طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل الثاني والعشرون - بقلمي منى سليمان
* دموع *
وضع أحد الضباط الأصفاد بيد الشاب ثم اصطحبه إلى سيارة الشرطة وألقى به في الداخل، بينما اقترب حسام من أمير ووعد التي لم تتوقف ولو لدقيقة عن البكاء... شعر حسام بالأسى عليها كما شعر برغبة في جذبها من بين يدي أمير ليحاوطها بحنان لكن تلك الأمنية كانت مستحيلة... جاهد أمير بشتى الطرق أن يهدئ من خوفها وارتعاش جسدها إلا أن الخوف تملكها أكثر فنظر إلى حسام وقال بصوت أقرب إلى الرجاء
- لازم تاخد مهدئ، معلش أبعت حد من العساكر يجيب الحقنة
- طيب أقعدوا في العربية وأنا هجبها بنفسي
حصل حسام على أسم الدواء ثم ذهب إلى أقرب صيدلية ليشتريه بينما ركبت وعد سيارة حسام وجلس أمير إلى جوارها وبداخله بركان غضب لما وصلت إليه، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد حسام فأعطى أمير الحقنة المهدئ إلى وعد فغفت خلال دقائق قليلة وأسندت رأسها على كتفه فقاد حسام السيارة إلى منزل سوسن بالرغم من المسافة القصيرة، وبمجرد أن أوقف السيارة ترجل أمير منها ثم حمل وعد واتجه صوب العقار فلحق به حسام بعد أن طلب من زملائه اصطحاب الشاب إلى قسم الشرطة استعداداً لعرضه على النيابة كما طلب منهم استجوابه لحين اللحاق بهم.... وصل حسام أمام باب الشقة فطرق بابها بحدة وما أن فتحت سوسن ورأت وعد بتلك الحالة تعالت شهقاتها وتساءلت بخوف
- يا قلبي يا بنتي، حصلها إيه؟
تخطاها أمير وذهب باتجاه غرفة وعد ودلف إليها ثم أراح جسدها على الفرلش وجلس إلى جوارها بينما قص حسام على سوسن كل ما حدث فانفجرت دموعها كالشلال وقالت بصوت كساه الحزن
- مين الواد ده وكان عايز منها إيه؟
- ما تقلقيش أنا هستجوبه بنفسي ولو اللي في دماغي صح مش هرحم حد
- تقصد إيه؟
- بلاش أسبق الأحداث، أنا لازم أمشي وهرجع بعد الشغل أطمن عليها
ودعها وغادر إلى القسم فتركت مقعدها وذهبت إلى غرفة وعد ثم اقتربت من أمير وربتت على كتفه
- ربنا يباركلك يا ابني، لو مكنتش شوفت الولد وقولت لحسام كان زمانه أخدها
- لو كان حصلها حاجة مكنتش هعيش بعدها يوم واحد، وعد بقت كل حاجة ليا واللي بعيشه معاها عمري ما عيشته قبل كده
- ربنا يخليكم لبعض، هي هتفوق أمتى؟
- مش قبل ست ساعات وبعد إذنك هفضل جمبها
حركت سوسن رأسها كإشارة بالموافقة ثم غادرت الغرفة فأخرج هاتفه وأجرى اتصالاً بأمجد ليخبره بكل ما حدث
*********
قاد حسام سيارته بسرعة جنونية وتخطى جميع إشارات المرور فكل ما كان يجول في خاطره استجواب الشاب لتتأكد شكوكه أو يحاسب من خطط لذلك... وصل إلى قسم شرطة المعادي ودلف إلى الداخل فسمح له الضابط المختص بالدخول لكنه ما أن وقعت عينيه على الشاب اقترب منه كالإعصار ثم أمسك بتلابيب قميصه بل وسدد له العديد والعديد من اللكمات فأسرع الضباط بتفريقهم
- أقسم بالله لو ما قولت مين وراك لأدفنك في مكانك
قالها حسام بحدة وصوت عال ثم نفض الأيدي الممسكة به وجلس على الأريكة الجلدية ليهدئ أعصابه حتى لا يفتك به بينما بدأ الضابط المختص في استجواب الشاب فرفض التعاون معهم خوفاً من إبراهيم وباقي عصابة سرقة الأعضاء فوقف حسام عن الأريكة وسدد إليه لكمة كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً ثم هتف بصوت رجولي حاد
- أنا هخليك تتكلم بطريقتي ومش هستجوبك هنا هاخدك الإدارة نفسها ونعرفك الاستجواب شكله إيه
- أبوس أيدك يا باشا أرحمني
ابتسم حسام بسخرية ثم أمسك بياقة قميص الشاب وأشار إليه ليقف عن الأرض فأردف قائلاً
- أنا هقول على كل حاجة بس ما تأذنيش
اعترف الشاب بملاحقته لوعد بطلب من رجل يدعى إبراهيم السيد إسماعيل، لكنه لم يذكر أي شيء يخص تجارة الأعضاء بل أخبرهم أنه لا يعرف سبب العداوة بين وعد وإبراهيم كما أدعى أنه لا يعرف مكان إبراهيم وأن التواصل بينهما يتم من خلال مكالمات هاتفية يحصل من خلالها على التعليمات وليؤكد لهم ما قاله أخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً بإبراهيم وقام بفتح مكبر الصوت فأجاب قائلاً
- خلصت ولا لسه؟
أشار إليه حسام ليتابع الحديث فقال الشاب بثبات: النهارده أو بكرة بالكتير هجيبها
- حلو أوي الكلام ده، أقفل بقى وخلص النهارده علشان ما نزعلش من بعض لأني مش هستنى لبكرة
- طيب لو خلصت هجبها فين؟
- مش شغلك لما تنفذ كلمني وهقولك العنوان
أنهى إبراهيم المكالمة دون أن يشك بأي شيء بينما اختطف حسام الهاتف من يد الشاب ثم حصل من خلاله على رقم إبراهيم وأعطاه لزميل له ليحصل على العنوان الذي تمت منه المكالمة... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى حصل حسام على العنوان من خلال مكالمة تليفونية ثم جلس في انتظار الحصول على إذن بضبط وإحضار المدعو إبراهيم وما أن حصل عليه، رافق القوة إلى العنوان
********
بمنزل وعد...
انتبهت سوسن إلى صوت طرق على باب المنزل فتركت غرفتها واتجهت صوب الباب، وبمجرد أن فتحته تفاجأت برؤية حنين فقد كانت تبكي بغزارة فاحتضنتها سوسن وقالت بهدوء
- ما تخافيش وعد كويسة
- حسام أتصل بيا وحكالي، هي فين؟
- أمير أداها مهدئ وقاعد جمبها
- لو منيرة طلعت وراها ه
قاطعتها سوسن قائلة بصدمة: منيرة؟!!!!
- محدش ليه مصلحة يخلص من وعد غيرها ومش كده وبص دي بتخون عمو يحيى
تعالت شهقات سوسن وجحظت عينيها في عدم تصديق فقصت عليها حنين كل شيء ما دفع سوسن للشعور بالغثيان ثم رددت بخفوت
- ده ذنب وعد ورمزية، حسبي الله ونعم الوكيل
******
بغرفة وعد...
صدع صوت رنين هاتف أمير فأجاب المكالمة بمجرد أن رأى أسم المتصل"حسام"... قص عليه حسام كل ما حدث وأخبره كذلك أنه في طريقه للقبض على المتهم الرئيسي ثم أنهى المكالمة وأكمل طريقه بينما ترك أمير مقعده واقترب من وعد وأخذ يتأملها وهو يردد في نفسه
- يا ترى مين إبراهيم ده؟
جلس على حافة الفراش وأخذ يمسد بظاهر يده على وجنتها وبداخله بركان غضب تمنى أن ينفجر في وجه كل من سبب لها الألم، فبالرغم من سنوات عمرها القليلة إلا أنه شعر أنها تذوقت نكهة العذاب مراراً وتكراراً وظل يتأملها حتى صدع صوت رنين هاتفه من جديد فأجاب بثبات مصطنع
- مساء الخير يا ست الكل
- أنت فين يا أمير؟ مش قولت هترجع على الغداء
أغمض عينيه لدقائق وتردد في أخبارها بما حدث لكنه أخذ قراره وقص عليها كل شيء فتعالت شهقاتها ثم قالت بخوف
- يا قلبي يا بنتي، هي ناقصة كمان خطف
- حسام كلمني من شوية وكان في طريقه لمكان المجرم
- بإذن الله هيقبضوا عليه، أنا هكلم أمجد يجي يوصلني لعندك
- خليكي مرتاحة علشان ما تتعبيش
- لو فضلت هنا هتعب أكتر، لازم أجي أشوفها وأطمن عليها
فشلت جميع محاولات أمير في إقناعها فأنهت المكالمة لتتحدث إلى أمجد لكي يصطحبها إلى منزل وعد فهي الآن بمثابة ابنتها التي لم تنجبها
******
بعد مرور ما يقارب نصف الساعة وصلت قوات الشرطة إلى وجهتها فترجل حسام من سيارته وأمرهم بتطويق المنزل حتى لا يتمكن من الهرب ثم اقترب من باب المنزل وطرقه بهدوء حتى لا يشك المتهم بشيء... في ذات الوقت كان إبراهيم يمارس رغباته المحرمة مع الحرباء المسماة منيرة، وما أن استمع إلى صوت رنين الجرس ابتعد عنها ثم ارتدى ثيابه في عُجالة واتجه صوب باب المنزل وفتحه ليجد حسام ومجموعة من العساكر والضباط في وجهه فركض ليقفز من الشباك إلا أنه وجد المزيد منهم فأدار جسده ورفع يديه لأعلى باستسلام فاقترب منه حسام وأمسك بثيابه ثم تساءل بحدة وصوت عال
- أنت إبراهيم؟
- أيوه يا باشا
لم يسطتع حسام أن يتحكم في الغضب الذي تملكه فسدد لإبراهيم لكمة كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً ثم أمر العساكر بالتفتيش فانتشروا بالمكان وصعد البعض منهم إلى الطابق الثاني حيث غرفة النوم واصطحبوا منيرة التي لا يستر جسدها سوى الملاءة... هبط العسكري الدرج وهو يجذب منيرة من معصمها فكانت كالمغيبة إلا أنها بمجرد أن استقرت أمام حسام فاقت من غفلتها حينما صفعها على وجنتها بكل الغضب الكائن بداخله ثم قبض على خصلات شعرها وقال بحدة
- كنت عارف ومتأكد أن أنتي اللي وراها لأن محدش بيكره وعد غيرك
أنهال على وجهها بالصفعات فتدخل الضباط وأمسكوا به قبل أن تموت بين يديه ثم أمر أحدهم باصطحابها إلى سيارة الشرطة فنفض حسام الأيدي الممسكة به وغادر المكان كالإعصار ليلحق بهم إلى مقر النيابة
*****
في ذات الوقت وصل أمجد إلى فيلا أمير ليصطحب سلوى إلى منزل وعد.... ركبت إلى جواره والحزن يكسو قسمات وجهها فغمز لها بمشاكسة ليخفف عنها وقال مازحاً
- لا يا سوسو إلا تكشيرتك ما بستحملهاش، ده أنا سايب جثتين علشانك
ابتسمت سلوى لا إرادياً ثم أمسكت بأذنه فتاوه كمشاكسة لها إلا أنها أسرت ابتسامتها واصطنعت الغضب قائلة
- سوسو يا قليل الأدب، قاعدين في كباريه إحنا
- بهزر يا سوسو الله
قالها بطريقة تمثيلية فحررت أذنه وانفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها وما أن استردت أنفاسها هتفت محذرة
- واد أنت إحنا رايحين عند الناس يعني لم نفسك وأحترم حزنهم والله قلبي بيتقطع على وعد بس هعمل إيه قرد قاعد جمبي
مط أمجد شفتيه بضجر واصطنع الحزن فربتت على كتفه وأردفت: خلاص ما تزعلش لما الدنيا تروق هعملك طاجن عكاوي
- ماشي يا عسل
بعد مرور ما يقارب نصف الساعة أوقف السيارة أسفل منزل وعد فترحلت سلوى ولحق بها أمجد إلى الداخل ثم اصطحبها إلى الشقة فقابلتها سوسن بترحاب بينما حزن أمجد لرؤية الدموع الساكنة داخل عينيّ حنين فانتظر حتى مضت خالته برفقة سوسن إلى غرفة وعد ثم جلس إلى جواها وتحدث بصوت دافئ
- ما تعيطيش علشان خاطري
- حسام أتصل وقال قبض على الراجل الحيوان وكان معاه منيرة، أنت متخيل أن بعد اللي عملته في وعد كمان كانت عايزه تخطفها
- بس الحمد لله ربنا نجاها يبقى الدموع ملهاش لازمة
سقطت دمعة من عينها وسالت برفق على وجنتها فلم يشعر أمجد بنفسه إلا وهو يمد يده ويمسح دمعتها فاختلطت دمعتها بابتسامة ساحرة زينت شفتيها ثم أبعدت يده وقالت بجدية
- أحترم نفسك
- أنا عملت حاجة يا بت أنتي؟
ضيقت بين حاجبيها واصطنعت الغضب ثم تركته وغادرت إلى الحمام فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها وردد بخفوت
- مجنونة
******
وصلت سيارة الشرطة أمام مقر النيابة وتم اصطحاب إبراهيم ومنيرة إلى الداخل وأثناء سيرهم سألها إبراهيم بصوت خفيض
- أنتي تعرفي وعد منين؟
- دي بنت جوزي هو في إيه؟
تنفس إبراهيم بعمق فقد جاءته الفرصة للهرب من تهمة الإتجار الغير مشروع في الأعضاء البشرية ثم انتظر حتى وصلوا أمام باب غرفة وكيل النائب العام وأجابها بصوت خفي
- أنا وأنتي قررنا نهرب مع بعض بس مكنش معانا فلوس فخططنا نخطفها ونطلب من جوزك فدية و
قاطعته قائلة: أنت بتقول إيه؟!!
- بقولك اللي هنقوله جوه لأنك لو قولتي غيره بكلمة مني هخليهم يخلصوا على أمك وولادك وبعد ده كله هيخلصوا عليكي ولو في أخر الدنيا
جحظت عينيها بعدم تصديق فضربته بعنف على صدره ثم صفعته على وجنته فبادلها الصفعة بأخرى وكاد أن يفتك بها لولا تدخل العساكر فقال حسام بحدة
- أفصلوهم عن بعض
نفذ العساكر ما قاله حسام ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى تم عرض إبراهيم أمام وكيل النيابة فأدلى بشهادته وأتهم منيرة بالتخطيط للخطف وطلب الفدية لرغبتها في الهرب معه بعيداً عن زوجها الثري، بينما نفت هي التهمة عن نفسها وأنكرت معرفتها بكل ما قاله وأتهمته كذلك بأنه المخطط لعملية الخطف لكنها لم تذكر أي شيء يخص تجارة الأعضاء خوفاً على والدتها وولديها ونفسها أيضاً
******
في الخامسة والنصف انتهت التحقيقات وأمر وكيل النائب العام بحبس كل من منيرة وإبراهيم والشاب الذي كان يلاحق وعد لمدة خمسة عشر يوماً على ذمة قضية التخطيط لاختطاف أنثى بغرض طلب فدية، كما أمر بإحضار زوج المتهمة لأخباره بواقعة الزنا وسؤاله إن كان يريد إثبات حالة الزنا أم لا ثم حصل من منيرة على عنوان مسكن الزوجية وأمر أحدهم بإحضار المدعو يحيى أحمد البنهاوي فعلمت أنها خسرت كل شيء ووصلت لنهاية الطريق فشعر حسام بلذة الانتصار ثم غادر إلى الخارج وقص على أمير كل ما حدث من خلال مكالمة هاتفية وأخبره كذلك أنه سيمر ليطمئن على وعد بعد حضور يحيى... وبمجرد أن أنهى المكالمة صدع صوت رنين هاتفه فأجاب قائلاً
- أزيك يا أمل؟
- بخير
قالتها باقتضاب ثم تابعت: عايزاك ضروري ينفع أجيلك؟
- أنا في النيابة هتعرفي تيجي؟
- اه عادي
- تمام أول ما توصلي رنيلي وهنزلك
ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها أنهت المكالمة دون أن تتفوه بالمزيد فأبعد الهاتف عن أذنه وحدث نفسه قائلاً
- مالها دي؟
*******
في السادسة إلا عشر دقائق وصلت أمل إلى وجهتها فترجلت من السيارة وأجرت اتصالاً بهاتف حسام وأخبرته بوصولها فترك زملائه وذهب إليها، وبمجرد أن رأته يقترب عبست بشدة وظلت هكذا حتى وقف أمامها وقال بهدوء
- أزيك؟
- أهلاً
قالتها وهي مازالت تصطنع الغضب فظن أنها علمت بما حدث وطلب منها الدخول فمضت معه حتى وصل إلى الطابق الرابع واستأذن من زميل له ثم اصطحبها إلى مكتبه... جلست على أحد المقاعد وجلس حسام على المقعد المقابل لها وتساءل
- قولتي عايزاني في شيء مهم، خير؟
لم تجيبه ولو بكلمة لكنها فتحت حقيبتها وأخرجت منها علبة فخمة ثم قدمتها إليه فأردف متسائلاً
- إيه دي؟
- ساعة
- ما أنا شايف أنها ساعة، بمناسبة إيه يعني؟
لوت ثغرها قليلاً وأجابته بضجر: الساعة بنفس تمن البطارية خدها ونبقى خالصين
بمجرد أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، تطاير شرار الغضب من عينيه وقبض بعنف على معصمها فتأوهت بشدة وسقطت العلبة من يدها إلا أنه لم يهتم وهتف بغيظ
- بصي يا بنت الناس أنا مش طايق نفسي النهاره و
قاطعته قائلة: أنت مش طايق نفسك على طول، سيب أيدي
- هسيب أيدك وتاخدي الساعة وما أشوفش وشك لمدة سنة قدام
حاولت التملص من قبضته ولكن باءت جميع محاولاتها بالفشل فبادلته النظرات النارية بأخرى يتطاير منها شرار الغضب وقالت بذات الغضب
- يا تاخد الساعة يا تاخد البطارية أنت مش هتبأشش عليا وأنت عامل زي هولاكو كده، ياباااي
قالت كلمتها الأخيرة بغيظ فصر على أسنانه وزاد من قبضته فشعرت أن معصمها على وشك التهشم وأردفت
- منك لله يا هولاكو أيدي هتتكسر الله يخرب بيتك
- أسكتي بقى إيه ما بتعرفيش تقفلي البلاعة دي شوية
قالها وهو يشير بعينيه إلى شفتيها فوقفت عن مقعدها ووقف هو الأخر وهو مازال يقبض على يدها وتبادلا نظرات الغضب لدقائق قطعها حينما رأى تلألأ الدموع داخل مقلتيها فعلم أنها تتألم بشدة وحرر معصمها فاخذت تفركه بيدها الأخرى وهي تردد
- أنت إنسان همجي ومتوحش، منك لله
جلست على المقعد بعد أن سقطت دمعة من عينها فقد كان الألم يفوق طاقتها فزم شفتيه بضجر وهتف بغيظ
- تعصبيني وترجعي تعيطي
نظرت إليه بأعين دامعة ولم تتفوه ولو بكلمة فزفر بضيق ثم جلس مرة أخرى على المقعد وأمسك معصمها برفق فرأى أثار قبضته تظهر بوضوح فسحبت يدها وهتفت بصوت غلبه البكاء
- أنت بجد ما ينفعش تتعامل غير مع المجرمين، أنا ماشية
انتفض عن مقعده ولحق بها ثم سبقها ووقف أمام باب الغرفة فتقابلت أعينهم من جديد وقبل أن تعنفه سبقها وتحدث بصوت دافئ
- أنا أسف
- اعتذارك مش مقبول وأبعد من وشي أحسنلك
جز على أسنانه ثم عض شفتاه بغيظ فعلملت أنه على وشك الفتك بها وتراجعت بدورها عدة خطوات إلى الخلف فاقترب منها شيئاً فشيئاً حتى أصبح لا يفصل بينهم إلا القليل
- لسانك ده عايز مقص ويتشال من مكانه، عارفه ليه علشان أنتي أول واحدة تطول لسانها عليا
- أ أبعد كده بدل ما أصوت وألم
توقفت عن إكمال كلماتها حينما رفع أحد حاجبيه فابتلعت ريقها وأردفت: لو سمحت سيبني أمشي
- مش هتمشي وأنتي زعلانه
- مش زعلانه، ممكن أمشي؟
- لا وقبل ما تطولي لسانك أنا أسف
مطت شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وعقدت كذلك بين حاجبيها فابتسم على فعلتها فقد كان غضبها أشبه بغضب طفلة لم تتعدى الثالثة فتابع بهدوء
- خلاص بقى
- خلاص مش زعلانه، هتاخد الساعة؟
تساءلت ببلاهة فانفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته، وما أن استرد أنفاسها نظر إليها وهتف مازحاً
- أنتي مشكلة بجد، هاخدها بس علشان أخلص من لسانك
- ميرسي، قولي بقى بتعمل إيه هنا؟
- بتابع قضية وعد
جحظت عينيها عندما وصلت كلماته إلى مسامعها وقالت بخوف: مالها وعد؟
- أنتي ما تعرفيش اللي حصل؟
حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فطلب منها الجلوس ثم جلس على المقعد المقابل لها وبدأ يقص عليها كل ما حدث
******
في السادسة والربع تململت وعد في الفراش وهي تشعر بثقل جسدها، وخلال دقائق قليلة استعادت وعيها وفتحت عينيها لتتقابل بعينيّ أمير الذي كان يجلس إلى جوارها فبادر برسم الابتسامة وقال بحنان وصوت دافئ
- وحشنيني
اعتدلت قليلاً في جلستها ثم ألقت بجسدها في صدره فحاوطها بحنان وهو يشعر بالسعادة لوجودها بين أحضانه فعلم أنه أصبح الأمان بالنسبة إليها
- مش عايزك تخافي من أي حاجة في الدنيا، أنا جمبك وهحميكي من أي حد يفكر يأذيكي
بمجرد أن وصلت كلماته إليها تمسكت به أكثر دون أن تتفوه ولو بكلمة فشدد في احتضانها ليعطيها الأمان الذي تبحث عنه
******
في ذات اللحظة ترك يحيى غرفة ولديه حينما انتبه إلى صوت رنين جرس الشقة... وبمجرد أن فتح باب الشقة، سأله العسكري
- يحيى أحمد البنهاوي موجود؟
- أنا يحيى، خير يا حضرة الأمين
- حضرتك مطلوب في النيابة دلوقتي
جخظت عينيّ يحيى ثم ابتلع ريقه بصعوبه وسأله عن سبب الاستدعاء فأجابه قائلاً
- لم توصل هناك هتعرف كل حاجة
- طيب دقيقة أجيب الولاد وأوديهم عند الجيران ما ينفعش أسيبهم لوحدهم
- أتفضل
أدار يحيى جسده ليعود إلى غرفة ولديه وقبل أن يدخل إليها تمتم بصوت خفيض
- أسترها يارب
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف