طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل الثامن عشر - بقلمي منى سليمان
* لقاء *
أنهى أمجد كتابة تقرير التشريح ثم حمل جاكيت حلته وغادر في عُجالة... دلف إلى سيارته وأدار محركها لكنه لم ينطلق بها بل أخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً بحسام فأجاب الأخير قائلاً
- خلصت التقرير؟
- مفيش أزيك الأول؟
- أزيك؟
- كويس يا أخويا والتقرير بعته عالإيميل، قولي جاي العزومة؟
أغمض حسام عينيه بأسى وحاول التماسك حتى لا يشك فيه أمجد فقال بثبات وصوته الرجولي المعتاد
- للأسف عندي شغل بس حنين معاهم
شعر أمجد بالسعادة لعدم حضور حسام إلى العزيمة إلا أنه لم يظهر ذلك بل اصطنع الغضب قائلاً
- خسارة كان نفسي أشوفك
- معلش تتعوض، هقفل سلام
أنهى حسام المكالمة وعاد ليتابع عمله بينما فرك أمجد كفيه ببعضهم البعض ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى انطلق بالسيارة إلى متجر الزهور القريب من فيلا أمير وانتقى باقة فخمة من الزهور الحمراء لكنها لم تكن لسلوى كما اعتاد بل كانت هدية بسيطة لحنين ليعتذر عما فعله معها وعن تأخيره كذلك
*******
في ذات اللحظة وقفت وعد عن مقعدها لتغادر إلى غرفة أمل... لحق بها أمير ليذهب إلى حيث تجلس والدته، إلا أنها ما أن غادرت الشرفة تعثرت قدمها وكادت أن تسقط أرضاً فأسرع أمير وحاوط خصرها بذراعه ثم قربها إليه بشدة حتى أصبح لا يفصل بينهما شيئاً... توقع أن تبتعد عنه لكنه اندهش حينما سكنت بين أحضانه فتأمل انعكاس صورته داخل عينيها لدقائق ثم اقترب من شفتيها ليسرق قبلته الأولى فقاطعه صوت طرق على باب الجناح... ابتعدت عنه وحمرة الخجل تلون وجنتيها فأسر ابتسامته ثم اتجه صوب الباب وفتحه فقالت الخادمة
- تليفون الآنسة بيرن والحاجة قالتلي أطلعه ليها
- شكراً
قالها أمير بعد أن أخذ منها الهاتف ثم أغلق الباب وعاد إلى طفلته الرقيقة لكنها لم تستطع النظر إلى عينيه فوضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها لتتقابل أعينهم في نظرة قطعها صوت رنين هاتفها فقالت برقة
- ممكن أرد؟
أعطاها الهاتف فتلامست أيديهم دون قصد ولم تستطع الإمساك بالهاتف فسقط أرضاً وانقطع رنينه فهتف أمير بهدوء
- أنا أسف أني خليتك مرتبكة ده
- مفيش حاجة
- طيب أنا هنزل لماما وطنط سوسن وأنتي أتكلمي براحتك
- ماشي
ودعها بغمزة من عينه اليسرى جعلت قلبها يخفق بسعادة ثم تنهدت براحة وأخذت هاتفها لتتحدث إلى والدتها
*******
أوقف أمجد سيارته داخل أسوار الفيلا ثم ترجل منها وحمل باقة الزهور ودلف إلى الداخل... اقترب من سلوى وطبع قبلة على ظاهر يدها وفعل المثل مع سوسن بينما وكز أمير في قدمه وتساءل بصوت خفيض
- فين حنين؟
- الله يخرب بيتك، رجلك عامله زي القطر
- بطل رخامة وقول
توقف أمجد عن إكمال كلماته حينما رأى المشاكسة الجميلة تهبط الدرج برفقة أمل... ارتسمت ابتسامة على شفتيه وأخذ يقترب منها شيئاً فشيئاً حتى وقف أمامها ومد يده ليعطيها الباقة فتنهدت أمل بهيام وسرقتها منه فصر أمجد على أسنانه وهم أن يسترد ما أخذته المشاكسة الأخرى إلا أنها سبقته وركضت مبتعدة فركض خلفها ما اشعل غيرة حنين دون أن تعرف السبب فجلست إلى جوار سوسن واضعة يدها أسفل وجنتها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد أمجد حاملاً الباقة بيد وممسكاً يد أمل بيده الأخرى فتركت حنين مقعدها وقالت دون أن تعيره أي اهتمام
- بعد أذنكم هروح الحمام
وقف أمير عن مقعده ومضى معها ليرشدها إلى وجهتها ثم صعد الدرج إلى جناحه ليطمئن على وعد، لكنه ما اقترب من باب غرفة النوم رآها ترتدي نظارته الطبية وتطالع هيئتها في المرآة فاقترب منها على أطراف أصابعه حتى استقر خلفها وحاوط كتفيها بيديه فتعالت شهقاتها وأدارت جسدها إليه وهي تقول بارتباك
- أنا ككك كنت
قاطعها قائلاً بجدية مصطنعة: بقى أسيبك في أوضتي تقومي تاخدي حاجتي وكمان تلبسيها
خجلت من فعلتها ووجهت نظراتها إلى الأرض فأسر ابتسامته وتابع بذات الجدية
- عمري ما توقعت كده منك
- أنا آسفة
قالتها ببراءة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يحاوطها بحنان فأزداد خجلها لكنها سكنت بين أحضانه لشعورها بالدفء والحنان، وظلت هكذا حتى أبعدها عنه ونظر إلى عينيها قائلاً بهدوء
- أنا بهزر على فكرة، أنا وبيتي وشغلي ونضارتي ملكك أنتي
ابتسمت برقة فبادلها بقبلة حانية طبعها على جبينها ثم أمسك يدها واصطحبها إلى مائدة الطعام
*******
اجتمعوا على مائدة الطعام ولاحظ أمجد تبدل قسمات وجه حنين فاختلس النظر إليها لكنها تجنبت نظراته فاندهش بشدة وقرر مشاكستها قائلاً
- حنين ممكن المعلقة الزيادة اللي قدامك؟
أعطت الملعقة إلى سلوى لتوصلها دون أن تنظر إليه فازداد اندهاشه وكاد أن يتحدث مرة أخرى لكن قاطعه دخول نادين برفقة والدتها فأردف بغيظ
- أعوذ بالله، إيه اللي جاب المصيبتين دول هنا؟
ما أن تقابلت عينيّ أمير بعينيّ نادين صر على أسنانه بينما تبدلت قسمات وجه وعد فربت على يدها وقال بهدوء مصطنع
- وعد أنا جمبك
نظرت إليه بامتنان فغمز لها بمشاكسة ثم ترك مقعده ورحب بزوجة عمه الراحل وفعلت سلوى المثل بينما لم يعير أحد منهم أي اهتمام بوجود نادين فاشتلعت خيرية غضباً لكنها تمسكت بهدوئها ثم نظرت إلى وعد وتساءلت
- دي بقى العروسة؟
كاد أمير أن يجيبها لكن سبقه أمجد حينما قال ببرود: اه العروسة ومش أي عروسة دي مراة الغالي
لوت نادين ثغرها بينما اقتربت خيرية من وعد وعانقتها ثم ابتعدت عنها وقالت بسعادة مصطنعة
- مبروك
- الله يبارك في حضرتك
- يا خواتي على الأدب اللي بينقط من شفايفك، تعالي يا نادين باركي للعروسة
اقتربت نادين من وعد وهي تتمايل بدلال، وما أن استقرت أمامها مدت يدها لتصافحها لكن وعد لم تهتم واكتفت بابتسامة زائفة فشعرت نادين برغبة ملحة في الفتك بها إلا أنها تمسكت بهدوئها حتى لا يشك بها أحد... جلست خيرية على المقعد المجاور لأمل، بينما جلست نادين إلى جوار حنين فقالت الأخيرة في نفسها
- جيتي لقضاكي يا شابه
تناولوا الطعام في صمت تام بينما انتظرت حنين اللحظة المناسبة لتنتقم من نادين وبالفعل جاءتها الفرصة حينما وضعت الخادمة أمامها صحن شوربة ساخنة فأسقطت الطبق عن المائدة وانسكب بالكامل على قدمي نادين فضرخت بأعلى طبقات صوتها وهمت أن تبوخ حنين لكنها سبقتها وهتفت ببرود
- سوري يا طنط مكنش قصدي
وجهت نظراتها صوب سلوى وأردفت متسائلة: معندكيش مرهم تسلخات يا طنط سلوى لطنط نادين؟
جزت نادين على أسنانها واقتربت من حنين لتصفعها على وجنتها، لكنها توقفت بنظرة من والدتها التي وقفت عن قعدها ونظرت إلى حنين قائلة
- ما تتعبيش نفسك يا حبيبتي، إحنا هنروح يلا يا نادين
لم تمض سوى دقائق قليلة حتى دلفت نادين إلى سيارتها وهي تتألم فانطلقت بالسيارة إلى أقرب صيدلية لتشتري مرهم حروق
********
في فيلا أمير...
أكملوا تناول الطعام وهم يأسرون ضحكاتهم ولكن بمجرد أن تقابلت أعين حنين بعينيّ صديقتها وعد، فقدت الأخيرة سيطرتها وانطلقت من بين شفتيها ضحكة عالية فانفجروا جميعاً ضاحكين وتناولوا الطعام في أجواء ساحرة سُرقت من الزمن... بعد انتهاء الطعام صعدت أمل إلى غرفتها لتكمل مقالتها بينما مضت سوسن برفقة سلوى إلى جناج أمير لتعاينه سوسن، أما وعد فمضت برفقة أمير إلى الحديقة وجلست معه على الأرجوحة فأخذ يحركها بقدمه وهو يتحدث إليها فبقت حنين بمفرها مع أمجد لكنها لم تشاكسه ولم تتحدث إليه كعادتها فرفع كلا حاجبيه وتساءل بقلق
- أنتي تعبانه؟
ضيقت بين حاجبيها ثم وقفت عن مقعدها لتغادر إلا أنه سبقها وقبض على معصمها ثم جذبها بخفة فجلست إلى جواره على الأريكة وقالت بغيظ
- لو سمحت سيب أيدي
- لو سمحت؟!!!
قالها باندهاش فحركت رأسها لتؤكد ما سمعته وتابعت: اه وسيب أيدي بقى
- بت أنتي لو مجنونة فلازم تعرفي أني أجن منك، ماااالك؟!!!
- مفيش حاجة
- لو ما قولتيش حالاً مالك
انتقل بنظراته إلى شفتيها وأردف: مش هبقى مسؤول عن اللي هيحصل
ابتلعت ريقها بصعوبة وجاهدت لتسحب يدها لكنه لم يسمح بذلك وكرر كلماته بصوت أكثر جدية فعضت على شفاها السفلى وأشاحت بعينيها عنه ثم استجمعت شجاعتها وقالت بغيرة ملحوظة
- م م مفيش حاجة، ساكته علشان تهزر براحتك مع أمل
ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، ابتسم ببلاهة فصغيرته تغار والغيرة تعني أنها تكن له مشاعر فتساءل بدون أي تفكير
- حنين أنتي غيرانة من أمل؟
تسارعت نبضات قلبها وحاولت سحب يدها إلا أنه تمسك بها أكثر وتابع بصوت دافئ
- أنا أسف مكنش قصدي أضايقك، أمل أختي الصغيرة فاهمة يعني إيه أختي؟
حركت رأسها بنعم فابتسم لها بسعادة ثم حرر يدها لكنه لاحظ العلامة التي خلفتها قبضته فأمسك يدها مرة أخرى وطبع على ظاهرها قبلة رقيقة أحيت النبضات بقلب حنين إلا أنها فاقت من سحر اللحظة حينما استمعت إلى صوت سوسن تقترب برفقة سلوى فابتعدت عن أمجد قليلاً وأرجعت خصلات شعرها خلف أذنها فتأملها لدقائق ثم تركهن حينما صدع صوت رنين هاتفه
*******
العشق يا صغيرتي هو وجودكِ أمامي وأنتِ غير موجودة... فقد سكنتِ القلب وأصبح ينبض بعشقكِ... وسكنتِ العيون فأصبحت لا ترى سوى طيفكِ... فأخبريني بأي لعنة أصبتيني وعن الدواء أبعديني، فأنا أتنفس لعنة عشقكِ ومنها لا تداويني..
مر يومين هادئين بدون أحداث جديدة وفي صباح اليوم الثالث أوقف أمير سيارته أسفل العقار الذي تسكنه وعد، وما هي إلا دقائق حتى اقتربت منه وركبت إلى جواره... استقبلها بابتسامته الساحرة فبادلته بصوتها العذب
- صباح الخير
- صباح الورد لعيونك
غمز لها بمشاكسة ثم انطلق بسيارته إلى المشفى فاليوم ستستلم عملها كمساعدة له لكن أمير طلب منها الاهتمام كذلك بدروسها فستعمل معه يومي الجمعة والسبت فقط لتهتم بالجامعة باقي أيام الأسبوع
********
في ذات اللحظة أخرج شاب في مقتبل العشرينات هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً فابتعد إبراهيم عن أحضان عشيقته منيرة بصعوبة حينما صدع صوت رنين الهاتف ثم أحضره وأجاب قائلاً
- إيه الأخبار؟
- الراجل بيوصلها دايماً و
قاطعه قائلاً: يعني معرفتش تجبها علشان غبي، أقفل وقدامك يومين كمان والبنت تبقى عندى
لم ينتظر رده وأنهى المكالمة فتركت منيرة الفراش ثم حاوطت خصره من الخلف بذراعيها وقالت
- كده أجيلك بدري وبدل ما تفضل معايا تسيبني وتتكلم في التليفون وكمان تتعصب
أدار جسده إليها وحاوط خصرها بذراعه ثم تملك شفتيها في قبلة طويلة لكنه ابتعد عنها بصعوبة وقال بهدوء
- خلاص ما بقتش قادر أبعد عنك، سبيني أخلص عليه ومن بيع أعضائه هيطلع مبلغ كبير أوي هنعيش بيه كويس، وأنا معايا في البنك مليون وربع ده غير اللي هتورثيه منه بعد ما يغور في داهية
كادت أن تتحدث إلا أنه سبقها ومرر يده على جسدها ثم تابع: قدامك أسبوع بحاله تفكري وتقوليلي رأيك علشان دلوقتي ورانا حاجة تانية أهم
حملها بين ذراعيه واتجه بها صوب الفراش ليقضي معها نزواته الشيطانية ورغباته المحرمة فاستسلمت له كما تفعل دائماً ونست معه الزمان والمكان حتى أنها شعرت برغبة ملحة في التخلص من يحيى لتبقى مع إبراهيم إلى الأبد فما تجده معه لم تجده مع يحيى يوماً
*******
وصل أمير إلى المشي ودلف إليها برفقة وعد فشعرت بالسعادة لأنها ستبدأ عمل يناسب الحلم الذي لازمها طوال سنوات حياتها... مضت معه إلى المصعد وصدرها يعلو ويهبط كطفلة صغيرة اصطحبها أبيها لشراء لعبة عاشت سنوات عمرها القليلة تتمناها، وما أن استقر المصعد بالطابق الثالث اصطحبها أمير إلى الغرفة المجاورة لغرفة مكتبه ثم فتح بابها وأشار إليها بالدخول فدلفت وهي لا تصدق ما تراه... اقتربت من مكتبها وتحسسته بأناملها وابتسمت حينما رأت صورة تجمعها بأمير موضوعة على سطحه فنظرت إليه وقالت برقة
- بجد مش عارفه أقولك إيه، أنا متشكرة ليك أوي
ضيق بين حاجبيه واصطنع الغضب ثم اقترب منها حتى استقر أمامها فتأمل انعكاس صورته داخل عينيها لدقائق، وبمجرد أن فاق من سحر عينيها هتف بصوت دافئ
- مفيش بينا شكر ده أولاً، ثانياً أنتي مراتي والمستشفى كلها تحت أمرك وصاحبها كمان فوق البيعه
قال كلماته الأخيرة كمشاكسة لها ثم غمز لها وتابع: ولا صاحبها مش عاجبك؟
توردت وجنتيها خجلاً فشعر بالربيع يسري بداخله ثم جذبها إلى صدره وحاوطها بحنان فتمسكت به كغريق وجد بر الأمان بعد طول انتظار، وما أن ابتعد عنها نظر إليها قائلاً بجدية مصطنعة
- يلا على شغلك وأي غلطة كده ولا كده رفض على طول، أنا دكتور حمش أوي
ودعها بغمزة من عينه اليسرى ثم غادر المكان بالرغم من رغبته في البقاء معها إلى الأبد فابتسمت بسعادة ثم جلست على مقعدها ورددت بصوت خفيض
- ألف حمد وشكر ليك يارب
*******
أوقف أمجد سيارته بالقرب من منزل حنين وابتسم حينما رآها تجلس بالشرفة وتتابع دروسها... تأملها لدقائق وهو لا يعرف سبب انجذابه إليها فقط يشعر برغبة ملحة في البقاء معها وفي مشاكستها كذلك ليتعرف أكثر وأكثر على جنونها... تنهد براحة ثم أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتفها بل وراقب الابتسامة التي ارتسمت على شفتيها بعد أن قرأت أسم المتصل إلا أنه عبس عندما وضعت الهاتف على المنضدة الموضوعة أمامها ولم تجيبه فرفع أحد حاجبيه باندهاش وأعاد الاتصال بها فتنفست بعمق وأجابت
- الو
- ما بترديش ليه؟
تثاءبت ثم أجابته بصوت غلبه النعاس المصطنع: كنت نايمة
رفع كلا حاجبيه بعدم تصديق ثم أبعد الهاتف عن أذنه ونظر إليه قائلاً بصوت خفيض
- يا كدابة
أعاد الهاتف واستمع إلى صوتها تقول: الو الووووو
قاطعها قائلاً بغيظ: معاكي، مش شايفة أن هدومك مفتوحة شوية على المذاكرة في البلكونة
جحظت عينيها وأخذت تنظر حولها لكنها لم تجده فتساءلت: أنت شايفني؟
- أنا بقالي نص ساعة تحت بيتك، صح النوم يا أبلة حنين
عضت على شفاها السفلى فقد شعرت بالإحراج وعادت لتبحث بعينيها عن سيارته فلم تجدها
- أنا مش شايفه عربيتك تحت
- جاي بالعربية التانية في عربية حمراء كشافها منور
قاطعته قائلة: شوفتك، أنا آسفه
- بتهربي مني ليه؟
- مش عارفه
- طيب ينفع تنزلي؟
لم تجيبه لكنها حركت رأسها كإشارة بالنفي فحزن بشدة إلا أنه لم يظهر لها ذلك وتابع بهدوء
- طيب خليكي معايا عالفون بقالي يومين بحاول أتصل وأنتي ما بترديش، أنا زعلتك في حاجة؟
- لا
- أمال بتهربي مني ليه؟
- مش عارفه
قالتها بارتباك ملحوظ فأغمض عينيه بأسى وشعر بغصة في قلبه بعد أن فهم أنها لا تبادله نفس المشاعر ففتح عينيه وهتف بصوت كساه الحزن
- أسف لو ضايقتك بوجودي بس أوعدك أني مش هتقل عليكي أكتر من كده لأن دي هتكون أخر مرة اتصل بيكي بس لو أحتاجتيني في أي وقت هسيب الدنيا كلها وأجيلك مع السلامة
كاد أن يبعد الهاتف عن أذنه لينهي المكالمة إلا أنه توقف حينما استمع إلى صوت بكائها فاردف متسائلاً
- بتعيطي ليه؟
- مش عارفه
ابتسم على براءتها ثم هتف بمشاكسة: دي تالت مش عارفه تقوليها، الرابعة هتلاقيني بخبط على باب الشقة
اختلطت دموعها بابتسامة ساحرة جعلت نبضاته تتسارع في سعادة فكاد أن يتحدث إلا أنها سبقته وبكت من جديد ثم قالت بصوت غلبه البكاء
- ما تمشيش
- مش همشي بس ما تعيطيش، بنفع أشوفك بكرة؟
- ينفع
- يبقى هشوفك بكرة
ظل يتحدث إليها ويشاكسها لكي يرى ابتسامتها ويستمع إلى صوت ضحكاتها وبعد ما يقارب الساعتين ودعها وغادر إلى عمله على أمل اللقاء غداً
*******
في صباح اليوم التالي استيقظت أمل مع أول ضوء لأشعة الشمس، تركت فراشها ودلفت إلى الحمام ثم توضأت وصلت فرضها... وما أن فرغت، صلت ركعتين لله ودعته كثيراً لكي يحقق لها ما تمنت.... في التاسعة إلا عشر دقائق حملت حقيبتها وغادرت ثم اتجهت إلى غرفة والدتها ودلفت إليها... ودعتها بقبلة على ظاهر يدها وانصرفت إلى سيارتها ثم انطلقت بها إلى مقر إدارة البحث الجنائي...
في التاسعة والنصف وصلت إلى وجهتها فأوقفت سيارتها ثم ترجلت منها ودلفت إلى الداخل فاصطحبها أحد رجال الأمن إلى غرفة الاجتماعات وقبل أن تدلف إليها قال بصوت رجولي
- لسه نص ساعة على الاجتماع تقدري تبقي هنا وهما على وصول
- شكراً
قالتها بهدوء بالرغم من شعورها بالتوتر ثم دلفت إلى القاعة وتركت بابها مفتوحاً لكي لا تشعر بالاختناق... وقفت تطالع المقاعد الخالية وصدرها يعلو ويهبط فشعرت بالخوف لما هي مقبلة عليه فطالبها صوت بالمغادرة وأخذت تتراجع إلى الخلف حتى اصطدمت بصدر صلب فأدارت جسدها وجحظت عينيها في عدم تصديق بينما اندهش حسام بشدة وقال في ذات اللحظة التي تحدثت فيها أمل
- أنت - أنتِ
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف