03/19/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, March 19, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 19, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الرابع والثلاثون - بقلمي منى سليمان

* ضبط وإحضار *

كان يقود بسرعة جنونية متناسياً الألم الرهيب الذي يشعر به فقط كان يشعر بالغضب لضياع محبوبته من بين يده.... تذكر أنه لا يحمل سلاحاً فقد أحضر أحد أصدقائه السيارة وتركها بجراج المشفى، أما سلاحه بقى بحوزة اللواء نجدت حتى عودته إلى العمل فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف اللواء فأجاب الأخير قائلاً 

- أهلاً بالبطل
- سيادة اللواء أمل اتخطفت من عربيتها وأنا في طريقي ليها بس مش معايا سلاح فياريت تأمر بخروج قوة و

قاطعه اللواء قائلاً: أنت أتجننت يا حسام، أزاي تخرج من المستشفى وكمان بتلاحق مجرمين من غير سلاح

- أرجوك يا سيادة اللواء ده مش وقت عتاب المهم ألحق أمل
- وأنت عرفت مكانها أزاي؟ 

قص حسام عليه أمر ساعة اليد المزودة بجهاز تتبع فتأكد اللواء أن حسام يكن لأمل مشاعر وقال بصوت أقرب إلى الرجاء 

- أديني العنوان وأرجع المستشفى حالا وانا هطلع قوة من أكفاء رجالنا 
- أنا مش هقدر أرجع، ولو حضرتك عايز تساعدني بجد تبعت قوة بمجرد ما أحدد مكانها 
- حسام أنا بأمرك ترجع

قاطعه قائلاً: أنا أسف لأول مرة هعارض قرار سيادتك، أمل بالنسبالي مش مجرد صحفية ساعدتنا في قضية، أمل حلم عمري اللي لقيته بعد سنين كتير، أسف مرة تانية وأول ما أحدد المكان هبلغ حضرتك بيه

لم ينتظر رد اللواء فأنهى المكالمة وأكمل تتبعه للإشارة الصادرة عن ساعة يدها... زفر اللواء بضيق ثم أبعد الهاتف عن أذنه وغادر مكتبه كالإعصار ليعد حملة من أكفاء رجاله انتظاراً لاتصال حسام

*******

بجناح أمير... 
تململت وعد في الفراش حينما شعرت بشفتي حبيبها تلامس شفتيها... فتحت عينيها وابتسمت فغمز لها بمشاكسة وهتف

- صباح الخير يا أم عتريسه

ضحكت وعد على جنونه فساعدها على الاعتدال في جلستها واضعاً وسادة خلف ظهرها ثم ابتعد قليلاً وأحضر صينية الطعام وأردف

- يلا يا قمر الأكل ده كله يخلص، وده أمر مباشر من ماما 

ضيقت وعد بين حاجبيها واصطنعت الغضب قائلة: كده قولتلها من غيري، مخصماك

قالت كلمتها الأخيرة بدلال فابتسم على فعلتها ثم طبع قبلة على جبينها وهتف

- من فرحتي ما نمتش وأول ما الفجر أذن قولت زمانها بتصلي فقومت أفرحها
- خلاص سماح المرة دي علشان ماما
- طيب وابن ماما ملوش خاطر

قالها وهو يقترب من شفتيها شيئاً فشيئاً لكنها سبقته ووضعت يدها على صدره مانعة إياه من الاقتراب أكثر قائلة بجدية مصطنعة

- كده هتعطلني والنونو جعان خالص 
- لا كله إلا النونو، يلا يا عمري كلي بالهنا

كادت أن تاكل إلا أنه سبقها وأطعمها بيده كطفلة مُدللة فشعرت بالسعادة واستشعرت حنانه وفرحته بخبر الحمل.... كانت الأجواء ساحرة أطعمها وأطعمته فشاكسها بقبلة على يدها تارة وغمزة من عينه تارة الأخرى، وبمجرد أن فرغت من تناول الطعام حمل الصينية ليغادر لكنه توقف عندما صدع صوت رنين هاتفه فقالت برقة

- أمجد بيتصل

وضع الصينية على المنضدة وأخذ منها الهاتف ثم أجاب قائلاً: بتتصل بدري ليه يا مشرحجي؟ 

- مش وقت غتاتك، أمل عندك؟ 
- لا قالت هتروح الشغل وترجع على المستشفى، في حاجة؟ 
- حسام اختفى ومحدش عارف راح فين واتصلت على أمل ما بتردش وحنين منهارة من العياط
- طيب أقفل هتصل بيها في الجريدة وأكلمك

أنهى المكالمة وأجرى اتصالاً بهاتف الجريدة ولكن تسرب القلق إلى قلبه عندما أخبره أحد العاملين بعدم حضور أمل، فأنهى المكالمة وتحدث مرة أخرى إلى أمجد وأخبره بما حدث فقال الأخير بقلق

- هيكونوا راحوا فين وحسام ممنوع من الحركة؟!! 
- طيب كلمت حسام؟ 
- كلمته ما بيردش، حاول كلمه وقولي رد عليك ولا لا

أبعد أمير الهاتف عن أذنه وبحث عن رقم هاتف حسام ثم ضغط زر الاتصال فزفر حسام بضيق وأجاب قائلاً 

- معاك يا أمير
- أنت وأمل روحتوا فين؟ 

أوقف حسام السيارة على جانب الطريق وأخبر أمير بكل ما حدث فشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه لكنه لم يظهر ذلك خوفاً على وعد فابتسم ولوح إليها ليطمئنها ثم غادر الغرفة وتساءل بقلق

- مين اللي خطفها وعايز منها إيه؟ 
- مش عارف يا أمير، أنا داخل على طريق الفيوم وخلاص الإشارة وقفت في منطقة هناك وأوعدك مش هرجع غير وهي معايا حتى لو التمن حياتي

حاول أمير يشتى الطرق إقناع حسام بالعودة فهو يعلم جيداً خطورة إصابته وتأثير الحركة عليه لكنه لم يعدل عن رأيه بل ودعه وأنهى المكالمة وأكمل طريقه، بينما أنهى أمير المكالمة ووضع رأسه بين كفيه بعد أن سقط أسيراً للخوف والحيرة، هل يخبر والدته بما حدث، أم ينتظر علها تعود برفقة حسام؟ وظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم أخذ قراره وقرر الانتظار داعياً إلى الله أن تعود شقيقته سالمة وكذلك حسام

******

تململت أمل وهي تشعر بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها، وبمجرد أن استعادت وعيها تذكرت ما حدث ففتحت عينيها بهلع... وجدت نفسها مكبلة الأيدي والأرجل في فراش موضوع بقبو منزل فشعرت بخوف لم يتملكها يوماً... حاولت فك وثاق يديها ولكن دون جدوى، كان صدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف، وما أن استمعت إلى صوت أحدهم بالخارج أغمضت عينيها واصطنعت النوم وأخذت تردد بخفوت آيات القرآن... دلف رائد إلى الغرفة برفقة حكيم فقال الأخير بنبرة صوت تحمل الانتصار بطياتها

- جبتها زي ما وعدتك يا باشا، ده الغالي الله يرحمه كان حبيبي وطول عمري بخدمه بعينيا وهخدمك أنت كمان بعينيا بس خرجني بره مصر زي ما وعدتني، الجرايد ملهاش سيرة غير هروب غيري والدنيا مقلوبة عليا و

قاطعه رائد عندما رفع يده لأعلى ليطلب منه التوقف عن الحديث ثم أشار بيده ليغادر فنفذ حكيم رغبته... خلع رائد جاكيت حلته ثم ألقى به على حافة الفراش واقترب من أمل بشدة وأخذ يمرر يده على جسدها بوقاحة... لم تستطع أن تحتمل ما يحدث ففتحت عينيها وقالت بصوت مرتعش

- أبعد عني يا

توقفت عن إكمال كلماتها حينما كمم فمها لكنها لم تستسلم بل قضمت يده بأسنانها فأبعد يده وصفعها بعنف على وجنتها... انهمرت دموعها بغزارة كما سالت الدماء من شفتيها وهتفت بصوت غلبه البكاء 

- حرام عليك، أنا معملتش حاجة ويوم ما شوفتك في المستشفى عاملتك باحترام 

قاطعها قائلاً بحدة وصوت عال: أخرسي 

اقترب منها كالأعصار وكمم فمها بشريط لاصق ثم جلس على حافة الفراش ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتابع 

- أنتي أخدتي مني حاجات كتير، سبع شهور خالي مشغول بيكي ونسيني وكل ما أكلمه يقولي أقفل أنا قاعد مع أمل، أخدتيه مني ودخلتيه السجن بأيديكي وخلتيه ينتحر، أخدتي الملايين اللي كانت في شقته ومخدرات كمان بملايين كان فاضل أسبوع ويحولي الفلوس في سويسرا، أخدتي خالي اللي كان ليا أب وأم وعاش ليا وبس لحد ما أنتي ظهرتي في حياته ونسيني

كانت تستمع إلى كلماته بخوف فاستطاعت بصعوبة ضغط زر الساعة عل حسام يأتي لإنقاذها، في ذات اللحظة أوقف حسام السيارة على مقربة من المكان وبمجرد أن وصل ندائها إليه، ترجل واقترب من المنزل الكائن بمنطقة نائية ثم اتجه صوب السور الخلفي وحاول القفز عدة مرات ولم يمنعه تجدد نزيف الجرح بل كرر محاولاته حتى نجح في الدخول إلى الحديقة الخلفية للمنزل.... 
بالغرفة انتهى رائد من توبيخ أمل وعاد ليتحسس جسدها فحاولت إبعاد يده التي كانت تعبث بحرية إلا أنه لم يهتم لها بل ابتعد عنها قليلاً وأزال ثيابه ثم اقترب منها مرة أخرى

- حكيم قالي أن خالي كان نفسه فيكي، وأنا هحقق اللي كان عايزه وبعدين أبعتك ليه

قالها ثم أزال الشريط اللاصق عن شفتيها وأردف: عايزك تصرخي وتقاومي على قد ما تقدري، ده هيخليني أتمتع أكتر

صرخت بأعلى طبقات صوتها فكانت صرختها الدليل الذي قاد حسام إليها فركض باتجاه الصوت واستطاع الدخول من خلال باب بالحديقة الخلفية واستطاع كذلك الوصول إلى باب الغرفة بسهولة ودلف إليها، وما أن رأى رائد يحاول نزع ثياب أمل، ركض باتجاهه كالإعصار وسدد له عدة لكمات كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً فاقداً للوعي... ابتعد عنه قبل أن يقتله ثم اقترب من أمل وفك وثاقها فارتمت بين أحضانه وانفجرت دموعها كالشلال لكنها ابتعدت عنه عندما تألم 

- جرحك بينزف
- أنا كويس ما تخافيش 

توقف عن إكمال كلماته حينما استمع إلى صوت دوي سيارات الشرطة  فاصطحبها إلى الخارج وهو يخبأها خلفه.... في غصون دقائق قليلة سيطر رجال الشرطة على المنزل فاقترب حسام من أحد زملائه ووضع يده على صدره قائلاً بصعوبة

- أوعدني توصل أمل لبيتها
- حسام جرحك بينزف لازم

قاطعه حسام قائلاً بحدة غلفها الألم: أوعدني

- أوعدك أني هوصلها لحد بيتها

ما أن توقف الضابط عن الحديث، سقط حسام فاقداً للوعي والدماء تُغرق ملابسه... ثنت أمل ركبتيها وجلست إلى جواره راكعة ثم رفعت رأسه عن الأرض ووضعتها فوق قدميها

- حسام أوعى تموت، أنا بحبك قوم يلا وأسمعني وأنا بقولهالك، بحبك يا حسام يلا قوم علشان نتجوز ونعيش سوا، حسااااااام

صرخت منادية بأسمه بأعلى طبقات صوتها فاقترب منها رجال الإسعاف وقاموا بنقله داخل سيارة الإسعاف وبمجرد أن ركبت إلى جواره انطلقوا إلى أقرب مشفى

******

بالمنزل.... 
تم إلقاء القبض على جميع من بالمنزل، ولكن قبل أن تغادر سيارات الشرطة وقعت أعين أحد الضباط على حزمة من الأوراق موضوعة على سطح المكتب الخاص برائد داخل غرفة مكتبه وبداخلها معلومات تؤكد تورطه في تجارة الأعضاء وغسيل الأموال فأمر الضابط بتفتيش المنزل... انتشرت عناصر الشرطة من جديد وبدأوا في البحث عن أي أوراق أخرى، وبالفعل وجدوا خزينة سرية داخل أحد الجدران بعد أن أزالوا جميع الصور المعلقة على الجدران فأمر الضابط بإحضار رائد وطلب منه فتح الخزينة لكن الأخير وتوعد لهم بل وقذفهم بأسوأ السباب فما كان من الضابط إلا أنه أسكته بلكمة كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً ثم جذبه من تلابيب قميصه قائلاً 

- أفتح الخزنة بدل ما أدفنك مكانك

استغل حكيم الفرصة اعتقاداً منه أن تعاونه مع الشرطة قد يخفف من حكمه فقال بدون أي تردد أو تفكير

- أنا ممكن أفتحها بس تثبت سعادتك أني أتعاونت معاكم
- ماشي، أفتحها

تقدم حكيم من الخزينة وفي أقل من دقيقة فتحها فأشار الضابط إلى رجاله وطلب منهم أخذ رائد وحكيم إلى السيارة ثم بدأ في معاينة محتويان الخزينة فجحطت عينيه ورددت في نفسه 

- الله يخرب بيوتكم هما كام شبكة دعارة وتجارة أعضاء 

******

بفيلا أمير... 
كان يشعر بالقلق على شقيقته لكنه خبئ قلقه خوفاً على والدته، فاصطنع رغبته في الذهاب إلى الحمام ثم ترك وعد برفقة والدته وصعد إلى جناحه ليتحدث إلى حسام... في ذات اللحظة كانت أمل تبكي بحرقة وهي ممسكة بيد حسام الذي مازال غائباً عن الوعي... بمجرد أن صدع صوت رنين هاتفه، مدت يدها وأخذت الهاتف من جيب بنطاله ثم أجابت بنبرة صوت غلفها الألم

- أمير ألحقني حسام بيموت

تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لسماع صوت شقيقته والحزن لما وصلت إليه ولكن تغلب خوفه على سعادته وتساءل بقلق

- أنتوا فين دلوقتي؟ 
- في عربية إسعاف رايحين مستشفى
- أول ما توصلي أسألي أنتوا فين وأسم المستشفى إيه وقوليلي وأنا هتحرك حالا وأخرج على طريق الفيوم
- أنا خايفة يسيبني

قالتها وعادت لتبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه تمالك أنفاسه وقال بثبات 

- هيعيش وهتعيشوا سوا لأخر العمر

ودعها وأنهى المكالمة ثم أدعى أنه ذاهب إلى المشفى حتى لا يفزع وعد ووالدته... ما أن دلف إلى السيارة هاتف أمجد وقص عليه ما حدث كما طلب منه عدم إخبار حنين حتى لا تُصاب بمكروه نتيجة الصدمة

*******

بعد مرور ما يقارب الساعة ونصف وصل أمير إلى وجهته فأوقف سيارته وترجل منها ثم ركض إلى الداخل بحثاً عن أمل، لم تمض سوى عدة دقائق حتى صعد إلى الطابق الرابع حيث توجد غرفة العمليات فركضت أمل باتجاهه ثم ألقت بحسدها في صدره وانفجرت باكية... أحاط جسدها بذراعيه وجاهد بشتى الطرق ليهدئ من خوفها وارتجاف جسدها ولكن دون جدوى فاصطحبها إلى أحد المقاعد وأجلسها ثم جلس إلى جوارها فأسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها علها تتذكر ابتسامته.... مرت الدقائق كأنها دهر ولم تتوقف دموع أمل ولو لدقيقة لكنها ما أن رأت الطبيب يغادر غرفة العمليات، انتفضت عن المقعد وركضت باتجاهه فلحق بها أمير وتساءل

- طمني يا دكتور
- الحمد لله وقفنا النزيف وقفلنا الجرح بق للأسف نزف دم كتير ومحتاج نقل دم بس بلغوني أن فضيلته نادرة فخرجت أشوف وصلوا لفين
- طيب فصيلة دمه إيه وهحاول أتصرف أنا جراح القلب أمير نور الدين

رحب به الطبيب وأخبره بنوع فصيلة دم حسام فقالت أمل: دي نفس فصيلة دمي، أنا أتبرعله

لم تنتظر موافقته بل تخطته وركضت إلى الداخل فاندهش من فعلتها لكنه لم يعلق بل لحق بها ليكمل عمله.... 
اقتربت أمل من حبيبها بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبها المتسارعة خوفاً من فقدانه.... كانت دموعها تتساقط مع كل خطوة تخطوها نحوها، وما أن استقرت أمامه اقتربت من أذنه وهمست 

- فتح عينيك، وحشتني

قاطعها الطبيب حينما طلب منها الاستلقاء ثم بدأ في نقل الدم من جسدها ليساعد حسام على البقاء 

******

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة غادرت أمل عرفة العمليات فساعدها أمير على الجلوس وتساءل

- تعبانه؟ 
- لا طول ما هو كويس هبقى كويسة
- لما الدكتور قبلك سألته ينفع أنقله مستشفى تانية ولا لا ووافق، أتصلت بالمستشفى عندي وهيبعتوا عربية إسعاف خلال ساعة وهنقله هناك أفضل

كادت أن تجيبه إلا أنها تركت مقعدها ومضت خلف حسام الذي يتم نقله من غرفة العمليات إلى غرفة عادية.... سحبت مقعداً وجلست إلى جوار الفراش ولم تقبل بالابتعاد عنه بالرغم من محاولات الطبيب ولكن تدخل أمير وأقنعه ببقائها ثم غادر إلى الخارج وجلس في انتظار وصول سيارة الإسعاف 

*******

بمنزل أمجد... 
كان الخوف يتملك قلب حنين فشقيقها غائب منذ الصباح ولا تعلم عنه شيء... كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تتحدث إلى نفسها فترك أمجد مقعده وتقدم منها ثم قبض برفق على معصمها وقال بهدوء 

- بقالك ساعة ونص على الحالة دي بجد مش هينفع
- عايزني أعمل إيه وحسام غايب من الصبح وما بيردش على تليفونه

قالتها والدموع تتلألأ داخل مقلتيها فأغمض عينيه ثم تنفس بعمق وقرر إخبارها علها تهدأ، فتح عينيه مرة أخرى وقص عليها كل ما حدث فتعالت شهقاتها وهتفت بصوت كساه الألم

- يعني أنت عارف من الصبح ومخبي عليا؟ 
- كنتي أقولك إيه، أخوكي المتصاب راح يجيب أمل ولا أقولك نقلوه مستشفى تانية وحالته صعبة
- أنا عايزه أشوف حسام

جذبها إلى صدره وأحاط جسدها علها تهدأ بين أحضانه ثم أخذ يمسد برفق على خصلات شعرها وهو يقول 

- أمير هينقله المستشفى بتاعته، وأول ما يوصل هنروحله
- لا نروح دلوقتي ونستناه هناك

أبعدها عنه ومسح دموعها بكلتا يديه وتحدث بحنان قائلاً: حاضر يا قلبي بس كفايو دموع هو الحمد لله كويس 

- بجد يا أمجد؟ 
- بجد يا عيون أمجد

******

في الثامنة مساءاً وصلت سيارة الإسعاف إلى مشفى أمير فترجل الأخير من سيارته وطلب منهم نقله برفق إلى الغرفة المجهزة له ثم اصطحب أمل إلى الداخل حتى لا تعيق تحركهم.... بالداخل كان أمجد يجلس إلى جوار حنين في انتظارهم، وبمجرد أن رأت المسعفون يدفعوا سرير حسام، ركضت باتجاهه منادية بأسمه عدة مرات لكنه كان في دنيا أخرى غير دنياهم.... أمسك بها أمجد ليمر المسعفون فخبأت وجهها في صدره وبكت على الحالة المزرية التي وصل إليها حسام فشدد أمجد في احتضانها وقال بهدوء 

- أشششش خلاص كفاية، حسام بخير وهيقوم ويبقى زي الفل
- يارب أنا خايفة أوي
- ما تخافيش يا عمري، يلا نطلعله

ابتعدت عنه وكفكفت دموعها ثم مضت برفقته إلى المصعد وهي تدعو الله حتى لا يصيب شقيقها مكروه

*******

بالغرفة...  
دلفت أمل وجلست على المقعد المجاور للفراش دون أن تتفوه ولو بكلمة فقد كان أحد الأطباء يتفقد مؤشوات حسام الحيوية، وبمجرد أن فرغ نظر إلى أمير وهتف

- الحمد لله وضعه مستقر ومفيش خطروة على حياته
- الحمد لله

هكذا رددت أمل بخفوت وهي تمسك يد حسام بين كفيها، بينما اقتربت حنين من الطبيب وتساءلت

- طيب هو نايم كل ده ليه؟
- لأنه واخد مسكن قوي فيه نسبة مخدر وخلال ساعتين هيفوق بأمر الله، بعد إذنكم

ما أن غادر الطبيب اقتربت حنين من أمل وربتت على كتفها فأدرات الاخيرة رأسها ونظرت إلى حنين قائلة

- آسفة لأني السبب في اللي حصله
- حسام بيحبك وبين الأحبة مفيش أسف، هيبقى كويس طول ما أنتي جمبه

اختلطت دموع أمل بابتسامة ساحرة ثم وجهت نظراتها صوب حبيبها النائم، وخلال دقائق قليلة ودع أمير شقيقته ليعود إلى منزله فهو لم يُخبر والدته بأي شيء، أما حنين فغادرت برفقة زوجها إلى الخارج وجلست إلى جواره في انتظار استعادة حسام لوعيه

******

في ذات اللحظة انتهت التحقيقات التي استمرت لعدة ساعات واعترف خلالها حكيم بإدارة رائد لشبكة تجارة أعضاء وأخرى للدعارة بدلاً من عادل الذي لم يستطع إدارة جميع الشبكات فأدار بعضها وترك البعض الأخر لابن شقيقته الذي يعتبره البعض بمثابة ابنه، بينما تمسك رائد بالصمت ولم يعترف بشيء فنظر وكيل النائب العام إلى رائد بتحدي وقال بثباث

- أكتب، أمرنا نحن أحمد البحيري وكيل النائب العام بحبس كل من رائد سعيد علم الدين وحكيم فاروق محمد لمدة خمس عشر يوماً على ذمة القضايا التالية، خطف أنثى بغرض مواقعتها والإتجار في الأعضاء البشرية وكذلك تسهيل الدعارة وإبتزاز النساء لدفعهن للعمل بالدعارة، كما أمرنا بضبط وإحضار جميع من ثبت تورطه وهم التالي أسمائهم

بدأ وكيل النائب العام بإصدار أمر الضبط والإحضار لما يقارب الخمسون شخصاً ولكن المفاجأة الحقيقة هي وجود أسم نادين وكذلك إبراهيم، وخلال دقائق قليلة انطلقت قوة لضبط وإحضار جميع المتهمين

*******

بمنزل محمود... 
دلفت رمزية إلى الشقة بعد أن قضت يومها بالخارج برفقة زوجها المشاكس... أغلق باب الشقة ولحق بها وقبل أن تدلف إلى الغرفة، أحاط خصرها من الخلف بذراعه وأدارها إليه لنتقابل أعينهم في نظرة طويلة تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام... بادرت برسم الابتسامة التي يعشقها فاقترب بشدة من شفتيها وكاد أن يقتطف قبلة لكنها سبقته عندما أسندت رأسها على كتفه ووضعت يدها على صدره ثم هتفت برقة

- من سنين كتير محستش بالأمان اللي بحسه معاك، ولا بحس بنبض قلبي غير وأنا في حضنك

تسارعت نبضات محمود فرحاً وشدد في احتضانها وبداخله سعادة الدنيا... كم تمنى أن يخبأها بداخلها ليعطيها الحنان الذي تحتاج إليه لكنه اكتفى بقبلة طبعها على خصلات شعرها ثم وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً لتتقابل أعينهم من جديد فقال مازحاً 

- أنا مش قد الكلام الحلو ده
- ده مش مجرد كلام، دي المشاعر اللي جوايا 
- ربنا يقدرني وأسعدك لأخر يوم في عمري
- ربنا يديك الصحة ويخليك ليا

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه غمز لها بمشاكسة وهتف: تعالي بقى أقولك كلمة سر 

ضحكت بشدة على جنونه ومضت برفقته إلى الغرفة لتقضي معه لحظات من العشق سُرقت من الزمن

*******

خلال ساعة ونصف تم ضبط وإحضار العديد من الأسماء المطلوبة للتحقيق وجاء الدور على نادين... توقفت سيارة الشرطة أسفل العقار الذي تسكنه نادين وترجل منها مجموعة من العساكر والضباط واتجهوا مُباشرةً صوب شقتها فطرق أحدهم بابها بحدة.... لم تهتم نادين وأكملت تدخين سيجارتها بينما ركضت خيرية باتجاه الباب وفتحه فاقتحموا الشقة وسألها أحد الضباط

- معانا أمر بضبط وإحضار نادين أمين نور الدين

جحظت عينيّ خيرية بعدم تصديق ولم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة بينما وقفت نادين عن مقعدها وقالت بحدة

- اللي هيقرب مني هقتله، سامعين هقتله

أشار أحد الضباط بيده إلى العساكر فاقتربوا منها واصطحبوها إلى الخارج وهي تردد

- سيبوني، أنا هوديكم في ستين داهية، يا ماما يا ماما

وقفت خيرية مكتوفة الأيدي ولم تستطع مساعدتها، بينما أسفل العقار دفعها أحد العساكر داخل السيارة فجحظت عينيها عندما وجدت العديد من الأطباء الذين شاركوها عمليات سرقة الأعضاء فعلمت أنها النهاية 

*******

بالمشفى... 
استيقظت أمل عندما شعرت بعدم وجود يد حسام بين يدها فقد غفت منذ عدة دقائق لشعورها الشديد الإرهاق وهي مازالت جالسة على المقعد.... فتحت عينيها بفزع ولكن سرعان ما تحول خوفها إلى ابتسامة حينما رأته يصوب نظراتها إليه فقالت بسعادة 

- وحشتني أوي

رمقها حسام بنظرة اندهاش وتساءل: أنتي مين؟ 

جحظت عينيها بعدم تصديق وأجابته: أنا أمل 

- أمل مين؟ 
- يالهووووووي أنت فقدت الذاكرة

لم يستطع أن يتحمل جنونها أكثر من ذلك فانفجر ضاحكاً بالرغم من شعوره بالألم فوضع يده على جرح صدره وهتف مازحاً 

- بهزر يا هبله

لم تغضب وتعنفه كعادتها بل شعرت بفرحة عارمة فحبيبها المشاكس استيقظ وعاد ليشاكسها... تأملته لعدة دقائق وهي تتذكر كل ما فعله لأجلها فقالت بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا رخم

ابتسم بسعادة ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل: تتجوزيني؟ 

توردت وجنتيها خجلاً لكنها استجمعت أنفاسها وأجابته: موافقة طبعاً 

مد لها يده لتساعده على الاعتدال فتأوه عدة مرات وحاولت منعه إلا أنه لم يهتم لاعتراضها، وبمجرد أن اعتدل قليلاً في جلسته جذبها إلى صدره ليغمرها بحنانه ثم همس في أذنها بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- بحبك يا شكل عمري
- وأنا بموت فيك يا هولاكو قلبي


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف