطفال واقتربت منه ثم جلست على المقعد المقابل له وتساءلت برقة

- مالك؟ 

تلاعب الهواء بخصلات شعرها فتطاير يميناً ويساراً وخبئ البعض منه عينيها وشفتيها، فمد يده وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم ابتسم لها وقال بهدوء 

- بحبك يا وعد

تسارعت نبضاتها وشعرت بالربيع يسري داخل قلبها من جديد، وشعرت كذلك بسعادة لم تتذوق نكهتها من قبل... كرر كلماته بصوت دافئ غلفه العشق فأغمضت عينيها لتستمتع بعذوبة كلماته ثم استردت أنفاسها وفتحت عينيها لكنها خجلت بشدة أن تنظر إليه فقالت برقة وهي توجه نظرها إلى الأرض 

- هروح ألعب معاهم

همت أن تقوم عن مقعدها إلا أنه لم يسمح لها بذلك وقبض برفق على معصمها وهتف بهدوء 

- أول مرة شوفتك دموعك قتلتني وبعدها كنت باجي كل يوم علشان أشوفك، ولما بدأت الدراسة وقعدت ٣ أيام من غير ما أشوفك حسيت أن في حاجة نقصاني وأول ما فتحتي باب المدرج ودخلتي عملت المستحيل علشان أسمع صوتك تاني وأعرف أسمك

كان قلبها يخفق بقوة مع كل كلمة من كلماته فأطالت النظر إليه متناسية خجلها وكذلك الزمان المكان فبادلها نظرات العشق وتابع 

- لما شوفت دموعك تاني في الجامعة حسيت بخنجر في قلبي ولما قولت أنك خطيبتي وكتب كتابنا أخر الأسبوع كنت بتمنى ده بجد، وفي المقابر لما لقيتك في حضني حسيت أني بحبك، بحبك يا وعد وعمري ما حبيت قبلك ولا هحب بعدك

أمسك يدها ورفعها إلى شفتيه ثم طبع على باطنها قبلة رقيقة فصفق الأطفال وأطلق بعضهم صفيراً فتوردت وجنتي وعد خجلاً وسحبت يدها ثم دلفت إلى الداخل وبداخلها فرحة تتمنى عدم زوالها

******

بإحدى القاعات بدأ المؤتمر الطبي واعتلى وزير الداخلية المنصة لإلقاء كلمة وافتتاح مؤتمر ثورة الطب الذي يستمر لمدة ثلاث أيام... وقف حسام إلى جواره ليمارس عمله كحارس شخصي وأخذ يبحث بعينيه عن أمل لكنه لم يجدها فشعر بالقلق عليها... لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى بدأ الوزير في إلقاء كلمته ولاحظ حسام تعلق عينيه بأحدهم فأدار وجهه ورأى أمل تقترب.... بعد مرور عدة دقائق بدأ الوزير في تلقي الأسئلة وبمجرد أن رفعت أمل يدها أشار إليها فوقفت عن مقعدها وقالت برقة لم تعتادها

- أمل نور الدين من صحيفة الغد المشرق
- أتفضلي

قالها الوزير وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره فبادلته بأخرى ساحرة وسألته عدة أسئلة أجاب الكثير منها ثم انتقل إلى صحفي أخر... وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انتهى المؤتمر وانصرف الجميع عدا أمل فقد اصطنعت ضياع حلقها... أنهى الوزير حديثه مع مجموعة من الأطباء ثم تعمد المرور إلى جوار أمل وتساءل بجدية مصطنعة

- لسه قاعده ليه؟ 
- حلقي وقع وده غالي عليا أوي

قالت كلماتها الأخيرة بدلال فأسر حسام ابتسامته بصعوبة وردد بخفوت: ما طلعتش قليل يا شكل

أكملت البحث عن حلقها فتأمل الوزير جسدها بوقاحة ثم قال بهدوء: في حاجة واقعة هناك أهيه

نظرت أمل إلى حيث أشار فوجدت الحلق الذي أسقطته منذ عدة دقائق فاقتربت منه والتقطته ثم نظرت إليه وهتفت بسعادة مصطنعة 

- ميرسي بجد، الحلق ده هدية من بابا الله يرحمه
- أنتي قولتي بتشتغلي في الغد المشرق، مش كده؟
- أنا بشتغل هناك من ٣ سنين
- جريدة محترمة جداً 

نظرت أمل إلى حيث يقف حسام فأشار إليها لتكمل حديثها فقالت برقة غلفها الدلال

- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب صغير قد كدهوه؟ 

ضمت إصبعها السبابة على الإبهام لتخبره مقدار صغر طلبها فأشار بيده لتتابع حديثها

- لو ممكن أعمل مع حضرتك لقاء للجريدة في أي وقت تحدده
- مفيش مشكلة، نوريني بكرة في الوزارة الساعة عشرة مناسب؟ 
- مناسب جداً بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر، هنتظرك بكرة

ودعته بابتسامة زائفة لكنها كانت أسرة للقلوب فزاد إعجاب اللواء بها ثم أشار إلى مساعده وشريكه في كافة الجرائم 

- زي القمر وهتنفعنا كتير
- عندك حق، دي تقول للقمر أنزل وأنا أقعد مكانك

لحقت بهم أمل واقتربت من سياراتها ثم ودعت حسام بنظرة وانطلقت إلى عملها وهي تشعر بالثقة فقد صارت تفاصيل الخطة على ما يرام

******

بالمستشفى الجامعي.... 
كان الهرج والمرج يسود داخل غرفة الطوارئ وفعل الأطباء المستحيل لإيقاف النزيف الداخلي لدى يحيى ولكن دون جدوى فلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يطلب السماح من ابنته أو يتوب عن ذنوبه... عاش حياته أسيراً لملذاته بالقرب من العاهرة التي تزوجها وفضلها على زوجته الطاهرة وابنته الرقيقة كالنسيم ومات الآن وحيداً بعد أن فقد كل شيء وقبل أن يطلب السماح من ربه ومن كل من ظلمهم... دثره الطبيب بالملاءة من رأسه وحتى أخمص قدميه ثم أمرهم بإعلان الوفاة والاتصال بذويه فأعاد الممرض محاولة الاتصال 

********

بمقر الطب الشرعي... 
انتهى أمجد من عمله ثم عاد إلى مكتبه ليعد تقريره.... بعد ما يقارب نصف الساعة انتهى من كتابة تقريره ثم أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بحنين فقد كان يشعر بالقلق عليها... تململت في الفراش بكسل ثم استسقظت وأجابت بصوت غلبه النعاس

- الو
- الف سلامة عليكي، أنشالله حسام وأنتي لا 

ضحكت بصعوبة وهي مازالت ممدة على الفراش فأردف: عامله إيه دلوقتي؟ 

- لما شوفتك الصبح خفيت، أنت دوايا يا ميجو

أسند يده أسفل وجنته وتساءل بهيام: بجد؟ 

- عندك شك؟ 
- لا بس عايز أسمعها منك، ربنا يخليكي ليا
- طب يلا أقفل وسيبني أكمل نوم لحسن البرد مكسر جسمي
- نامي يا قلبي وأرتاحي وبالليل هاجي أطب عليكي ومهما أخوكي الجحش  يعمل مش همشي غير لما أشوفك

بعد مرور عدة دقائق أنهى أمجد المكالمة وعاد ليتابع عمله، بينما تركت حنين الفراش واتجهت صوب المطبخ لتعد كوباً من الليمون الساخن وبمجرد أن فرغت عادت إلى الفراش وأغلقت باب الغرفة ودثرت جسدها جيداً فقد كانت تشعر بالبرد بالرغم من حرارة الطقس

*******

بمنزل يحيى... 
طال غياب يحيى وشعر مصطفى بالجوع فقد ودعهما يحيى وتركهم بمفردهم منذ عدة ساعات على أمل العودة إليهما ولم يتوقع أن يكون الوداع الأخير... ما أن التهم الجوع أمعائه ترك الغرفة ودلف إلى المطبخ فلحق به عبد الرحمن وقال بخوف

- بابا قال محدش يدخل المطبخ
- عارف بس أنا جعان 
- وأنا بس تعالى نروح لحنين تأكلنا

قالها عبد الرحمن ثم اتجه صوب باب الشقة ليفتحه فوجده مغلقاً بالمفتاح فزفر شقيقه بضيق وهتف

- أنا هدخل أعمل سندوتش
- لا استنى هنادي على حنين من البلكونة

اتجه عبد الرحمن صوب الشرفة وبدأ ينادي على حنين ولكن دون جدوى فقد غفت منذ دقائق لشعورهع الشديد بالتعب، وبعد مرور عدة دقائق عاد عبد الرحمن وأخبر شقيقه بما حدث فاتجه مصطفى صوب المطبخ ولحق به عبد الرحمن ليساعده.... أحضر مصطفى كرسياً ثم اعتلاه ليصل إلى أعلى الثلاجة حيث الخبز المجمد، بينما أحضر عبد الرحمن المربى والجبن... أوقد مصطفى الشعلة كما رأى والده يفعل، وضع الخبز وقلبه يميناً ويساراً حتى ذاب الثلج المحيط به ثم وضع المربى والجبن داخل الخبز وأنساه الجوع إطفاء الشعلة وبمجرد أن فرغ غادر برفقة شقيقه إلى طاولة الطعام وتناول كل منهم طعامه بينما بالداخل انطفأت الشعلة بفعل الهواء وبدأ الغاز يتسرب بأركان المكان دون أن ينتبه الصغار إليه

********

بدار الأيتام... 
انتظر أمير عودة وعد لكنها لم تعود فشعر بالقلق عليها وترك مقعده ليطمئن عليها... بحث عنها في الطابق الأرضي بأكمله ولم يجدها فصعد إلى الطابق الأول المخصص للرضع وصغار السن واستمع إلى صوتها تتحدث إلى مديرة الدار

- يا حرام دي صغيرة أوي
- لقوها جمب برميل زبالة عمر يوم تقريباً ودلوقتي بقت ست شهور 

نظرت وعد إلى الرضيعة التي تحملها بين ذراعيها وهتفت بحزن: منهم لله

- الدار مليانة أطفال نفس حالتها، بعد أذنك هروح أشوف غداء الأولاد خلص ولا لسه

بمجرد أن غادرت المشرفة دلف أمير إلى الغرفة واستقر خلف وعد لكنها لم تنبته لوجوده فقد كانت تمسك يد الرضيعة بيد وتداعب وجنتها بظاهر اليد الأخرى ثم طبعت قبلة على يد الصغيرة وقالت وهي تأسر دموعها بصعوبة

- قالولي أمل سمتك على أسمها لما جيتي وفعلاً البصة ليكي بتدي للناس أمل، أنتي حلوة أوي شبه الملايكة بالظبط

تثاءبت الصغيرة وهي مازالت نائمة ثم فتحت عينيها لتتقابل بعينيّ وعد فتابعت بطريقة طفولية

- صح النوم يا سكر شوفتي خلتيني أعيط أزاي وأمير هيشوفني ويقولي أخر مرة أشوفك بتعيطي ولو الموضوع أتكرر هعاقبك عقاب مفيش منه، تفتكري إيه العقاب اللي مفيش زيه؟! 

قالت وعد كلماتها الأخيرة مقلدة طريقة أمير في الحديث فأسر ابتسامته بصعوبة بينما ضحكت الصغيرة اعتقاداً منها أن وعد تشاكسها فأردفت

- بتضحكيلي يا حلوة يا صغنونة 

لم يستطع أن ينتظر أكثر من ذلك فجلس إلى جوارها بدون سابق إنذار وأحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل وهو مازال يأسر ابتسامته

- عايزه تعرفي إيه العقاب اللي مفيش زيه؟ 

حركت رأسها بالنفي فقد كانت تشعر بالخوف من العقاب الذي يتحدث عنه لكنه لم يهتم لرفضها وغمز لها 

- بس أنا عايزك تعرفي 

انتقل بنظراته بين عينيها وشفتيها فتلونت وجنتيها بحمرة الخجل إلا أنه لم يهتم واقترب أكثر أكثر حتى لامس شفتيها بشفتيه وسرق قبلته الأولى بعد طول انتظار فبادلته إياها بعشق بالرغم من شعورها بالخجل، وبمجرد أن ابتعد عن شفتيها أسند جبيته على جبينها وقال بصوت دافئ

- بحبك

ضحكت الصغيرة ثم خبأت وجهها بالغطاء المحاوط لجسدها فابتسمت لها وعد بينما رمقها أمير بنظرة غضب مصطنعة وأردف قائلاً

- بت أنتي شكلك شقية زي أمل الكبيرة 
- دي سكرة خالص، ما ينفعش أخدها وأنا مروحة؟ 

ضحك أمير على جنونها ثم استرد أنفاسه وأجابها بمشاكسة: للأسف ما ينفعش بس ينفع نتجوز ونجيب زيها، قولتي إيه؟ 

- موافقة

قالتها دون أن تنظر إليه فاعتقد أن ما سمعه مجرد وهم من نسج خياله فتساءل بعدم تصديق

- أنتي قولتي موافقة؟ 

ابتسمت بخجل وحركت رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما سمعه فاتسع ثغره في سعادة ثم نظر إلى الرضعية وقال مازحاً 

- بركاتك يا شيخة أمل، فتحتي نفس وعد على الجواز

وكزته وعد بخفة وقالت بغضب مصطنع: بطل رخامة بدل ما أغير رأيي

- يا روح قلبي أنتي ادبستي خلاص وأول ما نروح هبلغ الكل بقرارك 
- مجنون

رفع أحد حاجبيه وكاد أن يعاقبها على ما تفوهت به لكن قاطعه دخول إحدى العاملات حاملة حقيبة وعد ثم تقدمت منها وهتفت

- تليفون حضرتك رن كذا مرة 
- شكراً 
- هاخد أمل علشان أرضعها

ودعت وعد الصغيرة بقبلة على جبينها، وبمجرد أن انصرفت العاملة فتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها فتفاجأت بعشرون مكالمة واردة من رقم غير مسجل فقال أمير

- شكل الرقم مصمم تردي
- فعلاً بس علشان الدوشة ما سمعتش، هتصل أشوف مين

ضغطت زر الاتصال فأجابها أحد العاملون بالمشفى وأخبرها أنه وجد رقمها بمفكرة صغيرة وجدها بجيب شخص تم إحضاره إلى المشفى جراء حادث سير وكتب إلى جواره "بنتي وعد"... تسارعت نبضاتها خوفاً وتلألأت الدموع داخل مقلتيها ولم تستطع أن تسأله عن حالة والدها إلا أنه سبقها وتابع

- البقاء لله

سقطت الهاتف من يدها ثم وضعت كلتا يديها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فالتقط أمير الهاتف عله يعلم ما أصابها وما أن أخبره العامل بما حدث، أنهى المكالمة وجذبها إلى صدره فانفجرت دموعها كالشلال وهي تردد

- مات، بابا مات 

********

بعد مرور ما يقارب الساعة أوقف أمير سيارته أمام المشفى التي يوجد بها جثمان يحيى... ترجل منها وساعد وعد النزول ثم مضى معها إلى الداخل لينهي كافة الإجراءات... طلبت من الطبيب إلقاء نظرة أخيرة على والدها فوافق واصطحبها بمفردها إلى الغرفة التي يوجد بها... ما أن دلفت إلى الغرفة، شعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها فجلست على المقعد المقابل للفراش ثم أزالت غطاء وجه أبيها فوضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها... ظلت تبكي وتبكي وهي تتأمل وجهه الملطخ بالدماء وبمجرد أن لحق بها أمير أسندت رأسها عليه وهي مازالت جالسة وقالت بصعوبة 

- كان عايز يشوفني يوم كتب الكتاب وأنا قولت لا، بس لو كنت أعرف أنه هيمشي كنت هودعه بس هو ظلمني يا أمير، وظلمني كتير أوي ودلوقتي كمان ظلمني وسابني وخلاص مش هيرجع تاني

لم يستطع أمير أن يتحمل انهيارها أكثر من ذلك فساعدها على النهوض ثم اصطحبها إلى الخارج فاقترب العامل منهما وسلم كل ما كان بحوزة يحيى إلى أمير فوقعت عينيّ وعد على الظرف الذي توجد بداخله نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها، وبمجرد أن قرأت النتيجة سقطت مغشياً عليها فحملها أمير واتجه بها صوب غرفة الطوارئ وهناك ساعدها الأطباء فاستعادت وعيها بعد عدة دقائق وهي لا تصدق ما قرأته وعندما شعرت بقليل من التحسن نظرت إلى أمير وهتفت بصوت أقرب إلى الرجاء 

- عايزه أروح لمصطفى وعبد الرحمن 
- هوديكي، أنا خلصت إجراءات المستشفى والدفن هيكون بكرة بعد معاينة النيابة

حركت رأسها لتخبره أنها تفهمت ما قاله ثم استندت عليه وغادرت معه إلى السيارة وخلال دقائق قليلة انطلق بها إلى منزل يحيى حيث تنتظرها صدمة جديدة

********

طوال الطريق لم تتفوه وعد ولو بكلمة فكانت دموعها أصدق من الكلام،  وظلت على تلك الحالة حتى وصل أمير إلى وجهته فترجلت من السيارة وصعدت إلى الطابق الثالث حيث توجد شقة والدها لكنها ما أن وصلت أمام بابها وصلت رائحة الغاز إلى أنفها فبحثت في حقيبتها عن المفتاح الذي كان بحوزة والدها وفتحت الباب ثم اتجهت مُباشرةً إلى غرفة شقيقيها بينما اتجه أمير صوب المطبخ وأغلق الغاز الذي يتسرب من الموقد ثم فتح شباك المطبخ وغادر ليفتح باقي الشبابيك إلا أنه توقف عندما استمع إلى الصرخة التي انطلقت من ثغر وعد

- لااااااااااااااااااا

عتذر لكل اللي زعل النهارده على موت يحيى ويبقى سؤال الولدين ماتوا ولا لا وده هنعرفه في فصل يوم السبت بأمر الله وبكرة في اقتباس الساعة ٨ في حسابي الشخصي بالفيس بوك، ولو هتقولوا ليه يحيى مات هقولكم دي نهاية طبيعية لإنسان زيه والدنيا مش دايما وردي ولا أنا هبقى فرحانه وأنا بكتب كلها حب في حب ولا ليها أي معنى، وعلشان مقدرش على زعلكم هضيف للفصل اقتباس يفرفشكم 

جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها 
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف