07/23/19 - سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, July 23, 2019

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* سرقة واسترداد * 

انتظرت جوري حتى تأكدت من نوم والدتها ثم تركت الغرفة على عُجالة لتطلق العنان لدموعها الحبيسة طوال اليوم... كانت تبكي بحرقة لدرجة جعلت أدم يستمع إلى صوتها أثناء مروره من أمام بابها فطرقه ودلف قبل أن تسمح له بالدخول، وما أن وقعت عينيه على خاصتها التي تورمت من كثرة البكاء شعر بخنجر مسموم في قلبه فاقترب منها وسألها عن سبب البكاء لكنها لم تجيبه بل وقفت عن مقعدها وألقت بجسدها في صدره وهي مازالت تبكي وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق ثم ابتعدت عنه وكفكفت دموعها قائلة

- ماما تعبانة أوي وبتحاول ما تبيتش بس أنا حاسة بيها

تصادف مرور أحمد أمام الغرفة فشعر هو الأخر بالأسى على حال جوري وأحلام، وكاد أن يدلف إلى الداخل لكن سبقه أدم حينما قال

- أنتي قولتي الصبح هتستحملي علشان هي محتاجة مننا نقويها، وكنتي قوية فعلاً ولازم تفضلي قدامها قوية مهما حصل معاها، الفترة اللي هي فيها مؤقتة وهتعدي وهتكون أحسن، وصدقيني قوتك قدامها ومذاكرتك ونجاحك أكبر داعم ليها، أوعي تبكي أو تهملي دروسك أنتي كده بتقتليها بأيديكي

حركت جوري رأسها بتفهم وهي تزيل الدموع الساقطة من مقلتيها فابتسم لها أدم ليرسل إليها رسالة طمأنينة وتابع

- خلاص عيطتي بما فيه الكفاية، دلوقتي لازم تذاكري شوية وتنامي وترتاحي وماما الصبح هتبقى زي الفل 
- حاضر

ما أن قالت جوري كلمتها دلف أحمد إلى الداخل ثم اقترب من أدم وربت على كتفه قائلاً 

- كبرت وبقيت راجل يا أدم

غمز أدم إلى عمه بمشاكسة ثم تحدث مازحاً: وحضرتك كبرت وعجزت يا عمي

عقد أحمد بين حاجبيه واصطنع الغضب ثم ضرب أدم على مؤخرة رأسه وهتف

- لسانك ده عايز مقص 

ضحكت جوري على حرب المشاكسات التي انطلقت بينهما ثم قاطعتهما قائلة

- هسيبكم بقى وأروح أذاكر عند لمياء

حملت الكتب خاصتها وتركت الغرفة فتابعها أدم بعينيه حتى اختفت تماماً ثم تنهد بحرقة وجلس على حافة فراشها وهو يردد

- صعبانة عليا ومش عارف أعملها حاجة

جلس أحمد إلى جواره والحزن يظهر على قسمات وجهه: والله يا ابني أنا كمان قلبي بيتقطع عليها وعلى أحلام بس كله اختبار من ربنا، المهم خليك دايماً جمبها وحافظ عليها وبأمر الله من هنا لأخر السنة هعملكم خطوبة تتحاكى بيها الناس

أمسك أدم يد عمه وطبع على ظاهرها قبلة ثم شكره بامتنان فربت أحمد على كتفه وهتف

- أوعى في يوم تجرحها أو تكون أنت والدنيا عليها
- جوري جوه عيوني، تعرف يا عمي أكتر حاجة بخاف منها في الدنيا هي أني أخسرها
- ربنا وفق بين قلوبكم وبأيدك تحافظ عليها العمر كله بس قول يارب
- يارب

كان حوار أدم وأحمد حواراً هادئاً مفعم بالدفء والحنان الأبوي، أما حوار جوري ولمياء كان ضرباً من الجنون... 
دلفت جوري إلى الغرفة ووجدت لمياء غارقة في بحور القراءة لدرجة جعلتها لا تنتبه لدخولها فاقتربت منها على أطراف أصابعها ثم سرقت الكتاب من بين يديها فانتفضت لمياء عن الفراش وقالت بغيظ

- بطلي رخامة وهاتي الكتاب

نظرت جوري إلى الأسم المكتوب على الغلاف وشعار معرض الكتاب أسفله ثم رفعت رأسها وهتفت بمكر

- الله الله ده لسه بتاع المعرض الجاي، بقى ليكي special treatment (معاملة خاصة) يا دكتورة 

ركضت لمياء خلف جوري لتسترد ما أخذته فركضت جوري بدورها واعتلت الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها ما أشغل غضب لمياء فلحقت بها لتبدأ حرب السرقة والاسترداد فدلفت جوري إلى الشرفة وقالت مازحة

- ما قولتليش ليه؟ 
- مكنتيش هنا، هاتي بقى هموت وأعرف مين القاتل

في ذات اللحظة كان عماد يجلس على أحد المقاعد بالشرفة لكن لمياء لم تستطع رؤيته فالحائط حال بينهما فاستمع إلى باقي الحديث في صمت 

- الرواية حلوة؟ 

تساءلت جوري فأجابتها لمياء بغيظ: حلوة أوي، هاتي بقى

اختبأت جوري خلف الأرجوحة واتخذت منها حصن أمان ثم تساءلت: طيب وصاحب الرواية أدهالك ليه قبل الكل؟ 

- مزاجه كده، هاتي يا رخمة

ابتسم عماد وحرك رأسه يميناً ويساراً على إجابتها النموذجية فتابعت جوري هجومها متسائلة

- مزاجه كده ولا قلبه قاله كده؟ 
- عارفه يا بت أنتي لما أمسكك هعضك 
- هو اللي بيحب جديد بيبقى عصبي كده أسأليني أنا

ابتسمت لمياء لا إرادياً فبادلتها جوري بأخرى وتابعت: هو يتحب الصراحة وسمارت كده في نفسه و

قاطعتها لمياء قائلة بحدة: أنتي يا بت لمي نفسك 

- الله الله ده إحنا بنغير كمان 
- جوررررري، هاتي الكتاب وأطلعي بره أوضتي
- خلاص خلاص هديكي الكتاب بس خليني معاكي في الأوضة بدل ما اقعد لوحدي أعيط

استشعرت لمياء الحزن المصاحب لنبرة صوت ابنة عمها فمطت شفتيها بضجر وتساءلت بقلق: ماما تعبانة؟ 

- شوية وأنا مخنوقة أوي

تقدمت لمياء منها وعانقتها فبادلتها جوري العناق بعد أن تجددت دموعها، وبمجرد أن ابتعدت عنها كفكفت دموعها وأعطتها الكتاب ثم أردفت

- خدي كملي روايتك وأنا هقعد أذاكر شوية
- أقولك أنا بقى الأحلى، تعالي نعمل فشار ونشغل فيلم رعب والصبح هكمل الرواية وأنتي النهارده بلاها مذاكرة مش هتركزي أصلاً وأنا كمان مليش مزاج أذاكر فنقضيها رعب وفشار، قولتي إيه؟ 

اختلطت دموع جوري بابتسامة خفيفة فأكملت إزالة الدموع عن وجنتيها وأجابتها بمشاكسة

- موافقة بس أعملي أنتي الفشار وأنا هروح أجيب طمطم ومامتك نرعبهم معانا، ديل؟ (Deal) 
- ديل (Deal) 

غادرن الشرفة وانطلقت كل واحدة منهن إلى المهمة الصعبة التي كُلفت بها فترك عماد مقعده وبداخله مشاعر مختلفة تجاه لمياء تجذبه نحوها أكثر وأكثر فهي خليط من الأنوثة والطفولة، الجدية والجنون، الغضب والحنان، التفوق العلمي والعملي إلى جانب خفة الظل، فابتسم بسعادة ثم دلف إلى الداخل ليُكمل قراءة القصص القصيرة خاصتها التي سرقته من نفسه وجعلته للمرة الأولى يعيش في عالم ساحر مليء بالرومانسية التي لم يكتب عنها يوماً أو بالأحرى لا يعترف بوجودها إلا عندما اقتحم عالمها الخاص من خلال ما كتبت

*****

أوقفت فاتن سيارتها داخل أسوار منزلها ثم تنفست بعمق وهي تكاد لا تصدق أنها تحررت من ذلك العجوز، ترجلت على الفور وحملت حقيبة يدها ثم أشارات إلى الحارس وطلبت منه إحضار حقيبة سفرها فنفذ على الفور وأحضر الحقيبة ثم صعد الدرج لوضعها داخل غرفة فاتن التي جلست على أقرب مقعد لشعورها الشديد بالتعب والإرهاق، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد الحارس وبيده حقيبة سفر تُشبه خاصتها فتساءلت بحدة

- مش قولتلك حطها في أوضتي، نزلت بيها تاني ليه؟ 

شرع الحارس أن يجيبها لكن سبقته سهيلة عندما قالت وهي تهبط الدرج: دي بتاعتي أنا 

انصرف الحارس فوقفت فاتن عن مقعدها واقتربت من والدتها وعانقتها فبادلتها سهيله العناق وهي تردد

- معلش لازم أسافر حالاً عندي شغل مهم
- كان نفسي أقعد معاكي بس شغلك أهم
- معلش مض هتأخر يومين تلاته بالكتير وهرجع، أبقي كلمي فريد جه هنا وعمال خناقة زي عادته

لوت فاتن ثغرها بضجر وهتفت: أنا راجعه تعبانه مش هستحمل محاضراته الأخلاقية، هطلع أنام وارتاح وبكرة هبقى أجهز نفسي للمحاضرة وأكلمه

- أوك براحتك، أنا لازم أمشي باي 

انتظرت فاتن حتى غادرت والدتها ثم صعدت إلى غرفتها وأفرغت على الفور محتويات حقيبتها ثم خبأت عقد زواجها بمكان لا يستطيع أحد الوصول إليه تحسباً لأي طارئ وخبأت كذلك السندات المالية على أن تذهب صباحاً إلى البنك لصرفها ثم أراحت جسدها على الفراش وتمتمت بوهن

- أخيراً هنام براحتي

خلال لحظات قليلة استسلمت إلى النوم كمن لم يتذوق نكهته منذ عدة أشهر 

*****

مضى الليل سريعاً وسطعت شمس يوم جديد حاملة معها المزيد من المشاعر والمفاجأت والنظرات والهمسات... 
في التاسعة والنصف صباحاً غادرت جوري برفقة لمياء ليذهبن إلى الجامعة بينما بقى أدم ليذهب برفقة عمه إلى البنك لإنهاء مجموعة من المعاملات المالية... بالخارج وقفت لمياء في انتظار المصعد فابتسمت جوري بخبث حينما رأت عماد يقترب ثم وكزت ابنه عمها في معصمها وقالت

- سيدي يا سيدي على الصدف وجمال الصدف وشياكة الصدف
- أتهدي شوية بقى

اقترب عماد منهن وابتسامة ساحرة تزين ثغره ثم ألقى تحية الصباح فردتها لمياء بينما اصطنعت جوري البحث عن هاتفها ثم زمت شفتيها بضيق وهتفت

- نسيت الفون جوه، أنزلوا أنتوا علشان ما نعطلش الأسانسير وأنا هجيبه وأحصلك يا لمياء

فهمت لمياء ما فعلته جوري جيداً وكذلك عماد لكنه اصطنع عدم الفهم وفتح باب المصعد فسبقته لمياء ودلفت فلحق بها وأغلق الباب ثم ضغط زر الطابق الأرضي وسألها بهدوء 

- عامله إيه؟ 
- كويسه الحمد لله وحضرتك؟ 

رفع أحد حاجبيه باستنكار وأجابها مازحاً: حضرتي بخير

وجهت نظراتها نحو الأرض حتى لا يرى ابتسامتها فتابع: هتيجي الدار النهارده؟ 

- بأمر الله، عندي بس سيكشن عملي هخلص وأجي على طول، القصص عجبتك؟ 

تلاعب عماد بقسمات وجهه فظنت أن قصصها لم تلقى لديه القبول وأردفت بنبرة صوت حزينة

- شكلهم مش حلوين وضيعت وقت حضرتك على الفاضي، آسفة

كاد عماد أن يتحدث لكنه توقف حينما استقر المصعد في الطابق الأرضي فغادر وانتظر حتى غادرت ثم أغلق الباب ومضى برفقتها إلى الخارج دون أن يتفوه ولو بكلمة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وتمتمت بخفوت

- للدرجة دي القصص بتاعتي وحشة، ده مش طايق يقولي كلمة و

بترت كلمتها عندما وصلت أمام السيارة فنظر عماد إلى الدموع الساكنة داخل عينيها وشعر بالحزن لأجلها فقال بصوت هادئ

- القصص أكثر من رائعة و النهارده هنمضي عقد القصص والخواطر
- بجد؟!!! 
- أكيد بجد، سهرت طول الليل أقرأ وأنا مستمتع، لما تيجي الدار نتكلم أفضل من الشارع

حركت رأسها بتفهم فودعها بابتسامة خفيفة ثم ارتدى نظارته الشمسية ودلف إلى سيارته وخلال لحظات قليلة انطلق بها فاقتربت جوري من لمياء ووكزتها في كتفها قائلة

- أي خدمة، ما ردتش أكبس على نفسكم
- بجد أنتي مجنونة رسمي

ضحكت جوري بجنون فشاركتها لمياء ثم استردت أنفاسها وتابعت: يلا يا مجنونة هنتأخر 

****

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انصرف أدم برفقة أحمد الذي ما أن ركب السيارة نظر إلى أدم وقال 

- أمك مش مبسوطة خالص يا أدم من موضوع التمثيل واشتكتلي
- يا عمي ده حلمي، حضرتك سبت سعد يسافر بالرغم أننا الحمد لله مش محتاجين فلوس بس هو حب يعتمد على نفسه، حتى لمياء سمحتلها تطبع كتاب خواطر والنهارده هتمضي العقد وجوري كمان عمر ما حد مننا قالها لا على حاجة، ليه أنا حلمي ممنوع

ربت أحمد على كتفه ليهدأ من انفعاله المصاحب لنبرة صوته فهدأ أدم قليلاً وتابع

- أسف أني انفعلت بس ده حلم حياتي
- أمك خايفة عليك يا ابني من المجال ده، نفسها تكون حياتك هادية
- عارف بس أنا كبرت ومن حقي اختار حياتي
- المهم تثبتلها ده وتهتم بدراستك زي التمثيل ومهما حصل لا تتغير ولا تتكبر

حرك أدم رأسه بتفهم ثم طبع قبلة على ظاهر يد أحمد وخلال دقائق قليلة انطلق بالسيارة إلى وجهته وبداخله إصرار على تحقيق حلمه وإثبات نجاحه لوالدته علها تقتنع بموهبته

*****

دلفت الخادمة إلى الغرفة ثم اقتربت من فاتن وحاولت إيقاظها فزفرت بضيق ثم اعتدلت في جلستها وتساءلت بحدة وصوت عالِ

- إيه يا غبية أنتي، بتصحيني ليه؟ 
- الأستاذ فريد على التليفون ومصمم يكلم حضرتك

اعتدلت فاتن في جلستها ثم زفرت بضيق وأشارت إلى الخادمة لتقترب ثم أخذت الهاتف وأعادت فتح الصوت وأجابت قائلة

- صباح الخير Dad
- كويس أنك لسه فكراني

لوت ثغرها بضجر ولم تتفوه ولو بكلمة فتوقع فريد سبب صمتها وأردف

- طبعاً كلامي مش عاجبك، ما خلاص أتنسيت وأتنست حقوقي كأب بنته غايبة بقالها أسبوع وميعرفش عنها حاجة 

قال كلماتها بحدة وصوت عالِ كان كفيل بإزعاج فاتن التي وضعت يدها على رأسها لشعورها بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها وانتظرت حتى أنهى والدها وصلة التوبيخ المعتادة ثم تحدثت بهدوء قائلة

- آسفة دادي كنت في رحلة مع صحباتي وكنت بتصل بمامي كل يوم بس وعد بعد كده قبل ما أسافر هقولك وهتصل بيك كل يوم 
- ماشي يا فاتن، بس يكون في علمك لو اللي حصل أتكرر يبقى تنسي أن ليكي أب

أخذت فاتن تفرك جبينها بأطراف أناملها وهتفت: خلاص داد ما تزعلش، أقولك إيه رأيك نتغدى سوا في النادي؟ 

- مش هينفع عندي بروفة جنرال، لو يهمك تشوفي فن راقي ومحترم تقدري تيجي 
- أوك داد هاجي يمكن تديني دور ولا حاجة

قالتها مازحة فحرك فريد رأسه يميناً ويساراً بأسى ثم قال بحزم: خلصي جامعتك وبعدها أبقى أديلك دور ده كان إتفاقنا من الأول وعمري ما هغيره، سلام 

أنهى فريد المكالمة ثم هبط الدرج ليتناول طعام الإفطار برفقة زوجته، بينما ألقت فاتن بالهاتف إلى جوارها وتمتمت ببعض كلمات غير مفهومة ثم أكملت نومها وكأن شيئاً لم يكن

***** 

بالجامعة... 
كانت جوري شاردة بشدة حتى أنها لم تنتبه لكل ما قاله المحاضر فقد كانت تفكر في والدتها ولكن قاطع شرودها اهتزاز هاتفها فأخرجته من حقيبتها لتجد رسالة من حبيبها المشاكس 

(وحشتيني) 

نست حزنها تماماً وكتبت (خلصت ولا لسه؟) 

(لا لسه بدري، بس لو خلصت هجيلك) 

قرأتها وابتسمت ثم كتبت (لسه عندي محاضرات كتيررررر، روح ارتاح أحسن) 

(بحبك) 

خفق قلبها بسعادة وبادلته الكلمة بأخرى ثم أعادت الهاتف إلى الحقيبة وتذكرت كلماته عندما أخبرها أن نجاحها سيكون أكبر داعم لوالدتها فبدأت تنتبه لما يقوله أستاذها الجامعي وتدون كل كلمة كما اعتادت دائماً 

****

في الواحدة ظهراً توقف السائق أمام مقر دار الحكمة للنشر والتوزيع فترجلت لمياء وهي تشعر بالسعادة والتوتر في آن واحد... استجمعت شجاعتها ودلفت إلى الداخل فاستقبلها سامي بترحاب وسمح لها بالدخول تنفيذاً لتعليمات عماد فطرقت الباب ودلفت إلى الداخل لكنها لم تجد عماد في استقبالها فقد كان يصلي فرضه ما زاد إعجابها به... جلست على أحد المقاعد في انتظاره وخلال دقائق قليلة قليلة فرغ ووقف عن الأرض ثم اقترب منها مُرحباً فبادلته بابتسامة رقيقة وقالت

- آسفة علشان دخلت بس أستاذ سامي قالي أدخل و

قاطعها عماد قائلاً: أنا قولتله أول ما توصلي تدخلي على طول، قولتلك قبل كده أنتي مش زي أي حد

خجلت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها ووجنتيها المائلة للحمرة فقرر تغيير مجرى الحديث

- عجبتك الرواية صحيح؟ 
- مقدرتش أكملها للأسف، فاضل ٢٥ صفحة هخلصهم النهارده بأمر الله
- أكيد كنتي مشغولة بالليل

تساءل بمكر فهو يعلم جيداً كل ما حدث بالأمس فأجابته ببراءة: فعلاً انشغلت شوية مع أني متشوقة أعرف مين القاتل

- تحبي أقولك؟ 
- لا لا لا لا 

قالتها بجنون خوفاً من حرق الأحداث فرفع يديه لأعلى باستسلام ليشاكسها قليلاً فابتسمت على فعلته وأردفت

- عايزه أكملها قراءة مش بحب حد يحكي
- وأنا زيك بس قولت أساعدك شوية و

بتر عماد كلمته عندما طرق سامي باب غرفة المكتب ودلف إلى الداخل ثم اقترب منه وثنى جزعه قائلاً بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- في واحدة بره ومصممة تقابل حضرتك 
- واحدة مين؟ 

تبدلت قسمات وجه سامي وأجاب بصوت مرتعش: واحدة جت مرتين لما حضرتك كنت في الأجازة و و و

تردد سامي في قول المزيد فوقف عماد عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وطلب من سامي اللحاق به وتساءل: أوعى تكون هي؟ 

- لا مش هي بس اللي بره تشبهها أوي

كور عماد قبضة يده وتطاير الشرار من مقلتيه فابتلع سامي ريقه بصعوبة وغادر على عُجالة فلحق عماد به بعد أن اعتذر من لمياء، وبالخارج تأكدت شكوكه عندما وقعت عينيه على المرأة التي تقف في انتظاره فاقتربت منه وتساءلت بهدوء 

- أزيك يا عماد؟ 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث عشر - بقلمي منى سليمان  

* قصص قصيرة * 

لحق عماد بطبيبته الغاضبة لكنها اصطنعت عدم الاهتمام وأجرت اتصالاً هاتفياً بسائقها لتعلم منه سبب اختفائه فأحبرها أنه ذهب إلى أقرب محطة بنزين لتزويد الإطارات بالهواء وسيعود خلال دقائق قليلة فأنهت المكالمة ووقفت في انتظاره ضاربة عرض الحائط بنظرات عماد المصوبة نحوها فاقترب منها وهتف بدون سابق 

- هتفضلي مخصماني كده كتير؟ 

عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بنبرة صوت تحمل الغضب والغيط بطياتها

- أنا مش مخاصمة حد

كاد أن يبتسم على طريقتها الطفولية عند الغضب لكنه لم يرغب في زيادته فأسر ابتسامته وقال بجدية مصطنعة

- بلاش مخصماني، نقول زعلانة مني
- مش زعلانة من حد

رددت كلماتها دون أن تنظر إليه وهي مازالت تعقد ذراعيها أمام صدرها لكن تلك المرة عقدت بين حاجبيها أيضاً فتنحنح قائلاً 

- أنا عارف أني سريع الغصب بس ده طبع فيا يمكن مع الوقت أغيره، ومع ذلك مش بعترف بغلطي ولا عمري اعتذرت لحد زعلته وقت غضبي غيرك أنتي، عارفه ليه؟ 

كان قلبها يخفق بسرعة جنونية مع كل كلمة من كلماته، وما أن وصل سؤاله إلى مسامعها حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فنظر مُباشرةً إلى عينيها  تابع بصوت دافئ

- علشان أنتي بالنسبالي مش أي حد 

نست غضبها تماماً وارتسمت ابتسامة أسرة للقلوب لتزين وجهها قبل شفتيها فشعر عماد بالسعادة لرؤية البريق المنبعث من عينيها فكانت كسهام العشق التي تخترق القلب بدون سابق إنذار، وبقى يطالعها في صمت حتى صدح صوت رنين هاتفها فأجابت على الفور

- جيت؟ 
- أنا واقف عند الباب الرئيسي 
- تمام لحظة وجايه

أنهت المكالمة ثم نظرت إلى عماد وأردفت برقة: السواق جه ولازم أمشي، باي

ابتعدت على عُجالة بعد أن لوحت بيدها مودعة فتابعها بعينيه وبداخله شعوراً جديداً لم يتذوق نكهته يوماً، وبمجرد أن اختفت تماماً عن نظره، وضع نظارته الشمسية واتجه نحو سيارته ثم انطلق إلى الدار ليباشر عمله الذي تعطل لعدة أيام

****


في ذات اللحظة أوقف أدم سيارته على مقربة من المشفى فاندهشت جوري بشدة وتساءلت

- وقفت ليه؟ 
- النهارده أول جرعة لماما أحلام، وأول مرة هتشوفيها تعبانه هتقدري تستحملي ولا 

قاطعته قائلة: هستحمل يا أدم ومهما شوفتها تعبانة مستحيل أبكي هي محتاجة لينا علشان نقويها مش نضعفها

رفع أدم أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق ما قالته فالجالسة إلى جواره فتاة ناضجة قوية وغير قابلة للكسر، في حين يراها دائماً طفلة رقيقة بجسد فتاة كبيرة تحتاج دائماً إلى من يرعاها ويحميها، فاندهشت من جديد من شروده وسكونه وسألته ببراءة

- بتبصلي كده ليه؟ 
- فرحان بيكي وبقوتك

غمز لها بمشاكسة وتابع: عقبال ما تبطلي خجل

- أنت قليل الأدب أوووي

قالتها بطريقة تمثيلية جعلت ابتسامته ترتسم لا إرادياً فاصطنعت الغضب وأردفت بحزم

- أتفضل وصلني 
- تمام يا فندم

أدارمحرك السيارة وانطلق من جديد إلى أن وصل أمام المشفى فترجلت جوري وسبقته إلى الداخل واستقبلت المصعد إلى الطابق الرابع حيث تتلقى والدتها أولى جرعات علاجها، وما أن وصلت إلى وجهتها وغادرت المصعد وجدت الطبيب الشاب الذي قابلته منذ عدة أيام يقف على مقربة منها فاصطنعت عدم الاهتمام وأكملت طريقها إلا أنه استوقفها قائلاً 

- خير، راجعة المستشفى ليه؟ 
- ماما بتاخد أول جرعة، بعد إذنك

همت أن تبتعد لكنه سبقها وقال: ما تقلقيش هتبقى كويسة

- أنا مش قلقانه لأني بثق في ربنا و

بترت كلمتها عندما توقف المصعد وخرج أدم منه فتسارعت نبضات قلبها خوفاً من رد فعله ولم تمض سوى لحظة واحدة حتى استقر أدم إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه ثم سألها بهدوء مصطنع

- في حاجة يا قلبي؟ 

تضاربت المشاعر بداخلها بين الخوف من هدوء أدم والسعادة لوجوده إلى جوارها ليخلصها من الكائن الواقف أمامها فاستجمعت ربلط جأشها وأجابته برقة

- لا يا حبيبي مفيش حاجة، الدكتور افتكر ماما تعبانه وبيسأل عليها

رفع أدم رأسه قليلاً ورمق الطبيب بنظرة غيظ ومع ذلك ردد بهدوء: طيب مش هنعطلك عن شغلك وشكراً على سؤالك

- العفو، بعد إذنكم

قالها الطبيب باقتضاب ثم ابتعد مُسرعاً بعد أن فهم الرسالة جيداً فعضت جوري على شفاها السفلى وتساءلت

- زعلان مني؟ 
- لا

كانت إجابته قصيرة لدرجة أكدت لها الغضب المتملك من حبيبها الذي يغار عليها من نسمات الهواء فقالت

- هو اللي جه يتلزق فيا وكنت لسه هديله على دماغه

تغلبت طريقتها الطفولية في الحديث على غيرته فابتسم وردد مازحاً 

- ماشي يا شرس، قدامي نشوف لولي وطمطم فين

مضت معه والسعادة تسري بداخلها فللمرة الثانية يتغلب على غضبه ولا يعنفها كعادته خوفاً من فقدانها فتنهدت براحة وتمتمت بخفوت

- يارب يفضل سندي العمر كله

***

بالفندق...
كانت فاتن تتناول طعام الغداء برفقة هشام الذي كان يأكل بنهم مثير للاشمئزاز فتوقفت فجأة عن الأكل وقالت

- أنا شبعت هقوم أجهز شنطتي وأنام شوية
- ما أكلتي
- مش جعانه

وقفت عن مقعدها وهمت أن تبتعد فوقف هشام عن مقعده وتأملها بوقاحة جعلتها تفهم ما يرمي إليه فسبقته وأردفت

- أبو عبد الرحمن أنا جسمي كله مكسر وحقيقي مش هستحمل
- ما ضل غير اليوم خلينا نستمتع
- لما أنام وأصحى يبقى ربنا يحلها 

تركته ودلفت إلى الغرفة ثم أراحت جسدها على الفراش فلحق بها على الفور وجلس إلى جوارها على حافة الفراش وهتف

- شو رأيك نمدد العقد أسبوع كمان؟ 

كتمت شهقاتها بصعوبة فقد كانت تعد الأيام لتتخلص منه لكنها رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته بثبات

- مش هيتفع، عندي شغل لشهرين قدام
- خسارة 
- ما تزعلش لما أصحى هبقى أودعك وداع عمرك ما تنساه

لمعت عينيه فزفرت فاتن بحرقة بعد أن خبأت وجهها بالوسادة ثم تمتمت في نفسها

- الله يهدك، أسبوع ده أنا حاسه الكام ساعة الفاضلين هيمروا سنين

***

في ذات الوقت كانت سهيلة تحتسي أكواب الخمر بجنون فذهب عقلها بلا رجعة وبدأت تترنح بالرغم من حلوسها، أشعلت إحدى سجائرها وبدأت تتفس دخلنها وهي تتناول الكوب ثم ألقت به على الأرض فتهشم إلى قطع صغيرة لكنها لم تهتم ورددت بحرقة

- كده يا محسن، ده أنا عمري ما حبيت فريد قد ما حبيتك

حملت زجاجة الخمر وبدأت تشرب بطريقة هسترية حتى تناولتها بالكامل ثم وضعتها على المنضدة وحملت سيجارتها وتركت مقعدها وخلال لحظات قليلة تناولت هاتفها واتصلت بمحسن الذي كان يساعد زوجته لإعداد طعام الغداء ليُدللها ويُنسيها ما فعله، لكنه ما أن صدح صوت رنين هاتفه تبدلت ملامحه فعلمت زوجته هوية المتصل أو بالأحرى المتصلة قبل أن ترى ذلك فقالت بثبات

- رد عليها يمكن عايزه حاجة
- فرح أنا

قاطعته قائلة: عادي يا محسن رد عليها، خلينا نقفل الصفحة بكل اللي فيها

زاد إعجاب محسن برقي تفكير زوجته فأجاب المكالمة قائلاً: نعم يا سهيلة، في إيه؟ 

- طلقتني ليه؟ ده أنا بحبك
- سهيلة من فضلك ما تتصليش بيا تاني، جوازنا كان غلطة وأتصلحت
- غلطة؟!! حبي ليك وجوازنا غلطة

كانت تتحدث بطريقة مريبة جعلت محسن يشك في تناولها للخمر فتحدث بحدة وصوت عالِ جعل جسد فرح ينتفض

- أنتي سكرانه وجايه تخربي بيتي تاني، أخر مرة تتصلي ولو ما فهمتيش ده بالذوق هضطر أفهمه ليكي بالعافية

لم ينتظر ردها وأنهى المكالمة ثم نظر إلى زوجته ليعتذر منها فتفاجأ بنظرة الهلع الساكنة داخل مقلتيها 

- مالك يا عمري؟ 
- أول مرة أشوفك عصبي كده

اقترب منها وجذبها إلى صدره ثم طوقها بذراعيه وضمها بكل الحنان الكائن بداخله فتمسكت به وسكنت كذلك بين أحضانه، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها حينما قال

- أسف لو خوفتك، بس أنا غلطت مرة ومستحيل أغلط تاني لأني بحبك ومقدرش أخسرك
- بجد يا محسن؟ 
- بجد يا قلب محسن

شعر بسعادتها عندما شددت في احتضانه فعلم أنها تريد الاختباء بداخله، أما على الطرف الأخر انتابت سهيلة حالة هسترية وبدأت في تكسير كل ما يقابلها ثم جلست على الأرض تبكي لشعورها بالحنين للمساته وللدفء الذي كانت تشعر به وهي بين أحضانه ولكن هيهات فقط حفرت الحفرة لغيرها وسقطت هي في بركان الشر خاصتها

****

في الرابعة عصراً شعر عماد بالملل والإرهاق فقرر العودة إلى المنزل للحصول على قسط من الراحة وخلال دقائق ليست بالقليلة وصل إلى وجهته فخفق قلبه بطريقة لم يعتادها من قبل عندما رفع بصره لأعلى ورآها تقف بالشرفة... دلف مُسرعاً إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته ثم ركض إلى غرفته متناسياً تعبه، لكن سعادته لم تكتمل فقد سبقته وعادت إلى الداخل فزفر بضيق وحل رابطة عنقه ثم جلس على أحد المقاعد وأخرج هاتفه بعد أن قرر مراسلتها

(نمتي) 

قرأتها وابتسمت لكنها تردد في الرد ففاجئها برسالة جديدة

(كنت عايز أديكي روايتي لو لسه عايزه تقرأيها) 
(أكييييييييد عايزه أقرأها) 

أرسلتها على الفور فشعر براحة تغمره وأرسل 

(مستنيكي في البلكونة) 

تركت فراشها على الفور ودلفت إلى الشرفة ثم تقدمت منه وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالخجل، وقبل أن تصل إلى نهاية الشرفة وقفت لتلتقط أنفاسها وتُهدى التوتر الذي تملكها ثم أكملت خطواتها لتجده بالفعل يقف في انتظارها فقالت برقة 

- مساء الخير
- مساء النور، عامله إيه؟ 
- كويسه، وأنت أيدك عامله إيه دلوقتي؟ 

تنهد براحة وأجابها: هفك الخياطة بكرة

- أبقى خد بالك بعد كده
- حاضر

قالها بنبرة صوت دافئة لم يعتادها من قبل فارتبكت من جديد وتحدثت بصوت مرتعش

- ف فين الرواية؟ 
- لحظة هجبها من جوه، النهارده استلمت أول طبعة

ابتسمت له فبادلها بأخرى ثم تركها ودلف إلى الداخل وخلال دقائق قليلة عاد إليها ووجدها تتحدث إلى سعد فشعر بقليل من الغضب ومع ذلك جاهد بشتى الطرق أن يخبئ ذلك حتى لا يُغضبها مرة أخرى، ولم تمض سوى دقائق قيلة حتى أنهت المكالمة فقال بغيظ ملحوظ 

- واضح أنتي وهو قريبين أوي من بعض، طول المكالمة ضحك وهزار

شعرت لمياء بالرضا لاستشعارها الغيرة المصاحبة لصوته فقد تعمدت الضحك والمزاح حتى ترى رد فعله وبالنهاية نالت ما تمنت فأجابته بتلقائية 

- سعد أخويا وصحبي وأوقات بحسه أبويا، طبعه زي طبع بابا بالظبط وطول عمره بيخاف عليا من الهواء و

قاطعها قائلاً بغيظ: ربنا يخليكم لبعض

- يارب

قالتها بصعوبة وهي تأسر ابتسامتها ثم مدت له يدها وتابعت: الرواية 

بدت كطفلة شقية تطلب من أبيها الجائزة الكبرى التي وعدها بها فابتسم عماد لا إرادياً متناسياً الغيرة التي كانت تتأكله منذ لحظات فأعطاها ما بيده ثم تحدث بجدية 

- أول مرة أطبع كتابي قبل المعرض بتلات شهور، بس قولت تقرأي من الكتاب أفضل علشان عيونكِ ما يتعبوش 
- ميرسي، هسهر عليها النهارده وبكرة هقولك رأيي
- ينفع أكلمك قبل ما أنام؟ 

أخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها واصطنعت التفكير العميق فخفق قلبه لشعوره الشديد بالانجذاب نحوها ورغبته في البقاء معها إلى ما لا نهاية، لكنه فاق من شروده بطفولتها حينما أجابته بمرح طفولي

- موافقة، باي

لم تنتظر رده ودلفت مُسرعة إلى الداخل فتابعها بعينيه حتى حال الحائط بينهما وردد بخفوت

- باي 

دلف إلى الداخل والسعادة تغمره فقد وجد المرأة للتي استطاعت هزم ماضيه وملأ حياته البائسة لكن شعوره لم يدوم طويلاً حيث طاردته الأفكار وبدأ يترنح يميناً ويساراً كمن شرب الخمر لأيام وأيام فوضع رأسه بين كفيه وتمتم 

- كفاية كفاية

لم يكن رجائه كافياً فبدأ صوت ما يجول في رأسه مردداً وبقوة: هتخونك 

فتح عينيه أو بالأحرى جحظت عينيه وركض مُسرعاً إلى العلبة الموضوعة إلى جوار فراشه ثم التقطها على الفور وتناول دوائه فهدأ قليلاً واستسلم إلى النوم خلال لحظات قليلة وهو يردد بوهن

- بلاش تطلعي زيهم، خليكي جمبي

احتضن جسده كطفل صغير يحتاج إلى الأمان ثم توقف عن الكلام ونام والسكينة تملأ قلبه

****

بالمشفى... 
غادرت جوري غرفة والدتها ثم اقتربت من أدم وجلست إلى جواره واضعة رأسها على كتفه فعلم أن الحزن الكائن بداخلها عميق وقرر تغيير الواقع 

- ماما لسه قدامها ساعتين ونمشي، إيه رأيك ننزل وكده كده طمطم معاها
- هنروح فين؟ 
- محتاج أجيب هدوم للدور بتاعي في المسرحية وأكيد هتختاري ليا هدوم حلوة، قولتي إيه؟ 

حركت رأسها بالموافقة ثم تحدثت مازحة: وتكتب أسمي على التتر وأبقى الأستايلست بتاعك

ضربها بخفة على رأسها وهتف: موافق يا ظريفة بس الكلام ده لما أبقى بطل في فيلم أو مسلسل، مش حته كومبارس على خشبة المسرح

- بكرة هتكون نجم جيل بحاله ومعجباتك طوابير، أوعى أنت بس تنساني و

بترت كلمتها عندما رفع أحد حاجبيه بتوعد فابتسمت وتابعت: بقول نقوم نشتري الهدوم

- قدامي يا لمضه، قال أنساكي قال، أنا أنسى روحي وأنتي لا

غمز لها بمشاكسة ثم وقف عن مقعده فوقفت هي الأخرى ومضت برفقته إلى مركز تجاري ضخم وبدأت بالفعل تنتقي له ملابس أظهرت وسامته بوضوح

****

بالفندق... 
اتنهت فاتن من حزم حقائبها ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة فاستقبلها هشام بعقد من الألماس ثم اقترب منها وألبسها إياه لكنه لم يبتعد بل طبع قبلة على كتفها وهمس

- رح أشتاجلك
- وأنا

قالتها بنبرة صوت صادقة لكنها لم تكن تقصده بل تقصد الهدايا والمبالغ المالية الطائلة التي حصلت عليها خلال أسبوعاً واحداً، فأدارها إليه قائلاً 

- خلينا نمدد العقد
- حقيقي مش هقدر
- يبقى أمت ما بدك أتصلي وبچيكي
- عيوني

قالتها بدلال جعله يلتهم شفتيها فبادلته قبلاته وهي على وشك الاختناق ثم ابتعدت عنه بصعوبة فطلقها كما إتفق معها لتشعر بالحرية من جديد، وخلال لحظات قليلة غادرت الجناح واستقلت سيارتها ثم انطلقت وهي تردد

- وأخيراً خلصت منه

****

في العاشرة والنصف مساءاً عادت أحلام إلى المنزل وبقت جوري جالسة إلى جوارها فجلست لمياء معها حتى الحادية عشر والنصف ثم عادت إلى غرفتها لتُكمل قراءة الرواية... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى صدح صوت رنين هاتفها فتسارعت نبضاتها لمجرد ظهور أسمه على شاشة الهاتف، ومع ذلك تنفست بعمق وأجابت بثبات

- السلام عليكم
- عليكم السلام، خلصتي ولا؟ 
- فاضلي ٥٠ صفحة بس، وحقيقي الرواية تحفففة هموت وأعرف مين القاتل
- بعد الشر عليكي

ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها، شعرت بهروب الكلمات فصاد الصمت للحظات قطعها حينما تابع

- هو أنا بضايقك بوجودي؟  
- لا خالص

شعر عماد بالربيع يعود إليه من جديد بعد سنوات الخريف التي عاشها ومع ذلك لم يرغب في إظهار مشاعره أكثر فقرر تغيير مجرى الحديث قائلاً 

- إيه رأيك بكرة نمضي عقد كتابك وأبدأ شغل فيه؟ 
- بجد؟ 

حرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها وأجابها بجدية: أكيد بجد

- موافقة، بس كنت عايزه أقول لحضرتك على حاجة
- حضرتك؟!! 

هكذا تمتم في نفسه بغيظ ثم هتف مازحاً: قولي لحضرتي حاجة

فهمت لمياء ما يرمي إليه فابتسمت وقالت: أنا كنت بكتب قصص قصيرة قبل الخواطر، لو ينفع نطبعهم بدل الخواطر حقيقي نفسي يخرجوا للنور و

قاطعها قائلاً: هقرأهم ولو عجبوني هطبعلك الأتنين

أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتوقع عماد هيئتها وتابع 

- قدامك دقيقتين والقصص تكون عندي، بدل ما أغير رأيي
- بجد ميرسي ميرسي ميرسي، أنا ممكن أطبع الخواطر والقصص على حسابي بس يكونوا من الدار لأنه شرف ليا بجد أبدأ مع أسم زي حضرتك
- يادي حضرتك

تمتم في نفسه مرة أخرى ثم اتجه صوب الشرفة ووقف في انتظارها فاقتربت منه وسلمته الأوراق الخاصة بها فأخذهم ثم تحدث إليها عبر الهاتف وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- الدار بتتكفل بكل مصاريف النشر، سمعاني ياللي لسه على الخط؟ 

اتسعت ابتسامتها على مشاكسته لها فأبعدت الهاتف عن أذنها ثم أنهت المكالمة وأجابته

- سمعاك
- نسيتي تقولي حضرتك على فكرة

علمت جيداً أنه يشاكسها فقالت بجدية مصطنعة: هدخل بقى أكمل قراءة كتاب حضرتك

- وأنا هدخل حالاً أقرأ قصص حضرتكِ

ازدادت ابتسامتها إتساعاً فجنونه لا يتوقف أبداً، فبادلها بأخرى ثم ودعها ودلف إلى الداخل شوقاً لقراءة أفكارها والبناء الدرامي والحبكة الخاصة بها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني عشر - بقلمي منى سليمان  

* راحة قلب *   

وقف عماد عن مقعده ليغادر لكن أحمد لم يسمح بذلك وأصر عليه للبقاء كما طلب منه تناول طعام الغداء برفقتهم فوجدها فرصة مناسبة للبقاء بالقرب من لمياء لأطول وقت ممكن، فترك أحمد مقعده على الفور وطلب من زوجته البدأ في تجهيز السفرة ثم اتجه صوب غرفة لمياء وطلب منها مساعدة والدتها فتضاربت المشاعر بداخلها بين السعادة لبقائه والغضب من مشاعرها المنجرفة بشدة تجاهه وبالنهاية قررت تنفيذ رغبة والدها فتركت غرفتها على الفور واتجهت إلى المطبخ

***

في ذات اللحظة كانت جوري تسير إلى جوار أدم بالقرب من كورنيش النيل لكنه لاحظ سكونها الذي لم يعتاده من قبل فانتظر حتى وصل أمام أحد المقاعد العامة المطلة على نهر النيل ثم توقف وطلب منها الجلوس قليلاً فنفذت رغبته وجلست إلى جواره فتساءل

- مالك يا عمري؟ 

أدارت وجهها إليه وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها ثم أجابته: مفيش حاجة 

كانت إجابتها كفيلة بتأكيد الشك الكائن بداخله بأن هناك أمراً تخبئه عنه فهتف بصوت دافئ

- في حاجة شغلاكي عني، إيه هي؟ 

تنهدت بحرقة ثم عادت لتنظر إلى مياه النيل وقصت عليه الحوار الذي دار بينها وبين فاطمة صباحاً فاندهش بشدة وكاد أن يتحدث إلا أنها سبقته وتساءلت بنبرة صوت كساها الألم

- هو أنت ممكن في يوم تحب واحدة غيري وتبعد عني؟ 

شعر بغصة في قلبه حينما رأى تلألأ الدموع داخل مقلتيها فقرر تلطيف الأجواء قائلاً 

- طيب أروح أخنق أمي ولا أغزها بمطواة؟! 

ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة سرعان ما تلاشت وهتفت والدموع تتساقط بغزارة على وجنتيها

- لما طمطم قالت كده قولتلها مستحيل يبص لغيري حتى لو قدامه ألف واحدة لأني وحدي ملكة قلبه، صح ولا ممكن في يوم تتشهر وتروح لغيري و

قاطعها قائلاً بحنان بعد أن احتضن كفها بكفه: أطمني قلبي وعمري كله ليكي وبس، ووقت ما أحقق حلمي هشاور عليكي للكل وأقول دي حبيبتي

- بجد يا أدم؟ 
- بجد يا عيون أدم

غمز لها بمشاكسة وأردف: بقول تعالي نتمشى ونرجع المستشفى قبل ما أتهور وتزعلي

- أنت قليل الأدب

قالتها ببراءة وهي تزيل أثار الدموع عن وجنتيها فضحك بجنون وهو يردد: عارف

***

على مائدة الطعام اختلس عماد النظر إلى لمياء كلما سمحت له الفرصة لكنها لم تبادله أي من نظراته ولم ترفع رأسها كذلك عن الطبق فشعر عماد برغبة ملحة في سماع صوتها العذب وقرر كسر الصمت فنظر إلى أحمد وهتف

- عمي كان في موضوع عايز أكلم حضرتك فيه
- اتفضل يا ابني
- الموضوع خاص بكتاب الخواطر الخاص بالدكتورة

رفعت لمياء رأسها لا إرادياً فتقابلت عينيها بعينيه إلا أنه اصطنع عدم الاهتمام وتابع حديثه

- أنا بأمر الله خلال أيام أو أسبوع بالكتير هرجع أتابع شغلي وكنت عايز الموافقة من حضرتك

شرعت لمياء أن تعترض وتخبره بالعدول عن رأيها، لكن سبقها والدها كالعادة وهتف

- أنا موافق وتقدر تتصرف على الأساس ده

أسر عماد ابتسامته بصعوبة ووجه نظراته صوب لمياء التي كانت على وشك الانفجار ومع ذلك رسم الجدية على وجهه وأردف

- مبروك يا دكتورة
- الله يبارك في حضرتك

قالتها بغيظ مكتوم ثم وقفت عن مقعدها وتابعت: أنا شبعت ولازم أمشي، عندي سيكشن مسائي

- خدي بالك من نفسك يا قلبي
- حاضر يا بابا

لم تودع عماد ولو بنظرة وحملت حقيبتها والكتب خاصتها ثم غادرت على عُجالة فشعر بألم حاد يعتصر قلبه، فكيف تعامله بتلك الطريقة الجافة وهو انتظر سنوات وسنوات حتى وجد امرأة تزلزل كيانه وتتخلل شراينه... بقى شارداً لعدة دقائق ثم عاد إلى أرض الواقع فوقف عن مقعده وأخبر أحمد برغبته في الحصول على قسط من الراحة فسمح له أحمد بالمغادرة، وخلال دقائق قليلة عاد إلى شقته واتجه مُباشرةً نحوم غرفة نومه وحاول الاتصال بها، لكنه وجد هاتفها مغلقاً فألقى بالهاتف إلى جواره ثم وقف عن الفراش واقترب من المرآة وشرار الغضب يتطاير من عينيه فطالبه صوت بالانتقام منها وأخر بفعل المستحيل حتى يراضيها وبالنهاية وضع رأسه بين كفيه وأخذ يدور حول نفسه وهو يتمتم بحدة

- كفاية، كفاية، كفاااااية

***

بمكان أخر... 
أوقف سيارته أمام عقار فخم بمنطقة راقية ثم ترجل منها ودلف مُسرعاً إلى الداخل ضارباً عرض الحائط بنظرات الجميع المصوبة نحوه... استقل المصعد إلى الطابق السابع ثم اتجه إلى شقة والديها وطرق بابها بحدة فانتفض والدها عن مقعده وأسرع بفتح الباب فدلف محسن وهو يتساءل 

- فين فرح؟ 

رمقته والدة فرح بنظرة اشمئزار وبادلت سؤاله بسؤال: أنت جاي هنا تعمل إيه؟ 

- جاي لمراتي وأولادي و

قاطعه والد فرح قائلاً: أولادك تقدر تشوفهم وقت ما يعجبك، لكن فرح هتطلقها برضاك أو هترفع عليك قضية طلاق للضرر واعتقد فضايحك وصورك مع العروسة الجديدة كفيلة بتأكيد الضرر النفسي اللي هي عيشاه

اقترب محسن منه وتحدث بصوت أقرب إلى الرجاء: أنا هعملها اللي هي عايزاه بس تديني فرصة أتكلم معاها

- تتكلم!!! 

قالتها والدة فرح باندهاش ثم تابعت: دلوقتي عايز تتكلم، مجتش ليه تقولها عايز أتجوز وحقها تقبل تكمل معاك أو لا

- غلطت بس عرفت غلطتي متأخر ودلوقتي عايز أصلح اللي أقدر عليه
- اللي اتكسر يا ابني عمره ما يتصلح، بنتي من يوم ما دخلت بيتك صاينه شرفك وعرضك وشيلالك من على الأرض شيل
- عارف يا عمي، بس أنا كل اللي عملته أني اتجوزت على سنة الله ورسوله وده لا عيب ولا حرام 

شعرت والدة فرح برغبة ملحة في الفتك به ومع ذلك تمسكت بهدوئها في حضرة زوجها وقالت 

- حلال ربنا قالك اتجوز في السر وأكدب، تقولها رايح شغل وأنت مسافر شهر العسل، صحيح اللي اختشوا ماتوا

حنى محسن رأسه فقد كان يشعر بندم لم يختبره يوماً، كم تمنى أن يعود الزمن إلى الوراء ليُصلح ما أفسده لكن أمنيته كانت بعيدة المنال وظل على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها والد فرح عندما هتف

- روح يا ابني الله يسهلك، ووقت ما تحب تشوف ولادك كلمني وياريت النهارده تبعتلها ورقة طلاقها وألف مبروك على الجواز
- يا عمي أرجوك أديني فرصة أشوفها وأتكلم معاها
- طلبك مرفوض يا ابني، ربنا يسهلك ويكفينا شرك ويكفيك شر الحية اللي سرقتك من نفسك وخلتك تخرب بيتك بأيدك

لم تكن كلمات والد فرح كافية لجعل محسن يفقد الأمل في رؤية زوجته فبدأ ينادي بأسمها بأعلى طبقات صوته وفشلت جميع محاولات والدها في إسكاته فركض ولديه إليه وهما يشعران بالخوف، فضمهما محسن إلى صدره وهو يردد

- ما تخافوش يا حبايبي مفيش حاجة، كلها نص ساعة ونرجع بيتنا و

بتر محسن كلماته حينما اقتربت منه فرح كالإعصار واختطفت ولديه من بين أحضانه ثم تراجعت خطوات قليلة إلى الوراء وهتفت وهي توجه كلماتها إلى محمود ومصطفى 

- أنا قولت تفضلوا في الأوضة، من أمتى بتكسروا كلمتي؟! 
- بابا كان واحشني
- وأنا كمان با

قاطعته قائلة: ولا كلمة زيادة، على أواضكم

نفذا ما قالته فرح بالرغم من تعلق أعينهم بعينيّ والدهم، فانتظر محسن حتى تأكد من ابتعاد محمود ومصطفى واقترب من فرح قائلاً 

- أرجوكِ اسمعيني وبعدها هعملك اللي أنتي عايزاه

زفرت فرح بضيق وشرعت أن تعنفه لكنه سبقها وأردف: أرجوكِ يا فرح، وحياة ولادنا أديني فرصة

كانت نبرة صوته تحمل الذل والانكسار بطياتها ومع ذلك لم تشعر فرح بالشفقة عليه، فقط قررت سماعه لتتخلص منه الآن وإلى الأبد فأشارت إليه بالجلوس ثم جلست على المقعد المقابل له واضعة قدم فوق الأخرى فتنحنح قائلاً 

- أنا عارف أني غلطت لما اتجوزت ولما خبيت عليكي، بس صدقيني خوفت أخسرك أنا بحبك يا فرح

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، انفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها فاندهش محسن بشدة وسألها

- إيه في كلامي ضحكك أوي كده؟ 

أجابته وهي مازالت تضحك بطريقة هسترية: بتحبني واتجوزت عليا لا وأعرف من الجرايد وأشوف صورك الرومانسية، أمال لو بتكرهني كنت عملت إيه

استمرت في الضحك كمن ذهب عقله بلا رجعة فشعر محسن بغصة في قلبه وترك مقعده على الفور ثم ثنى ركبتيه وجلس راكعاً أمامها فتابعت بصوت غلبه الجنون

- ما تضحك يا محسن، أنت ما بتضحكش ليه؟ 
- كفاية يا فرح أبوس أيدك، أنا بموت ألف مرة في الدقيقة وأنا شايفك كده

توقفت فجأةً عن الضحك وشرعت في البكاء حتى أن دموعها تساقطت على يديه ووجهه فقال بدون تردد أو تفكير

- أرجوكِ ما تعيطيش وأنا هعملك اللي أنتي عايزاه، حتى لو طلبتي مني أني أطلقها
- مبقاش فارق تطلقها ولا لا، أنا خلاص مش عايزاك ولو سمحت طلقني

أمسك كفيها بين كفيه ورفع واحد تلو الآخر إلى شفتيه طابعاً على باطن كل منهما قبلات حانية ثم رفع بصره إليها وهتف

- بس أنا مقدرش أعيش من غيرك
- قدرت وروحت لغيري، ما تحاولش لأني مستحيل أرجعلك
- طيب أديني فرصة أخيرة هطلقها ونرجع زي الأول

لم تستطع أن تجيبه فقد ازداد بكائها وتعالت شهقاتها فلم يستطع منع نفسه من جذبها إلى صدره فعانقته وأخذت تضربه بقوة على ظهره لتخبره مدى غضبها منه ومع ذلك بقت بين أحضانه فشدد في احتضانها حتى يُشعرها بالأمان الذي تحتاج إليه، وبقى على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها عندما أبعدها عنه وتابع

- قومي اغسلي وشك وهاتي الولاد علشان نروح، وفي طريقنا همر على مأذون وأطلقها

كفكفت دموعها بيديها ثم حركت رأسها كإشارة بالموافقة وخلال دقائق قليلة عادت إليه برفقة ولديها اللذان ركضا باتجاه محسن فشعر برجوع الروح إلى جسده وقرر التخلي عن سهيلة مهما كلفه الأمر 

***

مرت عدة أيام وتبدل حال الجميع، بعضهم إلى الأفضل والبعض الأخر إلى الأسوأ... 
انقلبت خطة سهيلة ضدها وطلقها محسن بالفعل فأصبحت قصة زواجها وطلاقها مادة دسمة للجرائد والمجلات الفنية فقررت البقاء في المنزل لحين نسيان القصة
باعت فاتن جسدها خلال تلك الأيام لأجل هدايا هشام التي لا تتوقف، وبقت لعبة في يده يفعل بها وبجسدها ما يحلو له، حتى أنها أصبحت رهينته ولم تغادر الفندق منذ أن مضت عقد الزواج
اتصل مساعد المخرج فريد بأدم وطلب منه قراءة المشاهد وحفظ النص الذي تم إرساله إليه على أن يبدأ العرض المسرحي بعد عشر أيام، فكانت السعادة حليف أدم الذي حقق جزء صغير من حلمه بعد طول انتظار
غادرت أحلام المشفى وعادت إلى منزلها على أن تعود في الأيام المحددة لتلقي جرعات الكيماوي، فشعرت جوري بقليل من الطمأنينة وعادت لتدوام بالجامعة
لم تتوقف محاولات عماد في التحدث إلى لمياء لكنها لم تسمح بذلك فطلبت من جوري مساعدته وتغيير ضمادات جرحه عوضاً عنها، واستمرت كذلك في إغلاق هاتفها لتتجنب اتصالاته ورسائله، فكأن كالتائه في محراب الهوى لا يقدر على العودة ولا يقدر على المضي قدماً في بُعدها

***

جاهد فريد طوال تلك المدة الاتصال بفاتن ليطمئن عليها لكن هاتفها كان مغلقاً على مدار الأيام الماضية فازداد شعوره بالقلق وقررت الذهاب إلى القصر بالرغم من عدم رغبته في رؤية سهيلة ولكن تغلبت مشاعر الأبوة على غضبه وبالفعل ذهب إلى القصر وطلب من الخادمة إخبار فاتن بوجوده ليصدمه ردها بأن ابنته لم تعود إلى المنزل منذ عدة أيام، فطلب منها الصعود إلى غرفة سهيلة لتأتي إليه، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى هبطت سهيلة الدرج واقتربت منه متسائلة

- نعم، عايز إيه؟ 
- فين بنتك يا هانم؟ 

جلست سهيلة على أحد المقاعد وأشعلت سيجارتها ثم أخذت تنفس دخانها في وجهه ببرود فاشتعل فريد غضباً وكرر سؤاله بنبرة صوت حادة فتحدثت ببرود

- أنت بتزعق ليه؟ أنا عندي صداع ومش فيقالك

صر فريد على أسنانه وقال بحدة: طبعاً مش فيقالي، وأنتي من أمتى فايقه لحد طول عمرك ماشيه بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان، حتى لما اتجوزتي روحتي اتجوزتي في السر وكمان سارقة واحد من مراته وولاده

نفست دخان سيجارتها في الهواء وتساءلت ببرود: هاه خلصت؟ 

- أنتي معموله من إيه؟ أنتي أكيد شيطانه علشان كده ربنا خلصني منك

أطفأت سيجارتها ثم وقفت عن مقعدها وقالت ببرود: بنتك مسافرة مع صحباتها بره مصر وهترجع بعد تلات أيام وبتكلمني تطمني عليها كل يوم، اتجوز أو اطلق ده شيء ما يخصكش، أخر حاجة أطلع بره بيتي واتمنى ما أشوفش وشك تاني

رمقها فريد بنظرة اشمئزاز ثم غادر على الفور قبل أن يفقد أعصابه أكثر، وبمجرد أن دلف إلى سيارته انطلق بسرعة جنونية وهو يتمتم

- أزاي استحملتها السنين دي كلها وأقول بكرة ربنا يهديها، بس دي شيطان وربنا عمره ما يهدي شيطان

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرات أدم فقرر الذهاب إلى جوري ليصطحبها إلى المنزل، وبالفعل ذهب ورآها تقف برفقة زميلاتها ومجموعة من الشباب فتملكه الغضب وكاد أن يعنفها كعادته، لكنه تذكر وعده فابتعد قليلاً ثم تنفس بعمق وهدأ من الغيرة التي تملكته وخلال دقائق قليلة استرد رباط جأشه واقترب منها قائلاً 

- خلصتي محاضراتك يا قلبي؟ 

تعمد أدم تدليلها ليبرز للجميع صك ملكيتها الممنوح له منذ نعومة أظافرها فخجلت بشدة وظهر ذلك بوضوح على وجنتيها الملونة بالحمرة فما كان منها إلا أنها حركت رأسها بالإيجاب فتابع

- طيب يلا نروح سوا

مضت برفقته دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم دلفت إلى السيارة وانتظرت حتى ركب إلى جوارها وقالت بصوت مرتعش

- أ أدم أنا

قاطعها أدم قائلاً بهدوء مصطنع: ما تقوليش حاجة يا قلبي، أنا وعدتك عمري ما أزعلك ولا أقلل من كيانك ووجودك، مش هنكر وأقول مش مضايق بس أنا واثق فيكي

شعرت جوري بالرضا وراحة قلب لم تختبرها يوماً ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على وجنتيها فغمز لها بمشاكسة وتابع

- الجميل مبتسم ليه؟ 
- بحبك يا أدم، وبحبك بجنون كمان

خفق قلبه بسعادة فرفع كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة ثم نظر إلى عينيها وردد بدفء

- ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا

***

في ذات الوقت انتهت محاضرات لمياء فودعت زميلاتها وغادرت ثم وقفت أمام باب الجامعة واندهشت لعدم وجود السائق يقف في انتظارها فبدأت تبحث بعينيها عنه دون جدوى، وما أن أخرجت هاتفها لتتحدث إليه سبقها الواقف خلفها حينما تحدث بثبات

- مستنيه حد؟ 

تعرفت على نبرة صوته فأدارت جسدها على الفور ثم تساءلت بصوت مرتعش: أنت بتعمل إيه هنا؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتي عماد وأجابها: جيت أشوف الدكتورة بتاعتي، اللي بقالها كذا يوم ما بتغيرليش على الجرح وبتبعتلي بنت عمها

غمز لها بمشاكسة بمجرد أن توقف عن الحديث فخجلت بشدة وتخطته بسهولة ثم ابتعدت عنه قدر المستطاع فظهرت على شفتيه شبه ابتسامة تؤكد عدم رفعه لراية الاستسلام 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف