سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, July 23, 2019

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث عشر - بقلمي منى سليمان  

* قصص قصيرة * 

لحق عماد بطبيبته الغاضبة لكنها اصطنعت عدم الاهتمام وأجرت اتصالاً هاتفياً بسائقها لتعلم منه سبب اختفائه فأحبرها أنه ذهب إلى أقرب محطة بنزين لتزويد الإطارات بالهواء وسيعود خلال دقائق قليلة فأنهت المكالمة ووقفت في انتظاره ضاربة عرض الحائط بنظرات عماد المصوبة نحوها فاقترب منها وهتف بدون سابق 

- هتفضلي مخصماني كده كتير؟ 

عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بنبرة صوت تحمل الغضب والغيط بطياتها

- أنا مش مخاصمة حد

كاد أن يبتسم على طريقتها الطفولية عند الغضب لكنه لم يرغب في زيادته فأسر ابتسامته وقال بجدية مصطنعة

- بلاش مخصماني، نقول زعلانة مني
- مش زعلانة من حد

رددت كلماتها دون أن تنظر إليه وهي مازالت تعقد ذراعيها أمام صدرها لكن تلك المرة عقدت بين حاجبيها أيضاً فتنحنح قائلاً 

- أنا عارف أني سريع الغصب بس ده طبع فيا يمكن مع الوقت أغيره، ومع ذلك مش بعترف بغلطي ولا عمري اعتذرت لحد زعلته وقت غضبي غيرك أنتي، عارفه ليه؟ 

كان قلبها يخفق بسرعة جنونية مع كل كلمة من كلماته، وما أن وصل سؤاله إلى مسامعها حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فنظر مُباشرةً إلى عينيها  تابع بصوت دافئ

- علشان أنتي بالنسبالي مش أي حد 

نست غضبها تماماً وارتسمت ابتسامة أسرة للقلوب لتزين وجهها قبل شفتيها فشعر عماد بالسعادة لرؤية البريق المنبعث من عينيها فكانت كسهام العشق التي تخترق القلب بدون سابق إنذار، وبقى يطالعها في صمت حتى صدح صوت رنين هاتفها فأجابت على الفور

- جيت؟ 
- أنا واقف عند الباب الرئيسي 
- تمام لحظة وجايه

أنهت المكالمة ثم نظرت إلى عماد وأردفت برقة: السواق جه ولازم أمشي، باي

ابتعدت على عُجالة بعد أن لوحت بيدها مودعة فتابعها بعينيه وبداخله شعوراً جديداً لم يتذوق نكهته يوماً، وبمجرد أن اختفت تماماً عن نظره، وضع نظارته الشمسية واتجه نحو سيارته ثم انطلق إلى الدار ليباشر عمله الذي تعطل لعدة أيام

****


في ذات اللحظة أوقف أدم سيارته على مقربة من المشفى فاندهشت جوري بشدة وتساءلت

- وقفت ليه؟ 
- النهارده أول جرعة لماما أحلام، وأول مرة هتشوفيها تعبانه هتقدري تستحملي ولا 

قاطعته قائلة: هستحمل يا أدم ومهما شوفتها تعبانة مستحيل أبكي هي محتاجة لينا علشان نقويها مش نضعفها

رفع أدم أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق ما قالته فالجالسة إلى جواره فتاة ناضجة قوية وغير قابلة للكسر، في حين يراها دائماً طفلة رقيقة بجسد فتاة كبيرة تحتاج دائماً إلى من يرعاها ويحميها، فاندهشت من جديد من شروده وسكونه وسألته ببراءة

- بتبصلي كده ليه؟ 
- فرحان بيكي وبقوتك

غمز لها بمشاكسة وتابع: عقبال ما تبطلي خجل

- أنت قليل الأدب أوووي

قالتها بطريقة تمثيلية جعلت ابتسامته ترتسم لا إرادياً فاصطنعت الغضب وأردفت بحزم

- أتفضل وصلني 
- تمام يا فندم

أدارمحرك السيارة وانطلق من جديد إلى أن وصل أمام المشفى فترجلت جوري وسبقته إلى الداخل واستقبلت المصعد إلى الطابق الرابع حيث تتلقى والدتها أولى جرعات علاجها، وما أن وصلت إلى وجهتها وغادرت المصعد وجدت الطبيب الشاب الذي قابلته منذ عدة أيام يقف على مقربة منها فاصطنعت عدم الاهتمام وأكملت طريقها إلا أنه استوقفها قائلاً 

- خير، راجعة المستشفى ليه؟ 
- ماما بتاخد أول جرعة، بعد إذنك

همت أن تبتعد لكنه سبقها وقال: ما تقلقيش هتبقى كويسة

- أنا مش قلقانه لأني بثق في ربنا و

بترت كلمتها عندما توقف المصعد وخرج أدم منه فتسارعت نبضات قلبها خوفاً من رد فعله ولم تمض سوى لحظة واحدة حتى استقر أدم إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه ثم سألها بهدوء مصطنع

- في حاجة يا قلبي؟ 

تضاربت المشاعر بداخلها بين الخوف من هدوء أدم والسعادة لوجوده إلى جوارها ليخلصها من الكائن الواقف أمامها فاستجمعت ربلط جأشها وأجابته برقة

- لا يا حبيبي مفيش حاجة، الدكتور افتكر ماما تعبانه وبيسأل عليها

رفع أدم رأسه قليلاً ورمق الطبيب بنظرة غيظ ومع ذلك ردد بهدوء: طيب مش هنعطلك عن شغلك وشكراً على سؤالك

- العفو، بعد إذنكم

قالها الطبيب باقتضاب ثم ابتعد مُسرعاً بعد أن فهم الرسالة جيداً فعضت جوري على شفاها السفلى وتساءلت

- زعلان مني؟ 
- لا

كانت إجابته قصيرة لدرجة أكدت لها الغضب المتملك من حبيبها الذي يغار عليها من نسمات الهواء فقالت

- هو اللي جه يتلزق فيا وكنت لسه هديله على دماغه

تغلبت طريقتها الطفولية في الحديث على غيرته فابتسم وردد مازحاً 

- ماشي يا شرس، قدامي نشوف لولي وطمطم فين

مضت معه والسعادة تسري بداخلها فللمرة الثانية يتغلب على غضبه ولا يعنفها كعادته خوفاً من فقدانها فتنهدت براحة وتمتمت بخفوت

- يارب يفضل سندي العمر كله

***

بالفندق...
كانت فاتن تتناول طعام الغداء برفقة هشام الذي كان يأكل بنهم مثير للاشمئزاز فتوقفت فجأة عن الأكل وقالت

- أنا شبعت هقوم أجهز شنطتي وأنام شوية
- ما أكلتي
- مش جعانه

وقفت عن مقعدها وهمت أن تبتعد فوقف هشام عن مقعده وتأملها بوقاحة جعلتها تفهم ما يرمي إليه فسبقته وأردفت

- أبو عبد الرحمن أنا جسمي كله مكسر وحقيقي مش هستحمل
- ما ضل غير اليوم خلينا نستمتع
- لما أنام وأصحى يبقى ربنا يحلها 

تركته ودلفت إلى الغرفة ثم أراحت جسدها على الفراش فلحق بها على الفور وجلس إلى جوارها على حافة الفراش وهتف

- شو رأيك نمدد العقد أسبوع كمان؟ 

كتمت شهقاتها بصعوبة فقد كانت تعد الأيام لتتخلص منه لكنها رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته بثبات

- مش هيتفع، عندي شغل لشهرين قدام
- خسارة 
- ما تزعلش لما أصحى هبقى أودعك وداع عمرك ما تنساه

لمعت عينيه فزفرت فاتن بحرقة بعد أن خبأت وجهها بالوسادة ثم تمتمت في نفسها

- الله يهدك، أسبوع ده أنا حاسه الكام ساعة الفاضلين هيمروا سنين

***

في ذات الوقت كانت سهيلة تحتسي أكواب الخمر بجنون فذهب عقلها بلا رجعة وبدأت تترنح بالرغم من حلوسها، أشعلت إحدى سجائرها وبدأت تتفس دخلنها وهي تتناول الكوب ثم ألقت به على الأرض فتهشم إلى قطع صغيرة لكنها لم تهتم ورددت بحرقة

- كده يا محسن، ده أنا عمري ما حبيت فريد قد ما حبيتك

حملت زجاجة الخمر وبدأت تشرب بطريقة هسترية حتى تناولتها بالكامل ثم وضعتها على المنضدة وحملت سيجارتها وتركت مقعدها وخلال لحظات قليلة تناولت هاتفها واتصلت بمحسن الذي كان يساعد زوجته لإعداد طعام الغداء ليُدللها ويُنسيها ما فعله، لكنه ما أن صدح صوت رنين هاتفه تبدلت ملامحه فعلمت زوجته هوية المتصل أو بالأحرى المتصلة قبل أن ترى ذلك فقالت بثبات

- رد عليها يمكن عايزه حاجة
- فرح أنا

قاطعته قائلة: عادي يا محسن رد عليها، خلينا نقفل الصفحة بكل اللي فيها

زاد إعجاب محسن برقي تفكير زوجته فأجاب المكالمة قائلاً: نعم يا سهيلة، في إيه؟ 

- طلقتني ليه؟ ده أنا بحبك
- سهيلة من فضلك ما تتصليش بيا تاني، جوازنا كان غلطة وأتصلحت
- غلطة؟!! حبي ليك وجوازنا غلطة

كانت تتحدث بطريقة مريبة جعلت محسن يشك في تناولها للخمر فتحدث بحدة وصوت عالِ جعل جسد فرح ينتفض

- أنتي سكرانه وجايه تخربي بيتي تاني، أخر مرة تتصلي ولو ما فهمتيش ده بالذوق هضطر أفهمه ليكي بالعافية

لم ينتظر ردها وأنهى المكالمة ثم نظر إلى زوجته ليعتذر منها فتفاجأ بنظرة الهلع الساكنة داخل مقلتيها 

- مالك يا عمري؟ 
- أول مرة أشوفك عصبي كده

اقترب منها وجذبها إلى صدره ثم طوقها بذراعيه وضمها بكل الحنان الكائن بداخله فتمسكت به وسكنت كذلك بين أحضانه، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها حينما قال

- أسف لو خوفتك، بس أنا غلطت مرة ومستحيل أغلط تاني لأني بحبك ومقدرش أخسرك
- بجد يا محسن؟ 
- بجد يا قلب محسن

شعر بسعادتها عندما شددت في احتضانه فعلم أنها تريد الاختباء بداخله، أما على الطرف الأخر انتابت سهيلة حالة هسترية وبدأت في تكسير كل ما يقابلها ثم جلست على الأرض تبكي لشعورها بالحنين للمساته وللدفء الذي كانت تشعر به وهي بين أحضانه ولكن هيهات فقط حفرت الحفرة لغيرها وسقطت هي في بركان الشر خاصتها

****

في الرابعة عصراً شعر عماد بالملل والإرهاق فقرر العودة إلى المنزل للحصول على قسط من الراحة وخلال دقائق ليست بالقليلة وصل إلى وجهته فخفق قلبه بطريقة لم يعتادها من قبل عندما رفع بصره لأعلى ورآها تقف بالشرفة... دلف مُسرعاً إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته ثم ركض إلى غرفته متناسياً تعبه، لكن سعادته لم تكتمل فقد سبقته وعادت إلى الداخل فزفر بضيق وحل رابطة عنقه ثم جلس على أحد المقاعد وأخرج هاتفه بعد أن قرر مراسلتها

(نمتي) 

قرأتها وابتسمت لكنها تردد في الرد ففاجئها برسالة جديدة

(كنت عايز أديكي روايتي لو لسه عايزه تقرأيها) 
(أكييييييييد عايزه أقرأها) 

أرسلتها على الفور فشعر براحة تغمره وأرسل 

(مستنيكي في البلكونة) 

تركت فراشها على الفور ودلفت إلى الشرفة ثم تقدمت منه وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالخجل، وقبل أن تصل إلى نهاية الشرفة وقفت لتلتقط أنفاسها وتُهدى التوتر الذي تملكها ثم أكملت خطواتها لتجده بالفعل يقف في انتظارها فقالت برقة 

- مساء الخير
- مساء النور، عامله إيه؟ 
- كويسه، وأنت أيدك عامله إيه دلوقتي؟ 

تنهد براحة وأجابها: هفك الخياطة بكرة

- أبقى خد بالك بعد كده
- حاضر

قالها بنبرة صوت دافئة لم يعتادها من قبل فارتبكت من جديد وتحدثت بصوت مرتعش

- ف فين الرواية؟ 
- لحظة هجبها من جوه، النهارده استلمت أول طبعة

ابتسمت له فبادلها بأخرى ثم تركها ودلف إلى الداخل وخلال دقائق قليلة عاد إليها ووجدها تتحدث إلى سعد فشعر بقليل من الغضب ومع ذلك جاهد بشتى الطرق أن يخبئ ذلك حتى لا يُغضبها مرة أخرى، ولم تمض سوى دقائق قيلة حتى أنهت المكالمة فقال بغيظ ملحوظ 

- واضح أنتي وهو قريبين أوي من بعض، طول المكالمة ضحك وهزار

شعرت لمياء بالرضا لاستشعارها الغيرة المصاحبة لصوته فقد تعمدت الضحك والمزاح حتى ترى رد فعله وبالنهاية نالت ما تمنت فأجابته بتلقائية 

- سعد أخويا وصحبي وأوقات بحسه أبويا، طبعه زي طبع بابا بالظبط وطول عمره بيخاف عليا من الهواء و

قاطعها قائلاً بغيظ: ربنا يخليكم لبعض

- يارب

قالتها بصعوبة وهي تأسر ابتسامتها ثم مدت له يدها وتابعت: الرواية 

بدت كطفلة شقية تطلب من أبيها الجائزة الكبرى التي وعدها بها فابتسم عماد لا إرادياً متناسياً الغيرة التي كانت تتأكله منذ لحظات فأعطاها ما بيده ثم تحدث بجدية 

- أول مرة أطبع كتابي قبل المعرض بتلات شهور، بس قولت تقرأي من الكتاب أفضل علشان عيونكِ ما يتعبوش 
- ميرسي، هسهر عليها النهارده وبكرة هقولك رأيي
- ينفع أكلمك قبل ما أنام؟ 

أخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها واصطنعت التفكير العميق فخفق قلبه لشعوره الشديد بالانجذاب نحوها ورغبته في البقاء معها إلى ما لا نهاية، لكنه فاق من شروده بطفولتها حينما أجابته بمرح طفولي

- موافقة، باي

لم تنتظر رده ودلفت مُسرعة إلى الداخل فتابعها بعينيه حتى حال الحائط بينهما وردد بخفوت

- باي 

دلف إلى الداخل والسعادة تغمره فقد وجد المرأة للتي استطاعت هزم ماضيه وملأ حياته البائسة لكن شعوره لم يدوم طويلاً حيث طاردته الأفكار وبدأ يترنح يميناً ويساراً كمن شرب الخمر لأيام وأيام فوضع رأسه بين كفيه وتمتم 

- كفاية كفاية

لم يكن رجائه كافياً فبدأ صوت ما يجول في رأسه مردداً وبقوة: هتخونك 

فتح عينيه أو بالأحرى جحظت عينيه وركض مُسرعاً إلى العلبة الموضوعة إلى جوار فراشه ثم التقطها على الفور وتناول دوائه فهدأ قليلاً واستسلم إلى النوم خلال لحظات قليلة وهو يردد بوهن

- بلاش تطلعي زيهم، خليكي جمبي

احتضن جسده كطفل صغير يحتاج إلى الأمان ثم توقف عن الكلام ونام والسكينة تملأ قلبه

****

بالمشفى... 
غادرت جوري غرفة والدتها ثم اقتربت من أدم وجلست إلى جواره واضعة رأسها على كتفه فعلم أن الحزن الكائن بداخلها عميق وقرر تغيير الواقع 

- ماما لسه قدامها ساعتين ونمشي، إيه رأيك ننزل وكده كده طمطم معاها
- هنروح فين؟ 
- محتاج أجيب هدوم للدور بتاعي في المسرحية وأكيد هتختاري ليا هدوم حلوة، قولتي إيه؟ 

حركت رأسها بالموافقة ثم تحدثت مازحة: وتكتب أسمي على التتر وأبقى الأستايلست بتاعك

ضربها بخفة على رأسها وهتف: موافق يا ظريفة بس الكلام ده لما أبقى بطل في فيلم أو مسلسل، مش حته كومبارس على خشبة المسرح

- بكرة هتكون نجم جيل بحاله ومعجباتك طوابير، أوعى أنت بس تنساني و

بترت كلمتها عندما رفع أحد حاجبيه بتوعد فابتسمت وتابعت: بقول نقوم نشتري الهدوم

- قدامي يا لمضه، قال أنساكي قال، أنا أنسى روحي وأنتي لا

غمز لها بمشاكسة ثم وقف عن مقعده فوقفت هي الأخرى ومضت برفقته إلى مركز تجاري ضخم وبدأت بالفعل تنتقي له ملابس أظهرت وسامته بوضوح

****

بالفندق... 
اتنهت فاتن من حزم حقائبها ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة فاستقبلها هشام بعقد من الألماس ثم اقترب منها وألبسها إياه لكنه لم يبتعد بل طبع قبلة على كتفها وهمس

- رح أشتاجلك
- وأنا

قالتها بنبرة صوت صادقة لكنها لم تكن تقصده بل تقصد الهدايا والمبالغ المالية الطائلة التي حصلت عليها خلال أسبوعاً واحداً، فأدارها إليه قائلاً 

- خلينا نمدد العقد
- حقيقي مش هقدر
- يبقى أمت ما بدك أتصلي وبچيكي
- عيوني

قالتها بدلال جعله يلتهم شفتيها فبادلته قبلاته وهي على وشك الاختناق ثم ابتعدت عنه بصعوبة فطلقها كما إتفق معها لتشعر بالحرية من جديد، وخلال لحظات قليلة غادرت الجناح واستقلت سيارتها ثم انطلقت وهي تردد

- وأخيراً خلصت منه

****

في العاشرة والنصف مساءاً عادت أحلام إلى المنزل وبقت جوري جالسة إلى جوارها فجلست لمياء معها حتى الحادية عشر والنصف ثم عادت إلى غرفتها لتُكمل قراءة الرواية... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى صدح صوت رنين هاتفها فتسارعت نبضاتها لمجرد ظهور أسمه على شاشة الهاتف، ومع ذلك تنفست بعمق وأجابت بثبات

- السلام عليكم
- عليكم السلام، خلصتي ولا؟ 
- فاضلي ٥٠ صفحة بس، وحقيقي الرواية تحفففة هموت وأعرف مين القاتل
- بعد الشر عليكي

ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها، شعرت بهروب الكلمات فصاد الصمت للحظات قطعها حينما تابع

- هو أنا بضايقك بوجودي؟  
- لا خالص

شعر عماد بالربيع يعود إليه من جديد بعد سنوات الخريف التي عاشها ومع ذلك لم يرغب في إظهار مشاعره أكثر فقرر تغيير مجرى الحديث قائلاً 

- إيه رأيك بكرة نمضي عقد كتابك وأبدأ شغل فيه؟ 
- بجد؟ 

حرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها وأجابها بجدية: أكيد بجد

- موافقة، بس كنت عايزه أقول لحضرتك على حاجة
- حضرتك؟!! 

هكذا تمتم في نفسه بغيظ ثم هتف مازحاً: قولي لحضرتي حاجة

فهمت لمياء ما يرمي إليه فابتسمت وقالت: أنا كنت بكتب قصص قصيرة قبل الخواطر، لو ينفع نطبعهم بدل الخواطر حقيقي نفسي يخرجوا للنور و

قاطعها قائلاً: هقرأهم ولو عجبوني هطبعلك الأتنين

أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتوقع عماد هيئتها وتابع 

- قدامك دقيقتين والقصص تكون عندي، بدل ما أغير رأيي
- بجد ميرسي ميرسي ميرسي، أنا ممكن أطبع الخواطر والقصص على حسابي بس يكونوا من الدار لأنه شرف ليا بجد أبدأ مع أسم زي حضرتك
- يادي حضرتك

تمتم في نفسه مرة أخرى ثم اتجه صوب الشرفة ووقف في انتظارها فاقتربت منه وسلمته الأوراق الخاصة بها فأخذهم ثم تحدث إليها عبر الهاتف وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- الدار بتتكفل بكل مصاريف النشر، سمعاني ياللي لسه على الخط؟ 

اتسعت ابتسامتها على مشاكسته لها فأبعدت الهاتف عن أذنها ثم أنهت المكالمة وأجابته

- سمعاك
- نسيتي تقولي حضرتك على فكرة

علمت جيداً أنه يشاكسها فقالت بجدية مصطنعة: هدخل بقى أكمل قراءة كتاب حضرتك

- وأنا هدخل حالاً أقرأ قصص حضرتكِ

ازدادت ابتسامتها إتساعاً فجنونه لا يتوقف أبداً، فبادلها بأخرى ثم ودعها ودلف إلى الداخل شوقاً لقراءة أفكارها والبناء الدرامي والحبكة الخاصة بها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني عشر - بقلمي منى سليمان  

* راحة قلب *   

وقف عماد عن مقعده ليغادر لكن أحمد لم يسمح بذلك وأصر عليه للبقاء كما طلب منه تناول طعام الغداء برفقتهم فوجدها فرصة مناسبة للبقاء بالقرب من لمياء لأطول وقت ممكن، فترك أحمد مقعده على الفور وطلب من زوجته البدأ في تجهيز السفرة ثم اتجه صوب غرفة لمياء وطلب منها مساعدة والدتها فتضاربت المشاعر بداخلها بين السعادة لبقائه والغضب من مشاعرها المنجرفة بشدة تجاهه وبالنهاية قررت تنفيذ رغبة والدها فتركت غرفتها على الفور واتجهت إلى المطبخ

***

في ذات اللحظة كانت جوري تسير إلى جوار أدم بالقرب من كورنيش النيل لكنه لاحظ سكونها الذي لم يعتاده من قبل فانتظر حتى وصل أمام أحد المقاعد العامة المطلة على نهر النيل ثم توقف وطلب منها الجلوس قليلاً فنفذت رغبته وجلست إلى جواره فتساءل

- مالك يا عمري؟ 

أدارت وجهها إليه وابتسامة خفيفة ترتسم على شفتيها ثم أجابته: مفيش حاجة 

كانت إجابتها كفيلة بتأكيد الشك الكائن بداخله بأن هناك أمراً تخبئه عنه فهتف بصوت دافئ

- في حاجة شغلاكي عني، إيه هي؟ 

تنهدت بحرقة ثم عادت لتنظر إلى مياه النيل وقصت عليه الحوار الذي دار بينها وبين فاطمة صباحاً فاندهش بشدة وكاد أن يتحدث إلا أنها سبقته وتساءلت بنبرة صوت كساها الألم

- هو أنت ممكن في يوم تحب واحدة غيري وتبعد عني؟ 

شعر بغصة في قلبه حينما رأى تلألأ الدموع داخل مقلتيها فقرر تلطيف الأجواء قائلاً 

- طيب أروح أخنق أمي ولا أغزها بمطواة؟! 

ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة سرعان ما تلاشت وهتفت والدموع تتساقط بغزارة على وجنتيها

- لما طمطم قالت كده قولتلها مستحيل يبص لغيري حتى لو قدامه ألف واحدة لأني وحدي ملكة قلبه، صح ولا ممكن في يوم تتشهر وتروح لغيري و

قاطعها قائلاً بحنان بعد أن احتضن كفها بكفه: أطمني قلبي وعمري كله ليكي وبس، ووقت ما أحقق حلمي هشاور عليكي للكل وأقول دي حبيبتي

- بجد يا أدم؟ 
- بجد يا عيون أدم

غمز لها بمشاكسة وأردف: بقول تعالي نتمشى ونرجع المستشفى قبل ما أتهور وتزعلي

- أنت قليل الأدب

قالتها ببراءة وهي تزيل أثار الدموع عن وجنتيها فضحك بجنون وهو يردد: عارف

***

على مائدة الطعام اختلس عماد النظر إلى لمياء كلما سمحت له الفرصة لكنها لم تبادله أي من نظراته ولم ترفع رأسها كذلك عن الطبق فشعر عماد برغبة ملحة في سماع صوتها العذب وقرر كسر الصمت فنظر إلى أحمد وهتف

- عمي كان في موضوع عايز أكلم حضرتك فيه
- اتفضل يا ابني
- الموضوع خاص بكتاب الخواطر الخاص بالدكتورة

رفعت لمياء رأسها لا إرادياً فتقابلت عينيها بعينيه إلا أنه اصطنع عدم الاهتمام وتابع حديثه

- أنا بأمر الله خلال أيام أو أسبوع بالكتير هرجع أتابع شغلي وكنت عايز الموافقة من حضرتك

شرعت لمياء أن تعترض وتخبره بالعدول عن رأيها، لكن سبقها والدها كالعادة وهتف

- أنا موافق وتقدر تتصرف على الأساس ده

أسر عماد ابتسامته بصعوبة ووجه نظراته صوب لمياء التي كانت على وشك الانفجار ومع ذلك رسم الجدية على وجهه وأردف

- مبروك يا دكتورة
- الله يبارك في حضرتك

قالتها بغيظ مكتوم ثم وقفت عن مقعدها وتابعت: أنا شبعت ولازم أمشي، عندي سيكشن مسائي

- خدي بالك من نفسك يا قلبي
- حاضر يا بابا

لم تودع عماد ولو بنظرة وحملت حقيبتها والكتب خاصتها ثم غادرت على عُجالة فشعر بألم حاد يعتصر قلبه، فكيف تعامله بتلك الطريقة الجافة وهو انتظر سنوات وسنوات حتى وجد امرأة تزلزل كيانه وتتخلل شراينه... بقى شارداً لعدة دقائق ثم عاد إلى أرض الواقع فوقف عن مقعده وأخبر أحمد برغبته في الحصول على قسط من الراحة فسمح له أحمد بالمغادرة، وخلال دقائق قليلة عاد إلى شقته واتجه مُباشرةً نحوم غرفة نومه وحاول الاتصال بها، لكنه وجد هاتفها مغلقاً فألقى بالهاتف إلى جواره ثم وقف عن الفراش واقترب من المرآة وشرار الغضب يتطاير من عينيه فطالبه صوت بالانتقام منها وأخر بفعل المستحيل حتى يراضيها وبالنهاية وضع رأسه بين كفيه وأخذ يدور حول نفسه وهو يتمتم بحدة

- كفاية، كفاية، كفاااااية

***

بمكان أخر... 
أوقف سيارته أمام عقار فخم بمنطقة راقية ثم ترجل منها ودلف مُسرعاً إلى الداخل ضارباً عرض الحائط بنظرات الجميع المصوبة نحوه... استقل المصعد إلى الطابق السابع ثم اتجه إلى شقة والديها وطرق بابها بحدة فانتفض والدها عن مقعده وأسرع بفتح الباب فدلف محسن وهو يتساءل 

- فين فرح؟ 

رمقته والدة فرح بنظرة اشمئزار وبادلت سؤاله بسؤال: أنت جاي هنا تعمل إيه؟ 

- جاي لمراتي وأولادي و

قاطعه والد فرح قائلاً: أولادك تقدر تشوفهم وقت ما يعجبك، لكن فرح هتطلقها برضاك أو هترفع عليك قضية طلاق للضرر واعتقد فضايحك وصورك مع العروسة الجديدة كفيلة بتأكيد الضرر النفسي اللي هي عيشاه

اقترب محسن منه وتحدث بصوت أقرب إلى الرجاء: أنا هعملها اللي هي عايزاه بس تديني فرصة أتكلم معاها

- تتكلم!!! 

قالتها والدة فرح باندهاش ثم تابعت: دلوقتي عايز تتكلم، مجتش ليه تقولها عايز أتجوز وحقها تقبل تكمل معاك أو لا

- غلطت بس عرفت غلطتي متأخر ودلوقتي عايز أصلح اللي أقدر عليه
- اللي اتكسر يا ابني عمره ما يتصلح، بنتي من يوم ما دخلت بيتك صاينه شرفك وعرضك وشيلالك من على الأرض شيل
- عارف يا عمي، بس أنا كل اللي عملته أني اتجوزت على سنة الله ورسوله وده لا عيب ولا حرام 

شعرت والدة فرح برغبة ملحة في الفتك به ومع ذلك تمسكت بهدوئها في حضرة زوجها وقالت 

- حلال ربنا قالك اتجوز في السر وأكدب، تقولها رايح شغل وأنت مسافر شهر العسل، صحيح اللي اختشوا ماتوا

حنى محسن رأسه فقد كان يشعر بندم لم يختبره يوماً، كم تمنى أن يعود الزمن إلى الوراء ليُصلح ما أفسده لكن أمنيته كانت بعيدة المنال وظل على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها والد فرح عندما هتف

- روح يا ابني الله يسهلك، ووقت ما تحب تشوف ولادك كلمني وياريت النهارده تبعتلها ورقة طلاقها وألف مبروك على الجواز
- يا عمي أرجوك أديني فرصة أشوفها وأتكلم معاها
- طلبك مرفوض يا ابني، ربنا يسهلك ويكفينا شرك ويكفيك شر الحية اللي سرقتك من نفسك وخلتك تخرب بيتك بأيدك

لم تكن كلمات والد فرح كافية لجعل محسن يفقد الأمل في رؤية زوجته فبدأ ينادي بأسمها بأعلى طبقات صوته وفشلت جميع محاولات والدها في إسكاته فركض ولديه إليه وهما يشعران بالخوف، فضمهما محسن إلى صدره وهو يردد

- ما تخافوش يا حبايبي مفيش حاجة، كلها نص ساعة ونرجع بيتنا و

بتر محسن كلماته حينما اقتربت منه فرح كالإعصار واختطفت ولديه من بين أحضانه ثم تراجعت خطوات قليلة إلى الوراء وهتفت وهي توجه كلماتها إلى محمود ومصطفى 

- أنا قولت تفضلوا في الأوضة، من أمتى بتكسروا كلمتي؟! 
- بابا كان واحشني
- وأنا كمان با

قاطعته قائلة: ولا كلمة زيادة، على أواضكم

نفذا ما قالته فرح بالرغم من تعلق أعينهم بعينيّ والدهم، فانتظر محسن حتى تأكد من ابتعاد محمود ومصطفى واقترب من فرح قائلاً 

- أرجوكِ اسمعيني وبعدها هعملك اللي أنتي عايزاه

زفرت فرح بضيق وشرعت أن تعنفه لكنه سبقها وأردف: أرجوكِ يا فرح، وحياة ولادنا أديني فرصة

كانت نبرة صوته تحمل الذل والانكسار بطياتها ومع ذلك لم تشعر فرح بالشفقة عليه، فقط قررت سماعه لتتخلص منه الآن وإلى الأبد فأشارت إليه بالجلوس ثم جلست على المقعد المقابل له واضعة قدم فوق الأخرى فتنحنح قائلاً 

- أنا عارف أني غلطت لما اتجوزت ولما خبيت عليكي، بس صدقيني خوفت أخسرك أنا بحبك يا فرح

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، انفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها فاندهش محسن بشدة وسألها

- إيه في كلامي ضحكك أوي كده؟ 

أجابته وهي مازالت تضحك بطريقة هسترية: بتحبني واتجوزت عليا لا وأعرف من الجرايد وأشوف صورك الرومانسية، أمال لو بتكرهني كنت عملت إيه

استمرت في الضحك كمن ذهب عقله بلا رجعة فشعر محسن بغصة في قلبه وترك مقعده على الفور ثم ثنى ركبتيه وجلس راكعاً أمامها فتابعت بصوت غلبه الجنون

- ما تضحك يا محسن، أنت ما بتضحكش ليه؟ 
- كفاية يا فرح أبوس أيدك، أنا بموت ألف مرة في الدقيقة وأنا شايفك كده

توقفت فجأةً عن الضحك وشرعت في البكاء حتى أن دموعها تساقطت على يديه ووجهه فقال بدون تردد أو تفكير

- أرجوكِ ما تعيطيش وأنا هعملك اللي أنتي عايزاه، حتى لو طلبتي مني أني أطلقها
- مبقاش فارق تطلقها ولا لا، أنا خلاص مش عايزاك ولو سمحت طلقني

أمسك كفيها بين كفيه ورفع واحد تلو الآخر إلى شفتيه طابعاً على باطن كل منهما قبلات حانية ثم رفع بصره إليها وهتف

- بس أنا مقدرش أعيش من غيرك
- قدرت وروحت لغيري، ما تحاولش لأني مستحيل أرجعلك
- طيب أديني فرصة أخيرة هطلقها ونرجع زي الأول

لم تستطع أن تجيبه فقد ازداد بكائها وتعالت شهقاتها فلم يستطع منع نفسه من جذبها إلى صدره فعانقته وأخذت تضربه بقوة على ظهره لتخبره مدى غضبها منه ومع ذلك بقت بين أحضانه فشدد في احتضانها حتى يُشعرها بالأمان الذي تحتاج إليه، وبقى على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها عندما أبعدها عنه وتابع

- قومي اغسلي وشك وهاتي الولاد علشان نروح، وفي طريقنا همر على مأذون وأطلقها

كفكفت دموعها بيديها ثم حركت رأسها كإشارة بالموافقة وخلال دقائق قليلة عادت إليه برفقة ولديها اللذان ركضا باتجاه محسن فشعر برجوع الروح إلى جسده وقرر التخلي عن سهيلة مهما كلفه الأمر 

***

مرت عدة أيام وتبدل حال الجميع، بعضهم إلى الأفضل والبعض الأخر إلى الأسوأ... 
انقلبت خطة سهيلة ضدها وطلقها محسن بالفعل فأصبحت قصة زواجها وطلاقها مادة دسمة للجرائد والمجلات الفنية فقررت البقاء في المنزل لحين نسيان القصة
باعت فاتن جسدها خلال تلك الأيام لأجل هدايا هشام التي لا تتوقف، وبقت لعبة في يده يفعل بها وبجسدها ما يحلو له، حتى أنها أصبحت رهينته ولم تغادر الفندق منذ أن مضت عقد الزواج
اتصل مساعد المخرج فريد بأدم وطلب منه قراءة المشاهد وحفظ النص الذي تم إرساله إليه على أن يبدأ العرض المسرحي بعد عشر أيام، فكانت السعادة حليف أدم الذي حقق جزء صغير من حلمه بعد طول انتظار
غادرت أحلام المشفى وعادت إلى منزلها على أن تعود في الأيام المحددة لتلقي جرعات الكيماوي، فشعرت جوري بقليل من الطمأنينة وعادت لتدوام بالجامعة
لم تتوقف محاولات عماد في التحدث إلى لمياء لكنها لم تسمح بذلك فطلبت من جوري مساعدته وتغيير ضمادات جرحه عوضاً عنها، واستمرت كذلك في إغلاق هاتفها لتتجنب اتصالاته ورسائله، فكأن كالتائه في محراب الهوى لا يقدر على العودة ولا يقدر على المضي قدماً في بُعدها

***

جاهد فريد طوال تلك المدة الاتصال بفاتن ليطمئن عليها لكن هاتفها كان مغلقاً على مدار الأيام الماضية فازداد شعوره بالقلق وقررت الذهاب إلى القصر بالرغم من عدم رغبته في رؤية سهيلة ولكن تغلبت مشاعر الأبوة على غضبه وبالفعل ذهب إلى القصر وطلب من الخادمة إخبار فاتن بوجوده ليصدمه ردها بأن ابنته لم تعود إلى المنزل منذ عدة أيام، فطلب منها الصعود إلى غرفة سهيلة لتأتي إليه، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى هبطت سهيلة الدرج واقتربت منه متسائلة

- نعم، عايز إيه؟ 
- فين بنتك يا هانم؟ 

جلست سهيلة على أحد المقاعد وأشعلت سيجارتها ثم أخذت تنفس دخانها في وجهه ببرود فاشتعل فريد غضباً وكرر سؤاله بنبرة صوت حادة فتحدثت ببرود

- أنت بتزعق ليه؟ أنا عندي صداع ومش فيقالك

صر فريد على أسنانه وقال بحدة: طبعاً مش فيقالي، وأنتي من أمتى فايقه لحد طول عمرك ماشيه بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان، حتى لما اتجوزتي روحتي اتجوزتي في السر وكمان سارقة واحد من مراته وولاده

نفست دخان سيجارتها في الهواء وتساءلت ببرود: هاه خلصت؟ 

- أنتي معموله من إيه؟ أنتي أكيد شيطانه علشان كده ربنا خلصني منك

أطفأت سيجارتها ثم وقفت عن مقعدها وقالت ببرود: بنتك مسافرة مع صحباتها بره مصر وهترجع بعد تلات أيام وبتكلمني تطمني عليها كل يوم، اتجوز أو اطلق ده شيء ما يخصكش، أخر حاجة أطلع بره بيتي واتمنى ما أشوفش وشك تاني

رمقها فريد بنظرة اشمئزاز ثم غادر على الفور قبل أن يفقد أعصابه أكثر، وبمجرد أن دلف إلى سيارته انطلق بسرعة جنونية وهو يتمتم

- أزاي استحملتها السنين دي كلها وأقول بكرة ربنا يهديها، بس دي شيطان وربنا عمره ما يهدي شيطان

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرات أدم فقرر الذهاب إلى جوري ليصطحبها إلى المنزل، وبالفعل ذهب ورآها تقف برفقة زميلاتها ومجموعة من الشباب فتملكه الغضب وكاد أن يعنفها كعادته، لكنه تذكر وعده فابتعد قليلاً ثم تنفس بعمق وهدأ من الغيرة التي تملكته وخلال دقائق قليلة استرد رباط جأشه واقترب منها قائلاً 

- خلصتي محاضراتك يا قلبي؟ 

تعمد أدم تدليلها ليبرز للجميع صك ملكيتها الممنوح له منذ نعومة أظافرها فخجلت بشدة وظهر ذلك بوضوح على وجنتيها الملونة بالحمرة فما كان منها إلا أنها حركت رأسها بالإيجاب فتابع

- طيب يلا نروح سوا

مضت برفقته دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم دلفت إلى السيارة وانتظرت حتى ركب إلى جوارها وقالت بصوت مرتعش

- أ أدم أنا

قاطعها أدم قائلاً بهدوء مصطنع: ما تقوليش حاجة يا قلبي، أنا وعدتك عمري ما أزعلك ولا أقلل من كيانك ووجودك، مش هنكر وأقول مش مضايق بس أنا واثق فيكي

شعرت جوري بالرضا وراحة قلب لم تختبرها يوماً ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على وجنتيها فغمز لها بمشاكسة وتابع

- الجميل مبتسم ليه؟ 
- بحبك يا أدم، وبحبك بجنون كمان

خفق قلبه بسعادة فرفع كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة ثم نظر إلى عينيها وردد بدفء

- ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا

***

في ذات الوقت انتهت محاضرات لمياء فودعت زميلاتها وغادرت ثم وقفت أمام باب الجامعة واندهشت لعدم وجود السائق يقف في انتظارها فبدأت تبحث بعينيها عنه دون جدوى، وما أن أخرجت هاتفها لتتحدث إليه سبقها الواقف خلفها حينما تحدث بثبات

- مستنيه حد؟ 

تعرفت على نبرة صوته فأدارت جسدها على الفور ثم تساءلت بصوت مرتعش: أنت بتعمل إيه هنا؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتي عماد وأجابها: جيت أشوف الدكتورة بتاعتي، اللي بقالها كذا يوم ما بتغيرليش على الجرح وبتبعتلي بنت عمها

غمز لها بمشاكسة بمجرد أن توقف عن الحديث فخجلت بشدة وتخطته بسهولة ثم ابتعدت عنه قدر المستطاع فظهرت على شفتيه شبه ابتسامة تؤكد عدم رفعه لراية الاستسلام 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Sunday, July 21, 2019

جوري / منى سليمان

July 21, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الحادي عشر - بقلمي منى سليمان 

* حنين *   

بالمشفى... 
صدح صوت رنين هاتف أدم وهو يجلس إلى جوار جوري داخل أحد المطاعم القريبة من المشفى... أخرجه من جيب سرواله ثم أجاب على الفور عندما وجد الاتصال من رئيس الفرقة المسرحية بالجامعة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، فينك يا أدم؟ 
- أنا أسف جداً بس في ظرف طارئ منعني من المتابعة ونزول الجامعة

تفهم رئيس الفرقة ما قاله أدم ومع ذلك أخبره بما اتصل لأجله فلمعت عينيّ أدم فرحاً وردد بسعادة

- بجد مش عارف أشكر حضرتك أزاي، بكرة هكون متواجد في الميعاد
- مفيش داعي للشكر، أنت موهوب يا أدم وتستحق الفرصة دي

لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى أنهى أدم المكالمة ولمعة سعادة تظهر بوضوح داخل مقلتيه فشعرت جوري كذلك بالسعادة لأجله وقالت ببراءة

- شكلك مبسوط
- أووووووووي، أستاذ كريم اتصل علشان يبلغني أن المخرج فريد صلاح الدين هيجي بكرة يحضر العرض ويختار وجوه جديدة لمسرحيته الجديد

ازدادت ابتسامة جوري إتساعاً فبادلها بغمزة من عينه وأردف بسعادة: شوفتي وشك حلو علياً أزاي، بكرة عيد ميلادكِ واليوم اللي هتتحقق فيه أحلامي بأمر الله

- ربنا يرزقك كل ما تتمنى ويخليك ليا

خفق قلبه بسعادة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يرفع كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة فخجلت من فعلته لكنها لم تسحب يدها كعادتها بل تبادلت معه نظرات عشق أصدق من الكلام

*****

في ذات اللحظة أنهت لمياء المكالمة وهي تشعر بالحنين لسماع صوت عماد فقررت الاتصال به عوضاً عن مراسلته فضغطت زر الاتصال وجلست على الأرجوحة الكائنة بالشرفة لكنه لم يجيب فكررت الاتصال عدة مرات دون جدوى فظنت أنه خلد إلى النوم لشعوره بالتعب والإرهاق ومع ذلك شعرت بقليل من الغضب، وما هي إلا دقائق حتى غادرت الشرفة واتجهت صوب فراشها لتحصل على قسط من النوم...
على الجانب الآخر كان عماد يراقب هاتفه وشرار الغضب ينبعث من مقلتيه لدرجة جعلته يكور قبضته بغل متناسياً الألم الذي يشعر به وظل على تلك الحالة حتى توقفت عن الاتصال فردد في نفسه

- خلصتي مكالمتك مع حبيب القلب وافتكرتيني، كلكم زي بعض

ألقى بالهاتف على الفراش ثم دلف إلى الحمام لينعش جسده تحت المياه عله يخمد النيران المشتعلة بداخله، لكن زاره طيفها طوال الوقت فصرخ بحدة

- أطلعي من راسي

*****

مضى ما بقى من اليوم بدون أحداث جديدة، ومع الساعات الأولى للصباح ودع أدم حبيبته وانطلق بسيارته إلى الجامعة ليحلق التدريبات الأخيرة للعرض المسرحي الذي يقوم ببطولته أملاً في لفت انتباه المخرج المسرحي المشهور فريد صلاح الدين فلوت فاطمة ثغرها بضجر وقالت بغيظ

- هيفضل لأمتى يفكر في التمثيل، ده أنا قولت لما يدخل هندسة هينسى الهبل ده
- يا أختي سبيه براحته و

قاطعتها فاطمة قائلة: يا أحلام تمثيل إيه وبتاع إيه، يشوف مستقبله أحسن

- ما ده مستقبله يا طمطم

قالتها جوري فرمقتها فاطمة بنظرة غضب وهتفت: طبعاً ما أنتي معاه على طول الخط

اقتربت جوري منها وطبعت قبلة على وجنتها وقالت بمرح طفولي: بحبه أعمل إيه

- طيب غيري عليه ليمثل بصحيح وتيجي واحدة كده ولا كده تلف عليه، ده وسط اللهم أحفظناً
- لو حوالين أدم ألف واحدة، مش هيشوف غيري أنا عشقه وملكة قلبه

تناست فاطمة غضبها وابتسمت لا إردياً فاقتربت منها جوري مرة أخرى وعانقتها فبادلتها فاطمة العناق وهي تدعو الله لهما

****

في ذات اللحظة كانت لمياء تتناول طعام الإفطار برفقة والدتها ووالدها الذي لاحظ شرودها وتناولها للطعام ببطء شديد فابتسم بخبث وهتف مازحاً 

- اللي واخد عقلك

فاقت من شرودها وابتسامة ساحرة ترتسم على شفتيها وقالت: محدش واخد عقلي غيرك يا حلو

رفع أحمد أحد حاجبيه بعدم تصديق ثم نظر إلى زوجته وتحدث مازحاً: شوفي يا ستي بنتك بقت بكاشه، لا وبتعاكسني قدامك

اصطنعت ماجدة الغضب قائلة: كله من دلعك، بتدلع الكل وأنا منسيه

ضحكت لمياء بجنون وهي تردد: جبته لنفسك يا عم الحاج

- شكلي كده، قومي بينا نشوف عماد علشان تغيريله على الجرح وبعدها أجي أشوف الحلو اللي زعلان مني

نظر إلى زوجته وغمز لها بمشاكسة ثم اصطحب ابنته إلى شقة عماد وطرق بابها عدة مرات فاستيقظ عماد وترك فراشه على عُجالة بالرغم من شعوره بالتعب والإرهاق ثم اتجه صوب باب الشقة وفتحه فقال أحمد

- شكلك كنت نايم بس إحنا جايين حسب الميعاد 
- أتفضل يا عمي، أسف راحت عليا نومه

تراجع عماد خطوات قليلة إلى الوراء ليفسح لأحمد مجالاً للدخول فدلف ودلفت خلفه لمياء وهي تردد بسعادة

- صباح الخير

تجاهلها عماد بل وتركها ولحق بأحمد فمطت شفتيها بضجر وتمتمت بخفوت: ماله ده

أغلقت باب الشقة ولحقت بهما حاملة علبة الإسعافات الأولية لتُغير الضمادات الخاصة بجرحه، وبالفعل أزالت رباط يده القديم وبدأت في تطهير المنطقة المحيطة بالجرح ثم عاينت الجرح لتتأكد من عدم وجود أي عدوى أو التهابات، وخلال لحظات قليلة بدأت في وضع الضمادات الجديدة فصدح صوت رنين هاتف والدها ووقف عن مقعده قائلاً 

- لمؤاخذة يا ابني هدخل أرد على المكالمة في البلكونة علشان الشبكة بقالها كام يوم صعبة
- اه طبعاً يا عمي أتفضل البيت بيتك

ابتعد أحمد قليلاً فانتظر عماد حتى دلف بالفعل إلى الشرفة ثم قبض بعنف على معصم لمياء متناسياً الألم الذي يشعر به فجحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما فعله وتساءلت بصوت مرتعش

- أن أنت بتعمل إيه؟ 

كانت النظرات المنبعثة من عينيه أشبه بسهام نارية مسمومة ما زاد شعورها بالخوف وكادت أن تكرر سؤالها وهي تحاول التملص من قبضته إلا أنه أحكم قبضته عليها وسبقها متسائلاً 

- مين سعد؟ 

تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها في صدمة بل وأخذت ترمش عدة مرات ثم استوعبت ما حدث وبادلت سؤاله بسؤال

- أنت كنت واقف وسمعتني؟! يعني لما كلمتك كنت صاحي وما ردتش، صح؟ 
- ردي عليا وقوليلي مين سعد، حبيبك صح؟ 

تملكتها الصدمة من جديد كما تملكها الغضب فأجابته بحدة: أنت بني أدم مش طبيعي، سيب إيدي حالاً بدل ما أصوت و

بترت كلمتها حينما زاد قبضته أكثر وأكثر على معصمها لدرجة جعلتها تشعر أن عظامها على وشك التهشم فتأوهت بشدة وأجابته بصعوبة 

- أخويا، سعد أخويا

كانت أجابتها كفيلة بإخماد النيران المشتعلة بقلبه وعقله فحرر معصمها وأمسك يدها ثم رفعها إلى شفتيه وطبع على باطنها قبلة عميقة فتناست غضبها وشعرت بخجل لم تختبره يوماً فسحبت يدها وتراجعت إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بباب الشقة وفي حركة واحدة فتحت الباب وغادرت ما جعل ابتسامة ساحرة ترتسم على شفتي عماد الذي رفض عقله ما فعله لكنه لم يهتم واستمع فقط إلى صوت قلبه، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى عاد أحمد واندهش لعدم وجود لمياء 

- أمال لمياء فين؟ 
- خلصت وقالت هترجع الشقة
- طيب يا ابني أنا كمان لازم أمشي علشان ورايا شوية شغل

أومأ برأسه كإشارة بتفهمه لما قاله فودعه أحمد وعاد إلى شقته...
في ذات الوقت كانت لمياء مازالت تقف خلف باب غرفتها واضعة يدها على قلبها علها تهدئ من دقاته المتسارعة... تضاربت المشاعر بداخلها بين الغضب لما فعله والألم الذي خلفته قبضته، والسعادة لاستشعارها الغيرة المصاحبة لنبرة صوته وأنفعاله ومع ذلك نفضت الفكرة من رأسها وتنفست بعمق ثم قررت وضع حد لمشاعرها تجاهه عن طريق خصامه فاتجهت صوب هاتفها وأغلقته حتى لا يتصل... 
على الجانب الأخر فاق عماد من شروده وترك مقعده ثم عاد إلى غرفته والتقط هاتفه ليتحدث إليها، لكنه وجد هاتفها مغلقاً فزفر بضيق وتمتم في نفسه

- أكيد زعلانه، بس مستحيل تبعد عني بعد ما لاقتها

*****

بجناح فخم بأحد الفنادق الكبرى تملمت فاتن بكسل عندما شعرت بيد هشام تحاول إفاقتها فخبأت رأسها بالوسادة ومع ذلك لم يستسلم وأزال الوسادة فزفرت بضيق وهتفت بغضب ملحوظ 

- أبو عبد الرحمن أنا تعبانة وعايزه أنام
- لا حبيبتي جومي 

اعتدلت فاتن في جلستها ويتطاير من عينيها شرار الغضب: عايز إيه دلوقتي؟ 

- عايزك
- أبو عبد الرحمن أنا تعبانة وجسمي مكسر و

قاطعها قائلاً: بس بيناتنا إتفاق 

صرت فاتن على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك به لكنه سبقها وابتعد قليلاً ثم عاد حاملاً مفتاح سيارة من أحدث طراز، وبمجرد أن عاد إليها لوح بالمفتاح أمام عينيها وقال

- هاي مني إلك

التقطت المفتاح وهي تكاد لا تصدق ما تراه فابتسم بخبث وتابع: هالا خلينا نستمتع شوي

لم يترك لها فرصة للاعتراض وانقض على جسدها كمن وجد فريسته فاستسلمت لرغباته مقابل ما قدمه إليها

****

في ذات اللحظة استيقظت سهيلة وفتحت عينيها بكسل عندما وصل إلى أذنيها صوت رنين هاتف محسن الذي استيقظ هو الأخر، التقط الهاتف على الفور وأشار إليها لتلتزم الصمت ثم ضغط زر الإيحاب وقبل أن يتحدث سبقته زوجته وقالت بصوت كساه الحزن وغلفته الحسرة 

- أتجوزت عليا يا محسن، قصرت معاك في إيه علشان تبعني بالرخيص

جحظت عينيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه وتمنى أن يفيق من الكابوس الذي ظن أنه يعيشه لكنه تأكد أن ما سمعه حقيقة حينما تابعت

- بعتني ليه يا محسن، يا حب عمري يا أبو ولادي، يا اللي وقفت في ظهرك من أول يوم دخلت بيتك
- فرح حبيبتي إيه الكلام الفارغ ده، مين

قاطعته قائلة بحدة وصوت عالِ: كفاية كذب وقولي بعتني ليه؟ 

- حبيبتي أنا مش فاهم حاجة
- حبيبتك!! صورك مع الهانم اللي أكيد نايمة في حضنك دلوقتي ماليه السوشيال ميديا والجرايد الصفراء يا إعلامي يا عظيم

أتسع ثغر محسن في صدمة بينما أسرت سهيلة ابتسامة النصر بصعوبة واصطنعت عدم الفهم، ففاق محسن من صدمته عندما تابعت زوجته

- طلقني يا محسن، سمعت طلقني ولعلمك هترجع مش هتلاقيني في البيت

لم تنتظر رده وأنهت المكالمة فسقط الهاتف عن يده ما جعل سهيلة تتساءل بخبث: مالك يا حبيبي؟ 

- بيتي أتهد يا سهيلة، الدنيا كلها عرفت بجوازنا

تعالت شهقاتها واصطنعت عدم التصديق فوضع محسن رأسه بين كفيه كمن خسر الدنيا وما فيها فجذبته إلى صدرها وربتت على كتفه وهي تردد

- كل مشكلة وليها حل ولو الحل أننا نتفصل أنا موافقة 

استحضرت الدموع على الفور فرفع محسن رأسه إليها ثم جذبها إلى صدره وهتف

- أنا بحبك يا سهيلة ومقدرش أعيش من غيرك، فرح كمان حبيبتي ومقدرش أعيش بعيد عنها وعن ولادي 
- يعني مش هتسيبني؟ 
- مستحيل حاجة تفرقنا غير الموت أنا ما صدقت لقيتك، قومي لمي هدومك لازم نسافر حالا وأنا أكيد هلاقي حل

لم تعترض كعادتها ونفذت رغبته على الفور لتظهر أمامه الأنثى العاقلة المطيعة لكل أوامره على عكس زوجته الغاضبة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادرت برفقته إلى السيارة فانطلق عائداً إلى القاهرة وبداخله حزن وحيرة وغضب

*****

بالجامعة.... 
جلس فريد على أحد مقاعد الصف الأول ليتابع العرض المسرحي فلفت انتباهه براعة أدم في التمثيل ومال على أذن رئيس الفرقة المسرحية وسأله عن أدم فأشاد هو الأخر بأدائه وإتقانه لفن التمثيل وتقمص الشخصيات، فتابعه فريد باهتمام وإعجاب، وبمجرد أن انتهى العرض أسرع أدم بالاقتراب من فريد وصافحه فقال الأخير 

- أنت مشروع نجم 
- رأي حضرتك وسام على صدري
- طلعت دبلوماسي كمان مش فنان وبس

ابتسم أدم بامتنان وهتف: حقيقي رأي حضرتك شرف ليا

- جهز نفسك هيكون ليك دور في المسرحية الجاية

سرت السعادة داخل أوردة أدم فربت رئيس الفرقة المسرحية على كتفه وتحدث قائلاً 

- صدقتيني لما قولتلك ليك مستقبل باهر
- بجد مش عارف أقول إيه
- ما تقولش حاجة، سيب أرقامك مع المساعد بتاعي وهكلمك قريب، بعد إذنكم

قالها فريد ثم ارتدى نظارته الشمسية وغادر برفقة رئيس الفرقة المسرحية فاقترب مساعده من أدم وحصل منه على جميع أرقام هواتفه ثم لحق بفريد فرفع أدم رأسه إلى السماء وردد بسعادة

- الحمد والشكر ليك يارب

أخرج هاتفه من جيب سرواله واتصل على الفور بصغيرته وقص عليها كل ما حدث فانطلقت صرخة سعادة من بين شفتيها وهتفت

- مبروك يا حبيبي، مبروك مبروك مبروك
- ربنا يخليكي ليا يا عمري، وجودك جمبي هو اللي بيقويني دايماً، جهزي نفسك نص ساعة وهكون عندك وهعزمك على الغداء في أجمل مطعم في القاهرة وضواحيها

قال كلماته الأخيرة بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون ثم ودعته وأنهت المكالمة لتستعد للقائه 

*****

بعد مرور ما يقارب الخمس ساعات... 
شعر عماد بالحنين لرؤية لمياء أو لسماع صوتها على الأقل، لكنه كلما حاول الاتصال بها وجد هاتفها مغلقاً فأخذ يجوب غرفته ذهاباً وإياباً بطريقة هسترية وبالنهاية أخذ قراره وغادر شقته ثم تنفس بعمق وضغط زر جرس الشقة المجاورة فترك أحمد مقعده وفتح الباب، واندهش بشدة لرؤية عماد يقف أمامه فتساءل بقلق

- مالك يا ابني؟ 
- الجرح واجعني جداً خايف لتكون الخياطة فتحت
- يا ستار، أدخل وهندهلك لمياء تشوفه

شكره عماد ودلف إلى الداخل مدعياً الشعور بالألم بالرغم من السعادة الساكنة بداخله فهو على وشك لقائها وإطفاء شوقه لرؤيتها... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى اقتربت منه والقلق يظهر بوضوح داخل عينيها فنست غضبها وسألته 

- إيه بيوجعك؟ 
- قلبي

قالها بصوت خفيض وصل مُباشرةً إلى مسامعها نظراً لقربها الشديد منه فأسرت ابتسامتها بصعوبة واصطنعت الجدية قائلة 

- لو الغرز فيها شيء كان الجرح نزف، حضرتك خد قرص مسكن ونام والصبح هتبقى تمام، بعد إذنك

كادت أن تغادر لكن سبقها أحمد قائلاً: يا بنتي فكي الرباط وشوفي كويس ليكون في التهاب ولا حاجة

استسلمت لمياء لرغبة أبيها واقتربت مرة أخرى من عماد ثم أمسكت يده فشعرت أن هناك ماس كهربائي أصابها ومع ذلك تمسكت بثباتها وتعمدت عدم النظر إليه، وما هي إلا دقائق حتى انتهت من فحصه وأعادت ربط يده ثم وجهت نظراتها صوب والدها وهتفت 

- الجرح مفيهوش حاجة يا بابا، محتاج مسكن شديد مش أكتر
- طيب الحمد لله
- بعد إذنكم عندي مذاكرة 

لم تستطع انتظار رد والدها فغادرت على عُجالة قبل أن يفهم والدها ما يدور بينهما، وما أن وصلت داخل غرفتها أغلقت بابها ووقفت خلفه وهي تتمتم في نفسها 

- مجنون

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري / منى سليمان

July 21, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل العاشر - بقلمي منى سليمان 

* دفء أسري *   

شعرت لمياء بالخوف والتوتر في آن واحد، وشعرت كذلك بهروب الكلمات، لكنها استجمعت شجاعتها وقصت على والدها كل ما حدث ما زاد إعجاب عماد بها... انتقل أحمد بنظراته صوب عماد ورأى الدماء تغطي قميصه وسرواله فاقترب منه وقال بحنان 

- ألف سلامة عليك يا ابني، أبقى خد بالك
- الله يسلم حضرتك وأسف أني جيت مع الدكتورة في العربية بس حالتي ما سمحتش أسوق العربية و

قاطعه أحمد قائلاً: لا كده أزعل منك، إحنا ولاد أصول ونفهم في الواجب وأنا بثق في بنتي وعارف ومتأكد أنها مستحيل تعمل شيء غلط

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد عندما رأى لمياء توجه نظراتها صوب الأرض في حضرة أبيها فهتف

- ونعم التربية يا عمي

طلب أحمد من السائق الانصراف ثم أشار بيده إلى حارس العقار وطلب منه مساعدة عماد وخلال دقيقة واحدة استقلوا جميعاً المصعد إلى الطابق العاشر... وما أن استقر المصعد غادرت لمياء إلى الشقة بينما دلف أحمد إلى شقة عماد وانتظر حتى أراح جسده على الفراش وتحدث بهدوء 

- لو أحتاجت أي حاجة ما تتكسفش، إحنا جيران والنبي وصى على سابع جار ما بالك الباب في الباب، ووالدك الله يرحمه كان إنسان محترم 
- بجد مش عارف أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر بنتي دكتورة يعني ملاك رحمة وأنت زي ابني ربنا يرجعه بالسلامة ويوقفله ولاد الحلال في الغربة، هسيبك ترتاح

حرك عماد رأسه  بامتنان فغادر أحمد واتجه مُباشرةً نحو شقته ووجد لمياء تقف في انتظاره وهي تحني رأسها خجلاً فاقترب منها ووضع يده أسفل ذقنها ثم رفع وجهها إليه وهتف

- أوعي تحني رأسك أبداً قدام حد حتى لو أنا
- أنا آسفة يا بابا، لما عرفت أنه عمل حادثة أتخضيت ومحستش بنفسي غير وأنا بروحله

أزال أحمد يده عن ذقنها فأردفت: حضرتك زعلان مني؟ 

- شوفي يا بنتي أنا طول عمري مديكي حريتك ولحد النهارده ما شوفتش منك حاجة غلط لأني ربيتك صح ومتأكد أنك هتفضلي كده، طالماً التعامل بينكم بحدود وأدب يبقى أتصرفي على طبيعتك، وبالنسبة لموضوع الكتاب كان نفسي أعاكسك شوية بس جوري سبقتني 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم خبأت جسدها في صدره فأحاط جسدها بيديه ثم طبع قبلة على خصلات شعرها وتابع

- يلا يا بكاشه أدخلي أعملي أكل لينا وللمريض اللي جمبنا علشان أمك راحت لخالتك وبالليل هروح أجيبها
- حاضر يا أطيب بابا في الدنيا

ابتعدت عنه قليلاً ثم طبعت قبلة على وجنته ودلفت إلى الداخل فجلس أحمد على أحد المقاعد وتمتم في نفسه

- بناتي الأتنين كبروا ومش عارف السنين جريت أمتى، ربنا يحفظهم

****

بمكان أخر... 
جلست على الأرض تبكي وهس تتذكر ثورته لمجرد رؤيتها، تذكرت كيف ابعدها رجال الأمن الدار وتردد في أذنها صوت تكسير محتويات المكتب... تعالت شهقاتها وشعرت بغصة في قلبها وظلت على تلك الحالة حتى عادت شقيقتها إلى المنزل فاقتربت منها وتساءلت 

- روحتي لعماد؟ 

حركة رأسها لأعلى وأسفل والدموع تنهمر بغزارة على وجنتيها فتابعت شقيقتها بغضب

- منظرك بيقول طردك وأنا قولتلك من الأول ما تروحيش لأته مستحيل يسامحك
- كفاية مش عايزه أسمع حاجة، مش هفضل عمري كله أتحاسب على غلطة 

قاطعتها شقيقتها قائلة: أنتي دمرتيه ودمرتي كل حاجة، مش هيسامحك بين يوم وليلة،  سبيه يهدى وأنا هروحله بنفسي وأحاول أقنعه، دلوقتي قومي أتوضي وصلي واستغفري ربنا وأدعيله 

استطاعت كلمات شقيقتها إخماد النيران المشتعلة بداخلها فرفعت رأسها وكفيها إلى السماء ودعت الله مراراً وتكراراً ليزيل الذنب عن كتفيها

***
بالمشفى... 
طرق أدم باب غرفة أحلام ثم دلف إليها حاملاً بيد باقة فخمة من الزهور الحمراء التي تعشقها جوري، وباليد الأخرى علبة من الحلويات المفضلة لمدللته ثم اقترب منها شيئاً فشيئاً حتى استقر أمامها فلمعت عينيها فرحاً وهي تضع يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فابتسم بسعادة وهتف

- كل سنة وأنتي طيبة وعقبال مليون سنة تعيشيهم في حضني

تسارعت نبضاتها فرحاً وأتسعت ابتسامتها الساحرة فلم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بجسدها في صدره وهي تردد

- قولت هتنسى عيد ميلادي علشان الظروف اللي إحنا فيها
- أنا أنسى نفسي ومنساش اليوم اللي جيتي فيه الدنيا علشان تنو دنيتي 

أبعد رأسها عن صدره ووضع يده أسفل وجنتها ثم نظر مُباشرةً إلى زرقاوية عينيها وتابع

- بحبك يا جوري
- وأنا بحبك اوووي، كتيررررر

كاد أن يتحدث لكن قاطعه خروج أحلام مستندة على يد فاطمة من حمام الغرفة فابتعدت جوري عنه وتراجعت خطوات قليلة إلى الوراء وهي تتحدث بخجل

- كان بيقولي كل سنة وأنتي طيبة

أسرت أحلام ضحكتها بصعوبة بينما اصطنعت فاطمة الغضب وقالت بجدية مصطنعة

- عيشنا وشوفنا، معايدة عيد الميلاد بالأحضان 

ازداد خجل جوري وتمنت أن تنشق الأرض بها بينما رمق أدم والدته بنظرة نارية بادلته إياها بابتسامة لتزيد غضبه فرفع أحد حاجبيه وهتف

- بطلي هزارك التقيل ده يا طمطم
- طب لم نفسك بدل ما عمك يحلف يمين ما تفضلوش سوا في شقة واحدة، وتعالى وريني جايبلها إيه علشان

قاطعتها أحلام بوهن: طيب رجعيني السرير الأول وبعدين شغلي المفتش كرومبو اللي جواكي

- لمؤاخذة ياختي نسيتك

ابتسمت جوري وهي مازالت توجه نظراتها صوب الأرض بينما ضحك أدم على جنون والدته الذي ورثه عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى أراحت أحلام جسدها على الفراش فاقتربت فاطمة من أدم وتساءلت

- جايبلها إيه؟ 
- ورد وحلويات، تاخدي حته؟ 
- اه
- لا دي بتاعت جوري بس

رفعت جوري بصرها إليه وابتسامة عذبة ترتسم على ثغره فغمز لها بمشاكسة وأردف

- وجبتلها عربية علشان أكفر عن ذنبي وتعرف أني بثق فيها ومش عايز أخليها تابع ليا

لمعت عينيّ جوري من جديد وانبعث ضوء السعادة من وجهها لكن سعادتها لم تكن بسبب الهدية، بل لتبدل حاله وثقته بها فسألته برقة

- بجد يا أدم بتثق فيا ومش هتخليني تابع ليك؟ 
- أكيد يا عمري، وكمان هعلمك السواقة بنفسي بس لما لولي تشد حيلها 
- ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا

راقبت فاطمة المشهد بسعادة وتأكدت بالدليل القاطع أن ابنها ورث جميع صفات والدته، الغيرة والحنان، الغضب والرحمة، العقل والجنون... تلألأت الدموع داخل مقلتيها عندما تذكرت حبيبها الراحل فدلفت إلى الحمام حتى لا تُفسد عليهما لحظات الصفاء والعشق، ثم نظرت إلى وجهها بالمرآة ورددت بخفوت

- وحشتني أوي يا صبري، ابنك طالع حتة منك كنت تغير وتزعق وتتخانق وبعد دقيقة تهدى وتاخدني في حضنك، الله يرحمك ويجمعنى بيك

غسلت وجهها وغادرت الحمام ثم اقتربت من أدم واختطفت منه علبة الحلويات لتشاكسه لكنه لك يرفع راية الاستسلام واسترد ما أخذته ثم قبض برفق على معصم جوري وركض إلى الخارج فضحكت أحلام حتى دمعت أعينها ثم نظرت إلى فاطمة وقالت مازحة

- مجنونة أكتر من ابنك
- أيوه كده اضحكي خلي الدنيا تنور
- ربنا يخليكي ليا يا سندي
- ويخليكي ليا ويشفيكي ويعافيكي يارب


****

انتهت لمياء من إعداد وجبة ذكية الرائحة ثم أحضرت صينية كبيرة ووضعت عليها العديد من الأطباق، وخلال دقائق قليلة غادرت المطبخ واتجهت صوب والدهاوهتفت مازحة

- الأكل كله جاهز يا أحمد باشا

رفع أحمد بصره إليها وضيق بين حاجبيه ليصطنع الغضب فابتسمت برقة وتابعت

- قصدي الأكل جاهز يا أطيب أب في الدنيا
- أكلنا ولا أكل جارنا اللي جاهز؟ 
- الأتنين

قالتها ثم عادت أدراجها إلى المطبخ وحملت الصينية وغادرت فاقترب منها أحمد وحمل الصينية عنها ثم غادر الشقة واتجه نحو شقة عماد وطرق بابها بخفة، فترك عماد فراشه بصعوبة ثم اتجه نحو باب الشقة وفتحه

- جبتلك أكل علشان تاكل كويس وبالمرة يبقى عيش وملح

شعر عماد بالسعادة فلم يهتم أحداً به منذ وفاة والده فابتسم بامتنان وهتف

- بجد مش عارف أقول إيه ولا أشكر حضرتك أزاي، أنا فعلاً كنت جعان ومش قادر أعمل أي شيء 
- يبقى أقعد كل بألف هنا وشفاء، لمياء اللي طبخت ربنا يستر بس ويطلع الأكل عدل 

تسارعت نبضات عماد في سعادة لمجرد وصول أسمها إلى أذنيه، لكنه استرد رباط جأشه وقال

- أكيد هيعجبني، كفاية تقدير حضرتك ليا
- طيب كل الأول وبعدين نتكلم حكم طبيخ بنتي عجيب، ربنا يستر

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد فودعه أحمد وعاد إلى شقته ليتناول الطعام برفقة ابنته... 
أما عماد فجلس يأكل بنهم لشعوره الشديد بالجوع، وما أن فرغ اراح جسده إلى الخلف قليلاً وتمتم في نفسه

- من سنين ما أكلتش أكل حلوة كده

شرد لعدة دقائق في نظرة القلق التي رآها داخل عينيها، وعبس بشدة عندما تذكر دموعها فأكمل حديثه مع النفس قائلاً 

- بلاش تعلقها بيك وأنت عارف ظروفك كويس

بمجرد أن توقف عن الحديث، استمع إلى صوت يتردد بقوة داخل أذنيه، نعم أنه صوتها العذب الذي يجذبه إليها أكثر فأكثر فابتسم بسعادة وأردف

- مش يمكن تكون دوايا

أخرج هاتفه من جيب سرواله وقرر إرسال رسالة نصية فكتب

 (تسلم أيديك الأكل حلو جداً) 

اهتز هاتف لمياء الموضوع إلى جوارها على الفراش فالتقطته وأسرعت بقراءة الرسالة، واندهشت بشدة عندما رأت أسمه فأخذها الفضول لقراءة كلماته، فقرأتها وابتسمت ثم كتبت

(كنت فاكرة هتقولي أكلك غريب زي ما بابا دايماً بيقولي، بس والله ده الأكل اللي على الموضة، مبسوطة أنه عجبك) 

ضغطت زر الإرسال فصدح صوت رنين هاتفه فقرأ رسالتها على الفور ثم أرسل

(بالعكس الأكل جميل جداً، من سنين ما أكلتش أكل بيتي للأسف عايش على أكل الشارع) 
(يا حرام) 

أرسلتها بتلقائية فقرأها وابتسامة خلابة تزين ثغره وكاد أن يرسل واحدة لكنه رفع رأسه عن الهاتف وتحدث إلى نفسه

- أنا أكيد اتجننت، إيه شغل المراهقين اللي بعمله ده

ألقى بالهاتف على المقعد المجاور له وألف فكرة تدور برأسه فقاطعت لمياء شروده برسالة، التقط على أثرها الهاتف شوقاً لقراءة كلماتها

(الجرح بيوجعك ولا المسكن كويس؟) 
(لا مش حاسس بأي ألم، هستأذن والدك تغيريلي على الجرح مش هقدر أسوق العربية لحد المستشفى، هضايقك؟) 

قرأتها وابتسمت ثم أرسلت رسالة قصيرة تحمل معانِ كثيرة 

(بالعكس ده شيء يسعدني، مش هيضايقني أبداً) 
(لما تفضي أبعتيلي رسالة علشان أبعتلك الرواية) 
(أوك، هصلي العشاء وأقول لحضرتك تبعتها) 

قرأها عماد وابتسم ثم وضع الهاتف وترك مقعده متجهاً إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي ولكن طاردته ذكرياته الأليمة وما حدث صباحاً فتجدد الألم بقلبه وتمتم بحدة

- أنا بكرهك، وهعيش وأموت وأنا بكرهك يا حقيرة

****

أوقفت سيارتها أمام فندق فخم لكنها لم تترجل من السيارة بل ترددت في ما جاءت لأجله فظلت جالسة لمدة ليست بالقليلة أخذت قرارها وترجلت ثم دلفت إلى الداخل واستقلت المصعد إلى الطابق العاشر حيث يجلس الثري العربي في انتظارها... اقتربت من باب الغرفة وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالتوتر ومع ذلك طرقت الباب فانتفض هشام عن مقعدة وفتح الباب ثم جذبها بخفة إلى الداخل وهتف

- يا الله على هالچمال، الفندق نور والله

ضحكت فاتن بدلال وقالت: مش أوي كده يا أبو عبد الرحمن

- والله اشتاجتلك، هالا بنتمم عقد الزواچ وبتصيري إلي لأسبوع 

أخرج من جيب جلبابه سندات ورقية بقيمة مليون ريال سعودي ثم قدمه إليها وتابع

- مهرك يا عروسة

أخذت منه ما قدمه إليها فابتعد قليلاً ثم عاد حاملاً علية من الذهب الخالص فتحتها فاتن ووجدت بداخلها مجموعة من الحلي والمجوهرات  فأردف

- وهاد كله لألك
- كتير أوي كده

قاطعها قائلاً: ما في شي بيغلى عليكي، يلا أمضي ورق الزواچ لتحلى ليلتنا

- طيب والشهود؟ 
- مضوا قبلك وراحوا ولا تجلجي هاد عقد رح تمضي عليه بيلزمك تبقي معي لأسبوع ويلزمني طلجك بعد الأسبوع، بتجولي زوجتك نفسي وأنا بجبل

ابتلعت فاتن ريقها بصعوبة وقررت تنفيذ الصفقة فقامت بإمضاء عقد الزواج الأشبه بعقد شراكة ثك سلمت جسدها إليه ليفعل ما يحلو له

****

في ذات اللحظة كان محسن يتناول العشاء برفقة سهيلة على ضوء الشموع... أطعمها بيديه ليدللها فبادلته وأطعمته وهي تصطنع الدلال لمعرفتها الجيدة بأن هناك من يراقبهما ويلتقط لهما الصور الفوتوغرافية، وبمجرد أن علّا صوت الموسيقى، ترك مقعده وتقدم منها ثم مد لها يده فوضعت كفها بداخلها ومضت معه إلى حلبة الرقص ثم بدأت تتمايل وهي تتبادل معه نظرات العشق وبالنهاية اسندت رأسها على كتفه لتُعطي للفضيحة التي اعدت لها سالفاً مجموعة من الصور الرومانسية التي تُحاكي قصة عشقها له

***

في الثامنة مساءاً انتهت لمياء من أداء فرضها ثم رفعت يديها إلى السماء ودعت الله كثيراً... بعد لحظات قامت عند سجادة الصلاة وحملت الهاتف لتراسل عماد كما طلب منها حتى يرسل روايته، لكنها ما أن أمسكت الهاتف بين راحتها طرق والدها باب الغرفة ثم دلف إليها وهتف

- قاعده لوحدك ليه؟ 
- كنت بصلي وهذاكر شوية
- ربنا يفتح عليكي، أنا نازل أجيب أمك محتاجة حاجة وأنا راجع أجبهالك؟ 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم وقفت على أطارف أصابعها وطبعت قبلة على وجنته وقالت

- أنت مش مخليني عايزه حاجة، ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا، صحيح جارنا طلب مني تغيريله على الجرح الصبح بدل ما يتصل بالمساعد بتاعه يجي ياخده المستشفى مخصوص يغير عالجرح، قولتي إيه؟ 

بالرغم من معرفتها المُسبقة بذلك إلا أنها شعرت بالخجل فأجابته بصوت مرتعش

- اللي حضرتك تشوفه
- خلاص الصبح نروحله سوا، هتحرك بقى بدل ما أتأخر على ماجدة 
- مع السلامة

انتظرت حتى غادر والدها وأمسكت هاتفها من جديد لتتحدث إلى عماد لكن سبقها صوت رنين فابتسمت بسعادة 

- وحشتني وحشتني وحشتنننننننني
- وأنتي كمان وحشتيني، الشبكة بتقطع أقفي في حته فيها شبكة

اتجهت لمياء مُباشرةً صوب الشرفة وقالت: بجد وحشتني يا سعد أرجع بقى

- سعد!!! 

رددها عماد بغضب ثم صر على أسنانه وترك الشرفة حيث كان يجلس في انتظارها، وبمجرد أن دلف إلى غرفته أخذ يجوب المكان ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية وهو يردد

- كلكم زي بعض، كلكم زي بعض، كلكم خاينين

توقف فجأةً عن الحركة ثم ثنى جزعه ونظر إلى عينيه عبر المرآة وتابع بنبرة صوت تثير الفزع

- هخليها تندم


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف