جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء
الفصل الثامن عشر - بقلمي منى سليمان
* حنين *
ركضت سهيلة باتجاه غرفة فاتن ثم اقتربت منها وأخذت تضرب برفق على وجنتها علها تفيق فتململت بكسل وخلال لحظات قليلة استعادت وعيها بعد أن نثرت مساعدتها القليل من العطر بالقرب من أنفها فاعتدلت بصعوبة وهي تشعر بثقل جسدها ثم ساعدتها سهيلة على النهوض عن الأرض وتساءلت بقلق
- حاسه بإيه؟
لم تستطع فاتن أن تجيبها لشعورها الشديد بالتعب والإرهاق فأراحت جسدها إلى الخلف قليلاً لكنها شعرت برغبة ملحة في التقيؤ فوضعت يدها على ثغرها وركضت باتجاه الحمام ما زاد قلقل سهيلة فطلبت من مساعدة فاتن إخبار المخرج بإلغاء التصوير ثم انتظرت حتى انتهت فاتن واصطحبتها إلى الخارج وخلال لحظات انطلقت بسيارتها إلى المشفى الذي يمتلكه أحد أصدقائها من خارج الوسط الفني، بينما أسندت فاتن رأسها على شباك السيارة لشعورها الشديد بالنعاس
*****
بالجامعة...
انتهت جوري من أداء امتحانها ووقفت تُراجع بعض الإجابات مع زميلاتها وبمجرد أن انتهت وجدت أدم يستند بجسده على سيارته ويقف في انتظارها فاقتربت منه والسعادة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فردد مازحاً كعادته
- أنا خايفة يا أدم، حاسة مش هعرف أحل يا أدم، ودلوقتي السعادة هتنط من عينيكي
- ما كل اللي ذاكرته جه في الامتحان لازم أفرح
- ماشي، كل القلق يهون علشان عيونك يا جميل
أشار بيده فدلفت إلى سيارة وما هي إلا لحظة واحدة حتى ركب إلى جوارها وأدار محرك السيارة فسبقته قائلة
- إيه رأيك أجي بكرة الكلية عندك وأستناك لحد ما تخلص امتحانك و
قاطعها قائلاً: إياكي تقربي من باب الكلية عندي، أنتي عايزاني ارتكب جريمة قتل ولا إيه؟
وضعت يديها في منتصف خصرها وهتفت بغيظ: يا سلام، خايف حد يعاكسني ولا خايف أجي ألاقي البنات بيعاكسوك ما أنت صورتك منوره في إعلانات المسرحية في كل حتة و
توقفت عن إكمال كلماتها وتطاير شرار الغضب من عينيها حينما هندم ياقة قميصه ورفع رأسه بشموخ ليُزيد غيرتها فصرت على أسنانها وتابعت
- أنت غتت وغلس ورخم، وهنزل وأسيبك
همت أن تفتح باب السيارة لكنه سبقها وأغلق جميع الأبواب من خلال الزر الرئيسي الموجود إلى جواره فأدارت وجهها إليه وأردفت بغيظ
- تسمح تفتح الباب
- لا ما أسمحشي
قالها بطريقة موسيقية ثم غمز لها بمشاكسة ما زاد غضبها، وقبل أن تنفجر في وجهه سبقها وقال بنبرة صوت هادئة
- بحبك يا مجنونة، ولو حواليا ألف واحدة مش هشوف غيرك
- طيب لو مليون؟
لم يفهم مقصدها في البداية لكنه وصل إلى ما ترمي إليه فكاد أن ينفجر ضاحكاً ومع ذلك تمسك بجديته وأجابها
- ولو عشرة مليون حتى مش هشوف واحدة غيرك
- بجد يا أدم؟
- بجد يا قلب أدم
تنهدت براحة فانطلق عائداً إلى المنزل لتحصل على قسط من الراحة ويتابع هو دروسه قبل امتحانه الأول
*****
في ذات اللحظة توقف عماد على مقربة من شارع المعز على أمل تناول فنجان قهوته برفقة لمياء فوجدها تغفو كالملاك على المقعد المجاور له... تأملها للحظات وقلبه يخفق بطريقة كان قد نسيها ولكن حال بينهما بعد الخصلات الساقطة على وجهها وشفتيها فتمنى أن يزيلها ومع ذلك لم يستطع لمسها خوفاً من غضبها فناداها بصوته العذب عدة مرات حتى استيقظت وفتحت عينيها
- سوري نمت من تعبي، وصلنا؟
تساءلت وهي تدور بعينيها في المكان، وقبل أن يجيبها تابعت: شكل القهوة وحشتك
- شوية، بس شكلك تعبانه خلينا نروح
- لا خلينا شوية، المكان هنا مريح فعلاً وهشرب معاك قهوة يمكن أصحصح عندي بكرة عملي
نفذ رغبتها على الفور وأكمل طريقه إلى المقهى وخلال لحظات قليلة وصل إلى وجهته وترجل من السيارة ثم اتجه صوب بابها وفتحه فاندهشت من رقة معاملته دون أن تعلق ثم مضت برفقته وجلست على المقعد المقابل له فسألها بحماس
- إحساسك إيه وأنتي شايفه أول كتابين ليكي؟
- فرحة بجد ما تتوصفش، خصوصاً أنهم هيكونوا أول وأخر كتب ليا
اندهش بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهه فتابعت: مفيش وقت أكتب، دراستي صعبة والدراسة مش زي أي جامعة ده غير الدراسة في المستشفيات والتكليف
- بس ده ما يمنعش أنك تكتبي، خصصي ساعة في اليوم لقلمك أو على الأكل ٣ ساعات في الأسبوع
- هحاول، ممكن لما أسافر أبقى
قاطعها متسائلاً: هتسافري فين؟
- العزبة، إحنا بنيجي القاهرة أيام الدراسة بس
شعر عماد بحزن عميق فلم يتخيل يوماً أن تبتعد، وكيف سيمر يومه دون أن يراها ولو خلسة من خلال شرفتها فشرد بشدة لدرجة أنسته الزمان والمكان ولم يفق من شروده إلا عندما وضع النادل فنجان القهوة أمامه ثم انصرف فتساءل بحزن
- هتسمحيلي أكلمك لما تسافري؟
خفق قلبها بسعادة وأجابته برقة: طبعاً وقبل المعرض بيوم هكون موجودة، عارف إحنا عايشين في العزبة بس علشان أرضنا، بعد وفاة عمي أبو أدم وعمي أبو جوري، بابا كان لازم يراعي كل الأراضي دي فكان الحل أننا كلنا نسيب القاهرة ونروح هناك، العزبة جميلة جداً أتمنى في يوم تيجي وتقضي يوم فيها
كان يستمع إليها باهتمام وبدأت تصف له المكان والطبيعة لدرجة جعلته يرسم لوحة فنية داخل رأسه، وبمجرد أن توقفت عن الحديث ارتشف قطرات قهوته وهتف
- أكيد في يوم هاجي وتوريني كل ده بنفسك، تقدوي تقولي هتبقي المرشدة السياحية بتاعتي
قال كلماته الأخيرة هامساً ليشاكسها فابتسمت على فعلته ثم تحدثت بجدية مصطنعة
- مفيش مانع بس ما ترجعش في كلامك
- أنا عمري ما رجعت في كلامي، يلا علشان تلحقي تنامي شوية عيونك كلها نوم
حركت رأسها بالموافقة ومضت برفقته فانطلق عائداً إلى المنزل وبداخله شعوراً قوياً بالحنين إليها بالرغم من وجودها إلى جواره
****
وصلت سهيلة وابنتها إلى المشفى واتجهت مُباشرةً إلى غرفة صاحب المشفى فأدخلتها الممرضة على الفور بناءاً على تعليماته فقد تحدثت إليه سهيلة وهي بالطريق لينتظر وصولها... رحب بسهيلة ثم اصطحب فاتن إلى غرفة الكشف المجاورة لغرفته وبدأ في معاينتها لتتبدل ملامحه وتساوره الشكوك فقرر إجراء بعض التحاليل ليقطع الشك باليقين
- طمني يا سليم؟
- ما تقلقيش هي مرتاحه على السرير جوه علشان الدوخه وكلها عشر دقايق وتطلع نتيجة التحليل اللي طلبته و
قاطعته متسائلة بقلق: تحليل ليه؟
- مفيش حاجة عايز أطمن عليها، ممكن تهدي شوية علشان ما توتريش البنت
حركت رأسها بالموافقة وهدأت قليلاً، وخلال دقائق قليلة طرقت الممرضة باب الغرفة واقتربت منه ثم أعطته نتيجة التحاليل لتتأكد شكوكه فرفع رأسه عن الأوراق وقال بارتباك
- سهيلة التحاليل اللي قدامي بتقول أن أن يعني فاتن، والله ما عارف أقولك إيه
خفق قلبها بسرعة جنونية فاختطفت الأوراق من يده بعد أن قدمها إليها فجحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما تراه، فترك سليم مقعده واقترب منها قائلاً
- ممكن تهدي شوية يمكن
قاطعته قائلة: يمكن إيه يا سليم، بنتي أنا حامل من غير جواز طيب أزاي، هقول لفريد إيه هقوله كان معاك حق وأنا فشلت في تربيتها
- وليه تفكري كده مش يمكن متجوزه، أهدي وأدخلي أتكلمي معاها
- ولو طلعت مش متجوزه هعمل أنا إيه وقتها؟!
- هنلاقي حل، أتكلمي معاها الأول وأي مشكلة في الدنيا ليها حل وأنا جمبك ومستحيل أتخلى عنك
حركت رأسها لأعلى وأسفل ثم وقفت عن مقعدها وغادرت إلى الغرفة المجاورة حيث ترقد فاتن ثم اقتربت منها وأعطتها نتيجة التحاليل فقرأت فاتن النتيجة ووضعت يدها على ثغرها من هول الصدمة، وقبل أن تتفوه ولو بكلمة، قالت سهيلة بغضب ملحوظ
- أنا عايزه أعرف كل حاجة حالا
قصت فاتن على والدتها كل ما حدث بداية من لقائها بالثري العربي في إحدى الحفلات الفنية، حتى طلاقها منه فتعالت شهقات سهيلة وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتابعت فاتن
- أنا آسفة
- آسفة بعد إيه والمصيبة اللي في بطنك هنعمل فيها إيه، هقول لفريد إيه هقوله كان عندك حق وأنا غلطت في تربية بنتي، بنتي أنا تتجوز جواز متعة ليه ناقصك إيه ده إحنا عندنا جبل فلوس، وكمان ما عملتيش حسابك وحامل
- والله أخدت حبوب بس غصب عني نسيت قرصين و
قاطعتها سهيلة قائلة بحدة: أنتي تخرسي خالص، ما فكرتيش لما تتجوزي هتعملي إيه، هتقولي كنت متجوزة متعة والعقد أهوه
- ما أنتي أتجوزتي عرفي وخطفتيه من مراته كمان
قالتها فاتن بجرأة فلم تشعر سهيلة بنفسها إلا وهي تصفعها على وجنتها بكل الغضب الكائن بداخلها فوضعت فاتن يدها على موضع الصفعة وهي تكاد لا تصدق ما حدث فهتفت سهيلة بحدة
- أنتي تخرسي، أنا أتجوزت عند مأذون لا بورقة ولا بعقد وقبل أبوكي محدش لمسني ولو أتجوزت ألف مرة بعده مش هتجوز جوازه زي اللي أتجوزتيها
غادرت سهيلة الغرفة مغلقة الباب خلفها بعنف فانتفض جسد فاتن وللمرة الأولى تشعر بالضياع فانفجرت دموعها كالشلال، بينما بالغرفة المجاورة جلست سهيلة على المقعد المقابل لسليم والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فلم يستطع سؤالها عن ما حدث بالداخل وفضل الانتظار حتى تهدأ قليلاً فنظرت إليه وقالت بصوت أقرب إلى الرجاء
- سليم أنا طالبة منك خدمة وأعتبرها خدمة العمر كله وأي حاجة تطلبها أنا تحت أمرك
- قولي يا سهيلة اللي أنتي عايزاه من غير مقدمات إحنا نعرف بعض من و إحنا أطفال يعني مفيش بينا حساسيات
لم يكن أمام سهيلة خيار أخر فلن تسمح بولادة هذا الطفل وضياع مستقبل ابنتها من ناحية، ومن ناحية أخرى لن تترك فريد ينتصر عليها فقد تحقق كل ما قاله وضاعت فاتن بسبب الدلال الزائد والحرية المفرطة فتحدثت بدون أي تردد أو تفكير
- عايزاك تنزل اللي في بطنها وترجعها بنت زي ما كانت
ابتلع سليم ريقه بصعوبة فقد توقع طلبها الأول لكن الثاني كان مفاجأة له فلم يفعل ما طلبته منذ أن تخرج من كلية الطب ومع ذلك حرك رأسه بالموافقة وردد
- كل اللي أنتي عايزاه هعمله بس أديني كام يوم أرتب أموري، أنتي عارفه هنا مستشفى كبيرة وعمليات من النوع ده مستحيل تتم جواها وده خوف عليكي وعلى فاتن قبل ما يكون عليا، لو الصحافة شمت خبر هتبقى فضيحة
- عندك حق، خد وقتك وخلينا على تليفون
وقفت عن مقعدها واتجهت صوب الغرفة الأخرى ثم اصطحبت فاتن إلى السيارة وبمجرد أن دلفت إليها أخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت بأحد الصحفيين ثم طلبت منه نشر خبر تعرض فاتن لوعكة صحية بسبب تناولها طعاماً فاسداً حتى لا يشك أحد بشيء فقد رآها الكثيرين داخل موقع التصوير وهي في حالة إعياء شديدة، وبمجرد أن أنهت المكالمة انطلقت إلى القصر وبداخلها بركان نشط على وشك الانفجار وإلقاء حممه هنا وهناك
*****
مضت عدة أيام هادئة وانشغل الجميع في امتحانات منتصف العام الدراسي عدا عماد الذي لم يشعر سوى بالحنين لرؤية لمياء فمنذ ما يقارب السبع أيام لم يراها ولو خلسة نظراً لانشغالها ولم يتحدث إليها حتى لا يسرق من وقتها ولو دقيقة قد تُفيدها في الدراسة....
على عكس عماد جاء أدم فقد كان دائم التواجد إلى جوار جوري وساندها كلما شعرت بالخوف من الامتحانات وكان ينتظرها خارج الجامعة حتى تنتهي ليطمئن عليها....
شعرت لمياء أيضاً بالحنين لرؤية عماد ومع ذلك فضلت دراستها علها تتوقف عن التفكير فيه ولكن هيهات فما يربطها به لم يعد شعوراً غامضاً إنه عشق تسلل خلسة إلى قلبها وأصبح يغذي جميع شرايينه فقررت إجراء الاتصال لتستمع إلى صوته وتخمد نيران الاشتياق... على الجانب الأخر كان منكباً على حاسوبه الشخصي يراجع بعض الأعمال الأدبية استعداداً لطباعتها فصدح صوت رنين هاتفه وأجاب دون أن ينظر إلى رقم المتصل نظراً لانشغاله فجاءه صوتها العذب متسائلة
- أزيك؟
رفع رأسه عن الحاسوب وأبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد أنها تتحدث إليه ثم أعاده على الفور وهتف بدون أي تردد أو تفكير
- وحشتيني
أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فارتبكت بشدة واكتست وجنتيها بحمرة الخجل فتابع مغيراً مجرى الحديث
- عامله إيه في الامتحانات؟
- كو كويسه
ظهر على شفتيه شبه ابتسامة فقد تسببت كلمته لها بالارتباك فتنحنح قائلاً: يعني هنجيب تقدير ولا عمي أحمد هيقول الكتابة شغلتك؟
- هجيب تقدير بأمر الله، أدعيلي أنت بس
- ربنا يوفقك
تنهدت براحة وبدأت تتحدث إليه وكأنها افتقدته لعام كامل ما جعل الربيع يسري بداخله فقد ارتوى عطشه لسماع صوتها وتمنى أن يراها ولو لدقيقة لتشبع عينيه أيضاً من رؤيتها فقاطع حديثها قائلاً
- ينفع أشوفك دقايق عايز أديلك حاجة
- أنا في البيت ممكن أقابلك بعد دقيقة في أول البلكونة شمال
قالتها مازحة فابتسم على جنونها وترك مقعده على الفور ثم اتجه صوب الشرفة ليجدها تقف في انتظاره فأبعد الهاتف عن أذنه وأنهى المكالمة ثم بدأ يطالعها بنظرات أصدق من الكلام فخجلت بشدة وتابعت بصوت مرتعش
- آسفة لو عطلتك
- بالعكس أنا مبسوط أني شوفتك وسمعت صوتك
مد يده في جيب سرواله وأخرج منها قلادة ذهبية يتدلى منها آية الكرسي ثم قدمها إليها فاندهشت بشدة وتابعت
- إيه دي؟
- دي كانت هدية من أغلى ست عاشت في قلبي
لوت لمياء ثغرها بضجر وتساءلت: والدتك؟
- جدتي، قبل ما تموت أدتهالي وقالتلي خليها معاك علشان تحفظك وأنا عايزك تخليها معاكي علشان تحفظك
خفق قلبها بسعادة فقد تأكدت بالدليل القاطع أنه يبادلها نفس المشاعر والأحاسيس ومع ذلك قررت رفض ما قدمه إليها فتحدثت بخجل
- بس أنا مش هقدر
قاطعها قائلاً: مش هقبل أي اعتراض، اعتبريها هدية مؤقتة وهبقى أخدها منك بعد خمس سنين
- أشمعنى خمس سنين؟
- فاضلك سنتين ونص دراسة وسنتين تكليف وأمتياز والنص سنة الزيادة أوفر خاص ليكي
غمز لها بمشاكسة فأتسعت ابتسامتها ومدت يدها لتأخذ القلادة لكنه لم يضعها بداخلها بل وضع كفه أسفل كفها ووضع القلادة باليد الأخرى ثم طوى يدها برفق وتابع وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها
- خدي بالك من نفسك وما تبعديش خليكي دايماً قريبة
سحبت كفها من بين كفيه فقد زاد خجلها لدرجة جعلتها تفقد السيطرة على نبضات قلبها وشعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها فابتعدت خطوات قليلة إلى الوراء وقالت بارتباك
- ها أذاكر أروح أقصد ها أروح أذاكر، باي
ركضت إلى الداخل فحال الحائط بينهما لكن عماد لم يغضب بل تنفس براحة وعاد إلى الداخل والسعادة تملأ قلبه ثم جلس على مقعده وبدأ يتذكر ابتسامتها ولمعة عينيها ليقاطعه ذلك الصوت الذي دائماً ما يُفسد لحظاته
- هتخونك
وضع يديه على أذنيه عل الصوت يتوقف ثم فتح عينيه وردد بحدة: مش هتخوني، مش زيهم
*****
ترجلت من سيارتها وهي لا ترى تحت قدميها فقد كان الظلام حالكاً ثم اتجهت صوب الطرف الأخر من السيارة وطلبت من فاتن النزول فنفذت رغبة والدتها ثم مضت برفقتها إلى داخل منزل من طابق واحد ثم دلفت إلى الداخل ورأت سليم الذي رحب بوالدتها ثم اقترب منها وسألها
- جاهزة يا فاتن؟
لم تكن تفهم أي شيء فلم تتحدث معها سهيلة طوال الأيام المنصرفة ولو كلمة حتى أنها لم تشاركها الطعام أو الجلوس بغرفة واحدة فتساءلت
- جاهزة لإيه؟
اندهش سليم ونظر إلى سهيلة ففهمت ما يرمي إليه وقالت: ما قولتلهاش حاجة ولا طيقاها أصلاً و
قاطعها سليم قائلاً: سهيلة ده مش وقته إحنا هنا علشان نحل المشكلة مش نعاتب وكلها دقايق والدكتور اللي هيعمل العمليتين على وصول بس نسمع رأي فاتن الأول
أدار وجهه ونظر إلى فاتن ثم أخبرها عن السبب الذي جاءت لأجله فوافقت على الفور لتتخلص من كل ما فعلت، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل الطبيب ومساعده فلحق بهم سليم ليتابع سير العملية وبمجرد أن انتهى الطبيب من مهمته غادر سليم واقترب من سهيلة التي بدا الخوف واضحاً على قسمات وجهها
- طمني
- كله تمام، أطمني
تنفست بعمق ثم جلست على أحد المقاعد لتلتقط أنفاسها وتمتمت في نفسها
- عمرك ما هتنتصر عليا يا فريد، بالعكس هنعلى أنا وبنتي أكتر وأكتر
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف