07/07/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Sunday, July 7, 2019

جوري/ منى سلبمان

July 07, 2019 0
جوري/ منى سلبمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني - بقلمي منى سليمان 

* جنون *   

على مائدة الطعام جلس أدم على المقعد المقابل لجوري على غير عادته، فهو دائم الجلوس إلى جوارها بل واعتاد إطعامها بيديه ليزيد من دلاله لها فهي طفلته وحبيبته وكل شيء بالنسبة إليه... شاكسها بنظراته وغمزاته وأحيانا قبلاته التي أرسلها إليها عبر الهواء كلما سنحت له الفرصة، فكانت تخجل تارة وتأسر ضحكتها تارة أخرى وبالنهاية فقدت السيطرة على ضحكتها التي انفلتت منها لا إرادياً فشاركها الضحك بجنون ما جعل فاطمة تقول بخبث

- ربنا يبسطكم كمان وكمان، هقوم أشوف أحلام أتأخرت ليه
- ياريتها جت معاكي، بخاف تسافر لوحدها
- ما تقلقيش يا قلبي هي كان لازم تخلص الورق كله بدل ما تبات ليلة كمان في القاهرة، هقوم أطمن عليها وأجي

صعدت فاطمة إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقتها عبر هاتفها النقال فاستغل أدم الفرصة وترك مقعده ثم جلس إلى جوار جوري ليطعمها كعادة كل يوم إلا أنها عقدت بين حاجبيها واصطنعت الغضب فسألها 

- قمري زعلان ليه؟ 
- أنت عارف أني بتكسف ومع ذلك عمال تعاكسني وطمطم قاعده
- طيب بزمتك القمر يبقى قاعد قدامي وما عاكسش

خفق قلبها بسعادة وأطالت النظر إليه لدرجة جعلتها تغرق في بحور عينيه الزرقاء كما غرق هو في مقلتيها الملونة بلون السماء وظلا هكذا حتى ابتسم أدم لرؤيته حمرة وجنتيها فتابع

- حاسس أني عايز أخبيكي جوايا
- أول مرة تقولي كلام حلو، دايماً بتزعقلي وتشخط وتنطر 

بدأت كلماتها بصوت دافئ وانتهت بغيظ فأسر ابتسامته بصعوبة وقال بصوت كساه العشق

- مقدرتش أسافر من غير ما اعترف بعشقي ليكي، من سبع سنين مفيش ليلة عيوني ما قابلتش عيونك 

أغمضت عينيها لتستمتع بعذوبة كلماته ولكن سرعان ما فاقت من سحر اللحظة عندما أردف

- وبالنسبة للشخط والنطر فأنا ممكن أقطع رقبتك لو شوفتك بتكلمي ولد ولا حتى عينك بالغلط بصت ليه، مفهوم؟ 

مطت شفتيها بضجر ثم وقفت عن مقعدها لتغادر فقبض على معصمها مانعاً إياها من المغادرة لكنها سحبت يدها وركضت مُسرعة قبل أن يمسك بها فراقبها وهي تصعد الدرج ثم ابتسم على غضبها الممزوج بالخجل

***

في العاشرة مساءاً وصلت أحلام إلى المنزل فركضت جوري باتجاهها وعانقتها... تضاربت المشاعر داخل أحلام بين السعادة لرؤية ابنتها والحزن لما حدث معها طوال اليوم فشددت في تقريبها لدرجة جعلت جوري تتأوه بخفوت

- آسفة يا عمري

قالتها أحلام ثم أبعدت جوري عنها وهي تأسر دموعها بصعوبة فتساءلت بقلق

- مالك يا ماما؟ 
- مفيش يا عمر ماما 

تسرب الشك أكثر إلى قلب جوري وشرعت أن تكرر سؤالها لكن سبقتها فاطمة عندما تدخلت في الحوار 

- ماما زي الفل يا جوري هي بس راجعه هلكانه من السفر، يلا أخرجي شوية في الجنينة مع أدم وهي هتطلع ترتاح

حركت رأسها بالموافقة ومضت برفقة أدم إلى الخارج بعد أن طبعت قبلة على يد والدتها... انتظرت فاطمة حتى تأكدت من مغادرة جوري ورمقت أحلام بنظرة تساؤل فهمتها الأخيرة جيداً وحركت رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد شكوك فاطمة التي وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق من بين شفتيها، وبمجرد أن استوعبت الصدمة جذبت أحلام إلى صدرها وهي تردد

- خلي أملك في ربنا كبير
- فوضت أمري ليه
- يلا أطلعي ارتاحي 

مسحت أحلام الدموع الساقطة على وجنتيها وصعدت الدرج إلى غرفتها، بينما جلست فاطمة على الأريكة وهي تكاد لا تصدق ما حدث 

***
بالخارج...
جلست جوري على أحد المقاعد وجلس أدم إلى جوارها وبدأ يثرثر معها كعادته لكنها كانت شاردة بشدة فتوقف عن الحديث وانتظر أن تنظر إليه أو تشعر بوجوده وذلك لم يحدث فوضع يده أسفل ذقنها وأدار وجهها إليه فأزالت يده وتساءلت بخجل 

- في حاجة؟ 
- سرحانه في إيه؟ 
- حاسه في حاجة ماما مخبياها عني، كمان من شهر حاسه أنها متغيرة، مش هي دي ماما، قلبي بيقولي في حاجة يا أدم

انطلق أسمه من بين شفتيها بنبرة صوت دافئة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره فاعترضت في البداية لكنه تمسك بها حتى سكنت وشعرت بالأمان فقال بصوت هادئ

- طول ما أنا في قلبك ما ينفعش حاحة غيري تشغله، مفهوم؟ 

طبع قبلة على خصلات شعرها فابتعدت عنه وحمرة الخجل تصبع وجنتيها ولم تستطع أن تجيبه فكرر سؤاله بصوت أكثر دفئاً فحركت رأسها بالموافقة وأجابته

- حاضر، بس أوعدني لو شكوكي دي صح وأنت عارف في إيه هتقولي
- أوعدك أني عمري ما هخبي عليكي حاجة، أوعدك أنك حبي الأول والأخير، أوعدك بيتي الوحيد هو قلبك

ازدادت ابتسامتها اتساعاً وخفق قلبها مع كل كلمة من كلماته حتى أنها نست قلقها وتذكرته فقط فقاطع الصمت قائلاً 

- أنا بقول نقوم ننام بدل ما أعمل حاجة تزعلك مني

انتقل بنظراته إلى شفتيها فتعالت شهقاتها وركضت بكل ما أوتيت من سرعة فانفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته

***

رحل الظلام وأسدلت الشمس أشعتها الذهبية التي تنير الكون... في الثامنة والنصف استيقظ أدم واستعد للسفر إلى القاهرة، وما أن حزم أمتعته، ترك غرفته وطرق باب طفلته بخفة فأتاه صوتها العذب سامحاً له بالدخول... دلف إلى الغرفة بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبه المتسارعة وتفاجأ بروية دموعها التي كانت تنساب بغزارة على وجنتيها، وقبل أن يتفوه ولو بكلمة اقتربت منه بشدة وألقت بجسدها في صدره فازداد بكائها وتعالت شهقاتها، تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لوجود كل هذا العشق بقلبها، والحزن لرؤية دموعها فتغلب حزنه وأبعدها عنه قليلاً ثم أزال دموعها وتحدث بهدوء لم يعتاده من قبل

- خلاص يا عمري ما تعيطيش 
- هتوحشني أوي 
- هجيلك كل أسبوع وهقضي معاكي كل الأجازات 
- بجد يا أدم ؟

قالتها ببراءة وصوت دافئ غلبه البكاء، فابتسم لها وأزال الدمعة الساقطة عن وجنتها ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وأجابها قائلاً

- بجد يا قلب أدم، يا عمر أدم، يا حبيبة قلب أدم، خلي بالك من نفسك وذاكري كويس علشان تجيبي مجموع كبير زي ما وعدتيني وتدخلي صيدلة 
- حاضر، خد بالك من نفسك ولا إله إلا الله
- سيدنا محمد رسول الله

رفعها كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة فخجلت كعادتها وسحبت يدها ثم قالت بتلعثم

- ها ها هروح أججج أجهزلك الفطار

ركضت مبتعدة فتابعها بعينيه حتى اختفت تمام ثم ضيق بين حاجبيه وتمتم في نفسها

- على قد ما بحب خجلك، على قد ما نفسي تنسيه وأنتي معايا 

****

بالقاهرة...
استيقظت فاتن على صوت الخادمة فزفرت بضيق ثم اعتدلت في جلستها استعداداً لتوبيخ الخادمة كعادة كل يوم لكن الأخيرة سبقتها وقالت 

- أستاذ فريد منتظر حضرتك تحت وبيقول عايزك ضروري 

زفرت فاتن من جديد وأشارت بيدها لتغادر الخادمة ثم تركت فراشها بصعوبة ودلفت إلى الحمام لتنعش جسدها تحت المياه... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة تركت غرفتها وهبطت الدرج ثم اقتربت من والدتها وعانقتها 

- Bonjour MaMa
- Bonjour Darling 

جلست فاتن على المقعد المجاور لوالدتها على مائدة الطعام واندهشت لعدم وجود والدها فارتشفت القليل من فنجان القهوة الموضوع أمامها ثم نظر إلى والدتها وتساءلت

- أمال فين دادي؟ 
- جاله مكالمة مهمة و

توقفت سهيلة عن إكمال كلماتها عندما رأت فريد يقترب فتركت فاتن مقعدها وتقدمت من والدها ثم عانقته وبادرت بتحية الصباح إلا أنه كان عابساً بشدة فأزال يديها اللتان تحيطان عنقه ورمقها بنظرة نارية فابتلعت ريقها بصعوبة وتابعت 

- في حاجة يا دادي؟ 
- في أنك بقالك سنتين بتسقطي في الجامعة والمفروض خلال أيام هيبدأ الترم وأنتي برضو كل يوم سهر مع أصحابك ورجوع متأخر وطبعاً بتصحي بعد العصر

نظرت فاتن على والدتها بعد أن لوت ثغرها بضجر فهمت أن تدافع عن ابنتها التي أفسدها الدلال، لكن سبقها فريد وأردف

- بوصيلي أنا يا فاتن لأن أنا اللي بكلمك مش ماما، من النهارده مفيش سهر ولا تأخير بره البيت المفروض دلوقتي تكوني في سنة تالتة وانتي لسه في سنة أولى فياريت ما اضطرش أعيد كلامي تاني ده لو عايزاني أشغلك معايا، مفهوم؟ 
- Ok Dad, I'll try (حسناً سأحاول) 

قالتها بغيظ وكأنها على وشك الانفجار ثم صعدت الدرج لتكمل نومها وكأن شيئاً لم يكن فجلس فريد على مقعده وهو يشتعل غضباً ثم حدق زوجته بنظرة نارية وقال

- كله من دلعك فيها، قولتلك ألف مرة بنتك محتاجة وجودك لكن خلاص شغلك أكل دماغك
- وليه مش تتفرغلها أنت وأنا اشتغل، عموماً أنا كمان نفسي أتسدت وهمشي

حملت حقيبتها وغادرت دون أن تتفوه بالمزيد فكور فريد قبضته ثم ضرب بها المنضدة لينفس عن غضبه، وبمجرد أن تمالك أنفاسه حمل مفتاح سيارته وغادر هو الأخر 

****

في الظهيرة وصل أدم إلى منزل العائلة بالقاهرة ليبقى على مقربة من الجامعة، دلف إلى الشقة التي رتبتها والدته وأصبح لا ينقصها شيء، حتى أنها أعدت له مجموعة من أكلاته المميزة التي قد تكفيه لمدة لا تقل عن عشر أيام... دلف إلى الداخل ووضع حقائبه على أقرب بقعة وقبل أن يغلق بابه أخرج الهاتف من جيب سرواله ليتحدث إلى الجنية التي شعر بالحنين إليها منذ اللحظة الأولى لوداعها، كان الحوار بينهما مفعم بمشاعر العشق والاشتياق، أمطرها بكلمات عشقه وبادلته بكلمات الحنين حتى أنها بكت من شدة شوقها إليه فشاكسها كعادته لتختلط دموعها بابتسامة تمنى رؤيتها... 
بعد مرور ثلاث أيام بدأ أدم دراسته بكلية الهندسة جامعة القاهرة وبعد مرور ما يقارب الأسبوعين التحق بالفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة ليحقق حلمه في امتهان التمثيل إلى جانب الدراسة...
بمرور الأيام تعود أدم على حياته الجديدة وكان يعود إلى طفلته في نهاية كل أسبوع، كما قضي معها جميع العطلات كما وعدها، أما هي فكان الحنين إليه قاتل وكأن روحها لا تعود إلا بوجوده واهتمت كذلك بدروسها كما وعدته لتحصل على مجموع يؤهلها للالتحاق بكلية الصيدلية وتبقى إلى جواره بالقاهرة... أصبح الجميع يعلم بالعشق الذي نمى ومازال ينمو داخل قلبيهما وباركت فاطمة وأحلام ذلك

***

مر العام الدراسي بسلام وتخطى أدم سنته الأولى بتقدير (جيد جداً) كما حققت جوري نجاحاً باهراً وقررت السفر إلى القاهرة برفقة والدتها وخالتها لتقديم أوراق التحاقها بكلية الصيدلة، وقررت لمياء أيضاً السفر لتلتحق بكلية الطب جامعة القاهرة... 
أما فاتن فرسبت للمرة الثالثة على التوالي ما أشعل غضب والدها فأمر رجال الأمن بمنعها من الخروج في حالة عدم وجوده بالقصر، وكالعادة تدخلت والدتها ولغت جميع قراراته لتفعل فاتن ما يحلو لها من جديد

***

بعد مرور شهرين حزمت جوري حقائبها لتسافر إلى القاهرة وكانت سعادتها عارمة لأنها على وشك رؤية حبيبها الذي سبقها وسافر منذ خمس أيام... في الظهيرة توقف السائق أمام منزل العائلة بمنطقة الدقي بالقاهرة فترجلت جوري في عُجالة ثم صعدت الدرج إلى الشقة حيث ينتظرها والشوق يتأكله

- وحشتيني جداً جداً جداً 

قالها أدم بسعادة فابتسمت له ولم تستطع أن تجيبه من شدة خجلها لكنه لم يهتم لخجلها وجذبها إلى صدره فتمسكت به وكأنها وجدت بر الأمان بعد طول انتظار، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ابتعدت عنه والحمرة تسيطر على وجنتيها فأردف قائلاً

- الجميل لسه بيتكسف مني 
- بس بقى يا أدم
- ههههه حاضر يا

قاطعته فاطمة قائلة: كفاية سلامات يا باشمهندس وتعالى دخل الشنط 

اقترب من والدته وطبع قبلة على ظاهر يدها وفعل المثل مع أحلام كما رحب بلمياء ثم حمل الحقائب إلى الداخل وعاد خلال دقائق قليلة ليسلط أنظاره على طفلته فبادلته نظرات العشق لدقائق قطعتها فاطمة من جديد حينما قالت

- أعمل حسابك هتروح بعد بكرة توصل البنات للجامعة وتطمن عليهم لأنهم من النهارده مسئوليتك
- حاضر يا ست الكل

قالها وهو مازال يوجه نظراته صوب جوري فوكزته فاطمة في كتفه وتحدثت بمشاكسة

- لم نفسك بدل ما أرميك في شقة أحلام لوحدك 

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامع جوري، ازداد خجلها بينما ابتسم أدم ونظر إلى والدته ثم غمز لها وقال بمشاكسة

- مين ده تالي يقعد في شقة تانية ده أنا قتيل هنا، مش كده يا لولي؟ 

وجه أدم كلماته الأخيرة إلى أحلام والدة جوري ثم اقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها واستطرد قائلاً

- هتجوزيهالي يا لولي؟
- ههههه هجوزهالك يا عين لولي وأقعد براحتك وسيبك من أمك
- ينصر دينك يا لولي 

قالها بعد أن اقترب من طفلته وأمسك يدها ثم نظر في عينيها بعشق وتابع بصوت دافئ

- يلا يا قمر هعزمك على الغداء بره بالعند في طمطم
- خدوا لمياء معاكم

ابتسمت لمياء واقتربت من فاطمة ثم قالت بمشاكسة : لا أنا هقعد معاك يا جميل 

قالتها ثم نظرت إلى أدم وغمزت بعينها اليسرى، فقبض يده برفق على معصم جوري وانطلق إلى وجهته بينما دلفت لمياء إلى غرفتها ثم اتجهت صوب الشرفة لتسمتع برؤية سحر شوارع القاهرة... وبالخارج جلست فاطمة إلى جوار شقيقتها ثم ربتت على كتفها وتساءلت

- أحلام هتقولي لجوري أمتى؟
- مش عارفه 
- بس بنتك من حقها تعرف 
- عارفه بس مش عايزه أضايقها وخبر زي ده هيخليها تنهار وهي فرحانه بالجامعة

قالتها أحلام ثم تساقطت دموعها بغزارة على وجنتيها، فضمتها شقيقتها إلى صدرها

- ربنا عنده الحل يا أحلام، سلميها لله أحن من الكل 
- ونعمة بالله 

***
في أحد المطاعم الفخمة.... 
دلف أدم ممسكاً يد حبيبته ثم سحب لها مقعداً فابتسمت له وجلست.
 فجلس هو على المقعد المقابل لها وأخذ يتأمل ملامح وجهها البرئ لدرجة أخجلتها

- وحشتيني 

قالها بنبرة صوت هادئة تحمل العشق والاشتياق فبادلته بابتسامة ساحرة وهتفت برقة 

- وأنت كمان وحشتني 

قالتها ثم أطالت النظر في عينيه وتساءلت: هتفضل تحبني على طول؟ 

- طبعاً أنتي حب عمري كله 
- ربنا يخليك ليا 
- ويخليكي ليا يا أجمل وردة حمراء في حياتي 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 07, 2019 0
جوري/ منى سليمان





جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء 

الفصل الأول - بقلمي منى سليمان 

* مشاعر *  

بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ على خير
مواعيد النشر من السبت إلى الأربعاء الساعة ٥ عصراً 

يقولون القدر يُرسل لنا في العمر حبيب ليكون العشق الأول والأخير، والحب الحقيقي فقط هو الذي يتخطى كل الصعاب..... فهل يتخطى عشقهم الصعاب، أم للقدر رأي آخر؟؟؟.....

                                        ****

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة انطلق صوت آلة التنبيه فاستيقظت فاطمة وغادرت فراشها لتذهب إلى غرفة ابنها الوحيد لكنها توقفت لتشاهد تساقط زخات المطر... اقتربت من شباك غرفتها وتذكرت زوجها الراحل فقد كان عاشقاً للمطر بقدر عشقه لها فارتسمت ابتسامتة على ثغرها ثم تنهدت باشتياق وغادرت وفي أقل من دقيقة تقدمت من صغيرها فاستيقظ على صوتها ومع ذلك لم يستطع فتح عينيه كعادته فقالت بصوت دافئ

- أدم يا  حبيبي يللا أصحي أتاخرنا لسه قدامنا الطريق طويل لحد المطار

اعتدل أدم في جلسته ثم مط شفتيه بضجر وقال بغيظ: أنا مش قادر أقوم يا ماما عايز أنام روحي أنتي لوحدك  

جلست فاطمة على حافة فراشه ثم أزالت الغطاء عن جسده وتحدثت بحدة مصطنعة 

- يا ابني قوم ربنا يهديك هنتأخر وعمك أحمد تحت مستني في العربية

اعتدل في جلسته ثم فرك جبينه بأطراف أنامله وبعد دقائق قليلة من التفكير سألها ببراءة 

- هما هيجوا يعيشوا معانا في العزبة ليه هما مالهمش بيت يعني ؟

- ما هو ده بيتهم برضو والعزبة دي بتاعت باباك وأعمامك، أنا وباباك أتجوزنا وعيشنا مع أختي أحلام وعمك أنور في البيت ده علشان يراعوا العزبة، وكان عمك أحمد وماجدة وقتها عايشين في القاهرة وبيجوا زيارة كل فترة وكان معاهم سعد عمر سنتين تقريباً، بس لما حملت فيك خالتك أحلام سافرت مع عمك السعودية وبقالهم حوالي عشر سنين هناك، قالوا هيجوا كل سنة شهر واحد بس وما جوش من ساعة ما خالتك ولدت جوري وأهي جوري دلوقتي عندها تقريباً تسع سنين

قالت فاطمة كلماتها وهي تساعد طفلها على إبدال ثيابه، لكنه لم يتوقف عن التساؤل فكانت تبتسم على براءته تارة، وتعقد بين حاحبيها لفضوله تارة أخرى، وبمجرد أن انتهت من مساعدته اعتلى الفراش وتابع

- طيب هما ليهم بيت في القاهرة زينا؟
- أيوه يا لمض العمارة كلها بتاعت باباك وعمامك الاثنين وكل واحد ليه شقه وباقي الشقق اتباعت من سنين
- طيب ليه ما نروحش نعيش هناك زي الاول، أحسن من العزبة؟

رفعت فاطمة أحد حاجبيها ورمقت أدم بنظرة اندهاش وتساءلت في نفسها متى كبر صغيري وأصبح كثير السؤال؟، ابتسمت بسعادة ثم اقتربت منه وضمته إلى صدرها قائلة بحنان 

 - لما تكبر وتبقي راجل وتقدر تاخد بالك مني هنرجع نعيش هناك
- طيب هيرجعوا ليه بقي؟
- علشان عمك أتوفى ومش هينفع يعيشوا لوحدهم 

ابتعد الصغير عن صدر والدته ثم اعتلى الفراش مرة أخرى وأخذ يقفز فوقه وهو يردد بسعادة 

- أكيدجوري هتيجي معاها، صح؟

ابتسمت فاطمة على حال طفلها ثم قررت مشاكسته فأجابته بمشاكسة: لا يا حبيبي خالتك هتسيبها في الشارع قبل ماتيجي

جحطت عينيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فاختفت نظرة السعادة التي كانت تسكن مقلتيه منذ لحظات وحل مكانها نظرة حزن تبعها سؤال نابع عن خيبة أمله

- ليه هترميها؟ دي في الصور حلوة أوي وكنت هقولك جوزيهالي لما أكبر 

انفجرت فاطمة ضاحكة حينما وصلت كلمات طفلها البرئ إلى مسامعها، ثم جذبيته إلى صدرها وطبعت قبلة على خصلات شعره وأخبرته أن حديثها مجرد دعابة فبادلها العناق بعد أن أخبرها بمقدار حبه لها فشددت في احتضانه ثم ابتعدت وغادرت الغرفة لتبدل ثيابها.. وبعد مرور عدة دقائق غادر أدم برفقة والدته وعمه إلى مطار القاهرة لاستقبال أحلام وابنتها جوري...
في ذلك الوقت كان أدم يبلغ من العمر عشر سنوات وجوري تسع،  توفي والد أدم منذ ما يقارب السبع سنوات في حادث سير بينما توفي والد جوري منذ شهرين جراء هبوط مفاجئ بالدورة الدموية ودُفن بالسعودية فقررت زوجته العودة لتبقى بالقرب من شقيقتها 

*****

بالطائرة... 
جلست الصغيرة على المقعد المجاور لوالدتها وهي تشعر بالخوف فربتت أحلام على كفها الصغير لتطمئنها فبادلتها جوري بابتسامتها الأسرة للقلوب وتساءلت ببراءة 

- ماما هو أدم هيلعب معايا؟ 

مسدت أحلام بباطن كفها على خصلات شعر طفلتها وأجابتها بحنان:  طبعا يا قلبي هيلعب معاكي ولمياء وسعد ولاد عمك أحمد كمان هيلعبوا معاكي

- وهنفضل هناك على طول؟ 
- أه يا روحي هنعيش معاهم على طول
- طيب

قالتها الصغيرة ثم أسندت رأسها على ذراع والدتها وغفت في أقل من دقيقة فتأملتها أحلام لدقائق وهي تشعر بالحسرة لرحيل حبيبها وسندها في الحياة كما حدث مع شقيقتها فاطمة 

****

بعد مرور ساعتين وصل أدم إلى مطار القاهرة وجلس إلى جوار ووالدته في انتظار الطفلة التي طالما تمنى رؤيتها... وما هي إلا دقائق حتى رآها تقترب فابتسم وترك مقعده ثم تقدم منها وتحدث ببراءة

- أنتي أحلى من الصورة 
- أنت أكيد أدم، أنا بشوف صورتك كل يوم 

ابتسمت أحلام واقتربت من أدم وضمته إلى صدرها ثم ابتعدت عنه وألقت بجسدها في صدر شقيقتها وانهمرت دموع كل واحدة منهن كالشلال فتحدث أحمد بثبات بالرغم من رغبته هو الأخر في البكاء 

- وبعدين معاكم كده العيال هتخاف
- أزيك يا أحمد؟ 
- أنا بخير، مصر نورت ومن النهارده جوري بنتي وزي ما ربيت أدم هربيها 

تمسك أحمد بثباته وهو يتحدث بالرغم من الألم الساكن بداخله فقد رحل شقيقيه بدون وداع وترك كل واحد منهما أسرته لذلك أقسم أن يرعى أدم وجوري كما يرعى أولاده 

*****

غادروا جميعاً مطار القاهرة الدولي واستقلوا السيارة عائدين إلى العزبة الخاصة بالعائلة فجلس أدم إلى جوار جوري وتبادلا أطراف الحديث لدقائق 

- من النهارده هتفضلي معايا على طول وهنلعب سوا وهتروحي المدرسة معايا كمان
- ماشي، أنا معايا شيكولاته تاخد؟ 
- لا كليها أنتي كلها 

بدأت جوري في تناول الحلوى فمالت أحلام على شقيقتها وقالت بصوت خفيض

- ابنك طالع شقي زي أبوه الله يرحمه، ربنا يخليهولك
- ويخليلك جوري وأعملي حسابك أنا حجزت 
- وأنا موافقة 

****

في صباح اليوم التالي استيفظت جوري على صوت الحمام الواقف على شباك غرفتها فتركت فراشها واتجهت صوب الشباك وأخذت تتأمل جمال الطبيعة، وما أن تساقطت الأمطار تركت غرفتها واتجهت صوب حديقة البيت وأخذت تدور حول نفسها في سعادة... رآها أدم من شباك غرفته، فترك غرفته هو الأخر وهبط الدرج وخلال لحظات غادر المنزل كالإعصار وجذبها من يدها ثم. أدخلها إلى المنزل ووضع عليها الغطاء الذي أحضره من غرفته حتى لا تصاب بالزكام 

- أنتي يا مجنونة تتعبي
- مش مهم، أنا بحب المطر أوووووي
- أطلعي غيري هدومك علشان أوديكي بيت عمي، ماما وخالتي هناك
- حاضر 

صعدت الصغيرة الدرج واتجهت صوب غرفتها وهي مبللة بالكامل فأبدلت ثيابها وعاد إلى أدم ثم مضت معه إلى منزل العم أحمد، وهناك قابلت لمياء ابنة عمها وشقيقها الأكبر سعد

- أنا جوري
- وأنا لمياء 
- ممكن نبقى أصحاب؟ 
- لا نبقى أخوات 
- ماشي موافقة، تعالي نلعب

مضت جوري برفقة لمياء تاركة أدم فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً... فبالرغم من عمره الذي لا يتعدى العشر سنوات، إلا أنه شعر بالمسئولية تجاه وردته الحمراء التي تمنى رؤيتها منذ سنوات 

***

في القاهرة.... 
تحديداً داخل أحد القصور الفخمة، تململت فاتن صاحبة الثلاثة عشر عاماً في فراشها بكسل ثم اعتدلت في جلستها وضغطت الزر الموضوع إلى جوار فراشها... وخلال دقائق قليلة دخلت الخادمة وكادت أن تتحدث، لكن سبقتها فاتن وسألتها بحدة وصوت عال

- أنتي يا زفتة أتاخرتي ليه؟!! 
- أنا كنت

قاطعتها فاتن عندما رفعت كفها في الهواء لتأمرها بالتوقف وثم تحدثت بحدة 

- أخرسي وما تقرفنيش على الصبح، وغوري جهزيلي الحمام وخلي الشوفير يجهز العربية علشان رايحه النادي 
- والمدرسة؟ 
- وانتي مال أهلك، غوري أعملي اللي قولت عليه جتك القرف

غادرت الخادمة وهي تكتم دموعها بصعوبة ثم أتجهت صوب الحمام وجهزت ما أمرت به تلك الطفلة المتعجرفة، وبمجرد أن انتهت، دلفت إلى المطبخ وانفجرت دموعها كالشلال، فربتت الخادمة الأخرى على كتفها وقالت بحنان

- معلش عيله ومش فاهمه
- كل يوم إهانة وقرف
- زي أمها بالظبط، بس الأستاذ فريد طيب مش زيهم خالص
- أنا هسيب الشغل
- أعقلي عندك بيت مفتوح، وأنا هكلم الاستاذ فريد يعقلها لكن تسيبي الشغل مستحيل

حركت الخادمة رأسها كإشارة بالموافقة ثم مسحت دموعها وغادرت المطبخ متجهة إلى الخارج لتطلب من السائق تجهيز السيارة 

***

بعد مرور عدة أيام التحقت جوري بالمدرسة التي يرتادها أدم وكذلك لمياء وسعد وتحمل أدم مسئولية وردته الحمراء منذ اليوم الأول، فأصبح يخشى عليها من نسمات الهواء وكان يحميها من نظرات الجميع.... ضُرب لأجلها عدة مرات وتشاجر بسببها أيضاً عدة مرات فلم يكن يسمح لأي صبي بالاقتراب منها وكأنها ملكيته الخاصة والوردة الوحيدة في بستان قلبه... 
بمرور الأيام والسنوات لم تتبدل مشاعر أدم بل زاد ارتباطه بجوري فأصبحت تشعر في قربه فقط بالأمان... 

****

يا أجمل زهرة في بستان قلبي... 
لا تتهميني بالجنون يا كل عمري... 
فحبيبكِ من النسمة الملامسة لخصلاتكِ يغار... 
وعلى استعداد تام لقتل أحدهم وقد اخلف الدمار... 

ردد أدم تلك الكلمات في نفسه وهو ينظر إلى الصبية الفاتنة التي لم تتحدث إليه طوال الطريق فأمر السائق بالتوقف ثم نظر إليها وقال بهدوء 

- تعالي ننزل شوية نتمشى
- لا

قالتها دون أن تنظر إليه ثم تابعت: أطلع يا عمو مجدي على البيت

كاد السائق أن ينطلق ولكن سبقه أدم عندما قال امراً: ما تتحركش يا عم مجدي 

نظر إلى مُدللته الغاضبة ودون أن يشعر لمس أطراف أصابعها بأطرافه فنظرت إليه بغضب بعد أن سحبت يدها إلى الخلف فابتسم على فعلتها وأردف

- أنزلي بقى بلاش رخامة 

ترجلت من السيارة وأغلقت الباب خلفها بعنف فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها ثم لحق بها بعد أن طلب من السائق الانصراف، وجلس إلى جوارها دون أن يتفوه ولو بكلمة فقط جلس يراقب ملامحها التي عشقها على مدار السنوات الماضية، كم يعشق براءتها واحتفاظها بطفولتها، كم يذوب عشقاً في غضبها وجنونها وأفعالها الغير متوقعة دائماً...  بدأ يتذكر كيف مرت السنوات سريعاً وكيف نضجت الوردة الحمراء وأصبحت فتاة ساحرة يتمناها الجميع، وضع يده أسفل ذقنها وأدار وجهها إليه وقبل أن تُبعد يده كعادتها سبقها ورمقها بنظرة عشق لم ترى مثلها في عينيه من قبل، فلم تكبر جوري فقط بل كبر العشق الساكن بقلبه وقلبها، لكن منعها الخجل من الاعتراف بذلك فقررت أسر مشاعرها وفضّلت الانتظار حتى يصارحها بمشاعره

- جوري 
- نعم 
- هو أنا قولتلك قبل كده إني بحبك 

ما أن وصل اعتراف الحب إلى مسامعها، اتسعت ابتسامتها وتسارع نبض قلبها فرحاً فشعرت بربيع عشق يسري بين ثنايا قلبها... ولم تقل سعادة أدم عن سعادتها، ومع ذلك قرر مشاكستها فهتف بصوت رجولي 

- هاه يا بنت الناس قولتلك ولا لا؟ 

ابتسمت الجميلة مرة أخرى ثم استردت أنفاسها وقررت مبادلته المشاكسة، فوضعت يديها في منتصف خصرها وتحدثت بطريقة طفولية 

- لو سمحت ما تتكلمش معايا، أنا أصلاً مش طيقاك
- أهون عليكي؟ 
- اه تهون عادي، لما تزعقلي قدام أصحابي يبقى تهون وكمان كنت هتضرب زميلي

قالت كلماتها بغضب ملحوظ فتنحنح قائلاً: خلاص ما تزعليش، بس أنا قولتلك قبل كده ما تتكلميش مع ولاد، بنات وبس

- يا سلااااااام ما أنت بتكلم بنات ولا حلال ليك وحرام عليا
- بت أنتي ما تعصبتيش، أنتي بتاعتي أنا وبس

رفعت أحد حاجبيها بغضب فعلم أن قطته الشرسة على وشك إخراج مخالبها فقرر امتصاص غضبها وتابع بصوت دافئ

- أنتي حبيبتي أنا وبس

نست جوري غضبها وتجددت ابتسامتها الساحرة فبادلها بغمزة من عينه اليسرى وعاد ليشاكسها 

- ما قولتيش، قولتلك قبل كده أني بحبك ولا لا؟ 
- اه طبعا قولتلي قبل كده كتيرررررررر

رفع أدم أحد حاجبيه واصطنع عدم الفهم ثم تساءل بجدية مصطنعة
  
- أمتى ده، دي تلاكيك بقي أنتي ما صدقتي ولا إيه؟

شعرت جوري بالخجل ومع ذلك قررت تحدي نفسها فاستجمعت شجاعتها وأجابته بذات المشاكسة

- واتلكك ليه؟!! أصلاً كلك على بعضك كده بتاعي وملكي أنا بس ومكتوب على اسمي من يوم ما جيت الدنيا، ولا جنابك ليك رأي تاني؟ 

بدأت كلماتها مازحة وانتهت غاضبة فابتسم ادم على برائتها ثم اقترب منها وضمها إلى صدره بحنان، وظلا هكذا لعدة دقائق تبادلا خلالها نبضات العشق ثم أبعدها عنه ونظر إلى عينيها قائلاً بصوت دافئ 

- أوعدك تكوني أول وأخر واحده تدخل قلبي
- وأنا أوعدك أدخل وأقفل ورايا الباب ب100 مفتاح ومليون ترباس وأحط باب حديد مصفح وأكهربه كمان

ابتسم من جديد على جنونها ثم ضربها بخفة على رأسها فتأوهت كمشاكسة له، لكنه لم يهتم وتحدث بجدية 

- يللا يا لمضه نروح زمانهم مجهزين الغداء
- أدم أوعدني ما تسبنيش أبدا مهما كانت الظروف، بكرة تروح الجامعة وتحب واحدة تانية وتنسانى
- أقسم بالله هبله، قومي يا بت بدل ما أحدفك بطوبة في دماغك

مطت مُدللته شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وعبست بشده فأسر ضحكته بصعوبة ثم أردف مازحاً

- لو فضلتي زعلانه هصالحك، خافي مني

قالها ثم غمز لها فخجلت بشدة وسيطرت حمرة الخجل على وجنتيها فما كان منه إلا إنه جذبها مرة أخرى إلى صدره وهمس في أذنها 

- أوعدك عمري ما أسيبك مهما كانت الظروف 

****

في القاهرة.... 
دلفت فاتن إلى غرفتها وجلست على المقعد أمام المرآة لتضع الكثير والكثير من مساحيق التجميل كعادتها قبل الانطلاق للسهر برفقة صديقاتها ولكن قاطعها صوت رنين هاتفها فزفرت بضيق وأجابت قائلة 

- وبعدين يا ميدو، قولتلك ما تتصلش تاني
- تونا أنا بحبك
- وأنا ما بحبكش ولا أنت من مستوايا أصلاً، أنت يادوب حتة مدرس في المدرسة اللي كنت فيها، أنا حالياً في الجامعة الأمريكية ومعتقدش أني هبص ورايا فياريت تنساني وكفاية تلات سنين بتجري ورايا الصراحة زهقت وممكن أخلي دادي يزعلك
- بس أنا بحبك
- دي مشكلتك مش مشكلتي، باي 

قالت كلماتها الأخيرة ببرودها المعتاد وعجرفتها التي لازمتها طيلة سنوات عمرها العشرون ثم ضغطت زر إنهاء المكالمة وعادت لتكمل زينتها 

***
في الريف..... 
مضت جوري برفقة أدم وتشابكت أيديهما، وما هي إلا دقائق حتى عادا إلى المنزل وكانت فاطمة في انتظارهما فاقتربت منها جوري وطبعت قبلة رقيقة على وجنتها 

- وحشتيني يا طمطم
- وأنتي كمان وحشتيني يا عين طمطم بس كان لازم أسافر وأجهز لأدم الشقة وجبتله العربية اللي واقفه بره علشان يسافر براحته

اقترب أدم من والدته وطبع على يدها قبلة حانية ثم عانقها وقال بهدوء

- ربنا يخليكي ليا يا ست الكل 
- بكرة هتسافر علشان الجامعة وتنسانا يا باشمهندس 
- انتوا إيه حكايتكم النهارده، كل واحدة تقولي هتسافر وتنساني 

ما أن وصلت كلماته إلى مسامع فاطمة، اندهشت ثم وجهت نظراتها إلى جوري فابتسمت الاخيرة ببلاهة ثم صعدت الدرج بسرعة لم تعتادها من قبل، حتى أنها كادت أن تسقط عدة مرات فضحك أدم بجنون ثم تحدث مازحة

- كسفتي البونية يا طمطم
- بتحبها يا واد؟
- بحبها أووووووي 
- خد شهادتك وهجوزهالك
- هاخد شهادتي وجوزيهالي وما تنسيش الوعد اللي وعدتهولي

زفرت فاطمة بضيق ثم قالت بغيظ: مفيش فايدة فيك

- يا أمي أنا دخلت هندسة علشان أريحك، لكن أنا نفسي أبقى ممثل 
- ماشي يا أدم خلص الجامعة وبعدها ربنا يسهلها
- أحبك يا فطوم 

طبع قبلة على وجنة والدته ثم تركها وصعد الدرج وهو يطلق صفيراً عالياً فتابعته فاطمة بعينيها حتى اختفى تماماً فتمتمت في نفسها

- ربنا يهديك يا ابن بطني وتبطل موال التمثيل

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف