سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Sunday, July 21, 2019

جوري / منى سليمان

July 21, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل العاشر - بقلمي منى سليمان 

* دفء أسري *   

شعرت لمياء بالخوف والتوتر في آن واحد، وشعرت كذلك بهروب الكلمات، لكنها استجمعت شجاعتها وقصت على والدها كل ما حدث ما زاد إعجاب عماد بها... انتقل أحمد بنظراته صوب عماد ورأى الدماء تغطي قميصه وسرواله فاقترب منه وقال بحنان 

- ألف سلامة عليك يا ابني، أبقى خد بالك
- الله يسلم حضرتك وأسف أني جيت مع الدكتورة في العربية بس حالتي ما سمحتش أسوق العربية و

قاطعه أحمد قائلاً: لا كده أزعل منك، إحنا ولاد أصول ونفهم في الواجب وأنا بثق في بنتي وعارف ومتأكد أنها مستحيل تعمل شيء غلط

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد عندما رأى لمياء توجه نظراتها صوب الأرض في حضرة أبيها فهتف

- ونعم التربية يا عمي

طلب أحمد من السائق الانصراف ثم أشار بيده إلى حارس العقار وطلب منه مساعدة عماد وخلال دقيقة واحدة استقلوا جميعاً المصعد إلى الطابق العاشر... وما أن استقر المصعد غادرت لمياء إلى الشقة بينما دلف أحمد إلى شقة عماد وانتظر حتى أراح جسده على الفراش وتحدث بهدوء 

- لو أحتاجت أي حاجة ما تتكسفش، إحنا جيران والنبي وصى على سابع جار ما بالك الباب في الباب، ووالدك الله يرحمه كان إنسان محترم 
- بجد مش عارف أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر بنتي دكتورة يعني ملاك رحمة وأنت زي ابني ربنا يرجعه بالسلامة ويوقفله ولاد الحلال في الغربة، هسيبك ترتاح

حرك عماد رأسه  بامتنان فغادر أحمد واتجه مُباشرةً نحو شقته ووجد لمياء تقف في انتظاره وهي تحني رأسها خجلاً فاقترب منها ووضع يده أسفل ذقنها ثم رفع وجهها إليه وهتف

- أوعي تحني رأسك أبداً قدام حد حتى لو أنا
- أنا آسفة يا بابا، لما عرفت أنه عمل حادثة أتخضيت ومحستش بنفسي غير وأنا بروحله

أزال أحمد يده عن ذقنها فأردفت: حضرتك زعلان مني؟ 

- شوفي يا بنتي أنا طول عمري مديكي حريتك ولحد النهارده ما شوفتش منك حاجة غلط لأني ربيتك صح ومتأكد أنك هتفضلي كده، طالماً التعامل بينكم بحدود وأدب يبقى أتصرفي على طبيعتك، وبالنسبة لموضوع الكتاب كان نفسي أعاكسك شوية بس جوري سبقتني 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم خبأت جسدها في صدره فأحاط جسدها بيديه ثم طبع قبلة على خصلات شعرها وتابع

- يلا يا بكاشه أدخلي أعملي أكل لينا وللمريض اللي جمبنا علشان أمك راحت لخالتك وبالليل هروح أجيبها
- حاضر يا أطيب بابا في الدنيا

ابتعدت عنه قليلاً ثم طبعت قبلة على وجنته ودلفت إلى الداخل فجلس أحمد على أحد المقاعد وتمتم في نفسه

- بناتي الأتنين كبروا ومش عارف السنين جريت أمتى، ربنا يحفظهم

****

بمكان أخر... 
جلست على الأرض تبكي وهس تتذكر ثورته لمجرد رؤيتها، تذكرت كيف ابعدها رجال الأمن الدار وتردد في أذنها صوت تكسير محتويات المكتب... تعالت شهقاتها وشعرت بغصة في قلبها وظلت على تلك الحالة حتى عادت شقيقتها إلى المنزل فاقتربت منها وتساءلت 

- روحتي لعماد؟ 

حركة رأسها لأعلى وأسفل والدموع تنهمر بغزارة على وجنتيها فتابعت شقيقتها بغضب

- منظرك بيقول طردك وأنا قولتلك من الأول ما تروحيش لأته مستحيل يسامحك
- كفاية مش عايزه أسمع حاجة، مش هفضل عمري كله أتحاسب على غلطة 

قاطعتها شقيقتها قائلة: أنتي دمرتيه ودمرتي كل حاجة، مش هيسامحك بين يوم وليلة،  سبيه يهدى وأنا هروحله بنفسي وأحاول أقنعه، دلوقتي قومي أتوضي وصلي واستغفري ربنا وأدعيله 

استطاعت كلمات شقيقتها إخماد النيران المشتعلة بداخلها فرفعت رأسها وكفيها إلى السماء ودعت الله مراراً وتكراراً ليزيل الذنب عن كتفيها

***
بالمشفى... 
طرق أدم باب غرفة أحلام ثم دلف إليها حاملاً بيد باقة فخمة من الزهور الحمراء التي تعشقها جوري، وباليد الأخرى علبة من الحلويات المفضلة لمدللته ثم اقترب منها شيئاً فشيئاً حتى استقر أمامها فلمعت عينيها فرحاً وهي تضع يديها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فابتسم بسعادة وهتف

- كل سنة وأنتي طيبة وعقبال مليون سنة تعيشيهم في حضني

تسارعت نبضاتها فرحاً وأتسعت ابتسامتها الساحرة فلم تشعر بنفسها إلا وهي تلقي بجسدها في صدره وهي تردد

- قولت هتنسى عيد ميلادي علشان الظروف اللي إحنا فيها
- أنا أنسى نفسي ومنساش اليوم اللي جيتي فيه الدنيا علشان تنو دنيتي 

أبعد رأسها عن صدره ووضع يده أسفل وجنتها ثم نظر مُباشرةً إلى زرقاوية عينيها وتابع

- بحبك يا جوري
- وأنا بحبك اوووي، كتيررررر

كاد أن يتحدث لكن قاطعه خروج أحلام مستندة على يد فاطمة من حمام الغرفة فابتعدت جوري عنه وتراجعت خطوات قليلة إلى الوراء وهي تتحدث بخجل

- كان بيقولي كل سنة وأنتي طيبة

أسرت أحلام ضحكتها بصعوبة بينما اصطنعت فاطمة الغضب وقالت بجدية مصطنعة

- عيشنا وشوفنا، معايدة عيد الميلاد بالأحضان 

ازداد خجل جوري وتمنت أن تنشق الأرض بها بينما رمق أدم والدته بنظرة نارية بادلته إياها بابتسامة لتزيد غضبه فرفع أحد حاجبيه وهتف

- بطلي هزارك التقيل ده يا طمطم
- طب لم نفسك بدل ما عمك يحلف يمين ما تفضلوش سوا في شقة واحدة، وتعالى وريني جايبلها إيه علشان

قاطعتها أحلام بوهن: طيب رجعيني السرير الأول وبعدين شغلي المفتش كرومبو اللي جواكي

- لمؤاخذة ياختي نسيتك

ابتسمت جوري وهي مازالت توجه نظراتها صوب الأرض بينما ضحك أدم على جنون والدته الذي ورثه عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى أراحت أحلام جسدها على الفراش فاقتربت فاطمة من أدم وتساءلت

- جايبلها إيه؟ 
- ورد وحلويات، تاخدي حته؟ 
- اه
- لا دي بتاعت جوري بس

رفعت جوري بصرها إليه وابتسامة عذبة ترتسم على ثغره فغمز لها بمشاكسة وأردف

- وجبتلها عربية علشان أكفر عن ذنبي وتعرف أني بثق فيها ومش عايز أخليها تابع ليا

لمعت عينيّ جوري من جديد وانبعث ضوء السعادة من وجهها لكن سعادتها لم تكن بسبب الهدية، بل لتبدل حاله وثقته بها فسألته برقة

- بجد يا أدم بتثق فيا ومش هتخليني تابع ليك؟ 
- أكيد يا عمري، وكمان هعلمك السواقة بنفسي بس لما لولي تشد حيلها 
- ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا

راقبت فاطمة المشهد بسعادة وتأكدت بالدليل القاطع أن ابنها ورث جميع صفات والدته، الغيرة والحنان، الغضب والرحمة، العقل والجنون... تلألأت الدموع داخل مقلتيها عندما تذكرت حبيبها الراحل فدلفت إلى الحمام حتى لا تُفسد عليهما لحظات الصفاء والعشق، ثم نظرت إلى وجهها بالمرآة ورددت بخفوت

- وحشتني أوي يا صبري، ابنك طالع حتة منك كنت تغير وتزعق وتتخانق وبعد دقيقة تهدى وتاخدني في حضنك، الله يرحمك ويجمعنى بيك

غسلت وجهها وغادرت الحمام ثم اقتربت من أدم واختطفت منه علبة الحلويات لتشاكسه لكنه لك يرفع راية الاستسلام واسترد ما أخذته ثم قبض برفق على معصم جوري وركض إلى الخارج فضحكت أحلام حتى دمعت أعينها ثم نظرت إلى فاطمة وقالت مازحة

- مجنونة أكتر من ابنك
- أيوه كده اضحكي خلي الدنيا تنور
- ربنا يخليكي ليا يا سندي
- ويخليكي ليا ويشفيكي ويعافيكي يارب


****

انتهت لمياء من إعداد وجبة ذكية الرائحة ثم أحضرت صينية كبيرة ووضعت عليها العديد من الأطباق، وخلال دقائق قليلة غادرت المطبخ واتجهت صوب والدهاوهتفت مازحة

- الأكل كله جاهز يا أحمد باشا

رفع أحمد بصره إليها وضيق بين حاجبيه ليصطنع الغضب فابتسمت برقة وتابعت

- قصدي الأكل جاهز يا أطيب أب في الدنيا
- أكلنا ولا أكل جارنا اللي جاهز؟ 
- الأتنين

قالتها ثم عادت أدراجها إلى المطبخ وحملت الصينية وغادرت فاقترب منها أحمد وحمل الصينية عنها ثم غادر الشقة واتجه نحو شقة عماد وطرق بابها بخفة، فترك عماد فراشه بصعوبة ثم اتجه نحو باب الشقة وفتحه

- جبتلك أكل علشان تاكل كويس وبالمرة يبقى عيش وملح

شعر عماد بالسعادة فلم يهتم أحداً به منذ وفاة والده فابتسم بامتنان وهتف

- بجد مش عارف أقول إيه ولا أشكر حضرتك أزاي، أنا فعلاً كنت جعان ومش قادر أعمل أي شيء 
- يبقى أقعد كل بألف هنا وشفاء، لمياء اللي طبخت ربنا يستر بس ويطلع الأكل عدل 

تسارعت نبضات عماد في سعادة لمجرد وصول أسمها إلى أذنيه، لكنه استرد رباط جأشه وقال

- أكيد هيعجبني، كفاية تقدير حضرتك ليا
- طيب كل الأول وبعدين نتكلم حكم طبيخ بنتي عجيب، ربنا يستر

ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي عماد فودعه أحمد وعاد إلى شقته ليتناول الطعام برفقة ابنته... 
أما عماد فجلس يأكل بنهم لشعوره الشديد بالجوع، وما أن فرغ اراح جسده إلى الخلف قليلاً وتمتم في نفسه

- من سنين ما أكلتش أكل حلوة كده

شرد لعدة دقائق في نظرة القلق التي رآها داخل عينيها، وعبس بشدة عندما تذكر دموعها فأكمل حديثه مع النفس قائلاً 

- بلاش تعلقها بيك وأنت عارف ظروفك كويس

بمجرد أن توقف عن الحديث، استمع إلى صوت يتردد بقوة داخل أذنيه، نعم أنه صوتها العذب الذي يجذبه إليها أكثر فأكثر فابتسم بسعادة وأردف

- مش يمكن تكون دوايا

أخرج هاتفه من جيب سرواله وقرر إرسال رسالة نصية فكتب

 (تسلم أيديك الأكل حلو جداً) 

اهتز هاتف لمياء الموضوع إلى جوارها على الفراش فالتقطته وأسرعت بقراءة الرسالة، واندهشت بشدة عندما رأت أسمه فأخذها الفضول لقراءة كلماته، فقرأتها وابتسمت ثم كتبت

(كنت فاكرة هتقولي أكلك غريب زي ما بابا دايماً بيقولي، بس والله ده الأكل اللي على الموضة، مبسوطة أنه عجبك) 

ضغطت زر الإرسال فصدح صوت رنين هاتفه فقرأ رسالتها على الفور ثم أرسل

(بالعكس الأكل جميل جداً، من سنين ما أكلتش أكل بيتي للأسف عايش على أكل الشارع) 
(يا حرام) 

أرسلتها بتلقائية فقرأها وابتسامة خلابة تزين ثغره وكاد أن يرسل واحدة لكنه رفع رأسه عن الهاتف وتحدث إلى نفسه

- أنا أكيد اتجننت، إيه شغل المراهقين اللي بعمله ده

ألقى بالهاتف على المقعد المجاور له وألف فكرة تدور برأسه فقاطعت لمياء شروده برسالة، التقط على أثرها الهاتف شوقاً لقراءة كلماتها

(الجرح بيوجعك ولا المسكن كويس؟) 
(لا مش حاسس بأي ألم، هستأذن والدك تغيريلي على الجرح مش هقدر أسوق العربية لحد المستشفى، هضايقك؟) 

قرأتها وابتسمت ثم أرسلت رسالة قصيرة تحمل معانِ كثيرة 

(بالعكس ده شيء يسعدني، مش هيضايقني أبداً) 
(لما تفضي أبعتيلي رسالة علشان أبعتلك الرواية) 
(أوك، هصلي العشاء وأقول لحضرتك تبعتها) 

قرأها عماد وابتسم ثم وضع الهاتف وترك مقعده متجهاً إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي ولكن طاردته ذكرياته الأليمة وما حدث صباحاً فتجدد الألم بقلبه وتمتم بحدة

- أنا بكرهك، وهعيش وأموت وأنا بكرهك يا حقيرة

****

أوقفت سيارتها أمام فندق فخم لكنها لم تترجل من السيارة بل ترددت في ما جاءت لأجله فظلت جالسة لمدة ليست بالقليلة أخذت قرارها وترجلت ثم دلفت إلى الداخل واستقلت المصعد إلى الطابق العاشر حيث يجلس الثري العربي في انتظارها... اقتربت من باب الغرفة وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالتوتر ومع ذلك طرقت الباب فانتفض هشام عن مقعدة وفتح الباب ثم جذبها بخفة إلى الداخل وهتف

- يا الله على هالچمال، الفندق نور والله

ضحكت فاتن بدلال وقالت: مش أوي كده يا أبو عبد الرحمن

- والله اشتاجتلك، هالا بنتمم عقد الزواچ وبتصيري إلي لأسبوع 

أخرج من جيب جلبابه سندات ورقية بقيمة مليون ريال سعودي ثم قدمه إليها وتابع

- مهرك يا عروسة

أخذت منه ما قدمه إليها فابتعد قليلاً ثم عاد حاملاً علية من الذهب الخالص فتحتها فاتن ووجدت بداخلها مجموعة من الحلي والمجوهرات  فأردف

- وهاد كله لألك
- كتير أوي كده

قاطعها قائلاً: ما في شي بيغلى عليكي، يلا أمضي ورق الزواچ لتحلى ليلتنا

- طيب والشهود؟ 
- مضوا قبلك وراحوا ولا تجلجي هاد عقد رح تمضي عليه بيلزمك تبقي معي لأسبوع ويلزمني طلجك بعد الأسبوع، بتجولي زوجتك نفسي وأنا بجبل

ابتلعت فاتن ريقها بصعوبة وقررت تنفيذ الصفقة فقامت بإمضاء عقد الزواج الأشبه بعقد شراكة ثك سلمت جسدها إليه ليفعل ما يحلو له

****

في ذات اللحظة كان محسن يتناول العشاء برفقة سهيلة على ضوء الشموع... أطعمها بيديه ليدللها فبادلته وأطعمته وهي تصطنع الدلال لمعرفتها الجيدة بأن هناك من يراقبهما ويلتقط لهما الصور الفوتوغرافية، وبمجرد أن علّا صوت الموسيقى، ترك مقعده وتقدم منها ثم مد لها يده فوضعت كفها بداخلها ومضت معه إلى حلبة الرقص ثم بدأت تتمايل وهي تتبادل معه نظرات العشق وبالنهاية اسندت رأسها على كتفه لتُعطي للفضيحة التي اعدت لها سالفاً مجموعة من الصور الرومانسية التي تُحاكي قصة عشقها له

***

في الثامنة مساءاً انتهت لمياء من أداء فرضها ثم رفعت يديها إلى السماء ودعت الله كثيراً... بعد لحظات قامت عند سجادة الصلاة وحملت الهاتف لتراسل عماد كما طلب منها حتى يرسل روايته، لكنها ما أن أمسكت الهاتف بين راحتها طرق والدها باب الغرفة ثم دلف إليها وهتف

- قاعده لوحدك ليه؟ 
- كنت بصلي وهذاكر شوية
- ربنا يفتح عليكي، أنا نازل أجيب أمك محتاجة حاجة وأنا راجع أجبهالك؟ 

ابتسمت لمياء بسعادة واقتربت من والدها ثم وقفت على أطارف أصابعها وطبعت قبلة على وجنته وقالت

- أنت مش مخليني عايزه حاجة، ربنا يخليك ليا
- ويخليكي ليا، صحيح جارنا طلب مني تغيريله على الجرح الصبح بدل ما يتصل بالمساعد بتاعه يجي ياخده المستشفى مخصوص يغير عالجرح، قولتي إيه؟ 

بالرغم من معرفتها المُسبقة بذلك إلا أنها شعرت بالخجل فأجابته بصوت مرتعش

- اللي حضرتك تشوفه
- خلاص الصبح نروحله سوا، هتحرك بقى بدل ما أتأخر على ماجدة 
- مع السلامة

انتظرت حتى غادر والدها وأمسكت هاتفها من جديد لتتحدث إلى عماد لكن سبقها صوت رنين فابتسمت بسعادة 

- وحشتني وحشتني وحشتنننننننني
- وأنتي كمان وحشتيني، الشبكة بتقطع أقفي في حته فيها شبكة

اتجهت لمياء مُباشرةً صوب الشرفة وقالت: بجد وحشتني يا سعد أرجع بقى

- سعد!!! 

رددها عماد بغضب ثم صر على أسنانه وترك الشرفة حيث كان يجلس في انتظارها، وبمجرد أن دلف إلى غرفته أخذ يجوب المكان ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية وهو يردد

- كلكم زي بعض، كلكم زي بعض، كلكم خاينين

توقف فجأةً عن الحركة ثم ثنى جزعه ونظر إلى عينيه عبر المرآة وتابع بنبرة صوت تثير الفزع

- هخليها تندم


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Friday, July 19, 2019

حريق على الجسر، هاني النجار

July 19, 2019 0
حريق على الجسر، هاني النجار

ليس أصعب على الانسان من شعوره بأنه قيد التلاشي والفناء أو أن هويته مثار نهب واشتهاء
ترزح تحت معول الاخرلمحوها.
لكننا إن كنا نظن أن سبيل الحرية هو التحرر من الاصفاد التي تٌكبّل المعاصم ، 
والتحلل من الأغلال التي تُقل الأعناق
أو كنا نعتقد أن أول خطوةعلى طريق الاستقلال هي اإنفلات من براثن هذا الآخر 
فنحن بلا ريب رهائن الغفلة ، ذاهلون عن المرجعيات الحقيقة التي تدفع بنا اأو تكاد..
نحو طريق الحرية.


للقراءة إضغط هنا:
للتحميل إضغط هنا:

Sunday, July 14, 2019

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع - بقلمي منى سليمان 

* صدفة *   

بالمشفى... 
ودعت أحلام الجميع ثم مضت برفقة إحدى الممرضات لإجراء مجموعة من الفحوصات قبل بدء الجراحة فجلست جوري تبكي على أحد المقاعد خوفاً من فقدان والدتها... اقتربت منها فاطمة وضمتها إلى صدرها ثم همست في أذنها 

- خلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله

قالتها جوري ثم ابتعدت عن صدر فاطمة وكفكفت دموعها وخلال دقيقة واحدة أخرجت المصحف من حقيبتها وبدأت تتلو آياته بتدبر فتركت فاطمة مقعدها واقتربت من أدم قائلة

- اتصل شوف عمك وماجدة أتأخروا ليه
- حاضر 

ابتعد أدم قليلاً ليتحدث إلى عمه بينما عادت فاطمة لتجلس إلى جرار جوري وبدأت هي الأخرى في تلاوة القرآن عله يزيح الثقل الكائن بداخلها

****

وقفت لمياء عن الدرج وهمت أن تبتعد لكنه لم يسمح بذلك وسبقها بخطوة مانعاً إياها من الصعود فرفعت بصرها إليه ورمقته بنظرة نارية بادلها إياها بابتسامة خفيفة زينت شفتيه فقالت بغيظ

- من فصلك وسع شوية لأني متأخره جداً 
- أنا أسف

انطلقت الكلمات من بين شفتيه بطريقة هادئة لم يعتاد عليها من قبل لكنها لم تكن كافية بالنسبة إليها فبدأت تتحدث بطريقة جنونية كتلك التي يمتلكها الأطفال عند الغضب

- لو سمحت يا أستاذ عماد عديني، مفيش حاجة بينا تستدعي الاعتذار أنا اللي غلطانه علشان اتصلت بحضرتك بس على فكرة دي كانت فكرة بنت عمي غير كده مكنتش هتصل، ممكن أعدي بقى؟ 
- لا مش ممكن، أولاً أنتي مش غلطانه في حاجة بالعكس احترمت جداً تقديرك لوالدك ورغبتك في انتظار إذنه قبل أي خطوة، ثانياً تقدري تتصلي في أي وقت لأن ده شغل وقولتلك قبل كده أنا والدار تحت أمرك، ثالثاً أنا أسف 

شعرت لمياء بقليل من الرضا ومع ذلك لم تظهر له ذلك فأرجعت خصلات شعرها خلف إذنها وقالت برقة

- خلاص محصلش حاجة، ممكن أعدي بقى؟ 
- اه طبعاً ممكن

أفسح لها المجال لتمر إلى جواره ووقف يتابعها بعينيه حتى توقفت بدون سابق إنذار وعادت إليه لتسأله

- هو حضرتك بتعمل إيه هنا؟ 
- أنا ساكن هنا

جحظت عينيها وأتسع ثغرها في صدمة فابتسم على فعلتها وتابع: وواضح أنك ساكنة هنا، صدفة عجيبة

- فعلاً 
- طلعنا جيران


كادت أن تتحدث لكن قاطعها هبوط المصعد فرددت: الحمد لله

اقتربت من المصعد وقامت بضغط الزر فلحق بها عماد ووقف هو الأخر في انتظاره فشعرت بالتوتر دون أن تُظهر ذلك لكنه شعر بتوترها عندما استمع إلى صوت أنفاسها المضطربة، لم تمض سوى لحظات قليلة حتى استقر المصعد بالطابق الخامس فدلفت لمياء ولحق بها عماد متسائلاً 

- الدور الكام؟ 
- العاشر

قالتها بخجل ملحوظ يشبه خجل طفلة لم تتعدى العاشرة فأسر ابتسامته بصعوبة وهتف

- أنا كمان ساكن في الدور العاشر

ضغط زر الطابق العاشر ووقف يراقب الصدمة الظاهرة بوضوح على قسمات وجهها والتزم الصمت حتى لا يزيد غضبها، ولكن كان للقدر كلمة أخرى، توقف المصعد بين الطابق السابع والثامن فشعرت بالخوف ونظرت إليه بأعين ملأها الرعب 

- هو وقف ليه؟ 
- أكيد لسه بيعملوا الصيانة وإحنا استعجلنا
- وبعدين هنفضل محبوسين هنا؟!! 

رفع سماعة المصعد وقام بالاتصال على حارس العقار وأخبره بوجودهم بالداخل ثم أنهى المكالمة ونظر إليها قائلاً 

- قال هيتصرف
- أنا خايفه أوي وكمان إتأخرت وعندي سيكشن عملي
- هتلحقيه بأمر الله

ساد الصمت بينهما من جديد فاستغل عماد الفرصة التي ظهرت أمامه من العدم وسألها

- لسه زعلانه مني؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أفهم من كده هتطبعي كتابك عندنا ولا غيرتي رأيك؟ 

قال كلماته بطريقة مازحة فابتسمت وهي توجه نظراتها صوب الأرض ثم استجمعت شجاعتها ورفعت بصرها إليه 

- لو بابا وافق يشرفني طبعاً أتعامل مع حضرتك
- ممتاز 

تحرك المصعد بدون سابق إنذار وأكمل صعوده إلى الطابق العاشر فخرجت لمياء منه ثم لحق بها عماد وأردف

- تحبي أوصلك الجامعة؟ 
- ميرسي، السواق منتظر تحت بالعربية هيوصلني ويرجع ياخدني، بعد إذنك

دلفت إلى الشقة ثم ودعته بابتسامة وأغلقت بابها فاتجه صوب شقته وهو يشعر بأمر غريب يدور بداخله، أما هي فظلت واقفة خلف باب الشفة واضعة يدها على قلبها ثم تنفست بعمق ودلفت إلى غرفتها لتأخد النقود وخلال دقائق قليلة غادرت فتابعها عماد بعينيه من خلال شباك غرفته حتى انطلق قائد السيارة، وبمجرد أن اختفت السيارة تماماً ابتعد عن الشباك وجلس على أحد المقاعد وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغره سرعان ما اختفت وحل مكانها نظرة مريبة فردد في نفسه

- ما ينفعش 

****

في الظهيرة استيقظت سهيلة وهي عازمة النية على إخبار ابنتها قبل أن تعرف بما حدث من خلال الصحافة ووسائل الإعلام الفنية التي ستتناقل الخبر... تركت فراشها والغرفة كذلك ثم ذهبت إلى غرفة ابنتها وجلست إلى جوارها قائلة بصوت هادئ

- فاتن wake up يا عمري

تململت فاتن بكسل ثم وضعت الوسادة فوق رأسها فأزالت فاتن الوسادة وكرر كلماتها بصوت أكثر جدية ما جعل فاتن تعتدل في جلستها والضجر يظهر بوضوح على قسمات وجهها فتابعت والدتها

- صح النوم
- صباح الخير
- فوقي كده علشان عايزاكي في موضوع مهم 
- سمعاكي يا مامي، خير؟ 
- في موضوع كده حابه أبلغك بيه، عارفه أني غلطانه علشان خبيت عليكي بس الموضوع جه بسرعة و

قاطعتها فاتن متسائلة بقلق: في إيه قلقتيني؟ 

- أنا أتجوزت محسن منصور من شهرين و

توقفت سهيلة عن إكمال كلماتها عندما تبدلت ملامح فاتن وجحظت عينيها من هول الصدمة فقالت بحدة وصوت عال

- What?!! 
- أنا عارفه أني غلطانه بس أعمل إيه بحبه 

تطاير شرار الغضب من عينيّ فاتن واستعدت لإطلاق سهامها في وجه والدتها، ولكن سبقتها الأخيرة وتابعت بنبرة صوت تحمل الانكسار المصطنع

- هو أنا مش من حقي أحب واتحب وأعيش حياتي زي والدك ولا خلاص أروح أدفن نفسي بالحياة 

تساقطت دموعها الأشبه بدموع التماسيح فزفرت فاتن بضيق ثم ربتت على يد والدتها وتحدثت بهدوء 

- بعد الشر عنك، أنا بس مش مصدقة أنك خبيتي عني
- حقك عليا وأوعدك مش هخبي عنك حاجة تاني أبداً 
- مبروك مامي
- الله يبارك فيكي يا قلبي، عمو محسن قال هيعمل معاكي لقاء قريب أوي

أتسع ثغر فاتن في سعادة فاعتلت الفراش ورددت بسعادة: بجد يا مامي؟ 

- طبعاً يا قلب مامي

أخذت فاتن تقفز فرحاً ثم ألفت بجسدها على الفراش وانطلقت من بين شفتيها أعلى الضحكات فتركتها سهيلة وغادرت، وبمجرد أن عادت إلى غرفتها لمعت عينيها بخبث وتمتمت في نفسها 

- كده تمام أوي وكل حاجة ماشيه زي ما خططت وأحسن 

****

بالمشفى... 
كانت جوري تجوب الممر المؤدي إلى غرفة العمليات ذهاباً وإياباً بطريقة هيسترية لشعورها الشديد بالخوف فترك أدم مقعده واقترب منها في محاولة منه لتهدئتها ولكن دون جدوى فقد كان شعورها بالخوف يفوق طاقتها الاحتمالية، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها خروج الطبيب فركضت باتجاهه وتساءلت 

- العملية نجحت؟ 
- الحمد لله حالتها مستقرة وتم استئصال الورم بنجاح
- ألف حمد وشكر ليك يارب

قالتها جوري وهي تبكي بغزارة فأحاط أدم خصرها من الخلف بعد أن ابتعد الطبيب وقربها منه قائلاً 

- إيه لازمة الدموع دلوقتي؟ 
- كنت خايفه عليها أوي 
- الحمد لله ربنا طمنك فياريت بلاش دموع، هروح أطمن ماما وعمي وأرجعلك

بمجرد أن ابتعد أدم، اقتربت لمياء من جوري وعانقتها فتمسكت بها وهي تردد 

- كنت خايفة أوي 
- هي عامله إيه دلوقتي؟ عديت عليهم بره قالوا لسه
- الدكتور قال كويسه وأدم خرج يبلغهم
- طيب ما تعيطيش طالماً الدكتور طمنك

تنهدت جوري بحرقة ثم جلست على أحد المقاعد الموضوع أمام جحرة العمليات ثم نظرت إلى لمياء وقالت

- خايفه أخسرها يا لمياء، خايفه في يوم أصحى وملقيش جمبي لا أب ولا أم
- أخس عليكي ليه تفولي عليها بس، وبعدين تعالي هنا هو مش إحنا أخوات ولا إيه، وأدم جمبك وهيفضل جمبك لأخر العمر
- ربنا يخليكم ليا، أنتي بجد أختي وصديقتي وأقرب حد ليا

عانقتها لمياء مرة أخرى فتمسكت جوري بها علها تجد الأمان الذي فقدته منذ أن علمت بمرض أحلام

****

بمقر دار دار الحكمة للنشر والتوزيع جلس عماد على مقعده داخل مكتب فخم وأمامه مجموعة من الأوراق عليه مراجعتها ليقرر ما يصلح للنشر... كان شارداً لدرجة جعلته ينسى الزمان والمكان، فقط تذكر حديثه معها وتساءل في نفسه ما سر انجذابه نحوها بالرغم من عدم اهتمامه بفتاة من قبل؟... ظهرت على شفتيه ابتسامة خفيفة عندما تذكر معاملتها الجافة له قبل أن يعتذر منها... ظل على تلك الحالة لساعة كاملة ثم فاق من شروده على الأصوات التي تتردد بداخله فاشتعل صراع داخلي مع نفسه... وقف عن مقعده وهو يشعر بالاختتاق ثم دلف إلى الحمام الملحق بغرفة المكتب وغسل وجهه مراراً وتكراراً ثم نظر إلى نفسه في المرآة وردد بحدة

- ما ينفعش اللي بتعمله ده، من أمتى بتهمك واحدة، طلعها من دماغك ولو الكتاب بتاعها السبب يبقى شيله من حساباتك وشيلها هي كمان

أزال المياه عن وجهه ثم عاد ليتابع عمله وكأن شيئاً لم يكن، فقد قضى حياته بعيداً عن النساء وعليه التمسك بقراره إلى الأبد

*****

في العاشرة مساءاً عادت لمياء إلى المنزل برفقة والدها ووالدتها، بينما بقت جوري إلى جوار والدتها وكذلك فاطمة وأدم الذي رفض الابتعاد عن مدللته... دلفت إلى غرفتها وهي تشعر بثقل جسدها فقد كان يوم شاق... أبدلت ثيابها ثم توضأت وصلت فرضها وبمجرد أن فرغت حملت هاتفها ودلفت إلى الشرفة لتتحدث إلى جوري... 
على الجانب الأخر صدح صوت رنين هاتف جوري فتركت مقعدها وابتعدت قليلاً ثم أجابت قائلة

- وصلتوا؟ 
- اه يادوب أتوضيت وصليت

في ذات اللحظة كانت الكوابيس تطارد عماد كعادة كل ليلة فانتفض عن الفراش وهي يتصبب عرقاً وما أن شعر أنه على وشك الاختتاق غادر الغرفة ودلف إلى الشرفة لينعم ببعض الهواء النقي فاستمع إلى صوتها العذب وهي مازالت تتحدث عبر الهاتف

- تصدقي يا بت أنتي الشقة من غيرك هادية أوي
- ربنا ما يحرمنا من بعض ويشفي ماما وعموماً كلها ٤٨ ساعة وأجي أقعد على قلبك

تنهدت لمياء بحرقة فشعرت جوري بالقلق عليها وتابعت متسائلة: مالك؟ 

- عايزه أفاتح بابا في موضوع النشر وخايفه يرفض
- تااااني، يا بنتي ما قولتلك عمي تفكيره غير كده خالص، أقولك أصبري لما ماما تخرج وأنا بنفسي هفاتح عمي، بس قوليلي بالحق أنتي خايفه على فرصة النشر ولا حاجة تانية؟ 
- قصدك إيه يا ست جوري؟ 

قالتها بغضب ونبرة صوت حادة فابتسمت جوري وأجابتها بمرح طفولي: يعني قولت يمكن يعني مهتمة بدار النشر وصاحب دار النشر

- بقولك إيه أقفلي بدل ما أجي أكسر الفون على راسك وأبيتك جمب طنط في الرعاية
- أعوذ بالله منك، أنا هقفل من نفسي جتك القرف

أنهت جوري المكالمة المكالمة وعادت إلى فاطمة وأدم، بينما جلست لمياء على أحد المقاعد لتتأمل السماء ونجومها فشعر عماد برغبة ملحة في الحديث معها دون أن تفهم ذلك فاصطنع الحديث عبر هاتفه الخلوي قائلاً 

- يا سامي أسمعني علشان مش حابب كلام كتير في الموضوع ده

ميزت صوته بسهولة فتسارعت نبضاتها وحاولت التماسك فتابع بحدة مصطنعة وصوت عال

- بكرة الصبح خطة المبيعات الجديدة وأرقام التوزيع لسنة المعارض يكونوا على مكتبي ومش هقبل اعذار، مع السلامة

أنهى مكالمته التي لا وجود لها واتجه صوب سور الشرفة عله يتحدث معها دون أن يعرف السبب الذي يدفعه لذلك، فوقفت هي الأخرى عن مقعدها واقتربت من السور لتتلاقي أعينهم في نظرة سريعة قطعها بكلماته التي تحمل الاندهاش المصطنع بطياتها

- الصدف كترت النهارده بينا
- فعلاً، سبحان الله أوضة حضرتك طلعت جمب أوضتي والحيطة في الحيطة 
- لحقتي السيكشن بتاعك؟
- لحقته الحمد لله، مش عارفه ازاي بقالي سنتين ونص في القاهرة وما تقابلناش قبل كده في العمارة
- أنا لسه راجع من أمريكا من شهر قضيت منهم أسبوعين بنام في الدار لحد ما جهزت الشقة، لأنها مقفولة من تلات سنين تقريباً 

ضيقت لمياء بين حاجبيها فاندهش من فعلتها وتابع: مالك؟ 

- العمال اللي كانوا شغالين في شقتك مكنش بيحلالهم الدق غير وأنا نايمة 
- يا خبر أبيض، ده أنا هروح أشتكي حالاً لمهندس الديكور اللي سلمته الشقة

قال كلماته بطريقة ساخرة محببة إلى القلب فابتسمت ببراءة ليبادلها بسؤال

- قولتي أنك بتقرأيلي، يا ترى قرأتي إيه؟ 
- كل كتب حضرتك ورواياتك بلا استثناء 
- واو، وعجبوكي على كده؟ 
- أكيد، حضرتك كاتب مميز جداً وأفكارك دايماً مختلفه والنهايات على الأغلب سعيدة بس لاحظت في أخر رواية قسوة في معاملة البطل للبطلة بالرغم أن العشق بينهم كبير أوي

شرد عماد في كلماتها وبدأت أفكار عديدة تدور في رأسه ولكن سرعان ما فاق من شروده عندما تابعت برقة

- هستأذن من حضرتك وأدخل علشان مقتولة نوم
- اه طبعاً أتفضلي
- تصبح على خير

ودعها بابتسامة ساحرة جعلتها تتوه في قسمات وجهه ولم يعيدها إلى أرض الواقع سوى صوته

- تلاقي الخير

انتظر حتى دلفت وأغلقت باب شرفتها ثم دلف هو الأخر واتجه صوب المرآة ليطالع ملامح وجهه فابتسامته لا تظهر إلا في وجودها بالرغم من عدم معرفته الجيدة بها... ظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم حنى رأسه وتمتم بخفوت

- خليك بعيد عنها وبلاش تتعلق بيها، لو عرفت حقيقتك هتكرهك

صمت للحظات ثم رفع رأسه مرة أخرى ونظر إلى الغضب البادي على وجهه وتابع بغلظة وحدة واضحة

- أو هتخونك 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 14, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس - بقلمي منى سليمان 

* اتصال *    

استعادت لمياء توازنها وارتدت مُسرعة إلى الخلف هي تشعر بالإحراج فابتسم سامح على هيئتها وقال مازحاً 

- ما يقع إلا الشاطر يا دكتورة 

ازداد شعورها بالإحراج وهمت أن تعتذر منه لتغادر لكن سبقها عماد عندما تحدث بحدة وصوت عالِ

- أنا ماشي يا سامح، أشوفك بعدين
- تمشي فين بس ده أنا ما صدقت شوفتك
- أنا

بتر عماد كلماته بعد أن قاطعته لمياء قائلة: معلش لازم أمشي، بعد إذنكم

لم تنتظر الرد وغادرت على عُجالة فتابعها عماد بعينيه حتى اختفت تماماً بينما راقب سامح صديقه في صمت ثم وكزه في كتفه وهتف مازحاً 

- يا ابني قولي بس إيه النظام وانا أطبطك
- أنا مش فايقلك وورايا شغل، سلام

ما أن غادر عماد لمعت أعين سامح بخبث وتمتم في نفسه: أقطع دراعي لو ما كان في حاجة 

****

بعيادة الطبيب... 
ترقرقت الدموع داخل مقلتيّ جوري بعد أن سمعت ما والدتها مُقبلة عليه... جاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها ولكن دون جدوى فخانتها دمعة وسالت برفق على وجنتها سرعان ما مسحتها ووقفت عن مقعدها قائلة بثبات مصطنع

- هنزل أشوف أدم على ما تخلصوا

غادرت دون أن تلتفت خلفها وهبطت الدرج وهي تكتم صرختها، وظلت على تلك الحالة حتى وصلت إلى سيارة أدم الذي ترجل من السيارة واقترب منها وهو يشعر بالقلق على هيئتها، وقبل أن يتحدث سبقته وألقت بجسدها في صدره فغمرها بذراعيه وحنانه متناسياً الزمان والمكان، وظلت جوري على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها حينما فطنت إلى وجودها بين أحضانه بالطريق فابتعدت والخجل يكسو وجنتيها ما جعل ابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره وتحدث بمشاكسة

- ياما نفسي تنسي خجلك وأنتي في حضني ولو لمرة واحدة
- بطل قلة أدب

قالتها بغيظ وهي تزيل الدموع عن وجنتيها فسألها بصوت دافئ: مالك يا عمري؟ 

- حسيت أني بتخنق لما سمعت الدكتور بيشرح لماما هتتعالج أزاي، خوفت تشوف دموعي فبعدت علشان ماأزودش وجعها
- عندك حق، ما ينفعش نزود وجعها وننهار قدامها
- ربنا يشفيها ويعفو عنها
- يارب يا قلبي، تعالي نشرب أي حاجة في الكافيه ده على ما يخلصوا 

حركت رأسها بالموافقة ومضت معه إلى حيث أشار بسبابته فحاول الإمساك بكفها لتتشابك أيديهما لكنها أبعدت يدها وقالت بغيظ

- بس يا أدم إحنا في الشارع
- عندك حق يا عم جعفر
- أنت رخم على فكرة

قالتها بنبرة صوت تحمل الغضب بطياتها ثم سبقته بخطوة فضرب أحد كفيه بالأخر وتمتم في نفسها

- دي الشاويش عطيه كمان، مش هم جعفر بس

****

استقل عماد سيارته والأفكار تتخبط في رأسه وكأنه في صراع داخلي مع النفس بالرغم من عدم معرفته بسبب غضبه المفاجئ... أدار محرك السيارة وانطلق بها لكنه توقف على بعد أمتار قليلة عندما رأى لمياء تقف بالطريق... ترجل من السيارة بعد أن وضع نظارته الشمسية واقترب منها قائلاً بغيظ

- مستنيه حد ولا إيه؟ 
- طالبة عربية بس شكل اللوكيشن معلق وكل شوية يقولي جاي وما بيجيش

استطاعت كلماتها قطع الشك الذي تسرب إلى قلبه قبل عقله فتنفس بعمق ثم تحدث بهدوء 

- لو تحبي أنا ممكن أوصلك 
- ميرسي بس مش هينفع
- ليه؟

سألها بدون أي تردد أو تفكير فاندهشت بشدة دون أن تُظهر له ذلك ثم أجابته بخجل

- مش هينفع بجد

وجهت نظراتها خلفه ثم عادت لتنظر إليه وتابعت: بعد إذنك العربية جت، باي 

لوحت مودعة بطريقتها الطفولية فابتسم بخفوت ثم أدار جسده وقال قبل أن تدلف إلى السيارة 

- ما تتسيش تفكري وتردي عليا
- أكيد طبعاً 

ركبت وأمرت السائق بالانطلاق فعاد عماد إلى سيارته وانطلق هو الأخر إلى دار النشر ليتابع عمله

****

في ذات الوقت تململت فاتن في فراشها وخلال دقائق قليلة استيقظت وهي تشعر بصداع حاد كعادتها، فقد أصبت دائمة السهر والعودة إلى المنزل مع الساعات الأولى للصباح... اعتدلت في جلستها بصعوبة ثم ضغطت زر الجرس الموضوع إلى جوارها فتركت الخادمة ما تفعله وركضت مُسرعة إلى غرفة فاتن حتى لا تصطدم بلسانها السليط

- تحت أمرك يا هانم
- ماما لسه في هنا ولا خرجت؟ 
- لا الهانم الكبيرة ما رجعتش امبارح

اندهشت فاتن بشدة ثم أشارت بيدها إلى الخادمة لتغادر... تركت فراشها وبدأت تبحث عن هاتفها حتى وجدته فأجرت اتصالاً بوالدتها... في ذات اللحظة كانت سهيلة قابعة بين أحضان محسن منصور مقدم البرامج الأشهر بمصر والوطن العربي، وما أن صدح صوت رنين هاتفها ابتعدت عنه وأجاب قائلة

- صباح الخير يا روحي
- صباح النور، أنتي فين؟ مش قولتي مفيش شغل today
- ماجي تعبانه ومفيش حد معاهم فاضطريت أفضل معاها

استشعرت فاتن الكذب في كلمات والدتها التي لم تهتم لمرض أحدهم يوماً، ومع ذلك لم تظهر لها ذلك وتحدثت بهدوء مصطنع

- سلميلي عليها
- هتنزلي؟ 
- ممكن أروح أشوف داد وممكن أخرج مع الشلة، لسه مش عارفه

بعد مرور عدة دقائق أنهت فاتن المكالمة ثم دلفت إلى الحمام لتنعم بحمام دافئ... بينما على الطرف الأخر وقفت سهيلة على الفراش لترتدي ثيابها فاندهش محسن من فعلتها وتساءل

- بتلبسي ورايحه فين؟ 
- هروح، وكفاية أوي اللي حصل لحد دلوقتي
- سهيلة أنا بحبك
- بتحبني يبقى تعلن للكل جوازنا

أكملت ارتداء ثيابها ثم حملت حقيبتها وهمت أن تغادر الغرفة إلا أنه سبقها ووقف أمامها قائلاً 

- إحنا متفقين من أول يوم أن جوازنا هيفضل سر لحد ما ظروفي تتحسن وأعلنه بنفسي
- وأنا زهقت، عايشه معاك زي الحرامية ومراتك واخده كل حقوقها وزيادة، يا تعلن جوازنا يا نطلق 

ضيق محسن بين حاجبيه وتطاير شرار الغضب من عينيه فشعرت أنه على وشك الفتك بها وتابعت بنبرة صوت تحمل الدلال بطياتها

- أنا بحبك يا محسن، وخربت ببتي وأطلقت علشانك

رمقها محسن بنظرة اندهاش فطوقت عنقه بذراعيها وأردفت: أيوه سبت فريد علشانك، لأن من أول مرة شوفتك وأنا بحبك وأنت محستش بحبي ده غير من شهرين بس، ولما فكرت تتجوزني أتجوزنا في السر، يرضيك كده؟ 

قالت كلماتها الأخيرة بصوت يحمل الغضب والدلال فأحاط خضرها بذراعه وقربها منه بشدة ثم تأمل انعكاس صورته داخل مقلتيها وأجابها قائلاً 

- طبعاً ما يرضنيش ولو كنت أعرف أنك بتحبيني زي ما بحبك كنت جيت من زمان، بس أرجوكي أديني فرصة ألاقي الوقت المناسب وأعلن جوازنا
- دايماً بتغلبني في الكلام
- يلا تعالي نقعد سوا شوية قبل ما تمشي

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغرها ثم مضت برفقته إلى الفراش وهي تتمتم في نفسها

- وغلاوتك عندي بكرة الصبح خبر جوازنا هيبقى سيرة على كل لسان 

*****

في المساء اجتمعت أسرة جوري على مائدة الطعام في أجواء ساحرة ملأتها مشاكسات أدم لكل واحدة منهن عله يخفف من حدة التوتر الذي ملأ أرجاء المكان، فغداً ستخضع أحلام للجراحة بعد أن صمم الطبيب على إجرائها في أسرع وقت... وبعد أن فرغوا من تناول الطعام بدأت لمياء في إفراغ محتويات السفرة بمساعدة جوري التي نظرت إليها وتساءلت

- أنتي مخبيه عني حاجة، صح؟ 

حركت لمياء رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما قالته جوري فتابعت: كده من أمتى بنخبي حاجة على بعض؟! 

- والله مستنيه ندخل الأوضة وأحكيلك لأني محتارة
- خلاص تعالي نعمل الشاي وندخل نقعد جوه، أهو حاجة تنسيني اللي هيحصل بكرة

قالت جوري كلماتها الأخيرة بحزن ملحوظ فربتت لمياء على كتفها وقالت برقة

- هتخف بأمر الله وتبقى زي الفل، وما تقلقيش أنا جبتلك المحاضرات اللي فاتتك النهارده وبكرة كمان هجبلك وأجي على المستشفى، لو مكنش سيكشن عملي كنت فوته وجيت من أول اليوم
- لا روحي جامعتك وهاتي محاضراتي وبعدين تعالي بدل ما نتعطل، إحنا الأتنين، يلا نخلص علشان نقعد و

توقفت جوري عن إكمال كلماتها عندما رأت أدم يقف خلف لمياء، فرفع أحد حاجبيه وتحدث بشك

- سكتي يعني أول ما قربت، بتقولوا إيه؟ 
- بنقول كلام بنات تحب تسمع؟ 

قالتها لمياء ثم غمزت لجوري بمشاكسة فضربها أدم بخفة على رأسها وأجاب سؤالها بغيظ

- لا مش عايز أسمع، أنا هدخل ارتاح شوية

انصرف أدم بعد أن طبع قبلة على جبين حبيبته، وبعد مرور عدة دقائق جلست لمياء إلى جوار جوري على الفراش وقصت عليها كل ما حدث معها بالأمس والمفاجأة التي وجدتها في الصباح، فوضعت جوري يدها على ثغرها لتكتم صرختها وبمجرد أن استردت أنفاسها تساءلت ببلاهة

- عماد القاضي بجد ولا أنتي، أتجننتي؟ 
- لا هو بجد، وأنا برضو يوم الحادثة أقول وشه مش غريب بس من الخضه معرفتش أميز، المهم قوليلي أعمل إيه
- تقبلي طبعاااااااااااً
- وبابا؟ 

عقدت جوري بين حاجبيها قائلة: ماله عمي؟ 

- ممكن يرفض وأكيد مش هعمل كده من وراه
- بالعكس، أولاً عمي مثقف جداً، ثانياً هو نفسه بيرسم من سنين وعمره ما منعك تكتبي يبقى فين المشكلة؟! 

القت لمياء جسدها على الفراش وأخذت تنظر إلى سقف الغرفة فوكزتها جوري في قدمها بعنف وأردفت

- ما تقولي فين المشكلة؟ 
- مش عارفه خايفه 
- عموماً عمي جاي بكرة علشان عملية ماما، انتظري يومين تلاته وفاتحيه
- يكون أستاذ عماد زهق ومش بعيد يقولي لا
- خلاص اتصلي بيه فهميه

اعتدلت لمياء في جلستها وهتفت باندهاش: أنتي أتجننتي، أكلم مين؟ 

- عماد القاضي
- يا سلااااااام!! 
- والله عادي فهميه بس أنك محتاجة كام يوم، أسبوع بالكتير وتردي عليه
- لا أتحرج
- أنا قولتلك رأيي وأنتي حرة، هروح أنام ساعة وأقوم أسهر مع ماما، اوعي تنامي هنسهر كلنا سوا

غادرت جوري إلى غرفتها فبقت لمياء في مكانها وأخذت تفكر في كل ما قالته ابنة عمها ووقعت في حيرة من أمرها هل تُجري الاتصال أم تنتظر موافقة أبيها؟... وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعتها عندما أخذت قرارها وأجرت الاتصال... 
على الجانب الأخر كان عماد يتقلب في فراشه يميناً ويساراً وتطارده الكوابيس كعادة كل مساء، ولم يُخرجه من تلك الحالة سوى صوت رنين هاتفه فانتفض جسده عن الفراش وهو يتصبب عرقاً... كان كالمغيب لا يعرف ولا يعي مكان وجوده وخلال دقيقة واحدة استرد وعيه بالكامل وأحضر هاتفه ليجيب المكالمة ولكن انقطع صوت رنينه فمسح وجهه بكف يده ثم ترك الفراش ودلف إلى الحمام لينعش جسده تحت المياه، وبمجرد أن فرغ تناول الدواء الخاص به ثم جلس على حافة الفراش وأعاد الاتصال بالرقم... 
تسارعت نبضات قلب لمياء عندما صدح صوت رنين هاتفها فأغمضت عينيها وتنفست بعمق ثم ضغطت زر الإيجاب وقالت بصوت مرتعش

- السلام عليكم
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
- أستاذ عماد معايا؟ 
- أيوه أتفضلي
- أنا لمياء

لوى عماد ثغره وشعر برغبة ملحة في الفتك بها ثم تمتم في نفسه: بالسرعة دي أتصلتي

فاق من شروده عندما استمع إلى صوتها: حضرتك معايا؟ 

- نعم عايزه إيه؟ 

قالها بنبرة تعالي فترقرت الدموع داخل مقلتيها ثم استجمعت شجاعتها وقالت بثبات

- آسفة أني بتصل في وقت متأخر بس حضرتك قولت أتصل عادي، عموماً أنا كنت متصله علشان أطلب من حضرتك مهلة أسبوع أخد إذن بابا لأني مقدرش أعمل حاجة من غير موافقته، كمان بابا مش عايش في القاهرة، بس خلاص أنا صرفت نظر عن الموضوع كله وشكراً على الفرصة وآسفة على الإزعاج، بعد إذنك

لم تنتظر رده وأنهت المكالمة فزفر عماد بضيق ندماً على طريقته معها فأعاد الاتصال بها لكنها لم تجيب فقد كانت تبكي لشعورها بالإهانة، فكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى ما جعله يلقي بالهاتف على الفراش وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة أنهاها بصرخة هزت أركان المكان

- كفااااااية بقى
*****

انتظرت سهيلة حتى صعدت فاتن إلى غرفتها ثم دلفت إلى حجرة المكتب الخاصة بزوجها السابق فريد، وبدأت تبحث عن رقم أحد الصحفيين لدى جريدة صفراء تختص فقط بكشف المستور والأخبار المفبركة... ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة ثم أخرجت هاتف أخر قامت بشرائه وهي في طريقها إلى المتزل، وهلال دقيقة واحدة أجرت الاتصال فأجاب الصحفي 

- الو
- حضرتك أستاذ إبراهيم سعد؟ 
- أتفضلي مين معايا؟ 
- مش هينفع أقولك أسمي بس عندي خبر هيقلب الوسط الفني والإعلامي 

لمعت عينيّ إبراهيم فرحاً فسألها عن أي خبر تتحدث فأجابته وهي تأسر ابتسامة النصر بصعوبة

- محسن منصور أتجوز سهيلة خاطر من شهرين عند مأذون بس الجوازة في السر حتى بنتها ما تعرفش

وقف إبراهيم عن مقعده وأحضر ورقة وقلم ليدون ما قالته وبمجرد أن انتهى أكمل حديثه قائلاً 

- أنتي متأكدة من الكلام ده؟ 
- أيوه طبعاً وتقدر تتأكد بنفسك وتصورهم سوا كمان، هما بعد يومين هيسافروا سوا العين السخنة تلات أيام وهينزلوا في قرية بيلا روزا، زي ما تقول كده شهر عسل قصير والمايه تكدب الغطاس

كاد أن يسألها مِن أين جاءت بتلك المعلومات إلا أنها سبقته وأنهت المكالمة لتصدح ضحكتها الشيطانية بكل أرجاء المكان، وبمجرد أن تمالكت أنفاسها رفعت أحد حاجبيها بتفاخر وتمتمت في نفسها بسعادة

- أنا زي الفريك محبش شريك ولو مراته عندها دم هتخلع وتسيبهولي

*****

مع الساعات الأولى الصباح غادرت أحلام إلى المشفى برفقة ابنتها وشقيقتها وأدم الذي رفض الذهاب إلى الجامعة ليبقى إلى جوار طفلته فاليوم ستمر بتجربة لم تعيشها من قبل... ودعتهم لمياء وعادت إلى غرفتها لتبدل ثيابها لكي تذهب إلى الجامعة... 
في ذات اللحظة كان عماد يمارس رياضة الركض كعادة كل صباح وبمجرد أن انتهى أجرى اتصالاً بهاتفها لكنها تجاهلت ذلك كما فعلت طوال الليل ولم تجيب، زفر بضيق وقرر العودة إلى منزله ليذهب إلى الجامعة عله يصلح ما فعله.... 
بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انتهت لمياء من إبدال ثيابها ثم غادرت الشقة واستقلت المصعد هبوطاً، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الأرضي تذكرت أن حافظة نقودها خالية فضربت جبهتها بكف يدها وقالت بغيظ

- يخرببت الزهايمر

عادت إلى المصعد وحاولت فتحه ولكن دون جدوى فنادت حارس العقار وسألته عن السبب فأخبرها أن عمال الصيانة يعملون على سطح العقار لتحسين خدمة المصعد فضربت قدمها بالأرض كالأطفال وتحدثت بغضب

- يادي الحظ المهبب، هطلع العاشر على رجلي وأنا أصلاً متأخرة

زفرت بضيق وبدأت رحلة الصعود إلى الطابق العاشر، لكنها بمجرد أن وصلت إلى الطابق الخامس خارت قواها وجلست على إحدى درجات السلم لتلتقط أنفاسها وبقت جالسة لدقائق قليلة، وما أن أخذت قرارها لتكمل صعودها تفاجأت برؤية أخر شخص قد تتوقع وجوده أمامها، فأتسع ثغرها وهي تكاد تصدق ما تراه وقالت بدون أي تفكير

- أنت بتعمل إيه هنا؟ 

لم يجيبها ولو بكلمة واكتفى برسم ابتسامة على شفتيه فعضت هي على شفاها السفلى بغيظ ورددت بخفوت

- هو يوم أسود من أوله


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Wednesday, July 10, 2019

جوري/ منى سليمان

July 10, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع - بقلمي منى سليمان 

* عتاب *  

في الثالثة عصراً عاد أدم إلى المنزل ليحصل على قسط من الراحة قبل العودة لإحضار لمياء من الجامعة... توقع رؤية جوري تجلس في انتظاره ولكن تحطمت جميع ظنونه عندما لم يجدها فزفر بضيق اعتقاداً منه أنها مازالت غاضبة... دلف إلى غرفته وألقى بكتبه على سطح المكتب ثم أراح جسده على الفراش وتذكر الحديث الذي دار بينهما فزفر من جديد ثم ترك الغرفة واتجه صوب خاصتها وطرق بابها عدة مرات دون جدوى فدلف إلى الداخل واندهش لعدم وجودها... أغلق الباب وبدأ يبحث عنها في أركان المكان حتى وصل إلى غرفة أحلام ووجد الأوارق والتحاليل الطبية الخاصة بها مبعثرة في كل مكان فردد بنبرة صوت تحمل الخوف بطياتها

- جوري

حمل مفتاح سيارته وركض كالإعصار ثم هبط الدرج واقترب من حارس العقار قائلاً 

- عم أمين ما شوفتش جوري؟ 
- خرجت من يجي ست ساعات قرب تسعة وكانت بتعيط ندهت عليها ما ردتش

شعر أدم باهتزاز الأرض تحت قدميه وللحظة تذكر قسوته ومعاملته الجافة معها فأكمل القدر ما فعله وسدد لها صفعة جديدة جعلتها تغادر بتلك الطريقة... استقل سيارته وقبل أن ينطلق طلب من الحارس عدم إخبار والدته وخالته بما حدث ثم انطلق بسرعة جنونية وبدأ يبحث عنها 

***

بمكان أخر... 
استيقظت فاتن وهي تشعر بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها فاعتدلت في جلستها بصعوبة ثم أخدت علبة سجائرها الموضوعة إلى جوارها وأشعلت واحدة ثم أخذت تنفس دخانها في الهواء وهي تتذكر العرض الذي قدمه الثري العربي للزواج منها، بدأت تشعل واحدة تلو الأخرى دون أن تتوقف عن التفكير، وبالنهاية أخذت قرارها برفضه حتى لا يقف أحد في الطريق الذي سلكته

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرة لمياء ووقفت في انتظار أدم، وعندما طال انتظارها أخرجت هاتفها وقامت بالاتصال فأجابها قائلاً 

- جوري معاكي؟ 
- الصبح قالت مش هتخرج، هو في حاجة؟ 
- لا هي خرجت تتمشى وأنا قلقان عليها، أرجعي البيت وأنا هجبها وأجي 

أنهى المكالمة في عُجالة وأكمل بحثه بينما قررت لمياء العودة إلى المنزل سيراً على الأقدام لتحصل على نزهة بمفردها... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة اقتربت منها سيارة وبداخلها مجموعة من الشباب وبدأ أحدهم في معاكستها فشعرت بالخوف وابتعدت مُسرعة لكنه لم يستسلم وترجل من السيارة ثم لحق بها وقبض على معصمها قائلاً 

- على فين يا عسل، تعالي بس وأنا هبسطك
- سيب أيدي يا حيوان بدل ما أصوت وألم عليك الناس
- ناس إيه ده الشارع ده بالذات مقطوع، هتيجي معايا بالذوق ولا؟ 

جحطت عينيها بفزع عندما لوح في وجهها بسلاح أبيض كان يخبئه بيده الأخرى، وسحبها خلفه حتى وصل إلى السيارة وحاول دفعها إلى الداخل فصرخت بأعلى طبقات صوتها وقاومت بشدة حتى توقفت سيارة إلى جوارها وترجل سائقها على الفور فتركها الشاب وأمر صديقه بالانطلاق

- أنتي كويسه؟ 

سألها مالك السيارة لكنها لم تجيبه فقد كانت على وشك السقوط أرضاً فسبقها وأمسك بيدها ثم اقترب من سيارته وفتح بابها وساعدها كذلك على الجلوس

- عملك حاجة؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي ثم همت أن تقوم فمنعها حينما تابع 

- خليكي لحد ما تحسي أنك كويسه وأنا هركن على جمب، ما تخافيش

أغلق بابها واتجه صوب الطرف الأخر ثم قاد السيارة وأوقفها بالفعل على جانب الطريق دون أن يتفوه بالمزيد، وما هي إلا دقائق حتى استعادت رباط جأشها وقالت برقة

- أنا متشكرة لحضرتك أوي، بعد إذنك
- هتمشي لوحدك أزاي وأنتي دايخة كده؟ 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها وأجابته: أنا كويسه 

لم تترك له فرصة للاعتراض وترجلت من السيارة ثم أوقفت إحدى سيارات الأجرة وأمرت سائقها بالانطلاق فتابع السيارة بعينيه حتى اختفت تماماً ثم أدار محرك سيارته لينطلق إلا أنه رأى دفترها الذي سقط من يدها فوضعه على المقعد المجاور له وأكمل طريقه

****
بعيادة الطبيب... 
كانت أحلام تجلس في انتظار مقابلة الطبيب وهي شاردة بشدة، فقد أكدت الأشعة والتحاليل جميع شكوك الطبيب والآن عليها تذوق ذات العذاب الذي عاشته لتحارب من أجل البقاء إلى جوار ابنتها... راقبتها فاطمة بصمت وهي تأسر دموعها بصعوبة فلا تعلم هل تواسي شقيقتها أم تطلق العنان لدموعها وبالنهاية ربتت على يد أحلام وقالت

- إحنا هنشيل الهم من دلوقتي ولا إيه؟ ما يمكن يقول علاج بدل العملية

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي أحلام لكنها لم تكن كأي ابتسامة فقد كانت محملة بالحسرة والألم ومع ذلك حمدت الله في نفسها فهي تعلم جيداً أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه

***

في ذات اللحظة كان أدم يجوب الشوارع بسيارته بحثاً عن حبيبته الغاضبة منه ومن والدتها وكل من خبأ عنها مرض والدتها... كان يشعر بقلق لم يختبره يوماً فطفلته لم تغادر المنزل بمفردها من قبل والآن تغدو وحيدة... بحث بالشوارع المحيطة لمنزله وعندما لم يجدها قرر البحث في نطاق أوسع ولكن دون جدوى فأوقف السيارة على جانب الطريق وأخذ يضرب المقود مراراً وتكراراً ندماً على ما فعله معها ثم وضع رأسه بين كفيه ليفكر وظل على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها صوت جوري الذي تردد بقوة داخل أذنيه وتذكر عندما أخبرته بعشقها لمياه النيل فأدار محرك السيارة من جديد وقادها إلى كورنيش النيل أملاً أن يجدها

***

وصلت لمياء إلى منزلها وهي مازالت تحت تأثير الصدمة فاتجهت مُباشرةً إلى حمام غرفتها ودلفت إلى حوض الاستحمام بملابسها علها تنسى ما حدث معها تحت المياه الدافئة لكن ذلك لم يحدث فقد طاردتها ذكرى ما حدث وانهمرت دموعها بغزارة فجسلت تبكي وهي تحتضن جسدها لعدة دقائق ثم استردت أنفاسها وغادرت إلى فراشها... أراحت جسدها وتذكرت منقذها الذي ظهر من العدم كما تذكرت دفترها فانتفضت عن الفراش وأخذت تبحث عنه بجنون ولم تجده فتجددت دموعها حزناً على ضياعه فهذا الدفتر لا يفارقها منذ نعومة أظافرها ودونت به جميع خواطرها لذلك تحمله معها في أي مكان 

***

بعيادة الطبيب... 
انتهى الطبيب من مراجعة التقارير الخاصة بالأشعة والتحاليل ثم أزال نظارته الطبية ونظر إليها قائلاً 

- للأسف لازم يتشال بجراحة 

وجهت فاطمة نظراتها صوب شقيقتها ورأت السكون على قسمات وجهها فتابع الطبيب

- العملية لازم تتعمل في أسرع وقت علشان

قاطعته أحلام قائلة: فاضلي قد إيه أعيشه يا دكتور؟ 

اندهش الطبيب من سؤالها وهتف: مش فاهم قصدك

- أنا شلت ثدي وأخدت عشر جرعات كيماوي وزيهم إشعاع وشوفت أسوأ أيام حياتي ومبقاش عندي طاقة أعيد التجربة
- أنتي قصدك إيه؟ 

سألتها فاطمة بالرغم من توقعها الإجابة فأكدت أحلام كل ما يدور بخلد شقيقتها قائلة بصوت كساه الألم

- أنا مش هتعالج

وجهت نظراتها صوب الطبيب وكررت سؤالها فأجاب: أقل من ست شهور

- متشكرة لحضرتك، بعد إذنك

وقفت عن مقعدها لتغادر فلحقت بها فاطمة ومنعتها من المغادرة حتى أتها عنفتها وتشاجرت معها متناسية الزمان والمكان فتدخل الطبيب حينما طلب من فاطمة التوقف وطلب كذلك من أحلام أن تغاد وبمجرد أن نفذت رغبته نظر إلى فاطمة وقال

- هي حالياً تحت تأثير الصدمة والضغط مش هيفيدها بحاجة بالعكس هيزود ده فياريت تسبيها لحد ما تهدى وتاخد قرارها

حركت رأسها بالموافقة ثم لحقت بشقيقتها فوجدتها تجلس في انتطارها داخل السيارة فانضمت إليها وأمرت السائق بالانطلاق

***

في ذات الوقت أوقف أدم سيارته وترجل منها ثم بدأ يبحث عن طفلته بمنطقة كورنيش النيل، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى رآها تجلس على أحد المقاعد العامة وشاردة بشدة فتنفس بعمق وحمد الله على وجودها ثم اقترب منها شيئاً فشيئاً حتى استقر خلفها وقال بصوت دافئ

- كنت هموت لو ضعتي مني

لم تجيبه ولم تلتفت إليه أيضاً فقد كانت كالمغيبة وكأنها بعالم غير عالمه ما زاد شعوره بالقلق فجلس إلى جوارها وتابع 

- جوري أنتي سمعاني؟ بصيلي علشان أطمن وبلاش تتكلمي، أما قلقان عليكي و

بتر كلمته عندما قالت وهي مازالت تنظر إلى مياه النيل: كلكم كدابين، كلكم ضحكتوا عليا، بكرهكم كلكم

ظلت تردد تلك الكلمات مراراً وتكراراً حتى فقدت وعيها فحملها أدم وركض باتجاه سيارته ثم وضعها بالداخل وأسرع بالركوب وكعادته انطلق بسرعة جنونية إلى أقرب مشفى، وبمجرد أن وصل إلى وجهته أوقف السيارة وحملها مرة أخرى ثم دلف إلى الداخل فقام المسعفون بحملها عنه وأغلقوا باب غرفة الطوارئ ليبدأ الطبيب في معاينتها... 
بالخارج أخذ أدم يجوب المكان ذهاباً وإياباً وبداخله قلق وخوف من فقدانها، بقى على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها الطبيب حينما اقترب منه وتساءل

- حضرتك قريبها؟
- ابن خالتها وفي حكم المخطوبين، طمني
- الإغماء نتيجة ضغط عصبي بس حالتها كويسة، هي فاقت وهتفضل معانا ساعة نطمن أكتر
- ممكن أشوفها؟ 
- مفيش مشكلة بس ياريت بلاش تتكلم في أي حاجة ممكن تزود الضغط العصبي

حرك أدم رأسه بالموافقة ثم دلف إلى الداخل فأشاحت بعينيها عنه وقبل أن يتحدث، سألته بنبرة صوت تحمل الحزن بطياتها

- كنت عارف أن ماما تعبانه؟ 
- جوري أنا 

قاطعته قائلة: كنت عارف يا أدم ولا لا؟ 

- كنت عارف بس والله العظيم هي اللي طلبت أنه يفضل سر علشان خايفه عليكي
- مالك يا ماما... تعبانه من الانيميا، يا ماما الأنيميا متعملش ترجيع... أصل معدتي فيها قرحة، طيب نروح نشوف دكتور... كشفت يا بنتي وباخد الأدوية، ما تشغليش بالك أنتي

كانت جوري تردد تلك الكلمات بطريقة هيسترية ثم أدارت وجهها إليه وأردفت بصوت كساه الألم

- وأنا كنت هبله وبصدق، كنت هبله وصدقتك لما وعدتني عمرك ما تخبي عني حاجة، كنت هبله لما صدقت أنك بتحبني وسبتك تتحكم فيا، كلمي دي وده لا وألبسي ده وده لا، ممنوع الألوان الفاتحه ملفته للنظر وأنا مش عايز خد يبصلك، ممنوع تضحكي بره البيت، مفيش خروج غير وأنا معاكي، وبعد ده كله أنا بالنسبالك ولا حاجة مجرد لعبة ملكك ومش مسموح لحد غيرك يلعب بيها ولا حتى ممنوع اعترض وأقول لا، صح يا أدم ولا أنا غلطانه؟ 
- جوري أنا بحبك، ممكن غلطت لما خبيت عليكي وغلطت في تحمكاتي بس والله العظيم خوف عليكي، أنتي بنتي وأختي وصحبتي وحبيبتي، أنتي نور عيوني، أغضبي وصرخي لكن أوعي تفكري أني مش بحبك، أنا بعشقك من قبل ما أشوفك

استمر الحديث بينهما لدقائق جاهد خلالها أدم في إثبات عشقه لها، بينما أكملت جوري العتاب فكانت كبركان خامل منذ عدة والآن ألقى حممه البركانية هنا وهناك وبقت على تلك الحالة حتى قاطعها دخول الطبيب وتفقد مؤشراتها الحيوية ثم نظر إليها وقال

- ألف سلامة عليكي، تقدري تروحي وقت ما تحسي أنك قادرة بس ياريت بلاش عصبية

قام بنزع المحلول الذي يغذي جسدها وغادر الغرفة فاقترب منها أدم وساعدها على الاعتدال وقبل أن تقوم عن الفراش اقترب منها بشدة وطبع على جبينها قبلة حانية وهتف

- أنا أسف، وأوعدك مش هزعلك تاني أبداً بس أوعي في يوم تمشي وتسبيني، مكانك هنا وبس

أمسك يدها ووضعها حيث قلبه فتعلقت أعينهم لدقائق تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام فرأى داخل عينيها غضب بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً ورأت هي العشق الساكن بقلبه فهدأت تماماً ومالت لتسند رأسها على صدره فانفجرت دموعها الحبيسة لتخرج كل ما بداخلها... شعر بالسعادة لوجودها داخل الملاذ الآمن الذي تحتاج إليه فأحاط جسدها بحنان وتركها تفرغ غضبها حتى لا يصيبها مكروه، وبعد مرور عدة دقائق كفكفت دموعها وطلبت منه المغادرة فنفذ رغبتها وساعدها على الذهاب إلى السيارة ثم انطلق عائداً إلى المنزل 

****

أوقفت سيارتها داخل أسوار الفيلا ثم ترجلت وهي لا ترغب في ذلك لكنها لا تستطيع رفض دعوة والدها... رحبت بها الخادمة ودعتها للدخول فترك فريد مقعده واقترب منها بسعادة ثم ضمها إليه بحنان فبادلته العناق قائلة

- وحشتني أوي Dad
- ولما وحشتك ما جتيش ليه؟ 
- يمكن مراتك تزعل ولا حاجة
- شمس بتحبك جداً فبلاش شغل الحموات ده 

صرت فاتن على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك بزوجة أبيها لكنها لم تُظهر ذلك وجلست إلى جوار أبيها فتساءل

- أخبار الجامعة إيه؟ ولا خلاص مبقاش ليها لزوم؟ 
- بليز دادي بلاش نبتدي بتريقة
- فاتن لازم تفهمي أن مستحيل حد في الدنيا دي يحبك قدي وكلامي خوف عليكي 
- عارفه ده و

توقفت عن إكمال كلماتها عندما رأت شمس تهبط الدرج واقتربت من فاتن ثم رحبت بها وعانقتها أيضاً لكنها بادلتها العناق بفتور فابتعدت شمس عنها وجلست على المقعد المقابل لزوجها... بعد مرور عدة دقائق انتهت الخادمة من إعداد المائدة فاصطحب فريد الجميلتان وبدأوا في تناول الطعام... كان مذاق الطعام مميز وأكلت فاتن بنهم لم تعتاد عليه فابتسم فريد وقال مازحاً 

- الدايت راح فين يا تونا؟ 
- الأكل الصراحة تحفة أوي يا دادي

أمسك فريد يد زوجته ورفعها إلى شفتيه ثم طبع على ظاهر كفها قبلة حانية وأكمل حديثه قائلاً 

- الأكل ده كله صممت شمس تطبخه بأيديها علشانك

توقف الطعام بحلق فاتن وشعرت بنيران الغيرة تتأكلها فلم تشعر بنفسها إلا وهي تسقط طبقها أرضاً ثم وقفت عن مقعدها وتحدثت بغيظ ملحوظ

- لازم أمشي، شكل الأكل وجعلي بطني 

لم تنتظر الرد وغادرت وهي تتمتم بكلمات وصل بعضها إلى مسامع فريد والبعض الأخر غير مفهوم فوقف عن مقعده ثم طبع قبلة على خصلات شعر زوجته واعتذر منها قائلاً 

- حقك عليا 

ربتت على يده الموضوعة على كتفها وهتفت: مفيش حاجة حصلت، حقها تغير عليك وبكرة تتعود

- ربنا يكملك بعقلك ويخليكي ليا

****

عاد إلى منزله حاملاً الدفتر الذي تركته بسيارته ثم جلس على أحد المقاعد وبدأ يطالع الدفتر عله يجد ما يوصله إليها حتى يعيده فعلم أسمها وعامها الدراسي من خلال قرأته للصفحات الأولى، وعندما تعمق أكثر علم أنه دفتر خاص بخواطر نثرية تكتبها منذ عدة سنوات فظهرت شبه ابتسامة على شفتيه ولكن سرعان ما بدأت الأفكار تجول في رأسه فألقى بالدفتر على المقعد المجاور له ثم اتجه صوب غرفته ليحصل على قسط من الراحة... خلال دقائق قليلة استسلم إلى النوم فطاردته الكوابيس كعادة كل يوم وشعر أنه على وشك الاختناق، وظل على تلك الحالة حتى انتفض جسده عن الفراش فاعتدل في جلسته ووضع رأسه بين كفيه في محاولة منه للعودة إلى طبيعته 

ومعانا بكرة شخصية جديدة حلووووووة بزيادة 💃💃💃💃💃

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف