Tuesday, March 12, 2019
طريقي بقربك/منى سليمان
سحر الابجدية
March 12, 2019
0
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل التاسع والعشرون - بقلمي منى سليمان
* عرس *
أعطى مفتاح سيارته إلى أحد زملائه بعد أن طلب منه توصيلها إلى مقر الإدارة ثم اتجه صوب سيارتها وانطلق إلى منزلها... كانت هادئة تماماً على غير عادتها فشعر بالقلق عليها وهتف بصوت دافئ
- مالك؟
أبعدت أمل رأسها عن زجاج السيارة الذي كانت تستند عليه ثم نظرت إلى حسام وأجابته بصوت كساه الحزن والألم
- زعلانه من الدنيا وناسها اللي قلوبهم مبقاش فيها رحمة، شوفت جبل الفلوس اللي شفناه بيقولنا أن العصابة قتلت ناس كتير أووووووي
شعر بغصة في قلبه إلا أنه لم يظهر ذلك بل أوقف السيارة على جانب الطريق وتحدث مازحاً
- لا أنا مش واخد على هدوئك يا شكل، كده هأخدك لاقرب مستشفى علشان أطمن على قواك العقلية
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها سرعان ما تلاشت عندما أوقف المحرك تماماً ثم ترجل من السيارة واتجه صوب بابها وفتحه قائلاً بهدوء
- يلا أنزلي
مد لها يده فوضعت كفها بداخل كفه وترجلت هي الأخرى فاصطحبها في نزهة سيراً على الأقدام لتلقي بحزنها داخل مياه النيل... كان يشاكسها تارة ويتحدث إليها بجدية تارة أخرى فنست بقربه حزنها كما نست الزمان والمكان
*******
مضت أيام تلتها أيام وحل الربيع بقلوب البعض بينما قضى البعض الأخو أسوأ أيام حياته
رفضت والدة منيرة استلام جثمانها فلم تكن تعلم بكل جرائم ابنتها فقررت إدارة السجن دفنها بمقابر الصدقة
تم ترحيل عادل إلى سجن المزرعة استعداداً لمحاكمته بعد أن تم إثبات التهم المنسوبة إليه، كما تم إلقاء القبض على جميع أفراد عصابته وتم حبسهم جميعاً على ذمة التحقيقات
انفردت أمل بنشر تفاصيل القضية باعتبارها الشاهدة الأساسية وتسابقت القنوات الفضائية والإذاعات على إجراء مقابلات معها
لازم حسام المشاكسة التي سيطرت على عقله وتفكيره أينما ذهبت فقد خشى أن يصيبها مكروه أو أن يقوموا بقتلها قبل جلسه النطق بالحكم
كان أمجد يصطحب حنين إلى الجامعة صباح كل امتحان ليشجعها وانتظر بفارغ الصبر انتهاء الامتحانات ليأتي يوم الخطبة وعقد القران
*أما أمير فانشغل طوال الوقت بتجهيز عرسه الذي سيقاوم بعد انتهاء امتحانات وعد بثلاث أيام *
******
بمنزل سوسن...
علّا صوت الموسيقى في أركان المنزل كما علّا صوت الفرح... وقفت أمل عن مقعدها ثم جذبت وعد لترقص فالليلة هي ليلتها الأخيرة في منزل سوسن وغداً ستصبح عروس أمير... رفضت وعد بشدة ولكن مع إصرار أمل وحنين بدأت تتمايل في سعادة فبكت والدتها من شدة فرحتها وما أن رأتها سلوى أحاطت ظهر رمزية بذراعها وقربتها إليه ثم همست في أذنها
- النهارده مفيش دموع، هنفرح وبس
وقفت عن مقعدها هي الأخرى وجذبت رمزية بيد وباليد الأخرى جذبت سوسن ليشاركن وعد الفرحة فتمايلت رمزية في سعادة واحتضنت ابنتها بين الحين والأخر...
بالخارج جلس أمير إلى جوار حسام بينما جلس أمجد إلى جوار والده واضعاً يده أسفل وجنته بضجر فمال أمير على أذن حسام وقال مازحاً
- بص الواد أمجد شكله مسخرة
- هو عامل كده ليه؟
- عايز يدخل يهيص في وسطهم
وصلت كلمات أمير الأخيرة إلى مسامع أمجد فقال بحدة وصوت عال
- اه يا أخويا عايز أدخل أهيص بدل العزاء اللي قاعدين فيه ده
ضربه والده بعنف على مؤخرة رأسه وتحدث قائلاً: فال الله ولا فالك، أفتكرلنا حاجة عدله دي ليلة مفترجه
- طيب سيبوني أدخل أرقص معاهم
- أقعد مكانك بدل ما أجي أرقصك بطريقتي
قالها حسام فأخذ أمجد يتحدث إلى نفسه بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس فانفجروا جميعاً ضاحكين على ملامح وجهه الغاضبة... بعد مرور ساعة كاملة غادرت رمزية الغرفة لتذهب لاستسلام الفستان الذي سترتديه في العرس، عرض عليها أمير أن يذهب معها وكذلك حسام إلا أنها رفضت لكون المكان لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المنزل فهتف محمود بحزم
- مستحيل تنزلي لوحدك، هاجي معاكي
حركت رأسها بالموافقة فاصطحبها إلى الخارج وهو يتفادى النظر إلى ابنه المشاكس ثم مضى برفقتها وساد الصمت لدقائق قطعها عندما أردف
- مبروك
- الله يبارك في حضرتك، مبروك لأمجد
- الله يبارك فيكي بس ياريت بلاش حضرتك دي، مفيش رسميات بين الأهل
بادلت كلماته بابتسامة رقيقة كصاحبتها فخفق قلبه بطريقة كان قد نسيها وعلم أن الساحرة التي تمضي إلى جواره سرقت قلبه بدون سابق إنذار
*******
انتهت السهرة وعاد أمير إلى منزله مصطحبا أمجد ووالده بالإضافة إلى حسام حتى لا يبقى بمفرده، بينما قضت حنين ليلتها برفقة وعد بالإضافة إلى أمل وسلوى... في الثانية عشر صباحاً تململت وعد في فراشها فقد منعها التوتر من النوم فأمسكت هاتفها وأرسلت إلى أمير رسالة نصية
(نمت؟)
كان مستيقظاً هو الأخر ويفكر في طفلته التي ستصبح ملكاً بعد عدة ساعات، وما أن صدع صوت رنين هاتفه معلناً عن وصول رسالة، ترك فراشه وأحضر الهاتف وبدلاً أن يبادلها رسالتها، أجرى اتصالاً هاتفيها بهاتفها فأجابت قائلة
- سوري شكلي صحيتك
- لا يا عمري أنا لسه ما نمتش
- ويا ترى بتفكر في إيه سرق النوم من عيونك؟
تساءلت بصوت دافئ غلفه الدلال فابتسم بسعادة وأجابها: بفكر فيكي
- وأنا كمان كنت بفكر فيك
- فرحانة يا وعد؟ ولا حاسة أننا استعجلنا؟
- طبعاً فرحانة جداً جداً جداً، ومش حاسة أننا استعجلنا لأن مكاني الطبيعي حضنك
قالت كلماتها بدون أي تردد أو تفكير فمرر يده بين خصلات شعره وشعر بالربيع يسري بداخله وبدأ بمطرها بكلمات عشقه فبادلته بصوت ضحكاتها التي يعشقها
*******
بالغرفة المجاورة لغرفة سوسن كانت أمل تتحدث إلى حسام عير تطبيق (الواتساب) فزم شفتيه بضجر عندما رفضت إرسال صورة الفستان الذي سترتديه بالعرس فكتب
(أوعي ألاقي فستان عريان ولا كتف باين)
ابتسمت بسعادة فهو دائماً ما يهتم بها فقررت مشاكسته قائلة
(وأنت مالك أصلا؟!!!! أنا حرة ألبس زي ما أحب)
أرسلتها ثم وضعت يدها على ثغرها لتكتم ضحكتها حتى لا تفيق حنين النائمة إلى جوارها ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى أرسل
(لا مش حرة ولو شوفت فتفوته عريانه ما تلوميش غير نفسك)
أتسعت ابتسامتها الساحرة حينما استشعرت الغيرة المصاحبة لكلماتها ولكن سرعان ما اختفت ابتسامتها ولوت شفتيها بضجر بعد أن تابع
(اللي مقبولش على حنين مقبوليش عليكي، وأنتي عندي زيك زي حنين ولو فكرت بس تلبس عريان هخنفها)
- أنا زي حنين يا بارد يا غتت يا تلم
رددت الكلمات في نفسها فقد أخبرها للتو أنها كشقيقته أي لا يكن لها أي مشاعر سوى الأخوة فأرسلت
(أنا هنام جتك القرف)
رفع أحد حاجبيه باندهاش وتحدث في نفسه قائلاً: مالها دي؟!!
********
في السادسة سطعت شمس يوم جديد ولكنه لم يكن يوماً كأي يوم فاليوم العرس وستنتقل وعد إلى جوار حبيبها لتغفى وتستيقظ بين أحضانه كما تمنى....
في الثانية عشر ظهراً أوقفت أمل سيارتها أمام أحد الفنادق الكبرى فترجلن جميعاً وذهبن إلى الداخل حيث الجناح الذي حجزه أمير لعروسه.. ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل حسام مصطحباً باقي الرجال فقد حجز أمجد الجناح المجاور لجناح وعد وحنين.... مضت الدقائق والساعات كأنها دهر فقد كان التوتر حليف جميع الأطراف... جاهد حسام طوال الوقت أن يرى الجميلة خاصته إلا أنها لم تغادر جناح وعد وحنين بل وتعمدت ذلك كنوع من العقاب لمن يعتبرها كشقيقته.... في الخامسة عصراً غادر حسام جناح (الخناشير) كما أطلق عليه واتجه صوب جناح (النواعم) كما أسماه أمجد... طرق الباب بخفة ففتحت رمزية فأطلق صفيراً حينما رأى سحرها في هذا الثوب الفيروزي... ثنى جذعه وطبع قبلة على ظاهر يدها وفعل المثل مع سوسن وسلوى لكنه ما أن استقر أمام حنين تلألأت الدموع داخل مقلتيه حينما رآها فاتنه في ثوبها الأحمر الطويل فقبل جبينها وهتف بصوت دافئ
- مبروك يا أجمل عروسة
- الله يبارك فيكي يا حبيبي
انتقل بنظراته إلى وعد وللمرة الأولى لا يشعر بغصة في قلبه لضياعها من بين يديه بل شعر بالسعادة لأجلها بعد أن تأكد أن مشاعره تجاهها كمشاعره تجاه حنين فاقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها فقالت برقة
- ربنا يخليك ليا، طول عمرك سندي والنهارده بتعوضني غياب أبويا
- عيب عليكي أنتي أختي، يلا يا قمر علشان أمير مستني على نار
تابطت وعد ذراعه الأيمن وتأبطت حنين ذراعه الأيسر وقبل أن يغادر بحث بعينيه عن أمل لكنه لم يجدها فقد كانت تختبئ داخل حمام الجناح حتى لا يراها قبل أن ترتدي الثوب الخاص بالعرس... بأعلى الدرج وقف حسام وطفلتيه حوله... هبط الدرج ببطء إلى أن استقر أمام أمجد فسلمه حنين ثم اقترب من أمير وسلمه وعد فطبع قبلة على جبينها وهتف بصوت دافئ
- زي القمر
- وأنت كمان
تابطت ذراعه ومضت برفقته إلى قاعة العرس والموسيقى تعلو شيئاً فشيئاً، أما أمجد فأخذ حنين وابتعد قليلاً ثم قال بجنون
- تعالي نهرب وسيبك منهم
وكزته في كتفه بخفة واصطنعت الغضب قائلة: بس هتبوظ الفرح
- اه صح هستنى الفرح يخلص وأخطفك
ضحكت بدلال وقالت: مجنون
- بحبك، مجنون بحبك يا حنين وعلشان أثبتلك أني بعشقك بعد شوية في مفاجأة ليكي
تقابلت أعينهم في نظرة ساحرة وساد الصمت لتتحدث لغة العيون ولكن قاطع حسام سحر اللحظة عندما ضرب أمجد بخفة على ظهره وتحدث بحدة مصطنعة قائلة
- لم نفسك يا خفيف، لسه مكتبناش الكتاب
- تمام يا فندم
قبض أمجد برفق على معصم حنين ثم ركض باتجاه القاعة فركضت خلفه وهي تردد بأعلى طبقات صوتها
- مجنوووووووووون
تابعهم حسام بعينيه والسعادة تملأ قلبه بعد أن اطمئن على وعد وحنين... انتظر خارج القاعة لعدة دقائق لكي يرى أمل إلا أنها لم تظهر فقرر الصعود إلى الجناح ليطمئن عليها.... ما أن وصل إلى الدرج واستعد لصعودة، أتسع ثغره في صدمة بعد أن رآها تهبط الدرج في فستانها الأسود الطويل المطعم بأحجار كريمة مختلفة الألون وذو ذيل طويل يتبعها مع كل خطوة تخطوها، لكن ذلك لم يكن سبب اندهاشه بل كان رؤيتها للحجاب الذي يغطي رأسها وزاد جمالاها جمالاً.... فاق من صدمته عندما تخطته لتدلف إلى القاعة فلحق بها إلى أن استقر خلفها ثم قبض يده برفق على معصمها وأدارها إليه فاصطنعت الغضب قائلة
- لو سمحت يا حضرة الرائد سيب أيدي
- حضرة الرائد؟!!!
- هو أنت مش رائد ولا إيه؟
لم تنتظر رده فسحبت يدها ودلفت إلى القاعة فصر على أسنانه وقال بغيظ
- أنا أترقيت مقدم على فكرة وهطلعه عليكي
دلف إلى الداخل وشرار الغضب يتطاير من عينيه وأخذ يراقبها بعينيه طوال الوقت... بعد مرور ما يقارب الساعة انتهى الشيخ من عقد قران حنين وأمجد فأحاط الأخيرة خصرها بذراعه ثم قربها إليها وهتف بسعادة
- مبروك يا عمري
- الله يبارك فيك
قالتها بخجل نظراً لاقترابه الشديد فابتسم على فعلتها وهتف: لا خلي الكسوف لما نروح
- يعني إيه؟
- تعالي معايا وأنا أقولك
اصطحبها إلى الجناح الخاص به ثم أدخلها وأغلق الباب فازداد شعورها بالخجل إلا أنه لم يهتم بل اقترب منها أكثر وطبع قبلة على جبينها وأخرى على وجنتها وما أن انتقل إلى شفتيها ابتعدت إلى الخلف ولم تسمح له بذلك فهتفت برقة
- أحترم نفسك
ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه ثم أمسك يدها واصطحبها إلى غرفة النوم الملحقة بالجناح فوضعت يدها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فثنى ركبتيه وجلس راكعاً أمامها ثم قال بحنان وصوت دافئ غلفه العشق
- تقبلي النهاردة يكون فرحنا وتعيشي معايا لأخر يوم في عمري؟ أنا بقالي أسبوعين بتسول على حسام علشان يوافق وبجد كان نفسي أعملهالك مفاجأة وطبعاً بعد ما طلع روحي واشتريت فيلا صغيرة جمب فيلا أمير وجهزتها من كل حاجة، تقبلي تشاركيني فيها عمري وأيامي؟
تعلقت أعينهم لدقائق وتبادلا خلالها نظرات العشق والغرام فحركت رأسها لأعلى وأسفل كإشارة بالموافقة فما كان منه إلا أنه وقف عن الأرض وحملها بين ذراعيه ثم أخذ يدور بها في سعادة وبمجرد أن توقف عن الدوران غمز لها بمشاكسة ثم غادر لترتدي فستان العرس الموضوع على الفراش
******
بالقاعة...
وقف أمير عن مقعده ومد يده لوعد فوضعت كفها بيده ووقفت عن مقعدها فطبع قبلة على ظاهر يدها ثم اصطحبها إلى ساحة الرقص.. أحاط خصرها بذراعه فوضعت كفها على كتفه وبدأت تتمايل معه على أنغام موسيقى هادئة، وبمجرد أن هدأت الإضاءة سرق من شفتيها قبلة تمناها منذ أن رآها تقترب في فستانها الملائكي... بادلته قبلته بعشق متناسية كل من حولها وكذلك الزمان والمكان ....ما أن ابتعد عن شفتيها أسند جبينه على جبينها وهمس بعشق
- بحبك يا وعد
أحاطت عنقه بذراعيها وبدأت تتمايل في سعادة وبادلته كلماته قائلة: وأنا بحبك أووووووي كتيرررررررر
أبعد يديها عن عنقه ثم فاجئها عندما حملها ودار بها في لحظات سرقت من الزمن فراقبته نادين ونيران الغيرة تتأكلها... ما أن استقرت قدميها على الأرض انتبهت لعودة حنين لكن تلك المرة كانت ترتدي فستان زفاف فاقتربت منها وعانقتها بينما علّا صوت الموسيقى من جديد وتجمعوا داخل حلبة الرقص وبدأ كل منهم يتمايل مع حبيبته فاقترب حسام من أمل وجذبها بخفة إلى حلبة الرقص وتمايل في سعادة بالرغم من اعتراضها
- أنا أترقيت من يومين وبقيت مقدم فلما تتعصبي عليا بعد كده أبقي قوليلي يا حضرة المقدم
أسرت ابتسامتها بصعوبة ولم تتحدث إليه ولو بكلمة فأبعدها عنه وجعلها تدور حول نفسها ثم جذبها إلى صدره مرة أخرى وأردف
- ما قولتليش ليه أنك قررتي تتحجبي؟
- علشان أنت رخم
- طيب متعصبه ليه؟
رمقته بنظرة عتاب فبادلها بنظرة هادئة وتابع: أسف لو ضايقتك بس حقيقي مقدرش على زعلك
- بجد؟!!
تساءلت بدلال فحرك رأسه ليؤكد ما سمعته ثم أجابها: بجد
قربها إليه أكثر فأسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها لتستمتع بسحر اللحظة وظلت هكذا حتى علّا صخب الموسيقى فابتعدت عنه وشاركت وعد وحنين الرقص بجنون... راقبها في البداية بسعادة لكنه ما أن رأى نظرات الجميع مصوبة باتجاهها شعر بالغيرة فانتظر حتى أنضم أمير وأمجد إلى الرقص ثم قبض على معصمها وأصطحبها إلى خارج القاعة وقال بحدة وصوت عال
- ما تلمي نفسك يا نانسي
تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها من هول ما قاله فرمقته بنظرة غضب ثم تركته وعادت إلى الداخل دون أن تعيره أي اهتمام فزفر بضيق ثم مسح وجهه بكف يده وأردف
- أنا أتجننت، أكيد أتجننت
في تلك اللحظة تقدم منه زميل له يخدم بالصعيد وتم نقله منذ عدة أيام إلى القاهرة
- حسام مين القمر اللي كانت واقفة معاك دلوقتي؟
- نعم يا أخويا، قمر في عينك
- أسف يا كبير مكنتش أعرف أنها تخصك
- اه تخصني وإياك تبصلها تاني
تركه حسام وعاد إلى الداخل لكنه ابتسم حينما رآها تجلس إلى جوار والدتها فاقترب منها وهتف بهدوء
- تعالي نرقص
- لا ولو سمحت ما تتكلمش معايا
- بطلي رخامة بقى وقومي
- علشان تتعصب عليا تاني وكمان تقولي أني نانسي
أسر ضحكته بصعوبة حتى لا يغضبها ثم قال: والله ما هزعلك تاني، قومي بقى
- ماشي
كانت الأجواء ساحرة وملأت السعادة قلوب الجميع... شعر أمير براحة قلب لرؤيته سعادة وعد وشعر أمجد بالاستقرار بعد طول انتظار، ولم تقل سعادة حنين عن وعد فبالنهاية تزوجت من دق له قلبها... أما حسام فوجد نفسه في عالم ساحر لم يعتاد عليه فالجميلة التي تتمايل أمامه تستطيع بنظرة جعل ألوان الربيع تسري بداخله لكنه فضل الانتظار ليتأكد من مشاعره نحوها ومن مشاعرها كذلك... في ذات الوقت كان محمود يتأمل الجميلة الجالسة إلى جوار سوسن فمنذ بداية العرس يراقبها بين تارة وأخرى، انتبهت لنظراته وخجلت بشدة عندما رأته يترك مقعده ويتقدم منها حتى استقر أمامها وهتف
- تعالي نشاركهم فرحتهم، وأنتي يا سلوى وحضرتك يا مدام سوسن
- لا خد رمزية وسوسن وسيبني، يلا قوموا معاه
قالتها سلوى فشعرت سوسن أن كلمات محمود موجهة فقط إلى رمزية فقالت
- وأنا كمان مش قادرة، يلا يا رمزية قومي
كادت رمزية أن تعترض إلا أنها سبقها ومد لها يده ومع إصرار سوسن وسلوى وضعت يدها بداخل كف يده ثم مضت برفقته إلى حلبة الرقص وأخذت تتمايل في سعادة فشعر محمود بسعادة لم يتذوق نكهتها منذ ما يقارب العامين
*******
انتهى العرس ورحل الجميع فصعدت حنين برفقة أمجد إلى جناحه الخاص، كانت تشعر بالسعادة والخوف في آن واحد... أغلق الباب ثم قبض برفق على يدها وجذبها بخفة لتجلس على الأريكة فجلس إلى جوارها وتأملها بعشق لدقائق ثم هتف بسعادة
- مبروك يا قلبي
- الله يبارك فيك
لاحظ أمجد اضطراب أنفاسها لشعورها الشديد بالخوف فقد كان صدرها يعلو ويهبط بسرعةُ فربت على كفيها وتابع
- أنتي خايفة مني؟
حركت رأسها كإشارة بنعم فابتسم لها وأردف بحنان: بس أنا بحبك وعمري ما هعمل حاجة تأذيكي أو تضايقك
- المفاجأة اللي عملتهالي النهارده، أجمل مفاجأة حصلت في حياتي وكمان أكبر فرحة عشتها
- ربنا يقدرني وأجعل كل أيامك سعادة وفرحة
قبل جبينها برقة ثم وقف عن الأريكة ليبتعد حتى يفسح لها المجال لتسترد أنفاسها المضطربة، إلا أنها أسرعت وأمسكت يده بين راحتها فجلس مرة أخرى ثم أخدها معه في عالم ساحر لا يسكنه سواها
*****
بجناح أمير...
جاهدت وعد لتزيل عنها فستان العرس إلا أنها كانت أمنية بعيدة المنال فأخذت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تشعر بالخجل من طلب المساعدة لكنه كان الحل الوحيد فغادرت غرفة النوم واقتربت منه قائلة بطريقة طفولية أسرة للقلوب
- مش عارفه أخلع الفستان، ممكن تساعدني؟
وقف عن مقعده ومضى معها إلى الداخل إلى أن استقرت أمام المرآة فأبعد خصلات شعرها على أحد كتفيها وقبل أن يفتح سحاب فستانها طبع قبلة على عنقها فخجلت بشدة لكنها تمسكت بسكونها بين يديه، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ساعدها في خلع ثوبها ثم ترك الغرفة حتى لا يزيد خحلها... أبدل ثيابه ثم توضأ وجلس في انتظارها فاقتربت منه بعد ما يقارب نصف الساعة وهي ترتدي ملابس الصلاة فصلى بها ركعتين وما أن فرغ من صلاته وضع يده على جبينها ودعا الله ثم طبع قبلة على جبينها بمجرد أن انتهى وسألها بحنان
- جعانه؟
حركت رأسها بالنفي فابتسم لها وأردف: طيب عايزه تنامي؟
حركت رأسها مرة أخرى بالنفي فغمز لها بمشاكسة وتابع: طيب تعالي بقى أحكيلك حاجة مهمة أوي أوي أوي
قال كلماته الأخيرة بطريقة تمثيلية فابتسمت على جنونه الذي لا يتوقف ثم مضت معه لتبدأ ليلة عشق طال انتظارها
******
كانت أمل تغفو كالملاك على فراشها لكنها استيقظت بمجرد أن صدع صوت رنين هاتفها فاعتدلت في جلستها وأجابت بصوت غلبه النعاس
- الو
- أسف أني صحيتك بس مش قادر استنى أكتر من كده
قاطعته قائلة: مالك يا حسام؟
- أمل تتجوزيني؟
جحظت عينيها في عدم تصديق ثم وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق وقبل أن تجيبه استيقظت من نومها بعد أن داعبت أشعة الشمس عينيها فقالت وهي مازالت ممدة على الفراش
- طب الحلم كان يستنى شوية أقوله موافقة، فقر من يومي واستاهل علشان كسلت بالليل أقفل الشباك
تمددت على ظهرها وأخذت تتأمل سقف الغرفة وهي تداعب خصلات شعرها ثم انفجرت ضاحكة ورددت بخفوت
- شكلي بحبه
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف
طريقي بقربك/منى سليمان
سحر الابجدية
March 12, 2019
0
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل الثامن والعشرون - بقلمي منى سليمان
* فستان زفاف *
كبرت يا أمي وتذوقت نكهة الفراق...
أحدهما فراق حبيب والأخر قريب...
ولكن يبقى الفراق فراق..
ذات الألم..
ذات الوجع..
ذات السؤال..
متى تعود؟....
خطت وعد تلك الكلمات بدفترها وشردت في عالمها الخاص فبالرغم من مرور سبع أشهر على وفاة أبيها وشقيقيها إلا أنها لم تتوقف ولو لليلة عن الحنين لرؤية مصطفى وعبد الرحمن... انتبه أمير إلى شرودها فترك مقعده واقترب منها حتى استقر إلى جواها وأكمل شرحه فعادت إلى أرض الواقع... وبعد مرور ما يقارب نصف الساعة أنهى المحاضرة وجمع أشيائه ثم وقف خارج قاعة المحاضرات في انتظارها فقد كانت تتحدث إلى زميلاتها وما أن انتهت وودعت حنين، اقتربت منه والابتسامة التي يعشقها ترتسم على شفتيها ثم هتفت برقة
- أنا جاهزة
- قدامي يا هانم ولينا عربية تلمنا ونتحاسب فيها
أسرت ابتسامتها واصطنعت الغضب ثم تساءلت: هو أنا عملتلك حاجة ولا هي تلاكيك وخلاص؟
- لا مش تلاكيك بس حضرتك قاعده سرحانه في المحاضرة، يلا قدامي
مضت برفقته إلى السيارة وركبت إلى جواره فمال عليها بشدة وسرق قبلة من شفتيها وبمجرد أن ابتعد عنها ضربته بخفة على كتفه وقالت بدلال
- بطل قلة أدب بدل ما حد يشوفنا
- عادي أنتي مراتي وكلها شهر بالظبط وتخلصي امتحانات وهخطفك في بيتي
غمز لها بمشاكسة فتوردت وجنتيها خجلاً ما جعل الربيع يسري بداخله فكم يعشق خحلها وارتباكها وهي إلى جواره
******
أمام الجامعة...
كانت تنظر إلى ساعة يدها بين تارة وأخرى والغضب يتملكها فقد تأخر كعادته ولكن تلك المرة قررت تأديبه حتى لا يكرر فعلته... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى أوقف سيارته وترجل منها ثم اقترب منها وقال كعادة كل يوم
- أنا أسف أسف أسف أسف
توقف عن إكمال اعتذراه المعتاد عندما رمقته بنظرة نارية لم يعتادها فابتلع ريقه وأردف مازحاً
- أنتي قلبتي زي ريا وسكينة كده ليه؟
- أسكت يا أمجد بدل ما أفرج عليك الجامعة وضواحيها
- يا ساتر
قالها ثم عاد إلى سيارته وفتح لها الباب فدلفت وأغلقت الباب بعنف فردد بخفوت
- العربية ذنبها إيييييييه؟!
ركب إلى جوارها ثم قرر تلطيف الأجواء فأمسك كف يدها استعداداً لطبع قبلة على باطنه إلا أنها سحبت يدها وقالت بحدة وصوت عال
- بص لو هنكمل حياتنا تتأخر وتعتذر يبقى من أولها كل واحد في حاله أصلاً كلها قراية فاتحه فخلينا نفضها من أولها
شعر أمجد بغصة في قلبه فقد اعتقد أن ما يربطها به أكثر من الفاتحة التي قرأها والده مع شقيقها انتظاراً لإعلان الخطبة بعد إنهاء عامها الدراسي... شعر بالاختناق وقاد السيارة دون أن يتحدث إليها فكانت تختلس النظر إليه بين تارة وأخرى بعد أن انتبهت لوقاحة ما تفوهت به.... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة أوقف السيارة أسفل منزلها فاندهشت بشدة وتساءلت
- إحنا مش هنروح نشتري الشبكة زي ما قولتلي؟
لم يجيبها ولو بكلمة فظنت أنه لم يعد يرغب بها وأن قصة عشقهم انتهت فانفجرت دموعها كالشلال... لم يحتمل صوت بكائها أكثر من دقيقة واحدة ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه فازداد بكائها وتعالت شهقاتها وأردفت بصوت غير مفهوم
- أ ن باحب اااا ك
قاطعها قائلاً بعد أن أبعدها عنه ومسح دموعها: أشششش خلاص ما تعيطيش، أنا بحبك وعمري ما هبعد عنك
- وأنا كمان بحبك أوي بس بضايق لما بتتأخر عليا وأنت كل يوم بتتأخر
- والله العظيم غصب عني، أوقات أقول ساعة وهخلص والساعة توصل لساعتين وتلاتة
- عارفه أن شغلك صعب وأوعدك أني مش هزعلك تاني وهحاول استحمل
- وأنا أوعدك أني هحاول ما أتأخرش عليكي، يلا نجيب الشبكة والفستان قبل ما تنشغلي بالامتحانات
حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها فطبع قبلة على خصلات شعرها ثم انطلق إلى وجهته
******
أمام مقر جريدة الغد....
أوقف حسام سيارته وترجل منها ثم دلف إلى الداخل كالإعصار... اقترب من موظف الاستقبال وسأله عن مكتب أمل ثم استقل المصعد إلى الطابق الرابع كما أخبره الموظف... كان الشرار يتطاير من عينيه وكأن بداخله بركان نشط على وشك الانفجار وإلقاء الحمم المشتعلة هنا وهناك... وبمجرد أن توقف المصعد غادره وبحث عن مكتبها فرآها عبر الزجاج تبكي... زفر بضيق وانتظر بالخارج ليهدئ الغضب الذي تملكه حتى لا يزيد حزنها وما أن تمالك نفسه طرق بابها بخفة ثم فتحه وتساءل بهدوء
- ممكن أدخل؟
حركت رأسها بالموافقة ثم كفكفت دموعها وهتفت بخوف: إيه اللي جابك؟ أفرض الزفت ده مراقبني
- طظ ولا يهمني، أنتي بس اللي تهميني
قالها بصوت دافئ فتقابلت أعينهم في نظرة طويلة تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام ولكن قاطع حسام سحر اللحظة حينما أردف بصوت أقرب إلى الرجاء
- ماتروحيش
حركت رأسها يميناً ويساراً لتخبره برفض ما قاله فتابع: اعتذري وقولي مش هتكملي المهمة بس ما تروحيش بيته
- مش هينفع وأنت تفتكر لو قولتله مش هروح واعتذرت للواء وقولتله مش هكمل عادل هيسيبني، ساعتها هيعرف أني كنت بخدعه و
قاطعها قائلاً بحنان: أنا هحميكي منه ومن الدنيا كلها بس ما تروحيش
نست تماماً حزنها والخوف المتملك لقلبها وتذكرت فقط لمسته فقد قال كلماته بعد أن وضع كفيها بين كفيه وكأنه يرجوها لكي لا تذهب إلى الموعد فحررت إحدى كفيها وربتت على كفه ثم نظرت مُباشرةً إلى عينيه وتحدثت بهدوء قائلة
- أوعدك مش هيلمس مني شعره وبعدين إحنا بقالنا سبع شهور بنخطط علشان أوصل لبيته ولما ننجح تقولي ما أروحش، وكمان لو حصل حاجة هدوس على الساعة وساعتها تدخل تطلع هولاكو اللي جواك وتفرمه
ارتسمت ابتسامة على ثغره إثر مزحتها ثم حرر كفها وهتف بذات المشاكسة
- ماشي وخلي كمان شكل اللي جواكي يعطل نانسي ويفرمه
- بقالك كتير ما قولتليش يا شكل
- طبعاً ما أنتي مقضياها نانسي طول ما أنتي قاعده مع البغل اللي أسمه عادل
ضحكت بشدة على جنونه فشاركها الضحك وبقى معها لساعة كاملة ثم ودعها وعاد إلى عمله بعد أن أقسم على حمايتها حتى وإن كان الثمن حياته
******
في الخامسة عصراً وصل محمود إلى شركته بعد يوم عمل شاق قضاه خارج الشركة نظراً لارتباطه باجتماعات مع شركات أخرى... دلف إلى الداخل واتجه صوب المصعد ليستقله إلى مكتبه ولكن ما أن فُتح باب المصعد وجد رمزية فقد كانت على وشك المغادرة... بادر برسم الابتسامة ثم أفسح لها المجال لتمر فقالت برقة
- ميرسي
- العفو إحنا أهل مفيش بينا ميرسي والحاجات دي
كادت أن تتحدث إلا أنها وجدت طليقها يدلف من باب الشركة ثم اقترب منها وتحدث قائلاً
- عايز أتكلم معاكي
- من فضلك بطل تطاردني، أنا لا عايزه أتكلم معاك ولا طايقه أشوفك أصلاً
تطاير شرار الغضب من عينيّ معتصم فقد كان يشعر بالحنين إليها وشعر كذلك بالندم لأنه تركها تضيع من بين يديه فأردف بهدوء عكس الغضب الكائن بداخله
- أديني فرصة واحدة بس
- استغفر الله العظيم
قاطعها محمود قائلاً ببرود وهو يرمق معتصم بنظرات نارية: هو أنت ما بتسمعش ولا ما بتفهمش؟! ما بتقولك لا طيقاك ولا عايزه تتكلم معاك
أدار جسده ووجه نظراته إلى رمزية ثم تابع متسائلاً: مين الأخ؟
- طليقي ومش عايز يحل عني بقاله شهرين بيجري ورايا في كل حته
- أنا بحبك وعايزك ترجعيلي
قالها معتصم فصرت رمزية على أسنانها وقالت بحدة: حبك برص، هو واحد واطي زيك يعرف الحب ده أنا ما صدقت خلصت منك ومن السجن اللي كنت عايشه فيه
- طيب أديني فرصة أخيرة وهعوضك اللي فات و
قاطعته قائلة: والله العظيم لو ما بطلت تطاردني لكون عملالك محضر في القسم
شرع معتصم أن يدافع عن نفسه إلا أن محمود سبقه وأشار إلى رجال الأمن بالشركة وطلب منهم إلقائه بالخارج، وبمجرد أن اختفى تماماً عن نظرها أردفت بغضب ملحوظ
- إنسان مريض بجد
- ما تضايقيش نفسك ولو أتعرضلك بعد كده أنا هقف في وشه
- متشكره أوي، بعد إذنك
- هخلي السواق يوصلك وبعدين يرجعلي وقبل ما تعترضي هقولك مش هقبل بالاعتراض
ودعته بابتسامة رقيقة مثلها ثم غادرت فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً ثم ردد في نفسه
- اللي يطلق واحدة زي دي لازم يندم لأنه أكبر حمار
*******
مضى ما بقى من اليوم بدون أحداث ومضى الليل كذلك فسطعت الشمس من جديد حاملة معها مفاجأت ومشاكسات والكثير من المشاعر....
في الثامنة ترك حسام فراشه فلم يتذوق طعم النوم طوال الليل فكل ما كان يفكر به هو الجميلة التي ألقى بها وسط نيران الخطر والآن لا يتحمل ذلك... توجه صوب الشرفة وأجرى اتصالاً بهاتفها فأجابت برقة قائلة
- صباح الخير
- صباح النور، عامله إيه؟
- الحمد لله، كمان ساعة هروح الشغل والساعة تلاته هستأذن وأروحله
زفر بضيق ثم مسح وجهه بكف يده فأردفت: روحت فين؟
- معاكي، أوعي تنسي تلبسي الساعة و
قاطعته قائلة: أنا مبخرجش من غيرها ويمكن لما المهمة تخلص أخليها معايا
- ومين قالك أصلاً أنك لو رجعتيها هاخدها دي هتفضل معاكي للأبد
- ماشي، يلا أقفل علشان ما تتأخرش على شغلك وأنا كمان مش عايزه أتأخر
- أمل
انطلق أسمها من بين شفتيه بنبرة صوت دافئة فابتسمت بسعادة وهتفت برقة
- نعم
- خدي بالك من نفسك
- حاضر، مع السلامة
ودعها وأنهى المكالمة ثم دلف إلى الحمام وأنعش جسده تحت المياه الباردة علها تخمد النيران المشتعلة بقلبه، بينما أنهت أمل المكالمة واحتضنت الهاتف ثم أخذت تدور حول نفسها في سعادة حتى اصطدمت بالفراش وسقطت فوقه على ظهرها فشردت في الهمجي الذي لا تشعر بالأمان إلا في حضرته
******
في العاشرة تململت وعد في الفراش واستيقظت عندما صدع صوت رنين جرس الشقة، انتظرت أن تفتح سوسن لكن ذلك لم يحدث فتركت فراشها بصعوبة واتجهت صوب باب الشقة، وما أن فتحته تعالت شهقاتها حينما وجدت أمير وبيده علبة ضخمة بيضاء اللون وييوسطها شريط من الستان الأحمر فابتسم على هيئتها وقال بمشاكسة
- هو وأنتي صاحيه من النوم كمان بتبقي حلوة؟
أسرت ابتسامتها ورسمت الجمود على قسمات وجهها وبدلاً أن تجيبه هتفت بجدية مصطنعة
- وبعدين في لعب العيال ده، مش أتفقنا تسيبني أذاكر علشان امتحاني أخر الأسبوع
- طلعت عيل ومقدرتش استحمل ما أشوفكيش وكمان جايبلك هدية مش هتقوليلي أتفضل؟
لم ينتظر ردها وتقدم إلى الأمام ليدلف إلى الداخل لكنها سبقته ووضعت يدها على صدره مانعة إياه من الدخول ثم هتفت بغيظ
- محدش موجود غيري
- ما أنا جوزك يجوز عادي
- لا أنت قليل الأدب ومش هتقعد بأدبك
قالتها بطريقة تمثيلية فلم يستطع أن يأسر ضحكاته التي صدع صوتها في المكان فشاركته الضحك ثم استردت أنفاسها وتابعت
- هات الهدية وأمشي
- ظهرتي على حقيقتك وكل همك الهدية
مدت يدها واختطفت الصندوق ثم دلفت إلى الداخل لتضعه على المنضدة وترى ما بداخله فاستغل الفرصة ولحق بها إلى الداخل ثم أغلق الباب ليشاكسها فأتسع صغرها وهتفت بطريقة طفولية أسرة للقلوب
- عيب كده على فكرة
- هستنى تشوفي الهدية وهمشي على طول
- ماشي
أزالت الشريط الأحمر ووضعته على المنضدة ثم فتحت الصندوق ووضعت يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فاقترب منها أكثر حتى استقر أمامها ثم أحاط كتفيها بذراعيه وقال بسعادة
- دي هدية بسيطة علشان مش هتبقي فاضية تشتريه وأنا مش عايز أي حاجة تعطل فرحتنا
تعلقت أعينهم لدقائق قطعها عندما طبع قبلة حانية على جبينها وأخرى على باطن يدها ثم ابتعد عنها ليغادر فلحقت به وقبل أن يغادر استجمعت شجاعتها وتحدثت بخجل قائلة
- أنا بحبك
أتسعت ابتسامته وخفق قلبه بسعادة فلم تخبره من قبل أنها تحبه والآن قالتها بدون أي تردد أو تفكير فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب من شفتيها ثم سرق منها قبلة بث فيها عشقه وما أن ابتعد عنها همس بحنان وصوت دافئ غلفه العشق
- وأنا بعشقك
قالها ثم غادر فأغلقت وعد باب الشقة ووقفت خلفه واضعة يدها على قلبها علها تهدى من دقاته ولم تنتبه لنادين التي كانت تختبئ لتراقب ما يدور بينهما فصرت على أسنانها وقالت بغضب
- أصبر عليا يا أمير وأنتي كمان يا خدامة أصبري عليا
بالداخل...
عادت وعد إلى الصندوق وأخرجت منه فستان الزفاف الذي انتقاه أمير لها ثم ركضت باتجاه غرفتها وأسرعت في ارتدائه ثم وقفت تطالع هيئتها أمام المرآة فبدت ساحرة
*******
بحديقة سجن النساء ساعدت إحدى السجينات منيرة لتجلس على أحد المقاعد بعد أن أصيبت بشلل تام في يد وصعوبة في الحركة كما أنها لم تعد تقوى على الحديث إلا بصعوبة بالإضافة إلى ثقل قدميها، ولكن ما أن أصدر القاضي الحكم عليها بالسجن المشدد لمدة خمسة عشر عاماً تم ترحيلها من المشفى إلى السجن لتقضي عقوبتها كما سقطت عنها قضية الزنا بموت المدعي... كم تمنت أن يعود بها الزمن إلى الوراء لتغير كل ما فعلته إلا أن أمنتيها مستحيلة فما فعلته أكبر من أن يعطيها الزمان فرصة لتصلحه... فاقت من شرودها ومن ذكرياتها الأليمة عندما اقتربت منها إحدى العاملات بالسجن وقالت بغلظة
- ليكي زيارة
ساعدت منيرة على النهوض ثم اصطحبتها إلى غرفة الزيارة وهناك كانت تجلس رمزية في انتظارها وبمجرد أن جلست منيرة هتفت رمزية متسائلة
- خير؟!!! المحامي بتاعك كل شوية يقول أنك عايزاني، إيه لسه في حاجة عايزه تسرقيها مني غير بيتي وجوزي وابني وبنتي؟
ابتلعت منيرة ريقها وقالت بصعوبة: سسسااام حيييني
- أسامحك؟!!! معتقدش أني ممكن أسامحك، عارفه لو ابني لسه في حضني ويحيى ما قتلوش بسببك كان ممكن أسامحكم لكن أنتوا قتلتوه وأخدتي بنتي من حضني ورمتيها في الأوضة بأيدك وقولتلها اعتبري أمك ماتت ورجعتي بصتيله وقولتيله بالحرف أرمي الزبالة دي بره، فاكره دم ابني اللي سال على رجلي وأنتي نايمة عريانه على سريري وبتبصيلي بانتصار وتضحكي وجايه بعد ده كله تقوليلي أسامحك، يوم القيامة هقف أنا وأنتي ويحيى قدام ربنا وهطلب حقي وحق بنتي وابني منك ومنه
- أرررجووووكي ساااام
قاطعتها قائلة: ربنا هو اللي بيسامح، ربنا يسامحك ويزيح الذنوب عن كتفك لأن ذنوبك كتير أوي، أنتي زيك زي الشياطين بالظبط
ارتدت رمزية نظارتها الطبية ثم حملت حقيبتها وغادرت فانفجرت دموع منيرة كالشلال وظلت تبكي وتبكي حتى انقطع صوت بكائها وصعدت روحها إلى من سيحاسبها على كل ما فعلت بنفسها وبولديها وبيحيى وبرمزية وطفلها التي كانت سبباً في رحيله قبل أن يولد
******
في الثالثة عصراً حملت أمل حقيبتها لتغادر إلى موعد عادل، لكنها من أن غادرت مقر الجريدة تفاجأت بحسام ينتظرها بالخارج... خفق قلبها بسعادة بالرغم من شعورها بالخوف فاقتربت منه وقالت بارتباك
- جيت ليه، ممكن حد يشوفنا؟
- جيت أشوفك وأطمنك أني جمبك
- أنا بجد متشكرة ليك أوي وبأمر الله النهارده هعمل المستحيل علشان أكشفه
ودعته بابتسامة ثم اتجهت صوب سيارتها وانطلقت بها فتبعها بسيارته والخوف يتملكه... بعد مرور عدة دقائق أوقفت سيارتها أسفل عقار فخم ثم دلفت إليه بعد أن أطمئنت لوجود حسام بينما ترجل هو من سيارته وأنضم إلى شاحنة الحراسة الأشبه بمركز معلومات متنقل يسجل كل خطوات أمل وحديثها مع عادل صوت وصورة... في ذات اللحظة استقلت أمل المصعد إلى الطابق الأخير وتقدمت من باب الشقة بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبها المتسارعة ثم استجمعت شجاعتها وضغطت زر الجرس... أسرع عادل وفتح باب الشقة، وبمجرد أن دلفت أغلق الباب ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها منه بشدة وهتف
- الشقة نورت
- هو هو أنت عايش هنا يا دودي؟
- لا عندي فيلا، لكن الشقة دي محدش بيدخلها غيري وأديكي نورتيها
مال على شفتيها ليقتطف قبلة إلا أنه تراجعت قليلاً إلى الخلف وهتف بدلال مصطنع
- مش على طول كده يا دودي خليني أخد عليك الأول
- اللي تأمري بيه هعمله، لو تعرفي أنا بحبك قد إيه كنتي تعشقيني أنا بقالي أكتر من سنة بحلم أكون معاكي لوحدي
خفق قلبها بسرعة وأخذ صدرها يعلو ويهبط من شدة الخوف فغيرت مجرى الحديث قائلة
- قولي صحيح الحراسة مش تحت ليه؟
- لا محدش يعرف أني بره الفيلا، أوضتي فيها باب سري بيوصل لسلم ومنه على البدروم ومن البدروم بخرج من غير ما حد يعرف دخلت أمتى ولا خرجت أمتى
- ده أنت خطير أوي على كده
- ولسه هوريكي مواهبي كلها في الأوضة
اصطنعت الخجل لتخبئ خوفها ثم تركته ودلفت إلى المطبخ مدعية العطش فلحق بها وأحاط خصرها من الخلف بذراعيه وأردف بوقاحة
- أنتي حلوة أوي
حررت جسدها بصعوبة وأعطته كوب العصير خاصته بعد أن وضعت به قطرات المخدر فشربه بالكامل ثم اصطحبها إلى غرفة النوم وقام بخلع ثيابه وبدأ يقترب منها شيئاً فشيئاً لكنه ما أن استقر أمامها شعر بالتعب والإرهاق فساعدته في الوصول إلى الفراش وبقت جالسة إلى جواره حتى فقد وعيه فصفعته على وجنته بكل الغضب الكائن بداخلها ما أخمد النيران بقلب حسام الذي غادر سيارة المراقبة وصعد إليها بعد أن فشلت جميع محاولات زملائه في منعه... طرق الباب بعنف فتركت غرفة النوم واتجهت صوب باب الشقة وبمجرد أن فتحته جذبها إلى صدره فتمسكت به وانفجرت دموعها كالشلال فاندهش زملائه الذين راقبوا كل ما يحدث من خلال الكاميرا المعلقة بثياب أمل... بعد مرور عدة دقائق ابتعدت عنه والخجل يكسو وجنتيها فمرر يده بين خصلات شعره وقال بارتباك
- لازم ندور على شيء يدينه في تجارة الأعضاء
حركت رأسها بالموافقة ثم بدأت تبحث عن أي شيء فساعدها حسام في ذلك، وبعد مرور ما يقارب الساعة مطت شفتيها بصجر وهتفت بحزن
- مش لاقيه حاجة
- ولا أنا بس الدور ده كله ليه وأنا حاسس أن حجم الشقة أصغر
- مش فاهمه
- يعني في جزء من الشقة مش موجود
بدأ في إنزال جميع الصور المعلقة على الجدران بحثاً عن باب سري إلا أنه لم يجد شيئاً فنظرت أمل إلى المرآة الكبيرة الموجودة بغرفة النوم وقالت
- أنا عمري ما شفت مراية من الحيطة للحيطة
- عندك حق
اقترب من المرآة وأخذ يتحسسها بيده فوجد زر صغير في نهايتها وبمجرد أن ضغط عليه تحركت وكأنها بوابة لممر طويل فدلف إلى الداخل ووجد نفسه يقف بين جبل من الأموال بالإضافة إلى أوراق تبثت تورطه في تجارة الأعضاء كما وجد صور لنساء عاريات ورسائل تهديد لهن بغرض الإبتزاز وجعلهن يعملن بالدعارة وبالإضافة إلى كل ذلك وجد كمية من مخدر البانجو وكمية ليست بالقليلة من مادة الهيروين فأعطى الإشارة لرجاله وطلب منهم اقتحام المنزل
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف
طريقي بقربك/منى سليمان
سحر الابجدية
March 12, 2019
0
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل السابع والعشرون - بقلمي منى سليمان
* مشاكسات *
تتوالى صدمات حياتي...
فأصبحت لا أفرق بين حياتي ومماتي...
لكن بقربك أشعر بوجودي وذاتي...
لا ترحل مهما كانت الظروف...
وأبقى إلى جواري لتنسيني الألم والخوف...
بقى أمير جالساً إلى جوارها ساعة كاملة دون أن يشعر بالملل فيكفيه وجودها بالقرب من قلبه... كان يداعب خصلات شعرها ويتأملها وهي تغفو كالملاك ولكن قاطعه صوت رنين هاتفه فأخرجه مسرعاً من جيب بنطاله حتى لا تستيقظ ثم أجاب بصوت خفيض
- عمي وصل؟
- اه ومصمم يجي يعزي وعد، انتوا فين دلوقتي؟
- في بيت طنط سوسن، بس قوله ما يتعبش نفسه أكيد راجع من السفر مرهق
- والله قولتله يروح يرتاح ونيجي بالليل بس مصمم
- خلاص يا أمجد سيبه براحته وسلملي عليه على ما أشوفه
ودعه وأنهى المكالمة ثم أعاد الهاتف إلى جيبه فتململت وعد وقالت دون أن تفتح عينيها
- ما تسيبنيش يا أمير، أنا خايفة
علم أمير أنها تحلم أو بالأحرى يطاردها كابوساً فأبعد رأسها عن صدره واضعاً إياها على الوسادة ثم أخذ يمرر باطن كف يده على وجنتها بحنان وهو يردد أسمها بصوت دافئ حتى لا يفزعها... بعد مرور عدة دقائق استيقظت وودعت كابوسها ثم فتحت عينيها لتجد نفسها بين يديه فبادر برسم الابتسامة وهتف وهو مازال يتحسس ووجها بظاهر أطراف أنامله
- وحشتيني الشوية دول
- كنت بحلم أنك كنت جمبي وفجأة مشيت وجريت وراك أقولك ماتسيبنيش لوحدي أنا خايفة و
قاطعها قائلاً بنبرة صوت حانية: أششش أنا جمبك ومستحيل أسيبك يا عمري
كادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت طرق على باب الغرفة فابتعد عنها ليفتحه بينما اعتدلت هي في جلستها وما أن دلفت رمزية إلى الغرفة اقتربت من وعد وطبعت قبلة حانية على جبينها فأردف أمير
- هسيبكم مع بعض وأخرج أطمن على ماما
انتظرت رمزية حتى غادر الغرفة ثم أخذت تمسد برفق على وجه وعد وعلى خصلات شعرها فارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها وتحدثت قائلة
- وحشتيني يا ماما
- وأنتي كمان وحشتيني بس خلاص مش هنفترق تاني، وبأمر الله هشتغل وهعتمد على نفسي وهعوضك كل حاجة أتحرمتي منها
- أنا مش عايزه حاجة من الدنيا غيرك
عانقتها رمزية وشددت في احتضانها لتغمرها بالدفء الذي تحتاج إليه، وما أن استمعت إلى صوت بكاء وعد أبعدتها وأخذت تمسح دموعها ثم قالت مازحة
- بقى يا بكاشه مش عايزه حاجة من الدنيا غيري وفي واحد بيعشقك قاعد بره
توردت وجنتي وعد خجلاً فقد أصبحت قصة عشقهم حكاية يعرفها الجميع فربتت والدتها على كتفها وأرفت بحنان
- ربنا يسعدك
أسندت وعد رأسها على قدم والدتها كما كانت تفعل دائماً وهي صغيرة فبدأت رمزية تمرر يدها بين خصلات شعر ابنتها وهي تغني لها كما في الماضي فبكت وعد بالرغم من شعورها بالسعادة فدموعها دموع شوق وحنين لأيام سعيدة قضتها بين أمها وأبيها
*******
بالمطعم...
كانت أمل تتناول الطعام بنهم وبمجرد أن رفعت رأسها وجدت حسام يتأملها في صمت فخجلت بشدة وابتلعت الطعام بصعوبة ثم ابتسمت ببلاهة وقالت ببراءة
- كنت جعانه
أتسعت ابتسامته ثم أرجع ظهره إلى الوراء قليلاً وهتف بهدوء: ألف هنا
- تعرف لما بتبقى هادي كده
رفع أحد حاجبيه في انتظار ما ستقوله فتابعت: بتبقى چنتل مان
- ولما بتعصب؟
- بتبقى بات مان أو سبيدر مان أو أي حاجة من الفصيلة المتوحشة و
توقفت عن إكمال كلماتها حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجت الهاتف من حقيبتها وتفاجأت باتصال من رقم خاص فانتابها الشك بأن يكون المتصل الرجل الذي تسعى خلفه، وما أن تبدلت قسمات وجهها تساءل حسام بقلق
- مين؟
لم تجيبه لكنها أعطته الهاتف فتسرت الشك إلى قلبه وطلب منها أيجاب المكالمة فهتفت برقة
- الو
- انتظرتك حسب المعاد وما جتيش فقولت أطمن عليكي
تسارعت نبضات قلبها خوفاً فعلم حسام أنها تتحدث إليه وأشار بيده لتتابع حديثها فقالت بدلال
- سوري والد مرات أخويا أتوفى
- البقاء لله، يبقى هنتظرك بكرة الساعة ١٠ صباحاً
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي، بس عندي سؤال و
قاطعها قائلاً: أولاً مفيش داعي للشكر مكتبي هينور بوجودك، ثانياً لو هتسألي جبت الرقم أزاي فهقولك دي مصادري الخاصة
ضحكت بدلال فصر حسام على أسنانه وشعر بغضب لا يعلم سببه فوكزها بعنف في قدما ما جعلها تتأوه بشدة فزاد غضبه بينما على الطرف الأخر ابتسم عادل وقال بهيام
- خير مالك؟
- معلش أتخبطت في رجلي
- لا سلامتك، أنا مضطر أقفل وهنتطرك الصبح
- قبل المعاد هكون موجودة، باي
أنهت المكالمة ثم رمقت حسام بنظرة نارية لكنه لم يهتم وقال مقلداً طريقتها في الحديث
- قبل المعاد هكون عندك، باي.. ما تنشفي شوية يا بت أنتي إيه المياعه دي؟
- أنت أزاي تكلمني كده؟ وبعدين أنا بنفذ الخطة و
قاطعها عندما كور قبضته وضرب بها المنضدة فسرت رعشة خوف ببدنها وصمتت تماماً حتى لا تزيد غضبه الذي لا تعرف سببه، وساد الصمت لدقائق قطعه حينما نظر إليها وزفر بضيق ثم قال بغضب ملحوظ
- أسف
- عادي أتعودت
قالتها هي الأخرى بغضب ملحوظ فنظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف بصوت دافئ
- أنتي بالنسبالي زي حنين بالظبط ولو حنين أتكلمت بمياعه كده هكسر رقبتها
اعتقد أن ما قاله سيزيل سوء التفاهم لكنه تسبب في إغضابها أكثر وأكثر فمطت شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بحزن قائلة
- أنا مايعه؟!!!
- شوية
- ربنا يسامحك
قالتها بطريقة طفولية فابتسم بسعادة وقال مازحاً: أنا أتعودت على شكل ومش واخد على نانسي اللي جواكي
- مين نانسي دي؟
- مش عارف بس من النهارده هعتبرك شكل ونانسي
- أنت رخم أوي على فكرة
حملت حقيبتها وهمت أن تقوم عن مقعدها إلا أنه سبقها وقبض على معصمها ثم أردف وهو يتأمل انعكاس صورته داخل عينيها
- أنا أسف وأوعدك مش هضايفك تاني
- أنا مش زعلانه بس فعلاً لازم أمشي، عايزه أروح لوعد
- يبقى نروح سوا
حرر معصمها ثم أشار بيده إلى النادل وطلب منه الحساب وخلال دقائق قليلة مضت برفقته إلى سيارته فانطلق إلى منزل سوسن واختلس النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية بين تارة وأخرى فقد غفت كعادتها وهي تتابع الطريق
*******
انتهت سوسن من إعداد الطعام بمساعدة سلوى بالرغم من رفض سوسن لذلك إلا أن سلوى أصرت عليها حتى لا تتركها بمفردها... كان أمير يجلس بالشرفة ويفكر في الجميلة خاصته والحزن يتملكه فما تمر به ليس بالأمر الهين، ولكن قاطع تفكيره رؤيته لأمجد يصف سيارته أسفل العقار فانتظر حتى ترجلوا جميعاً ودلفوا إلى العقار ثم اتجه صوب باب الشقة وفتحه، وبمجرد أن رأى محمود تقدم منه وعانقه فقال الأخير مازحاً
- والله وكبرت وكتبت كتابك وأنا مش موجود
- وحشتني يا كبير ووحشتني أيام الشقاوة معاك ومع الكارثة ابنك
ضيق أمجد بين حاجبيه ثم قاطع العناق الذي طال للحظات حينما وكز أمير في كتفه فتأوه بشدة وابتعد عن محمود وبادل أمجد بضربة على رأسه فضحكت حنين على جنونهم ثم تركتهم ودلفت إلى غرفة وعد فلوح لها أمجد لكنها لم تلتفت فأردف أمير
- عبيط أوووي
دلفوا إلى الداخل فتركت سلوى المطبخ بمجرد أن استمعت إلى صوت محمود ورحبت به فلم تراه منذ ما يقارب العامين أي منذ وفاة شقيقتها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادرت وعد غرفتها برفقة حنين ورمزية لترحب بالضيف الذي جاء خصيصاً ليساندها ويقدم واجب العزاء... ما أن وقعت عينيّ أمير على طفلته، ترك مقعده وتقدم منها ثم أمسك بيدها وساعدها على الاقتراب من محمود فوقف الأخير عن مقعده وصافحها ثم هتف بهدوء
- البقاء لله ربنا يصبرك
- شكراً لحضرتك
نظر إلى أمير وقال بسعادة: وعد زي القمر، ربنا يسعدكم
- تسلم يا كبير
ابتعد أمير برفقة وعد وساعدها على الجلوس ثم جلس إلى جوارها فوقعت عينيّ محمود على الساحرة التي تجلس إلى جوار سلوى فبادرت برسم ابتسامة خفيفة على ثغرها كترحيب فبادلها بأخرى ثم جذب أمجد من معصمه وتساءل بصوت خفيض
- مين اللي قاعده جمب خالتك؟
- دي مامت وعد
- مامتها أزاي دي شكلها صغير أوي
- اللي أعرفه أنها خلفت وعد وعمرها ١٩ ووعد من كام يوم تمت ١٨ يعني تقريباً عندها ٣٧ مش كبيرة، أكبر مني بتسع سنين بس
حرر محمود معصم أمجد فأردف الأخير قائلاً: متجوزة على فكرة
رفع محمود أحد حاجبيه ورمق ابنه بنظرة غيظ ثم قال بغضب: وأنا مالي متجوزة ولا مطلقة، أنا بسأل بس مين دي
- ماشي
قالها أمجد بخبث ثم نظر إلى رمزية وتابع: منورة
- ده نورك يا أمجد
- الصراحة مش عارف أنادي لحضرتك بأية يعني حضرتك صغيرة أوي على طنط
- قولها يا زوزو زي ما بنقولها
قالتها حنين فابتسمت رمزية وهتفت بسعادة: لسه فاكرة زوزو؟
- طبعاً وخلاص طالما هتفضلي معانا هنقولك يا زوزو زي زمان
قبض أمجد برفق على معصم حنين ثم مال على أذنها وتساءل بصوت خفيض
- يعني إيه هتفضل معانا؟
- بعدين هقولك
- لا قولي قبل ما أخوكي يجي ويطبق على نفسي
ما إن وصلت كلماته إلى مسامعها وضعت يدها على ثغرها لتأسر ضحكتها التي كانت على وشك الانفلات ثم تمالكت نفسها وقالت مازحة
- بطل تضحكني يا مجنون وبعدين أتكلم عن حسام كويس ده حبيبي
- يا سلاااااام؟!
ضحكت بخوت وتابعت قائلة: وأنت كمان حبيبي
- طب علشان الكلمة الحلوة دي هتقولي هتقعد ليه؟
- الملخص أطلقت الصبح
- لا يا شيخة
- اه والله
حرر معصمها وربت على كف يدها ثم مال على أذن والده وقال ببلاهة: أطلقت النهارده الصبح، انطلق براحتك
- لم نفسك يا جحش
- من غير شتيمه هسكت، أنا غلطان أني عايز أظبطك بدل دور جدي اللي عايش فيه
- نروح بس وهفكرك بجدك وهو بيديك على قفاك
*****
بدأت سوسن في إعداد المائدة بمساعدة وعد وحنين، وبمجرد أن فرغوا صدع صوت رنين الجرس ففتحت حنين وتفاجأت برؤية أمل برفقة شقيقها فانتظرت حتى دلفت أمل ثم قبضت على يد شقيقها وأبعدته قليلاً فتساءل بقلق
- إيه مالك؟!
- هو إيه النظام علشان ما بحبش أبقى قرطاس في النص؟
- نظام إيه؟!!!
- نظام أمل رايحة مع حسام وحسام بيجي مع أمل و
توقفت عن إكمال كلماتها حينما ضربها بخفة على رأسها فمطت شفتيها بضجر واصطنعت الغضب قائلة
- ربنا يسامحك
- مفيش حاجة من اللي في دماغك اللي بيني وبينها شغل وبس ولما نروح هحكيلك علشان أخلص من لسانك، يلا قدامي
مضت برفقته وبداخلها شيء يخبرها أن كل ما قاله مجرد أكاذيب وقررت مراقبة الأجواء أثناء وجودهم على مائدة الطعام فلاحظت تبادلهم للنظرات ورددت في نفسها
- نظرات رايحة وغيرها جايه ويقولي شغل، هاه ربنا يهدي
*******
لاحظ أمير شرود وعد وعدم تناولها للطعام فشعر بالأسى عليها وتمنى أن يخفف عنها ولو بلمسة لكنه يعلم جيداً أن حزنها عميق فربت على يدها وقال بحنان
- لازم تاكلي
- مش قادرة
وضع القليل من الطعام داخل ملعقته ثم قربها من شفتيها وهتف بصوت دافئ
- طيب علشان خاطري كلي دي من أيدي
امتثلت لرغبته وتناولت ما قدمه إليها فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة قطعها أمير عندما كرر فعلته وأطعمها كطفلة مدللة فشعرت رمزية بعشق أمير لابنتها ورددت بخفوت
- ربنا يسعدك يا وعد يا بنت عمري
بعد أن فرغوا من تناول الطعام جلسوا سويا ليخففوا عن وعد وتبادلوا أطراف الحديث لساعة كاملة ثم تذكرت سلوى أمراً فهتفت متسائلة
- هترجع شركتك يا محمود؟
- أيوه كتر خير مديرها بقاله سنتين شايل الشغل كله
- طيب رمزية بتدور على شغل إيه رأيك تشتغل معاك
نظرت إليها رمزية بامتنان بينما ابتسم أمجد بخبث وغمز لوالده بمشاكسة، فأسر محمود ابتسامته بصعوبة ورحب بالفكرة قائلاً بصوته الرجولي المعتاد
- تنور طبعاً، حضرتك مؤهل جامعي؟
- أيوة بكالوريوس تجارة
زاد إعجاب محمود بها فقد أخبره أمجد أنها تزوجت في سن صغير وبالرغم من ذلك أكملت تعليمها الجامعي فهتف بترحاب
- نوريني بكرة في الشركة والوظيفة اللي تختاريها هتكون من نصيبك
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي وحضرتك كمان يا مدام سلوى
ربتت سلوى على يد رمزية لتخبرها أنه ما من داعي للشكر، بينما رمقها محمود بنظرة غضب مصطنع وتحدث قائلاً
- استغفر الله، مفيش شكر بينا إحنا نسايب يعني أهل
- ده بس من كرم أخلاقك
شعر محمود بالإطراء وتفادي النظر إلى ابنه الذي ورث المشاكسه عنه لكن أمجد لم ييأس فأرسل لوالده رسالة نصية من كلمتين
(الله يسهلو)
قرأها محمود وصر على أسنانه ثم بادله برسالة (أصبر عليا يا جحش)
قرأها أمجد وانفجر ضاحكاً فاندهشوا جميعاً لكن لم يعلق أحد فجنونه أصبح كالعلامة المسجلة
*******
من إحدى سيارات الأجرة ترجل ياسين وزوجته فقد أقنعته بالذهاب إلى وعد للإتفاق على تفاصيل الميراث... صعد إلى شقة سوسن وضغط زر الجرس ففتحت أمل الباب وقالت برقة
- أهلاً وسهلاً
اعتقدت أنهم أقارب وعد وجاءوا لتقديم واجب العزاء فقد كان يرتدي حلة سوداء وكذلك زوجته التي كانت ترتدي ملابس سوداء فأشارت إليهم بالدخول... ظنت وعد أيضاً أن عمها وزوجته جاءوا لمساندتها وتأكدت من ذلك عندما عانقتها زوجة عمها وهتفت بحزن مصطنع
- قلبي عندك
لم تعيرهم رمزية أي اهتمام فقد لجأت إليهم في الماضي ولم يهتموا كما فعلوا مع ابنتها فتركت مقعدها ودلفت إلى غرفة وعد ولحقت بها سلوى وحنين وأمل ليفسحوا لهم المجال... رحب أمير بهم فقد تقابلوا في المقابر منذ عدة ساعات عند دفن يحيى وولديه وبعد مرور عدة دقائق من الصمت وكزت رجاء زوجها في ذراعه ليقول ما جاءوا لأجله فهتف بصوت مرتعش
- وعد أنا عارف أن الظرف مش مناسب بس لازم نتكلم في إجراءات إعلام الوراثة علشان الورث
جحظت عينيّ وعد في عدم تصديق بينما شعروا جميعاً بالإشمئزاز فتركت سوسن مقعدها ولحقت بهمن في الداخل بينما قال أمير بصوت رجولي حاد
- حضرتك شايف أن ده وقت مناسب تتكلم فيه عن الورث
- يا ابني أنا جاي بس أشور وعد علشان نطلع إعلام الوراثة
تلألأت الدموع داخل مقلتيها وشعرت بصفعة جديدة من الدنيا فوقفت عن مقعدها وقالت بثبات
- خدوا كل حاجة الشقة والعربية والمكتب والفلوس اللي في البنك ما يلزمونيش، بابا ما أخدش حاجة معاه ومحدش هياخد من الدنيا حاجة غير عمله و
قاطعها أمجد حينما وقف عن مقعده وقال بغيظ وهو يوجه كلماته إلى ياسين
- من درجة حرارة الكبد الطب الشرعي أثبت وفاة مصطفى وعبد الرحمن بعد أخو حضرتك بساعة يعني شرعاً الولدين ورثوه وبعد وفاتهم وعد تورثهم لأن أمهم لما أطلقت أتنازلت عن الحضانة وأي حقوق ليها يعني نصيب جنابك مش زي ما بتحلم
جحظت عينيّ رجاء بعدم تصديق وكادت أن تكذب ما قاله أمجد لكن سبقتها وعد وطلبت الانفراد بعمها بحضور أمير، وبمجرد أن أغلقت وعد باب الغرفة تقدمت من عمها وقدمت إليه نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها فجحطت عينيه بعدم تصديق وقال بصوت تسيطر الصدمة عليه
- مش ولاد يحيى؟!!!!
- أنا كان ممكن أخبي ده وأحرمك من الميراث زي ما أنت اتخليت عني لما أحتاجتلك بس أنا مش زيك وفي نفس الوقت مش عايزه بابا وأخواتي يتفضحوا ويتقال مراته ضحكت عليه وأخواتي ولاد حرام علشان كده أتمنى السر ده ما يخرحش من الأوضة دي واعتقد حقك يعادل شقة المعادي بعفشها والمكتب اللي في المهندسين وبعد إجراءات الورث هتنازل لحضرتك عنهم وكده يبقى ما ظلمتش حد ولا فضحت أبويا وأخواتي وياريت دي تكون أخر مقابلة بينا لأني عايزه أنسي الماضي بكل اللي فيه
حرك ياسين رأسه بالموافقة على ما قالته ثم غادر الغرفة واصطحب زوجته التي تملكها الغضب كما تملكها الطمع وبدأت تعنفه لكنه كان مازال تحت تأثير الصدمة وبمجرد أن استرد أنفاسه نظر إليها وقال بأسى
- ما تقلقيش وعد هتدينا الشقة بعفشها والمكتب وهتاخد هي العربية والفلوس اللي في البنك ويبقى النص ليها والنص ليا
- اللهم صلي على النبي، أيوه كده خلينا ناخد حقنا ونوسع على روحنا وعلى العيال والشقة القديمة نسيبها لابنك يتجوز فيها لما يكبر والمكتب بقى نقفله ونبيعه أهو يجيب يجي ربع مليون
تركها ياسين تبني أحلامها وشرد في حياة شقيقه البائسة فمن دمر بيته لأجلها دمرته بالنهاية ودمرت كل شيء وهو الآن يخطو على خطى شقيقه ويسير كالمغيب خلف زوجته
*******
رحل سكون الليل وظلامه ولكن بقى ظلام القلوب ومع أول ضوء لأشعة الشمس تركت نادين فراشها ثم اتجهت صوب الشرفة لتشعل سيجارة وتنفس دخانها كما تنفس الشر الساكن بداخلها... كانت تفكر في أمير الذي تخلى عنها وذهب لأخرى كما اعتقدت متناسية أنه لم يعطها الأمل في ما تشعر به نحوه ولو بكلمة... جلست على أحد المقاعد وأخذت تشعل سيجارة تلو الأخرى عل النار المشتعلة بداخلها تنطفأ ولكن دون جدوى... وبعد مرور ما يقارب الساعة تململت والدتها في الفراش ثم استيقظت عندما شعرت بعدم وجود نادين إلى جوارها فتركت الفراش ولحقت بها إلى الشرفة ثم اختطفت السيجارة من يد نادين وألقت بها في الأرض
- قاعده تدخني ولا على بالك الرميه اللي إحنا فيها
- مالها الرميه، قاعدين في فندق خمس نجوم
- وهنفضل لحد أمتى؟
أشعلت سيجارة ثم نفست دخانها في وجه والدتها وأجابتها ببرود: هنمشي لما يكلموني ويقولولي أرجع بس مش هرجع نادين اللي بتجري ورا أمير أحمد نور الدين جراح القلب الوسيم، لا هرجع نادين اللي هتنتقم من أمير وأخته وأمه ومراته وكل حد ليه علاقة بيه
- ناويه على إيه يا بنت بطني؟
- بكرة تعرفي
******
في العاشرة إلا خمس دقائق ترجلت أمل من سيارتها بعد أن وصلت أمام مقر وزارة الصحة... كانت تشعر بالخوف والقلق لكنها ما أن رأت حسام شعرت بالطمأنينة فاقترب منها على الفور واصطحبها إلى مكتب الوزير وأثناء سيره إلى جوارها قال دون أن ينظر إليها نظراً لوجود العديد من الكاميرات
- صباح الخير
- صباح النور، ما ينفعش تدخل معايا مكتبه؟
أسر ابتسامته بصعوبة حتى لا تعتقد أنه يقلل من خوفها وشعر بالسعادة لثقتها المطلقة به وما أن استرد أنفاسه أجابها بصوت دافئ
- للأسف ما ينفعش بس لو حاول يلمسك ولا عملك أي حاجة خلي شكل يقوم بالواجب وأركني نانسي على جمب
- رخم
كاد أن يجيبها لكن منعه وصوله إلى مكتب حكيم، مساعد الوزير وهناك ترك أمل وعاد ليتابع عمله حتى لا يشك أحد، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى دلفت أمل إلى مكتب عادل فقابلها بترحاب بعد أن ترك مقعده وتقدم منها ثم مد يده ليصافحها فابتسمت وصافحته إلا أنه لم يكتفي بالمصافحة بل رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة فخجلت بشدة وسحبت يدها ثم قالت بثبات
- حضرتك چنتل مان أوي
- للأسف الوزارة بتطلب الرسميات لكن أنا في الحياة العادية غير كده خالص، أتفضلي
أحاط ظهرها بذراعه واصطحبها إلى المقعد فتسارعت نبضاتها خوفاً وجاهدت لكي لا يظهر ذلك على قسمات وجهها ثم جلست على المقعد وقالت بدلال بعد أن جلس على المقعد المقابل لها
- حلم حياتي بجد وجودي مع حضرتك
- أنتي تنوريني في أي وقت، تشربي إيه؟
- اللي حضرتك تطلبه هشربه
أكل عادل الطعم الذي رمته أمل من خلال الدلال المصاحب لنبرة صوتها ولكي لا يشك بها أجرت معه حواراً صحفياً واصطنعت الانبهار بسيرته الذاتية، أما هو فكان يتأملها بوقاحة بين تارة وأخرى وانتظر حتى أنهت حوارها ثم اقترب منها وربت على كتفها قائلاً
- خلاص هتمشي؟
- للأسف ورايا شغل مهم بس أكيد هنتقابل تاني
- وقت ما تحبي كلميني وأنا اللي هجيلك
وقفت عن مقعدها فأزال يده عن كتفها ثم ودعها بقبلة على ظاهر يدها وبمجرد أن حرر كفها لوحت إليه مودعة وغادرت كالإعصار إلى سيارتها فتابعها حسام بعينيه حتى انطلقت بها وبداخله بركان غضب فقد استمع ورأي كل ما دار بينها وبين عادل بعد أن طلب من زملائه ربط التسجيلات بهاتفه كما تم ربطها بأجهزة الإدارة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ابتعد قليلاً وهاتفها فأجابت بصوت غلبه البكاء
- نعم
- بتعيطي ليه؟
- قرفانه من الراجل المعفن اللي حط أيده على كتفي وعمال يبوس في أيدي
استطاعت كلماتها إخماد البركان الثائر بداخله فتحدث بصوت دافئ غلفه الحنان
- معلش ما تعيطيش، هيتمسك وياخد جزائه
- عارفه بس مضايقه أوي
قالتها وهي تبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه لم يظهر ذلك وهتف بمشاكسة
- خلاص بقى يا شكل
اختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم تمالكت أنفاسها وقالت بغيظ: ما تقوليش يا شكل
- حاضر يا أمل
خفق قلبها بسعادة فتلك هي المرة الأولى التي يلفظ فيها حروف أسمها فتحدثت بسعادة لا تعرف سببها
- خلاص مش هعيط، يلا روح شغلك وأنا هروح شغلي
- لما أخلص هكلمك ولو وقتك يسمح تعالي أعزمك على حاجة حلوة
- ماشي
ودعته وأنهت المكالمة وابتسامة ساحرة تزين شفتيها بينما أنهى حسام المكالمة وشعر بالربيع يسري بداخله
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف