جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء
الفصل الثالث عشر - بقلمي منى سليمان
* قصص قصيرة *
لحق عماد بطبيبته الغاضبة لكنها اصطنعت عدم الاهتمام وأجرت اتصالاً هاتفياً بسائقها لتعلم منه سبب اختفائه فأحبرها أنه ذهب إلى أقرب محطة بنزين لتزويد الإطارات بالهواء وسيعود خلال دقائق قليلة فأنهت المكالمة ووقفت في انتظاره ضاربة عرض الحائط بنظرات عماد المصوبة نحوها فاقترب منها وهتف بدون سابق
- هتفضلي مخصماني كده كتير؟
عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بنبرة صوت تحمل الغضب والغيط بطياتها
- أنا مش مخاصمة حد
كاد أن يبتسم على طريقتها الطفولية عند الغضب لكنه لم يرغب في زيادته فأسر ابتسامته وقال بجدية مصطنعة
- بلاش مخصماني، نقول زعلانة مني
- مش زعلانة من حد
رددت كلماتها دون أن تنظر إليه وهي مازالت تعقد ذراعيها أمام صدرها لكن تلك المرة عقدت بين حاجبيها أيضاً فتنحنح قائلاً
- أنا عارف أني سريع الغصب بس ده طبع فيا يمكن مع الوقت أغيره، ومع ذلك مش بعترف بغلطي ولا عمري اعتذرت لحد زعلته وقت غضبي غيرك أنتي، عارفه ليه؟
كان قلبها يخفق بسرعة جنونية مع كل كلمة من كلماته، وما أن وصل سؤاله إلى مسامعها حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فنظر مُباشرةً إلى عينيها تابع بصوت دافئ
- علشان أنتي بالنسبالي مش أي حد
نست غضبها تماماً وارتسمت ابتسامة أسرة للقلوب لتزين وجهها قبل شفتيها فشعر عماد بالسعادة لرؤية البريق المنبعث من عينيها فكانت كسهام العشق التي تخترق القلب بدون سابق إنذار، وبقى يطالعها في صمت حتى صدح صوت رنين هاتفها فأجابت على الفور
- جيت؟
- أنا واقف عند الباب الرئيسي
- تمام لحظة وجايه
أنهت المكالمة ثم نظرت إلى عماد وأردفت برقة: السواق جه ولازم أمشي، باي
ابتعدت على عُجالة بعد أن لوحت بيدها مودعة فتابعها بعينيه وبداخله شعوراً جديداً لم يتذوق نكهته يوماً، وبمجرد أن اختفت تماماً عن نظره، وضع نظارته الشمسية واتجه نحو سيارته ثم انطلق إلى الدار ليباشر عمله الذي تعطل لعدة أيام
****
في ذات اللحظة أوقف أدم سيارته على مقربة من المشفى فاندهشت جوري بشدة وتساءلت
- وقفت ليه؟
- النهارده أول جرعة لماما أحلام، وأول مرة هتشوفيها تعبانه هتقدري تستحملي ولا
قاطعته قائلة: هستحمل يا أدم ومهما شوفتها تعبانة مستحيل أبكي هي محتاجة لينا علشان نقويها مش نضعفها
رفع أدم أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق ما قالته فالجالسة إلى جواره فتاة ناضجة قوية وغير قابلة للكسر، في حين يراها دائماً طفلة رقيقة بجسد فتاة كبيرة تحتاج دائماً إلى من يرعاها ويحميها، فاندهشت من جديد من شروده وسكونه وسألته ببراءة
- بتبصلي كده ليه؟
- فرحان بيكي وبقوتك
غمز لها بمشاكسة وتابع: عقبال ما تبطلي خجل
- أنت قليل الأدب أوووي
قالتها بطريقة تمثيلية جعلت ابتسامته ترتسم لا إرادياً فاصطنعت الغضب وأردفت بحزم
- أتفضل وصلني
- تمام يا فندم
أدارمحرك السيارة وانطلق من جديد إلى أن وصل أمام المشفى فترجلت جوري وسبقته إلى الداخل واستقبلت المصعد إلى الطابق الرابع حيث تتلقى والدتها أولى جرعات علاجها، وما أن وصلت إلى وجهتها وغادرت المصعد وجدت الطبيب الشاب الذي قابلته منذ عدة أيام يقف على مقربة منها فاصطنعت عدم الاهتمام وأكملت طريقها إلا أنه استوقفها قائلاً
- خير، راجعة المستشفى ليه؟
- ماما بتاخد أول جرعة، بعد إذنك
همت أن تبتعد لكنه سبقها وقال: ما تقلقيش هتبقى كويسة
- أنا مش قلقانه لأني بثق في ربنا و
بترت كلمتها عندما توقف المصعد وخرج أدم منه فتسارعت نبضات قلبها خوفاً من رد فعله ولم تمض سوى لحظة واحدة حتى استقر أدم إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه ثم سألها بهدوء مصطنع
- في حاجة يا قلبي؟
تضاربت المشاعر بداخلها بين الخوف من هدوء أدم والسعادة لوجوده إلى جوارها ليخلصها من الكائن الواقف أمامها فاستجمعت ربلط جأشها وأجابته برقة
- لا يا حبيبي مفيش حاجة، الدكتور افتكر ماما تعبانه وبيسأل عليها
رفع أدم رأسه قليلاً ورمق الطبيب بنظرة غيظ ومع ذلك ردد بهدوء: طيب مش هنعطلك عن شغلك وشكراً على سؤالك
- العفو، بعد إذنكم
قالها الطبيب باقتضاب ثم ابتعد مُسرعاً بعد أن فهم الرسالة جيداً فعضت جوري على شفاها السفلى وتساءلت
- زعلان مني؟
- لا
كانت إجابته قصيرة لدرجة أكدت لها الغضب المتملك من حبيبها الذي يغار عليها من نسمات الهواء فقالت
- هو اللي جه يتلزق فيا وكنت لسه هديله على دماغه
تغلبت طريقتها الطفولية في الحديث على غيرته فابتسم وردد مازحاً
- ماشي يا شرس، قدامي نشوف لولي وطمطم فين
مضت معه والسعادة تسري بداخلها فللمرة الثانية يتغلب على غضبه ولا يعنفها كعادته خوفاً من فقدانها فتنهدت براحة وتمتمت بخفوت
- يارب يفضل سندي العمر كله
***
بالفندق...
كانت فاتن تتناول طعام الغداء برفقة هشام الذي كان يأكل بنهم مثير للاشمئزاز فتوقفت فجأة عن الأكل وقالت
- أنا شبعت هقوم أجهز شنطتي وأنام شوية
- ما أكلتي
- مش جعانه
وقفت عن مقعدها وهمت أن تبتعد فوقف هشام عن مقعده وتأملها بوقاحة جعلتها تفهم ما يرمي إليه فسبقته وأردفت
- أبو عبد الرحمن أنا جسمي كله مكسر وحقيقي مش هستحمل
- ما ضل غير اليوم خلينا نستمتع
- لما أنام وأصحى يبقى ربنا يحلها
تركته ودلفت إلى الغرفة ثم أراحت جسدها على الفراش فلحق بها على الفور وجلس إلى جوارها على حافة الفراش وهتف
- شو رأيك نمدد العقد أسبوع كمان؟
كتمت شهقاتها بصعوبة فقد كانت تعد الأيام لتتخلص منه لكنها رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته بثبات
- مش هيتفع، عندي شغل لشهرين قدام
- خسارة
- ما تزعلش لما أصحى هبقى أودعك وداع عمرك ما تنساه
لمعت عينيه فزفرت فاتن بحرقة بعد أن خبأت وجهها بالوسادة ثم تمتمت في نفسها
- الله يهدك، أسبوع ده أنا حاسه الكام ساعة الفاضلين هيمروا سنين
***
في ذات الوقت كانت سهيلة تحتسي أكواب الخمر بجنون فذهب عقلها بلا رجعة وبدأت تترنح بالرغم من حلوسها، أشعلت إحدى سجائرها وبدأت تتفس دخلنها وهي تتناول الكوب ثم ألقت به على الأرض فتهشم إلى قطع صغيرة لكنها لم تهتم ورددت بحرقة
- كده يا محسن، ده أنا عمري ما حبيت فريد قد ما حبيتك
حملت زجاجة الخمر وبدأت تشرب بطريقة هسترية حتى تناولتها بالكامل ثم وضعتها على المنضدة وحملت سيجارتها وتركت مقعدها وخلال لحظات قليلة تناولت هاتفها واتصلت بمحسن الذي كان يساعد زوجته لإعداد طعام الغداء ليُدللها ويُنسيها ما فعله، لكنه ما أن صدح صوت رنين هاتفه تبدلت ملامحه فعلمت زوجته هوية المتصل أو بالأحرى المتصلة قبل أن ترى ذلك فقالت بثبات
- رد عليها يمكن عايزه حاجة
- فرح أنا
قاطعته قائلة: عادي يا محسن رد عليها، خلينا نقفل الصفحة بكل اللي فيها
زاد إعجاب محسن برقي تفكير زوجته فأجاب المكالمة قائلاً: نعم يا سهيلة، في إيه؟
- طلقتني ليه؟ ده أنا بحبك
- سهيلة من فضلك ما تتصليش بيا تاني، جوازنا كان غلطة وأتصلحت
- غلطة؟!! حبي ليك وجوازنا غلطة
كانت تتحدث بطريقة مريبة جعلت محسن يشك في تناولها للخمر فتحدث بحدة وصوت عالِ جعل جسد فرح ينتفض
- أنتي سكرانه وجايه تخربي بيتي تاني، أخر مرة تتصلي ولو ما فهمتيش ده بالذوق هضطر أفهمه ليكي بالعافية
لم ينتظر ردها وأنهى المكالمة ثم نظر إلى زوجته ليعتذر منها فتفاجأ بنظرة الهلع الساكنة داخل مقلتيها
- مالك يا عمري؟
- أول مرة أشوفك عصبي كده
اقترب منها وجذبها إلى صدره ثم طوقها بذراعيه وضمها بكل الحنان الكائن بداخله فتمسكت به وسكنت كذلك بين أحضانه، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها حينما قال
- أسف لو خوفتك، بس أنا غلطت مرة ومستحيل أغلط تاني لأني بحبك ومقدرش أخسرك
- بجد يا محسن؟
- بجد يا قلب محسن
شعر بسعادتها عندما شددت في احتضانه فعلم أنها تريد الاختباء بداخله، أما على الطرف الأخر انتابت سهيلة حالة هسترية وبدأت في تكسير كل ما يقابلها ثم جلست على الأرض تبكي لشعورها بالحنين للمساته وللدفء الذي كانت تشعر به وهي بين أحضانه ولكن هيهات فقط حفرت الحفرة لغيرها وسقطت هي في بركان الشر خاصتها
****
في الرابعة عصراً شعر عماد بالملل والإرهاق فقرر العودة إلى المنزل للحصول على قسط من الراحة وخلال دقائق ليست بالقليلة وصل إلى وجهته فخفق قلبه بطريقة لم يعتادها من قبل عندما رفع بصره لأعلى ورآها تقف بالشرفة... دلف مُسرعاً إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته ثم ركض إلى غرفته متناسياً تعبه، لكن سعادته لم تكتمل فقد سبقته وعادت إلى الداخل فزفر بضيق وحل رابطة عنقه ثم جلس على أحد المقاعد وأخرج هاتفه بعد أن قرر مراسلتها
(نمتي)
قرأتها وابتسمت لكنها تردد في الرد ففاجئها برسالة جديدة
(كنت عايز أديكي روايتي لو لسه عايزه تقرأيها)
(أكييييييييد عايزه أقرأها)
أرسلتها على الفور فشعر براحة تغمره وأرسل
(مستنيكي في البلكونة)
تركت فراشها على الفور ودلفت إلى الشرفة ثم تقدمت منه وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالخجل، وقبل أن تصل إلى نهاية الشرفة وقفت لتلتقط أنفاسها وتُهدى التوتر الذي تملكها ثم أكملت خطواتها لتجده بالفعل يقف في انتظارها فقالت برقة
- مساء الخير
- مساء النور، عامله إيه؟
- كويسه، وأنت أيدك عامله إيه دلوقتي؟
تنهد براحة وأجابها: هفك الخياطة بكرة
- أبقى خد بالك بعد كده
- حاضر
قالها بنبرة صوت دافئة لم يعتادها من قبل فارتبكت من جديد وتحدثت بصوت مرتعش
- ف فين الرواية؟
- لحظة هجبها من جوه، النهارده استلمت أول طبعة
ابتسمت له فبادلها بأخرى ثم تركها ودلف إلى الداخل وخلال دقائق قليلة عاد إليها ووجدها تتحدث إلى سعد فشعر بقليل من الغضب ومع ذلك جاهد بشتى الطرق أن يخبئ ذلك حتى لا يُغضبها مرة أخرى، ولم تمض سوى دقائق قيلة حتى أنهت المكالمة فقال بغيظ ملحوظ
- واضح أنتي وهو قريبين أوي من بعض، طول المكالمة ضحك وهزار
شعرت لمياء بالرضا لاستشعارها الغيرة المصاحبة لصوته فقد تعمدت الضحك والمزاح حتى ترى رد فعله وبالنهاية نالت ما تمنت فأجابته بتلقائية
- سعد أخويا وصحبي وأوقات بحسه أبويا، طبعه زي طبع بابا بالظبط وطول عمره بيخاف عليا من الهواء و
قاطعها قائلاً بغيظ: ربنا يخليكم لبعض
- يارب
قالتها بصعوبة وهي تأسر ابتسامتها ثم مدت له يدها وتابعت: الرواية
بدت كطفلة شقية تطلب من أبيها الجائزة الكبرى التي وعدها بها فابتسم عماد لا إرادياً متناسياً الغيرة التي كانت تتأكله منذ لحظات فأعطاها ما بيده ثم تحدث بجدية
- أول مرة أطبع كتابي قبل المعرض بتلات شهور، بس قولت تقرأي من الكتاب أفضل علشان عيونكِ ما يتعبوش
- ميرسي، هسهر عليها النهارده وبكرة هقولك رأيي
- ينفع أكلمك قبل ما أنام؟
أخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها واصطنعت التفكير العميق فخفق قلبه لشعوره الشديد بالانجذاب نحوها ورغبته في البقاء معها إلى ما لا نهاية، لكنه فاق من شروده بطفولتها حينما أجابته بمرح طفولي
- موافقة، باي
لم تنتظر رده ودلفت مُسرعة إلى الداخل فتابعها بعينيه حتى حال الحائط بينهما وردد بخفوت
- باي
دلف إلى الداخل والسعادة تغمره فقد وجد المرأة للتي استطاعت هزم ماضيه وملأ حياته البائسة لكن شعوره لم يدوم طويلاً حيث طاردته الأفكار وبدأ يترنح يميناً ويساراً كمن شرب الخمر لأيام وأيام فوضع رأسه بين كفيه وتمتم
- كفاية كفاية
لم يكن رجائه كافياً فبدأ صوت ما يجول في رأسه مردداً وبقوة: هتخونك
فتح عينيه أو بالأحرى جحظت عينيه وركض مُسرعاً إلى العلبة الموضوعة إلى جوار فراشه ثم التقطها على الفور وتناول دوائه فهدأ قليلاً واستسلم إلى النوم خلال لحظات قليلة وهو يردد بوهن
- بلاش تطلعي زيهم، خليكي جمبي
احتضن جسده كطفل صغير يحتاج إلى الأمان ثم توقف عن الكلام ونام والسكينة تملأ قلبه
****
بالمشفى...
غادرت جوري غرفة والدتها ثم اقتربت من أدم وجلست إلى جواره واضعة رأسها على كتفه فعلم أن الحزن الكائن بداخلها عميق وقرر تغيير الواقع
- ماما لسه قدامها ساعتين ونمشي، إيه رأيك ننزل وكده كده طمطم معاها
- هنروح فين؟
- محتاج أجيب هدوم للدور بتاعي في المسرحية وأكيد هتختاري ليا هدوم حلوة، قولتي إيه؟
حركت رأسها بالموافقة ثم تحدثت مازحة: وتكتب أسمي على التتر وأبقى الأستايلست بتاعك
ضربها بخفة على رأسها وهتف: موافق يا ظريفة بس الكلام ده لما أبقى بطل في فيلم أو مسلسل، مش حته كومبارس على خشبة المسرح
- بكرة هتكون نجم جيل بحاله ومعجباتك طوابير، أوعى أنت بس تنساني و
بترت كلمتها عندما رفع أحد حاجبيه بتوعد فابتسمت وتابعت: بقول نقوم نشتري الهدوم
- قدامي يا لمضه، قال أنساكي قال، أنا أنسى روحي وأنتي لا
غمز لها بمشاكسة ثم وقف عن مقعده فوقفت هي الأخرى ومضت برفقته إلى مركز تجاري ضخم وبدأت بالفعل تنتقي له ملابس أظهرت وسامته بوضوح
****
بالفندق...
اتنهت فاتن من حزم حقائبها ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة فاستقبلها هشام بعقد من الألماس ثم اقترب منها وألبسها إياه لكنه لم يبتعد بل طبع قبلة على كتفها وهمس
- رح أشتاجلك
- وأنا
قالتها بنبرة صوت صادقة لكنها لم تكن تقصده بل تقصد الهدايا والمبالغ المالية الطائلة التي حصلت عليها خلال أسبوعاً واحداً، فأدارها إليه قائلاً
- خلينا نمدد العقد
- حقيقي مش هقدر
- يبقى أمت ما بدك أتصلي وبچيكي
- عيوني
قالتها بدلال جعله يلتهم شفتيها فبادلته قبلاته وهي على وشك الاختناق ثم ابتعدت عنه بصعوبة فطلقها كما إتفق معها لتشعر بالحرية من جديد، وخلال لحظات قليلة غادرت الجناح واستقلت سيارتها ثم انطلقت وهي تردد
- وأخيراً خلصت منه
****
في العاشرة والنصف مساءاً عادت أحلام إلى المنزل وبقت جوري جالسة إلى جوارها فجلست لمياء معها حتى الحادية عشر والنصف ثم عادت إلى غرفتها لتُكمل قراءة الرواية... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى صدح صوت رنين هاتفها فتسارعت نبضاتها لمجرد ظهور أسمه على شاشة الهاتف، ومع ذلك تنفست بعمق وأجابت بثبات
- السلام عليكم
- عليكم السلام، خلصتي ولا؟
- فاضلي ٥٠ صفحة بس، وحقيقي الرواية تحفففة هموت وأعرف مين القاتل
- بعد الشر عليكي
ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها، شعرت بهروب الكلمات فصاد الصمت للحظات قطعها حينما تابع
- هو أنا بضايقك بوجودي؟
- لا خالص
شعر عماد بالربيع يعود إليه من جديد بعد سنوات الخريف التي عاشها ومع ذلك لم يرغب في إظهار مشاعره أكثر فقرر تغيير مجرى الحديث قائلاً
- إيه رأيك بكرة نمضي عقد كتابك وأبدأ شغل فيه؟
- بجد؟
حرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها وأجابها بجدية: أكيد بجد
- موافقة، بس كنت عايزه أقول لحضرتك على حاجة
- حضرتك؟!!
هكذا تمتم في نفسه بغيظ ثم هتف مازحاً: قولي لحضرتي حاجة
فهمت لمياء ما يرمي إليه فابتسمت وقالت: أنا كنت بكتب قصص قصيرة قبل الخواطر، لو ينفع نطبعهم بدل الخواطر حقيقي نفسي يخرجوا للنور و
قاطعها قائلاً: هقرأهم ولو عجبوني هطبعلك الأتنين
أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتوقع عماد هيئتها وتابع
- قدامك دقيقتين والقصص تكون عندي، بدل ما أغير رأيي
- بجد ميرسي ميرسي ميرسي، أنا ممكن أطبع الخواطر والقصص على حسابي بس يكونوا من الدار لأنه شرف ليا بجد أبدأ مع أسم زي حضرتك
- يادي حضرتك
تمتم في نفسه مرة أخرى ثم اتجه صوب الشرفة ووقف في انتظارها فاقتربت منه وسلمته الأوراق الخاصة بها فأخذهم ثم تحدث إليها عبر الهاتف وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها
- الدار بتتكفل بكل مصاريف النشر، سمعاني ياللي لسه على الخط؟
اتسعت ابتسامتها على مشاكسته لها فأبعدت الهاتف عن أذنها ثم أنهت المكالمة وأجابته
- سمعاك
- نسيتي تقولي حضرتك على فكرة
علمت جيداً أنه يشاكسها فقالت بجدية مصطنعة: هدخل بقى أكمل قراءة كتاب حضرتك
- وأنا هدخل حالاً أقرأ قصص حضرتكِ
ازدادت ابتسامتها إتساعاً فجنونه لا يتوقف أبداً، فبادلها بأخرى ثم ودعها ودلف إلى الداخل شوقاً لقراءة أفكارها والبناء الدرامي والحبكة الخاصة بها
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف