07/08/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, July 8, 2019

جوري / منى سليمان

July 08, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان 

* صدمة *   

مع الساعات الأولى للصباح تململ أدم في فراشه على صوت طرق على باب غرفته فابتسم بسعادة بعد أن فتح عينيه اعتقاداً منه أن الطارق جوري، فترك فراشه واتجه صوب الباب وفتحه ليجد أحلام أمامه

- صباح الخير يا أدم

قالتها فحك مؤخرة رأسه بأطراف أنامله وقال مازحاً: أفتكرتك جوري، بس ده ما يمنعش أني أقولك صباح الورد يا لولي يا عسل

ابتسمت أحلام على جنونه الذي لا يتوقف فبادلها بغمزة من عينه وتابع متسائلاً 

- القمر عايزني في إيه؟ 
- تعالى نقعد في البلكونة وأقولك

أفسح لها المجال لتمر فدلفت واتجهت صوب الشرفة وجلست على أحد المقاعد فلحق بها وجلس على المقعد المقابل لها، وقبل أن يسألها عن ما تريده سبقته دموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها فانتفض عن مقعده ثم ثنى ركبتيه وجلس أمامها والقلق يظهر بوضوح داخل مقلتيه وعلى قسمات وجهه

- مالك، قوليلي إيه حصل ولا حد زعلك في حاجة؟
- أنا عندي سرطان ثدي ولازم أعمل عملية في أقرب وقت، لأني من سنة بأجلها لحد ما جوري تاخد الثانوية والحمد لله أخدتها ومبقاش في وقت للتأجيل

عجز أدم عن الكلام فما سمعة مفاجأة من العيار الثقيل جعلته يفقد توازنه فجلس على أرض الشرفة واضعاً رأسه بين كفيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابعت حديثها معه وبمجرد أن انتهت وقف عن الأرض واقترب منها قائلاً 

- بأمر الله هتبقي كويسه وترجعي أحسن من الأول و

قاطعته قائلة بصوت أقرب إلى الرجاء: أوعدني أنها ما تعرفش دلوقتي وأوعدني تنفذ اللي طلبته منك

- أوعدك أني هعمل كل اللي طلبيته وأحميها العمر كله بس أرجوكي بلاش نبرة الحزن واليأس اللي في صوتك وخلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله، هقوم قبل ما جوري تصحى

وقفت عن مقعدها ثم ربتت على كتفه وغادرت فجلس وهو مازال تحت تأثير الصدمة وظل هكذا لعدة دقائق قطعتها جوري عندما دلفت إلى الغرفة وهي تشعر بالقلق فقد طرقت بابه أكثر من مرة دون أن يبادلها بالرد فاقتربت منه وقالت برقة

- أدم

أعاده صوتها العذب إلى أرض الواقع كما سرقه من أحزانه فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهتف

- عيونه
- صباح الخير

مد يده وجذبها بخفة لتجلس إلى جواره ثم أزال الخصلات الهاربة على وجهها ليرى عينيها بوضوح وقال

- صباح الورد، نمتي كويس؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم وتساءلت: مالك؟ أول مرة أخبط كتير كده وما تفتحش، سرحان في إيه؟ 

- فيكي

قالها بصوت دافئ ثم رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة جعلت نبضات قلبها تتسارع فوقفت عن مقعدها وتحدثت بتلعثم

- ها هروح أحضر الفطار

لم تنتظر رده وغادرت في عُجالة فابتسم على براءتها بالرغم من البركان الثائر بداخله فللمرة الأولى في عمره يشعر بهذا الكم من العجز أمام ما قالته أحلام فزفر بضيق ثم اتجه صوب حمام غرفته وأنعش جسده تحت المياة الباردة علها تخمد النيران المشتعلة بداخله

***

خيم الهدوء القاتل على مائدة الطعام وكان الصمت حليف الجميع عدا جوري التي تبادلت نظرات الاندهاش مع ابنه عمها لمياء فقالت الأخيرة بدون سابق إنذار

- وحدوووووه
- لا إله إلا الله 

رددوها في ذات اللحظة وبدأوا في تناول الطعام بل وبدأ أدم في مشاكستهن حتى لا تشعر طفلته بالسر الذي دفنه بداخله بالرغم من وعده لها منذ أكثر من عام آلا يخبئ عنها شيء 

****

بقصر فريد فهمي... 
جلست فاتن ووالدتها على مائدة الطعام فبدأت الأخيرة في تناول طعامها دون أن تعير عدم وجود زوجها أي اهتمام ففعلت ابنتها المثل لكنها توقفت عندما رأت الخادمة تهبط الدرج وهي تحمل شنطة سفر تعلم جيداً أنها تخص والدها فمالت على أذن والدتها وتساءلت

- هو دادي مسافر ولا إيه؟ 
- معرفش

ما أن توقفت عن الحديث هبط فريد الدرج ثم اقترب من فاتن وأخبرها أنه انفصل عن والدتها نهائياً في المساء فجحظت عينيها من هول الصدمة وقالت 

- كده يا دادي هتمشي وتسيبنا
- وجودي في حياتكم زي عدمه، أبقي خليكي مع مامي واعملي اللي يريحك ولما يجي يوم وتفوقي هتلاقي بابي مفتوح

أحاط كتفيها بذراعيه وقربها منه ثم طبع قبلة على جبينها وغادر كالإعصار الغاضب فوقفت فاتن ولا هي تستوعب ما حدث، وبقت هكذا حتى اقتربت منها والدتها وربتت على كتفها ثم تحدثت ببرود

- أوعي تزعلي، بكرة يرجع يتمنالي الرضا ومش كده وبس أنا هحققلك الحلم اللي نفسك فيه
- بجد يا مامي؟ 
- بجد يا عيون مامي 

لمعت عينيّ فاتن فرحاً وأخذت تدور حول نفسها في سعادة فقد منعها والدها من تحقيق حلمها واليوم رحل ليبدأ فصل جديد من فصول حياتها التافهة التي لا تقل انحدار عن حياة والدتها

***
في المساء...
غادرت جوري برفقة أدم لتتجول بشوارع القاهرة بينما دلفت لمياء إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقها سعد الذي يعمل بإحدى دول الخليج، فبقت أحلام بمفردها... بعد مرور عدة دقائق اقتربت منها فاطمة ثم ربتت على كتفها وقالت بعد أن جلست إلى جوارها 

- عملتي إيه مع أدم؟ 
- قولتله كل حاجة ووعدني هيحفظ السر لحد ما الأقي الوقت المناسب وأقولها، عموماً هي فاهمة أني مسافرة مع ماجدة وأحمد عمرة وقتها هعمل العملية ومش هرجع غير وأنا كويسة 

أغمضت فاطمة عينيها بأسى ولم ترغب في زيادة الضيق بقلب شقيقتها فرددت في نفسها 

- يا خوفي تعرف من بره وتتصدم

****

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل جلست جوري تراقب مياهه في صمت فتأملها أدم لدقائق دون أن يتفوه ولو بكلمة فقد كان يعلم كل ما يدور برأسها ومع ذلك لا يمكنه إخبارها

- سرحانة في إيه؟ 

أدارت وجهها إليه وكادت أن تجيبه إلا أنه سبقها وتابع مازحاً: بتحبي جديد ولا إيه؟ 

ابتسمت على جنونه ثم رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته: لا طبعاً أنا حبيت من زمان وادبست

- وادبستي!!! 

رددها بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون لكنه أسكتها بنظرة صارمة وأردف: لينا حساب في البيت على صوت ضحكتك 

أخفضت رأسها فبدت كطفلة صغيرة أفسدت شيئاً ما والآن على وشك العقاب فابتسم على هيئتها وتابع بجدية مصطنعة

- بصيلي
- لا 

قالتها بطريقة طفولية أسرة للقلوب فقال بصوت دافئ: علشان خاطري

رفعت رأسها قليلاً فتلاقت أعينهم في نظرة ساحرة كانت أصدق من الكلام، وخيم الصمت لدقائق قطعها عندما تساءل

- قوليلي بجد سرحانه في إيه؟ 
- ماما فيها حاجة ومش عايزه تقولي، وكمان هتسافر العمرة وأنا قلقانه عليها و

قاطعها قائلاً: يا قلبي أنتي مش متعودة تبعدي عنها وهي كمان فزعلانه وأنتي قلقانة

- لا يا أدم أنا بقالي شهور حاسة أنها مش زي الأول
- بطلي قلق ووسواس بقى وقولي يا أدم تاني كده

قالها بعد أن أسند يده أسفل وجنته فضحكت من جديد ضاربة عرض الحائط بنظراته المتوعدة فما كان منه إلا أنه شاركها الضحك بجنون ثم اصطحبها إلى الخارج وذهبا في نزهة على كورنيش النيل وتشابكت أيديهما طوال الطرق

*****

في صباح اليوم التالي استعدت جوري لبدأ رحلتها الجامعية وتحقيق الحلم الذي طالما تمنته... تناولت طعام الإفطار برفقة أسرتها فنست معهم التوتر الساكن بقلبها واستمدت كذلك القوة من حبيبها الذي بمجرد أن فرغ من طعامه اصطحبها بسيارته إلى الجامعة وقام في البداية بإيصال لمياء ثم مضى برفقة جوري إلى كلية الصيدلة وساعدها على الحصول على الجدول الخاص بمواعيد المحاضرات ثم ودعها ليغادر فشعرت أنها وحيدة كما شعرت برغبة ملحة في البكاء ولكن سرعان ما انتهى خوفها عندما شعرت به يقف خلفها ويقول

- إياكي تعيطي، أنا عندي محاضرة واحدة هخلصها وأجيلك، مفهوم؟ 

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها بعد أن استمدت منه الدفعة التي تحتاج إليها فلوحت بيدها مودعة ثم تنفست بعمق ودلفت إلى الداخل لتحضر أولى محاضراتها

***
عشقتكِ منذ نعومة أظافركِ...
وكلما مر عام ازداد الرابط بين قلبي وقلبكِ...

مر عامين كاملين تغير خلالهما الكثير عدا العشق الساكن بقلب أدم وطفلته جوري... 
تخطى أدم عامه الثالث بالجامعة بنجاح باهر وحافظ على تقديرة العام، وبالإضافة إلى ذلك لمع اسمه داخل الفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة وحصل على أدور البطولة في العديد من العروض
تعودت جوري على حياة الجامعة وتخطت عامها التمهيدي والأول بتقدير (جيد) ولكن بقى بداخلها ذات الشك بأن والدتها تخفي عنها أمراً
تخطت لمياء أيضاً السنة التمهيدية لكلية الطب وعامها الأول بنجاح باهر
حفظت فاطمة سر شقيقتها بالرغم من الألم الدفين بقلبها، بل وساعدتها على تخطي المحنة وساندتها في أصعب الأوقات
تحسنت حالة أحلام بعد أن أجرت الجراحة بالإضافة إلى تلقيها العلاج الكيميائي والإشعاعي، وكلما ظهرت عليها الأعراض الجانبية للدواء كانت تخبر جوري أن ما تمر به بسبب معاناتها مع فقر الدم الحاد بالإضافة إلى قرحة بالمعدة والأثنى عشر فكانت تُصدقها تارة وينتابها الشك تارة أخرى وبمرور الوقت تحسنت والدتها وعاد الأمل ليسري بداخلها من جديد
استقل فريد بحياته وتزوج من امرأةً تعرف عليها من خلال أحد أصدقائه القدامى وينعم الآن بحياة هادئة حصل من خلالها على مزيد من التألق في حياته المهنية
استمرت فاتن في الرسوب في الجامعة وذلك لانشغالاها في تحقيق ما تمنت وساعدتها والدتها بكل نفوذها لتثبت لزوجها السابق أنها كانت على صواب

***

في الواحدة ظهراً انتهت محاضرة أدم قبل موعدها بساعة كاملة فقرر الذهاب إلى جامعة جوري ليصطحبها إلى المنزل... خلال دقائق قليلة وصل إلى وجهته وبدأ يبحث بعينيه عنها فتطاير شرار الغضب منهما عندما رآها تقف برفقة مجموعة من الشباب فاقترب منها كالبركان النشط فكان على وشك الانفجار... قبض بعنف على معصمها وجذبها بدون سابق إنذار فحاول أحد زملائها منعه إلا أنه لم يهتم وأكمل طريقه ضاربًا عرض الحائط برغبتها في إفلات يدها وظل هكذا حتى وصل أمام السيارة وقال بحدة 

- إركبي 

سرت رعشة خوف في جسدها فدلفت إلى السيارة دون أن تتفوه ولو بكلمة وخلال دقيقة واحدة ركب إلى جوارها وانطلق بسرعة جنونية فسقطت دموعها بغزارة وتساءلت في نفسها ما الذنب الذي ارتكبته ليعاملني هكذا؟... من أين جاءت كل تلك القسوة؟... لِم لا يسمح لي بما يفعله دائماً فهو يتحدث مع زميلاته ويمنعني؟... 
ظلت الأسئلة تتردد داخل عقل جوري دون أن تجد إجابة فاستمرت في البكاء حتى أوقف السيارة بدون سابق إنذار وتابع رمي السهام المسمومة من فمه قائلاً بذات الحدة 

- ممكن أعرف إيه المسخرة اللي شوفتها من شوية؟! 

نظرت إليه بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء ورمقته بنظرة لم يستطع تفسيرها هل هي لوم أم حزن أم ندم فتابع

- كام مرة قولت شباب لا، كام مرة أتخانقت معاكي علشان كده وكمان أتخانقت مع اللي واقفين معاكي؟ 
- أنت ليه مصمم تلغي شخصيتي، من وأنا صغيرة دايماً تقولي أعملي وما تعمليش، ده مسموح وده ليه، ليه يا أدم مصمم تخليني ضلع تابع وبس، ليه

قاطعها قائلاً بحدة: ولا كلمة زيادة، أنتي ملكي أنا وأنا اللي أقول تعملي إيه وتروحي فين وتكلمي مين وتلبسي إيه، وده غصب عنك على فكرة 

جحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما سمعته، من هذا الوحش الكاسر وأين ذهب حبيبها؟ ما هذا التملك السافر وكيف يعاملها كجارية لا حول لها ولا قوة؟ فاقت من صدمتها عندما أدار محرك السيارة وانطلق بسرعة جنونية حتى وصل إلى العقار فترجلت دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم ركضت إلى الداخل ودموعها تنهمر على وجنتيها فلحق بها وقبل أن يقبض على معصمها سبقته ودلفت إلى غرفتها مغلقة الباب خلفها بالمفتاح 

*****

في ذات اللحظة كانت أحلام بعيادة الطبيب المتابع لحالتها للقيام بالكشف الدوري، تبدلت قسمات وجهه عندما استشعر وجود ورم بالثدي الأخر لكنه لم يظهر لها ذلك وطلب منها ارتداء ثيابها، وبمجرد أن فرغت اقتربت منه وتساءلت

- هاه يا دكتور، كله تمام؟ 
- كان نفسي أطمنك زي كل مرة بس

قاطعته فاطمة قائلة بقلق: بس إيه أتكلم أرجوك 

- أنا شاكك أن في ورم جديد في الثدي التاني

جحظت عينيّ أحلام وهي لا تصدق ما سمعته بينما وضعت فاطمة يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فتابع

- هنعمل رنين والتحاليل وأشوفك بكرة علشان نعرف هنعمل إيه

كانت أحلام كالمغيبة لا تسمع ولا ترى شيئاً فاقتربت منها فاطمة وساعدتها على النهوض ثم أمرت السائق بالانطلاق إلى مركز الأشعة والتحاليل

****

في المساء عادت أحلام تجر أذيال خيبتها واتجهت مُباشرةً صوب غرفتها فلحقت بها فاطمة وقالت

- ربنا حماكي مرة وأكيد هيقف جمب في التانية

ربتت أحلام على كف شقيقتها الموضوع على كتفها ثم أراحت جسدها على الفراش علها تفوق من الصدمة فتركتها فاطمة وذهبت لتطمئن على جوري ولمياء فوجدت الأخيرة تتابع دروسها بينما وجدت جوري نائمة كالملاك فجلست إلى جوارها على حافت الفراش ورددت في نفسها

- عيني عليكي يا بنتي، أبوكي مات وأمك بتعافر مع الدنيا علشان تفضل جمبك، ربنا يشفيها ويفرحها بيكي

وقفت عن الفراش وغادرت إلى غرفة أدم ووجدته نائماً هو الأخر فعادت إلى غرفتها ثم توضأت لتصلي ركعتين لله

****

في صباح اليوم التالي ساد الصمت داخل أركان المنزل... لم تغادر جوري غرفتها ولم تتناول الطعام أيضاً وكذلك والدتها، أما أدم فغادر إلى الجامعة مصطحباً لمياء فقط ليعاقب جوري على ذنب لم تقترفه فاندهشت فاطمة لكنها لم تعلق اعتقاداً منها أن جوري لن تداوم بالجامعة اليوم

- صباح الخير يا جوري
- صباح الخير، ماما صحيت؟ 
- جيت أصبح عليكي وهروح أشوفها علشان ورانا مشوار 

همت فاطمة أن تقوم حافة الفراش لكنها توقفت عندما سألتها جوري: هو أنتوا كنتوا فين امبارح ورايحين فين بدري كده؟ 

- أصل أمك هتطلع عمرة تاني مع ماجدة وأحمد
- بجد؟ 

تساءلت ببراءة ونبرة صوت تحمل السعادة بطياتها فشعرت فاطمة بغصة في قلبها إلا أنها لم تظهر ذلك وحركت رأسها لأعلى وأسفل قائلة

- بجد، هروح أصحيها

غادرت فاطمة إلى غرفة شقيقتها وقصت عليها ما قالته لجوري، وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انطلقت برفقتها إلى مركز الأشعة والتحاليل لتستلم النتيجة 

***

بالمنزل... 
ازداد شعور جوري بالحزن لرحيل أدم دون أن يعتذر منها أو يعترف بغلطه، فتركت غرفتها واتجهت صوب غرفته ثم أخذت تستنشق عبير عطره العالق بملابسه لكنها ما أن تذكرت حديثه ونبرة صوته الأمرة تركت الغرفة واتجهت صوب غرفة والدتها حيث تشعر بالأمان دائماً... جلست على حافة الفراش وأمسكت صورة والدها الموضوعة إلى جوارها وبدأت تتحدث إليه لتخبره بما حدث معها، وبمجرد أن أعادت الصورة إلى حيث كانت، وجدت بطاقة التعريف الخاصة بالطبيب ودُون بها اختصاصه كطبيب لجراحة الأورام فوضعت يدها على ثغرها وحركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة لرفض شكوكها فتركت الفراش وأخذت تبحث عن أي ورقة تخص والدتها وبالفعل وجدت مجموعة من التقارير الطبية يعود تاريخها إلى عامين مضوا فخرت قواها وسقطت راكعة، وبعد مرور عدة دقائق شعرت بالاختناق فتركت الشقة وركضت إلى المجهول

أمصيبتي 🙅🙆🤦🤦🙅😂😂😂 هي راحت فين، أتبخرت ولا إيه بصوت شلبي سولوفان 😂 محدش يدعي عليا المفروض تدعولي علشان حقيقي مخنوقه ومضايقة 😭😢

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلفجوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان 

* صدمة *   

مع الساعات الأولى للصباح تململ أدم في فراشه على صوت طرق على باب غرفته فابتسم بسعادة بعد أن فتح عينيه اعتقاداً منه أن الطارق جوري، فترك فراشه واتجه صوب الباب وفتحه ليجد أحلام أمامه

- صباح الخير يا أدم

قالتها فحك مؤخرة رأسه بأطراف أنامله وقال مازحاً: أفتكرتك جوري، بس ده ما يمنعش أني أقولك صباح الورد يا لولي يا عسل

ابتسمت أحلام على جنونه الذي لا يتوقف فبادلها بغمزة من عينه وتابع متسائلاً 

- القمر عايزني في إيه؟ 
- تعالى نقعد في البلكونة وأقولك

أفسح لها المجال لتمر فدلفت واتجهت صوب الشرفة وجلست على أحد المقاعد فلحق بها وجلس على المقعد المقابل لها، وقبل أن يسألها عن ما تريده سبقته دموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها فانتفض عن مقعده ثم ثنى ركبتيه وجلس أمامها والقلق يظهر بوضوح داخل مقلتيه وعلى قسمات وجهه

- مالك، قوليلي إيه حصل ولا حد زعلك في حاجة؟
- أنا عندي سرطان ثدي ولازم أعمل عملية في أقرب وقت، لأني من سنة بأجلها لحد ما جوري تاخد الثانوية والحمد لله أخدتها ومبقاش في وقت للتأجيل

عجز أدم عن الكلام فما سمعة مفاجأة من العيار الثقيل جعلته يفقد توازنه فجلس على أرض الشرفة واضعاً رأسه بين كفيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابعت حديثها معه وبمجرد أن انتهت وقف عن الأرض واقترب منها قائلاً 

- بأمر الله هتبقي كويسه وترجعي أحسن من الأول و

قاطعته قائلة بصوت أقرب إلى الرجاء: أوعدني أنها ما تعرفش دلوقتي وأوعدني تنفذ اللي طلبته منك

- أوعدك أني هعمل كل اللي طلبيته وأحميها العمر كله بس أرجوكي بلاش نبرة الحزن واليأس اللي في صوتك وخلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله، هقوم قبل ما جوري تصحى

وقفت عن مقعدها ثم ربتت على كتفه وغادرت فجلس وهو مازال تحت تأثير الصدمة وظل هكذا لعدة دقائق قطعتها جوري عندما دلفت إلى الغرفة وهي تشعر بالقلق فقد طرقت بابه أكثر من مرة دون أن يبادلها بالرد فاقتربت منه وقالت برقة

- أدم

أعاده صوتها العذب إلى أرض الواقع كما سرقه من أحزانه فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهتف

- عيونه
- صباح الخير

مد يده وجذبها بخفة لتجلس إلى جواره ثم أزال الخصلات الهاربة على وجهها ليرى عينيها بوضوح وقال

- صباح الورد، نمتي كويس؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم وتساءلت: مالك؟ أول مرة أخبط كتير كده وما تفتحش، سرحان في إيه؟ 

- فيكي

قالها بصوت دافئ ثم رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة جعلت نبضات قلبها تتسارع فوقفت عن مقعدها وتحدثت بتلعثم

- ها هروح أحضر الفطار

لم تنتظر رده وغادرت في عُجالة فابتسم على براءتها بالرغم من البركان الثائر بداخله فللمرة الأولى في عمره يشعر بهذا الكم من العجز أمام ما قالته أحلام فزفر بضيق ثم اتجه صوب حمام غرفته وأنعش جسده تحت المياة الباردة علها تخمد النيران المشتعلة بداخله

***

خيم الهدوء القاتل على مائدة الطعام وكان الصمت حليف الجميع عدا جوري التي تبادلت نظرات الاندهاش مع ابنه عمها لمياء فقالت الأخيرة بدون سابق إنذار

- وحدوووووه
- لا إله إلا الله 

رددوها في ذات اللحظة وبدأوا في تناول الطعام بل وبدأ أدم في مشاكستهن حتى لا تشعر طفلته بالسر الذي دفنه بداخله بالرغم من وعده لها منذ أكثر من عام آلا يخبئ عنها شيء 

****

بقصر فريد فهمي... 
جلست فاتن ووالدتها على مائدة الطعام فبدأت الأخيرة في تناول طعامها دون أن تعير عدم وجود زوجها أي اهتمام ففعلت ابنتها المثل لكنها توقفت عندما رأت الخادمة تهبط الدرج وهي تحمل شنطة سفر تعلم جيداً أنها تخص والدها فمالت على أذن والدتها وتساءلت

- هو دادي مسافر ولا إيه؟ 
- معرفش

ما أن توقفت عن الحديث هبط فريد الدرج ثم اقترب من فاتن وأخبرها أنه انفصل عن والدتها نهائياً في المساء فجحظت عينيها من هول الصدمة وقالت 

- كده يا دادي هتمشي وتسيبنا
- وجودي في حياتكم زي عدمه، أبقي خليكي مع مامي واعملي اللي يريحك ولما يجي يوم وتفوقي هتلاقي بابي مفتوح

أحاط كتفيها بذراعيه وقربها منه ثم طبع قبلة على جبينها وغادر كالإعصار الغاضب فوقفت فاتن ولا هي تستوعب ما حدث، وبقت هكذا حتى اقتربت منها والدتها وربتت على كتفها ثم تحدثت ببرود

- أوعي تزعلي، بكرة يرجع يتمنالي الرضا ومش كده وبس أنا هحققلك الحلم اللي نفسك فيه
- بجد يا مامي؟ 
- بجد يا عيون مامي 

لمعت عينيّ فاتن فرحاً وأخذت تدور حول نفسها في سعادة فقد منعها والدها من تحقيق حلمها واليوم رحل ليبدأ فصل جديد من فصول حياتها التافهة التي لا تقل انحدار عن حياة والدتها

***
في المساء...
غادرت جوري برفقة أدم لتتجول بشوارع القاهرة بينما دلفت لمياء إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقها سعد الذي يعمل بإحدى دول الخليج، فبقت أحلام بمفردها... بعد مرور عدة دقائق اقتربت منها فاطمة ثم ربتت على كتفها وقالت بعد أن جلست إلى جوارها 

- عملتي إيه مع أدم؟ 
- قولتله كل حاجة ووعدني هيحفظ السر لحد ما الأقي الوقت المناسب وأقولها، عموماً هي فاهمة أني مسافرة مع ماجدة وأحمد عمرة وقتها هعمل العملية ومش هرجع غير وأنا كويسة 

أغمضت فاطمة عينيها بأسى ولم ترغب في زيادة الضيق بقلب شقيقتها فرددت في نفسها 

- يا خوفي تعرف من بره وتتصدم

****

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل جلست جوري تراقب مياهه في صمت فتأملها أدم لدقائق دون أن يتفوه ولو بكلمة فقد كان يعلم كل ما يدور برأسها ومع ذلك لا يمكنه إخبارها

- سرحانة في إيه؟ 

أدارت وجهها إليه وكادت أن تجيبه إلا أنه سبقها وتابع مازحاً: بتحبي جديد ولا إيه؟ 

ابتسمت على جنونه ثم رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته: لا طبعاً أنا حبيت من زمان وادبست

- وادبستي!!! 

رددها بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون لكنه أسكتها بنظرة صارمة وأردف: لينا حساب في البيت على صوت ضحكتك 

أخفضت رأسها فبدت كطفلة صغيرة أفسدت شيئاً ما والآن على وشك العقاب فابتسم على هيئتها وتابع بجدية مصطنعة

- بصيلي
- لا 

قالتها بطريقة طفولية أسرة للقلوب فقال بصوت دافئ: علشان خاطري

رفعت رأسها قليلاً فتلاقت أعينهم في نظرة ساحرة كانت أصدق من الكلام، وخيم الصمت لدقائق قطعها عندما تساءل

- قوليلي بجد سرحانه في إيه؟ 
- ماما فيها حاجة ومش عايزه تقولي، وكمان هتسافر العمرة وأنا قلقانه عليها و

قاطعها قائلاً: يا قلبي أنتي مش متعودة تبعدي عنها وهي كمان فزعلانه وأنتي قلقانة

- لا يا أدم أنا بقالي شهور حاسة أنها مش زي الأول
- بطلي قلق ووسواس بقى وقولي يا أدم تاني كده

قالها بعد أن أسند يده أسفل وجنته فضحكت من جديد ضاربة عرض الحائط بنظراته المتوعدة فما كان منه إلا أنه شاركها الضحك بجنون ثم اصطحبها إلى الخارج وذهبا في نزهة على كورنيش النيل وتشابكت أيديهما طوال الطرق

*****

في صباح اليوم التالي استعدت جوري لبدأ رحلتها الجامعية وتحقيق الحلم الذي طالما تمنته... تناولت طعام الإفطار برفقة أسرتها فنست معهم التوتر الساكن بقلبها واستمدت كذلك القوة من حبيبها الذي بمجرد أن فرغ من طعامه اصطحبها بسيارته إلى الجامعة وقام في البداية بإيصال لمياء ثم مضى برفقة جوري إلى كلية الصيدلة وساعدها على الحصول على الجدول الخاص بمواعيد المحاضرات ثم ودعها ليغادر فشعرت أنها وحيدة كما شعرت برغبة ملحة في البكاء ولكن سرعان ما انتهى خوفها عندما شعرت به يقف خلفها ويقول

- إياكي تعيطي، أنا عندي محاضرة واحدة هخلصها وأجيلك، مفهوم؟ 

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها بعد أن استمدت منه الدفعة التي تحتاج إليها فلوحت بيدها مودعة ثم تنفست بعمق ودلفت إلى الداخل لتحضر أولى محاضراتها

***
عشقتكِ منذ نعومة أظافركِ...
وكلما مر عام ازداد الرابط بين قلبي وقلبكِ...

مر عامين كاملين تغير خلالهما الكثير عدا العشق الساكن بقلب أدم وطفلته جوري... 
تخطى أدم عامه الثالث بالجامعة بنجاح باهر وحافظ على تقديرة العام، وبالإضافة إلى ذلك لمع اسمه داخل الفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة وحصل على أدور البطولة في العديد من العروض
تعودت جوري على حياة الجامعة وتخطت عامها التمهيدي والأول بتقدير (جيد) ولكن بقى بداخلها ذات الشك بأن والدتها تخفي عنها أمراً
تخطت لمياء أيضاً السنة التمهيدية لكلية الطب وعامها الأول بنجاح باهر
حفظت فاطمة سر شقيقتها بالرغم من الألم الدفين بقلبها، بل وساعدتها على تخطي المحنة وساندتها في أصعب الأوقات
تحسنت حالة أحلام بعد أن أجرت الجراحة بالإضافة إلى تلقيها العلاج الكيميائي والإشعاعي، وكلما ظهرت عليها الأعراض الجانبية للدواء كانت تخبر جوري أن ما تمر به بسبب معاناتها مع فقر الدم الحاد بالإضافة إلى قرحة بالمعدة والأثنى عشر فكانت تُصدقها تارة وينتابها الشك تارة أخرى وبمرور الوقت تحسنت والدتها وعاد الأمل ليسري بداخلها من جديد
استقل فريد بحياته وتزوج من امرأةً تعرف عليها من خلال أحد أصدقائه القدامى وينعم الآن بحياة هادئة حصل من خلالها على مزيد من التألق في حياته المهنية
استمرت فاتن في الرسوب في الجامعة وذلك لانشغالاها في تحقيق ما تمنت وساعدتها والدتها بكل نفوذها لتثبت لزوجها السابق أنها كانت على صواب

***

في الواحدة ظهراً انتهت محاضرة أدم قبل موعدها بساعة كاملة فقرر الذهاب إلى جامعة جوري ليصطحبها إلى المنزل... خلال دقائق قليلة وصل إلى وجهته وبدأ يبحث بعينيه عنها فتطاير شرار الغضب منهما عندما رآها تقف برفقة مجموعة من الشباب فاقترب منها كالبركان النشط فكان على وشك الانفجار... قبض بعنف على معصمها وجذبها بدون سابق إنذار فحاول أحد زملائها منعه إلا أنه لم يهتم وأكمل طريقه ضاربًا عرض الحائط برغبتها في إفلات يدها وظل هكذا حتى وصل أمام السيارة وقال بحدة 

- إركبي 

سرت رعشة خوف في جسدها فدلفت إلى السيارة دون أن تتفوه ولو بكلمة وخلال دقيقة واحدة ركب إلى جوارها وانطلق بسرعة جنونية فسقطت دموعها بغزارة وتساءلت في نفسها ما الذنب الذي ارتكبته ليعاملني هكذا؟... من أين جاءت كل تلك القسوة؟... لِم لا يسمح لي بما يفعله دائماً فهو يتحدث مع زميلاته ويمنعني؟... 
ظلت الأسئلة تتردد داخل عقل جوري دون أن تجد إجابة فاستمرت في البكاء حتى أوقف السيارة بدون سابق إنذار وتابع رمي السهام المسمومة من فمه قائلاً بذات الحدة 

- ممكن أعرف إيه المسخرة اللي شوفتها من شوية؟! 

نظرت إليه بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء ورمقته بنظرة لم يستطع تفسيرها هل هي لوم أم حزن أم ندم فتابع

- كام مرة قولت شباب لا، كام مرة أتخانقت معاكي علشان كده وكمان أتخانقت مع اللي واقفين معاكي؟ 
- أنت ليه مصمم تلغي شخصيتي، من وأنا صغيرة دايماً تقولي أعملي وما تعمليش، ده مسموح وده ليه، ليه يا أدم مصمم تخليني ضلع تابع وبس، ليه

قاطعها قائلاً بحدة: ولا كلمة زيادة، أنتي ملكي أنا وأنا اللي أقول تعملي إيه وتروحي فين وتكلمي مين وتلبسي إيه، وده غصب عنك على فكرة 

جحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما سمعته، من هذا الوحش الكاسر وأين ذهب حبيبها؟ ما هذا التملك السافر وكيف يعاملها كجارية لا حول لها ولا قوة؟ فاقت من صدمتها عندما أدار محرك السيارة وانطلق بسرعة جنونية حتى وصل إلى العقار فترجلت دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم ركضت إلى الداخل ودموعها تنهمر على وجنتيها فلحق بها وقبل أن يقبض على معصمها سبقته ودلفت إلى غرفتها مغلقة الباب خلفها بالمفتاح 

*****

في ذات اللحظة كانت أحلام بعيادة الطبيب المتابع لحالتها للقيام بالكشف الدوري، تبدلت قسمات وجهه عندما استشعر وجود ورم بالثدي الأخر لكنه لم يظهر لها ذلك وطلب منها ارتداء ثيابها، وبمجرد أن فرغت اقتربت منه وتساءلت

- هاه يا دكتور، كله تمام؟ 
- كان نفسي أطمنك زي كل مرة بس

قاطعته فاطمة قائلة بقلق: بس إيه أتكلم أرجوك 

- أنا شاكك أن في ورم جديد في الثدي التاني

جحظت عينيّ أحلام وهي لا تصدق ما سمعته بينما وضعت فاطمة يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فتابع

- هنعمل رنين والتحاليل وأشوفك بكرة علشان نعرف هنعمل إيه

كانت أحلام كالمغيبة لا تسمع ولا ترى شيئاً فاقتربت منها فاطمة وساعدتها على النهوض ثم أمرت السائق بالانطلاق إلى مركز الأشعة والتحاليل

****

في المساء عادت أحلام تجر أذيال خيبتها واتجهت مُباشرةً صوب غرفتها فلحقت بها فاطمة وقالت

- ربنا حماكي مرة وأكيد هيقف جمب في التانية

ربتت أحلام على كف شقيقتها الموضوع على كتفها ثم أراحت جسدها على الفراش علها تفوق من الصدمة فتركتها فاطمة وذهبت لتطمئن على جوري ولمياء فوجدت الأخيرة تتابع دروسها بينما وجدت جوري نائمة كالملاك فجلست إلى جوارها على حافت الفراش ورددت في نفسها

- عيني عليكي يا بنتي، أبوكي مات وأمك بتعافر مع الدنيا علشان تفضل جمبك، ربنا يشفيها ويفرحها بيكي

وقفت عن الفراش وغادرت إلى غرفة أدم ووجدته نائماً هو الأخر فعادت إلى غرفتها ثم توضأت لتصلي ركعتين لله

****

في صباح اليوم التالي ساد الصمت داخل أركان المنزل... لم تغادر جوري غرفتها ولم تتناول الطعام أيضاً وكذلك والدتها، أما أدم فغادر إلى الجامعة مصطحباً لمياء فقط ليعاقب جوري على ذنب لم تقترفه فاندهشت فاطمة لكنها لم تعلق اعتقاداً منها أن جوري لن تداوم بالجامعة اليوم

- صباح الخير يا جوري
- صباح الخير، ماما صحيت؟ 
- جيت أصبح عليكي وهروح أشوفها علشان ورانا مشوار 

همت فاطمة أن تقوم حافة الفراش لكنها توقفت عندما سألتها جوري: هو أنتوا كنتوا فين امبارح ورايحين فين بدري كده؟ 

- أصل أمك هتطلع عمرة تاني مع ماجدة وأحمد
- بجد؟ 

تساءلت ببراءة ونبرة صوت تحمل السعادة بطياتها فشعرت فاطمة بغصة في قلبها إلا أنها لم تظهر ذلك وحركت رأسها لأعلى وأسفل قائلة

- بجد، هروح أصحيها

غادرت فاطمة إلى غرفة شقيقتها وقصت عليها ما قالته لجوري، وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انطلقت برفقتها إلى مركز الأشعة والتحاليل لتستلم النتيجة 

***

بالمنزل... 
ازداد شعور جوري بالحزن لرحيل أدم دون أن يعتذر منها أو يعترف بغلطه، فتركت غرفتها واتجهت صوب غرفته ثم أخذت تستنشق عبير عطره العالق بملابسه لكنها ما أن تذكرت حديثه ونبرة صوته الأمرة تركت الغرفة واتجهت صوب غرفة والدتها حيث تشعر بالأمان دائماً... جلست على حافة الفراش وأمسكت صورة والدها الموضوعة إلى جوارها وبدأت تتحدث إليه لتخبره بما حدث معها، وبمجرد أن أعادت الصورة إلى حيث كانت، وجدت بطاقة التعريف الخاصة بالطبيب ودُون بها اختصاصه كطبيب لجراحة الأورام فوضعت يدها على ثغرها وحركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة لرفض شكوكها فتركت الفراش وأخذت تبحث عن أي ورقة تخص والدتها وبالفعل وجدت مجموعة من التقارير الطبية يعود تاريخها إلى عامين مضوا فخرت قواها وسقطت راكعة، وبعد مرور عدة دقائق شعرت بالاختناق فتركت الشقة وركضت إلى المجهول



ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف