جوري/ منى سليمان - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, July 29, 2019

جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* قلادة ذهبية *  

اندهش أدم بشدة من رؤيتها تقف أمامه ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وبادلها التحية بأخرى فاصطنعت الابتسامة ثم تخطته ودلفت إلى الداخل ما زاد اندهاشه

- داد قالي النهارده أول ظهور ليك قدام جمهور وكاميرات وإعلام، فحبيت أدعمك وأديلك خبرتي

كان مبررها قوي وصدقه أدم بسهولة فهتف: ده شرف ليا أن فنانة جميلة زيك وبنت مخرج عظيم وممثلة قديرة زي الأستاذة سهيلة تيجي تدعمني، حقيقي مش عارف أقول إيه

- ما تقولش حاجة، ركز في طريقك وبسسسس ولو محتاج دعم تاني نحن هنا وفي الخدمة

قالتها بطريقة تمثيلية فابتسم لها وعلى الفور بادلته بأخرى وتابعت: هسيبك بقى وأروح أدعم داد، باي 

لوحت بيدها مودعة ثم غادرت على الفور وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها، بينما التقط أدم هاتفه وتحدث إلى حبيبته فقد كان يشتاق إلى سماع صوتها، لكن رنين صوت الهاتف سبقه وصدح في أرجاء الغرفة فحرك رأسه يميناً ويساراً في سعادة وأجاب قائلاً 

- كنت ماسك الفون علشان أكلمكِ
- سبقتك

قالتها جوري بمرح طفولي بالرغم من شعورها بالحزن لأنها لم تستطع الذهاب معه ومشاركته أولى خطواته 

- كان نفسي تبقي معايا
- وأنا بس ما تقلقش أم لسان طويل في الطريق ووصتها تاخد بالها منك

بدأت جملتها بمرح وأنهتها بنبرة صوت متوعدة فاصطنع الخوف وبدأ يمازحها لتنطلق من بين شفتيها أعلى الضحكات التي دائماً ما تنير دربه فتحدث بسعادة

- ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا، يلا روح فاضل ربع ساعة وتحقق حلمك

تنهد أدم براحة فشعرت لأجله بالسعادة وكادت أن تُنهي المكالمة إلا أنه سبقها وقال

- أنتي حلمي يا جوري وهتفضلي حلمي لأخر يوم في عمري
- وأنا بحبك أوي أوي أووووي كتيررررر، بس أوعى واحدة تعاكسك ساعتها همووووتك وأموت وراك
- مجنونة
- عارفه

ودعته وأنهت المكالمة ثم وضعت الهاتف إلى جوارها وابتسامة ساحرة تزين شفتيها، وعلى الطرف الأخر شرد أدم فى الجنية خاصته للحظات ثم عاد إلى أرض الواقع وغادر الغرفة استعداداً لبدء العرض

****

وصل عماد إلى وجهته وأوقف سيارته أمام باب المسرح فترجلت لمياء ووقفت في انتظاره حتى يصف السيارة ولكن طال انتظارها نظراً لازدحام المكان... اقترب منها ورآها تطالع ساعة يدها فوقف خلفها وهتف مازحاً 

- مستنيه حد؟ 

أدارت جسدها إليه وعقدت ذراعيها أمام صدرها كما عقدت بين حاجبيها فابتسم على فعلتها وتابع

- ركنت بمعجزة
- ماشي

قالتها بمرح طفولي بعد أن حررت ذراعيها ثم مضت برفقته إلى الداخل وجلست على المقعد المخصص لها فجلس عماد إلى جوارها لكنه شعر بالضيق لوجود رجل في نهاية العقد الرابع من عمره يجلس إلى جوارها فمال على أذنها وهتف

- تعالي أقعدي مكاني
- ليه؟ 
- هبقى أقولك بعدين

اندهش بشدة ومع ذلك نفذت رغبته فتنهد براحة لكن شعوره لم يدوم طويلاً فقد جلس إلى جوارها شاب لا يتعدى الخامسة والعشرون ما أشعل النيران بداخله فمال عليها مرة أخرى وأردف

- تعالي مكاني

رفعت أحد حاجبيها باستنكار فشعر أنه وضع نفسه في مأذق ومع ذلك وقف عن مقعده لتجلس في محله فنفذت رغبته وبمجرد أن جلست سألته

- هو في إيه؟ 
- مفيش عايزك تقعدي في مكان تشوفي منه كويس

لم تُصدق حجته البالية فأدار وجهه نحو الطرف الأخر، وعلى الفور انتبهت لمياء إلى الشاب الجالس على يمين عماد ثم نظرت إلى الرجل الجالس إلى جوارها وبدأت في ربط ما حدث فعلمت أنه شعر بالغيرة من جلوس الرجل فتبادل معها الأماكن، وعندما جلس الشاب ازداد شعوره بالغيرة فتبادل الأماكن مرة أخرى ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على شفتيها رآها عماد ولم يعلق حتى لا يُزيد شعوره بالإحراج 

****

بدأ العرض وكان أدم محط أنظار الكثيرين وبصفة خاصة فاتن، أما لمياء فتابعت العمل بانبهار بالإضافة إلى مراقبة عماد فلم ينتبه للعرض ولو للحظة فقط كان مشغولاً بمراقبة الرجل الجالس إلى جوارها فشعرت بالسعادة لوجود كل هذا الاهتمام تجاهها بقلبه ومع ذلك لم تُظهر له ملاحظاتها لما يفعله حتى لا تضعه بموقف محرج... مضت الدقائق والساعات سريعاً وانتهى العرض فتعالت صيحات الجميع ما جعل أدم يشعر بسعادة من نوع خاص لم ينقصها سوى عدم وجود جوري، انحنى ليحيي جمهوره ثم تنفس بعمق ورفع رأسه فلوحت لمياء إليه ليبادلها بغمزة اندهشت لها فاتن وأدارت رأسها لتعلم لمن يرسل غمزته فوجدت فتاة أقل ما يُقال عنها ساحرة فلوت ثغرها بضجر وتمتمت في نفسها

- هو مش فاضي ولا إيه؟ 

غادرت مقعدها على الفور واتجهت صوب الغرف الخاصة بالمسرح فرأت والدها يقف برفقة طاقم العمل فاقتربت منه وعانقته فبادلها العناق دون أن يُلاحظ تعلق عينيها بأدم الواقف خلفه، وبمجرد أن ابتعدت عنه اقتربت من أدم وهتفت

- مبروك
- الله يبارك فيكي
- تمثيلك فوق الممتاز
- دي شهادة أعتز بيها، بعد إذنك

تركها وودع الجميع على أمل اللقاء غداً ثم اتجه إلى غرفته والتقط هاتفه على الفور وأجرى اتصالاً بحبيبته فأجابت على الفور

- مبرووووك يا عمري، لمياء لسه قافله معايا وقالت كنت ممتاز
- الله يبارك فيكي، ساعة وهكون عندك وهجبلك معايا حاجة حلوة 
- مش عايزه حاجة غير أني أشوف فرحتك، سوق على مهلك 
- حاضر يا قلبي

أنهت جوري المكالمة والسعادة تملأ قلبها فقد تذكرها بمجرد أن انتهى العرض المسرحي ما بعث الطمأنينة لقلبها... 
على الطرف الأخر بدأ أدم في إزالة الماكياج الخاص بالدور ثم بدأ في إبدال ثيابه استعداداً للمغادرة

****

بالخارج... 
رحل جميع من بالمسرح عدا لمياء وعماد فشعر بالراحة وتحدث بثبات قائلاً 

- كده أحسن بدل ما نخرج في الزحمة، أتفضلي
- هستنى أدم ولو مروح هروح معاه

شعر عماد بالحزن فكم تمنى استمرار وجودها إلى جواره ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وهتف بهدوء

- زي ما تحبي، بس أتصلي بيه علشان أطمن أنك هتروحي معاه

حركت رأسها بالموافقة وأخرجت هاتفها ثم اتصلت بأدم لكنه لم يُجيب فكررت الاتصال عدة مرات دون جدوى فقد كان يقف برفقة باقي طاقم العمل في أجواء ملأتها البهجة فلم ينتبه إلى صوت رنين هاتفه، فأبعدت الهاتف عن أذنها وقالت برقة

- مش بيرد

جاهد بشتى الطرق إخفاء سعادته لكنه لم يستطع أسر الابتسامة التي لازمت شفتيه حينما هتف: يبقى مستحيل أسيبك واقفة لوحدك، يلا بينا 

مضت برفقته وانتظرته أمام باب المسرح حتى أحضر السيارة وركبت إلى جواره فانطلق عائداً وخيم الصمت لدقائق قطعها حينما استجمع شجاعته وأردف

- ينفع أعزمك على حاجة قبل ما نروح؟ 
- مش عارفه

كانت إجابتها نموذجية فحرك رأسه يميناً ويساراً وسألها بمشاكسة: يعني دي اه ولا لا؟ 

- الوقت أتأخر و
- مش هأخرك هشرب فنجان قهوة وهعزمك على أي عصير فريش وهنمشي على طول، قولتي إيه؟ 
- أوك موافقة

تسارعت نبضاته في سعادة واتجه صوب شارع المعز حيث يوجد مقهى صغير يتميز بالهدوء ثم أوقف السيارة وترجل منها فترجلت هي الأخرى ومضت برفقته إلى الداخل... جلست على أحد المقاعد وأخذت تطالع المكان بانبهار فاندهش بشدة وتساءل

- أول مرة تيجي ولا إيه؟ 
- مش بخرج كتير، يادوب على قد مشوار الجامعة
- هنا مكاني المفضل و

توقف عن إكمال كلماته حينما اقترب منه النادل ورحب به بشدة فانتظرت لمياء حتى غادر وقالت بانبهار

- واو ده أنت مشهور هنا أوي
- كنت باجي كل يوم لمدة خمس سنين متواصلين أشرب قهوة، ولما سافرت كنت مشتاق أوي للقاعده هنا وفنجان القهوة من أيد محروس الرغاي اللي كان واقف هنا من دقيقة
- ليه سافرت؟ 

سألته بتلقائية فشرد للحظات في سبب سفره وعادت إليه ذكرياته المؤلمة والفترة الحرجة التي قضاها بالخارج لكنه فاق من شروده حينما تابعت

- آسفة شكلي ضايقتك
- لا أبداً، سافرت مع بابا كان مرضه صعب ولما أتوفى فضلت هناك فترة بس وحشتني بلدي وحياتي ولما حسيت أني بقيت أفضل رجعت
- أجمل حاجة أن في التلات سنين دول أنك ما بطلتش تكتب، أقولك سر؟ 

قالتها بصوت خفيض وهي تقترب منه فاقترب منها بدوره وأجابها بذات الصوت الخفيض ليشاكسها

- قولي السر
- كنت بستنى كتابك بفارغ الصبر، يمكن لو كان فات معرض من غير ما اشتري روايتك كنت أتجننت
- الحمد لله نزلت، عارفه ليه؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: علشان أنتي بالفعل مجنونة ومش ناقصه جنان 

ردد كلماته بصوت خفيض وطريقة تمثيليلة فانفجرت ضاحكة فشاركها الضحك بجنون ثم استرد أنفاسه وتأملها فخجلت بشدة ومع ذلك بدأت تثرثر معه فاستمع إليها بقلبه قبل أذنيه ولم يقاطعها سوى صوت رنين هاتفها فأجابت قائلة

- أخيرااااا أفتكرتني
- معلش، أنتي فين؟ 
- روحت مع أستاذ عماد
- وأنتي فين دلوقتي؟ 
- في شارع المعز صمم يعزمني على حاجة

رفع أدم أحد حاجبيه وقال بجدية مصطنعة: من غير إذن كده، هي سايبه ولا إيه؟ 

- وأنا أخد إذن منك ليه، بابا مديني كارت بلانش وأقفل خليني اشرب العصير علشان نمشي
- ماشي لما ترجعي هقص لسانك

أنهت المكالمة واندهشت لرؤية عماد يسند يده أسفل وجنته فسألته: بتبصلي كده ليه؟ 

- جميل أوي الترابط الأسري بينكم، والأجمل أنك صريحة، كان ممكن تقوليله في الطريق بس قولتي كل حاجة من غير خوف
- بابا طول عمره يقولي خليكي صريحة طالما واثقة أنك ما بتعمليش شيء غلط 
- أنتي جميلة أوي يا لمياء، مش جمال شكل وبس، جمالك من جوه وبره

خجلت بشدة واصطبغت وجنتيها بالحمرة فخبأت عينيها عنه واصطنعت الإنشغال بارتشاف قطرات العصير فتناول قهوته دون أن يتفوه بالمزيد حتى لا يُزيد خجلها، وبمجرد أن فرغ اصطحبها إلى السيارة وانطلق عائداً إلى المنزل 

*****

مضى أيام تبعتها أيام واقترب موعد امتحانات منتصف العام فشعر عماد بفراغ وكأنه فقد قطعة من روحه عندما انشغلت لمياء بمتابعة دروسها ومع ذلك قررت احترام انشغالاها واكتفى بمكالمة هاتفية كل مساء ليستمع إلى صوتها العذب... 
اهتمت جوري أيضاً بمتابعة دروسها طوال الشهر الماضي حتى لا يقل تقديرها العام، كما اهتمت بوالدتها وساندتها في أصعب أيامها... 
استطاع أدم تنظيم وقته بين الدراسة والعمل المسرحي حتى لا يضيع حلمه أو يخسر ثقة والدته... 
قضت فاتن الأيام الماضية بين استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي لتصور المسلسل الجديد الذي تتشارك بطولته مع والدتها وكعادتها أهملت دراستها تماماً ما زاد غضب فريد لكنها لم تستمع إليه ومضت بالطريق الذي اختارته وساندتها والدتها بقوة لتصنع منها نجمة وتضعها على عرش شاشات السينما والتلفاز... 

*****

استقل المصعد وأطلق صفيراً عالياً لشعوره بالسعادة، وما أن وصل إلى وجهته دلف إلى الداخل ثم اتجه مُباشرةً صوب غرفتها وطرق بابها وخلال لحظة واحدة أتاه صوتها العذب سامحاً له بالدخول فدلف وهو يخبأ كفيه خلف ظهره ثم اقترب منها وقال بنبرة صوت حانية 

- وحشتيني 
- وأنت كمان

قالتها وهي تحاول إلقاء نظرة خاطفة على ما يخبئه خلف ظهره لكنه لم يسمح لها بذلك وهتف مازحاً 

- بتبصي على إيه يا حشرية؟ 
- انا حشرية؟! 

تساءلت بطريقتها الطفولية التي يعشقها أدم ثم مطت شفتيها واصطنعت الغضب فأسر ابتسامته بصعوبة وأجابها بجدية مصطنعة

- شوية
- أنت رخم وأنا مخصماك
- خلاص خاصميني ومش هتشوفي اللي مستخبي ورا ظهري

قالها ثم أدار جسده ليغادر بعد أن وضع ما يخبئه أمامه قبل أن تراه فركضت خلفه ووقفت أمامه فأعاد ما بيده خلف ظهره وسألها بمكر 

- نعم؟! 
- وريني مخبي إيه، بليززززززز

رفع أدم أحد حاجبيه فضحكت جوري بجنون كعادتها ما جعل نبضاته تتسارع لمجرد رؤيته للمعة عينيها وسماعه لصوت ضحكتها التي أسقطته أسيراً في بحور عشقها فهتف بصوت دافئ

- غمضي عيونك الحلوين دول

نفذت رغبته على الفور وانتظرت أن يطلب منها فتحهما لكنها شعرت به يقف خلفها ثم ألبسها قلادة ما وخلال لحظات قليلة فتحت عينيها فأخذت تتحسس القلادة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها فتابع بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- النهارده أخدت أول فلوس من المسرحية، شهر كامل مستني اللحظة دي علشان دي أول فلوس اشتغل وأجيبها فقولت لازم أجيبلك هدية وتذكار لليوم ده

ازداد البريق المنبعث من عينيها وتبادلت معه نظرات أصدق من الكلام، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ابتعدت قليلاً وبدأت تطالع الهدية فوجدت قلادة ذهبية يتوسطها أسم أدم ما جعل الربيع يسري بداخلها فاقترب منها ووقف خلفها قائلاً وهو ينظر إلى عينيها عبر المرآة

- أوعديني عمرك ما تخلعيها، حتى لو في يوم زعلتك أو زعلتيني هتفضل في رقابتك

التفتت إليه ونظرت مُباشرةً إلى عينيه لتتأمل انعكاس صورتها المغلفة بسهام العشق المنبعثة من عينيه ثم تنهدت براحة وهتفت 

- أوعدك عمري ما هخلعها 

كاد أن يتحدث لكنها سبقته وتابعت: ومهما حصل هشيلها في خزنة قلبي 

كم شعر برغبة ملحة في احتضانها إلا أنه لم يرغب في إشعال غضبها وإفساد اللحظة التي تمناها فودعها بغمزة من عينه ثم انصرف إلى غرفة والدته ليقدم إليها الهدية التي اشتراها لأجلها، بينما وقفت جوري أمام المرآة مرة أخرى وأخذت تتأمل القلادة وهي تتذكر صوته وابتسامته ولمعان عينيه

****

بعد مرور ثلاث أيام انتهى اليوم الأول من امتحانات لمياء فودعت زميلاتها وغادرت على عُجالة لتعود إلى المنزل علها تحصل على قسط من الراحة فلم تستطع النوم طوال الليل خوفاً من الفشل... غادرت الجامعة وأخذت تبحث بعينها عن السائق لكنها لم تجده فزفرت بضيق ثم أخرجت هاتفها لتتحدث إليه ولكن سبقها عماد كعادته وهتف

- عملتي إيه في الامتحان؟ 

أدارت جسدها على الفور واندهشت بشدة لرؤيته فبادر برسم الابتسامة على شفتيه وتابع 

- كنت معدي بالصدفة قولت أطمن عليكي

رفعت كلا حاجبيها لتُخبره أن ما قاله لم يكن كافياً لإقناعها فأردف: قديمة أوي الحجة دي، صح؟ 

- أوي أوي الصراحة
- طيب ممكن تتفضلي معايا على العربية وهقولك جيت ليه
- بس

قاطعها قائلاً: أنا كلمت والدك وأخدت منه إذن أني محتاجك في الدار شوية علشان كده السواق مشي

- في حاجة؟؟ 

تساءلت بخوف فحرك رأسه يميناً ويساراً نافياً ثم قال: ما تقلقيش أوي كده، لما نوصل هتعرفي كل حاجة

مضت برفقته فانطلق بالسيارة وخلال ما يقارب نصف الساعة وصل إلى وجهته فترجل واصطحبها إلى الداخل ثم وقف أمام غرفة مكتبه وقال 

- غمضي عيونك 

اندهشت بشدة ومع ذلك لم تُعلق ونفذت رغبته ففتح الباب وساعدها على الدخول ثم تابع

- فتحي

فتحت عينيها وأخذت تدور بعينيها في المكان حتى وقعت على الكتاب الخاص بخواطرها وأخر للقصص القصيرة فوضعت يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فشعر بالسعادة لأجلها وأردف قائلاً 

- الطبعة الأولى وصلت من ساعة فكلمت والدك فرحته و استأذنته أجيبك هنا، مبروك يا لمياء

انطلق اسمها من بين شفتيه بنبرة صوت حانية ما جعل قلبها يخفق في سعادة فالتفتت إليه لتبادله نظراته ثم استردت أنفاسها وقالت برقة

- أول مرة في حياتي أكون مبسوطة كده والفضل لحضر

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها قائلاً بغيظ: ده مش وقت حضرتك خالص وبصراحة الكلمة بتضايقني، لسه قايلك يا لمياء يعني تقوليلي يا عماد

ارتبكت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتابع: جربي 

- مش هعرف
- هتعرفي، يلا جربي

أشاحت بعينيها عنه حتى لا يرى خجلها لكنه لم يرفع راية الاستسلام وأردف بصوت دافئ: قوليها

- أستاذ عماد أنا

قاطعها مرة أخرى قائلاً: عماد بس وبلاش تخلقي بينا حواجز، يلا

شعرت أنها في مأذق شديد وازداد شعورها بالخجل والتوتر فوجهت نظراتها صوب الأرض وسألته

- ممكن أروح؟ 

رفع أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق طلبها ومع ذلك لم يرغب في إغضابها فأجابها باقتضاب وصوت رجولي

- أكيد ممكن

ابتعد قليلاً وأحضر النسخ المجانية الخاصة بكتابيها ثم قدمهم إليها وتابع: دول النسخ المجانية للكتابين بتوعك، تقدري توزعيهم زي ما تحبي، يلا علشان أوصلك

قال كلماته بجدية لم تعتاد عليها ثم أدار جسده ليغادر فعضت على شفاها السفلى ونفست بعمق وخلال لحظة واحدة حسمت أمرها وقالت بصوت مرتعش

- عماد

أتسعت ابتسامته وخفق قلبه لدرجة جعلته يظن أنه على وشك مغادرة الضلوع ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وأدار جسده إليها ثم تحدث بهدوء مصطنع 

- نعم
- أنت زعلان مني؟ 
- لا
- ماشي

قالتها بمرحها المعتاد ثم تخطته وغادرت فلحق بها وبداخله سعادة الكون وفرحة كان قد نسيها

*****

انتهت من وضع اللمسات الأخيرة للماكياج ثم وقفت عن مقعدها لتغادر لكنها شعرت بدوار شديد فجلست مرة أخرى وأخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها مساعدتها حينما دلفت 

- المخرج بيستعجلك يا آنسة فاتن

حركت رأسها بالموافقة وتحاملت على جسدها ثم وقفت عن مقعدها، ولكن ازداد شعورها بالتعب وسقطت مغشياً عليها فصرخت مساعدتها وركضت باتجاها ثم أخذت تضرب برفق على وجنتي فاتن ولكن دون جدوى فتركت الغرفة واتجهت صوب غرفة سهيلة لتخبرها بما حدث


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

No comments:

Post a Comment