طريقي بقربك/منى سليمان - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, March 12, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع والعشرون - بقلمي منى سليمان

* مشاكسات *

تتوالى صدمات حياتي... 
فأصبحت لا أفرق بين حياتي ومماتي... 
لكن بقربك أشعر بوجودي وذاتي... 

لا ترحل مهما كانت الظروف... 
وأبقى إلى جواري لتنسيني الألم والخوف... 

بقى أمير جالساً إلى جوارها ساعة كاملة دون أن يشعر بالملل فيكفيه وجودها بالقرب من قلبه... كان يداعب خصلات شعرها ويتأملها وهي تغفو كالملاك ولكن قاطعه صوت رنين هاتفه فأخرجه مسرعاً من جيب بنطاله حتى لا تستيقظ ثم أجاب بصوت خفيض 

- عمي وصل؟ 
- اه ومصمم يجي يعزي وعد، انتوا فين دلوقتي؟ 
- في بيت طنط سوسن، بس قوله ما يتعبش نفسه أكيد راجع من السفر مرهق
- والله قولتله يروح يرتاح ونيجي بالليل بس مصمم
- خلاص يا أمجد سيبه براحته وسلملي عليه على ما أشوفه

ودعه وأنهى المكالمة ثم أعاد الهاتف إلى جيبه فتململت وعد وقالت دون أن تفتح عينيها 

- ما تسيبنيش يا أمير، أنا خايفة 

علم أمير أنها تحلم أو بالأحرى يطاردها كابوساً فأبعد رأسها عن صدره واضعاً إياها على الوسادة ثم أخذ يمرر باطن كف يده على وجنتها بحنان وهو يردد أسمها بصوت دافئ حتى لا يفزعها... بعد مرور عدة دقائق استيقظت وودعت كابوسها ثم فتحت عينيها لتجد نفسها بين يديه فبادر برسم الابتسامة وهتف وهو مازال يتحسس ووجها بظاهر أطراف أنامله

- وحشتيني الشوية دول
- كنت بحلم أنك كنت جمبي وفجأة مشيت وجريت وراك أقولك ماتسيبنيش لوحدي أنا خايفة و

قاطعها قائلاً بنبرة صوت حانية: أششش أنا جمبك ومستحيل أسيبك يا عمري

كادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت طرق على باب الغرفة فابتعد عنها ليفتحه بينما اعتدلت هي في جلستها وما أن دلفت رمزية إلى الغرفة اقتربت من وعد وطبعت قبلة حانية على جبينها فأردف أمير

- هسيبكم مع بعض وأخرج أطمن على ماما

انتظرت رمزية حتى غادر الغرفة ثم أخذت تمسد برفق على وجه وعد وعلى خصلات شعرها فارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها وتحدثت قائلة

- وحشتيني يا ماما
- وأنتي كمان وحشتيني بس خلاص مش هنفترق تاني، وبأمر الله هشتغل وهعتمد على نفسي وهعوضك كل حاجة أتحرمتي منها
- أنا مش عايزه حاجة من الدنيا غيرك

عانقتها رمزية وشددت في احتضانها لتغمرها بالدفء الذي تحتاج إليه، وما أن استمعت إلى صوت بكاء وعد أبعدتها وأخذت تمسح دموعها ثم قالت مازحة

- بقى يا بكاشه مش عايزه حاجة من الدنيا غيري وفي واحد بيعشقك قاعد بره

توردت وجنتي وعد خجلاً فقد أصبحت قصة عشقهم حكاية يعرفها الجميع فربتت والدتها على كتفها وأرفت بحنان

- ربنا يسعدك

أسندت وعد رأسها على قدم والدتها كما كانت تفعل دائماً وهي صغيرة فبدأت رمزية تمرر يدها بين خصلات شعر ابنتها وهي تغني لها كما في الماضي فبكت وعد بالرغم من شعورها بالسعادة فدموعها دموع شوق وحنين لأيام سعيدة قضتها بين أمها وأبيها

*******

بالمطعم... 
كانت أمل تتناول الطعام بنهم وبمجرد أن رفعت رأسها وجدت حسام يتأملها في صمت فخجلت بشدة وابتلعت الطعام بصعوبة ثم ابتسمت ببلاهة وقالت ببراءة 

- كنت جعانه 

أتسعت ابتسامته ثم أرجع ظهره إلى الوراء قليلاً وهتف بهدوء: ألف هنا 

- تعرف لما بتبقى هادي كده 

رفع أحد حاجبيه في انتظار ما ستقوله فتابعت: بتبقى چنتل مان

- ولما بتعصب؟ 
- بتبقى بات مان أو سبيدر مان أو أي حاجة من الفصيلة المتوحشة و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجت الهاتف من حقيبتها وتفاجأت باتصال من رقم خاص فانتابها الشك بأن يكون المتصل الرجل الذي تسعى خلفه، وما أن تبدلت قسمات وجهها تساءل حسام بقلق

- مين؟ 

لم تجيبه لكنها أعطته الهاتف فتسرت الشك إلى قلبه وطلب منها أيجاب المكالمة فهتفت برقة 

- الو 
- انتظرتك حسب المعاد وما جتيش فقولت أطمن عليكي

تسارعت نبضات قلبها خوفاً فعلم حسام أنها تتحدث إليه وأشار بيده لتتابع حديثها فقالت بدلال

- سوري والد مرات أخويا أتوفى 
- البقاء لله، يبقى هنتظرك بكرة الساعة ١٠ صباحاً 
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي، بس عندي سؤال و

قاطعها قائلاً: أولاً مفيش داعي للشكر مكتبي هينور بوجودك، ثانياً لو هتسألي جبت الرقم أزاي فهقولك دي مصادري الخاصة 

ضحكت بدلال فصر حسام على أسنانه وشعر بغضب لا يعلم سببه فوكزها بعنف في قدما ما جعلها تتأوه بشدة فزاد غضبه بينما على الطرف الأخر ابتسم عادل وقال بهيام

- خير مالك؟ 
- معلش أتخبطت في رجلي 
- لا سلامتك، أنا مضطر أقفل وهنتطرك الصبح
- قبل المعاد هكون موجودة، باي

أنهت المكالمة ثم رمقت حسام بنظرة نارية لكنه لم يهتم وقال مقلداً طريقتها في الحديث

- قبل المعاد هكون عندك، باي.. ما تنشفي شوية يا بت أنتي إيه المياعه دي؟ 
- أنت أزاي تكلمني كده؟ وبعدين أنا بنفذ الخطة و

قاطعها عندما كور قبضته وضرب بها المنضدة فسرت رعشة خوف ببدنها وصمتت تماماً حتى لا تزيد غضبه الذي لا تعرف سببه، وساد الصمت لدقائق قطعه حينما نظر إليها وزفر بضيق ثم قال بغضب ملحوظ

- أسف
- عادي أتعودت

قالتها هي الأخرى بغضب ملحوظ فنظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف بصوت دافئ

- أنتي بالنسبالي زي حنين بالظبط ولو حنين أتكلمت بمياعه كده هكسر رقبتها

اعتقد أن ما قاله سيزيل سوء التفاهم لكنه تسبب في إغضابها أكثر وأكثر فمطت شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بحزن قائلة

- أنا مايعه؟!!! 
- شوية 
- ربنا يسامحك

قالتها بطريقة طفولية فابتسم بسعادة وقال مازحاً: أنا أتعودت على شكل ومش واخد على نانسي اللي جواكي

- مين نانسي دي؟ 
- مش عارف بس من النهارده هعتبرك شكل ونانسي
- أنت رخم أوي على فكرة 

حملت حقيبتها وهمت  أن تقوم عن مقعدها إلا أنه سبقها وقبض على معصمها ثم أردف وهو يتأمل انعكاس صورته داخل عينيها

- أنا أسف وأوعدك مش هضايفك تاني
- أنا مش زعلانه بس فعلاً لازم أمشي، عايزه أروح لوعد
- يبقى نروح سوا

حرر معصمها ثم أشار بيده إلى النادل وطلب منه الحساب وخلال دقائق قليلة مضت برفقته إلى سيارته فانطلق إلى منزل سوسن واختلس النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية بين تارة وأخرى فقد غفت كعادتها وهي تتابع الطريق

*******

انتهت سوسن من إعداد الطعام بمساعدة سلوى بالرغم من رفض سوسن لذلك إلا أن سلوى أصرت عليها حتى لا تتركها بمفردها... كان أمير يجلس بالشرفة ويفكر في الجميلة خاصته والحزن يتملكه فما تمر به ليس بالأمر الهين، ولكن قاطع تفكيره رؤيته لأمجد يصف سيارته أسفل العقار فانتظر حتى ترجلوا جميعاً ودلفوا إلى العقار ثم اتجه صوب باب الشقة وفتحه، وبمجرد أن رأى محمود تقدم منه وعانقه فقال الأخير مازحاً 

- والله وكبرت وكتبت كتابك وأنا مش موجود 
- وحشتني يا كبير ووحشتني أيام الشقاوة معاك ومع الكارثة ابنك 

ضيق أمجد بين حاجبيه ثم قاطع العناق الذي طال للحظات حينما وكز أمير في كتفه فتأوه بشدة وابتعد عن محمود وبادل أمجد بضربة على رأسه فضحكت حنين على جنونهم ثم تركتهم ودلفت إلى غرفة وعد فلوح لها أمجد لكنها لم تلتفت فأردف أمير

- عبيط أوووي

دلفوا إلى الداخل فتركت سلوى المطبخ بمجرد أن استمعت إلى صوت محمود ورحبت به فلم تراه منذ ما يقارب العامين أي منذ وفاة شقيقتها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادرت وعد غرفتها برفقة حنين ورمزية لترحب بالضيف الذي جاء خصيصاً ليساندها ويقدم واجب العزاء... ما أن وقعت عينيّ أمير على طفلته، ترك مقعده وتقدم منها ثم أمسك بيدها وساعدها على الاقتراب من محمود فوقف الأخير عن مقعده وصافحها ثم هتف بهدوء 

- البقاء لله ربنا يصبرك
- شكراً لحضرتك 

نظر إلى أمير وقال بسعادة: وعد زي القمر، ربنا يسعدكم 

- تسلم يا كبير 

ابتعد أمير برفقة وعد وساعدها على الجلوس ثم جلس إلى جوارها فوقعت عينيّ محمود على الساحرة التي تجلس إلى جوار سلوى فبادرت برسم ابتسامة خفيفة على ثغرها كترحيب فبادلها بأخرى ثم جذب أمجد من معصمه وتساءل بصوت خفيض

- مين اللي قاعده جمب خالتك؟ 
- دي مامت وعد
- مامتها أزاي دي شكلها صغير أوي
- اللي أعرفه أنها خلفت وعد وعمرها ١٩ ووعد من كام يوم تمت ١٨ يعني تقريباً عندها ٣٧ مش كبيرة، أكبر مني بتسع سنين بس

حرر محمود معصم أمجد فأردف الأخير قائلاً: متجوزة على فكرة

رفع محمود أحد حاجبيه ورمق ابنه بنظرة غيظ ثم قال بغضب: وأنا مالي متجوزة ولا مطلقة، أنا بسأل بس مين دي

- ماشي 

قالها أمجد بخبث ثم نظر إلى رمزية وتابع: منورة 

- ده نورك يا أمجد
- الصراحة مش عارف أنادي لحضرتك بأية يعني حضرتك صغيرة أوي على طنط
- قولها يا زوزو زي ما بنقولها

قالتها حنين فابتسمت رمزية وهتفت بسعادة: لسه فاكرة زوزو؟ 

- طبعاً وخلاص طالما هتفضلي معانا هنقولك يا زوزو زي زمان

قبض أمجد برفق على معصم حنين ثم مال على أذنها وتساءل بصوت خفيض

- يعني إيه هتفضل معانا؟ 
- بعدين هقولك
- لا قولي قبل ما أخوكي يجي ويطبق على نفسي

ما إن وصلت كلماته إلى مسامعها وضعت يدها على ثغرها لتأسر ضحكتها التي كانت على وشك الانفلات ثم تمالكت نفسها وقالت مازحة

- بطل تضحكني يا مجنون وبعدين أتكلم عن حسام كويس ده حبيبي 
- يا سلاااااام؟! 

ضحكت بخوت وتابعت قائلة: وأنت كمان حبيبي

- طب علشان الكلمة الحلوة دي هتقولي هتقعد ليه؟ 
- الملخص أطلقت الصبح
- لا يا شيخة
- اه والله 

حرر معصمها وربت على كف يدها ثم مال على أذن والده وقال ببلاهة: أطلقت النهارده الصبح، انطلق براحتك

- لم نفسك يا جحش
- من غير شتيمه هسكت، أنا غلطان أني عايز أظبطك بدل دور جدي اللي عايش فيه
- نروح بس وهفكرك بجدك وهو بيديك على قفاك 

*****

بدأت سوسن في إعداد المائدة بمساعدة وعد وحنين، وبمجرد أن فرغوا صدع صوت رنين الجرس ففتحت حنين وتفاجأت برؤية أمل برفقة شقيقها فانتظرت حتى دلفت أمل ثم قبضت على يد شقيقها وأبعدته قليلاً فتساءل بقلق

- إيه مالك؟! 
- هو إيه النظام علشان ما بحبش أبقى قرطاس في النص؟ 
- نظام إيه؟!!! 
- نظام أمل رايحة مع حسام وحسام بيجي مع أمل و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما ضربها بخفة على رأسها فمطت شفتيها بضجر واصطنعت الغضب قائلة

- ربنا يسامحك 
- مفيش حاجة من اللي في دماغك اللي بيني وبينها شغل وبس ولما نروح هحكيلك علشان أخلص من لسانك، يلا قدامي

مضت برفقته وبداخلها شيء يخبرها أن كل ما قاله مجرد أكاذيب وقررت مراقبة الأجواء أثناء وجودهم على مائدة الطعام فلاحظت تبادلهم للنظرات ورددت في نفسها

- نظرات رايحة وغيرها جايه ويقولي شغل، هاه ربنا يهدي

*******

لاحظ أمير شرود وعد وعدم تناولها للطعام فشعر بالأسى عليها وتمنى أن يخفف عنها ولو بلمسة لكنه يعلم جيداً أن حزنها عميق فربت على يدها وقال بحنان

- لازم تاكلي
- مش قادرة

وضع القليل من الطعام داخل ملعقته ثم قربها من شفتيها وهتف بصوت دافئ

- طيب علشان خاطري كلي دي من أيدي

امتثلت لرغبته وتناولت ما قدمه إليها فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة قطعها أمير عندما كرر فعلته وأطعمها كطفلة مدللة فشعرت رمزية بعشق أمير لابنتها ورددت بخفوت

- ربنا يسعدك يا وعد يا بنت عمري

بعد أن فرغوا من تناول الطعام جلسوا سويا ليخففوا عن وعد وتبادلوا أطراف الحديث لساعة كاملة ثم تذكرت سلوى أمراً فهتفت متسائلة

- هترجع شركتك يا محمود؟ 
- أيوه كتر خير مديرها بقاله سنتين شايل الشغل كله
- طيب رمزية بتدور على شغل إيه رأيك تشتغل معاك

نظرت إليها رمزية بامتنان بينما ابتسم أمجد بخبث وغمز لوالده بمشاكسة، فأسر محمود ابتسامته بصعوبة ورحب بالفكرة قائلاً بصوته الرجولي المعتاد 

- تنور طبعاً، حضرتك مؤهل جامعي؟ 
- أيوة بكالوريوس تجارة

زاد إعجاب محمود بها فقد أخبره أمجد أنها تزوجت في سن صغير وبالرغم من ذلك أكملت تعليمها الجامعي فهتف بترحاب 

- نوريني بكرة في الشركة والوظيفة اللي تختاريها هتكون من نصيبك
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي وحضرتك كمان يا مدام سلوى

ربتت سلوى على يد رمزية لتخبرها أنه ما من داعي للشكر، بينما رمقها محمود بنظرة غضب مصطنع وتحدث قائلاً 

- استغفر الله، مفيش شكر بينا إحنا نسايب يعني أهل
- ده بس من كرم أخلاقك

شعر محمود بالإطراء وتفادي النظر إلى ابنه الذي ورث المشاكسه عنه لكن أمجد لم ييأس فأرسل لوالده رسالة نصية من كلمتين

(الله يسهلو) 

قرأها محمود وصر على أسنانه ثم بادله برسالة (أصبر عليا يا جحش) 

قرأها أمجد وانفجر ضاحكاً فاندهشوا جميعاً لكن لم يعلق أحد فجنونه أصبح كالعلامة المسجلة 

*******

من إحدى سيارات الأجرة ترجل ياسين وزوجته فقد أقنعته بالذهاب إلى وعد للإتفاق على تفاصيل الميراث... صعد إلى شقة سوسن وضغط زر الجرس ففتحت أمل الباب وقالت برقة

- أهلاً وسهلاً 

اعتقدت أنهم أقارب وعد وجاءوا لتقديم واجب العزاء فقد كان يرتدي حلة سوداء وكذلك زوجته التي كانت ترتدي ملابس سوداء فأشارت إليهم بالدخول... ظنت وعد أيضاً أن عمها وزوجته جاءوا لمساندتها وتأكدت من ذلك عندما عانقتها زوجة عمها وهتفت بحزن مصطنع 

- قلبي عندك

لم تعيرهم رمزية أي اهتمام فقد لجأت إليهم في الماضي ولم يهتموا كما فعلوا مع ابنتها فتركت مقعدها ودلفت إلى غرفة وعد ولحقت بها سلوى وحنين وأمل ليفسحوا لهم المجال... رحب أمير بهم فقد تقابلوا في المقابر منذ عدة ساعات عند دفن يحيى وولديه وبعد مرور عدة دقائق من الصمت وكزت رجاء زوجها في ذراعه ليقول ما جاءوا لأجله فهتف بصوت مرتعش

- وعد أنا عارف أن الظرف مش مناسب بس لازم نتكلم في إجراءات إعلام الوراثة علشان الورث

جحظت عينيّ وعد في عدم تصديق بينما شعروا جميعاً بالإشمئزاز فتركت سوسن مقعدها ولحقت بهمن في الداخل بينما قال أمير بصوت رجولي حاد

- حضرتك شايف أن ده وقت مناسب تتكلم فيه عن الورث
- يا ابني أنا جاي بس أشور وعد علشان نطلع إعلام الوراثة 

تلألأت الدموع داخل مقلتيها وشعرت بصفعة جديدة من الدنيا فوقفت عن مقعدها وقالت بثبات

- خدوا كل حاجة الشقة والعربية والمكتب والفلوس اللي في البنك ما يلزمونيش، بابا ما أخدش حاجة معاه ومحدش هياخد من الدنيا حاجة غير عمله و

قاطعها أمجد حينما وقف عن مقعده وقال بغيظ وهو يوجه كلماته إلى ياسين

- من درجة حرارة الكبد الطب الشرعي أثبت وفاة مصطفى وعبد الرحمن بعد أخو حضرتك بساعة يعني شرعاً الولدين ورثوه وبعد وفاتهم وعد تورثهم لأن أمهم لما أطلقت أتنازلت عن الحضانة وأي حقوق ليها يعني نصيب جنابك مش زي ما بتحلم 

جحظت عينيّ رجاء بعدم تصديق وكادت أن تكذب ما قاله أمجد لكن سبقتها وعد وطلبت الانفراد بعمها بحضور أمير، وبمجرد أن أغلقت وعد باب الغرفة تقدمت من عمها وقدمت إليه نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها فجحطت عينيه بعدم تصديق وقال بصوت تسيطر الصدمة عليه 

- مش ولاد يحيى؟!!!! 
- أنا كان ممكن أخبي ده وأحرمك من الميراث زي ما أنت اتخليت عني لما أحتاجتلك بس أنا مش زيك وفي نفس الوقت مش عايزه بابا وأخواتي يتفضحوا ويتقال مراته ضحكت عليه وأخواتي ولاد حرام علشان كده أتمنى السر ده ما يخرحش من الأوضة دي واعتقد حقك يعادل شقة المعادي بعفشها والمكتب اللي في المهندسين وبعد إجراءات الورث هتنازل لحضرتك عنهم وكده يبقى ما ظلمتش حد ولا فضحت أبويا وأخواتي وياريت دي تكون أخر مقابلة بينا لأني عايزه أنسي الماضي بكل اللي فيه

حرك ياسين رأسه بالموافقة على ما قالته ثم غادر الغرفة واصطحب زوجته التي تملكها الغضب كما تملكها الطمع وبدأت تعنفه لكنه كان مازال تحت تأثير الصدمة وبمجرد أن استرد أنفاسه نظر إليها وقال بأسى

- ما تقلقيش وعد هتدينا الشقة بعفشها والمكتب وهتاخد هي العربية والفلوس اللي في البنك ويبقى النص ليها والنص ليا
- اللهم صلي على النبي، أيوه كده خلينا ناخد حقنا ونوسع على روحنا وعلى العيال والشقة القديمة نسيبها لابنك يتجوز فيها لما يكبر والمكتب بقى نقفله ونبيعه أهو يجيب يجي ربع مليون

تركها ياسين تبني أحلامها وشرد في حياة شقيقه البائسة فمن دمر بيته لأجلها دمرته بالنهاية ودمرت كل شيء وهو الآن يخطو على خطى شقيقه ويسير كالمغيب خلف زوجته

*******

رحل سكون الليل وظلامه ولكن بقى ظلام القلوب ومع أول ضوء لأشعة الشمس تركت نادين فراشها ثم اتجهت صوب الشرفة لتشعل سيجارة وتنفس دخانها كما تنفس الشر الساكن بداخلها... كانت تفكر في أمير الذي تخلى عنها وذهب لأخرى كما اعتقدت متناسية أنه لم يعطها الأمل في ما تشعر به نحوه ولو بكلمة... جلست على أحد المقاعد وأخذت تشعل سيجارة تلو الأخرى عل النار المشتعلة بداخلها تنطفأ ولكن دون جدوى... وبعد مرور ما يقارب الساعة تململت والدتها في الفراش ثم استيقظت عندما شعرت بعدم وجود نادين إلى جوارها فتركت الفراش ولحقت بها إلى الشرفة ثم اختطفت السيجارة من يد نادين وألقت بها في الأرض

- قاعده تدخني ولا على بالك الرميه اللي إحنا فيها
- مالها الرميه، قاعدين في فندق خمس نجوم
- وهنفضل لحد أمتى؟ 

أشعلت سيجارة ثم نفست دخانها في وجه والدتها وأجابتها ببرود: هنمشي لما يكلموني ويقولولي أرجع بس مش هرجع نادين اللي بتجري ورا أمير أحمد نور الدين جراح القلب الوسيم، لا هرجع نادين اللي هتنتقم من أمير وأخته وأمه ومراته وكل حد ليه علاقة بيه

- ناويه على إيه يا بنت بطني؟ 
- بكرة تعرفي 

******

في العاشرة إلا خمس دقائق ترجلت أمل من سيارتها بعد أن وصلت أمام مقر وزارة الصحة... كانت تشعر بالخوف والقلق لكنها ما أن رأت حسام شعرت بالطمأنينة فاقترب منها على الفور واصطحبها إلى مكتب الوزير وأثناء سيره إلى جوارها قال دون أن ينظر إليها نظراً لوجود العديد من الكاميرات

- صباح الخير 
- صباح النور، ما ينفعش تدخل معايا مكتبه؟ 

أسر ابتسامته بصعوبة حتى لا تعتقد أنه يقلل من خوفها وشعر بالسعادة لثقتها المطلقة به وما أن استرد أنفاسه أجابها بصوت دافئ

- للأسف ما ينفعش بس لو حاول يلمسك ولا عملك أي حاجة خلي شكل يقوم بالواجب وأركني نانسي على جمب
- رخم

كاد أن يجيبها لكن منعه وصوله إلى مكتب حكيم، مساعد الوزير وهناك ترك أمل وعاد ليتابع عمله حتى لا يشك أحد، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى دلفت أمل إلى مكتب عادل فقابلها بترحاب بعد أن ترك مقعده وتقدم منها ثم مد يده ليصافحها فابتسمت وصافحته إلا أنه لم يكتفي بالمصافحة بل رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة فخجلت بشدة وسحبت يدها ثم قالت بثبات

- حضرتك چنتل مان أوي
- للأسف الوزارة بتطلب الرسميات لكن أنا في الحياة العادية غير كده خالص، أتفضلي

أحاط ظهرها بذراعه واصطحبها إلى المقعد فتسارعت نبضاتها خوفاً وجاهدت لكي لا يظهر ذلك على قسمات وجهها ثم جلست على المقعد وقالت بدلال بعد أن جلس على المقعد المقابل لها

- حلم حياتي بجد وجودي مع حضرتك 
- أنتي تنوريني في أي وقت، تشربي إيه؟ 
- اللي حضرتك تطلبه هشربه

أكل عادل الطعم الذي رمته أمل من خلال الدلال المصاحب لنبرة صوتها ولكي لا يشك بها أجرت معه حواراً صحفياً واصطنعت الانبهار بسيرته الذاتية، أما هو فكان يتأملها بوقاحة بين تارة وأخرى وانتظر حتى أنهت حوارها ثم اقترب منها وربت على كتفها قائلاً 

- خلاص هتمشي؟ 
- للأسف ورايا شغل مهم بس أكيد هنتقابل تاني
- وقت ما تحبي كلميني وأنا اللي هجيلك

وقفت عن مقعدها فأزال يده عن كتفها ثم ودعها بقبلة على ظاهر يدها وبمجرد أن حرر كفها لوحت إليه مودعة وغادرت كالإعصار إلى سيارتها فتابعها حسام بعينيه حتى انطلقت بها وبداخله بركان غضب فقد استمع ورأي كل ما دار بينها وبين عادل بعد أن طلب من زملائه ربط التسجيلات بهاتفه كما تم ربطها بأجهزة الإدارة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ابتعد قليلاً وهاتفها فأجابت بصوت غلبه البكاء 

- نعم
- بتعيطي ليه؟ 
- قرفانه من الراجل المعفن اللي حط أيده على كتفي وعمال يبوس في أيدي

استطاعت كلماتها إخماد البركان الثائر بداخله فتحدث بصوت دافئ غلفه الحنان

- معلش ما تعيطيش، هيتمسك وياخد جزائه
- عارفه بس مضايقه أوي

قالتها وهي تبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه لم يظهر ذلك وهتف بمشاكسة 

- خلاص بقى يا شكل 

اختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم تمالكت أنفاسها وقالت بغيظ: ما تقوليش يا شكل

- حاضر يا أمل

خفق قلبها بسعادة فتلك هي المرة الأولى التي يلفظ فيها حروف أسمها فتحدثت بسعادة لا تعرف سببها

- خلاص مش هعيط، يلا روح شغلك وأنا هروح شغلي
- لما أخلص هكلمك ولو وقتك يسمح تعالي أعزمك على حاجة حلوة 
- ماشي

ودعته وأنهت المكالمة وابتسامة ساحرة تزين شفتيها بينما أنهى حسام المكالمة وشعر بالربيع يسري بداخله 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

No comments:

Post a Comment