سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, July 29, 2019

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* قلادة ذهبية *  

اندهش أدم بشدة من رؤيتها تقف أمامه ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وبادلها التحية بأخرى فاصطنعت الابتسامة ثم تخطته ودلفت إلى الداخل ما زاد اندهاشه

- داد قالي النهارده أول ظهور ليك قدام جمهور وكاميرات وإعلام، فحبيت أدعمك وأديلك خبرتي

كان مبررها قوي وصدقه أدم بسهولة فهتف: ده شرف ليا أن فنانة جميلة زيك وبنت مخرج عظيم وممثلة قديرة زي الأستاذة سهيلة تيجي تدعمني، حقيقي مش عارف أقول إيه

- ما تقولش حاجة، ركز في طريقك وبسسسس ولو محتاج دعم تاني نحن هنا وفي الخدمة

قالتها بطريقة تمثيلية فابتسم لها وعلى الفور بادلته بأخرى وتابعت: هسيبك بقى وأروح أدعم داد، باي 

لوحت بيدها مودعة ثم غادرت على الفور وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها، بينما التقط أدم هاتفه وتحدث إلى حبيبته فقد كان يشتاق إلى سماع صوتها، لكن رنين صوت الهاتف سبقه وصدح في أرجاء الغرفة فحرك رأسه يميناً ويساراً في سعادة وأجاب قائلاً 

- كنت ماسك الفون علشان أكلمكِ
- سبقتك

قالتها جوري بمرح طفولي بالرغم من شعورها بالحزن لأنها لم تستطع الذهاب معه ومشاركته أولى خطواته 

- كان نفسي تبقي معايا
- وأنا بس ما تقلقش أم لسان طويل في الطريق ووصتها تاخد بالها منك

بدأت جملتها بمرح وأنهتها بنبرة صوت متوعدة فاصطنع الخوف وبدأ يمازحها لتنطلق من بين شفتيها أعلى الضحكات التي دائماً ما تنير دربه فتحدث بسعادة

- ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا، يلا روح فاضل ربع ساعة وتحقق حلمك

تنهد أدم براحة فشعرت لأجله بالسعادة وكادت أن تُنهي المكالمة إلا أنه سبقها وقال

- أنتي حلمي يا جوري وهتفضلي حلمي لأخر يوم في عمري
- وأنا بحبك أوي أوي أووووي كتيررررر، بس أوعى واحدة تعاكسك ساعتها همووووتك وأموت وراك
- مجنونة
- عارفه

ودعته وأنهت المكالمة ثم وضعت الهاتف إلى جوارها وابتسامة ساحرة تزين شفتيها، وعلى الطرف الأخر شرد أدم فى الجنية خاصته للحظات ثم عاد إلى أرض الواقع وغادر الغرفة استعداداً لبدء العرض

****

وصل عماد إلى وجهته وأوقف سيارته أمام باب المسرح فترجلت لمياء ووقفت في انتظاره حتى يصف السيارة ولكن طال انتظارها نظراً لازدحام المكان... اقترب منها ورآها تطالع ساعة يدها فوقف خلفها وهتف مازحاً 

- مستنيه حد؟ 

أدارت جسدها إليه وعقدت ذراعيها أمام صدرها كما عقدت بين حاجبيها فابتسم على فعلتها وتابع

- ركنت بمعجزة
- ماشي

قالتها بمرح طفولي بعد أن حررت ذراعيها ثم مضت برفقته إلى الداخل وجلست على المقعد المخصص لها فجلس عماد إلى جوارها لكنه شعر بالضيق لوجود رجل في نهاية العقد الرابع من عمره يجلس إلى جوارها فمال على أذنها وهتف

- تعالي أقعدي مكاني
- ليه؟ 
- هبقى أقولك بعدين

اندهش بشدة ومع ذلك نفذت رغبته فتنهد براحة لكن شعوره لم يدوم طويلاً فقد جلس إلى جوارها شاب لا يتعدى الخامسة والعشرون ما أشعل النيران بداخله فمال عليها مرة أخرى وأردف

- تعالي مكاني

رفعت أحد حاجبيها باستنكار فشعر أنه وضع نفسه في مأذق ومع ذلك وقف عن مقعده لتجلس في محله فنفذت رغبته وبمجرد أن جلست سألته

- هو في إيه؟ 
- مفيش عايزك تقعدي في مكان تشوفي منه كويس

لم تُصدق حجته البالية فأدار وجهه نحو الطرف الأخر، وعلى الفور انتبهت لمياء إلى الشاب الجالس على يمين عماد ثم نظرت إلى الرجل الجالس إلى جوارها وبدأت في ربط ما حدث فعلمت أنه شعر بالغيرة من جلوس الرجل فتبادل معها الأماكن، وعندما جلس الشاب ازداد شعوره بالغيرة فتبادل الأماكن مرة أخرى ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على شفتيها رآها عماد ولم يعلق حتى لا يُزيد شعوره بالإحراج 

****

بدأ العرض وكان أدم محط أنظار الكثيرين وبصفة خاصة فاتن، أما لمياء فتابعت العمل بانبهار بالإضافة إلى مراقبة عماد فلم ينتبه للعرض ولو للحظة فقط كان مشغولاً بمراقبة الرجل الجالس إلى جوارها فشعرت بالسعادة لوجود كل هذا الاهتمام تجاهها بقلبه ومع ذلك لم تُظهر له ملاحظاتها لما يفعله حتى لا تضعه بموقف محرج... مضت الدقائق والساعات سريعاً وانتهى العرض فتعالت صيحات الجميع ما جعل أدم يشعر بسعادة من نوع خاص لم ينقصها سوى عدم وجود جوري، انحنى ليحيي جمهوره ثم تنفس بعمق ورفع رأسه فلوحت لمياء إليه ليبادلها بغمزة اندهشت لها فاتن وأدارت رأسها لتعلم لمن يرسل غمزته فوجدت فتاة أقل ما يُقال عنها ساحرة فلوت ثغرها بضجر وتمتمت في نفسها

- هو مش فاضي ولا إيه؟ 

غادرت مقعدها على الفور واتجهت صوب الغرف الخاصة بالمسرح فرأت والدها يقف برفقة طاقم العمل فاقتربت منه وعانقته فبادلها العناق دون أن يُلاحظ تعلق عينيها بأدم الواقف خلفه، وبمجرد أن ابتعدت عنه اقتربت من أدم وهتفت

- مبروك
- الله يبارك فيكي
- تمثيلك فوق الممتاز
- دي شهادة أعتز بيها، بعد إذنك

تركها وودع الجميع على أمل اللقاء غداً ثم اتجه إلى غرفته والتقط هاتفه على الفور وأجرى اتصالاً بحبيبته فأجابت على الفور

- مبرووووك يا عمري، لمياء لسه قافله معايا وقالت كنت ممتاز
- الله يبارك فيكي، ساعة وهكون عندك وهجبلك معايا حاجة حلوة 
- مش عايزه حاجة غير أني أشوف فرحتك، سوق على مهلك 
- حاضر يا قلبي

أنهت جوري المكالمة والسعادة تملأ قلبها فقد تذكرها بمجرد أن انتهى العرض المسرحي ما بعث الطمأنينة لقلبها... 
على الطرف الأخر بدأ أدم في إزالة الماكياج الخاص بالدور ثم بدأ في إبدال ثيابه استعداداً للمغادرة

****

بالخارج... 
رحل جميع من بالمسرح عدا لمياء وعماد فشعر بالراحة وتحدث بثبات قائلاً 

- كده أحسن بدل ما نخرج في الزحمة، أتفضلي
- هستنى أدم ولو مروح هروح معاه

شعر عماد بالحزن فكم تمنى استمرار وجودها إلى جواره ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وهتف بهدوء

- زي ما تحبي، بس أتصلي بيه علشان أطمن أنك هتروحي معاه

حركت رأسها بالموافقة وأخرجت هاتفها ثم اتصلت بأدم لكنه لم يُجيب فكررت الاتصال عدة مرات دون جدوى فقد كان يقف برفقة باقي طاقم العمل في أجواء ملأتها البهجة فلم ينتبه إلى صوت رنين هاتفه، فأبعدت الهاتف عن أذنها وقالت برقة

- مش بيرد

جاهد بشتى الطرق إخفاء سعادته لكنه لم يستطع أسر الابتسامة التي لازمت شفتيه حينما هتف: يبقى مستحيل أسيبك واقفة لوحدك، يلا بينا 

مضت برفقته وانتظرته أمام باب المسرح حتى أحضر السيارة وركبت إلى جواره فانطلق عائداً وخيم الصمت لدقائق قطعها حينما استجمع شجاعته وأردف

- ينفع أعزمك على حاجة قبل ما نروح؟ 
- مش عارفه

كانت إجابتها نموذجية فحرك رأسه يميناً ويساراً وسألها بمشاكسة: يعني دي اه ولا لا؟ 

- الوقت أتأخر و
- مش هأخرك هشرب فنجان قهوة وهعزمك على أي عصير فريش وهنمشي على طول، قولتي إيه؟ 
- أوك موافقة

تسارعت نبضاته في سعادة واتجه صوب شارع المعز حيث يوجد مقهى صغير يتميز بالهدوء ثم أوقف السيارة وترجل منها فترجلت هي الأخرى ومضت برفقته إلى الداخل... جلست على أحد المقاعد وأخذت تطالع المكان بانبهار فاندهش بشدة وتساءل

- أول مرة تيجي ولا إيه؟ 
- مش بخرج كتير، يادوب على قد مشوار الجامعة
- هنا مكاني المفضل و

توقف عن إكمال كلماته حينما اقترب منه النادل ورحب به بشدة فانتظرت لمياء حتى غادر وقالت بانبهار

- واو ده أنت مشهور هنا أوي
- كنت باجي كل يوم لمدة خمس سنين متواصلين أشرب قهوة، ولما سافرت كنت مشتاق أوي للقاعده هنا وفنجان القهوة من أيد محروس الرغاي اللي كان واقف هنا من دقيقة
- ليه سافرت؟ 

سألته بتلقائية فشرد للحظات في سبب سفره وعادت إليه ذكرياته المؤلمة والفترة الحرجة التي قضاها بالخارج لكنه فاق من شروده حينما تابعت

- آسفة شكلي ضايقتك
- لا أبداً، سافرت مع بابا كان مرضه صعب ولما أتوفى فضلت هناك فترة بس وحشتني بلدي وحياتي ولما حسيت أني بقيت أفضل رجعت
- أجمل حاجة أن في التلات سنين دول أنك ما بطلتش تكتب، أقولك سر؟ 

قالتها بصوت خفيض وهي تقترب منه فاقترب منها بدوره وأجابها بذات الصوت الخفيض ليشاكسها

- قولي السر
- كنت بستنى كتابك بفارغ الصبر، يمكن لو كان فات معرض من غير ما اشتري روايتك كنت أتجننت
- الحمد لله نزلت، عارفه ليه؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: علشان أنتي بالفعل مجنونة ومش ناقصه جنان 

ردد كلماته بصوت خفيض وطريقة تمثيليلة فانفجرت ضاحكة فشاركها الضحك بجنون ثم استرد أنفاسه وتأملها فخجلت بشدة ومع ذلك بدأت تثرثر معه فاستمع إليها بقلبه قبل أذنيه ولم يقاطعها سوى صوت رنين هاتفها فأجابت قائلة

- أخيرااااا أفتكرتني
- معلش، أنتي فين؟ 
- روحت مع أستاذ عماد
- وأنتي فين دلوقتي؟ 
- في شارع المعز صمم يعزمني على حاجة

رفع أدم أحد حاجبيه وقال بجدية مصطنعة: من غير إذن كده، هي سايبه ولا إيه؟ 

- وأنا أخد إذن منك ليه، بابا مديني كارت بلانش وأقفل خليني اشرب العصير علشان نمشي
- ماشي لما ترجعي هقص لسانك

أنهت المكالمة واندهشت لرؤية عماد يسند يده أسفل وجنته فسألته: بتبصلي كده ليه؟ 

- جميل أوي الترابط الأسري بينكم، والأجمل أنك صريحة، كان ممكن تقوليله في الطريق بس قولتي كل حاجة من غير خوف
- بابا طول عمره يقولي خليكي صريحة طالما واثقة أنك ما بتعمليش شيء غلط 
- أنتي جميلة أوي يا لمياء، مش جمال شكل وبس، جمالك من جوه وبره

خجلت بشدة واصطبغت وجنتيها بالحمرة فخبأت عينيها عنه واصطنعت الإنشغال بارتشاف قطرات العصير فتناول قهوته دون أن يتفوه بالمزيد حتى لا يُزيد خجلها، وبمجرد أن فرغ اصطحبها إلى السيارة وانطلق عائداً إلى المنزل 

*****

مضى أيام تبعتها أيام واقترب موعد امتحانات منتصف العام فشعر عماد بفراغ وكأنه فقد قطعة من روحه عندما انشغلت لمياء بمتابعة دروسها ومع ذلك قررت احترام انشغالاها واكتفى بمكالمة هاتفية كل مساء ليستمع إلى صوتها العذب... 
اهتمت جوري أيضاً بمتابعة دروسها طوال الشهر الماضي حتى لا يقل تقديرها العام، كما اهتمت بوالدتها وساندتها في أصعب أيامها... 
استطاع أدم تنظيم وقته بين الدراسة والعمل المسرحي حتى لا يضيع حلمه أو يخسر ثقة والدته... 
قضت فاتن الأيام الماضية بين استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي لتصور المسلسل الجديد الذي تتشارك بطولته مع والدتها وكعادتها أهملت دراستها تماماً ما زاد غضب فريد لكنها لم تستمع إليه ومضت بالطريق الذي اختارته وساندتها والدتها بقوة لتصنع منها نجمة وتضعها على عرش شاشات السينما والتلفاز... 

*****

استقل المصعد وأطلق صفيراً عالياً لشعوره بالسعادة، وما أن وصل إلى وجهته دلف إلى الداخل ثم اتجه مُباشرةً صوب غرفتها وطرق بابها وخلال لحظة واحدة أتاه صوتها العذب سامحاً له بالدخول فدلف وهو يخبأ كفيه خلف ظهره ثم اقترب منها وقال بنبرة صوت حانية 

- وحشتيني 
- وأنت كمان

قالتها وهي تحاول إلقاء نظرة خاطفة على ما يخبئه خلف ظهره لكنه لم يسمح لها بذلك وهتف مازحاً 

- بتبصي على إيه يا حشرية؟ 
- انا حشرية؟! 

تساءلت بطريقتها الطفولية التي يعشقها أدم ثم مطت شفتيها واصطنعت الغضب فأسر ابتسامته بصعوبة وأجابها بجدية مصطنعة

- شوية
- أنت رخم وأنا مخصماك
- خلاص خاصميني ومش هتشوفي اللي مستخبي ورا ظهري

قالها ثم أدار جسده ليغادر بعد أن وضع ما يخبئه أمامه قبل أن تراه فركضت خلفه ووقفت أمامه فأعاد ما بيده خلف ظهره وسألها بمكر 

- نعم؟! 
- وريني مخبي إيه، بليززززززز

رفع أدم أحد حاجبيه فضحكت جوري بجنون كعادتها ما جعل نبضاته تتسارع لمجرد رؤيته للمعة عينيها وسماعه لصوت ضحكتها التي أسقطته أسيراً في بحور عشقها فهتف بصوت دافئ

- غمضي عيونك الحلوين دول

نفذت رغبته على الفور وانتظرت أن يطلب منها فتحهما لكنها شعرت به يقف خلفها ثم ألبسها قلادة ما وخلال لحظات قليلة فتحت عينيها فأخذت تتحسس القلادة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها فتابع بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- النهارده أخدت أول فلوس من المسرحية، شهر كامل مستني اللحظة دي علشان دي أول فلوس اشتغل وأجيبها فقولت لازم أجيبلك هدية وتذكار لليوم ده

ازداد البريق المنبعث من عينيها وتبادلت معه نظرات أصدق من الكلام، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ابتعدت قليلاً وبدأت تطالع الهدية فوجدت قلادة ذهبية يتوسطها أسم أدم ما جعل الربيع يسري بداخلها فاقترب منها ووقف خلفها قائلاً وهو ينظر إلى عينيها عبر المرآة

- أوعديني عمرك ما تخلعيها، حتى لو في يوم زعلتك أو زعلتيني هتفضل في رقابتك

التفتت إليه ونظرت مُباشرةً إلى عينيه لتتأمل انعكاس صورتها المغلفة بسهام العشق المنبعثة من عينيه ثم تنهدت براحة وهتفت 

- أوعدك عمري ما هخلعها 

كاد أن يتحدث لكنها سبقته وتابعت: ومهما حصل هشيلها في خزنة قلبي 

كم شعر برغبة ملحة في احتضانها إلا أنه لم يرغب في إشعال غضبها وإفساد اللحظة التي تمناها فودعها بغمزة من عينه ثم انصرف إلى غرفة والدته ليقدم إليها الهدية التي اشتراها لأجلها، بينما وقفت جوري أمام المرآة مرة أخرى وأخذت تتأمل القلادة وهي تتذكر صوته وابتسامته ولمعان عينيه

****

بعد مرور ثلاث أيام انتهى اليوم الأول من امتحانات لمياء فودعت زميلاتها وغادرت على عُجالة لتعود إلى المنزل علها تحصل على قسط من الراحة فلم تستطع النوم طوال الليل خوفاً من الفشل... غادرت الجامعة وأخذت تبحث بعينها عن السائق لكنها لم تجده فزفرت بضيق ثم أخرجت هاتفها لتتحدث إليه ولكن سبقها عماد كعادته وهتف

- عملتي إيه في الامتحان؟ 

أدارت جسدها على الفور واندهشت بشدة لرؤيته فبادر برسم الابتسامة على شفتيه وتابع 

- كنت معدي بالصدفة قولت أطمن عليكي

رفعت كلا حاجبيها لتُخبره أن ما قاله لم يكن كافياً لإقناعها فأردف: قديمة أوي الحجة دي، صح؟ 

- أوي أوي الصراحة
- طيب ممكن تتفضلي معايا على العربية وهقولك جيت ليه
- بس

قاطعها قائلاً: أنا كلمت والدك وأخدت منه إذن أني محتاجك في الدار شوية علشان كده السواق مشي

- في حاجة؟؟ 

تساءلت بخوف فحرك رأسه يميناً ويساراً نافياً ثم قال: ما تقلقيش أوي كده، لما نوصل هتعرفي كل حاجة

مضت برفقته فانطلق بالسيارة وخلال ما يقارب نصف الساعة وصل إلى وجهته فترجل واصطحبها إلى الداخل ثم وقف أمام غرفة مكتبه وقال 

- غمضي عيونك 

اندهشت بشدة ومع ذلك لم تُعلق ونفذت رغبته ففتح الباب وساعدها على الدخول ثم تابع

- فتحي

فتحت عينيها وأخذت تدور بعينيها في المكان حتى وقعت على الكتاب الخاص بخواطرها وأخر للقصص القصيرة فوضعت يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فشعر بالسعادة لأجلها وأردف قائلاً 

- الطبعة الأولى وصلت من ساعة فكلمت والدك فرحته و استأذنته أجيبك هنا، مبروك يا لمياء

انطلق اسمها من بين شفتيه بنبرة صوت حانية ما جعل قلبها يخفق في سعادة فالتفتت إليه لتبادله نظراته ثم استردت أنفاسها وقالت برقة

- أول مرة في حياتي أكون مبسوطة كده والفضل لحضر

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها قائلاً بغيظ: ده مش وقت حضرتك خالص وبصراحة الكلمة بتضايقني، لسه قايلك يا لمياء يعني تقوليلي يا عماد

ارتبكت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتابع: جربي 

- مش هعرف
- هتعرفي، يلا جربي

أشاحت بعينيها عنه حتى لا يرى خجلها لكنه لم يرفع راية الاستسلام وأردف بصوت دافئ: قوليها

- أستاذ عماد أنا

قاطعها مرة أخرى قائلاً: عماد بس وبلاش تخلقي بينا حواجز، يلا

شعرت أنها في مأذق شديد وازداد شعورها بالخجل والتوتر فوجهت نظراتها صوب الأرض وسألته

- ممكن أروح؟ 

رفع أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق طلبها ومع ذلك لم يرغب في إغضابها فأجابها باقتضاب وصوت رجولي

- أكيد ممكن

ابتعد قليلاً وأحضر النسخ المجانية الخاصة بكتابيها ثم قدمهم إليها وتابع: دول النسخ المجانية للكتابين بتوعك، تقدري توزعيهم زي ما تحبي، يلا علشان أوصلك

قال كلماته بجدية لم تعتاد عليها ثم أدار جسده ليغادر فعضت على شفاها السفلى ونفست بعمق وخلال لحظة واحدة حسمت أمرها وقالت بصوت مرتعش

- عماد

أتسعت ابتسامته وخفق قلبه لدرجة جعلته يظن أنه على وشك مغادرة الضلوع ومع ذلك لم يُظهر لها ذلك وأدار جسده إليها ثم تحدث بهدوء مصطنع 

- نعم
- أنت زعلان مني؟ 
- لا
- ماشي

قالتها بمرحها المعتاد ثم تخطته وغادرت فلحق بها وبداخله سعادة الكون وفرحة كان قد نسيها

*****

انتهت من وضع اللمسات الأخيرة للماكياج ثم وقفت عن مقعدها لتغادر لكنها شعرت بدوار شديد فجلست مرة أخرى وأخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها مساعدتها حينما دلفت 

- المخرج بيستعجلك يا آنسة فاتن

حركت رأسها بالموافقة وتحاملت على جسدها ثم وقفت عن مقعدها، ولكن ازداد شعورها بالتعب وسقطت مغشياً عليها فصرخت مساعدتها وركضت باتجاها ثم أخذت تضرب برفق على وجنتي فاتن ولكن دون جدوى فتركت الغرفة واتجهت صوب غرفة سهيلة لتخبرها بما حدث


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس عشر - بقلمي منى سليمان  

* العرض الأول *  

وصل أدم إلى وجهته وصعد مُباشرةً إلى الطابق العاشر ليزف الخبر إلى حبيبته... طرق الباب على غير عادته بطريقة موسيقية فتركت ماجدة مقعدها واتجهت صوب الباب وفتحته فدلف أدم وشاكسها كعادته لكنه لاحظ على الفور دموع خالته فاقترب منها ثم ثنى ركبتيه وجلس القرفصاء 

- مين مزعل قمري؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة فلاحظ تبدل ملامح الجميع وتابع: أنتوا عاملين كده ليه؟ 

ما أن تفوه بكلماته دلفت جوري مستندة على ذراع أحمد وخلفها لمياء وعماد فجحظت عينيه وهو يكاد لا يصدق حالتها المزرية فابتلعت ريقها بصعوبة وتمسكت بعمها ثم طلبت منه التقدم من والدتها فساعدها على الفور وخلال لحظات قليلة جلست إلى جوار أحلام وعانقتها ثم رددت بوهن

- ما تعيطيش، أنا كويسة
- ليه كده يا بنتي؟ ده أنا مليش غيرك
- حقك عليا والله غصب عني

كادت أحلام أن تتحدث لكن سبقها أدم وتساءل بعد أن استوعب ما حدث: إيه اللي حصل؟ 

ابتعدت جوري عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وأجابته: حادثة بسيطة وربنا ستر

- حادثة!!! 

رددها أدم باندهاش وغضب ملحوظ فتدخل أحمد ليمتص غضب ابن شقيقه الذي يعلمه جيداً فربت على كتقه وتحدث بهدوء 

- مش وقت تحقيق يا أدم، جوري تعبانة وأحلام كمان

وجه نظراته صوب ماجدة وتابع: يلا يا ماجدة خدي أحلام ترتاح في سريرها، وأنتي يا فاطمة ساعدي جوري ووصليها لأوضتها، وأنتي يا لمياء أدخلي جهزيلنا الغداء ومش عايز لا خناق ولا نكد في البيت

حركت لمياء رأسها بالموافقة ونفذت رغبة والدها وكذلك فعلت ماجدة وتبعتها فاطمة فبقى أدم واقفاً وهو مازال تحت تأثير الصدمة فتنحنح عماد قائلاً 

- طيب يا عمي أنا هرجع شقتي و

قاطعه أحمد قائلاً: أقعد يا عماد أتغدى معانا، أنت مش غريب

- بس

قاطعه مرة أخرى قائلاً بحزم: ما توجعش قلبي أنت كمان، كفاية التور اللي هيدخل يسود عيشه جوري دلوقتي

قال كلمته الأخيرة وهو يوجه نظراته صوب أدم الذي أعاد طرح سؤاله فقص عليه عمه كل ما حدث، فتضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لوجود كل هذا الخوف بداخلها لدرجة دفعتها لعدم الانتباه للسيارة وبين الغضب لأنها لم تنتبه لطريقها كما يطلب منها دائماً وبالنهاية تغلبت عاطفته على غضبه فزفر بضيق وهتف

- أنا لا هزعلها ولا هتخانق يا عمي، أنا زعلان من نفسي علشان ما كنتش جمبها وقت ضعفها وخوفها
- خلاص يا أدم اللي حصل حصل ولا إيه يا أستاذ عماد؟ 

فاق عماد من شروده وأفكاره والشك الذي تملكه وأخبره أن هناك علاقة بين أدم ولمياء كونها تعيش معه بذات المنزل وزاد شكه حينما تعرف إلى أدم ورأى وسامته التي قد تجذب الكثير من الفتيات، لكنه بالنهاية نفض الأفكار من رأسه وأجاب قائلاً 

- عندك حق يا عمي، الندم والعتاب مالهومش لازمة
- هدخل أطمن عليها

قالها أدم ثم ترك مقعده واتجه إلى غرفة جوري بينما اعتذر أحمد من عماد وذهب إلى غرفة أحلام ليطمئن عليها، فغادرت لمياء المطبخ بعد أن أعدت كوباً من عصير الليمون لأحلام وأخر لجوري، بالإضافة إلى فنجان قهوة لعماد فاقتربت منه وقدمت إليه الصينية ثم قالت برقة

- عملت لحضرتك فنجان قهوة، يارب تعجبك 
- متشكر 

تعلقت عينيه بعينيها للحظات فخجلت بشدة وابتعدت قليلاً إلى الخلف لكنه لم يستسلم فوقف عن مقعده واقترب منها ثم أخد الصينية ووضعها على الطاولة وعاد لينظر إلى عينيها وهو يتساءل

- أدم زي سعد بالنسبالك، مش كده؟ 
- أكيد طبعاً وعمري ما شوفته غير أخويا

لا تعلم لما أجابته على الفور بدون أي تردد أو تفكير بالرغم من اندهاشها للسؤال فشعر بالراحة ثم أخذ فنجان القهوة وعاد ليجلس على مقعده وكأن شيئاً لم يكن فازداد اندهاشها لكنها لم تُعلق وحملت الصينية ثم اتجهت صوب غرفة أحلام فتنفس عماد بعمق وتمتم في نفسه 

- أكيد مش بتكدب، مستحيل تكون زيهم، مستحيل تخون، قلبي بيقولي كده

****
بغرفة جوري... 
طرق أدم الباب ودلف إلى الداخل بعد أن سمحت له والدته فاقترب من جوري وجلس على حافة فراشها، ثم تأمل ذراعها والكدمات التي افترشت وجهها فشعر بغصة في قلبه لكنه لم يُظهر ذلك وسألها بصوت هادئ لم تتوقعه في مثل هذا الموقف

- في حاجة بتوجعك؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أنا مش زعلان منك، أنا زعلان عليكي

تلألأت الدموع داخل مقلتيها ثم تحدثت بنبرة صوت كساها الألم: كنت خايفة ومعرفتش أنا بعمل إيه، ولسه خايفة أنها تمشي وتسيبني لوحدي في الدنيا

- عمرك ما هتبقي لوحدك كلنا جمبك و

توقف عن إكمال كلماته حينما انتبه إلى والدته التي كانت تتابع ما يحدث وهي تضع كف يدها أسفل وجنتها فمط شفتيه واصطنع الغضب قائلاً 

- جرا إيه يا حاجة طمطم، فاكرة نفسك في السينما ولا بتابعي تركي
- أنت عديت مرحلة التركي يا عين طمطم، دخلت مرحلة النحنحه

ضحكت جوري بجنون على حرب المشاكسات التي انطلقت بين أدم ووالدته فضيق أدم بين حاجبيه وردد بغيظ

- بتضحكي، ده بدل ما تقوليها أطلعي منها
- مقدرش طمطم حبيبتي

غمز لها أدم بمشاكسة وسألها: طيب وأنا؟ 

توردت وجنتيها خجلاً نظراً لوجود فاطمة ومع ذلك استجمعت شجاعته وأجابته: وأنت كمان حبيبي

- حاسه أني قرطاس في النص
- ده مش إحساس يا طمطم ده أمر واقع

قالها أدم ثم ركض مبتعداً وغادر الغرفة على الفور قبل أن تفتك به والدته فضحكت جوري من جديد متناسية كل ما مرت به 

****

بالمسرح... 
جلست فاتن تتابع الاستعدادات النهائية للعرض للمسرحي الخاص بوالدها وهي تشعر بالضجر فأخرجت هاتفها والتقطت لها صورة ثم قامت بنشرها على كافة مواقع التواصل الاجتماعي خاصتها وكتبت (جيت أحضر أخر بروفة لمسرحية دادي الجديدة، ربنا يخليه ليا)، خلال لحظات قليلة بدأ متابعيها في التعليق على الصورة فلمعت عينيها فرحاً وبقت هكذا حتى اقترب منها فريد وتحدث بغيظ

- الأستاذة جاية تتفرج على بروفة العرض ولا 

قاطعته قائلة: سوري داد بس كنت بعمل للعرض دعاية و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقترب مساعد والدها وبيده الغلاف الدعائي الأخير فرأت صورة الشاب الذي اصطدمت به فور وصولها وتساءلت

- مين ده؟ 
- شاب جديد بس هيكون ليه مستقبل في التمثيل

أجابها فريد ثم أدار وجهه وتحدث لدقائق مع مدير أعماله فشردت فاتن وتمتمت في نفسها

- شكلي هاجي أحضر العرض كمان

فاقت من شرودها عندما انتهى والدها وبدأ يتحدث معها ويُعطيها النصائح كعادته فاصطنعت الاهتمام ثم حملت حقيبتها وودعته، وخلال لحظات قليلة انطلقت بسيارتها لتعوض الأيام التي قضتها برفقة العجوز صاحب الأموال الطائلة 

****

على مائدة الطعام اجتمعوا وجلسوا في انتظار أحلام لكنها لم تستطع مغادرة الفراش فعادت ماجدة من غرفتها وهتفت

- بتقول مش قادرة تقوم

تبدلت قسمات وجه جوري ووقفت عن مقعدها ثم طلبت من فاطمة مساعدتها للذهاب إلى غرفة والدتها فنفذت رغبتها على الفور وتبعها أحمد وأدم، بينما اتجهت ماجدة صوب غرفتها لتصلي فرضها لحين عودة الجميع فبقت لمياء جالسة على المقعد المقابل لعماد 

- الأكل شكله تحفة، تسلم أيدك
- ماما اللي طابخه، أنا يادوب كملته لما هي انشغلت

قالتها ثم وجهت نظراتها صوب المائدة لشعورها بالخجل فابتسم على فعلتها وأكمل حديثه بجدية مصطنعة

- لما وقتك يسمح قوليلي أبعتلك العقد تمضيه
- حاضر

قالتها باقتضاب دون أن تنظر إليه فقرر مشاكستها قائلاً: هو أنتي جعانه أوي كده؟ 

- أنا؟! 

تساءلت باندهاش بعد أن رفعت رأسها ونظرت إليه فحرك رأسه لأعلى وأسفل ليؤكد ما سمعته ثم هتف مازحاً 

- أصلك مش بتبصيلي وبتبصي للأكل وبس

كادت أن تتحدث لكنها انتبهت إلى عودة الجميع برفقة أحلام وجلس كل واحد منهم على مقعده فأنضمت ماجدة إليهم وتناولوا الطعام في جو أسري افتقده عماد منذ نعومة أظافره، وبمجرد أن فرغوا نظر أحمد إلى أدم وتحدث بجدية 

- أنا وماجدة لازم نسافر بكرة علشان عندي شغل مهم، تخلي بالك من الأمانة اللي سايبهالك

غمز أدم إلى عمه واصطنع الجدية قائلاً: دول أربع أمانات وكلهم في عينيا ما تقلقش وراك راجل

قالها بعد أن ضم قبضة يده وضرب بها صدره فضحكوا جميعاً على فعلته، وما أن توقفوا عن الضحك وقف أدم عن مقعده وأخبرهم بمستجدات الأمور وكيف حصل على دور لا يقل أهمية عن دور البطولة فشعروا جميعاً بالسعادة لأجله عدا فاطمة فرمقها أدم بنظرة عتاب وتساءل

- مش هتقوليلي مبروك؟ 
- مبروك با أبو دماغ ناشفه
- كان نفسي تكونوا معايا بس شكلي هكون لوحدي، عمي مسافر وجوري مش لازم تتعب نفسها زي الدكتور ما قال ولولي بتدلع علينا وطمطم مش طيقاني و

- أنا هاجي أتفرج

قالتها لمياء ما أشعل غيرة عماد فهتف بدون تردد أو تفكير: وأنا كمان، أنا أعرف أستاذ فريد معرفة شخصية

تنفس أدم براحة ثم نظر إلى عماد وقال: مش عارف أشكر حضرتك أزاي، وأنتي يا لمضة متشكر على الجدعنة

- يا ابني إحنا فنانين زي بعض، مش كده يا أستاذ عماد؟ 

تساءلت لمياء فحرك عماد رأسه مؤكداً ما قالته بينما مالت جوري على أذنها وتمتمت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- يخربيت المحن، مش كده يا أستاذ عماد

قالتها مقلدة طريقة لمياء فوكزتها الأخيرة في قدمها فتأوهت جوري بشدة، فشعر أدم بالقلق عليها وطلب منها الاسترخاء قليلاً وساعدها على الذهاب إلى غرفتها، وكذلك ساعدت فاطمة شقيقتها على العودة إلى غرفتها فبدأت ماجدة في إفراغ محتويات السفرة برفقة لمياء بينما نظر أحمد إلى عماد وهتف

- مش هوصيك على لمياء والدنيا الجديدة اللي داخله عليها
- ما تقلقش يا عمي، أنا هكون معاها خطوة بخطوة ومش هتتعطل عن دراستها بأمر الله
- ربنا يكرمك يا ابني 
- معلش أنا لازم استأذن، لازم أروح أفك السلك بتاعي

تفهم أحمد الوضع وترك عماد يغادر فعاد إلى شقته ليأخذ مفتاح سيارته لكنه توقف حينما وجد كتب لمياء الخاصة بالجامعة وروايته التي أخذتها معها إلى الجامعة علها تنتهي من قرأتها وتعلم من الجاني، فالتقط روايته وكتب لها إهداء، ثم أخذ ما جاء من أجله وقبل الذهاب اتجه صوب شقة أحمد ففتحت لمياء

- نسيتي كتبك وروايتي 

شكرته وأخذت منه الكتب فتابع: كتبتلك إهداء يارب يعجبك، باي

لم ينتظر ردها وغادر على عُجالة فتنهدت براحة وأغلقت الباب ثم اتجهت مُباشرةً صوت غرفتها وجلست على أحد المقاعد لتقرأ ما كتب لأجلها

(إهداء إلى الطبيبة المزعجة، وجارتي المشاكسة، وزميلتي المتجددة... 
إهداء إلى الفتاة المختلفة التي كلما قابلتها حدثت كارثة، فصرت أعشق الكوارث لأجلها... عماد القاضي) 

رفعت رأسها عن الكتاب وابتسامة ساخرة تزين ثغرها ثم أمسكت هاتفها وقررت مراسلته فكتبت

(حبيت الإهداء، بس أنا مش مزعجة وبالنسبة للكوارث مش كتير يادوب كنت هتخطف وبعدها أنت تعبت والنهارده جوري تعبت، مش كتير يعني) 

صدح صوت رنين هاتفه فأخرج هاتفه من جيب سرواله ثم قرأ الرسالة وابتسم ثم استرد أنفاسه وكتب

(ربنا يستر من الكارثة الرابعة) 
(يارب) 

****

مضى يومين هادئين لم يتغير خلالهما الكثير... 
* سافر أحمد ليتابع أعماله ويباشر الأراضي الزررعية المملوكة له ولورثة شقيقيه، بينما تابع أدم الاستعدادات النهائية للعرض وبرع في أداء الشخصية الجديدة التي أُسندت إليه فشعر فريد بالرضا لنجاح اختباره * 
* بقت جوري بالمنزل ولم تداوم بالجامعة تنفيذاً لأوامر الطبيب، ولازمت والدتها طوال الوقت علها تساعدها في تخطي المحنة والألم الجسدي بعد جرعات العلاج الكيميائي *
* كان عماد دائم مراسلة لمياء وحصل على توقيعها على العقد قبل وقوع الكارثة الرابعة، وشعر كذلك بالسعادة لأنها أنهت قراءة الرواية وبادلت إهدائه بتحليل عميق لأحداث روايته من حيث السرد والحوار والحكبة والصراع *
* عادت سهلية إلى منزلها مختلفة تماماً عن تلك المهشمة بعد الفضيحة والطلاق فقد قررت نسيان ما حدث لتستطيع المضي قدماً أو بالأحرى لتستطيع اصطياد رجل جديد، ولم تقل وقاحة فاتن عن وقاحة والدتها فقد قضت اليومين بين البارات والرقص والتدخين، ومع ذلك لم تنسى موعد العرض الأول الخاص بوالدها فقررت الذهاب لتطارد هي الأخرى فريستها *

*****

أغلقت الكتاب وشردت بشدة وبدأت تفكر في حبيبها الذي ستتبدل حياته بعد عدة ساعات، دار برأسها ألف سؤال وسؤال خوفاً من فقدانه، ومع ذلك نفضت جميع الأفكار من رأسها وتركت مقعدها ثم غادرت الغرفة واتجهت صوب غرفته وطرقت بابها لكنه لم يُجيب فعادت أدراجها إلى الخلف استعداداً للمغادرة إلا أنها اصطدمت بصدره وأدارت جسدها على الفور وحمرة الخجل تزين وجنتيها، فرفع كلا حاجبيه باندهاش وسألها بغيظ

- وبعدين في الكسوف ده؟! هتفضلي كده لحد أمتى؟ 
- بطل رخامة يا أدم
- بطل رخامة يا أدم

رددها مقلداً طريقتها في الحديث فوكزته في صدره وهتفت بغضب: أنت رخم

تخطته وهمت أن تبتعد إلا أنه سبقها وقبض برفق على معصمها ثم أعادها إلى حيث كانت تقف وقال بحزم مصطنع: إياكي تمشي تاني وأنا بكلمك، مفهوم؟ 

أسرت جوري ابتسامتها وحركت رأسها بالموافقة بعد أن اصطنعت الخوف فغمز لها أدم بمشاكسة وتساءل

- كنتي عايزه حاجة؟ 
- كنت جايه أشوفك قبل ما تنام، من بكرة هتدخل مرحلة جديدة في حياتك

بدأت كلماتها بنبرة صوت عادية وأنتهت بنبرة حزينة فهمها جيداً وقرر بث الطمأنينة بقلبها 

- قصدك بكرة هندخل مرحلة جديدة في حياتنا
- أفهم من كده مش هتتغير ولا هتنساني وتروح لغيري؟ 
- لو عندك شك تعالي جوه وأضيعهولك

تطاير شرار الغضب من عينيها ووكزته من جديد في كتفه فتأوه كمشاكسة لها لكنها لم تهتم ورددت كعادتها: أنت قليل الأدب

تركته وعادت إلى غرفتها وهي تشعر بقليل من الألم في ذراعها وقدمها فراقبها أدم وهو يعقد ذراعيه أمام صدره، وبمجرد أن دلفت إلى غرفتها تمتم بغيظ

- البت دي بتطلع عليا إشاعات، قال قليل الأدب قال، هي اللي هبله وربنا

****

في الخامسة من عصر اليوم التالي وصل أدم إلى المسرح وهو يشعر بالتوتر والسعادة في آن واحد... دلف إلى الداخل واتجه مُباشرةً صوب الغرفة المُخصصة له... 
في المساء انتهت لمياء من إبدال ثيابها لتذهب إلى المسرح وتتابع العرض الأول كما وعدت أدم فراقبتها جوري وهي تسند يدها أسفل وجنتها فتفهمت لمياء حزنها وهتفت

- معلش كلها أسبوع عشر أيام وتروحي تتفرجي وأنا لو قدرت هصورلك
- ماشي، بس خلي بالك لحد يعاكسه
- من عينيا، باي 

ودعت الجميع وغادرت ثم وقفت في انتظار المصعد فاقترب عماد منها وهو يرتدي حلة سوداء أنيقة للغاية زادت وسامته وسامة فتسارعت نبضات قلبها في سعادة 

- مساء الخير 
- مساء النور، البدلة شيك أوي
- وأنتي كمان حلوة أوي

اندهشت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتنحنح ثم تابع: رايحة لأدم؟ 

- أيوه وحضرتك رايح ولا غيرت رأيك؟ 
- حضرتي رايح

أجابها بغيظ ثم فتح باب المصعد فدلفت إلى الداخل وهي تأسر ضحكتها بصعوبة فقد بدأت تعشق كلمة (حضرتك) حتى ترى رد فعله الغاضب.... خلال لحظات قليلة توقف المصعد بالطابق الأرضي فودعته لمياء وهمت أن تغادر لكنه سبقها وقال بثبات

- إيه رأيك نروح سوا بدل ما تروحي مع السواق؟ 
- مش عايزه أضايق حضرتك
- الله يخربيت حضرتي

هكذا تمتم في نفسه ثم رسم ابتسامة على شفتيه وهتف بغيظ: حضرتي مش مضايق، يلا

نفذت رغبته ومضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى وجهته وساد الصمت لدقائق قطعها حينما أردف مازحاً 

- عقبال حفل توقيع كتب حضرتكِ

اصطنعت عدم الفهم وقررت مبادلته المشاكسة فهتفت: متحمسة أووووي، والفضل لحضرتك

صر عماد على أسنانه دون أن يُظهر لها ذلك وأكمل طريقه في صمت فطالعته بين دقيقة وأخرى، بينما اختلس هو النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية وهو يشعر بالربيع يسري بداخله

****

في ذات اللحظة انتهى أدم من إبدال ثيابه ووضع الماكياج الخاص بالشخصية فانصرف جميع من بالغرفة وجلس هو يراجع الحوار، وبمجرد أن انتهى التقط هاتفه ليتحدث إلى حبيبته لكن قاطعه صوت طرق على باب الغرفة فترك الهاتف واتجه صوب الباب وفتحه ليتفاجأ بوجود فاتن التي لوحت بيدها مرحبة وقالت بدلال

- هاي (Hi) 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Friday, July 26, 2019

جوري/ منى سليمان

July 26, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الخامس عشر - بقلمي منى سليمان  

* كوب شاي *  

صر عماد على أسنانه وشعر برغبة ملحة في الفتك بها لكن منعه وجود لمياء داخل الدار من ذلك فأشار إليها لتلحق به إلى أحد المكاتب التي لا يوجد بداخلها أحد فنفذت رغبته اعتقاداً منها أنه تقبل وجودها، لكنه ما أن أغلق باب الغرفة تبدلت ملامحه تماماً وكأنه بركان نشط على وشك إلقاء الحمم البركانية في وجهها فابتلعت ريقها بصعوبة وهتفت بصوت مرتعش

- أن أنت أضايقت علشان جيت؟ 
- أنا طردت أختك وقولتلها ما أشوفش وشها هنا تاني، جاية أنتي بدالها لييييه؟ 

قالها عماد بحدة وصوت عالِ فتسارعت نبضاتها خوفاً وحاولت تهدئته قائلة

- أنا جيت أحاول أصلح بينكم وأفهمك اللي حصل يمكن تنسوا اللي فات وتبدأوا

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقترب عماد منها كالإعصار ثم قبض بعنف على رقبتها فكادت أن تختنق وحاولت التملص منه بشتى الطرق لكنه كان كالمغيب لا يعي ولا يسمع أي شيء، فقط ردد بجنون

- كفااية، أبعدوا عني، قوليلها تمشي وكفاية اللي عملته، قوليلها تبعد وترحمني 

فاق من غفلته حينما شعر بارتخاء جسدها فحرر رقبتها على الفور لتسقط أرضاً وهي تسعل بشدة فابتعد خطوات قليلة إلى الوراء وهو يكاد لا يصدق ما فعله وانتظر حتى التقطت أنفاسها واستعادت توازنها ووقفت عن الأرض ثم أشهر سبابته في وجهها وأردف محذراً 

- أخر مرة أشوف وشك أو وشها هنا، مفهوم؟ 

لم تستطع أن تجيبه لشعورها الشديد بالخوف فحركت رأسها كإشارة بالموافقة ثم حملت حقيبتها وركضت إلى الخارج والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فجلس عماد على أحد المقاعد واضعاً رأسه بين كفيه عله يهدأ قليلاً ويعود إلى طبيعته

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرة جوري الأولى فذهبت برفقة زميلاتها إلى الحديقة الخاصة بالجامعة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى اقتربت منهن إحدى الزميلات وقالت بصوت كساه الحزن وغلفه الألم

- شوفتوا اللي حصل
- في إيه؟ 

تساءلت إحداهن بقلق فأجابت: ببقولوا رنيم أتوفت

تعالت شهقاتهن من هول الصدمة فتابعت الفتاة: كان عندها كانسر وما استحملتش الكيماوي، أتوفت النهارده الصبح بعد أول جرعة 

تسارعت نبضات جوري خوفاً وبدأ صدرها يعلو ويهبط فركضت مبتعدة لتطمئن على والداتها فصرت صديقتها المقربة على أسنانها ونظرت إلى الفتاة بغيظ ثم تحدثت بحدة

- أنتي معندكيش دم، حبكت يعني تقولي كل حاجة بالتفصيل

عضت الفتاة على شفاها السفلى وقالت بحزن: نسيت خالص موضوع والدتها، يا حرام شكلها كانت مرعوبة

زفرت صديقة جوري بضيق ثم ابتعدت قليلاً وأخرجت هاتفها لتطمئن عليها فتوقفت جوري بمنتصف الطريق ظناً منها أن المتصل على وشك إخبارها بوفاة والدتها فبدأت تبحث عن هاتفها بطريقة هسترية جعلتها لا تنتبه إلى السيارة التي اصطدمت بها 

****

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة استعاد عماد هدوئه فرفع رأسه وأخرج من جيب سرواله علبة وأخذ منها حبة دواء لتساعده على الإسترخاء أكثر وأكثر ثم ترك مقعده وعاد إلى مكتبه حيث تجلس لمياء في انتظاره فاقترب منها وجلس على المقعد المقابل لها بدلاً عن مقعده الرئيسي ثم بادر برسم الابتسامة على شفتيه وتساءل

- إتأخرت عليكي؟ 
- شوية

قالتها بمشاكسة وهي تضم إصبعها السبابة على الإبهام فتجددت ابتسامته ونسى بقربها كل ما حدث وقبل أن يتفوه ولو بكلمة صدح صوت رنين هاتفها فضيقت بين حاجبيها حينما وجدت الاتصال من جوري اعتقاداً منها أنها تشاكسها لمعرفتها الجيدة بوجود لمياء بالدار ومع ذلك اعتذرت منه وتركت مقعدها ثم ضغطت زر الإيجاب وتحدثت بغيظ

- مفيش فايدة فيكي و

قاطعها المتصل قائلاً: مع حضرتك أحمد من استقبال مستشفى القصر العيني

تعالت شهقات لمياء لدرجة جعلت عماد ينتفض عن مقعده ثم استوعبت الأمر وتساءلت بخوف: جوري جرالها حاجة؟ 

- الآنسة عملت حادثة بسيطة ونقلوها على المستشفى وهي اللي طلبت اتصل لأن في كسر في دراعها وهي حالياً في الاستقبال و

قاطعته لمياء قائلة: أنا جايه حالا 

أنهت المكالمة والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها والدموع كذلك تُغرق وجنتيها فسألها عماد بخوف

- حد جراله حاجة؟ 
- قا لو لللي جو عم حادث و

قاطعها قائلاً: بالراحة علشان أفهم

- جوري عملت حادثة
- يا ستار، طيب هي فين دلوقتي؟ 
- قالوا طوارئ القصر العيني، لازم أروحلها

ركضت إلى الخارج فلحق عماد بها ثم تذكر مفتاح سيارته فعاد وأخذه على عُجالة ثم ركض إلى الخارج وقاد بسرعة جنونية عله يصل في أسرع وقت فقد كان يشعر بالحزن لرؤيته دموع لمياء 

*****

بالبنك... 
شعر أدم بالملل فقد طال انتظاره لإنتهاء ما جاء من أجله فقرر التحدث إلى جوري لكنه بمجرد أن أخرج هاتفه ليُجري الاتصال، صدح صوت رنينه فأجاب على الفور 

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، معاك سهيل من مكتب مساعد الأستاذ فريد
- أهلاً وسهلاً بحضرتك
- أستاذ فريد حابب يقدم ميعاد البروفة وهتكون بعد نص ساعة، مناسب ليك؟ 

وقف أدم عن مقعده وأجابه: اه طبعاً وبأمر الله بعد نص ساعة هكون موجود

خلال لحظات قليلة أنهى أدم المكالمة ثم مال على أذن عمه وأخبره بما حدث فسمح له بالمغادرة فقد شارف على إنهاء ما جاء لأجله، فانطلق أدم بسيارته والسعادة تملأه لأنه على وشك تحقيق أولى خطواته الفنية

****

وصل عماد إلى المشفى فترجلت لمياء وركضت إلى الداخل ثم أخذت تبحث عن جوري حتى وجدتها واقتربت منها ثم عانقتها فتمسكت جوري بها وانفجرت دموعها كالشلال فبكت لمياء أيضاً وسألتها عن ما حدث معها فقصت عليها جوري ما حدث والخوف الذي تملكها لدرجة جعلتها تتوقف بمنتصف الطريق فعانقتها لمياء من جديد وقالت بهدوء 

- اللي حصل حصل، المهم أنك كويسه وربنا يستر على رد فعل ماما أحلام لما تشوفك وأنتي متخرشمه كده

ابتسمت جوري بصعوبة ورددت بوهن: أنا مش عارفه عملت كده ازاي 

- خلاص ما تفكريش، هروح أشوف الدكتور ولو كله تمام خلينا نروح نفجر القنبلة، شوفتيني وأنا عاملة إرهابية

كان عماد يقف بالخارج واستمع إلى كل ما دار بالداخل فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنون لمياء ثم ابتعد وجلس على المقعد المقابل لباب الغرفة فغادرت لمياء الغرفة واقتربت منه قائلة

- هروح أشوف الدكتور علشان تروح 
- هاجي معاكي
- مش عايزه أتعب حضرتك

رفع عماد أحد حاجبيه باستنكار وتحدث بغيظ ملحوظ: حضرتي مش تعبان، قدامي

أدارت جسدها ومضت برفقته إلى غرفة الطبيب المختص وحصلت منه على إذن الخروج ثم عادت إلى غرفة جوري وساعدتها على النهوض فتساءل عماد 

- تحبي أشيلك لحد العربية؟ 

راقبت جوري ملامح وجه لمياء وهي تأسر ابتسامتها بصعوبة ثم أجابته بخبث: لو مش هتعب حضرتك هقولك مفيش مانع 

وكزتها لمياء في قدمها بعنف فتأوهت جوري بشدة لكن لمياء لم تهتم وقالت بغيظ: لا هتمشي عادي، أيدها اللي مكسوره على فكرة ورجلها فيها كدمة بسيطة، يعني تقدر تمشي زي القردة

وجهت نظراتها صوب جوري وتابعت بحدة: أمشي يا قردة

حررت جوري ضحكتها فامتزجت بصوت الألم بينما وقف عماد يراقب ما يحدث وهو يكاد لا يصدق كم الطفولة الساكنة داخل كل واحدة منهن، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى جلست جوري بالمقعد الخلفي وجلست لمياء إلى جواره فانطلق عائداً إلى المنزل

*****

في ذات الوقت وصل أدم إلى وجهته وصعد على خشبة المسرح فزاد إعجاب فريد به لوصوله قبل الجميع، وخلال دقائق قليلة حضر الجميع وبدأت الاستعدادات النهائية للعرض فشعر أدم أنه يطير في مدار أحلامه فبدى تمثيله حقيقة وتقمص الشخصية المسندة إليه ببراعه جعلته محط أنظار الكثيرين بل وجعل فريد يُعيد النظر في توزيع الأدوار فأشار لمساعده بالاقتراب وهتف

- خالد لسه ما وصلش؟ 
- للأسف لا، مع أني أكدت عليه الميعاد وقال مناسب ليه
- يبقى وقف التعامل معاه أهم حاجة بالنسبالي الالتزام 

اندهش المساعد بشدة وتساءل: بس ده دور رئيسي ما يقلش أهمية عن دور البطل، هنجيب مين والعرض فاضل عليه ٣ أيام؟ 

- أدم هيعمل الدور وهنجيب نجاح السفير مكان أدم 
- اختيار ممتاز أدم فعلاً موهوب

أوقف فريد الاستعدادات لعدة دقائق وأعطى الجميع استراحة لمدة خمس دقائق ثم طلب من أدم اللحاق به إلى غرفته الخاصة فظن أدم أن حلمه على وشك الضياع لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، أخبره فريد بإسناد الدور إليه فأتسع ثغر أدم وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابع فريد

- شكلك كده مش مستعد؟ 

فاق أدم من صدمة السعادة التي تملكته وأجاب: بالعكس سعادتي ما تتوصفش، وأوعد حضرتك هكون قد المسئولية

- يبقى تروح حالاً وتاخد معاك الورق الجديد وبكرة زي النهارده هعملك بروفة ليك لوحدك، بس توعدني أن دراستك ما تتأثرش 
- أوعد حضرتك أني هحافظ على نجاحي في دراستي وأني هكون قد ثقتك
- يبقى يلا يا بطل على بيتك وأحفظ دورك والنص كويس

حصل أدم على الورق الخاص بالشخصية الجديدة ثم غادر والسعادة تسري بداخله حتى أنه لم ينتبه لاقتراب فاتن فاصطدم بها وكادت أن تسقط أرضاً لكنه سبقها وأحاط خصرها بذراعه ثم قربها منه، فكادت أن تعنفه كعادتها إلا أنها وجدت نفسها بين أحضان شاب أقل ما يقال عنه شديد الوسامة فنست غضبها تماماً وسكنت على غير عادتها فسألها بقلق

- أنتي كويسه؟ 
- كويسه (I'm fine) 
- أنا أسف كنت خارج مستعجل

قالها بعد أن حرر خصرها فهتفت: ولا يهمك (Never mind) 

- فرصة سعيدة أني أقابلك على الطبيعة
- أنا أسعد
- أسف مرة تانية، بعد إذنك

ودعته بابتسامة ثم أطلقت تنهيدة حارة وتمتمت بخفوت: واو so smart 

دلف أدم إلى سيارته وقبل أن ينطلق قرر الاتصال بجوري ليُخبرها بما حدث فصدح صوت رنين هاتفها لكنها لم تستطع إخراجه من حقيبتها فالتقطته لمياء وقالت بخوف

- استلقي وعدك، ده أدم 

تسارعت نبضات قلب جوري خوفاً لمجرد سماع اسمه فتابعت لمياء: هرد وأقوله أنك

قاطعتها جوري: بلاش قوليله أني معاكي بس بجيب ورق ولما نروح يبقى يعرف لحسن يسوق بسرعة وهو متعصب

حركت لمياء رأسها بتفهم وأجابت المكالمة فقال أدم: وشك حلو ليا يا عمري

- أنا لمياء يا عم الحبيب
- أعوذ بالله فين جوري؟ 

تساءل أدم فأجابته لمياء مازحة: في عصابة خطفتها وأنا من النهارده اللي هبقى موجوده وبس 

- بطلي استظراف وأديلها الفون
- بتجيب ورق من صاحبتها وكلها شوية وهنروح 
- ماشي، يبقى أشوفها في البيت

لم تمض سوى لحظات قليلة حتى أنهى أدم المكالمة وانطلق بالسيارة دون أن يشك بشيء، بينما على الجانب الأخر كانت النيران مشتعلة بقلب عماد وألف سؤال يدور داخل عقله عن هوية أدم، وطبيعة العلاقة بينه وبين لمياء لدرجة تجعلها تشاكسه وتمازحه بتلك الطريقة، وظل على تلك الحالة حتى وصل إلى وجهته فترجلت لمياء وساعدت جوري في ذات اللحظة التي وصل فيها أحمد وترجل من إحدى سيارات الأجرة، وجحظت عينيه حينما وقعت على جوري فاقترب منها متسائلاً 

- إيه اللي عمل فيكي كده؟ 
- ما تقلقش يا عمي حادثة بسيطة، قدر ولطف

أجابه عماد وأكدت لمياء على ما قاله فهتف أحمد: أحلام لو شافتك كده مش هتستحمل، هنعمل إيه دلوقتي؟

- اتفضلوا في شقتي وحضرتك ممكن تمهد لها الأول

حرك أحمد رأسه بتفهم ثم استقلوا جميعاً المصعد إلى شقة عماد وجلست جوري على أقرب مقعد وجلست لمياء إلى جوارها بينما اتصل أحمد بأدم فأجاب الأخير مازحاً كعادته

- وحشتك يا أبو حميد ولا إيه؟ 
- حاجة زي كده، أنت فين؟ 
- أنا ربع ساعة وهكون في البيت في حاجة؟ 
- لا مفيش حاجة كنت فاكرك هتتأخر وعايز نتغدى كلنا سوا

صدق أدم ما قاله أحمد وأخبره أنه لن يتأخر وأن لديه خبر سار سيقوله أمام الجميع فور وصوله فأنهى أحمد المكالمة ونظر إلى عماد قائلاً 

- معلش يا ابني هتقل عليك وأخلي البنات هنا لحد ما أقول لأم جوري اللي حصل لتتخض ولا يحصلها حاجة
- البيت بيتهم يا عمي 

شكره أحمد وغادر فمالت جوري على أذن لمياء وتمتمت بصوت خفيض: مصائب قوم عند قوم فوائد

- يهدك ربنا يا جوري، أنتي كارثة متحركة على سطح الكرة الأرضية
- تحبوا تشربوا إيه؟ 

تساءل عماد فهمت لمياء أن تشكره لكن سبقتها جوري وقالت بخبث: لو ينفع ومش هنتقل على حضرتك، لمياء تعملي كوباية شاي علشان عندي صداع رهيب

- أنا؟! 

سألت لمياء باندهاش فأكدت جوري حينما حركت رأسها كإشارة بنعم ثم نظرت إلى عماد وتابعت

- لمياء أحسن واحدة في مصر بتعمل شاي

أكل عماد الطعم فقد كان تائهاً في مدار الأسئلة التي مازالت تدور برأسه دون أن يجد لها أجوبة فوقف عن مقعده ووجه كلماته إلى لمياء

- البيت بيتك 

وقفت لمياء عن مقعدها بعد أن رمقت جوري بنظرة توعد ثم مضت برفقة عماد إلى المطبخ ووضعت الإبريق المملوء بالمياه فوق الشعلة فساعدها وأحضر إليها الشاي والسكر فبدأت في تجهيز الأكواب وهي تشعر بخجل لم تختبره يوماً ليقطاع خجلها متسائلاً 

- هو أدم أخوكي؟ 

اندهشت لمياء بشدة ومع ذلك أجابته: لا ابن عمي وابن عم جوري وابن خالتها في نفس الوقت

- بس واضح أنك واخده عليه أوي

قالها بغيرة واضحة ففهمت لمياء ذلك وقررت التأكد فهتفت: أكيد طول عمرنا متربين سوا وعايشين سوا

- نعم؟!

أسرت ضحكتها بصعوبة وجاهدت بشتى الطرق إخفاء نظرة السعادة الساكنة بمقلتيها فتابعت لعبتها قائلة

- في العزبة البيت جمب البيت، وهنا قاعد معانا أنا وجوري ومامتها ووالدته علشان ياخد باله مننا، هو الراجل بتاعتنا في غياب بابا و

لم تستطع أن تُكمل ما كانت تخطط له فقد توقفت عن الحديث حينما اقترب منها عماد بشدة وأصبح ملاصقاً لها فابتلعت ريقها بصعوبة وتساءلت بخوف

- هو في إيه؟ 
- في أنك مصرة تزعليني وأنا زعلي وحش أوي
- أن أن أنا ما عملتش حاجة، سألت ورديت عليك بس

شعر برغبة ملحة في الفتك بها ومع ذلك لم يستطع لمسها حتى لا يؤذيها فتراجع خطوات قليلة إلى الوراء ثم أدار جسده وأحضر الإبريق وبدأ في إعداد الشاي عله يهدأ قليلاً فقررت لمياء إنهاء الغضب الذي تملكه وأردفت

- جوري وأدم خطوبتهم بعد الترم التاني، عقبالك

هدأت النيران المشتعلة بداخله بمجرد سماعه لما قالت وبالرغم من ذلك لم يتفوه ولو بكلمة فتابعت: بيحبوا بعض من وعمرهم تسع أو عشر سنين، بيخاف عليها من الهواء ودايماً بيعاملها كأنها ملكة على عرش قلبه، وهي كمان بتعشقه ودايماً تقول هو سندي وأماني وأخويا وأبويا وكل حاجة ليا

- أنتِ طفولتي وشبابي... أنتِ عمري وساكنة أحلامي... متى كبرتِ حبيبتي وأصبحتِ ربيع أيامي... فأصبحت أتمنى رؤيتكِ ليلاً ونهاراً أمامي

اندهشت لمياء بشدة فما يردده هي خاطرة كتبتها داخل إحدى قصصها القصيرة وكانت بعنوان ملكت قلبي منذ الطفولة، وبالفعل كان عشق أدم وجورى ملهماً لها فابتسم على هيئتها وتابع

- من أجمل القصص في المجموعة بتاعتك، بس واضح أنها قصة حقيقية 
- أزاي حفظت كلامي وربطت بسرعة بين القصة والحقيقة؟ 
- سر المهنة حضرتكِ

أجابها مازحاً ثم حمل الصينية وغادر إلى الخارج فلحقت به وجلست إلى جوار جوري وتعمدت عدم النظر إليه حتى لا تفضحها عينيها وتُخبره بسرها الصغير وبمشاعرها تجاهه


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, July 23, 2019

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* سرقة واسترداد * 

انتظرت جوري حتى تأكدت من نوم والدتها ثم تركت الغرفة على عُجالة لتطلق العنان لدموعها الحبيسة طوال اليوم... كانت تبكي بحرقة لدرجة جعلت أدم يستمع إلى صوتها أثناء مروره من أمام بابها فطرقه ودلف قبل أن تسمح له بالدخول، وما أن وقعت عينيه على خاصتها التي تورمت من كثرة البكاء شعر بخنجر مسموم في قلبه فاقترب منها وسألها عن سبب البكاء لكنها لم تجيبه بل وقفت عن مقعدها وألقت بجسدها في صدره وهي مازالت تبكي وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق ثم ابتعدت عنه وكفكفت دموعها قائلة

- ماما تعبانة أوي وبتحاول ما تبيتش بس أنا حاسة بيها

تصادف مرور أحمد أمام الغرفة فشعر هو الأخر بالأسى على حال جوري وأحلام، وكاد أن يدلف إلى الداخل لكن سبقه أدم حينما قال

- أنتي قولتي الصبح هتستحملي علشان هي محتاجة مننا نقويها، وكنتي قوية فعلاً ولازم تفضلي قدامها قوية مهما حصل معاها، الفترة اللي هي فيها مؤقتة وهتعدي وهتكون أحسن، وصدقيني قوتك قدامها ومذاكرتك ونجاحك أكبر داعم ليها، أوعي تبكي أو تهملي دروسك أنتي كده بتقتليها بأيديكي

حركت جوري رأسها بتفهم وهي تزيل الدموع الساقطة من مقلتيها فابتسم لها أدم ليرسل إليها رسالة طمأنينة وتابع

- خلاص عيطتي بما فيه الكفاية، دلوقتي لازم تذاكري شوية وتنامي وترتاحي وماما الصبح هتبقى زي الفل 
- حاضر

ما أن قالت جوري كلمتها دلف أحمد إلى الداخل ثم اقترب من أدم وربت على كتفه قائلاً 

- كبرت وبقيت راجل يا أدم

غمز أدم إلى عمه بمشاكسة ثم تحدث مازحاً: وحضرتك كبرت وعجزت يا عمي

عقد أحمد بين حاجبيه واصطنع الغضب ثم ضرب أدم على مؤخرة رأسه وهتف

- لسانك ده عايز مقص 

ضحكت جوري على حرب المشاكسات التي انطلقت بينهما ثم قاطعتهما قائلة

- هسيبكم بقى وأروح أذاكر عند لمياء

حملت الكتب خاصتها وتركت الغرفة فتابعها أدم بعينيه حتى اختفت تماماً ثم تنهد بحرقة وجلس على حافة فراشها وهو يردد

- صعبانة عليا ومش عارف أعملها حاجة

جلس أحمد إلى جواره والحزن يظهر على قسمات وجهه: والله يا ابني أنا كمان قلبي بيتقطع عليها وعلى أحلام بس كله اختبار من ربنا، المهم خليك دايماً جمبها وحافظ عليها وبأمر الله من هنا لأخر السنة هعملكم خطوبة تتحاكى بيها الناس

أمسك أدم يد عمه وطبع على ظاهرها قبلة ثم شكره بامتنان فربت أحمد على كتفه وهتف

- أوعى في يوم تجرحها أو تكون أنت والدنيا عليها
- جوري جوه عيوني، تعرف يا عمي أكتر حاجة بخاف منها في الدنيا هي أني أخسرها
- ربنا وفق بين قلوبكم وبأيدك تحافظ عليها العمر كله بس قول يارب
- يارب

كان حوار أدم وأحمد حواراً هادئاً مفعم بالدفء والحنان الأبوي، أما حوار جوري ولمياء كان ضرباً من الجنون... 
دلفت جوري إلى الغرفة ووجدت لمياء غارقة في بحور القراءة لدرجة جعلتها لا تنتبه لدخولها فاقتربت منها على أطراف أصابعها ثم سرقت الكتاب من بين يديها فانتفضت لمياء عن الفراش وقالت بغيظ

- بطلي رخامة وهاتي الكتاب

نظرت جوري إلى الأسم المكتوب على الغلاف وشعار معرض الكتاب أسفله ثم رفعت رأسها وهتفت بمكر

- الله الله ده لسه بتاع المعرض الجاي، بقى ليكي special treatment (معاملة خاصة) يا دكتورة 

ركضت لمياء خلف جوري لتسترد ما أخذته فركضت جوري بدورها واعتلت الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها ما أشغل غضب لمياء فلحقت بها لتبدأ حرب السرقة والاسترداد فدلفت جوري إلى الشرفة وقالت مازحة

- ما قولتليش ليه؟ 
- مكنتيش هنا، هاتي بقى هموت وأعرف مين القاتل

في ذات اللحظة كان عماد يجلس على أحد المقاعد بالشرفة لكن لمياء لم تستطع رؤيته فالحائط حال بينهما فاستمع إلى باقي الحديث في صمت 

- الرواية حلوة؟ 

تساءلت جوري فأجابتها لمياء بغيظ: حلوة أوي، هاتي بقى

اختبأت جوري خلف الأرجوحة واتخذت منها حصن أمان ثم تساءلت: طيب وصاحب الرواية أدهالك ليه قبل الكل؟ 

- مزاجه كده، هاتي يا رخمة

ابتسم عماد وحرك رأسه يميناً ويساراً على إجابتها النموذجية فتابعت جوري هجومها متسائلة

- مزاجه كده ولا قلبه قاله كده؟ 
- عارفه يا بت أنتي لما أمسكك هعضك 
- هو اللي بيحب جديد بيبقى عصبي كده أسأليني أنا

ابتسمت لمياء لا إرادياً فبادلتها جوري بأخرى وتابعت: هو يتحب الصراحة وسمارت كده في نفسه و

قاطعتها لمياء قائلة بحدة: أنتي يا بت لمي نفسك 

- الله الله ده إحنا بنغير كمان 
- جوررررري، هاتي الكتاب وأطلعي بره أوضتي
- خلاص خلاص هديكي الكتاب بس خليني معاكي في الأوضة بدل ما اقعد لوحدي أعيط

استشعرت لمياء الحزن المصاحب لنبرة صوت ابنة عمها فمطت شفتيها بضجر وتساءلت بقلق: ماما تعبانة؟ 

- شوية وأنا مخنوقة أوي

تقدمت لمياء منها وعانقتها فبادلتها جوري العناق بعد أن تجددت دموعها، وبمجرد أن ابتعدت عنها كفكفت دموعها وأعطتها الكتاب ثم أردفت

- خدي كملي روايتك وأنا هقعد أذاكر شوية
- أقولك أنا بقى الأحلى، تعالي نعمل فشار ونشغل فيلم رعب والصبح هكمل الرواية وأنتي النهارده بلاها مذاكرة مش هتركزي أصلاً وأنا كمان مليش مزاج أذاكر فنقضيها رعب وفشار، قولتي إيه؟ 

اختلطت دموع جوري بابتسامة خفيفة فأكملت إزالة الدموع عن وجنتيها وأجابتها بمشاكسة

- موافقة بس أعملي أنتي الفشار وأنا هروح أجيب طمطم ومامتك نرعبهم معانا، ديل؟ (Deal) 
- ديل (Deal) 

غادرن الشرفة وانطلقت كل واحدة منهن إلى المهمة الصعبة التي كُلفت بها فترك عماد مقعده وبداخله مشاعر مختلفة تجاه لمياء تجذبه نحوها أكثر وأكثر فهي خليط من الأنوثة والطفولة، الجدية والجنون، الغضب والحنان، التفوق العلمي والعملي إلى جانب خفة الظل، فابتسم بسعادة ثم دلف إلى الداخل ليُكمل قراءة القصص القصيرة خاصتها التي سرقته من نفسه وجعلته للمرة الأولى يعيش في عالم ساحر مليء بالرومانسية التي لم يكتب عنها يوماً أو بالأحرى لا يعترف بوجودها إلا عندما اقتحم عالمها الخاص من خلال ما كتبت

*****

أوقفت فاتن سيارتها داخل أسوار منزلها ثم تنفست بعمق وهي تكاد لا تصدق أنها تحررت من ذلك العجوز، ترجلت على الفور وحملت حقيبة يدها ثم أشارات إلى الحارس وطلبت منه إحضار حقيبة سفرها فنفذ على الفور وأحضر الحقيبة ثم صعد الدرج لوضعها داخل غرفة فاتن التي جلست على أقرب مقعد لشعورها الشديد بالتعب والإرهاق، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد الحارس وبيده حقيبة سفر تُشبه خاصتها فتساءلت بحدة

- مش قولتلك حطها في أوضتي، نزلت بيها تاني ليه؟ 

شرع الحارس أن يجيبها لكن سبقته سهيلة عندما قالت وهي تهبط الدرج: دي بتاعتي أنا 

انصرف الحارس فوقفت فاتن عن مقعدها واقتربت من والدتها وعانقتها فبادلتها سهيله العناق وهي تردد

- معلش لازم أسافر حالاً عندي شغل مهم
- كان نفسي أقعد معاكي بس شغلك أهم
- معلش مض هتأخر يومين تلاته بالكتير وهرجع، أبقي كلمي فريد جه هنا وعمال خناقة زي عادته

لوت فاتن ثغرها بضجر وهتفت: أنا راجعه تعبانه مش هستحمل محاضراته الأخلاقية، هطلع أنام وارتاح وبكرة هبقى أجهز نفسي للمحاضرة وأكلمه

- أوك براحتك، أنا لازم أمشي باي 

انتظرت فاتن حتى غادرت والدتها ثم صعدت إلى غرفتها وأفرغت على الفور محتويات حقيبتها ثم خبأت عقد زواجها بمكان لا يستطيع أحد الوصول إليه تحسباً لأي طارئ وخبأت كذلك السندات المالية على أن تذهب صباحاً إلى البنك لصرفها ثم أراحت جسدها على الفراش وتمتمت بوهن

- أخيراً هنام براحتي

خلال لحظات قليلة استسلمت إلى النوم كمن لم يتذوق نكهته منذ عدة أشهر 

*****

مضى الليل سريعاً وسطعت شمس يوم جديد حاملة معها المزيد من المشاعر والمفاجأت والنظرات والهمسات... 
في التاسعة والنصف صباحاً غادرت جوري برفقة لمياء ليذهبن إلى الجامعة بينما بقى أدم ليذهب برفقة عمه إلى البنك لإنهاء مجموعة من المعاملات المالية... بالخارج وقفت لمياء في انتظار المصعد فابتسمت جوري بخبث حينما رأت عماد يقترب ثم وكزت ابنه عمها في معصمها وقالت

- سيدي يا سيدي على الصدف وجمال الصدف وشياكة الصدف
- أتهدي شوية بقى

اقترب عماد منهن وابتسامة ساحرة تزين ثغره ثم ألقى تحية الصباح فردتها لمياء بينما اصطنعت جوري البحث عن هاتفها ثم زمت شفتيها بضيق وهتفت

- نسيت الفون جوه، أنزلوا أنتوا علشان ما نعطلش الأسانسير وأنا هجيبه وأحصلك يا لمياء

فهمت لمياء ما فعلته جوري جيداً وكذلك عماد لكنه اصطنع عدم الفهم وفتح باب المصعد فسبقته لمياء ودلفت فلحق بها وأغلق الباب ثم ضغط زر الطابق الأرضي وسألها بهدوء 

- عامله إيه؟ 
- كويسه الحمد لله وحضرتك؟ 

رفع أحد حاجبيه باستنكار وأجابها مازحاً: حضرتي بخير

وجهت نظراتها نحو الأرض حتى لا يرى ابتسامتها فتابع: هتيجي الدار النهارده؟ 

- بأمر الله، عندي بس سيكشن عملي هخلص وأجي على طول، القصص عجبتك؟ 

تلاعب عماد بقسمات وجهه فظنت أن قصصها لم تلقى لديه القبول وأردفت بنبرة صوت حزينة

- شكلهم مش حلوين وضيعت وقت حضرتك على الفاضي، آسفة

كاد عماد أن يتحدث لكنه توقف حينما استقر المصعد في الطابق الأرضي فغادر وانتظر حتى غادرت ثم أغلق الباب ومضى برفقتها إلى الخارج دون أن يتفوه ولو بكلمة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وتمتمت بخفوت

- للدرجة دي القصص بتاعتي وحشة، ده مش طايق يقولي كلمة و

بترت كلمتها عندما وصلت أمام السيارة فنظر عماد إلى الدموع الساكنة داخل عينيها وشعر بالحزن لأجلها فقال بصوت هادئ

- القصص أكثر من رائعة و النهارده هنمضي عقد القصص والخواطر
- بجد؟!!! 
- أكيد بجد، سهرت طول الليل أقرأ وأنا مستمتع، لما تيجي الدار نتكلم أفضل من الشارع

حركت رأسها بتفهم فودعها بابتسامة خفيفة ثم ارتدى نظارته الشمسية ودلف إلى سيارته وخلال لحظات قليلة انطلق بها فاقتربت جوري من لمياء ووكزتها في كتفها قائلة

- أي خدمة، ما ردتش أكبس على نفسكم
- بجد أنتي مجنونة رسمي

ضحكت جوري بجنون فشاركتها لمياء ثم استردت أنفاسها وتابعت: يلا يا مجنونة هنتأخر 

****

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انصرف أدم برفقة أحمد الذي ما أن ركب السيارة نظر إلى أدم وقال 

- أمك مش مبسوطة خالص يا أدم من موضوع التمثيل واشتكتلي
- يا عمي ده حلمي، حضرتك سبت سعد يسافر بالرغم أننا الحمد لله مش محتاجين فلوس بس هو حب يعتمد على نفسه، حتى لمياء سمحتلها تطبع كتاب خواطر والنهارده هتمضي العقد وجوري كمان عمر ما حد مننا قالها لا على حاجة، ليه أنا حلمي ممنوع

ربت أحمد على كتفه ليهدأ من انفعاله المصاحب لنبرة صوته فهدأ أدم قليلاً وتابع

- أسف أني انفعلت بس ده حلم حياتي
- أمك خايفة عليك يا ابني من المجال ده، نفسها تكون حياتك هادية
- عارف بس أنا كبرت ومن حقي اختار حياتي
- المهم تثبتلها ده وتهتم بدراستك زي التمثيل ومهما حصل لا تتغير ولا تتكبر

حرك أدم رأسه بتفهم ثم طبع قبلة على ظاهر يد أحمد وخلال دقائق قليلة انطلق بالسيارة إلى وجهته وبداخله إصرار على تحقيق حلمه وإثبات نجاحه لوالدته علها تقتنع بموهبته

*****

دلفت الخادمة إلى الغرفة ثم اقتربت من فاتن وحاولت إيقاظها فزفرت بضيق ثم اعتدلت في جلستها وتساءلت بحدة وصوت عالِ

- إيه يا غبية أنتي، بتصحيني ليه؟ 
- الأستاذ فريد على التليفون ومصمم يكلم حضرتك

اعتدلت فاتن في جلستها ثم زفرت بضيق وأشارت إلى الخادمة لتقترب ثم أخذت الهاتف وأعادت فتح الصوت وأجابت قائلة

- صباح الخير Dad
- كويس أنك لسه فكراني

لوت ثغرها بضجر ولم تتفوه ولو بكلمة فتوقع فريد سبب صمتها وأردف

- طبعاً كلامي مش عاجبك، ما خلاص أتنسيت وأتنست حقوقي كأب بنته غايبة بقالها أسبوع وميعرفش عنها حاجة 

قال كلماتها بحدة وصوت عالِ كان كفيل بإزعاج فاتن التي وضعت يدها على رأسها لشعورها بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها وانتظرت حتى أنهى والدها وصلة التوبيخ المعتادة ثم تحدثت بهدوء قائلة

- آسفة دادي كنت في رحلة مع صحباتي وكنت بتصل بمامي كل يوم بس وعد بعد كده قبل ما أسافر هقولك وهتصل بيك كل يوم 
- ماشي يا فاتن، بس يكون في علمك لو اللي حصل أتكرر يبقى تنسي أن ليكي أب

أخذت فاتن تفرك جبينها بأطراف أناملها وهتفت: خلاص داد ما تزعلش، أقولك إيه رأيك نتغدى سوا في النادي؟ 

- مش هينفع عندي بروفة جنرال، لو يهمك تشوفي فن راقي ومحترم تقدري تيجي 
- أوك داد هاجي يمكن تديني دور ولا حاجة

قالتها مازحة فحرك فريد رأسه يميناً ويساراً بأسى ثم قال بحزم: خلصي جامعتك وبعدها أبقى أديلك دور ده كان إتفاقنا من الأول وعمري ما هغيره، سلام 

أنهى فريد المكالمة ثم هبط الدرج ليتناول طعام الإفطار برفقة زوجته، بينما ألقت فاتن بالهاتف إلى جوارها وتمتمت ببعض كلمات غير مفهومة ثم أكملت نومها وكأن شيئاً لم يكن

***** 

بالجامعة... 
كانت جوري شاردة بشدة حتى أنها لم تنتبه لكل ما قاله المحاضر فقد كانت تفكر في والدتها ولكن قاطع شرودها اهتزاز هاتفها فأخرجته من حقيبتها لتجد رسالة من حبيبها المشاكس 

(وحشتيني) 

نست حزنها تماماً وكتبت (خلصت ولا لسه؟) 

(لا لسه بدري، بس لو خلصت هجيلك) 

قرأتها وابتسمت ثم كتبت (لسه عندي محاضرات كتيررررر، روح ارتاح أحسن) 

(بحبك) 

خفق قلبها بسعادة وبادلته الكلمة بأخرى ثم أعادت الهاتف إلى الحقيبة وتذكرت كلماته عندما أخبرها أن نجاحها سيكون أكبر داعم لوالدتها فبدأت تنتبه لما يقوله أستاذها الجامعي وتدون كل كلمة كما اعتادت دائماً 

****

في الواحدة ظهراً توقف السائق أمام مقر دار الحكمة للنشر والتوزيع فترجلت لمياء وهي تشعر بالسعادة والتوتر في آن واحد... استجمعت شجاعتها ودلفت إلى الداخل فاستقبلها سامي بترحاب وسمح لها بالدخول تنفيذاً لتعليمات عماد فطرقت الباب ودلفت إلى الداخل لكنها لم تجد عماد في استقبالها فقد كان يصلي فرضه ما زاد إعجابها به... جلست على أحد المقاعد في انتظاره وخلال دقائق قليلة قليلة فرغ ووقف عن الأرض ثم اقترب منها مُرحباً فبادلته بابتسامة رقيقة وقالت

- آسفة علشان دخلت بس أستاذ سامي قالي أدخل و

قاطعها عماد قائلاً: أنا قولتله أول ما توصلي تدخلي على طول، قولتلك قبل كده أنتي مش زي أي حد

خجلت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها ووجنتيها المائلة للحمرة فقرر تغيير مجرى الحديث

- عجبتك الرواية صحيح؟ 
- مقدرتش أكملها للأسف، فاضل ٢٥ صفحة هخلصهم النهارده بأمر الله
- أكيد كنتي مشغولة بالليل

تساءل بمكر فهو يعلم جيداً كل ما حدث بالأمس فأجابته ببراءة: فعلاً انشغلت شوية مع أني متشوقة أعرف مين القاتل

- تحبي أقولك؟ 
- لا لا لا لا 

قالتها بجنون خوفاً من حرق الأحداث فرفع يديه لأعلى باستسلام ليشاكسها قليلاً فابتسمت على فعلته وأردفت

- عايزه أكملها قراءة مش بحب حد يحكي
- وأنا زيك بس قولت أساعدك شوية و

بتر عماد كلمته عندما طرق سامي باب غرفة المكتب ودلف إلى الداخل ثم اقترب منه وثنى جزعه قائلاً بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- في واحدة بره ومصممة تقابل حضرتك 
- واحدة مين؟ 

تبدلت قسمات وجه سامي وأجاب بصوت مرتعش: واحدة جت مرتين لما حضرتك كنت في الأجازة و و و

تردد سامي في قول المزيد فوقف عماد عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وطلب من سامي اللحاق به وتساءل: أوعى تكون هي؟ 

- لا مش هي بس اللي بره تشبهها أوي

كور عماد قبضة يده وتطاير الشرار من مقلتيه فابتلع سامي ريقه بصعوبة وغادر على عُجالة فلحق عماد به بعد أن اعتذر من لمياء، وبالخارج تأكدت شكوكه عندما وقعت عينيه على المرأة التي تقف في انتظاره فاقتربت منه وتساءلت بهدوء 

- أزيك يا عماد؟ 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف