02/05/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, February 5, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان


طريقي بقربك
الفصل الرابع - بقلمي منى سليمان

* سعادة *  

في فيلا أمير.... 
أوقف أمجد سيارته داخل أسوار الفيلا ثم ترجل منها ودلف حاملاً باقة فخمة من الزهور ... وقعت عينيه على سلوى فتقدم منها وأعطاها الباقة ثم طبع قبلة على ظاهر يدها فابتسمت بالرغم من شعورها بالغضب وهتفت بغيظ

- مش عارفه هلاقيها منك ولا من أمير 
- هو لسه مجاش، لا لا يا سلوى الكلام ده ما ينفعش وما يتسكتش عليه 

ابتسمت سلوى ونظرت خلفها فأشار أمير إليها لكي تلتزم الصمت فخبأت ابتسامتها وهتفت 

- عيب عليك ده أمير الكبير برضو
- لا كبير ولا حاجة هو بس اللي عايش الدور وأصلاً كل اللي بينا شهرين، أنتي بس اللي محسسانا أننا كبار علشان نتجوز
- يارب أفرح بيكم أنتوا الأتنين في يوم واحد، والله بدعلكم في كل صلاة 

ضيق أمجد بين حاجبيه بينما رفع أمير أحد حاجبيه فتلك هي الدعوة الرابعة بالزواج في ذات اليوم، لكنه لم يعلق واستمع إلى باقي حوار والدته مع ابن شقيقتها الراحلة

- أنا مستحيل أتجوز، جوزي أمير وخلصينا منه لحسن واخدها جد أوي ومحسسني أنه بقى جدو خالص يا خالتي

ما أن توقف أمجد عن إكمال كلماته، ربت أمير بعنف على كتفه فنظر إلى خالته وأشار إليها متسائلاً إن كان أمير يقف خلفه فحركت رأسها كإشارة بنعم فابتسم لها وأردف قائلاً 

- بس الشهادة لله أمير أحسن مني في كل حاجة وعليه طلة ولا الممثلين 
- شوف أزاي 

قالها أمير وهو يعقد ذراعيه أمام صدره فأدار أمجد جسده وابتسم وكاد أن يتحدث، لكنه لوى شفتيه بضجر وهتف بصوت خفيض

- أعوذ بالله إيه جاب دي هنا؟!! 

أدار أمير جسده ورأى نادين تدلف من باب الفيلا فنظر إلى ابن خالته وهتف بغيظ

- تعالي نقعد في المكتب على ما يجهزوا الأكل لحسن الأكسجين اختفى في ظروف غامضة 

مضى أمير برفقة أمجد دون أن يعيرها أحد منهم أي إهتمام فلوت شفتيها واقتربت من سلوى وهي تقول بسعادة مصطنعة

- وحشتيني أوي يا طنط
- وأنتي كمان وحشتيني 
- شفتي أمير وأمجد مشيوا أزاي من غير ما يسلموا عليا
- معلش بقالهم كتير ما قعدوش مع بعض، أطلعي لأمل وسيبك منهم

ابتسمت نادين بخبث ثم ابتعدت لتتغير ملامح وجهها إلى الغيظ بينما دلفت سلوى إلى المطبخ وهي تتمتم

- ربنا يصبر ابني عليكي يا نادين زفت الذين على رأي الاهبل ابن اختي 

*********

جلس أمير على الأريكة وجلس أمجد إلى جواره ثم زفر بضيق وهتف بغيظ

- أعوذ بالله عليها وعلى تقل دمها، مستحملها أزاي دي؟ 
- نصيبي 

لوى أمجد شفتيه بضجر ثم نظر إلى أمير وهتف متسائلاً: أوعى تكون اتجننت وناوي تتجوز نادين زفت الطين

اشتعل أمير غضباً فوكز أمجد بعنف في كتفه وهتف بحدة مصطنعة 

- أنا أمير جراح القلب أعيش ٢٨ سنة عازب علشان في الأخر أتجوز نادين 
- دي عسل 

قالها أمجد بطريقة تمثيلية فانفجر أمير ضاحكاً ووكزه في كتفه عدة مرات فبادله أمجد بتقليد تعابير وجه نادين فهتف أمير مازحاً 

- فاكر وإحنا صغيرين لما كانت تضرب بنات طنط شهيرة وتقولهم أبعدوا عن ميرو ده بتاعي

قالها مقلداً طريقتها في الحديث فقهقه أمجد بأعلى طبقات صوته ثم استرد أنفاسه وهتف 

- لا فاكر أنت لما كنا في أخر سنة في الجامعة وهي في سنة أولى وكل ما بنت تقرب منك تقولك دي جربانه مش من مستواك ولا حلوة زيي
- فاكر دي كانت أيام سوداء 
- ولا فاكر يوم فرح مراد ابن عمي لما أخت العروسة كانت بتعاكسك وكعبلتها نزلت في التورتة
- فاكر يا أخويا فاكر

قالها أمير بطريقة تمثيلية فانفجروا ضاحكين وضرب كل واحد منهم كفه بكف الأخر 

**********

في غرفة أمل.... 
دلفت نادين إلى الداخل بدون سابق إنذار فجزت أمل على أسنانها وأغمضت عينيها حتى لا تفتك بها فاقتربت نادين منها وجلست على حافة مكتبها ثم هتفت ببرود

- هاي
- هاي ورحمة الله وبركاته
- بتعملي إيه؟ 
- كنت بكتب مقالة 

قالتها بغيظ فلوت نادين ثغرها وهتفت بلا مبالاة: حوادث إيه اللي بتكتبيها مش كنتي بقيتي صحفية فن وتقابلي ممثلين وبعدين إيه لبسك ده شبة الصبيان خالص مفيش أي ذوق في لبسك، ده ميرو أشيك منك 

قالت كلماتها الأخيرة بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فشعرت أمل بالاشمئزاز وهتفت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- إنسانة تافهة
- بتقولي حاجة؟ 
- بقول خلاص مش هكتب تعالي ننزل نشوف الغداء 
- يارب تكونوا عاملين بيكاتا بالشامبنيون النهارده

زفرت أمل بضيق وجزت على أسنانها من تكبر تلك النادين ثم غادرت الغرفة دون أن تعيرها أي إهتمام فلوت نادين ثغرها وهتفت ببرود

- ياي مستحيل تكون بنت أبداً، دي راجل متنكر

هبطت أمل الدرج ودلفت إلى حجرة المكتب حينما استمعت إلى صوت ضحكات تنبعث منها، وما أن وقعت عينيها على أمجد ابتسمت له فهي تعتبره بمثابة شقيقها أمير

- أزيك يا دكتور المقتولين؟ 
- بخير يا بتاعت أخبار المقتولين
- هو إيه اللي جاب نادين؟ 
- هي جت لوحدها علشان ناس

قالها أمجد مازحاً وهو يشير بعينيه إلى أمير فغضب الأخير بشدة واستعد للركض خلف ابن خالته المشاكس لكن أمجد كان الأسرع وركض  قبل أن يفتك به واصطدم بنادين لتسقط أرضاً فسقط فوقها

- أوعى من فوقي، إيه القرف ده 
- على أساس أني هموت وأقع فوقك

قالها وهو يهندم ثيابه بينما استندت نادين على المقعد ووقفت عن الأرض لتقول بحدة

- إيه شغل المراهقين ده، حد يجري كده؟!!!!
- سيبنالك العقل يا بقرة عيلة سلطح بابا

صرت على أسنانها وضربت قدمها بغضب في الأرض فدمعت أعين أمل من كثرة الضحك، بينما وضع أمير يده على ثغره حتى يأسر ضحكاته فغادرت نادين مبتعدة، بينما اقترب أمجد منهما وهتف مازحاً 

- مرمطها، صح؟ 
- أووووووووووووووي

قالتها أمل بسعادة فنظروا إلى بعضهم البعض وانفجروا ضاحكين فرأتهم سلوى وضحكت على جنونهم

**********

في منزل سوسن... 
كانت سوسن تختلس النظر إلى وعد وحزنت بشدة لرؤيتها شاردة ولا تأكل شيئاً، فقط تحرك الملعقة في الطبق.... ربتت على يدها لتعيدها إلى أرض الواقع، فنظرت وعد إليها وابتسمت ابتسامة خفيفة فبادلتها سوسن بكلمات تحمل الحنان بطياتها

- وبعدين معاكي لو مكلتيش مش هاكل، ده أنا قولت هتفتحي نفسي
- ما أنا باكل أهوه

تناولت القليل من الطعام فشاركتها سوسن حتى تشجعها... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهت وعد وهتفت برقة

- الحمد لله شبعت
- كملي أكلك 
- والله شبعت، ماما سوسن أنا من بكرة هنزل أدور على شغل
- مصممة برضو؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم ورمقت سوسن بنظرة رجاء كتلك التي تسكن أعين الأطفال، فابتسمت لها وهتفت بحنان

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك بس لما الدراسة تبدأ مفيش شغل
- ربنا يسهل ويخليكي ليا

*********

كان حوار وعد وسوسن يحمل الحنان بطياته، أما حوار أسرة أمير كان ضرباً من الجنون... 
اجتمعت الأسرة على مائدة الطعام وجلست نادين على رأس الطاولة فنظروا إلى بعضهم البعض وشعروا بالغضب، لكن والدة أمير لم تعلق واكتفت برسم ابتسامة خبث على ثغرها فهناك مفاجاة في انتظار تلك المتعجرفة.... أشارت إلى الخادمة لكي تحضر الطعام فجحظت عينيّ نادين حينما رأت الخادمة تضع في صحنها حساء البط ثم انتفضت عن مقعدها وكادت أن تسقط أرضاً لكنها تمسكت بالمقعد بينما انفجروا جميعاً ضاحكين على الفزع الذي سكن عينيها، فاشتعلت غضباً وهتفت بحدة

- أنتوا بتضحكوا على إيه وازاي أصلاً تاكلوا القرف ده؟ 
- أنا اللي طالبها وطلبت ممبار ومحشي بمرق البط وهخليها المرة الجاية تعملي فتة كوارع وفشه وكرشه، عارفه الكرشه؟ 

قال أمجد كلماته ليزيد غضبها فنظرت إليه باشمئزاز وهتف بحدة: أكيد معرفش القرف ده

- يبقى أعرفك بلغة علمية يا دكتورة، يعني أحشاء الجاموسة والعكاوي رجلها

وضعت يدها على ثغرها لشعورها الشديد بالرغبة في التقيؤ ثم حملت حقيبتها وغادرت الفيلا دون أن تتفوه ولو بكلمة فقهقهوا بأعلى طبقات صوتهم، وما أن استردت أمل أنفاسها هتفت براحة

- يا ساتر غمه وانزاحت
- سيبوكم منها وسموا وكلوا

قالت سلوى كلماتها ثم أشارت إلى الخادمة لتحضر باقي الطعام، فنظر أمجد إلى البط المحمر وأخذ يفرك كفيه في سعادة

- الله على أكلك يا سلوى، البطة دي بتاعتي لوحدي يا بتوع الفراخ البيضاء 

قالها ثم أخذ قطعة من لحم البط وبدأ يتناولها وهو يتمتم: هو ده الأكل ولا بلاش

**********

رحل الليل بظلامه وسطعت شمس يوم جديد حاملة الأمل الذي تبحث عنه وعد.... 
استيقظت من نومها في التاسعة صباحاً ثم تركت فراشها ودلفت إلى الحمام لتتوضأ وتصلي فرضها... وبعد مرور عدة دقائق فرغت من صلاتها ودعت الله مراراً وتكراراً وهي تبكي بغزارة، ثم كفكفت دموعها وأبدلت ثيابها لتبدأ رحلة البحث عن عمل... غادرت الغرفة وتفاجأت برؤية سوسن تعد طعام الإفطار فاقتربت منها وطبعت قبله على يدها وأخرى على مقدمة رأسها ثم هتفت بحنان

- صباح الورد يا ست الكل
- صباح الهنا، يلا أفطري قبل ما تنزلي
- حاضر

جلست على المائدة واختلست النظر إلى سوسن بين تارة وأخرى وهي تشعر بالإحراج، فهي على وشك الذهاب للبحث عن عمل لكنها لا تحمل المال الكافي، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى فرغت سوسن من تناول الطعام وتركت مقعدها ثم عادت وأعطت وعد مبلغاً من المال وهتفت بحنان

- خلي بالك من نفسك وما تتأخريش
- حاضر ومتشكرة على الفلوس، أول ما اشتغل هرجعهم و

قاطعتها قائلة بصوت محمل بالغضب المصطنع: أنا زعلانة منك

- مش قصدي والله بس مش عايزه أحملك فوق طاقتك
- مين قال فوق طاقتي، الحمد لله معاش عمك بيكفيني ويفيض والشقة تمليك يعني مفيش داعي للحساسية دي، أتفقنا؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على ثغر وعد ثم طبعت قبلة على مقدمة رأس سوسن وغادرت إلى وجهتها

*********

في منزل حسام.... 
استيقظت حنين مبكراً لتذهب لشراء سيارة برفقة شقيقها... تركت فراشها وركضت باتجاه غرفته ثم دلفت إليها وهي تدور حول نفسها في سعادة... ابتسم على براءتها وأخذ يراقبها في صمت حتى توقفت عن الدوران وسقطت فوق الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها ثم هتف مازحاً 

- خلصتي يا مجنونة؟ 
- هشتري عربية ياهوووووه

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره فرفعت أحد حاجبيها وهتفت متسائلة 

- مكشر ليه؟ 
- مش مكشر بضحك أهوه

قالها ثم ابتسم بطريقة مضحكة جعلتها تتأكد من شكوكها، فاعتدلت في جلستها ونظرت إلى عينيه قائلة 

- بتحبها؟ 
- هي مين دي يا قردة؟ 
- اللي زعلان علشانها يا حضرة الرائد

ارتبك قليلاً فابتسمت بخبث وأردفت قائلة: والنبي قول بتحب وعد؟ 

- مش عارف، بفرح لما بشوفها وبزعل لما أشوف دموعها بس مش حاسس أني بحبها
- معجب طيب؟ 

قالتها بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فضربها بخفة على مقدمة رأسها وهتف بجدية مصطنعة

- أخدتي عليا أوي
- قولي والنبي معجب بيها؟ 
- شوية، وعد جميلة جداً ورقيقة جداً وألف راجل يتمناها جداً جداً جداً 
- وإيه كمان؟ 

قالتها ثم ألقت بجسدها على الفراش واصطنعت فقدان الوعي فقهقه بأعلى طبقات صوته وقرر مشاكستها قائلاً 

- علشان بتتحشري في اللي ملكيش فيه هعاقبك ومفيش عربية

جحظت عينيها واعتدلت في جلستها ثم نظرت إليه وهي تمسك بمعصميه بين كفيها

- لا ورحمة بابا وماما جيبلي العربية 
- لا 
- طيب وغلاوتي عندك
- برضو لا 
- طيب وغلاوة و

قاطعها قائلاً بحزم: خلاص با زنانه قومي ألبسي علشان تجيبها وألحق أروح شغلي

- ربنا يخليك ليا وتترقى لواء يا حلو أنت يا حلو 

طبعت قبلة على وجنته ثم ركضت إلى غرفتها فابتسم على جنونها وأخذ يحرك رأسه يميناً ويساراً وهو يتذكر حديثها 

**********

في ذات الوقت كانت وعد تجوب الشوارع بحثاً عن عمل، لكنها توقفت عن السير حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها ثم أجابة المكالمة 

- صباح الخير 
- صباح النور، عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، أنت وحنين عاملين إيه؟ 
- بخير 

قالها حسام ثم مرر يده بين خصلات شعره وأردف قائلاً: مصممة تشتغلي؟ 

- أيوه، أنا خلاص نزلت وبدأت أدور على شغل
- طيب خدي بالك من نفسك ولو حصل أي حاجة كلميني
- حاضر، مع السلامة 
- مع السلامة 

أنهى المكالمة ثم ترك فراشه وأبدل ثيابه، بينما أكملت وعد طريقها... دلفت في البداية إلى روضة أطفال وسألت عن عمل، لكن تجمعت الدموع في عينيها عندما أخبرتها مالكة الروضة بوجود عمل شاغر كعاملة نظافة فتركت المكان على الفور ومضت من جديد إلى أن توقفت أمام متجر ملابس يطلب بائعة ولا يشترط الخبرة، فدلفت على الفور عل الحظ يحالفها وتحصل على الوظيفة

- صباح الخير
- صباح النور 
- في ورقة بره أنكم طالبين واحدة تشتغل

لوت الفتاة شفتيها بضجر فاندهشت وعد لكنها لم تعلق فتحدثت الفتاة بضجر

- الحاج في المخزن أنزليله من السلم ده
- متشكرة

لم تجيبها وأكملت عملها فازداد اندهاش وعد، لكنها مضت إلى حيث أشارت الفتاة وهبطت الدرج ثم اقتربت من رجل في العقد الخامس من العمر وهتفت برقة

- حضرتك أنا عايزه

توقفت عن إكمال كلماتها حينما رأته يوجه نظراته صوب جسدها ويتأملها بإعجاب فتسارعت نبضات قلبها خوفاً وهتفت بصوت مرتعش

- خ خلاص م مش عايزه

اقترب منها فتراجعت بدورها إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف فتأمل جسدها بوقاحة وتساءل 

- مالك بس يا قمر؟ 
- م مفيش كنت ه سأل عل

قاطعها قائلاً: بس بس جمعي الأول، شكلك بتتكسفي

- ل لا مش مكسوفة، بعد إذنك

كاد أن يعترض طريقها لكنها سبقته وصعدت الدرج بسرعة لم تعتادها من قبل وغادرت المكان لتنفجر دموعها كالشلال... وبعد مرور عدة دقائق قضتها في البكاء صدع صوت رنين هاتفها فمسحت دموعها وأجابت قائلة

- أزيك يا ماما؟ 
- أزيك أنتي يا حبيبتي، قوليلي روحتي فين وعملتي إيه؟ 

قالتها رمزية بنبرة صوت تحمل القلق فشعرت وعد بالسعادة بالرغم من كل ما حدث، فها هي والدتها تهتم لأمرها 

- ما تقلقيش أنا قاعدة عند طنط سوسن مامت نور الله يرحمها
- سامحيني يا وعد مش بأيدي أنتي عارفه الذل اللي شفته في الشارع بعد ما رماني وأنا بنزف 
- عارفه ومش زعلانه منك، ربنا يسامحه بابا هو اللي عمل فينا كده 

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة المحملة بالألم أنهت المكالمة وتابعت رحلة البحث عن عمل، ولكن دون جدوى فقد أغلقت جميع الأبواب في وجهها من جديد.... شعرت بالإرهاق والجوع فنظرت حولها لتستقر عينيها على مطعم فخم فتوجهت إليه لتتناول مشروب يجدد نشاطها عوضاً عن الطعام، لكنها بمجرد أن اقتربت من باب المطعم وقعت عينيها على الورقة المعلقة على بابه وكُتب عليها ( مطلوب شباب للعمل ) .... دلفت إلى الداخل وحصلت على الوظيفة كنادلة مقابل مبلغ مالي لم تحلم به يوماً... وبعد مرور عدة دقائق غادرت المكان وهي في قمة سعادتها، سعادة لم تختبرها منذ عدة سنوات مضت 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان

* حنان *  

كانت وعد تتابع الطريق بعينيها وهي تأسر دموعها بصعوبة... أغمضت عينيها بأسى حينما تذكرت طفولتها والأيام السعيدة التي قضتها في بيتها بين أمها وأبيها... تذكرت والدها وهو يطعمها بيديه حتى لا ترهق والدتها، فقد كان حلمه وأمله في الحياة أن تنجب له صبي يرث أسمه وأمواله واليوم تخلى عنها خوفاً على الولدين اللذان أنجبتهما زوجته اللعوب التي دمرت أسرة بالكامل.. تذكرت كذلك والدتها التي غفت هي الأخرى على الأرصفة بعد طلاقها وظلت هكذا حتى شعر إمام مسجد بالشفقة عليها فتركها تقضي الليل داخل مصلى السيدات... فتحت عينيها وقررت نسيان الماضي لتبدأ حياتها من جديد وأقسمت أن تسير في الطريق الذي اختارته مهما كلفها الأمر، وظلت تفكر وتفكر حتى قاطع شرودها صوت حسام

- وعد يا وعد

نظرت إليه عبر المرآة الداخلية للسيارة وقالت برقة: معاك

- بكلمك وأنتي مش هنا خالص
- معلش سرحت شوية 
- طول ما أنا عايش مش هخليكي تشيلي هم أي حاجة في الدنيا 

ابتسمت إليه بالرغم من شعورها الشديد بالانكسار فبادلها الابتسامة بأخرى جعلت الأمل يسري داخلها من جديد فتأملت حنين الموقف ثم رددت بخفوت

- مبقاش حنين لو مش بيحبها، أكيد بيحبها باين أوي وربنا و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها حسام قائلاً: ما تعلي صوتك خليني أسمع

- لا بكلم نفسي وأنا لما أكلم نفسي محبش حد يسمع

ضربها بخفة على رأسها فتأوهت بمشاكسة، لكنه لم يهتم وأكمل قيادة السيارة وهو يفكر في الجميلة الجالسة على المقعد الخلفي 

********

في ذات الوقت كانت سوسن تجلس على فراش ابنتها الراحلة وتحتضن صورتها... سقطت دمعة من عينها وهي تتذكر الحادث الذي أودى بحياة زوجها وابنتها الوحيدة التي أنجبتها بعد عدة سنوات من الزواج... مسحت دموعها ثم أبعدت الصورة ونظرت إليها 

- شفتي يا نور ربنا عارف أني زعلانة ومضايقة علشان كده بعتلي وعد، وحشتيني أوي يا نور وحشتيني يا بنت عمري 

قالت كلماتها بصوت غلفه الألم وكسته الحسرة ثم ضمت الصورة إلى صدرها من جديد فتجدد بكائها

*********

في منزل والد وعد.... 
دلفت منيرة إلى غرفة وعد وأخذت تجمع كل ما يوجد بالغرفة لتلقي به في سلة القمامة... في ذات اللحظة استيقظ يحيى ثم ترك فراشه وذهب إلى غرفة ولديه لكنه اندهش بشدة من رؤية زوجته التي كانت تفرغ محتويات الغرفة فهتف متسائلاً 

- أنتي بتعملي إيه؟ 
- بفضي الأوضة وهشتري صالون وأحطه فيها، عندك اعتراض؟ 

قالت منيرة كلماتها الأخيرة بحدة فحرك يحيى رأيه يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فابتسمت بانتصار وأردفت قائلة

- روح حضر الفطار لولادك وأكلهم على ما ألم الزبالة دي، وأعمل حسابك هننزل العصر نجيب الصالون

اقتربت منه وأسندت يدها على كتفه وأخذت تمرر ظاهر كف يدها الأخرى على وجهه ثم تابعت برقة مصطنعة

- وبالمرة يا يويو هنعدي على الصايغ نجيب الأسورة اللي كان نفسي فيها 

لم تترك له أي فرصة للاعتراض فانصرف يحيى دون أن يتفوه ولو بكلمة فشعرت منيرة بلذة الانتصار وأكملت افراغ الغرفة وهي تغني بأعلى طبقات صوتها احتفالاً برحيل وعد واستمرار سيطرتها على زوجها ضعيف الشخصية 

***********

في منزل والدة وعد... 
استيقظ زوجها ولم يجدها إلى جواره، فترك فراشه وأخذ يبحث عنها حتى رآها تبكي في الشرفة... زفر بضيق واشتعل غضباً فاقترب منها كالثور الهائج ثم قبض يده على معصمها 

- قولت ألف مرة مش عايز نكد في البيت ده
- غصب عني دي بنتي
- لو صعبانه عليكي حصليها 

قالها ثم نفض معصمها بعنف لتسقط على الأرض، فرمقها بنظرة نارية وهتف بحدة

- لو الموضوع ده أتكرر تاني هتحصليها وترجعي للشارع اللي جبتك منه يا حلوة، يلا حضريلي الفطار

حركت رأسها بالموافقة ثم نهضت عن الأرض وهمت أن تتخطاه لتذهب إلى المطبخ، لكنه جذبها إلى صدره وانهال على شفتيها بقبلات عنيفة كانت كعقاب لها، وبمجرد أن تركها ركضت إلى المطبخ وهي تمسح الدماء التي سالت من شفتيها ثم جلست على أحد المقاعد وانفجرت دموعها على حالها وحال ابنتها التي تعيش نفس المصير 

*********

في مكان أخر... 
استيقظ أمير نشيطاً كعادة كل يوم... ترك فراشه ودلف إلى الحمام ليتوضأ ويصلي فرضه، وبعد مرور عدة دقائق فرغ من صلاته واتجه صوب حافظة ثيابه لينتقي الأفضل... انتهى من ارتداء ثيابه ونثر عطره المميز ثم غادر الغرفة متجهاً إلى غرفته والدته ليطمئن عليها قبل ذهابه... طرق بابها بخفة ثم دلف إلى الحجرة، اقترب منها وطبع قبلة على مقدمة رأسها 

- صباح الخير يا ست الكل
- صباح النور، مش هتفطر برضو؟ 
- معلش معنديش وقت هشرب فنجان قهوة وأمشي
- هترجع على الغداء؟ 

ابتسم لها ثم طبع قبلة على ظاهر يدها وأجابها بصوت دافئ غلفه الحنان

- بأمر الله 
- ربنا يحفظك لشبابك ويرزقك ببنت الحلال علشان قلبي يطمن

رفع أحد حاجبيه ورمقها بنظرة تعرفها جيداً فتابعت: هفضل أدعيها لحد ما تتجوز و

قاطعها قائلاً بمشاكسة: لحد ما تتجوز يا أول فرحتي وقلبي يطمن أنك في أيد بنت ناس تحافظ عليك وتبطلك أكل المطاعم

اصطنعت الغضب حينما قلد طريقتها في الحديث فانفجر ضاحكاً ثم استرد أنفاسه وأردف

- والله حفظت يا أمي، بس ريحي قلبك وطمنيه حياتي لشغلي وبس
- روح يا أمير يارب تتكعبل في بنت تقع فيها من أول نظرة
- وأدعي تكون شبهك بالمرة 

قالها ثم طبع قبلة على وجنتها وترك الغرفة فانتظرت حتى أغلف الباب وقالت بغيظ

- والله لأقوم أصلي ركعتين وأدعي تتكعبل فيها، أنت والجحش التاني اللي مش عايز يتجوز

********

في ذات اللحظة أوقف حسام سيارته أسفل العقار الذي تسكنه سوسن... ترجل من السيارة وحمل حقيبة وعد التي ترجلت وبداخلها شعور بالأمل... بعد أقل من دقيقة استقلوا المصعد إلى شقة سوسن، وما أن توقف أمسكت حنين يد وعد لترسل إليها الطمأنينةُ فابتسمت الأخيرة ثم غادرت المصعد وطرقت باب الشقة.... فتحت سوسن الباب وابتسمت بسعادة لرؤية حنين ووعد... عانقت وعد في البداية ثم عانقت حنين التي كانت على اتصال دائم معها ثم دلفوا جميعاً إلى الداخل ورحبت سوسن بوجودهم فهي تعيش بمفردها منذ وفاة أعز الناس إليها

- وحشتيني أوي يا وعد
- وحضرتك كمان يا طنط وحشتيني
- مالك يا حبيبتي؟ 

نظرت وعد إلى حسام فأرسل إليها رسالة طمأنينة جعلتها تقص على سوسن ما حدث معها، غضبت سوسن بشدة لكنها لم تندهش فهي تعلم زوجة أبيها جيداً وتعلم كذلك الغل الذي يسكن قلبها... اقتربت من وعد وعانقتها مرة أخرى ثم هتفت بحنان

- خلاص من النهارده ده بيتك وكل مصاريفك عليا

شعرت وعد بالسعادة والإحراج في آن واحد، فابتعدت عن صدر سوسن وهتفت بخجل 

- أنا متشكرة أوي يا طنط بس 

قاطعتها سوسن قائلة بحنان: قوليلي يا ماما 

ابتسمت وعد وحركت رأسها بالموافقة بينما نظر حسام إلى حنين وغمز لها بسعادة ثم همس بصوت خفيض

- اقتراحك في محله يا قردة

رفعت حنين رأسها بشموخ فابتسم على فعلتها ثم نظر إلى وعد ليتابع حديثها وتبدلت ملامحه حينما سمعها تقول

- أنا هشتغل وأصرف على نفسي

كاد أن يعترض، لكن سبقته سوسن: كلام إيه اللي بتقوليه ده يا وعد؟!!! 

- علشان خاطري يا ماما سوسن
- أزاي تشتغلي وأنتي هتقدمي في طب؟ 
- هشتغل في الأجازة وأول شهرين في الدراسة، وعلشان خاطري وافقي أنا عمر ما حد سمعني ولا أهتم أنا عايزه إيه 

قالت وعد كلماتها الاخيرة بنبرة صوت محملة بالألم فربتت سوسن على كتفها وهتفت بحنان 

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك المهم ما تزعليش نفسك 
- ربنا يخليكي ليا 

*********

بعد مرور عدة دقائق غادر حسام برفقة حنين ودلفت وعد لتستريح داخل غرفة نور... اقتربت من صورة صديقتها الراحلة وأخذت تتحسسها بظاهر أناملها ثم هتفت بصوت غلفته الدموع

- تصدقي يا نور الدنيا دي غريبة أوي، انتي تموتي وطنط سوسن هتتجنن عليكي وأنا عايشه وما حدش عايزني، ياريتك أنتي اللي عايشه وأنا اللي موت

انهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها، وشعرت بجمرة تتسلل داخل قلبها... اقتربت من الفراش وألقت بحسدها عليه وظلت تبكي حتى استسلمت إلى النوم فقد كانت تشعر بالتعب إثر الليلة التي قضتها على أحد الأرصفة 

**********

في ذات الوقت أوقف أمير سيارته وترجل منها ثم دلف إلى المشفى الذي يمتلكه... اقترب من المصعد ليستقله إلى حجرة مكتبه، لكنه توقف حينما رأى شجار بالمكان المخصص لاستقبال حالات الطوارئ... اتجه صوب الشجار واشتعل غضباً حينما استمع إلى صوت موظف الاستقبال وهو يقول بحدة 

- يا ستي هنا مستشفى استثماري مش تكيه، معكيش فلوس يبقى روحي أي مستشفى جامعي
- ربنا ينتقم منكم بنتي بتموت
- يلا من هنا بدل

قاطعه أمير قائلاً بحدة لم يعتادها من قبل: ولا كلمة زيادة

جحظت عينيّ الشاب من الحدة التي غلفت نبرات صوت أمير ثم ابتلع ريقه بصعوبة وهم أن يتحدث، لكن سبقه أمير وهتف بحزم

- طلع الحجة بنفسك لأوضة الكشف وخلي دكتور حسين يكشف على البنت وبعدها حصلني على المكتب 

حرك الشاب رأسه بالموافقة فرمقه أمير بنظرة نارية، ثم اتجه صوب السيدة وتحدث بهدوء قائلاً 

- ما تقلقيش أنا هتكفل بمصاريف علاجها
- ربنا يسعدك دي حفيدتي اللي فضلالي من ريحة أبني

ابتسم لها ابتسامة هادئة ثم أدار جسده وذهب صوب المصعد ليستقله وهو في قمة غضبه

**********

بعد مرور عدة دقائق طرق موظف الاستقبال باب مكتب أمير، ودلف إليه وهو يشعر بالخوف من النظرة التي رمقها به منذ قليل... اقترب منه ليدافع عما فعله منذ لحظات، لكن سبقه أمير حينما هتف بحدة

- أنا قولت ألف مرة أي حالة توصل الطوارئ تدخل حتى لو مفيش معاها فلوس، صح؟ 

قال كلمته الاخيرة بانفعال جعل الشاب يحرك رأسه بنعم، فضرب أمير سطح المكتب بيده وأردف بغضب متسائلاً 

- ولما هو حصل، إيه اللي حصل تحت ده؟ خلاص مفيش رحمة 
- يا دكتور دي أوامر الدكتورة نادين 

رفع أمير أحد حاجبيه باندهاش واشتعل غضباً فترك مقعده وتقدم من الشاب قائلاً بحدة

- هي المستشفى دي ملكي ولا ملك دكتورة نادين؟ 
- ملك حضرتك
- يبقى كلام مين اللي يمشي؟ 
- أكيد كلام حضرتك بس من يومين أتخانقت مع مريض في الطوارئ وبلغتتا ما ندخلش متشردين 

جحظت عينيّ أمير وشعر برغبة في الفتك بهذا الشاب وبتلك النادين، لكنه لم يفعل وهتف بغضب

- مش معنى أن دكتورة نادين مديرة قسم الطوارئ يبقى من حقها تلغي قراراتي
- هي دايما بتهددنا أنها بنت عم حضرتك علشان كده بنفذ أوامرها

أدار أمير جسده وزفر بضيق ثم تنفس بعمق وهتف دون أن ينظر إلى الشاب

- أندهلي دكتورة نادين وأرجع شغلك وده أخر إنذار ليك
- متشكر وأوعد حضرتك أني مش هغلط تاني

قالها الشاب ثم غادر المكان متجهاً إلى مكتب نادين وأخبرها بأن أمير ينتظرها في مكتبه... أمرت الشاب بالانصراف ثم أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وأخذت تطالع هيئتها قبل أن تذهب إليه 

**********

في ذات اللحظة دلفت سوسن إلى غرفة ابنتها نور وابتسمت حينما رأت وعد تغفو على الفراش... اقتربت منها وجلست على حافة الفراش وأخذت تتأملها في صمت وهي تشعر بسعادة بالغة، فمنذ وفاة أسرتها تعيش بمفردها ويزورها شقيقها وزوجته بين الحين وآخر لعمله خارج البلاد، واليوم انتهت عزلتها فقد أصبح لها شريكاً في البيت سيقاسمها الصباح والمساء وكذلك تناول الطعام الذي زهدته منذ الحادث الأليم.... ابتسمت بسعادة ثم غادرت الغرفة على أطراف أصابعها حتى لا توقظها واتجهت صوب المطبخ لتعد طعام الغداء 

**********

في المشفى... 
دلفت نادين إلى مكتب أمير وابتسامة سعادة ترتسم على وجهها... اقتربت منه وهي تتمايل بدلال مصطنع ثم جلست على حافة مكتبه قائلة بسعادة

- طلبتني يا أمير؟ 

جز أمير على أسنانه وتطاير الشرار من عينيه، فابتلعت ريقها بصعوبة وابتعدت عنه ثم جلست على المقعد المقابل له وأردفت قائلة

- هو أنا مزعلاك في حاجة؟ 

ضرب أمير بيده على سطح المكتب فانتفض بدن نادين، فهي تعلم طباعه جيداً، وبالرغم من تحليه بصفات حميدة جعلتها تقع في غرامه إلا أنها تعلمه جيداً عندما يغضب... ترك مقعده واقترب منها قائلاً بحدة

- مش معنى أنك بنت عمي ومديرة قسم الطوارئ، ده يديلك الحق تلغي قراراتي
- أنا أنا معملتش

قاطعها قائلاً بحدة: كدابة وطلبتي منهم ما يدخلوش متشردين

- أنا فعلاً عملت كده بس ده قرار لصالح المستشفى 
- لما نطرد الناس في الشارع يبقى في مصلحة المستشفى؟!!! 
- أيوه طبعاً دي أكبر مستشفى استثماري في البلد ودخول الأشكال دي هيخلي الناس تقرف مننا و

لم يستطع تحمل المزيد فرفع كف يده في الهواء مانعاً إياها من المتابعة فعضت على شفاها السفلى وانتظرت توبيخه لها كما يفعل دائماً 

- دكتورة نادين ده أخر تحذير ليكي
- دكتورة؟!!! أنا بنت عمك
- إحنا هنا في شغل مش في البيت وأظن كلامي واضح
- واضح يا ميرو

رفع أمير أحد حاجبيه فتابعت قائلة: قصدي واضح يا أمير

رفع كلا حاجبيه فعلمت ما يقصده وأردفت: قصدي واضح يا دكتور أمير

- أتفضلي على شغلك

غادرت نادين المكان وهي تشعر ببركان غضب يسري بداخلها، فهي تعلم تمام المعرفة أنه لا يبادلها نفس المشاعر واليوم تأكدت من ذلك، وما أن دلفت إلى حجرة مكتبها، جزت على أسنانها وهتفت بحدة

- أنا هخليك تحبني وتركع تحت رجليا وبكرة نشوف يا دكتور مين هيجري ورا مين

*********

غادر أمير مكتبه ليتابع سير العمل ويطمئن على مرضاه، لكنه توقف حينما رأى السيدة العجوز... اقترب منها فقابلته بابتسامة وهتفت بحنان

- ربنا يبارك فيك يا أبني
- حفيدة حضرتك عامله إيه؟ 
- الحمد لله الدكتور قالي أطمن وطلعت تعمل أشعة

شعر أمير بالرضا لرؤيته السعادة داخل عينيها وكاد أن يعتذر منها، لكنها سبقته وهتفت بحنان

- ربنا يسعدك ويباركلك في مراتك وأولادك 

ابتسم لها ابتسامة جعلتها تتابع كلماتها: شكلك مش متجوز 

- مين هترضى بدكتور بيفطر ويتغدى في المطعم اللي جمب المستشفى وليل نهار بره البيت؟ 
- هتلاقيها وهتعيش أجمل حياة على قد طيبة قلبك 
- ما أظنش في واحدة ترضى بيا بس هعيش على الأمل اللي أخدته منك، هروح أشوف شغلي 

ابتعد أمير ليمر على مرضاه وابتسم مراراً وتكراراً على كلمات تلك السيدة الطيبة وتساءل في نفسه 
"أحقاً سيأتي يوم أجد فيه تلك الفتاة، لقد انقضت سنوات عمري الثمانية والعشرون دون أن أقع في الحب فهل سيأتي يوم وتسرق قلبي إحداهن"
عاد إلى أرض الواقع حينما وصل أمام غرفة إحدى مرضاه، فطرق بابها ودلف إليها ليتابع عمله 

*********

بعد مرور خمس ساعات تململت وعد في فراشها وهي تشعر بالإرهاق... فتحت عينيها واعتدلت في جلستها ثم وضعت رأسها بين كفيها فقد كانت تشعر بألم يكاد أن يفتك برأسها ناتج عن البكاء الذي رافقها طوال الأربع والعشرون ساعة الماضية... تحاملت على نفسها وتركت الفراش ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة... أخذت تبحث عن سوسن حتى رأتها تجلس على سجادة الصلاة وتتلو آيات القرآن... اقتربت منها وجلست إلى جوارها فابتسمت سوسن وأنهت قرأتها ثم تأملت وعد وشعرت بغصة في قلبها لرؤية أثر الدموع يحاوط عينيها.... أخذت تمسح بيدها على وجهها وخصلات شعرها فابتسمت لها وعد وأسندت رأسها على صدر سوسن فحاوطتها بحنان وهتفت بصوت دافئ

- ربنا يخليكي ليا وتملي عليا البيت
- وربنا يخليكي ليا 
- قوليلي يا ماما 
- ربنا يخليكي ليا يا ماما 

شعرت سوسن بالسعادة تسري بداخلها من جديد فشددت في احتضانها وتمنت أن تدوم سعادتها إلى ما لا نهاية، أما وعد فأغمضت عينيها وتساءلت في نفسها هل انتهى العذاب، أم مازال القدر يخبأ لها صفعة جديدة ستقلب موازين حياتها من جديد؟ 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف