07/29/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, July 29, 2019

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثامن عشر - بقلمي منى سليمان  

* حنين *  

ركضت سهيلة باتجاه غرفة فاتن ثم اقتربت منها وأخذت تضرب برفق على وجنتها علها تفيق فتململت بكسل وخلال لحظات قليلة استعادت وعيها بعد أن نثرت مساعدتها القليل من العطر بالقرب من أنفها فاعتدلت بصعوبة وهي تشعر بثقل جسدها ثم ساعدتها سهيلة على النهوض عن الأرض وتساءلت بقلق

- حاسه بإيه؟ 

لم تستطع فاتن أن تجيبها لشعورها الشديد بالتعب والإرهاق فأراحت جسدها إلى الخلف قليلاً لكنها شعرت برغبة ملحة في التقيؤ فوضعت يدها على ثغرها وركضت باتجاه الحمام ما زاد قلقل سهيلة فطلبت من مساعدة فاتن إخبار المخرج بإلغاء التصوير ثم انتظرت حتى انتهت فاتن واصطحبتها إلى الخارج وخلال لحظات انطلقت بسيارتها إلى المشفى الذي يمتلكه أحد أصدقائها من خارج الوسط الفني، بينما أسندت فاتن رأسها على شباك السيارة لشعورها الشديد بالنعاس 

*****

بالجامعة... 
انتهت جوري من أداء امتحانها ووقفت تُراجع بعض الإجابات مع زميلاتها وبمجرد أن انتهت وجدت أدم يستند بجسده على سيارته ويقف في انتظارها فاقتربت منه والسعادة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فردد مازحاً كعادته

- أنا خايفة يا أدم، حاسة مش هعرف أحل يا أدم، ودلوقتي السعادة هتنط من عينيكي
- ما كل اللي ذاكرته جه في الامتحان لازم أفرح
- ماشي، كل القلق يهون علشان عيونك يا جميل

أشار بيده فدلفت إلى سيارة وما هي إلا لحظة واحدة حتى ركب إلى جوارها وأدار محرك السيارة فسبقته قائلة

- إيه رأيك أجي بكرة الكلية عندك وأستناك لحد ما تخلص امتحانك و

قاطعها قائلاً: إياكي تقربي من باب الكلية عندي، أنتي عايزاني ارتكب جريمة قتل ولا إيه؟ 

وضعت يديها في منتصف خصرها وهتفت بغيظ: يا سلام، خايف حد يعاكسني ولا خايف أجي ألاقي البنات بيعاكسوك ما أنت صورتك منوره في إعلانات المسرحية في كل حتة و

توقفت عن إكمال كلماتها وتطاير شرار الغضب من عينيها حينما هندم ياقة قميصه ورفع رأسه بشموخ ليُزيد غيرتها فصرت على أسنانها وتابعت

- أنت غتت وغلس ورخم، وهنزل وأسيبك

همت أن تفتح باب السيارة لكنه سبقها وأغلق جميع الأبواب من خلال الزر الرئيسي الموجود إلى جواره فأدارت وجهها إليه وأردفت بغيظ

- تسمح تفتح الباب
- لا ما أسمحشي

قالها بطريقة موسيقية ثم غمز لها بمشاكسة ما زاد غضبها، وقبل أن تنفجر في وجهه سبقها وقال بنبرة صوت هادئة

- بحبك يا مجنونة، ولو حواليا ألف واحدة مش هشوف غيرك
- طيب لو مليون؟ 

لم يفهم مقصدها في البداية لكنه وصل إلى ما ترمي إليه فكاد أن ينفجر ضاحكاً ومع ذلك تمسك بجديته وأجابها

- ولو عشرة مليون حتى مش هشوف واحدة غيرك
- بجد يا أدم؟ 
- بجد يا قلب أدم

تنهدت براحة فانطلق عائداً إلى المنزل لتحصل على قسط من الراحة ويتابع هو دروسه قبل امتحانه الأول

*****

في ذات اللحظة توقف عماد على مقربة من شارع المعز على أمل تناول فنجان قهوته برفقة لمياء فوجدها تغفو كالملاك على المقعد المجاور له... تأملها للحظات وقلبه يخفق بطريقة كان قد نسيها ولكن حال بينهما بعد الخصلات الساقطة على وجهها وشفتيها فتمنى أن يزيلها ومع ذلك لم يستطع لمسها خوفاً من غضبها فناداها بصوته العذب عدة مرات حتى استيقظت وفتحت عينيها 

- سوري نمت من تعبي، وصلنا؟ 

تساءلت وهي تدور بعينيها في المكان، وقبل أن يجيبها تابعت: شكل القهوة وحشتك

- شوية، بس شكلك تعبانه خلينا نروح
- لا خلينا شوية، المكان هنا مريح فعلاً وهشرب معاك قهوة يمكن أصحصح عندي بكرة عملي 

نفذ رغبتها على الفور وأكمل طريقه إلى المقهى وخلال لحظات قليلة وصل إلى وجهته وترجل من السيارة ثم اتجه صوب بابها وفتحه فاندهشت من رقة معاملته دون أن تعلق ثم مضت برفقته وجلست على المقعد المقابل له فسألها بحماس 

- إحساسك إيه وأنتي شايفه أول كتابين ليكي؟ 
- فرحة بجد ما تتوصفش، خصوصاً أنهم هيكونوا أول وأخر كتب ليا

اندهش بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهه فتابعت: مفيش وقت أكتب، دراستي صعبة والدراسة مش زي أي جامعة ده غير الدراسة في المستشفيات والتكليف

- بس ده ما يمنعش أنك تكتبي، خصصي ساعة في اليوم لقلمك أو على الأكل ٣ ساعات في الأسبوع
- هحاول، ممكن لما أسافر أبقى

قاطعها متسائلاً: هتسافري فين؟ 

- العزبة، إحنا بنيجي القاهرة أيام الدراسة بس

شعر عماد بحزن عميق فلم يتخيل يوماً أن تبتعد، وكيف سيمر يومه دون أن يراها ولو خلسة من خلال شرفتها فشرد بشدة لدرجة أنسته الزمان والمكان ولم يفق من شروده إلا عندما وضع النادل فنجان القهوة أمامه ثم انصرف فتساءل بحزن 

- هتسمحيلي أكلمك لما تسافري؟ 

خفق قلبها بسعادة وأجابته برقة: طبعاً وقبل المعرض بيوم هكون موجودة، عارف إحنا عايشين في العزبة بس علشان أرضنا، بعد وفاة عمي أبو أدم وعمي أبو جوري، بابا كان لازم يراعي كل الأراضي دي فكان الحل أننا كلنا نسيب القاهرة ونروح هناك، العزبة جميلة جداً أتمنى في يوم تيجي وتقضي يوم فيها

كان يستمع إليها باهتمام وبدأت تصف له المكان والطبيعة لدرجة جعلته يرسم لوحة فنية داخل رأسه، وبمجرد أن توقفت عن الحديث ارتشف قطرات قهوته وهتف

- أكيد في يوم هاجي وتوريني كل ده بنفسك، تقدوي تقولي هتبقي المرشدة السياحية بتاعتي

قال كلماته الأخيرة هامساً ليشاكسها فابتسمت على فعلته ثم تحدثت بجدية مصطنعة

- مفيش مانع بس ما ترجعش في كلامك
- أنا عمري ما رجعت في كلامي، يلا علشان تلحقي تنامي شوية عيونك كلها نوم

حركت رأسها بالموافقة ومضت برفقته فانطلق عائداً إلى المنزل وبداخله شعوراً قوياً بالحنين إليها بالرغم من وجودها إلى جواره

****

وصلت سهيلة وابنتها إلى المشفى واتجهت مُباشرةً إلى غرفة صاحب المشفى فأدخلتها الممرضة على الفور بناءاً على تعليماته فقد تحدثت إليه سهيلة وهي بالطريق لينتظر وصولها... رحب بسهيلة ثم اصطحب فاتن إلى غرفة الكشف المجاورة لغرفته وبدأ في معاينتها لتتبدل ملامحه وتساوره الشكوك فقرر إجراء بعض التحاليل ليقطع الشك باليقين

- طمني يا سليم؟ 
- ما تقلقيش هي مرتاحه على السرير جوه علشان الدوخه وكلها عشر دقايق وتطلع نتيجة التحليل اللي طلبته و

قاطعته متسائلة بقلق: تحليل ليه؟ 

- مفيش حاجة عايز أطمن عليها، ممكن تهدي شوية علشان ما توتريش البنت

حركت رأسها بالموافقة وهدأت قليلاً، وخلال دقائق قليلة طرقت الممرضة باب الغرفة واقتربت منه ثم أعطته نتيجة التحاليل لتتأكد شكوكه فرفع رأسه عن الأوراق وقال بارتباك

- سهيلة التحاليل اللي قدامي بتقول أن أن يعني فاتن، والله ما عارف أقولك إيه

خفق قلبها بسرعة جنونية فاختطفت الأوراق من يده بعد أن قدمها إليها فجحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما تراه، فترك سليم مقعده واقترب منها قائلاً 

- ممكن تهدي شوية يمكن

قاطعته قائلة: يمكن إيه يا سليم، بنتي أنا حامل من غير جواز طيب أزاي، هقول لفريد إيه هقوله كان معاك حق وأنا فشلت في تربيتها

- وليه تفكري كده مش يمكن متجوزه، أهدي وأدخلي أتكلمي معاها
- ولو طلعت مش متجوزه هعمل أنا إيه وقتها؟! 
- هنلاقي حل، أتكلمي معاها الأول وأي مشكلة في الدنيا ليها حل وأنا جمبك ومستحيل أتخلى عنك

حركت رأسها لأعلى وأسفل ثم وقفت عن مقعدها وغادرت إلى الغرفة المجاورة حيث ترقد فاتن ثم اقتربت منها وأعطتها نتيجة التحاليل فقرأت فاتن النتيجة ووضعت يدها على ثغرها من هول الصدمة، وقبل أن تتفوه ولو بكلمة، قالت سهيلة بغضب ملحوظ

- أنا عايزه أعرف كل حاجة حالا

قصت فاتن على والدتها كل ما حدث بداية من لقائها بالثري العربي في إحدى الحفلات الفنية، حتى طلاقها منه فتعالت شهقات سهيلة وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتابعت فاتن

- أنا آسفة
- آسفة بعد إيه والمصيبة اللي في بطنك هنعمل فيها إيه، هقول لفريد إيه هقوله كان عندك حق وأنا غلطت في تربية بنتي، بنتي أنا تتجوز جواز متعة ليه ناقصك إيه ده إحنا عندنا جبل فلوس، وكمان ما عملتيش حسابك وحامل
- والله أخدت حبوب بس غصب عني نسيت قرصين و

قاطعتها سهيلة قائلة بحدة: أنتي تخرسي خالص، ما فكرتيش لما تتجوزي هتعملي إيه، هتقولي كنت متجوزة متعة والعقد أهوه

- ما أنتي أتجوزتي عرفي وخطفتيه من مراته كمان

قالتها فاتن بجرأة فلم تشعر سهيلة بنفسها إلا وهي تصفعها على وجنتها بكل الغضب الكائن بداخلها فوضعت فاتن يدها على موضع الصفعة وهي تكاد لا تصدق ما حدث فهتفت سهيلة بحدة

- أنتي تخرسي، أنا أتجوزت عند مأذون لا بورقة ولا بعقد وقبل أبوكي محدش لمسني ولو أتجوزت ألف مرة بعده مش هتجوز جوازه زي اللي أتجوزتيها

غادرت سهيلة الغرفة مغلقة الباب خلفها بعنف فانتفض جسد فاتن وللمرة الأولى تشعر بالضياع فانفجرت دموعها كالشلال، بينما بالغرفة المجاورة جلست سهيلة على المقعد المقابل لسليم والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فلم يستطع سؤالها عن ما حدث بالداخل وفضل الانتظار حتى تهدأ قليلاً فنظرت إليه وقالت بصوت أقرب إلى الرجاء 

- سليم أنا طالبة منك خدمة وأعتبرها خدمة العمر كله وأي حاجة تطلبها أنا تحت أمرك
- قولي يا سهيلة اللي أنتي عايزاه من غير مقدمات إحنا نعرف بعض من و إحنا أطفال يعني مفيش بينا حساسيات

لم يكن أمام سهيلة خيار أخر فلن تسمح بولادة هذا الطفل وضياع مستقبل ابنتها من ناحية، ومن ناحية أخرى لن تترك فريد ينتصر عليها فقد تحقق كل ما قاله وضاعت فاتن بسبب الدلال الزائد والحرية المفرطة فتحدثت بدون أي تردد أو تفكير

- عايزاك تنزل اللي في بطنها وترجعها بنت زي ما كانت

ابتلع سليم ريقه بصعوبة فقد توقع طلبها الأول لكن الثاني كان مفاجأة له فلم يفعل ما طلبته منذ أن تخرج من كلية الطب ومع ذلك حرك رأسه بالموافقة وردد 

- كل اللي أنتي عايزاه هعمله بس أديني كام يوم أرتب أموري، أنتي عارفه هنا مستشفى كبيرة وعمليات من النوع ده مستحيل تتم جواها وده خوف عليكي وعلى فاتن قبل ما يكون عليا، لو الصحافة شمت خبر هتبقى فضيحة 
- عندك حق، خد وقتك وخلينا على تليفون

وقفت عن مقعدها واتجهت صوب الغرفة الأخرى ثم اصطحبت فاتن إلى السيارة وبمجرد أن دلفت إليها أخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت بأحد الصحفيين ثم طلبت منه نشر خبر تعرض فاتن لوعكة صحية بسبب تناولها طعاماً فاسداً حتى لا يشك أحد بشيء فقد رآها الكثيرين داخل موقع التصوير وهي في حالة إعياء شديدة، وبمجرد أن أنهت المكالمة انطلقت إلى القصر وبداخلها بركان نشط على وشك الانفجار وإلقاء حممه هنا وهناك

*****

مضت عدة أيام هادئة وانشغل الجميع في امتحانات منتصف العام الدراسي عدا عماد الذي لم يشعر سوى بالحنين لرؤية لمياء فمنذ ما يقارب السبع أيام لم يراها ولو خلسة نظراً لانشغالها ولم يتحدث إليها حتى لا يسرق من وقتها ولو دقيقة قد تُفيدها في الدراسة.... 
على عكس عماد جاء أدم فقد كان دائم التواجد إلى جوار جوري وساندها كلما شعرت بالخوف من الامتحانات وكان ينتظرها خارج الجامعة حتى تنتهي ليطمئن عليها.... 
شعرت لمياء أيضاً بالحنين لرؤية عماد ومع ذلك فضلت دراستها علها تتوقف عن التفكير فيه ولكن هيهات فما يربطها به لم يعد شعوراً غامضاً إنه عشق تسلل خلسة إلى قلبها وأصبح يغذي جميع شرايينه فقررت إجراء الاتصال لتستمع إلى صوته وتخمد نيران الاشتياق... على الجانب الأخر كان منكباً على حاسوبه الشخصي يراجع بعض الأعمال الأدبية استعداداً لطباعتها فصدح صوت رنين هاتفه وأجاب دون أن ينظر إلى رقم المتصل نظراً لانشغاله فجاءه صوتها العذب متسائلة

- أزيك؟ 

رفع رأسه عن الحاسوب وأبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد أنها تتحدث إليه ثم أعاده على الفور وهتف بدون أي تردد أو تفكير

- وحشتيني

أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فارتبكت بشدة واكتست وجنتيها بحمرة الخجل فتابع مغيراً مجرى الحديث

- عامله إيه في الامتحانات؟ 
- كو كويسه

ظهر على شفتيه شبه ابتسامة فقد تسببت كلمته لها بالارتباك فتنحنح قائلاً: يعني هنجيب تقدير ولا عمي أحمد هيقول الكتابة شغلتك؟ 

- هجيب تقدير بأمر الله، أدعيلي أنت بس 
- ربنا يوفقك

تنهدت براحة وبدأت تتحدث إليه وكأنها افتقدته لعام كامل ما جعل الربيع يسري بداخله فقد ارتوى عطشه لسماع صوتها وتمنى أن يراها ولو لدقيقة لتشبع عينيه أيضاً من رؤيتها فقاطع حديثها قائلاً 

- ينفع أشوفك دقايق عايز أديلك حاجة
- أنا في البيت ممكن أقابلك بعد دقيقة في أول البلكونة شمال

قالتها مازحة فابتسم على جنونها وترك مقعده على الفور ثم اتجه صوب الشرفة ليجدها تقف في انتظاره فأبعد الهاتف عن أذنه وأنهى المكالمة ثم بدأ يطالعها بنظرات أصدق من الكلام فخجلت بشدة وتابعت بصوت مرتعش

- آسفة لو عطلتك
- بالعكس أنا مبسوط أني شوفتك وسمعت صوتك

مد يده في جيب سرواله وأخرج منها قلادة ذهبية يتدلى منها آية الكرسي ثم قدمها إليها فاندهشت بشدة وتابعت

- إيه دي؟ 
- دي كانت هدية من أغلى ست عاشت في قلبي

لوت لمياء ثغرها بضجر وتساءلت: والدتك؟ 

- جدتي، قبل ما تموت أدتهالي وقالتلي خليها معاك علشان تحفظك وأنا عايزك تخليها معاكي علشان تحفظك

خفق قلبها بسعادة فقد تأكدت بالدليل القاطع أنه يبادلها نفس المشاعر والأحاسيس ومع ذلك قررت رفض ما قدمه إليها فتحدثت بخجل

- بس أنا مش هقدر

قاطعها قائلاً: مش هقبل أي اعتراض، اعتبريها هدية مؤقتة وهبقى أخدها منك بعد خمس سنين

- أشمعنى خمس سنين؟ 
- فاضلك سنتين ونص دراسة وسنتين تكليف وأمتياز والنص سنة الزيادة أوفر خاص ليكي

غمز لها بمشاكسة فأتسعت ابتسامتها ومدت يدها لتأخذ القلادة لكنه لم يضعها بداخلها بل وضع كفه أسفل كفها ووضع القلادة باليد الأخرى ثم طوى يدها برفق وتابع وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- خدي بالك من نفسك وما تبعديش خليكي دايماً قريبة

سحبت كفها من بين كفيه فقد زاد خجلها لدرجة جعلتها تفقد السيطرة على نبضات قلبها وشعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها فابتعدت خطوات قليلة إلى الوراء وقالت بارتباك

- ها أذاكر أروح أقصد ها أروح أذاكر، باي

ركضت إلى الداخل فحال الحائط بينهما لكن عماد لم يغضب بل تنفس براحة وعاد إلى الداخل والسعادة تملأ قلبه ثم جلس على مقعده وبدأ يتذكر ابتسامتها ولمعة عينيها ليقاطعه ذلك الصوت الذي دائماً ما يُفسد لحظاته 

- هتخونك

وضع يديه على أذنيه عل الصوت يتوقف ثم فتح عينيه وردد بحدة: مش هتخوني، مش زيهم

*****

ترجلت من سيارتها وهي لا ترى تحت قدميها فقد كان الظلام حالكاً ثم اتجهت صوب الطرف الأخر من السيارة وطلبت من فاتن النزول فنفذت رغبة والدتها ثم مضت برفقتها إلى داخل منزل من طابق واحد ثم دلفت إلى الداخل ورأت سليم الذي رحب بوالدتها ثم اقترب منها وسألها

- جاهزة يا فاتن؟ 

لم تكن تفهم أي شيء فلم تتحدث معها سهيلة طوال الأيام المنصرفة ولو كلمة حتى أنها لم تشاركها الطعام أو الجلوس بغرفة واحدة فتساءلت

- جاهزة لإيه؟ 

اندهش سليم ونظر إلى سهيلة ففهمت ما يرمي إليه وقالت: ما قولتلهاش حاجة ولا طيقاها أصلاً و

قاطعها سليم قائلاً: سهيلة ده مش وقته إحنا هنا علشان نحل المشكلة مش نعاتب وكلها دقايق والدكتور اللي هيعمل العمليتين على وصول بس نسمع رأي فاتن الأول

أدار وجهه ونظر إلى فاتن ثم أخبرها عن السبب الذي جاءت لأجله فوافقت على الفور لتتخلص من كل ما فعلت، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل الطبيب ومساعده فلحق بهم سليم ليتابع سير العملية وبمجرد أن انتهى الطبيب من مهمته غادر سليم واقترب من سهيلة التي بدا الخوف واضحاً على قسمات وجهها 

- طمني
- كله تمام، أطمني

تنفست بعمق ثم جلست على أحد المقاعد لتلتقط أنفاسها وتمتمت في نفسها

- عمرك ما هتنتصر عليا يا فريد، بالعكس هنعلى أنا وبنتي أكتر وأكتر


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* قلادة ذهبية *  

اندهش أدم بشدة من رؤيتها تقف أمامه ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وبادلها التحية بأخرى فاصطنعت الابتسامة ثم تخطته ودلفت إلى الداخل ما زاد اندهاشه

- داد قالي النهارده أول ظهور ليك قدام جمهور وكاميرات وإعلام، فحبيت أدعمك وأديلك خبرتي

كان مبررها قوي وصدقه أدم بسهولة فهتف: ده شرف ليا أن فنانة جميلة زيك وبنت مخرج عظيم وممثلة قديرة زي الأستاذة سهيلة تيجي تدعمني، حقيقي مش عارف أقول إيه

- ما تقولش حاجة، ركز في طريقك وبسسسس ولو محتاج دعم تاني نحن هنا وفي الخدمة

قالتها بطريقة تمثيلية فابتسم لها وعلى الفور بادلته بأخرى وتابعت: هسيبك بقى وأروح أدعم داد، باي 

لوحت بيدها مودعة ثم غادرت على الفور وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها، بينما التقط أدم هاتفه وتحدث إلى حبيبته فقد كان يشتاق إلى سماع صوتها، لكن رنين صوت الهاتف سبقه وصدح في أرجاء الغرفة فحرك رأسه يميناً ويساراً في سعادة وأجاب قائلاً 

- كنت ماسك الفون علشان أكلمكِ
- سبقتك

قالتها جوري بمرح طفولي بالرغم من شعورها بالحزن لأنها لم تستطع الذهاب معه ومشاركته أولى خطواته 

- كان نفسي تبقي معايا
- وأنا بس ما تقلقش أم لسان طويل في الطريق ووصتها تاخد بالها منك

بدأت جملتها بمرح وأنهتها بنبرة صوت متوعدة فاصطنع الخوف وبدأ يمازحها لتنطلق من بين شفتيها أعلى الضحكات التي دائماً ما تنير دربه فتحدث بسعادة

- ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا، يلا روح فاضل ربع ساعة وتحقق حلمك

تنهد أدم براحة فشعرت لأجله بالسعادة وكادت أن تُنهي المكالمة إلا أنه سبقها وقال

- أنتي حلمي يا جوري وهتفضلي حلمي لأخر يوم في عمري
- وأنا بحبك أوي أوي أووووي كتيررررر، بس أوعى واحدة تعاكسك ساعتها همووووتك وأموت وراك
- مجنونة
- عارفه

ودعته وأنهت المكالمة ثم وضعت الهاتف إلى جوارها وابتسامة ساحرة تزين شفتيها، وعلى الطرف الأخر شرد أدم فى الجنية خاصته للحظات ثم عاد إلى أرض الواقع وغادر الغرفة استعداداً لبدء العرض

****

وصل عماد إلى وجهته وأوقف سيارته أمام باب المسرح فترجلت لمياء ووقفت في انتظاره حتى يصف السيارة ولكن طال انتظارها نظراً لازدحام المكان... اقترب منها ورآها تطالع ساعة يدها فوقف خلفها وهتف مازحاً 

- مستنيه حد؟ 

أدارت جسدها إليه وعقدت ذراعيها أمام صدرها كما عقدت بين حاجبيها فابتسم على فعلتها وتابع

- ركنت بمعجزة
- ماشي

قالتها بمرح طفولي بعد أن حررت ذراعيها ثم مضت برفقته إلى الداخل وجلست على المقعد المخصص لها فجلس عماد إلى جوارها لكنه شعر بالضيق لوجود رجل في نهاية العقد الرابع من عمره يجلس إلى جوارها فمال على أذنها وهتف

- تعالي أقعدي مكاني
- ليه؟ 
- هبقى أقولك بعدين

اندهش بشدة ومع ذلك نفذت رغبته فتنهد براحة لكن شعوره لم يدوم طويلاً فقد جلس إلى جوارها شاب لا يتعدى الخامسة والعشرون ما أشعل النيران بداخله فمال عليها مرة أخرى وأردف

- تعالي مكاني

رفعت أحد حاجبيها باستنكار فشعر أنه وضع نفسه في مأذق ومع ذلك وقف عن مقعده لتجلس في محله فنفذت رغبته وبمجرد أن جلست سألته

- هو في إيه؟ 
- مفيش عايزك تقعدي في مكان تشوفي منه كويس

لم تُصدق حجته البالية فأدار وجهه نحو الطرف الأخر، وعلى الفور انتبهت لمياء إلى الشاب الجالس على يمين عماد ثم نظرت إلى الرجل الجالس إلى جوارها وبدأت في ربط ما حدث فعلمت أنه شعر بالغيرة من جلوس الرجل فتبادل معها الأماكن، وعندما جلس الشاب ازداد شعوره بالغيرة فتبادل الأماكن مرة أخرى ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على شفتيها رآها عماد ولم يعلق حتى لا يُزيد شعوره بالإحراج 

****

بدأ العرض وكان أدم محط أنظار الكثيرين وبصفة خاصة فاتن، أما لمياء فتابعت العمل بانبهار بالإضافة إلى مراقبة عماد فلم ينتبه للعرض ولو للحظة فقط كان مشغولاً بمراقبة الرجل الجالس إلى جوارها فشعرت بالسعادة لوجود كل هذا الاهتمام تجاهها بقلبه ومع ذلك لم تُظهر له ملاحظاتها لما يفعله حتى لا تضعه بموقف محرج... مضت الدقائق والساعات سريعاً وانتهى العرض فتعالت صيحات الجميع ما جعل أدم يشعر بسعادة من نوع خاص لم ينقصها سوى عدم وجود جوري، انحنى ليحيي جمهوره ثم تنفس بعمق ورفع رأسه فلوحت لمياء إليه ليبادلها بغمزة اندهشت لها فاتن وأدارت رأسها لتعلم لمن يرسل غمزته فوجدت فتاة أقل ما يُقال عنها ساحرة فلوت ثغرها بضجر وتمتمت في نفسها

- هو مش فاضي ولا إيه؟ 

غادرت مقعدها على الفور واتجهت صوب الغرف الخاصة بالمسرح فرأت والدها يقف برفقة طاقم العمل فاقتربت منه وعانقته فبادلها العناق دون أن يُلاحظ تعلق عينيها بأدم الواقف خلفه، وبمجرد أن ابتعدت عنه اقتربت من أدم وهتفت

- مبروك
- الله يبارك فيكي
- تمثيلك فوق الممتاز
- دي شهادة أعتز بيها، بعد إذنك

تركها وودع الجميع على أمل اللقاء غداً ثم اتجه إلى غرفته والتقط هاتفه على الفور وأجرى اتصالاً بحبيبته فأجابت على الفور

- مبرووووك يا عمري، لمياء لسه قافله معايا وقالت كنت ممتاز
- الله يبارك فيكي، ساعة وهكون عندك وهجبلك معايا حاجة حلوة 
- مش عايزه حاجة غير أني أشوف فرحتك، سوق على مهلك 
- حاضر يا قلبي

أنهت جوري المكالمة والسعادة تملأ قلبها فقد تذكرها بمجرد أن انتهى العرض المسرحي ما بعث الطمأنينة لقلبها... 
على الطرف الأخر بدأ أدم في إزالة الماكياج الخاص بالدور ثم بدأ في إبدال ثيابه استعداداً للمغادرة

****

بالخارج... 
رحل جميع من بالمسرح عدا لمياء وعماد فشعر بالراحة وتحدث بثبات قائلاً 

- كده أحسن بدل ما نخرج في الزحمة، أتفضلي
- هستنى أدم ولو مروح هروح معاه

شعر عماد بالحزن فكم تمنى استمرار وجودها إلى جواره ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وهتف بهدوء

- زي ما تحبي، بس أتصلي بيه علشان أطمن أنك هتروحي معاه

حركت رأسها بالموافقة وأخرجت هاتفها ثم اتصلت بأدم لكنه لم يُجيب فكررت الاتصال عدة مرات دون جدوى فقد كان يقف برفقة باقي طاقم العمل في أجواء ملأتها البهجة فلم ينتبه إلى صوت رنين هاتفه، فأبعدت الهاتف عن أذنها وقالت برقة

- مش بيرد

جاهد بشتى الطرق إخفاء سعادته لكنه لم يستطع أسر الابتسامة التي لازمت شفتيه حينما هتف: يبقى مستحيل أسيبك واقفة لوحدك، يلا بينا 

مضت برفقته وانتظرته أمام باب المسرح حتى أحضر السيارة وركبت إلى جواره فانطلق عائداً وخيم الصمت لدقائق قطعها حينما استجمع شجاعته وأردف

- ينفع أعزمك على حاجة قبل ما نروح؟ 
- مش عارفه

كانت إجابتها نموذجية فحرك رأسه يميناً ويساراً وسألها بمشاكسة: يعني دي اه ولا لا؟ 

- الوقت أتأخر و
- مش هأخرك هشرب فنجان قهوة وهعزمك على أي عصير فريش وهنمشي على طول، قولتي إيه؟ 
- أوك موافقة

تسارعت نبضاته في سعادة واتجه صوب شارع المعز حيث يوجد مقهى صغير يتميز بالهدوء ثم أوقف السيارة وترجل منها فترجلت هي الأخرى ومضت برفقته إلى الداخل... جلست على أحد المقاعد وأخذت تطالع المكان بانبهار فاندهش بشدة وتساءل

- أول مرة تيجي ولا إيه؟ 
- مش بخرج كتير، يادوب على قد مشوار الجامعة
- هنا مكاني المفضل و

توقف عن إكمال كلماته حينما اقترب منه النادل ورحب به بشدة فانتظرت لمياء حتى غادر وقالت بانبهار

- واو ده أنت مشهور هنا أوي
- كنت باجي كل يوم لمدة خمس سنين متواصلين أشرب قهوة، ولما سافرت كنت مشتاق أوي للقاعده هنا وفنجان القهوة من أيد محروس الرغاي اللي كان واقف هنا من دقيقة
- ليه سافرت؟ 

سألته بتلقائية فشرد للحظات في سبب سفره وعادت إليه ذكرياته المؤلمة والفترة الحرجة التي قضاها بالخارج لكنه فاق من شروده حينما تابعت

- آسفة شكلي ضايقتك
- لا أبداً، سافرت مع بابا كان مرضه صعب ولما أتوفى فضلت هناك فترة بس وحشتني بلدي وحياتي ولما حسيت أني بقيت أفضل رجعت
- أجمل حاجة أن في التلات سنين دول أنك ما بطلتش تكتب، أقولك سر؟ 

قالتها بصوت خفيض وهي تقترب منه فاقترب منها بدوره وأجابها بذات الصوت الخفيض ليشاكسها

- قولي السر
- كنت بستنى كتابك بفارغ الصبر، يمكن لو كان فات معرض من غير ما اشتري روايتك كنت أتجننت
- الحمد لله نزلت، عارفه ليه؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: علشان أنتي بالفعل مجنونة ومش ناقصه جنان 

ردد كلماته بصوت خفيض وطريقة تمثيليلة فانفجرت ضاحكة فشاركها الضحك بجنون ثم استرد أنفاسه وتأملها فخجلت بشدة ومع ذلك بدأت تثرثر معه فاستمع إليها بقلبه قبل أذنيه ولم يقاطعها سوى صوت رنين هاتفها فأجابت قائلة

- أخيرااااا أفتكرتني
- معلش، أنتي فين؟ 
- روحت مع أستاذ عماد
- وأنتي فين دلوقتي؟ 
- في شارع المعز صمم يعزمني على حاجة

رفع أدم أحد حاجبيه وقال بجدية مصطنعة: من غير إذن كده، هي سايبه ولا إيه؟ 

- وأنا أخد إذن منك ليه، بابا مديني كارت بلانش وأقفل خليني اشرب العصير علشان نمشي
- ماشي لما ترجعي هقص لسانك

أنهت المكالمة واندهشت لرؤية عماد يسند يده أسفل وجنته فسألته: بتبصلي كده ليه؟ 

- جميل أوي الترابط الأسري بينكم، والأجمل أنك صريحة، كان ممكن تقوليله في الطريق بس قولتي كل حاجة من غير خوف
- بابا طول عمره يقولي خليكي صريحة طالما واثقة أنك ما بتعمليش شيء غلط 
- أنتي جميلة أوي يا لمياء، مش جمال شكل وبس، جمالك من جوه وبره

خجلت بشدة واصطبغت وجنتيها بالحمرة فخبأت عينيها عنه واصطنعت الإنشغال بارتشاف قطرات العصير فتناول قهوته دون أن يتفوه بالمزيد حتى لا يُزيد خجلها، وبمجرد أن فرغ اصطحبها إلى السيارة وانطلق عائداً إلى المنزل 

*****

مضى أيام تبعتها أيام واقترب موعد امتحانات منتصف العام فشعر عماد بفراغ وكأنه فقد قطعة من روحه عندما انشغلت لمياء بمتابعة دروسها ومع ذلك قررت احترام انشغالاها واكتفى بمكالمة هاتفية كل مساء ليستمع إلى صوتها العذب... 
اهتمت جوري أيضاً بمتابعة دروسها طوال الشهر الماضي حتى لا يقل تقديرها العام، كما اهتمت بوالدتها وساندتها في أصعب أيامها... 
استطاع أدم تنظيم وقته بين الدراسة والعمل المسرحي حتى لا يضيع حلمه أو يخسر ثقة والدته... 
قضت فاتن الأيام الماضية بين استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي لتصور المسلسل الجديد الذي تتشارك بطولته مع والدتها وكعادتها أهملت دراستها تماماً ما زاد غضب فريد لكنها لم تستمع إليه ومضت بالطريق الذي اختارته وساندتها والدتها بقوة لتصنع منها نجمة وتضعها على عرش شاشات السينما والتلفاز... 

*****

استقل المصعد وأطلق صفيراً عالياً لشعوره بالسعادة، وما أن وصل إلى وجهته دلف إلى الداخل ثم اتجه مُباشرةً صوب غرفتها وطرق بابها وخلال لحظة واحدة أتاه صوتها العذب سامحاً له بالدخول فدلف وهو يخبأ كفيه خلف ظهره ثم اقترب منها وقال بنبرة صوت حانية 

- وحشتيني 
- وأنت كمان

قالتها وهي تحاول إلقاء نظرة خاطفة على ما يخبئه خلف ظهره لكنه لم يسمح لها بذلك وهتف مازحاً 

- بتبصي على إيه يا حشرية؟ 
- انا حشرية؟! 

تساءلت بطريقتها الطفولية التي يعشقها أدم ثم مطت شفتيها واصطنعت الغضب فأسر ابتسامته بصعوبة وأجابها بجدية مصطنعة

- شوية
- أنت رخم وأنا مخصماك
- خلاص خاصميني ومش هتشوفي اللي مستخبي ورا ظهري

قالها ثم أدار جسده ليغادر بعد أن وضع ما يخبئه أمامه قبل أن تراه فركضت خلفه ووقفت أمامه فأعاد ما بيده خلف ظهره وسألها بمكر 

- نعم؟! 
- وريني مخبي إيه، بليززززززز

رفع أدم أحد حاجبيه فضحكت جوري بجنون كعادتها ما جعل نبضاته تتسارع لمجرد رؤيته للمعة عينيها وسماعه لصوت ضحكتها التي أسقطته أسيراً في بحور عشقها فهتف بصوت دافئ

- غمضي عيونك الحلوين دول

نفذت رغبته على الفور وانتظرت أن يطلب منها فتحهما لكنها شعرت به يقف خلفها ثم ألبسها قلادة ما وخلال لحظات قليلة فتحت عينيها فأخذت تتحسس القلادة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها فتابع بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- النهارده أخدت أول فلوس من المسرحية، شهر كامل مستني اللحظة دي علشان دي أول فلوس اشتغل وأجيبها فقولت لازم أجيبلك هدية وتذكار لليوم ده

ازداد البريق المنبعث من عينيها وتبادلت معه نظرات أصدق من الكلام، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ابتعدت قليلاً وبدأت تطالع الهدية فوجدت قلادة ذهبية يتوسطها أسم أدم ما جعل الربيع يسري بداخلها فاقترب منها ووقف خلفها قائلاً وهو ينظر إلى عينيها عبر المرآة

- أوعديني عمرك ما تخلعيها، حتى لو في يوم زعلتك أو زعلتيني هتفضل في رقابتك

التفتت إليه ونظرت مُباشرةً إلى عينيه لتتأمل انعكاس صورتها المغلفة بسهام العشق المنبعثة من عينيه ثم تنهدت براحة وهتفت 

- أوعدك عمري ما هخلعها 

كاد أن يتحدث لكنها سبقته وتابعت: ومهما حصل هشيلها في خزنة قلبي 

كم شعر برغبة ملحة في احتضانها إلا أنه لم يرغب في إشعال غضبها وإفساد اللحظة التي تمناها فودعها بغمزة من عينه ثم انصرف إلى غرفة والدته ليقدم إليها الهدية التي اشتراها لأجلها، بينما وقفت جوري أمام المرآة مرة أخرى وأخذت تتأمل القلادة وهي تتذكر صوته وابتسامته ولمعان عينيه

****

بعد مرور ثلاث أيام انتهى اليوم الأول من امتحانات لمياء فودعت زميلاتها وغادرت على عُجالة لتعود إلى المنزل علها تحصل على قسط من الراحة فلم تستطع النوم طوال الليل خوفاً من الفشل... غادرت الجامعة وأخذت تبحث بعينها عن السائق لكنها لم تجده فزفرت بضيق ثم أخرجت هاتفها لتتحدث إليه ولكن سبقها عماد كعادته وهتف

- عملتي إيه في الامتحان؟ 

أدارت جسدها على الفور واندهشت بشدة لرؤيته فبادر برسم الابتسامة على شفتيه وتابع 

- كنت معدي بالصدفة قولت أطمن عليكي

رفعت كلا حاجبيها لتُخبره أن ما قاله لم يكن كافياً لإقناعها فأردف: قديمة أوي الحجة دي، صح؟ 

- أوي أوي الصراحة
- طيب ممكن تتفضلي معايا على العربية وهقولك جيت ليه
- بس

قاطعها قائلاً: أنا كلمت والدك وأخدت منه إذن أني محتاجك في الدار شوية علشان كده السواق مشي

- في حاجة؟؟ 

تساءلت بخوف فحرك رأسه يميناً ويساراً نافياً ثم قال: ما تقلقيش أوي كده، لما نوصل هتعرفي كل حاجة

مضت برفقته فانطلق بالسيارة وخلال ما يقارب نصف الساعة وصل إلى وجهته فترجل واصطحبها إلى الداخل ثم وقف أمام غرفة مكتبه وقال 

- غمضي عيونك 

اندهشت بشدة ومع ذلك لم تُعلق ونفذت رغبته ففتح الباب وساعدها على الدخول ثم تابع

- فتحي

فتحت عينيها وأخذت تدور بعينيها في المكان حتى وقعت على الكتاب الخاص بخواطرها وأخر للقصص القصيرة فوضعت يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فشعر بالسعادة لأجلها وأردف قائلاً 

- الطبعة الأولى وصلت من ساعة فكلمت والدك فرحته و استأذنته أجيبك هنا، مبروك يا لمياء

انطلق اسمها من بين شفتيه بنبرة صوت حانية ما جعل قلبها يخفق في سعادة فالتفتت إليه لتبادله نظراته ثم استردت أنفاسها وقالت برقة

- أول مرة في حياتي أكون مبسوطة كده والفضل لحضر

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها قائلاً بغيظ: ده مش وقت حضرتك خالص وبصراحة الكلمة بتضايقني، لسه قايلك يا لمياء يعني تقوليلي يا عماد

ارتبكت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتابع: جربي 

- مش هعرف
- هتعرفي، يلا جربي

أشاحت بعينيها عنه حتى لا يرى خجلها لكنه لم يرفع راية الاستسلام وأردف بصوت دافئ: قوليها

- أستاذ عماد أنا

قاطعها مرة أخرى قائلاً: عماد بس وبلاش تخلقي بينا حواجز، يلا

شعرت أنها في مأذق شديد وازداد شعورها بالخجل والتوتر فوجهت نظراتها صوب الأرض وسألته

- ممكن أروح؟ 

رفع أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق طلبها ومع ذلك لم يرغب في إغضابها فأجابها باقتضاب وصوت رجولي

- أكيد ممكن

ابتعد قليلاً وأحضر النسخ المجانية الخاصة بكتابيها ثم قدمهم إليها وتابع: دول النسخ المجانية للكتابين بتوعك، تقدري توزعيهم زي ما تحبي، يلا علشان أوصلك

قال كلماته بجدية لم تعتاد عليها ثم أدار جسده ليغادر فعضت على شفاها السفلى ونفست بعمق وخلال لحظة واحدة حسمت أمرها وقالت بصوت مرتعش

- عماد

أتسعت ابتسامته وخفق قلبه لدرجة جعلته يظن أنه على وشك مغادرة الضلوع ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وأدار جسده إليها ثم تحدث بهدوء مصطنع 

- نعم
- أنت زعلان مني؟ 
- لا
- ماشي

قالتها بمرحها المعتاد ثم تخطته وغادرت فلحق بها وبداخله سعادة الكون وفرحة كان قد نسيها

*****

انتهت من وضع اللمسات الأخيرة للماكياج ثم وقفت عن مقعدها لتغادر لكنها شعرت بدوار شديد فجلست مرة أخرى وأخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها مساعدتها حينما دلفت 

- المخرج بيستعجلك يا آنسة فاتن

حركت رأسها بالموافقة وتحاملت على جسدها ثم وقفت عن مقعدها، ولكن ازداد شعورها بالتعب وسقطت مغشياً عليها فصرخت مساعدتها وركضت باتجاها ثم أخذت تضرب برفق على وجنتي فاتن ولكن دون جدوى فتركت الغرفة واتجهت صوب غرفة سهيلة لتخبرها بما حدث


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس عشر - بقلمي منى سليمان  

* العرض الأول *  

وصل أدم إلى وجهته وصعد مُباشرةً إلى الطابق العاشر ليزف الخبر إلى حبيبته... طرق الباب على غير عادته بطريقة موسيقية فتركت ماجدة مقعدها واتجهت صوب الباب وفتحته فدلف أدم وشاكسها كعادته لكنه لاحظ على الفور دموع خالته فاقترب منها ثم ثنى ركبتيه وجلس القرفصاء 

- مين مزعل قمري؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة فلاحظ تبدل ملامح الجميع وتابع: أنتوا عاملين كده ليه؟ 

ما أن تفوه بكلماته دلفت جوري مستندة على ذراع أحمد وخلفها لمياء وعماد فجحظت عينيه وهو يكاد لا يصدق حالتها المزرية فابتلعت ريقها بصعوبة وتمسكت بعمها ثم طلبت منه التقدم من والدتها فساعدها على الفور وخلال لحظات قليلة جلست إلى جوار أحلام وعانقتها ثم رددت بوهن

- ما تعيطيش، أنا كويسة
- ليه كده يا بنتي؟ ده أنا مليش غيرك
- حقك عليا والله غصب عني

كادت أحلام أن تتحدث لكن سبقها أدم وتساءل بعد أن استوعب ما حدث: إيه اللي حصل؟ 

ابتعدت جوري عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وأجابته: حادثة بسيطة وربنا ستر

- حادثة!!! 

رددها أدم باندهاش وغضب ملحوظ فتدخل أحمد ليمتص غضب ابن شقيقه الذي يعلمه جيداً فربت على كتقه وتحدث بهدوء 

- مش وقت تحقيق يا أدم، جوري تعبانة وأحلام كمان

وجه نظراته صوب ماجدة وتابع: يلا يا ماجدة خدي أحلام ترتاح في سريرها، وأنتي يا فاطمة ساعدي جوري ووصليها لأوضتها، وأنتي يا لمياء أدخلي جهزيلنا الغداء ومش عايز لا خناق ولا نكد في البيت

حركت لمياء رأسها بالموافقة ونفذت رغبة والدها وكذلك فعلت ماجدة وتبعتها فاطمة فبقى أدم واقفاً وهو مازال تحت تأثير الصدمة فتنحنح عماد قائلاً 

- طيب يا عمي أنا هرجع شقتي و

قاطعه أحمد قائلاً: أقعد يا عماد أتغدى معانا، أنت مش غريب

- بس

قاطعه مرة أخرى قائلاً بحزم: ما توجعش قلبي أنت كمان، كفاية التور اللي هيدخل يسود عيشه جوري دلوقتي

قال كلمته الأخيرة وهو يوجه نظراته صوب أدم الذي أعاد طرح سؤاله فقص عليه عمه كل ما حدث، فتضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لوجود كل هذا الخوف بداخلها لدرجة دفعتها لعدم الانتباه للسيارة وبين الغضب لأنها لم تنتبه لطريقها كما يطلب منها دائماً وبالنهاية تغلبت عاطفته على غضبه فزفر بضيق وهتف

- أنا لا هزعلها ولا هتخانق يا عمي، أنا زعلان من نفسي علشان ما كنتش جمبها وقت ضعفها وخوفها
- خلاص يا أدم اللي حصل حصل ولا إيه يا أستاذ عماد؟ 

فاق عماد من شروده وأفكاره والشك الذي تملكه وأخبره أن هناك علاقة بين أدم ولمياء كونها تعيش معه بذات المنزل وزاد شكه حينما تعرف إلى أدم ورأى وسامته التي قد تجذب الكثير من الفتيات، لكنه بالنهاية نفض الأفكار من رأسه وأجاب قائلاً 

- عندك حق يا عمي، الندم والعتاب مالهومش لازمة
- هدخل أطمن عليها

قالها أدم ثم ترك مقعده واتجه إلى غرفة جوري بينما اعتذر أحمد من عماد وذهب إلى غرفة أحلام ليطمئن عليها، فغادرت لمياء المطبخ بعد أن أعدت كوباً من عصير الليمون لأحلام وأخر لجوري، بالإضافة إلى فنجان قهوة لعماد فاقتربت منه وقدمت إليه الصينية ثم قالت برقة

- عملت لحضرتك فنجان قهوة، يارب تعجبك 
- متشكر 

تعلقت عينيه بعينيها للحظات فخجلت بشدة وابتعدت قليلاً إلى الخلف لكنه لم يستسلم فوقف عن مقعده واقترب منها ثم أخد الصينية ووضعها على الطاولة وعاد لينظر إلى عينيها وهو يتساءل

- أدم زي سعد بالنسبالك، مش كده؟ 
- أكيد طبعاً وعمري ما شوفته غير أخويا

لا تعلم لما أجابته على الفور بدون أي تردد أو تفكير بالرغم من اندهاشها للسؤال فشعر بالراحة ثم أخذ فنجان القهوة وعاد ليجلس على مقعده وكأن شيئاً لم يكن فازداد اندهاشها لكنها لم تُعلق وحملت الصينية ثم اتجهت صوب غرفة أحلام فتنفس عماد بعمق وتمتم في نفسه 

- أكيد مش بتكدب، مستحيل تكون زيهم، مستحيل تخون، قلبي بيقولي كده

****
بغرفة جوري... 
طرق أدم الباب ودلف إلى الداخل بعد أن سمحت له والدته فاقترب من جوري وجلس على حافة فراشها، ثم تأمل ذراعها والكدمات التي افترشت وجهها فشعر بغصة في قلبه لكنه لم يُظهر ذلك وسألها بصوت هادئ لم تتوقعه في مثل هذا الموقف

- في حاجة بتوجعك؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أنا مش زعلان منك، أنا زعلان عليكي

تلألأت الدموع داخل مقلتيها ثم تحدثت بنبرة صوت كساها الألم: كنت خايفة ومعرفتش أنا بعمل إيه، ولسه خايفة أنها تمشي وتسيبني لوحدي في الدنيا

- عمرك ما هتبقي لوحدك كلنا جمبك و

توقف عن إكمال كلماته حينما انتبه إلى والدته التي كانت تتابع ما يحدث وهي تضع كف يدها أسفل وجنتها فمط شفتيه واصطنع الغضب قائلاً 

- جرا إيه يا حاجة طمطم، فاكرة نفسك في السينما ولا بتابعي تركي
- أنت عديت مرحلة التركي يا عين طمطم، دخلت مرحلة النحنحه

ضحكت جوري بجنون على حرب المشاكسات التي انطلقت بين أدم ووالدته فضيق أدم بين حاجبيه وردد بغيظ

- بتضحكي، ده بدل ما تقوليها أطلعي منها
- مقدرش طمطم حبيبتي

غمز لها أدم بمشاكسة وسألها: طيب وأنا؟ 

توردت وجنتيها خجلاً نظراً لوجود فاطمة ومع ذلك استجمعت شجاعته وأجابته: وأنت كمان حبيبي

- حاسه أني قرطاس في النص
- ده مش إحساس يا طمطم ده أمر واقع

قالها أدم ثم ركض مبتعداً وغادر الغرفة على الفور قبل أن تفتك به والدته فضحكت جوري من جديد متناسية كل ما مرت به 

****

بالمسرح... 
جلست فاتن تتابع الاستعدادات النهائية للعرض للمسرحي الخاص بوالدها وهي تشعر بالضجر فأخرجت هاتفها والتقطت لها صورة ثم قامت بنشرها على كافة مواقع التواصل الاجتماعي خاصتها وكتبت (جيت أحضر أخر بروفة لمسرحية دادي الجديدة، ربنا يخليه ليا)، خلال لحظات قليلة بدأ متابعيها في التعليق على الصورة فلمعت عينيها فرحاً وبقت هكذا حتى اقترب منها فريد وتحدث بغيظ

- الأستاذة جاية تتفرج على بروفة العرض ولا 

قاطعته قائلة: سوري داد بس كنت بعمل للعرض دعاية و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقترب مساعد والدها وبيده الغلاف الدعائي الأخير فرأت صورة الشاب الذي اصطدمت به فور وصولها وتساءلت

- مين ده؟ 
- شاب جديد بس هيكون ليه مستقبل في التمثيل

أجابها فريد ثم أدار وجهه وتحدث لدقائق مع مدير أعماله فشردت فاتن وتمتمت في نفسها

- شكلي هاجي أحضر العرض كمان

فاقت من شرودها عندما انتهى والدها وبدأ يتحدث معها ويُعطيها النصائح كعادته فاصطنعت الاهتمام ثم حملت حقيبتها وودعته، وخلال لحظات قليلة انطلقت بسيارتها لتعوض الأيام التي قضتها برفقة العجوز صاحب الأموال الطائلة 

****

على مائدة الطعام اجتمعوا وجلسوا في انتظار أحلام لكنها لم تستطع مغادرة الفراش فعادت ماجدة من غرفتها وهتفت

- بتقول مش قادرة تقوم

تبدلت قسمات وجه جوري ووقفت عن مقعدها ثم طلبت من فاطمة مساعدتها للذهاب إلى غرفة والدتها فنفذت رغبتها على الفور وتبعها أحمد وأدم، بينما اتجهت ماجدة صوب غرفتها لتصلي فرضها لحين عودة الجميع فبقت لمياء جالسة على المقعد المقابل لعماد 

- الأكل شكله تحفة، تسلم أيدك
- ماما اللي طابخه، أنا يادوب كملته لما هي انشغلت

قالتها ثم وجهت نظراتها صوب المائدة لشعورها بالخجل فابتسم على فعلتها وأكمل حديثه بجدية مصطنعة

- لما وقتك يسمح قوليلي أبعتلك العقد تمضيه
- حاضر

قالتها باقتضاب دون أن تنظر إليه فقرر مشاكستها قائلاً: هو أنتي جعانه أوي كده؟ 

- أنا؟! 

تساءلت باندهاش بعد أن رفعت رأسها ونظرت إليه فحرك رأسه لأعلى وأسفل ليؤكد ما سمعته ثم هتف مازحاً 

- أصلك مش بتبصيلي وبتبصي للأكل وبس

كادت أن تتحدث لكنها انتبهت إلى عودة الجميع برفقة أحلام وجلس كل واحد منهم على مقعده فأنضمت ماجدة إليهم وتناولوا الطعام في جو أسري افتقده عماد منذ نعومة أظافره، وبمجرد أن فرغوا نظر أحمد إلى أدم وتحدث بجدية 

- أنا وماجدة لازم نسافر بكرة علشان عندي شغل مهم، تخلي بالك من الأمانة اللي سايبهالك

غمز أدم إلى عمه واصطنع الجدية قائلاً: دول أربع أمانات وكلهم في عينيا ما تقلقش وراك راجل

قالها بعد أن ضم قبضة يده وضرب بها صدره فضحكوا جميعاً على فعلته، وما أن توقفوا عن الضحك وقف أدم عن مقعده وأخبرهم بمستجدات الأمور وكيف حصل على دور لا يقل أهمية عن دور البطولة فشعروا جميعاً بالسعادة لأجله عدا فاطمة فرمقها أدم بنظرة عتاب وتساءل

- مش هتقوليلي مبروك؟ 
- مبروك با أبو دماغ ناشفه
- كان نفسي تكونوا معايا بس شكلي هكون لوحدي، عمي مسافر وجوري مش لازم تتعب نفسها زي الدكتور ما قال ولولي بتدلع علينا وطمطم مش طيقاني و

- أنا هاجي أتفرج

قالتها لمياء ما أشعل غيرة عماد فهتف بدون تردد أو تفكير: وأنا كمان، أنا أعرف أستاذ فريد معرفة شخصية

تنفس أدم براحة ثم نظر إلى عماد وقال: مش عارف أشكر حضرتك أزاي، وأنتي يا لمضة متشكر على الجدعنة

- يا ابني إحنا فنانين زي بعض، مش كده يا أستاذ عماد؟ 

تساءلت لمياء فحرك عماد رأسه مؤكداً ما قالته بينما مالت جوري على أذنها وتمتمت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- يخربيت المحن، مش كده يا أستاذ عماد

قالتها مقلدة طريقة لمياء فوكزتها الأخيرة في قدمها فتأوهت جوري بشدة، فشعر أدم بالقلق عليها وطلب منها الاسترخاء قليلاً وساعدها على الذهاب إلى غرفتها، وكذلك ساعدت فاطمة شقيقتها على العودة إلى غرفتها فبدأت ماجدة في إفراغ محتويات السفرة برفقة لمياء بينما نظر أحمد إلى عماد وهتف

- مش هوصيك على لمياء والدنيا الجديدة اللي داخله عليها
- ما تقلقش يا عمي، أنا هكون معاها خطوة بخطوة ومش هتتعطل عن دراستها بأمر الله
- ربنا يكرمك يا ابني 
- معلش أنا لازم استأذن، لازم أروح أفك السلك بتاعي

تفهم أحمد الوضع وترك عماد يغادر فعاد إلى شقته ليأخذ مفتاح سيارته لكنه توقف حينما وجد كتب لمياء الخاصة بالجامعة وروايته التي أخذتها معها إلى الجامعة علها تنتهي من قرأتها وتعلم من الجاني، فالتقط روايته وكتب لها إهداء، ثم أخذ ما جاء من أجله وقبل الذهاب اتجه صوب شقة أحمد ففتحت لمياء

- نسيتي كتبك وروايتي 

شكرته وأخذت منه الكتب فتابع: كتبتلك إهداء يارب يعجبك، باي

لم ينتظر ردها وغادر على عُجالة فتنهدت براحة وأغلقت الباب ثم اتجهت مُباشرةً صوت غرفتها وجلست على أحد المقاعد لتقرأ ما كتب لأجلها

(إهداء إلى الطبيبة المزعجة، وجارتي المشاكسة، وزميلتي المتجددة... 
إهداء إلى الفتاة المختلفة التي كلما قابلتها حدثت كارثة، فصرت أعشق الكوارث لأجلها... عماد القاضي) 

رفعت رأسها عن الكتاب وابتسامة ساخرة تزين ثغرها ثم أمسكت هاتفها وقررت مراسلته فكتبت

(حبيت الإهداء، بس أنا مش مزعجة وبالنسبة للكوارث مش كتير يادوب كنت هتخطف وبعدها أنت تعبت والنهارده جوري تعبت، مش كتير يعني) 

صدح صوت رنين هاتفه فأخرج هاتفه من جيب سرواله ثم قرأ الرسالة وابتسم ثم استرد أنفاسه وكتب

(ربنا يستر من الكارثة الرابعة) 
(يارب) 

****

مضى يومين هادئين لم يتغير خلالهما الكثير... 
* سافر أحمد ليتابع أعماله ويباشر الأراضي الزررعية المملوكة له ولورثة شقيقيه، بينما تابع أدم الاستعدادات النهائية للعرض وبرع في أداء الشخصية الجديدة التي أُسندت إليه فشعر فريد بالرضا لنجاح اختباره * 
* بقت جوري بالمنزل ولم تداوم بالجامعة تنفيذاً لأوامر الطبيب، ولازمت والدتها طوال الوقت علها تساعدها في تخطي المحنة والألم الجسدي بعد جرعات العلاج الكيميائي *
* كان عماد دائم مراسلة لمياء وحصل على توقيعها على العقد قبل وقوع الكارثة الرابعة، وشعر كذلك بالسعادة لأنها أنهت قراءة الرواية وبادلت إهدائه بتحليل عميق لأحداث روايته من حيث السرد والحوار والحكبة والصراع *
* عادت سهلية إلى منزلها مختلفة تماماً عن تلك المهشمة بعد الفضيحة والطلاق فقد قررت نسيان ما حدث لتستطيع المضي قدماً أو بالأحرى لتستطيع اصطياد رجل جديد، ولم تقل وقاحة فاتن عن وقاحة والدتها فقد قضت اليومين بين البارات والرقص والتدخين، ومع ذلك لم تنسى موعد العرض الأول الخاص بوالدها فقررت الذهاب لتطارد هي الأخرى فريستها *

*****

أغلقت الكتاب وشردت بشدة وبدأت تفكر في حبيبها الذي ستتبدل حياته بعد عدة ساعات، دار برأسها ألف سؤال وسؤال خوفاً من فقدانه، ومع ذلك نفضت جميع الأفكار من رأسها وتركت مقعدها ثم غادرت الغرفة واتجهت صوب غرفته وطرقت بابها لكنه لم يُجيب فعادت أدراجها إلى الخلف استعداداً للمغادرة إلا أنها اصطدمت بصدره وأدارت جسدها على الفور وحمرة الخجل تزين وجنتيها، فرفع كلا حاجبيه باندهاش وسألها بغيظ

- وبعدين في الكسوف ده؟! هتفضلي كده لحد أمتى؟ 
- بطل رخامة يا أدم
- بطل رخامة يا أدم

رددها مقلداً طريقتها في الحديث فوكزته في صدره وهتفت بغضب: أنت رخم

تخطته وهمت أن تبتعد إلا أنه سبقها وقبض برفق على معصمها ثم أعادها إلى حيث كانت تقف وقال بحزم مصطنع: إياكي تمشي تاني وأنا بكلمك، مفهوم؟ 

أسرت جوري ابتسامتها وحركت رأسها بالموافقة بعد أن اصطنعت الخوف فغمز لها أدم بمشاكسة وتساءل

- كنتي عايزه حاجة؟ 
- كنت جايه أشوفك قبل ما تنام، من بكرة هتدخل مرحلة جديدة في حياتك

بدأت كلماتها بنبرة صوت عادية وأنتهت بنبرة حزينة فهمها جيداً وقرر بث الطمأنينة بقلبها 

- قصدك بكرة هندخل مرحلة جديدة في حياتنا
- أفهم من كده مش هتتغير ولا هتنساني وتروح لغيري؟ 
- لو عندك شك تعالي جوه وأضيعهولك

تطاير شرار الغضب من عينيها ووكزته من جديد في كتفه فتأوه كمشاكسة لها لكنها لم تهتم ورددت كعادتها: أنت قليل الأدب

تركته وعادت إلى غرفتها وهي تشعر بقليل من الألم في ذراعها وقدمها فراقبها أدم وهو يعقد ذراعيه أمام صدره، وبمجرد أن دلفت إلى غرفتها تمتم بغيظ

- البت دي بتطلع عليا إشاعات، قال قليل الأدب قال، هي اللي هبله وربنا

****

في الخامسة من عصر اليوم التالي وصل أدم إلى المسرح وهو يشعر بالتوتر والسعادة في آن واحد... دلف إلى الداخل واتجه مُباشرةً صوب الغرفة المُخصصة له... 
في المساء انتهت لمياء من إبدال ثيابها لتذهب إلى المسرح وتتابع العرض الأول كما وعدت أدم فراقبتها جوري وهي تسند يدها أسفل وجنتها فتفهمت لمياء حزنها وهتفت

- معلش كلها أسبوع عشر أيام وتروحي تتفرجي وأنا لو قدرت هصورلك
- ماشي، بس خلي بالك لحد يعاكسه
- من عينيا، باي 

ودعت الجميع وغادرت ثم وقفت في انتظار المصعد فاقترب عماد منها وهو يرتدي حلة سوداء أنيقة للغاية زادت وسامته وسامة فتسارعت نبضات قلبها في سعادة 

- مساء الخير 
- مساء النور، البدلة شيك أوي
- وأنتي كمان حلوة أوي

اندهشت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتنحنح ثم تابع: رايحة لأدم؟ 

- أيوه وحضرتك رايح ولا غيرت رأيك؟ 
- حضرتي رايح

أجابها بغيظ ثم فتح باب المصعد فدلفت إلى الداخل وهي تأسر ضحكتها بصعوبة فقد بدأت تعشق كلمة (حضرتك) حتى ترى رد فعله الغاضب.... خلال لحظات قليلة توقف المصعد بالطابق الأرضي فودعته لمياء وهمت أن تغادر لكنه سبقها وقال بثبات

- إيه رأيك نروح سوا بدل ما تروحي مع السواق؟ 
- مش عايزه أضايق حضرتك
- الله يخربيت حضرتي

هكذا تمتم في نفسه ثم رسم ابتسامة على شفتيه وهتف بغيظ: حضرتي مش مضايق، يلا

نفذت رغبته ومضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى وجهته وساد الصمت لدقائق قطعها حينما أردف مازحاً 

- عقبال حفل توقيع كتب حضرتكِ

اصطنعت عدم الفهم وقررت مبادلته المشاكسة فهتفت: متحمسة أووووي، والفضل لحضرتك

صر عماد على أسنانه دون أن يُظهر لها ذلك وأكمل طريقه في صمت فطالعته بين دقيقة وأخرى، بينما اختلس هو النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية وهو يشعر بالربيع يسري بداخله

****

في ذات اللحظة انتهى أدم من إبدال ثيابه ووضع الماكياج الخاص بالشخصية فانصرف جميع من بالغرفة وجلس هو يراجع الحوار، وبمجرد أن انتهى التقط هاتفه ليتحدث إلى حبيبته لكن قاطعه صوت طرق على باب الغرفة فترك الهاتف واتجه صوب الباب وفتحه ليتفاجأ بوجود فاتن التي لوحت بيدها مرحبة وقالت بدلال

- هاي (Hi) 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف