طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل الحادي والثلاثون - بقلمي منى سليمان
* طلب زواج *
في الرابعة عصراً وصل محمود إلى وجهته وبمجرد أن رأى رمزية تقف في انتطاره ترجل واقترب منها ثم ألقى عليها التحية وابتعدت ليفتح لها باب السيارة فاندهشت بشدة إلا أنها لم تعلق بل ركبت فأسرع بالركوب ثم انطلق إلى أحد المطاعم الهادئة.... في ذات اللحظة أوقف حسام سيارته أسفل منزل سوسن ثم ترجل منها وحمل الصغيرة واصطحب أمل إلى الداخل وخلال دقائق قليلة ضغط زر الجرس فتركت سوسن غرفتها واتجهت صوب الباب لتفتحه وابتسمت عندما رأت حسام يحمل طفلة صغيرة تشبه الملائكة إلى حد كبير فقالت بسعادة بعد أن حملتها بين ذراعيها
- بسم الله تبارك الله مين الجميلة دي؟
- أول ما ندخل هقولك على طول
قالها حسام بمشاكسة بعد أن نست سوسن أن تطلب منه الدخول فرحبت به وعانقت أمل وبمجرد أن أغلقت باب الشقة جلست على أحد المقاعد وأجلست الصغيرة فوق قدميها فمال حسام على أذن أمل وهتف بصوت خفيض
- شوفتي فرحانه بيها أزاي
- عندك حق وهتملي عليها هي وطنط رمزية البيت
أدار وجهه نحو سوسن وراقبها وهي تداعب الصغيرة بسعادة ثم تنفس بعمق وقرار إخبارها بالاقتراح داعياً إلى الله أن تقبل بقاء أمل معها
- الجميلة دي لقوها من سنة وشهر مرميه جمب برميل زبالة
تعالت شهقات سوسن وأتسع ثغرها في صدمة فأردف: ومن يومها وهي موجودة في دار الأيتام الخاصة بأسرة أمير فإيه رأيك تتبنيها وتملى عليكي البيت؟
تأملت سوسن الملاك الجالس على قدميها بأعين ملأتها الدموع فكيف لأم أن تتجرد من إنسانيتها وتلقي بطفلتها إلى جوار صناديق القمامة... بعد مرور عدة دقائق رفعت رأسها ونظرت إلى حسام قائلة
- البيت فضي عليا بعد ما وعد أتجوزت ورمزية كمان أجرت شقة ومصممة تعيش فيها علشان ما تقلش عليا بس قالت هتيجي كل فترة تشوفني فأكيد ربنا بعتكم ليا علشان تجيبولي القمر ده ينور حياتي، أنا موافقة
نظرت أمل إلى حسام بسعادة وامتنان كما فعلت سوسن فتركهن ودلف إلى الشرفة ليتحدث إلى أمير في الأمر... في ذات اللحظة كان أمير يطعم صغيرته بيده ليدللها ثم اقتربت منها بشدة ليقتطف من شفتيها قبلة ولكن قاطعه صوت رنين الهاتف فزفر بضيق وضيق بين حاجبيه قائلاً
- تلاقيكي أنتي اللي موصياهم يقاطعوني
ضحكت بشدة على جنونه بالرغم من شعورها بالخجل فتركها واتجه صوب الهاتف وبمجرد أن وجد أسم المتصل "حسام" نظر إلى الهاتف بغيظ وتمتم في نفسه
- ليك يوم نقاطعك فيه
استرد هيبته وضغط زر الإيجاب فاطمئن حسام عليه وعلى وعد في البداية ثم قص عليه ما حدث فرحب هو الأخر بالفكرة قائلاً
- أنا معنديش مانع طبعاً بس هكلم المحامي يشوف الإجراءات وهعرف منه ينفع ولا لا، أقفل هكلمه وأرجع أكلمك
ودعه حسام وأنهى المكالمة فعاد أمير إلى طفلته الرقيقة ثم طبع قبلة سريعة على وجنتها قبل أن يتركها ويدلف إلى الشرفة... بحث عن رقم المحامي الخاص بالعائلة ثم أجرى الاتصال وقص عليه الأمير فهتف
- قانوناً الاولوية في التبني بتكون لزوجين وميكونش عندهم أكتر من طفلين بس كمان مسموح للمطلقات والأرامل ومن لم تتزوج فوق التلاتين وأقل من الستين سنة بالتبني، الحمد لله في محضر للبنت يوم ما جابوها وبيه هقدم طلب للشئون الاجتماعية بطلب التبني
شعر أمير بفرحة عارمة فسيصبح لأمل الصغيرة أم جديدة تحبها وترعاها فقال بسعادة
- أنا متشكر جداً، ياريت تبدأ في الإجراءات وهديلك رقم القدم حسام علشان الأوراق المطلوبة لأني هسافر كمان ساعتين
بعد مرور عدة دقائق أنهى أمير المكالمة وبحث عن طفلته فوجدها تخرج من باب الحمام، اقترب منها وأحاط خصرها بذراعه ثم قربها إليه بشدة وسرق القبلة التي تمناها منذ دقائق وما أن ابتعد عن شفتيها أسند جيبنه على جبينها وقال بصوت دافئ
- بحبك
- وأنا بموت فيك
قالتها بعد أن أبعدت رأسها إلى الخلف قليلاً وطوقت عنقه بذراعيها فابتسم بسعادة وتحدث قائلاً
- عندي ليكي خبر حلو
- قول
- حسام كان بيكلمني علشان طنط سوسن عايزه تتبنى أمل فكلمت المحامي وطلبت منه يمشي في الإجراءات
بمجرد أن توقف عن الكلام، نظر مُباشرةً إلى عينيها ليتأمل لمعة السعادة الساكنة بالداخل فقالت برقة
- أنا مبسوطة أووووي أمل هتملى البيت على ماما سوسن وهتحس بحنان الأم بجد
- نفسك يبقى لينا أولاد؟
- أيوه عايزه يبقى عندي تلات أربع بنات ومش عايزه ولاد خالص
قالت كلماتها الأخيرة بصوت كساه الألم فعلم أن الجرح الساكن بقلبها لم يلتئم فكل ما حدث لها بسبب تفضيل والدها للذكر على الأنثى فقرر تلطيف الأجواء قائلاً
- أنا كمان عايز تلات أربع بنات، تعالي بقى أشرحلك بحب البنات قد إيه
غمز لها بمشاكسة فضحكت على جنونه الذي لا يتوقف ثم مضت برفقته لتقضي بين أحضانه لحظات سُرقت من الزمن
*******
بأحد المطاعم الهادئة...
جلست رمزية على أحد المقاعد بعد أن سحبه محمود لها ثم جلس على المقعد المقابل لها وتساءل بهدوء
- تحبي تشربي إيه ولا نتغدى؟
- لا شكراً مش جعانه، ممكن أخد فنجان قهوة
لم ينتظر ولو لدقيقة فأشار إلى النادل وطلب منه إحضار ما طلبته وبمجرد أن ابتعد نظرت إليه وتساءلت عن الموضوع الهام الذي تحدث عنه عبر الهاتف فارتبك بشدة خوفاً من رفضها إلا أنه استجمع شجاعته وقال بثبات
- من غير مقدمات ولا لف ودوران أنا عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله
أتسع ثغرها وجحظت عينيها بعدم تصديق فقد ظنت أنه سيتحدث معها في العمل والآن يتقدم إليها بعرض زواج، فابتلع ريقه بصعوبة نظراً للاندهاش الذي سيطر على قسمات وجهها وتابع
- خدي وقتك وفكري براحتك أنا مش مستعجل
- أستاذ محمود أنا
قاطعها قائلاً: من فضلك بلاش تاخدي قرار سريع وأدي لنفسك فرصة تعرفيني قبل ما تقولي قرارك
- بس
قاطعها مرة أخرى قائلاً بصوت أقرب إلى الرجاء: أرجوكي فكري، أنا من يوم موت سهام الله يرحمها ما فكرتش أتجوز ولا شوفت ست غيرها لكن من أول مرة شوفتك حسيت أني محتاجلك وأنتي كمان محتاجة حد يعوضك اللي فات
شعرت بالخجل من كلماته كما شعرت برغبة ملحة في الاختفاء من أمامه... أرادت أن تصرخ بأعلى طبقات صوتها لتخبره برفضها لكن صوتاً بداخلها طالبها بالتمهل علها الفرصة المناسبة لتنسى ما مضى والعذاب الذي عاشته بين يدي يحيى ومعتصم... شردت بشدة لدرجة جعلته يعتقد أنها غرقت في بحور عميقة فأخرجها من شرودها عندما أردف
- تحبي تروحي؟
كادت أن تجيبه لكن قاطعها النادل حينما وضع فنجان القهوة أمامها وأخر أمام محمود وبمجرد أن ابتعد قالت بهدوء
- لو تسمحلي فعلاً عايزه أمشي
- طيب أشربي قهوتك وهنمشي
حركت رأسها بالموافقة وبدأت في ارتشاف قطرات قهوتها المرة كأيام حياتها الماضية وبعد مرور عدة دقائق انتهت فاصطحبها محمود إلى السيارة وقادها إلى منزل سوسن دون أن تتحدث فاحترم سكونها وصمت هو الأخر
******
مضت عدة أيام هادئة كانت بمثابة نقطة فاصلة للجميع....
قضت وعد عشر أيام بمدينة العشق والعشاق فينسيا بمدينة السحر إيطاليا... شعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد لوجودها في هذا المكان الساحر برفقة حبيبها ونبض قلبها الذي عاملها معاملة الأميرات وأذاقها السعادة بأنواعها المختلفة
تأكدت حنين بالدليل القاطع من جنون أمجد فبالرغم من وجودهما في إيطاليا إلا أنه لم يتوقف عن مشاكساته... تذوق بجوارها نكهة جديدة للسعادة وأسقاها كذلك من بحور عشقه فأصبحت تسكن روحه كما سكن روحها
حافظ حسام على الوعد الذي قطعه لأمل فعاملها بلطف طوال العشر أيام الماضية وتخلى تماماً عن أسلوبه الهمجي فشعرت بالسعادة وتمنت أن يصارحها بمشاعره لكنه كعادته لم يفعل بل خبئ مشاعره كما خبئ صورها الموجودة بهاتفه
أخبرت سوسن شقيقها بقصة التبني عبر مكالمة هاتفية نظراً لعمله خارج البلاد فرحب بشدة كما وعدها بزيارتها في أقرب وقت فقضت الأيام المنصرفة في تجهيز كل ما يلزم صغيرتها بداية من فراش ملائكي إلى ملابس وأدوات رضاعة فشعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد
طوال تلك الأيام جهزت سوسن جناح أمير استعداداً لعودته هو وعروسه، كما أشرفت على تجهيز فيلا أمجد لاستقباله هو وعروسه وبداخلها فرحة عارمة
بحثت نادين عن عمل بعد أن خسرت كل أموالها مقابل صمت إبراهيم فحصلت على عمل بأحد المستشفيات الخاصة لكنها لم تكن مشفى كبري كالذي يمتلكه أمير ما زاد الحقد بقلبها
طوال العشر أيام تعمد محمود عدم اللقاء برمزية بالرغم من رغبته في ذلك إلا أنه فضل البقاء بعيداً عنها حتى تأخذ قرارها... أما هي فكانت أسيرة الحيرة هل توافق وتكمل حياتها معه ليعوضها ما فات، أم ترفض وتمضي في طريقها دون أن تعتمد على أحد؟
******
بجناح أمير...
استيقظ في العاشرة صباحاً بتوقيت إيطاليا ثم إتكئ على ذراعه وأخذ يتأمل الجميلة النائمة إلى جواره... داعب خصلات شعرها بيده علها تستيقظ لكنها كانت غارقة بالنوم فاقترب منها بشدة وطبع قبلة على أرنبة أنفها وأخرى على وجنتها ثم انتقل إلى شفتيها فتململت بكسل ثم فتحت عينيها لتتقابل بزرقاوية عينيه فابتسمت وقالت بجدية مصطنعة
- بطل رخامة وسيبني أنام
- لا كفاية نوم وقومي علشان نفطر قبل ما نروح المطار
مطت شفتيها بضجر عندما تذكرت أنها ستغادر فينسيا فبدت كطفلة غاضبة... أسر ابتسامته بصعوبة وأزال الخصلات الساقطة على وجهها وشفتيها وأردف
- هنيجي تاني ما تزعليش
- كنت حاسه أننا بعيد عن الدنيا وما فيها ودلوقتي هنرجع وهتنشغل عني في شغلك وأنا في المذاكرة
كانت كلماتها بسيطة إلا أنها أخبرته بأن صغيرته تعشقه حد الجنون وتتمنى قربه إلى ما لا نهاية فقبل جبينها بحنان ثم هتف بصوت هادئ غلفه العشق
- مستحيل انشغل عنك عارفه ليه؟
خفق قلبها في سعادة أثر كلماته العذبة إلا أنها لا تعرف إجابة سؤاله وأرادت بشدة معرفتها فحركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي ليتابع وهو يشير بسبابته إلى حيث قلبه
- لأنك عايشه هنا
لمعت عينيها فرحاً فتطاير سحر نظرتها وكأنها سهام عشق اخترقت قلبه ووجدانه ولم يفق من سحرها إلى عندما أسندت رأسها على صدره لتشعر بالدفء الذي لا تجده إلا بين أحضانه
*****
بجناح أمجد...
انطلق صوت آلة التنبيه فاستيقظ أمجد وأسرع بإيقافها قبل أن تفيق الجميلة النائمة وهي تتخذ ذراعه كوسادة... أخذ يتأملها في صمت وكأنه يود حفر صورة لها وتساءل في نفسه يا لكِ من جنية لتجعليني أسير عشقكِ فأصبحتِ لقلبي لعنة لا اتمنى زوالها... بعد مرور عدة دقائق شعرت بأنفاسه تقترب من أذنها ليهمس بصوت هادئ
- نونا حنون نونو يلا أصحي يا عمري
استيقظت مع أول كلمة نطق بها إلا أنها قررت مشاكسته ليزيد من دلاله فتابع بعد أن طبع قبلة على كتفها
- يلا يا عمري قومي علشان ما نتأخرش على الطيارة
اصطنعت الضجر فأدارت وجهها نحو الطرف الأخر وهي مازالت مغمضة العينين فذهب بإتجاه الطرف الأخر وعلم أنها تتصنع النوم عندما شددت في إغلاف عينيها فرفع أحد حاجبيه بعد أن أعلن عليها الحرب... أنقض عليها كفريسة وقعت أخيراً بين أنيابه ثم بدأ يدغدغها لتنطلق من بين شفتيها أعلى الضحكات وتوسلت عدة مرات ليتوقف لكنه لم يفعل
- هموووت مش قادرة
أعلن هدنة مؤقتة ليسرق قبلته الصباحية ثم أكمل حربه لكن تلك المرة لم يدغدغها بل حملها بين ذراعيه واتجه بها صوب الشرفة ثم قال مازحاً
- أرميكي؟
- أهون عليك يا ميجو؟
قالتها بدلال فعض شفتيه بهيام ثم غمز لها ببلاهة فانفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها ورردت وهي تمسك بوجنتيه
- مجنون خالص يا روحي
*******
بعد مرو عدة ساعات هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من إيطاليا داخل مطار القاهرة... ترجلوا منها واتجه كل منهم إلى سيارته مصطحباً عروسه فانطلق أمير إلى منزله ولحق به أمجد فخالته تعد عزيمة يحضرها الجميع احتفالاً بعودتهم... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة وصلوا إلى وجهتهم ودلفوا مُباشرةً إلى الداخل فاستقبلتهم سلوى بفرحة وكأن اليوم عيدُ... اصطحب أمير زوجته إلى جناحهم لتبدل ثيابها، لكنه بمجرد أن دلف إلى الغرفة جذبها إلى صدره ونظر إلى عينيها قائلاً
- الفيلا نورت يا عمري
- منورة بيك يا حبيبي
- قوليها كمان
طوقت عنقه بذراعيها وكررت كلمتها مراراً وتكراراً فغمرته السعادة بشتى أنواعها وكاد أن يبادلها بكلمات الغزل إلا أن الخادمة قاطعته عندما طرقت باب الغرفة لتخبرهم بوصول بوصول سوسن ورمزية فركضت وعد إلى الأسفل وارتمت بين أحضان والدتها لتقول الأخيرة بحنان
- وحشتيني
- وأنتي كمان
شددت وعد في احتضانها ثم ابتعدت عنها واحتضنت سوسن وبمجرد أن وقعت عينيها على أمل الصغيرة اقتربت من سلوى وحملتها ثم أخذت تداعبها وتشاكسها فمال أمير على أذنها وهمس بمشاكسة
- أنا عايز واحدة زيها بالظبط، أتصرفي
غمز لها بمشاكسة فتوردت وجنتيها خجلاً ما جعل سلوى تبتسم وتدعوا لهما بالذرية الصالحة كما دعت لحنين وأمجد.... بعد مرور عدة دقائق حضر حسام فرحب به الجميع لكنه لم يرى سوى الجميلة الجالسة إلى جوار شقيقته ووعد فاقترب منهن وتأمل عينيها في صمت ثم احتضن شقيقته وطبع قبلة على وجنتها وهمس بالقرب من أذنها
- مبسوطة يا قلبي؟
- أوووي
أجابته وهي مازالت بين أحضانه فلم تستطع أسر الدموع التي تساقطت من مقلتيها... أبعدها عنه ومسح دموعها بيديه ما أشعل غيرة أمجد فقال بغيظ
- ما تخف يا عم الحلو
أدار حسام جسده ورمق أمجد بنظرة نارية فابتلع الأخير ريقه وأردف ببلاهة
- بهزر
- دي أختي قبل ما تبقى مراتك يا مشرحجي
قالها بعد أن أحاط خصر شقيقته وقربها إليه فطبعت قبلة على وجنته وقالت بسعادة
- ربنا يخليك ليا يا حبيبي
توعد لها أمجد لكنها لم تهتم بينما راقبته أمل في صمت وزاد انجذابها نحوه فبالرغم من كل شجارهم إلا أنها استشعرت الحنان الساكن بقلبه وبخاصة حينما حمل الصغيرة وأخذ يداعبها ويلقي بها في الهواء ثم يعود ليمسك بها
******
تبادلوا أطراف الحديث وقضوا أوقات سُرقت من الزمن وبمجرد أن وصل محمود اجتمعوا على مائدة الطعام... كان يختلس النظر إلى رمزية بين تارة وأخرى فخبأت عينيها عنه حتى لا يلاحظ أحد فمالت سوسن على أذنها وهتفت بصوت خفيض
- والله حرام عليكي ده شكله واقع خالص
- بس يا سوسن هو إحنا عيال صغيرين ولا إيه؟!
- طيب خليكي قاعده تفكري لحد ما يزهق ويطفش
ما أن وصلت كلمات سوسن إلى مسامع رمزية ضيقت بين حاجبيها وأخذت تتحدث إلى نفسها فاندهش من هيئتها وتساءل
- الشغل عامل معاكي إيه يا مدام رمزية؟
- الحمد لله
قالتها باقتضاب دون أن تنظر إليه وأكملت تناول الطعام فلوى ثغره بضجر بينما وكز أمير ذراع أمجد الجالس إلى جواره وسأله بصوت خفيض
- هو أبوك مش قاعد على بعضه كده ليه؟
- بعدين هقولك
- أنت عارف حاجة أنا معرفهاش؟
- ما قولت بعدين سيبني أكل، أنا جعاااااان
*******
ما أن فرغوا من تناول الطعام صعدت وعد إلى جناحها بعد أن اصطحبت حنين وأمل، بينما طلب حسام من أمير التحدث إليه في أمر هام فلحق بهما أمجد، أما سلوى فغادرت إلى غرفتها لتصلي فرضها ولم يتبق سوى محمود ورمزية بالإصافة إلى سوسن وطفلتها فقررت إفساح المجال لمحمود عله يقنع رمزية فلحقت بوعد... انتظر محمود حتى صعدت سوسن ثم نظر إلى رمزية وتنحنح قائلاً
- أزيك؟
- بخير
قالتها باقتضاب ثم وقفت عن مقعدها لتغادر لكنه لحق بها بل وسبقها ووقف أمامها بدون سابق إنذار فاصطدمت بصدره وكادت أن تسقط على ظهرها إلا أنها تمسكت بثيابه حتى استعادت توازنها ثم ابتعدت عنه وقالت بارتباك
- ح ح حضرتك ما ينفعش كده، لو حد شافنا هيقول إيه؟
- أنا منتظر قرارك من عشر أيام واعتقد ده وقت كافي أنك تقولي ردك
خفق قلبها بسرعة لم تعتادها منذ أن انفصلت عن يحيى فعلمت أنها تكن له مشاعر... ترددت في إجابته وصمتت تماماً فكرر كلماته بصوت أكثر دفئاً لتجيبه وهي توجه نظراتها إلى الأرض
- موافقة
لم تستطع أن تقف أمامه لدقيقة أخرى فقد كان شعورها بالخجل يفوق طاقتها فركضت مبتعدة ثم صعدت الدرج بسرعة جنونية حتى أنها تعثرت أكثر من مرة فابتسم بسعادة وشرد بشده ولكن أعاده صوت سلوى إلى أرض الواقع
- مبروك يا محمود، قولتلك هتوافق من غير ما أكلمها
- الله يبارك فيكي
- تعالى أشرب الشاي وبعدين نجمعهم ونبلغهم الخبر، ربنا يسعدك وتقدر تعوضها اللي شافته في حياتها
*****
بغرفة الفتيات....
دلفت رمزية بدون سابق إنذار وجلست إلى جوار سوسن وحمرة الخجل تلون وجنتيها فابتسمت سوسن بسعادة ومالت على أذنها قائلة
- نقول مبروك؟
- بس يا سوسن للبنات ياخدوا بالهم، أصلاً أنا متوترة جداً
اتتبهت حنين إلى الحديث السري الذي يدور بين سوسن ورمزية فوكزت وعد في ذراعها وتساءلت
- بت يا وعد، أمك وطنط سوسن بيخططوا لحاجة
- اه وعلى السفرة كمان كانوا كده
- لازم نعرف
قالتها حنين ثم تركت مقعدها وجلست إلى جوار سوسن وعلها تحصل على معلومة وبالفعل نالت مرادها عندما اعترفت سوسن بمجرد أن سألتها حنين فتعالت شهقاتها ووقفت عن مقعدها قائلة بأعلى طبقات صوتها
- طنط رمزية هتتجوز عمو محمود، زعرطوا يا بنات
زاد شعور رمزية بالخجل والارتباك خوفاً من رد فعل وعد لكن الأخيرة ابتسمت بسعادة وأعطت الصغيرة إلى أمل ثم اقتربت من والدتها وعانقتها
- مبروك يا ماما، ربنا يسعدك ويعوضك اللي فات
- مش مضايقة؟
- لا طبعاً أنتي لسه صغيرة وزي القمر ومن حقك تعيشي حياتك
******
بغرفة المكتب الخاصة بأمير...
نظر أمير إلى أمجد بتساؤل فرفع الأخير كفيه ليخبره أنه لا يعرف شيئاً فنظر إلى حسام وتساءل
- يا حسام إحنا مش فاهمين حاجة، قول على طول عايز إيه؟
- أنا معجب بأمل أو بمعنى أدق بحبها
اندهش أمير بشدة بينما ابتسم أمجد فقد توقع حدوث هذا نظراً لقرب حسام من ابنة خالته لكنه قرر مشاكسته فهتف بحدة مصطنعة
- وبتقولها عادي كده طب أحترم أن أخوها قاعد وأنا
قاطعه حسام قائلاً بغيظ: أتهد شوية
- حاضر كمل يا عندليب
رمقه حسام بنظرة نارية ثم وجه نظراته إلى أمير وقال: أنا لحد دلوقتي ما صارحتهاش بمشاعري بس في اللحظة المناسبة هقولها ومش عايز أحس أني بسرق حاجة مش من حقي علشان كده عايز ده يتم بعلمك
شعر أمير بالرضا واطمئن على شقيقته فالجالس أمامه رجلُ بمعنى الكلمة ودخل البيت من بابه ليحافظ عليها فاقترب منه وربت على كتفه ثم تحدث قائلاً
- وأنا مش هلاقي لأختي إنسان يحافظ عليها زيك
كاد حسام أن يتحدث لكن قاطعه دخول محمود إلى الغرفة وقص عليهم رغبته في الزواج من رمزية كما أخبرهم بموافقتها فرفع أمير أحد حاجبيه باندهاش وردد في نفسه
- شكلي فتحت نفسهم على الجواز
*******
بسويسرا....
ترك مقعده عندما صدع صوت رنين هاتفه فالتقطه ولوى ثغره بغيظ ثم أجاب قائلاً بحدة وصوت عال
- بتتصل من رقمك ليه؟ أكيد متراقب
- ركبت فيه جهاز تشويش، هتوصل أمتى يا باشا؟ أنا بقالي أسبوعين متبهدل وعايز أخرج من مصر في أسرع وقت
جلس الشاب على مقعده واضعاً قدم فوق الأخرى وأجابه: أسبوع أو عشر أيام بالكتير وهاجي تكون الدنيا هديت، هبعتلك حد بمفتاح بيت الفيوم تفضل فيه
- وأنا هكون في انتطارك
أنهى المتصل المكالمة وكذلك الشاب ثم أشعل سيجارة وبدأ ينفس دخانها في الهواء بطريقة تدل على حزنه فردد في نفسه
- همحيكي من على وش الأرض بعد ما أخليكي تطلبيها بنفسك
ألقى بسيجارته على الأرض ثم دعسها بقدمه وغادر فصدع صوت ضحكاته الشيطانية بأرجاء المكان
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف