02/27/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Wednesday, February 27, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

February 27, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل التاسع عشر - بقلمي منى سليمان

* اعتراف *

أرجعت أمل نظارتها الطبية إلى الخلف ثم ابتعدت خطوة واحدة إلى الوراء دون أن تتحدث إليه ولكن التوى كاحلها وكادت أن تسقط على ظهرها فتقدم حسام منها وحاوط خصرها بذراعه مانعاً إياها من السقوط ثم قربها إليه ونظر إلى عينيها قائلاً 

- أبقى خد بالك يا أخ

تحدث معها بصيغة المذكر ليشعل غضبها فأبعدت يده عن خصرها ثم أشهرت سبابتها في وجهه وهتفت بحدة

- أنت بني أدم مريض على فكرة
- أحترمي ج

توقف عن إكمال كلماته ثم تأملها من رأسها حتى أخمض قدميها وتابع ببرود

- قصدي أحترم نفسك يا أخ
- أنت بجد إنسان همجي ومعندكش أي فكرة عن التعامل مع البنات

رفع أحد حاجبيه بعدم تصديق ثم حك ذقنه بإبهامه وقال بذات البرود: هي فين البنت أصلاً؟!!

شعرت بالإهانة فرفعت كفها في الهواء لتصفعه بكل الغضب الكائن بداخلها إلا أنه سبقها وقبض يده على معصمها فتأوهت بشدة لكنه لم يهتم وأردف بعد أن اقترب بشدة من أذنها

- مش الرائد حسام الدين سليمان اللي واحد زيك يمد أيده عليه 

نفض يدها بغل فكادت أن تسقط لكنه لم يهتم لها وابتعد ليجلس على أحد المقاعد، فاستندت بيدها على المنضدة وجلست على المقعد المقابل له وبداخلها رغبة ملحة في الفتك به فتفادى نظراتها النارية بمراجعة الملف الموضوع أمامه بينما زفرت أمل بضيق وقالت بصوت مسموع 

- همجي
*******

كانت تتابع الطريق وهي تفكر في ما ستقوله بعد قليل، شعرت بالتوتر وشعرت كذلك بالسعادة فهي على وشك لقائه وظلت شاردة حتى أعادها صوت السائق إلى أرض الواقع فقالت برقة 

- آسفة سرحت
- بقول لحضرتك باب المول ده ولا التاني؟ 
- لا هنزل هنا شكراً 

ترجلت من السيارة ثم دلفت إلى مركز تجاري ضخم واتجهت صوب إحدى المطاعم وهناك رأت أمجد يجلس في انتظارها... راقبته عبر الزجاج وهو ينظر إلى ساعة يده ثم استجمعت شجاعتها ودلفت إلى الداخل حتى استقرت خلفه وهتفت مازحة

- قاعد لوحدك ليه؟ 

التفت إليها وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغره فجلست على المقعد المقابل له وكادت أن تتابع كلماتها إلا أنه سبقها وقال بهدوء لم يعتاده من قبل

- تعرفي أنك وحشتيني
- بجد؟! 

تساءلت ببراءة فغمز لها وأجابها: بجد، قوليلي تشربي إيه؟ 

- ممكن أي عصير فريش

أشار إلى النادل وطلب منه إحضار كوب عصير لها وفنجان قهوة له، وبمجرد أن ابتعد نظر أمجد إلى حنين وتساءل

- بتهربي مني ليه؟ 
- بهرب منك أزاي وأنا قاعده قدامك اهوه

قالتها بثبات فرفع أحد حاجبيه بعدم تصديق... عضت على شفاها السفلى ووجهت نظراتها إلى الأرض فابتسم على فعلتها وقال مازحاً 

- لما بتتكسفي بحس أنك مش حنين المجنونة اللي أعرفها
- بطل رخامة بقى 
- مش هبطل غير لما أعرف ليه بقالك يومين مطنشاني مع أني يوم العزومة صالحتك واعتذرت

ازداد شعورها بالخجل لكنها استجمعت شجاعتها ونظرت إلى عينيه وقبل أن تجيبه سبقها وأردف متسائلاً 

- أنتي لسه زعلانة؟ 

حركت رأسها كإشارة بالنفي ثم أرجعت خصلات شعرها خلف أذنها وقالت دون أن تنظر إليه

- أصل أنا يعني يعني يعني يعني

قاطعها قائلاً: أنتي علقتي ولا أيه؟ 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها أثر مزحته ثم حركت رأسها مرة أخرى بالنفي وتابعت

- حسام لو عرف أني بكلمك وبقابلك زي دلوقتي كده هيزعل مني أوي، هو طول عمره مديني حريتي لأنه بيثق فيا بس مش معنى كده أني أكلمك وأقابلك وكمان أنت صاحبه وكده عيب أوي

كان يستمع إليها وهو يسند يده أسفل وجنته وما أن توقفت عن الحديث أرجع ظهره إلى الخلف قليلاً وتساءل

- خلصتي؟ 

حركت رأسها لأعلى وأسفل بنعم فتأمل عينيها لدقائق صمت فيها الكلام وتحدثت لغة العيون فشعر كل منهم بالغرق في بحور الأخر لكن…
[6:52 PM, 2/27/2019] Mona Soliman: طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل العشرون - بقلمي منى سليمان

* لقاء صحفي *  

بقى حسام واقفاً في مكانه والصدمة مازالت تسيطر على قسمات وجهه، اندهش الجميع من فعلته فترك اللواء مقعده ثم اقترب منه وتساءل بقلق

- مالك يا حسام، أنت تعبان ولا إيه؟ 

ابتلع حسام ريقه مرة أخرى بعد أن فاق من شرودة ثم أدى التحية الرسمية وأجاب قائلاً 

- أنا تمام يا فندم
- طيب أقعد علشان نبدأ الاجتماع

تحرك حسام نحو المقعد المقابل لأمل وجلس عليه فتقابلت أعينهم في نظرة قطعتها حينما أشاحت ببصرها عنه لتستمع إلى باقي حديث اللواء... وبعد مرور ساعة كاملة رفع اللواء رأسه عن الأوراق ثم نظر إلى حسام قائلاً 

- حسام جهز نفسك من بكرة هتستلم طقم حراسة الهدف علشان تكون قريب دايماً من أمل وهي بتتفذ المهمة و

توقف عن إكمال كلماته حينما قاطعته أمل قائلة: بعد إذن خضرتك هو ما ينفعش أي ظابط تاني يكون معايا؟ 

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامع حسام، صر على أسنانه لكن غضبه كان ناتجاً عن الجدار الذي بناه بيده بينهما فأجابها بهدوء 

- أنا اللي عملت أغلب التحريات ووضعت الخطة يا آنسة

رفعت أمل أحد حاجبيها ثم وجهت نظرها إلى اللواء ضاربة عرض الحائط بكلمات حسام وكررت سؤالها وكأنه لم يجيبها فاستشعر اللواء شرار الغضب المتبادل بين أمل وحسام فما كان منه إلا أنه طلب من الجميع المغادرة ثم قال بجدية وصوت رجولي حاد

- أنا حقيقي مش عارف إيه المشكلة اللي بينكم بس من فضلكم تركنوا أي خلاف على جمب لحد ما نخلص من المهمة، قولتي إيه؟ 

وجه سؤاله إلى أمل فرمقت حسام بنظرة اشمئزاز وأجابت السؤال ببرود وهي تنظر مُباشرةً إلى عينيّ الهمجي

- هستحمل وأمري لله

مط حسام شفتيه بضجر فسأله اللواء عن رأيه هو الأخر فتمسك بتنفيذ المهمة مهما كلفة الأمر فوقف اللواء عن مقعده وهتف بحزم 

- طالما أنتوا الأتنين قررتوا تكملوا، يبقى هسيبكم مع بعض علشان تنهوا الحرب اللي بينكم

لم يترك فرصة للاعتراض فغادر غرفة الاجتماعات وأغلق بابها بالمفتاح حتى لا يترك أحد منهم المكان فزفر حسام بضيق ثم ترك مقعده واتجه صوب الشباك ليستنشق الهواء فقد كان يشعر بالاختناق بينما أمسكت أمل هاتفها وبدأت تتصفح الانترنت حتى لا تصاب بالتوتر لوجودها مع هذا الهمجي في مكان مغلق

******

بالجامعة... 
انتهت محاضرة وعد الأولى وجلست في انتظار بدء محاضرتها الثانية التي سيقوم أمير بتدريسها... كان شعورها بالتوتر يفوق طاقتها فحملت حقيبتها لتغادر بالرغم من محاولات حنين في منعها إلا أنها خجلت أن يجمعها بأمير المكان فيكفيها النظرات التي رمقها بها الجميع منذ دخولها إلى قاعة المحاضرات... اتجهت صوب الباب لتغادر لكنها، اصطدمت بصدر أمير الذي كان على وشك الدخول فسقطت الكتب التي كانت بحوزتها وكادت أن تسقط هي الأخرى إلا أنها تمسكت بيده لتستعيد توازنها فتعالت همسات الفتيات ما جعل حمرة الخجل ترتسم على وجنتيها فابتسم لها وقال مازحاً 

- كنتي مكسوفة تحضري محاضرتي أهو ربنا وقعك في حضني

كم تمنت أن تنشق الأرض بها، لكنها لم تجد منه مهرب فجمعت الكتب المبعثرة على الارض وعادت لتجلس إلى جوار حنين فابتسم على جنونها ثم دلف إلى القاعة وبدأ المحاضرة 

********

بغرفة الاجتماعات... 
ازداد شعور حسام بالاختناق لاستمراها في تجاهله فابتعد عن الشباك ثم اقترب منها ما جعل نبضاتها تتسارع خوفاً إلا أنها لم تظهر له ذلك بل اصطنعت عدم الاهتمام وأكملت العبث بهاتفها، وما أن استقر أمامها انتظر أن ترفع بصرها إليه لكنها لم تفعل فزفر بضيق ثم اختطف الهاتف من يدها فضيقت بين حاجبيها وكادت أن تعنفه فسبقها وقال بهدوء 

- أنا أسف

رمقته بنظرة نارية اعتقاداً منها أن اعتذاره ناتج عن تبدل مظهرها فتنحنح قليلاً ثم تابع قائلاً 

- دي أول مرة أكلم بنت بالطريقة دي و

قاطعته قائلة ببرود: بنت؟!!! يا حرام شكل نظرك ضعيف خالص أمبارح كنت شايفني أخ و today بقيت بنت

فهم جيداً السخرية المصاحبة لنبرة صوتها فشعر بغصة في قلبه حينما رآها تحاول التماسك لكي لا تظهر الدموع الحبيسة داخل عينيها فسحب مقعداً وجلس على مقربة منها ثم نظر إليها وهتف بصوته الدافئ الذي اعتاد الجميع عليه

- للمرة التانية بقولك أسف، يمكن في يوم أقدر احكيلك ليه عملت معاكي كده ويمكن مقدرش بس اللي أقدر عليه دلوقتي أني اعتذرلك مرة وأتنين وعشرة لحد ما أشوف نظرة تانية في عيونك غير نظرة الغضب والدموع

لم تستطع ان تأسر دموعها أكثر من ذلك فقد كانت تشعر بالإهانة بالرغم من كل ما قاله... ازداد شعوره بالاختناق حينما رأى دموعها تنساب بغزارة على وجنتيها فتابع بهدوء 

- خلاص بقى ما تعيطيش وعلشان أكفر عن ذنبي هعتذر عن المهمة وهسيبها لأي زميل علشان ما تبقيش مضطرة تشوفيني و

قاطعته قائلة بصوت غلبه البكاء: لا خليك أهو أنت طلعت همجي، يمكن التاني يطلع متشرد أكتر منك وأنا مش هستحمل

قالت كلمتها الأخيرة بصعوبة فقد ازداد بكائها وتعالت شهقاتها فشعر بالجرح الذي سببه لها ثم مد يده وأعطاها منديلاً فأخذته بعنف ومسحت دموعها في ذات اللحظة التي عاد فيها اللواء إلى الغرفة واندهش بشدة لرؤية احمرار عينيها لكنه لم يعلق بل تساءل بهدوء 

- هاه إيه الأخبار يا سيادة الرائد؟ 
- تمام يا فندم، المشكلة أتحلت وجاهزين للشغل

بمجرد أن توقف عن الحديث نظر إلى أمل فقالت برقة: وأنا كمان جاهزة 

- ممتاز جداً يبقى نتوكل على الله بعد بكرة نبعت حسام يستلم شغله وبعدها بيوم نحطك في طريقه

*******

بالمحاضرة... 
كان أمير يشاكس وعد بنظراته طوال المحاضرة فكانت تبتسم تارة وتعبس تارة أخرى عله يتوقف عن جنونه لكن ذلك لم يحدث... كان يتعمد المرور من بين سلالم القاعة ليمر إلى جوارها فغمز لها عدة مرات بمشاكسة ما جعلهم محط أنظار الجميع... وما أن انتهت المحاضرة انصرف الطلاب فوقف أمير في انتطار وعد بالخارج فغادرت القاعة برفقة حنين التي تفاجأت بوجود أمجد بالخارج فخفق قلبها بسعادة واقتربت منه حتى استقرت أمامه وابتسامة ساحرة تزين شفتيها فقاطع أمير سحر اللحظة حينما قال مازحاً 

- أنا حاسس أن الكلية قلبت كازينو على أيدك يا مشرحجي

ضحكوا على كلماته عدا وعد فقد رفعت أحد حاجبيها وقالت بجدية مصطنعة

- فعلاً الكلية بقت كازينو والمحاضرة قلبت سينما

اصطنع أ مير عدم الفهم ولم يعلق ثم مضى إلى السيارة برفقتها بينما ذهبت حنين برفقة أمجد... وما أن دلفت وعد إلى السيارة مطت شفتيها بضجر فابتسم لها أمير وتحدث بهدوء قائلاً 

- أنا أسف ووعد مني مش هعمل كده تاني

عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بغيظ: كل اللي في المحاضرة كانوا بيتفرجوا علينا

- يتفرجوا وإيه المشكلة، مراتي وأنا حر فيها
- بس أنا بتكسف

قالتها ببراءة وطريقة طفولية أسرة للقلوب فحرر إحدى يديها ثم رفع كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة كانت كزلزال ضرب كل ذرة في كيانها

*******

في ذات اللحظة انطلق أمجد بسيارته لكي يذهب إلى مطعم فخم ويتناول طعام الغداء برفقتها ولكن طرأت لدى حنين فكرة جنونية فابتسمت بسعادة وقالت وهي تنظر إليه

- هو أنا ممكن أطلب منك طلب غريب شوية؟ 

أوقف السيارة على جانب الطريق ليستمع إليها بعد أن حرك رأسه كإشارة بنعم فقالت بثبات طلبها الغريب والفريد من نوعه فمط أمجد شفتيه بضحر وكاد أن يعترض لكنها سبقته واستخدمت الدلال المصاحب لصوتها لاقناعه فاستسلم إليها وقاد السيارة مرة أخرى إلى مقر عمره فقد طلبت منه الذهاب إلى المشرحة لتراقبه بشغف وهو يمارس عمله الصعب والشاق

******

بمقر إدارة البحث الجنائي... 
انتهى الاجتماع الذي يضم اللواء وحسام بالإضافة إلى أمل التي غادرت مُباشرةً لتذهب إلى الجريدة... تابعها حسام بعينيه من شباك مكتبه فقد غادرت دون أن تودعه بالرغم من اعتذراه... اندهش حينما ترجلت من السيارة وفتحت الجزء الأمامي منها فعلم أن هناك خطباً ما أصاب سيارتها، غادر مكتبه في عُجالة وهبط الدرج حتى لا يقف في انتظار المصعد، وما أن اقترب منها لوى شفتيه بضجر حينما رأى تجمع العديد من الضبّاط حولها بحجة المساعدة فوقف خلفها وقال بصوت رجولي حاد

- واقفين كده ليه؟ 

انفضوا جميعاً من حولها وعاد كل واحد منهم إلى عمله فسرت رعشة خوف في بدنها حينما استشعرت هيبته التي يخشاها الكثيرين لكنها فاقت من شرودها عندما أردف متسائلاً 

- في حاجة في العربية؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم دون أن تتحدث فدلف إلى السيارة وحاول تشغيل محركها لكن ذلك يحدث فترجل منها وهتف وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- البطارية محتاجة صدمة علشان تتحرك بس اعتقد لازم تتغير 
- طيب أنا هعمل إيه دلوقتي؟ 

تساءلت ببراءة فشعر أنه يقف أمام طفلة صغيرة بالرغم من أنوثتها فأشار إليها لتنتظر دقيقة ثم ابتعد وعاد بعد دقائق قليلة برفقة أحدهم وأعطاه مفتاح سيارته ومفتاح سيارة أمل بعد أن طلب منه سحبها إلى أقرب محطة بنزين ليعاينها المختص، وبمجرد أن انصرف العسكري تحدثت برقة قائلة

- شكراً على فكرة
- العفو على فكرة

قالها مقلداً طريقتها فقد كانت تتحدث إليه بنبرة صوت تحمل القليل من الغضب فارتسمت على شفتيها ابتسامة ساحرة فبادلها بصوته الرجولي قائلاً 

- اتفضلي في مكتبي لحد ما يرجع وبالمرة نتكلم في المهمة
- شكلي كده مش هروح الجريدة النهارده كمان
- ولا يهمك هخلي اللواء نجدت يتصرف في الموضوع ده

حركت رأسها بالموافقة بالرغم من شعورها بالخجل من البقاء معه في مكان واحد إلا أن نظرات الجميع المصوبة نحوها جعلتها تذهب معه فقد شعرت أن نظراته تختلف عنهم... اقترب من المصعد ليطلبه لكنها أخبرته أنها مصابة برهاب المصاعد وفي كثير من الأوقات تشعر بالاختناق بداخله فصعد معها الدرج إلى أن وصل إلى الطابق الثالث حيث يوحد مكتبه فطلب منها الدخول ثم ذهب إلى غرفة اللواء... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد إليها وهتف متسائلاً 

- تحبي تشربي إيه؟ 
- شكراً مش عايزه 
- مستحيل لازم تشربي حاجة
- ممكن أخد كابتشينو لاتيه

أسر ابتسامته بصعوبة وقال مازحاً: لا هنا إدارة خناشير والخناشير أمثالي ما بيشربوش المشروبات النايتي دي

- نايتي؟!! 

رفع أحد حاجبيه بشموخ وأجابها: طبعاً إحنا رجالة أوي على فكرة 

قالها بطريقة تمثيلية لم تصمد أمل أمامها فانفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها فاكتفى بابتسامة وتابع

- هنا يا شاي يا قهوة يا نسكافيه بلاك زي اللي بنشوفه في شغلنا وممكن نعملك استثناء واجبلك حاجة ساقعة
- وأنا موافقة بحاجة ساقعة

رفع سماعة الهاتف وطلب فنجان قهوة له ومشروب غازي بنكهة التفاح الأخضر لها، فراقبته بصمت حتى أنهى المكالمة ثم نظرت إليه وقالت بجدية مصطنعة

- مش المفروض أن أنا زعلانة منك؟ 
- المفروض أني اعتذرت 
- طيب أنا لسه زعلانه على فكرة 

رفع كلا حاجبيه حينما فهم ما ترمي إليه وتحدث قائلاً: طيب ما نقصر السكة وتقولي اللي بتلمحي ليه

عضت على شفاها السفلى لشعورها بالتوتر فابتسم على فعلتها ما جعل قلبها يخفق بقوة فقد زادته البسمة هيبة ووقاراً فهتفت بدون تفكير

- طلعت بتضحك زي الناس سبحان الله

رمقها بنظرة نارية محملة بالغيظ فبادلته بابتسامة رقيقة وتابعت قائلة 

- أنا هسامحك بشرط 
- اللي هو؟ 
- بما أن عربيتي عطلانة وأنت عامل معايا واجب وعازمني على حاجة فريدة من نوعها في الإدارة ولسه

قاطعها قائلاً: قولي عايزة إيه من غير مقدمات يا أستاذة

- عايزه استغل الوقت وأعمل معاك لقاء صحفي وقبل ما ترفض لو مش هتوافق هسيبك تشرب القهوة والحاجة الساقعة لوحدك وأقوم أدور على أي ظابط أعمل معاه لقاء، قولت إيه؟ 

اندهش بشدة من طريقتها فقد اعتقد أنها فتاة رقيقة ودموعها قريبة لكنه استشعر القوة المصاحبة لنبرة صوتها ما زاد إعجابه بها فحرك رأسه بالموافقة

- بجد موافق؟ 
- ولو ما بدأتيش حالا هغير رأيي
- يس

قالتها بجنون فأسر ابتسامته بصعوبة حتى لا يقلل من حماسها، وفي أقل من دقيقة أخرجت من حقيبتها مُسجل صوت خاص بعملها وملحق به ميكروفون، وارتدت كذلك نظراتها الطبية لتسجل الملاحظات خلال اللقاء ولم تكتفي بذلك بل رفعت شعرها لأعلى كما اعتادت دائماً وما أن نظرت إليه لتبدأ المحاورة تفاجأت به يسلط نظراته عليها فتساءلت

- في حاجة؟ 
- حاسس دي استعدادات حرب مش لقاء صحفي
- كل واحد أدرى بشغله 
- عندك حق بس خلينا نتفق الحوار ده مش هينزل غير بعد ما نخلص من المهمة 

أكدت له ذلك ثم بدأت في سؤاله الأسئلة المعتادة.. ما أسمه، كم يبلغ من العمر، حالته الاجتماعية، منذ متى يعمل بإدارة البحث الجنائي، أغرب القضايا التي قابلها... ظلت تسأل وهو يجيب حتى سألته إن كان أصيب من قبل فأجابها بهدوء 

- ٣ مرات
- بجد؟!! 

قالتها باندهاش كطفلة شقية على وشك خوض مغامرة سمعية فحرك رأسه ليؤكد لها ما سمعته ثم تابع حديثه قائلاً 

- أخدت رصاصة في كتفي في اقتحام وكر تجار مخدرات و

قاطعته قائلة بانبهار: واوووو كمل 

- ورصاصة في نفس الكتف من ست سنين في عملية القبض عن سفاح الجيزة وأصعبهم كانت رصاصة في صدري اخترقت واقي الرصاص من أربع سنين وكانت حالتي خطيرة 
- حسيت إيه وقتها؟ 

أراح ظهره على المقعد وتذكر دموع حنين ووعد حينما استرد وعيه فتنهد بحرقة وأجابها 

- حسيت لأول مرة أني خايف من الموت بس مش علشاني، علشان حنين ملهاش حد في الدنيا دي غيري، خوفت أموت وأسيبها وحيدة

رفع حسام بصره إلى عينيّ أمل واندهش لرؤية الدموع تتلألأ داخل مقلتيها بعد أن تأثرت بكلماته فقرر تلطيف الأجواء وهتف مازحاً 

- أنا شايف أني كده كفرت عن ذنبي وأكتر من كده صراحة هيبقى استغلال صحفي

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها وكادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت طرق على باب غرفة المكتب فأذن حسام للطارق بالدخول 

- العربية ما اشتغلتش بصدمة البطارية 

تقدم العسكري من حسام وأعطاه المفتاحين ثم تابع: محتاجة بطارية جديدة

- طيب أتفضل أنت 

ما أن انصرف العكسري وقفت أمل عن مقعدها وهي تشعر بالحزن لأجل سيارتها ثم نظرت إلى حسام وقالت برقة

- أنا متشكرة جداً لمساعدتك، همشي دلوقتي وهبعت السواق بتاع أمير يسحبها لحد الميكانيكي 
- هتروحي أزاي؟ 
- هطلب عربية
- هتركبي عربية لوحدك بالفستان ده؟!! 
- أمال هعمل إيه؟ 
- هوصلك 

جحظت عينيها في عدم تصديق ثم ابتلعت ريقها وتساءلت بصوت مرتعش

- طب و وشغلك؟ 
- عادي هوصلك وأرجع

لم يترك لها فرصة أخرى للاعتراض فحمل مفتاح سيارته وأعطاها مفتاح سيارتها ثم مضى برفقتها فحاولت إقناعه بشتى الطرق لكي يتركها تغادر بمفردها إلا أنه لم يسمح بذلك فدلفت إلى سيارته وفي أقل من دقيقة انطلق إلى فيلا أمير

********

في ذات الوقت أوقف أمير سيارته أسفل منزل وعد فترجلت بعد أن ودعته ليذهب إلى المشفى... ما أن دلفت إلى العقار تذكرت نفاذ الطعام الخاص بقطتها فقررت الذهاب إلى المتجر الخاص ببيع طعام القطط لشراء المزيد... مضت وهي تفكر في المشاكس الذي تزوجت به فلم تنتبه إلى الشاب الذي كان يسير خلفها وينتظر اللحظة المناسبة لاختطافها، وبمجرد أن مرت من شارع لا يوجد به غيرهم تقدم منها ليخدرها إلا أنه توقف حينما مرت سيارة إلى جوارها فاندهشت بشدة لرؤية أمير فترجل من السيارة ورمق الشاب بنظرة نارية بعد أن لاحظ ملاحقته لوعد ثم تقدم منها وتساءل بقلق

- أنتي كويسة؟ 
- اه، في حاجة؟ وإيه رجعك؟ 

تابع أمير ابتعاد الشاب حتى اختفى تماماً لكنه لم يشعر بالارتياح فتابعت وعد وهي تشعر بالقلق

- أمير أنت كويس؟ 
- ما طلعتيش ليه؟ 
- كوكي أكلها خلص فكنت رايحة السوبر ماركت أو محل القطط أجيبلها
- بعد كده لما تحتاجي حاجة قوليلي وياريت ما تخرجيش لوحدك تاني، بعد ما سيبتك لقيت تليفونك واقع فلفيت ورجعت أديهولك لقيتك ماشيه وواحد ماشي وراكي زي ضلك

تسارعت نبضاتها خوفاً إلا أنها لم تظهر له ذلك فقالت ببراءة: أنا آسفة 

- خلاص محصلش حاجة، أركبي هنجيب الأكل وبعدها هوصلك

دلفت إلى السيارة دون أن تتفوه بالمزيد فقد كانت تشعر بالخوف من ملاحقة أحدهم لها، بينما قاد أمير السيارة وهو يشعر بالقلق عليها لكنه نفض الفكرة من رأسه حتى لا ينتقل القلق إليها

********

أمام مبنى الطب الشرعي أوقف أمجد سيارته وهو يشعر بالغضب فقد تمنى قضاء أوقات رومانسية معها ولكن تبخرت جميع أحلامه ووجد نفسه في أخر مكان تمنى الوجود به... ترجلت حنين وبداخلها القليل من الخوف إلا أنها رسمت الثبات على وجهها ومضت معه إلى الداخل لتشاهده وهو يقوم بعمله... بعد مرور عدة دقائق ارتدت الرداء الأبيض الخاص بالأطباء ولحقت به إلى الداخل فأخرج مساعده جثة من ثلاجة الموتى ووضعها على طاولة التشريح ثم غادر ليبدأ أمجد عمله... أمسك المشرط الخاص بالتشريح وفتح جرح عميق من الحلق إلى نهاية البطن فشعرت حنين بالغثيان حينما رأت طول الجرح، وما هي إلا دقائق حتى أبعد الجلد ليظهر القفص الصدري وبداخله أعضاء الجسم فسقطت حنين بعد أن فقدت وعيها وارتطم جسدها بالأرض فجحطت عينيّ أمجد ثم اقترب منها وقال بخوف

- حنين


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف