عناق المطر
العناق الثاني
نعيش على أمل أن تأتي لحظة محملة بالسعادة ، ننتظر ، نتعب ، نرهق أنفسنا نبذل الوقت والجهد في ترقب علَّ الحظ يمطرنا لحظة سعاده ، تأتي تلك اللحظة فتهتف قلوبنا نغني ونطير داخليا ، نستبشر خيرا وما هي لحظات حتى نرى أنها لم تأتي بما هو جديد وسعيد ،
******
هل
بإعترافها هذا قد أرضت فضوله ؟ كانت على وشك
سؤاله
إلا أن ذلك الصوت القادم من المطبخ صرف تفكيرها عن أي شيء اخر وفي خلال ثانية أصبح الكسندر أمام باب المطبخ وتبعته هي ، كان المكان عائما" بالماء و
باب المطبخ المطل على الحديقة الخلفية مفتوحاً على مصراعيه ، والمياة قد تدفقت
لداخله، ومن دون تفكير أندفعت إلى الداخل
لتقديم المساعدة,
كان
واضحا" أن الباب قد فتح نتيجة سقوط أغصان شجرة
السنديان
التي تطل على المطبخ بفعل الرياح القوية التي بدأت
منذ بعض
الوقت فسألته:
-- أين
تضعون الفوط الخاصه بمسح الارض؟
وبعد
ساعة أنتهى تنظيف المطبخ من الماء وإخراج الاغصان التي تدلت وسقطت وعندما عاد اليكس
من الخارج كان قد ابتل بالكامل فما كان
منها إلا أن اخذت المنشفة التي لفت بها شعرها وقدمتها له لكي يجفف يديه ووجه بينما
هي كانت تبحت عن منشفة اخرى ،
-- شكرا
إيلينا قال اليكس لا داعي للبحث سأصعد للأعلي لتبديل ملابسي وأعود.
كان
شعرها قد جف وعندما دخل اليكس للمطبخ كأنت
تدير ظهرها له تسرح شعرها الاسود الطويل، لم تعرف ما إذا كان ما قامت به منذ قليل
هو الذي جعلها تشعر بمزيد من المعافاة ،
وبالقدرة على تقييم خياراتها بمنطق أكثر مما فعلت،
قال لها
وعيناه تتأملان لون شعرها ،.
-- شكرا
على مساعدتك كان عملك رائعا، بالمناسبة لون شعرك جميل، أنا أحب الشعر الاسود
"
-- كان
عملاً مشتركاً بيننا، كان شعرها مسترسلا ناعما
يمتلك
تلك اللمعة الطبيعية ، ووجهها خالياً من أي زينة كما أنها ترتدي قميص شقيقته والسروال الاخر الكتاني من حسن الحظ كأن قد
أحضر أثنين ، جمعت شعرها بيديها ورفعته
للأعلى بدبوس صغير وقالت بمرح:
-- من الأفضل أن أبدأ بالتفكير في ما علي فعله،
--بشرط
الا تعودي ثأنية إلى ذلك المنزل ، قال هذا
بلهجة حادة كيف لهذا الرجل أن تكون لديه تلك القدرة الفائقة لأثارة غضبها وبعصبية هي الاخرى
أجابته
--وهل
أبدو لك غبية إلى هذا الحد سيدي؟ رغم معرفتها الوثيقة بحاجتها لمعونته لذا عليها أن تكبح كرامتها وتتنازل عن عليائها
فقالت مكرهة
-- كنت
، أنا فقط كنت أتساءل أن تكرمت بأيصالي
صباحا" إلى
يورك ،
أو إلى اقرب محطة ، فأنا ليس لدي مكأن غيره لأذهب إليه،.
-- ولكن
أيلينا !! لما تريدين الذهاب إلى هناك؟ هل
ستعودي للعيش مع والدتك؟ سألها بفضوله المعتاد
--
لاأريد أن أسبب لأمي القلق خصوصاً بعد أن أنتقلت
مع زوجها إلى مدينة يورك ، لقد عاشت حياة صعبة ومريرة هي تخوض حاليا تجربة جديدة ،
ولكني مضطرة.
ساد صمت
قصير بدا كأنه يفكر بأمر ما أمعن النظر بعينيها
و قال :
--
أيلينا ما رأيك ، نظرت إليه بدهشة
حذرة وبدون تفكير أجابته
-- ماذا
؟ ماذا سيد اليكس ؟
--
إهدئي أنستي واصغي لما سأعرضه عليك ، قد يعجبك .
--تعرضه
علي .؟ سألت وقد التصقت بالباب أستعدادا للهرب
أن لم يعجبها ما سيعرضه عليها.
--استريحي ، يا إيلينا، ما سأعرضه عليك بسيط جدا،
بما أنك بحاجة إلى عمل، و مكاناً للسكن ، لما لا تعملي
لدي فأنا
بحاجة لمرافق لجدتي والاهتمام بأمر المزرعة ، فشقيقتي فيرونكا لا تستطيع رعاية جدتي فقد بدأت
تدريبها بمكتب المحاماة ، فإما أن تقبلي وإما أن ترفضي.
صمتت
خلال حديثه معها وهي تفكر بعرضه الذي بدا معقولا خصوصا بهذه الفترة من حياتها من
ناحية هي لا تسطيع المغادرة فهي لا تملك مليما واحدا ، ومن ناحية أخرى والدتها لا
تعلم أين هي وماذا كانت تعمل ولم بدأت بالبحث عن أصدقاء والدها ، وستكون صدمة لها أن علمت بما جرى لابنتها.
-ولكن
سيد اليكس ، قالت وهي تحاول الا تلتقي عينيها بعينيه
-- ولكن
ماذا يا ايلينا، كما ترين المكأن كبير وكما
أخبرتك
جدتي سيدة كبيرة بالسن ومريضة ولا تقوى
على أدارة امورها بنفسها.
هذا
المنزل ملكاً للعائلة منذ زمن طويل وبعد أستقرارنا بالمدينة لم
نعد
نأتي الا بالمناسبات , أتمنى أن تفكري مليا" بالامر قبل أتخاذك لقرار ، وأنا
بحاجة لمن أثق به كي يبقى بجأنب جدتي .
--تثق
به ؟ سألته وهي ترمقه بنظراتها الحاده هذه المرة
--
تماما عزيزتي لقد بدوت لي كذلك
أخذت
فكرة تامة واستوعبت لما يرمي اليه . ولأنها عانت كثيرا بحياتها فكرت في أن هذا
العمل يناسبها تماماً لفترة قصيرة ، وأن لم يعحبها سيكون لديها وقتا للبحث عن عملا
أخرا بينما هي تعمل هنا أن هي قبلت العمل .
-- واين
سأنام؟ تأملها لحظة ثم قال بهدوء
--ايلينا
أنت لا تثقين بالرجال، أليس كذلك؟
-- هل
يكفيك أن قلت أنني عرفت ما يكفي من الرجال الذين
يظنون أنني
سهلة المنال
--ولكن
وهل لديك تجارب عدا فيليب؟
تجاهلت
سؤاله الفضولي وعادت لسؤاله ثأنية
- أين سأنام
؟ أنت لم تخبرني إلى الأن
-- لدينا بالأعلى عدة غرف للنوم وهنا
بالاسفل
يوجد غرفتين
واحدة لجدتي والاخرة غير مسكونة
تستطيعين
النوم بها أو بغرفة فيرونكا ولكن الحمام
معطل حاليا"، يمكنك استخدام غرفة جدتي و الحمام الرئيسي الذي
بالاسفل او حمام غرفتي
-- نعم
؟ ماذا قلت ؟ ردت بعصبية ،
لكنه
أبتسم وتابع
-- كنت
أمزح أيلينا أنا سأعود للمدينة هذا
المساء، هل لديك مانع من البقاء هنا وحدك ؟
--
لا،أبدا أنا أود ذلك أجابت بصراحة وصدق
وهي لا تكاد تصدق هذا التحول المفاجئ في
الاحداث، يبدو بأنها شعرت
بالمودة
نحوه ،تابع :
-- إذا
قبلت هذا العمل ، فسأرتب أمر إحضار جدتي بسرعة ، وأن أحتجتي شيئا" ما عليك
الا طلبه .
--هل
ستعود في العطلة الاسبوعية ؟ سألته بتحفظ تأملها بثبات
وأجابها
بهدوء
-- أنت
دوماً بهذا الاحتراس اليس كذلك أنستي ؟
-- لو
كنت كذلك لما كنت في الوضع الذي أنا فيه ،
أجابته
بأستهزاء
-- إذن
فأنت قلقة من أن أمضي ليلة معك في البيت نفسه
هل هذا
صحيح؟ هل أبدو لك بأني متوحش أو رجل لا
مبادئ
لديه!
لم تجب
بل أخفضت رأسها بخجل وبعد لحظة تابع حديثه
-- قررت
اصطحاب جدتي بعد توعكها للإعتناء بها ، ولكن أن أنت وافقت على البقاء هنا، سأكون مطمئنا اكثر وأن أحتجت لشيء أو واجهتك مشكلة فيمكنك الاتصال بي أو بسكرتيرتي
--وماذا
سأحتاج مثلا ؟ واي مشكله ستواجهني ؟
-- لا
أدري أجابها أي شيء، اريدك أن تعلمي بأن وجودي هنا بنهاية الاسبوع نادر.
-- إلى
متى سيستمر هذا؟سألته وهي متلهفة لاقتناص هذه
الفرصة
ولكن الخوف مازال يتملكها
-- لا
أعلم ولكن حسب ما أخبرني به الطبيب تحتاج على الاقل لستة أشهر و لكنني أعدك أن
أخترت المغادرة لن أجبرك على البقاء أو التمسك بك.
اخذت ايلينا
نفساً عميقاً ثم قالت قبل أن تغير رأيها
--قبلت
هذا العرض سيدي ، تذكرت ملابسها وأمتعتها التي تركتها هناك ، فهتفت ملابسي،
لايمكن أن أطوف في البيت مرتدية قميص وسروال شقيقتك طيلة مدة بقائي هنا اليس
كذلك
سيدي ؟
ابتسم
بهدوء ثم نظر إلى ساعته بجدية قال
--
أعتقد صباحا سيكون الوقت ملائما لأحضار ملابسك.
نظرت
إليه بصمت واجابته
-- حسنا
،سأتصل بالسيد هنري ليحضرها أو قد تستطيع أن
تحضرها أنت.
سار اليكس
نحو باب المطبخ ، وقد بدا مصمماً على الا يتركها تعاني بعد الأن من عدم وجود رجل
يحميها ولا يعي سبب أهتمامه بها بهذه الطريقة.
-- حسنا
أتصلي بهنري الأن ، فأنا لا اريد رؤية فيليب بعدما تسبب
بموت قريبتي
نظرت
ايلينا وهي مصدومة مما قاله ، قريبته !! هذا يعني أنه يعرفه ولكن ؟
-- كان
عليك أن تخبرني بمعرفتك به ، تركتني أخبرك بكل شيء , فقاطعها بعصبية دون أن يؤثر
فيه غضبها
-- ألم تكن تلك الحقيقة ؟
--هل
ظننت أنني خرجت للتنزه في ذلك الجو العاصف
وفي هذا الوقت ؟ وهل كنت أجري لأني أحببت ذلك؟ فسألها بهدوء:
--ما
الذي يغضبك إذن يا أيلينا ؟تلعثمت قبل أن تتمالك نفسها.
-- لأني
ماكنت لاخبرك بشي لو علمت أنك تعرفه، أو يقربك
-- هو
لا يقربني ، سأكون واضحاً أنا أيضا ، ذلك
المعتوه كان
خطيبا"
لأبنة عم والدي وكانا على وشك الزواج ولكنه وبفعل الخمر الذي أدمنه أعتدى عليها والغي الخطبة ، مما سبب لها الما” نفسيا وفضيحة بعد أن أخبر الجميع بأنها سلمته نفسها طواعية ،
لم
تحتمل كلام ونظرات الناس ، فأثرت أن تقتل نفسها لتتخلص من العار الذي الحقه بها ، كانت
فتاة جميلة ، تنبض بالحياة ،لم تتجازو الواحدة والعشرين من عمرها ، توقف قليلا
ليأخذ نفسا عميقا وتابع
--لقد
هرب و غادر البلده لعشرة سنوات ولم يعد الا منذ ستة
أشهر، كان يتحاشى رؤية السكان ، صحيح لديه اعمال بالخارج
ولكن والديه توفيا منذ زمن بعيد ، بالاضافة إلى أن ثروته مثار شك من الجميع، لم
يكن يمتلك سوى ذلك المنزل القابع هناك والذي ورثه عن والدته .
تلاشى
غضب ايلينا بنفس السرعة التي تصاعد بها فتمتمت
--لم
اعلم ذلك قط جعلني اعتقد أن لدية زوجة وقد سافرت في
رحلة
عمل ، وأن والدته مريضه وقد وضعها بمصحة ما للاهتمام بها
بسبب
كثرة أسفاره، صمتت قليلا وتابعت
-- ماذا
تقصد بأن ثروته مثار شك؟ الم يكن محاميا" معروفا"
--ماذا؟
محامي ؟ هل أخبرك بذلك بنفسه ؟
سألها
وهو يبتسم بأستهزاء وأردف
--دعيني
أسألك ؟ هل رأيت في المنزل ما يثبت وجودها
زوجة
صور
مثلا أو ما شابه ذلك ، فتمتمت مرة أخرى ،
--بعد
كل ما اخبرتني به الأن لا اعتقد بأنني لاحظت ذلك
فقال
وهو عابس الوجه
-- ما
قام به معك لا يقبل الصفح ، وأنا بدوري لن
أسكت ولكن ليس الأن ، تنفست ايلينا وهي ترتجف ، فقالت بتحفظ
-- شكرا
لك سيد اليكس
-- بكل سرور اجابها بنبرة غريبة لكنه فعلا مسرورا يكفي اليكس ، فقط اليكس ، يا ايلينا الحلوة.
صعدا
السلم المؤدي للطابق العلوي بعد أن أفسح لها الطريق لتصعد قبله ليريها الغرفة التي
قد تنام بها ، وبينما هي تسير دون إنتباه لأحدى درجات السلم المكسورة فقدت توازنها وكانت على وشك السقوط للخلف
لولا وجوده وراءها لم يكن ليستطيع اسنادها فأحتضنها بقوة كي تثبت بمكانها.
شعور
غريب ينتابه للمرة الاولى ، شعر بأن قلبه
يخفق
بهدوء
وسكينة عندما عانقها ، هذا العناق الثاني بيوم واحد، لمَ لا يستطيع السيطرة على هذا الاحساس الغريب
الذي يجعلها تنتمي اليه ، وكأنها منه وله ، أحساس وشعور لا يريد أن يفقده معها منذ
اللحظة الاولى التي وقعت عينيه عليها وهي تقف أمام السيارة ترتعش ، مبتلة ، خائفة
، أنبأه قلبه بأنها هي فتاته التي بحث
عنها بخياله وأحلامه ، هي هبة من الله ، هي ملكه ولن يدعها
تغادر إلى
أي مكان بعد الأن ، مكانها هنا ، قد يبدو جنونا ما يفكر به لكنها ملكه منذ اغمى
عليها بين ذراعيه .
*****
أراها
الغرفة الأخرى التي وضعت فيها فيرونكا اغطية
ومناشف
وقفت متردده بينما هو حمل حقيبتة الصغيرة التي يحملها دوما بدا واضحاً أنها لليلة
واحدة، قائلاً:"
-- علي أن
أذهب سأرتب غدا لأصلاح قفل
الغرفة
اعتقدت ايلينا أن لديه موعداً هاماً الليلة، وتمنت له التوفيق، نزلت معه إلى الطابق الأسفل، تنتظر اللحظة التي يخرج فيها، لتبديل ما ارتدته سابقا" ، عندما رافقها إلى المطبخ، قالت له
اعتقدت ايلينا أن لديه موعداً هاماً الليلة، وتمنت له التوفيق، نزلت معه إلى الطابق الأسفل، تنتظر اللحظة التي يخرج فيها، لتبديل ما ارتدته سابقا" ، عندما رافقها إلى المطبخ، قالت له
-- سيدي
لقد كنت في غاية الشهامة معي، لا أدري ما
كنت
سأفعل لو أنك لم تنتشلني ، فقال وهو يمد يده لجيبه
-- وأنت
ساعدتني أيضاً هل نسيت؟ اخرج محفظته وناولها رزمة من النقود حاولت الرفض ، فقال
لطمأنتها
-- هذا
لأحتياجات المنزل أما راتبك سنتحدث عنه
لاحقا ابتسم
للمرة
الثاية التي تراه ايلينا فيها يبتسم وقال :
--هيا أعدي لنفسك وجبة مشبعة مما تجدينه بالمطبخ ، تحولت نظراته إلى قوامها الذي بدا رشيقاً حتى في
ملابس شقيقته لم يدرك كم جميل ذوق فيرونكا
أم أن ايلينا هي من تجعلها في غاية
الجمال ثم توقف عن الابتسام وقال:
-- هل
تعلمي بأن لديك وجه رائع الجمال، وشعر أجمل يا ايلينا ؟
وكذلك
قوام بديع للغاية،جمدت مكانها محاولة كبح شعورها بالذعر،
وشعرت بأنها
تكاد يغمى عليها من الخوف ، واكمل حديثه قائلا :
--ولكن
صدقيني لن يحاول كل رجل تتعرفين إليه مضايقتك او التحرش بك او حتى اغتصابك .
ها هو
يكشف ما يرعبها، فابتلعت لعابها بصعوبة ، هذا الرجل
رغم
إيجازه في الحديث وحدة طباعه يظهر لها كل رقة وشهامة،أبتسم وهو يودعها ، فشعرت بالارتياح حتى أنها ابتسمت
له ،
وادركت أنه لا بد وأن يكون هناك رجال محترمين
فقالت
-- اذهب
اذن ، ثم تذكرت أنه اصبح رئيسها في العمل فأضافت ، سيدي.
اعطاها
بطاقته وهو يهم بالمغاردة وقال ،
--اتصلي
بي عند الحاجة ، ستكوني بخير لوحدك؟لن تخافين اليس كذلك؟
كانت
لهجته جادة، فأجابت
--
سأكون بخير، في الواقع ، بدأت أشعر بأنني أحسن مما كنت عليه منذ فترة طويلة.
حدق
الكسندر بها متأملاً ، ثم أومأ برأسه وهو يتناول حقيبته الصغيرة ومفاتيح سيارته وقال
--قد
أحضر يوم الجمعه،. ثم غادر،.
****
تلك الليلة راودتها أحلام مزعجة جعلتها تستيقظ مرات عدة ، أستيقظت مفزوعة ولم تستطيع العودة للنوم ، أخذت تنظر للسقف والمرايا والجداأن أدركت أن المنزل كان له مجدا
تلك الليلة راودتها أحلام مزعجة جعلتها تستيقظ مرات عدة ، أستيقظت مفزوعة ولم تستطيع العودة للنوم ، أخذت تنظر للسقف والمرايا والجداأن أدركت أن المنزل كان له مجدا
بالسابق
رغم قدمه.
شعرت
بلسعات من الهواء البارد قد دخلت من النافذة التي كان جزء منها قدر ترك
مفتوحا" ، كانت تلك اللسعات منعشة جعلتها تترك فراشها لتقف خلف النافذة وقد
أخذها الحنين للماضي القريب.
تذكرت
المنزل الذي نشأت به ،اغمضت عيناها ، رغم أنها
لا تحب
الاستسلام
للذكريات ، لكنها لم تستطع منع نفسها من التفكير في أيام طفولتها السعيدة ،
ووالديها المحبين و خططهم لمستقبلها.
ولكن
وللأسف كل ذلك بلحظة تحول إلى سراب ، رغم أنها كانت هي وأمها تمضيان معظم الوقت دون
والدها الذي كان يعمل محاميا" مشهورا" في المدينة، وغالباً ما يعود متأخر" أو يمضيه أياما
بعيدا عنهن.
أغمضت
عينيها وهي تتذكر ذلك اليوم المشؤوم حينما جاءهما
أتصالا"
من المشفى يخبرهما بتعرض زوجها المحامي هاري روبرت وصديقا" له لحادث
جراء العاصفة التي ضربت المدينة تلك
الليلة حيث وقعت سيارته بالنهر اثناء عودته من لندن ، وقد حاولت فرق الأنقاذ البحث
عنه لساعات إلى أن وجد على الضفة الاخرى للنهر ، كان قد فارق الحياة مستسلما لقدره
، اسلم روحه دون عناء تاركا زوجة وطفلة
حطمتهن وفاته المفاجئة .
عجزت أمها السيدة الرقيقة شارلوت التي لم يسبق لها أن تحملت أية مسؤلية عن مواجهة ما حدث، ولكن بفضل قوة ايلينا لمواجهة
عجزت أمها السيدة الرقيقة شارلوت التي لم يسبق لها أن تحملت أية مسؤلية عن مواجهة ما حدث، ولكن بفضل قوة ايلينا لمواجهة
الواقع
رغم صغر سنها استطاعت مساعدة والدتها من
أجتياز محنتها .
مرت
أيام كانت ايلينا تمتنع فيها عن الذهاب إلى المدرسة كي لا تترك أمها بمفردها خصوصا
بعد عودتها من المصحة التي أمضت سنتين بها
، كانت تقضيها ايلينا لوحدها ، فأنخفض
مستواها التعليمي بعد أن كانت في القمة.
وبعد
مرور سنتين من تعافيها تعرفت امها إلى ادوارد هوبكنز وكان
نقضياً
لأبيها الهادئ المتزن ، الرجل المتواضع
الذي يقدس الحياة الزوجية ويحب عائلته جدا" ، بينما ذلك المدعو اداورد كأن
متباهياً
كسولا كان والدها يعتبر العمل هو كل حياته .
في
البداية كم حاولت جهدها أن تكون منصفة
، لأنها تدرك أن حبها البالغ لأبيها جعلها
غير قادرة على مقارنة أي رجل أخر به،
عندما أخبرتها أمها بعد أسابيع من لقائهما أنهما سيتزوجان، عانقتها ايلينا وأنفجرت باكية بحضنها معبره عن
رفضها لاستبدال والدها برجل اخر.
كانت في
السابعة عشرة من عمرها وبدل أن تفكر والدتها بتوفير
الوقت
والجهد لإسعاد أبنتها ها هي تسعي للإرتماء بأحضان رجل يبدو عابثا كل ما يهمه ما
تبقى من الميراث فقد كان عاطلا عن العمل .
وعندما
حاولت أن تخبر والدتها أنها رأته مرارا" مع نساء أخريات
أقتحم
غرفتها وهو ثمل ليعتدي عليها ، فأصبحت تخافه لكنها تمالكت نفسها وتحلت بقليل من الشجاعة لتهدد والدتها إن
هي تزورجت به ستغادر المنزل ولن تعود اليه.
****
****
بعد
مرور ستة أشهرعلى رفضها لارتباطه بوالدتها
بدأت تلاحظ تصرفات والدتها ليست كما يجب وأن المال بدأ ينفذ وأصبح لا يكفي
، رغم أن أباها تركهما في حالة مالية
جيدة، بل كانت تعلم بأن هناك شركاء لوالدها في مكتب المحاماة ولكنها لا تعلم أين
ومن هم، وعندما طلبت منها والدتها البحث عن العمل بسبب
نفاذ المال ، قررت ترك المدرسه وبعد صراع
كبير علمت بأن أمها خسرت ميراثها بعد أن
سرقه منها وهرب .
******
عادت
ايلينا من عملها فوجدت أمها تبكي وعلمت بأن
والدتها
سلمت كل ما تملك لذلك الرجل لتدخل في مشروع مثير قد يضاعف ربحها
،لتصبح من الأثرياء، ولكونها لا تملك الخبرة بالتعامل مع المال والاعمال أقنعها
بوضع المنزل الذي ورثته عن زوجها كضمأنة فأنتهت المغامرة بالفشل الذريع ، وعندما ضاع المال غادر وتركها تعض اصابعها ندم ، حتى أن المنزل لم يعد ملكاً لأمها التي طلبت
منها وهي تبكي أن تستعد لمغادرتها بهذه
البساطة.
***
من الغريب أن والدتها في ظل هذا الوضع كانت تتمتع بالقوة رغم وصول الأمور إلى الحضيض عكس ما كانت عليه عندما توفي زوجها ، اعتقدت ايلينا بأن السبب يعود إلى العذاب الداخلي الذي كأنت تعأنية قبل أن تبوح لها بما حدث.
من الغريب أن والدتها في ظل هذا الوضع كانت تتمتع بالقوة رغم وصول الأمور إلى الحضيض عكس ما كانت عليه عندما توفي زوجها ، اعتقدت ايلينا بأن السبب يعود إلى العذاب الداخلي الذي كأنت تعأنية قبل أن تبوح لها بما حدث.
في
الصباح التالي أخبرتها أمها أنها تنوي الاتصال بشركة محاماة لاستشارتهم بما قد يقومان به من اجل استرداد
المنزل ، أسرعت ايلينا تلك الليلة إلى البيت لتكتشف أن جوي ارنست وهو
رئيس شركة محاماة كبيرة قد وافق على الاهتمام بالقضية، رغم تساؤلها كيف تعرفت والدتها
عليه ولما وافق على مساعدتها.
بعد
دراسة التفاصل والأوراق اعتبر أنه بإمكأنها
أن ترفع دعوى عليه.
أنتقلت
ايلينا مع والدتها إلى شقة صغيرة أستهلكت معظم ما تحصل عليه جراء عملها البسيط
لكنها لم تتذمر ، لقد كانت
سعيدة بالعيش في مكان بعيد عن ادوارد .
أشتد ضيقهما
المالي للغاية، حاولت والدتها أن تعمل كي تعيل
نفسها ،
ولكنها لم تعتاد ذلك ولم تستطع ايلينا احتمال
ذلك ،
لابد أن والدها كان ليصدم للطريقة التي تتعامل بها الحياة مع حبيبته
، بعد تفكير طويل منها قالت لوالدتها
--أنت
لست مضطرة للعمل، يمكننا أن نتدبر أمرنا،
أعني أنا يمكنني ذلك فنظرت إليها والدتها
نظرة حزن ،
--ولكن
علي أن أساهم بشيء هذا ليس أنصافا عزيزتي قالت ودموعها
قد
سبقتها
-- امي أنت
ربة منزل مدهشة، هذه مساهمتك بالمنزل ، اقتنعت
أمها بعد أن استعملت ايلينا كل طرق
الاقناع التي تعرفها،.
عاشتا فترة
لا بأس بها على راتبها ، وبدا لهن أن الامور في تحسن واجتهدت أيلينا بعملها
كثيرا ,استطاعت أن تحصل على ترقية مما
يعني زيادة راتبها .
أنتقلت إلى
قسم لأخر وأهم فتعرفت على مجموعة من
الاصدقاء الذين ارتاحت لهم كانوا فتاتين
وشاب ، ماري أن كانت في مثل عمرها
تقريباً، وليزا هاملتون تكبرها ببضعة سنوات ثم وليم مورغان الذي يكبرهما بثلاث سنوات ،أصبحا
أصداقاء مقربين لها.
حضر
المحامي جوي لتناول العشاء تلك الليلة بشقتهما الصغيرة فلاحظت أن
السيد جوي كأن يولي والدتها بعض الاهتمام بل أن العلاقة بينهما أكثر مما تعتقد ، كان
يذكرها بوالدها .
بسبب ما
واجهته كلاهما من ذلك الرجل صديق والدتها
السابق كانت
ايلينا قد تجنبت الرجال قدر استطاعتها
، فلم
تستطع أن
تتصور نفسها متورطة في علاقة مع أي رجل ، ولهذا دهشت عندما أدركت أنها وبعد عدة
أشهر من الصداقة مع زملاءها بالمكتب أصبحت علاقتها بهم قوية خصوصا ذلك الشاب المهذب
وليم الذي أصبح يدعوها للخروج في نهاية كل أسبوع .
شعرت
بالغثيان وهي تجلس على الفراش وتنظر حولها تذكرت تلك المشاعر التي جمعتها
بوليم والتي اوشكت أن توصلهما إلى
الالتزام الرسمي ، تذكرت تلك الليلة عندما اتصل
وليم بها يدعوها إلى السينما، توسل
إليها أن ترافقه قائلا
-- أريد أن نكون معا ايلينا .
أنها
خطوة كبيرة ، ارتعبت كثيرا"و رفضت ،لكنه
لم يتقبل رفضها ، لاحقاً حاول الضغط عليها كثيرا طيلة أشهر لاحقة لتكون معه، وعندما فشلت كل محاولاته لاقناعها اخبرها ذات
يوم بعد خرجت الفتاتين من المكتب أنه يحبها
ترددت كثيراً وأرتبكت لكنها وافقت وهي ترتجف قليلا قائلة
-- ن،،.نعم
،.أنا موافقة
سارت
الامور بوتيرة سريعة فلم يضيع وقتا وليم
، رتب لقاءا شاعريا في العطلة القادمة
وقرر اصطحابها من بيتها صباح السبت ليمضيا عطلة نهاية الاسبوع سويا وبعيدا عن
المدينة ، لم تكن تعلم ما يخطط له .
عادت
ايلينا مساء الجمعة بعد أنتهاءها من العمل إلى بيتها وقررت أن تخبر والدتها التي لم تكن موجودة ، لكنها قد تركت لها ورقة تخبرها
بها أن جوي اتصل ويريد أن يحدثها بأمر خاص، ولن تتأخر في العودة ،
تمنت
ايلينا فعلا الا تتاخر والدتها ، كانت تشعر بالتوتر
الشديد، فقد ادركت أن ذلك الشعور لن يتبدد إلا بالحديث مع
والدتها، وعندما مرت الساعات ولم تحضر فكرت بأنه من المحتمل أن يكون جوي قد
اصطحبها إلى العشاء، فكانت محقه بتوقعها بالفعل،
عادت
والدتها بصحبته الساعة العاشرة مساءا وقالت لها
--تعالي
حبيبتي لدينا امرا نود اخبارك به ، اكمل جوي
--قررنا
أنا وأمك أن نتزوج ، الديك مانع عزيزتي ؟
صمتت
لبرهة لم تستوعب ما قاله ، رأت خيال والدها ، أغمضتت عينيها وهي تقول لنفسها ما
بال والدتها تتنقل من رجل لاخر كما الفراشة
التي تتنقل من زهرة لأخرى ، ولكن وللحق هي منذ
سنوات
لم تراها بهذه السعادة فإبتسمت بألم وردت :
--أتعلمي
أمي أنا موافقة أتمنى السعادة لك ، كان وقع أجابتها كبير
جدا على كليهما فأمضيا وقتا" لا بأس به سويا وقد عانقتهما وباركت لهما ونسيت
تماما" كل ما يخص صديقها الذي كان يشتاط غضبا من تصرفها الارعن على حد قوله .
لكنها عندما
سألتهما لما قرارا الزواج بهذه السرعة ، تفاجأت بأنهما يعرفان بعضهما منذ سنوات فلما
الأنتظار ؟
وسيتزوجات
الشهر القادم ، وأنه يجب عليها أن ترتب
أمورها وأن تترك عملها بالمكتب لتنتقل للعيش معهما
--امك ستنتقل إلى بيتي يا ايلينا، لذا عليك أن تنتقلي أنت أيضاً معنا قال جوي وهو يكاد يطير فرحا بموافقتها
السريعة التي لم
يكن
ليتوقعها .
--اترك العمل
و الشقة ؟ لا لا شكرا لك لا يمكن ، أجابته
بذلك وهي تعلم أن مكانها ليس في بيت أمها الجديد .
ابتسم
جوي وقال بجدية :
-- أمك
لن ترتاح ايلينا وأينما تكون يجب أن تكوني
نظر بتعجب لتلك المرأة التي لم تضغط على أبنتها أو تحاول ثنيها عن قرارها فتابع حديثه قائلا:
-- كما
تريدين ايلينا ،ولكن أعلمي أن بيتي سيبقى مفتوحا لك عزيزتي .
أنتقل
للحديث عن ابنه الوحيد الذي تزوج منذ بضعة سنوات لكنه لم يرزق بالاولاد ألا أنه
اتصل به مؤخرا يعلمه بحمل زوجته لتوأم بعد نجاح عملية التلقيح التي أجرتها في المانيا
وأنهما بطريق العودة للبلاد على متن طائرة خاصة ليشاركا العروسين عشاءا"
مميزا" سيقيمه على شرف عروسته الجديدة
تلك
اللحظة تذكرت ويليم يالهي كيف ستعتذر الأن
وقد
تأخر الوقت بالفعل
-- ستشاركينا
العشاء اليس كذلك ؟ سألها جوي
-- طبعا
سأحضر ، لا بد بأن وليم
سيتفهم فهو يحبها ، وهذه مناسبة عائلية كانت واثقة من ذلك.
أجابت
ثم قررت الاتصال به لكنه ثار غاضبا صرخ بها قائلا:
-- هل
جننتي تلغي تحضيراتنا بسبب زواج أمك ، لقد قمت بحجز غرفة لنا في الفندق الذي من المفترض أن نمضي أجازتنا به ،
بغضب غير مبرر أجابها وأنهى المكالمة دون رد منها.
بعد أن
اغلق الهاتف تنبهت لما قاله ، قال قام بالحجز
لكليهما
بفندق .
نفضت كل
تلك الافكار السيئة من عقلها ، اذا لم يكن باستطاعته أن يتفهم فلما ستحاول الشرح
له.
أمضت
عشاءا رائعا استمتع الجميع فيه وتعرفت على ابنه وزوجته وباركت لهما حملها وامضيا
وقتا جميلا معا" .
***
صباح
الاثنين شعرت ايلينا بتأنيب ضميرها وعدم الارتياح لتخليها عن وليم ، بمجرد وصولها
لمكان عملها ذهبت تبحث عن وليم لتعتذر له وتحاول أن تجعله يتفهم أهمية وجودها هناك
مع امها .
دخلت
لمكتبه وهي تبحث عنه وتنادي
--وليم ،.
وليم ،.
--ايلينا
،. قال ذلك ونهض عن كرسيه بعد أن أبعد ديانا التي كأنت
تحتضنه من الخلف وقد بدا عليه الارتباك والاضطراب
-- صباح
الخير وليم ،. التفت الثلاثة إلى ماري أن التي وقفت وقالت بشيء من السخرية
-- ديانا
أنت هنا ؟ لماذا أنت هنا عزيزتي؟
كانت
تلك الفتاة تقف وهي تبدو بمنتهى الحيوية والسعادة بادية على وجهها
--
اريدك أن تعلم أنني كنت سعيدة بأقتحامك شقتي ليلة
الامس حملقت
ايلينا فيهما، ثم أبتسمت وبسخرية سألتهما:
وماذا
بعد الاقتحام ؟
نظرت
ماري أن له وكأنها تلومه وسالت ديانا بضيق
هل أمضيتما الليلة الماضية معا" وليم؟
هل أمضيتما الليلة الماضية معا" وليم؟
شعرت
ايلينا بالاضطراب وبدت لم تفهم ما يجري حولها ولكنها شعرت بشيء ما غير طبيعي من
نظرات وليم وماري أن لبعضهما.
أنبأتها
غريزتها إلى أمر ما جعلها ترتجف ، كأنت تعلم أنها شيئا"ما حدث وسألته بهدوء
--هل
سبق وخرجتما معا" من قبل فأجابت ماري أن لتتدارك الموقف
--هيا
ايلينا مالنا و الليلة الماضية ، تعالي لتقصي علي ما
حدث معك
أنت.
قبل أن
تغادر المكتب اقتربت دايانا وقد أحاطت عنق وليم بيديها ومنحته قبلة حميمة و بدلال
أجابتها
--أمضينا
الليلة سويا ، منذ زمن لم أكن سعيدة كالليلة الماضية اليس كذلك عزيزي؟
تجمدت
مكانها ايلينا ولكنها حاولت أن تكون طبيعية فقالت
--اذا"
كان الامر مختلفا؟ ـ هل استمتعما سويا ؟ تألقت عينا ديانا
وردت:
-- كأن الامر رائعاً، أليس كذلك يا وليم ؟ لكن
الاخر لم يجيبها بقي ينظر باتجاه اخر، بتردد وبصوت خافت :
-- نعم
لهذا خرجنا معا .
نظرت
لوليم الذي لم يحاول الأنكار بل اضاف
--من
الافضل أن نباشر اعمالنا الأن .
تركتهما
و عادت لمكتبها تجر قدميها ، أدركت حينذاك ، أنه لم يكن حباً أو أعجاباً لم يكن
سوى رغبة منه ، ؤغم ألما ألا أنها شعرت براحة تامة لتخلفها عن ذلك الموعد المشؤوم
، وأنها أصبحت في مفترق طرق في حياتها ، لم تعد تريد التواجد بنفس المكان معه ولا
حتى أن تعمل معهما.
****