طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء
الفصل التاسع والعشرون - بقلمي منى سليمان
* عرس *
أعطى مفتاح سيارته إلى أحد زملائه بعد أن طلب منه توصيلها إلى مقر الإدارة ثم اتجه صوب سيارتها وانطلق إلى منزلها... كانت هادئة تماماً على غير عادتها فشعر بالقلق عليها وهتف بصوت دافئ
- مالك؟
أبعدت أمل رأسها عن زجاج السيارة الذي كانت تستند عليه ثم نظرت إلى حسام وأجابته بصوت كساه الحزن والألم
- زعلانه من الدنيا وناسها اللي قلوبهم مبقاش فيها رحمة، شوفت جبل الفلوس اللي شفناه بيقولنا أن العصابة قتلت ناس كتير أووووووي
شعر بغصة في قلبه إلا أنه لم يظهر ذلك بل أوقف السيارة على جانب الطريق وتحدث مازحاً
- لا أنا مش واخد على هدوئك يا شكل، كده هأخدك لاقرب مستشفى علشان أطمن على قواك العقلية
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها سرعان ما تلاشت عندما أوقف المحرك تماماً ثم ترجل من السيارة واتجه صوب بابها وفتحه قائلاً بهدوء
- يلا أنزلي
مد لها يده فوضعت كفها بداخل كفه وترجلت هي الأخرى فاصطحبها في نزهة سيراً على الأقدام لتلقي بحزنها داخل مياه النيل... كان يشاكسها تارة ويتحدث إليها بجدية تارة أخرى فنست بقربه حزنها كما نست الزمان والمكان
*******
مضت أيام تلتها أيام وحل الربيع بقلوب البعض بينما قضى البعض الأخو أسوأ أيام حياته
رفضت والدة منيرة استلام جثمانها فلم تكن تعلم بكل جرائم ابنتها فقررت إدارة السجن دفنها بمقابر الصدقة
تم ترحيل عادل إلى سجن المزرعة استعداداً لمحاكمته بعد أن تم إثبات التهم المنسوبة إليه، كما تم إلقاء القبض على جميع أفراد عصابته وتم حبسهم جميعاً على ذمة التحقيقات
انفردت أمل بنشر تفاصيل القضية باعتبارها الشاهدة الأساسية وتسابقت القنوات الفضائية والإذاعات على إجراء مقابلات معها
لازم حسام المشاكسة التي سيطرت على عقله وتفكيره أينما ذهبت فقد خشى أن يصيبها مكروه أو أن يقوموا بقتلها قبل جلسه النطق بالحكم
كان أمجد يصطحب حنين إلى الجامعة صباح كل امتحان ليشجعها وانتظر بفارغ الصبر انتهاء الامتحانات ليأتي يوم الخطبة وعقد القران
*أما أمير فانشغل طوال الوقت بتجهيز عرسه الذي سيقاوم بعد انتهاء امتحانات وعد بثلاث أيام *
******
بمنزل سوسن...
علّا صوت الموسيقى في أركان المنزل كما علّا صوت الفرح... وقفت أمل عن مقعدها ثم جذبت وعد لترقص فالليلة هي ليلتها الأخيرة في منزل سوسن وغداً ستصبح عروس أمير... رفضت وعد بشدة ولكن مع إصرار أمل وحنين بدأت تتمايل في سعادة فبكت والدتها من شدة فرحتها وما أن رأتها سلوى أحاطت ظهر رمزية بذراعها وقربتها إليه ثم همست في أذنها
- النهارده مفيش دموع، هنفرح وبس
وقفت عن مقعدها هي الأخرى وجذبت رمزية بيد وباليد الأخرى جذبت سوسن ليشاركن وعد الفرحة فتمايلت رمزية في سعادة واحتضنت ابنتها بين الحين والأخر...
بالخارج جلس أمير إلى جوار حسام بينما جلس أمجد إلى جوار والده واضعاً يده أسفل وجنته بضجر فمال أمير على أذن حسام وقال مازحاً
- بص الواد أمجد شكله مسخرة
- هو عامل كده ليه؟
- عايز يدخل يهيص في وسطهم
وصلت كلمات أمير الأخيرة إلى مسامع أمجد فقال بحدة وصوت عال
- اه يا أخويا عايز أدخل أهيص بدل العزاء اللي قاعدين فيه ده
ضربه والده بعنف على مؤخرة رأسه وتحدث قائلاً: فال الله ولا فالك، أفتكرلنا حاجة عدله دي ليلة مفترجه
- طيب سيبوني أدخل أرقص معاهم
- أقعد مكانك بدل ما أجي أرقصك بطريقتي
قالها حسام فأخذ أمجد يتحدث إلى نفسه بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس فانفجروا جميعاً ضاحكين على ملامح وجهه الغاضبة... بعد مرور ساعة كاملة غادرت رمزية الغرفة لتذهب لاستسلام الفستان الذي سترتديه في العرس، عرض عليها أمير أن يذهب معها وكذلك حسام إلا أنها رفضت لكون المكان لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المنزل فهتف محمود بحزم
- مستحيل تنزلي لوحدك، هاجي معاكي
حركت رأسها بالموافقة فاصطحبها إلى الخارج وهو يتفادى النظر إلى ابنه المشاكس ثم مضى برفقتها وساد الصمت لدقائق قطعها عندما أردف
- مبروك
- الله يبارك في حضرتك، مبروك لأمجد
- الله يبارك فيكي بس ياريت بلاش حضرتك دي، مفيش رسميات بين الأهل
بادلت كلماته بابتسامة رقيقة كصاحبتها فخفق قلبه بطريقة كان قد نسيها وعلم أن الساحرة التي تمضي إلى جواره سرقت قلبه بدون سابق إنذار
*******
انتهت السهرة وعاد أمير إلى منزله مصطحبا أمجد ووالده بالإضافة إلى حسام حتى لا يبقى بمفرده، بينما قضت حنين ليلتها برفقة وعد بالإضافة إلى أمل وسلوى... في الثانية عشر صباحاً تململت وعد في فراشها فقد منعها التوتر من النوم فأمسكت هاتفها وأرسلت إلى أمير رسالة نصية
(نمت؟)
كان مستيقظاً هو الأخر ويفكر في طفلته التي ستصبح ملكاً بعد عدة ساعات، وما أن صدع صوت رنين هاتفه معلناً عن وصول رسالة، ترك فراشه وأحضر الهاتف وبدلاً أن يبادلها رسالتها، أجرى اتصالاً هاتفيها بهاتفها فأجابت قائلة
- سوري شكلي صحيتك
- لا يا عمري أنا لسه ما نمتش
- ويا ترى بتفكر في إيه سرق النوم من عيونك؟
تساءلت بصوت دافئ غلفه الدلال فابتسم بسعادة وأجابها: بفكر فيكي
- وأنا كمان كنت بفكر فيك
- فرحانة يا وعد؟ ولا حاسة أننا استعجلنا؟
- طبعاً فرحانة جداً جداً جداً، ومش حاسة أننا استعجلنا لأن مكاني الطبيعي حضنك
قالت كلماتها بدون أي تردد أو تفكير فمرر يده بين خصلات شعره وشعر بالربيع يسري بداخله وبدأ بمطرها بكلمات عشقه فبادلته بصوت ضحكاتها التي يعشقها
*******
بالغرفة المجاورة لغرفة سوسن كانت أمل تتحدث إلى حسام عير تطبيق (الواتساب) فزم شفتيه بضجر عندما رفضت إرسال صورة الفستان الذي سترتديه بالعرس فكتب
(أوعي ألاقي فستان عريان ولا كتف باين)
ابتسمت بسعادة فهو دائماً ما يهتم بها فقررت مشاكسته قائلة
(وأنت مالك أصلا؟!!!! أنا حرة ألبس زي ما أحب)
أرسلتها ثم وضعت يدها على ثغرها لتكتم ضحكتها حتى لا تفيق حنين النائمة إلى جوارها ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى أرسل
(لا مش حرة ولو شوفت فتفوته عريانه ما تلوميش غير نفسك)
أتسعت ابتسامتها الساحرة حينما استشعرت الغيرة المصاحبة لكلماتها ولكن سرعان ما اختفت ابتسامتها ولوت شفتيها بضجر بعد أن تابع
(اللي مقبولش على حنين مقبوليش عليكي، وأنتي عندي زيك زي حنين ولو فكرت بس تلبس عريان هخنفها)
- أنا زي حنين يا بارد يا غتت يا تلم
رددت الكلمات في نفسها فقد أخبرها للتو أنها كشقيقته أي لا يكن لها أي مشاعر سوى الأخوة فأرسلت
(أنا هنام جتك القرف)
رفع أحد حاجبيه باندهاش وتحدث في نفسه قائلاً: مالها دي؟!!
********
في السادسة سطعت شمس يوم جديد ولكنه لم يكن يوماً كأي يوم فاليوم العرس وستنتقل وعد إلى جوار حبيبها لتغفى وتستيقظ بين أحضانه كما تمنى....
في الثانية عشر ظهراً أوقفت أمل سيارتها أمام أحد الفنادق الكبرى فترجلن جميعاً وذهبن إلى الداخل حيث الجناح الذي حجزه أمير لعروسه.. ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل حسام مصطحباً باقي الرجال فقد حجز أمجد الجناح المجاور لجناح وعد وحنين.... مضت الدقائق والساعات كأنها دهر فقد كان التوتر حليف جميع الأطراف... جاهد حسام طوال الوقت أن يرى الجميلة خاصته إلا أنها لم تغادر جناح وعد وحنين بل وتعمدت ذلك كنوع من العقاب لمن يعتبرها كشقيقته.... في الخامسة عصراً غادر حسام جناح (الخناشير) كما أطلق عليه واتجه صوب جناح (النواعم) كما أسماه أمجد... طرق الباب بخفة ففتحت رمزية فأطلق صفيراً حينما رأى سحرها في هذا الثوب الفيروزي... ثنى جذعه وطبع قبلة على ظاهر يدها وفعل المثل مع سوسن وسلوى لكنه ما أن استقر أمام حنين تلألأت الدموع داخل مقلتيه حينما رآها فاتنه في ثوبها الأحمر الطويل فقبل جبينها وهتف بصوت دافئ
- مبروك يا أجمل عروسة
- الله يبارك فيكي يا حبيبي
انتقل بنظراته إلى وعد وللمرة الأولى لا يشعر بغصة في قلبه لضياعها من بين يديه بل شعر بالسعادة لأجلها بعد أن تأكد أن مشاعره تجاهها كمشاعره تجاه حنين فاقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها فقالت برقة
- ربنا يخليك ليا، طول عمرك سندي والنهارده بتعوضني غياب أبويا
- عيب عليكي أنتي أختي، يلا يا قمر علشان أمير مستني على نار
تابطت وعد ذراعه الأيمن وتأبطت حنين ذراعه الأيسر وقبل أن يغادر بحث بعينيه عن أمل لكنه لم يجدها فقد كانت تختبئ داخل حمام الجناح حتى لا يراها قبل أن ترتدي الثوب الخاص بالعرس... بأعلى الدرج وقف حسام وطفلتيه حوله... هبط الدرج ببطء إلى أن استقر أمام أمجد فسلمه حنين ثم اقترب من أمير وسلمه وعد فطبع قبلة على جبينها وهتف بصوت دافئ
- زي القمر
- وأنت كمان
تابطت ذراعه ومضت برفقته إلى قاعة العرس والموسيقى تعلو شيئاً فشيئاً، أما أمجد فأخذ حنين وابتعد قليلاً ثم قال بجنون
- تعالي نهرب وسيبك منهم
وكزته في كتفه بخفة واصطنعت الغضب قائلة: بس هتبوظ الفرح
- اه صح هستنى الفرح يخلص وأخطفك
ضحكت بدلال وقالت: مجنون
- بحبك، مجنون بحبك يا حنين وعلشان أثبتلك أني بعشقك بعد شوية في مفاجأة ليكي
تقابلت أعينهم في نظرة ساحرة وساد الصمت لتتحدث لغة العيون ولكن قاطع حسام سحر اللحظة عندما ضرب أمجد بخفة على ظهره وتحدث بحدة مصطنعة قائلة
- لم نفسك يا خفيف، لسه مكتبناش الكتاب
- تمام يا فندم
قبض أمجد برفق على معصم حنين ثم ركض باتجاه القاعة فركضت خلفه وهي تردد بأعلى طبقات صوتها
- مجنوووووووووون
تابعهم حسام بعينيه والسعادة تملأ قلبه بعد أن اطمئن على وعد وحنين... انتظر خارج القاعة لعدة دقائق لكي يرى أمل إلا أنها لم تظهر فقرر الصعود إلى الجناح ليطمئن عليها.... ما أن وصل إلى الدرج واستعد لصعودة، أتسع ثغره في صدمة بعد أن رآها تهبط الدرج في فستانها الأسود الطويل المطعم بأحجار كريمة مختلفة الألون وذو ذيل طويل يتبعها مع كل خطوة تخطوها، لكن ذلك لم يكن سبب اندهاشه بل كان رؤيتها للحجاب الذي يغطي رأسها وزاد جمالاها جمالاً.... فاق من صدمته عندما تخطته لتدلف إلى القاعة فلحق بها إلى أن استقر خلفها ثم قبض يده برفق على معصمها وأدارها إليه فاصطنعت الغضب قائلة
- لو سمحت يا حضرة الرائد سيب أيدي
- حضرة الرائد؟!!!
- هو أنت مش رائد ولا إيه؟
لم تنتظر رده فسحبت يدها ودلفت إلى القاعة فصر على أسنانه وقال بغيظ
- أنا أترقيت مقدم على فكرة وهطلعه عليكي
دلف إلى الداخل وشرار الغضب يتطاير من عينيه وأخذ يراقبها بعينيه طوال الوقت... بعد مرور ما يقارب الساعة انتهى الشيخ من عقد قران حنين وأمجد فأحاط الأخيرة خصرها بذراعه ثم قربها إليها وهتف بسعادة
- مبروك يا عمري
- الله يبارك فيك
قالتها بخجل نظراً لاقترابه الشديد فابتسم على فعلتها وهتف: لا خلي الكسوف لما نروح
- يعني إيه؟
- تعالي معايا وأنا أقولك
اصطحبها إلى الجناح الخاص به ثم أدخلها وأغلق الباب فازداد شعورها بالخجل إلا أنه لم يهتم بل اقترب منها أكثر وطبع قبلة على جبينها وأخرى على وجنتها وما أن انتقل إلى شفتيها ابتعدت إلى الخلف ولم تسمح له بذلك فهتفت برقة
- أحترم نفسك
ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه ثم أمسك يدها واصطحبها إلى غرفة النوم الملحقة بالجناح فوضعت يدها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق فثنى ركبتيه وجلس راكعاً أمامها ثم قال بحنان وصوت دافئ غلفه العشق
- تقبلي النهاردة يكون فرحنا وتعيشي معايا لأخر يوم في عمري؟ أنا بقالي أسبوعين بتسول على حسام علشان يوافق وبجد كان نفسي أعملهالك مفاجأة وطبعاً بعد ما طلع روحي واشتريت فيلا صغيرة جمب فيلا أمير وجهزتها من كل حاجة، تقبلي تشاركيني فيها عمري وأيامي؟
تعلقت أعينهم لدقائق وتبادلا خلالها نظرات العشق والغرام فحركت رأسها لأعلى وأسفل كإشارة بالموافقة فما كان منه إلا أنه وقف عن الأرض وحملها بين ذراعيه ثم أخذ يدور بها في سعادة وبمجرد أن توقف عن الدوران غمز لها بمشاكسة ثم غادر لترتدي فستان العرس الموضوع على الفراش
******
بالقاعة...
وقف أمير عن مقعده ومد يده لوعد فوضعت كفها بيده ووقفت عن مقعدها فطبع قبلة على ظاهر يدها ثم اصطحبها إلى ساحة الرقص.. أحاط خصرها بذراعه فوضعت كفها على كتفه وبدأت تتمايل معه على أنغام موسيقى هادئة، وبمجرد أن هدأت الإضاءة سرق من شفتيها قبلة تمناها منذ أن رآها تقترب في فستانها الملائكي... بادلته قبلته بعشق متناسية كل من حولها وكذلك الزمان والمكان ....ما أن ابتعد عن شفتيها أسند جبينه على جبينها وهمس بعشق
- بحبك يا وعد
أحاطت عنقه بذراعيها وبدأت تتمايل في سعادة وبادلته كلماته قائلة: وأنا بحبك أووووووي كتيرررررررر
أبعد يديها عن عنقه ثم فاجئها عندما حملها ودار بها في لحظات سرقت من الزمن فراقبته نادين ونيران الغيرة تتأكلها... ما أن استقرت قدميها على الأرض انتبهت لعودة حنين لكن تلك المرة كانت ترتدي فستان زفاف فاقتربت منها وعانقتها بينما علّا صوت الموسيقى من جديد وتجمعوا داخل حلبة الرقص وبدأ كل منهم يتمايل مع حبيبته فاقترب حسام من أمل وجذبها بخفة إلى حلبة الرقص وتمايل في سعادة بالرغم من اعتراضها
- أنا أترقيت من يومين وبقيت مقدم فلما تتعصبي عليا بعد كده أبقي قوليلي يا حضرة المقدم
أسرت ابتسامتها بصعوبة ولم تتحدث إليه ولو بكلمة فأبعدها عنه وجعلها تدور حول نفسها ثم جذبها إلى صدره مرة أخرى وأردف
- ما قولتليش ليه أنك قررتي تتحجبي؟
- علشان أنت رخم
- طيب متعصبه ليه؟
رمقته بنظرة عتاب فبادلها بنظرة هادئة وتابع: أسف لو ضايقتك بس حقيقي مقدرش على زعلك
- بجد؟!!
تساءلت بدلال فحرك رأسه ليؤكد ما سمعته ثم أجابها: بجد
قربها إليه أكثر فأسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها لتستمتع بسحر اللحظة وظلت هكذا حتى علّا صخب الموسيقى فابتعدت عنه وشاركت وعد وحنين الرقص بجنون... راقبها في البداية بسعادة لكنه ما أن رأى نظرات الجميع مصوبة باتجاهها شعر بالغيرة فانتظر حتى أنضم أمير وأمجد إلى الرقص ثم قبض على معصمها وأصطحبها إلى خارج القاعة وقال بحدة وصوت عال
- ما تلمي نفسك يا نانسي
تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها من هول ما قاله فرمقته بنظرة غضب ثم تركته وعادت إلى الداخل دون أن تعيره أي اهتمام فزفر بضيق ثم مسح وجهه بكف يده وأردف
- أنا أتجننت، أكيد أتجننت
في تلك اللحظة تقدم منه زميل له يخدم بالصعيد وتم نقله منذ عدة أيام إلى القاهرة
- حسام مين القمر اللي كانت واقفة معاك دلوقتي؟
- نعم يا أخويا، قمر في عينك
- أسف يا كبير مكنتش أعرف أنها تخصك
- اه تخصني وإياك تبصلها تاني
تركه حسام وعاد إلى الداخل لكنه ابتسم حينما رآها تجلس إلى جوار والدتها فاقترب منها وهتف بهدوء
- تعالي نرقص
- لا ولو سمحت ما تتكلمش معايا
- بطلي رخامة بقى وقومي
- علشان تتعصب عليا تاني وكمان تقولي أني نانسي
أسر ضحكته بصعوبة حتى لا يغضبها ثم قال: والله ما هزعلك تاني، قومي بقى
- ماشي
كانت الأجواء ساحرة وملأت السعادة قلوب الجميع... شعر أمير براحة قلب لرؤيته سعادة وعد وشعر أمجد بالاستقرار بعد طول انتظار، ولم تقل سعادة حنين عن وعد فبالنهاية تزوجت من دق له قلبها... أما حسام فوجد نفسه في عالم ساحر لم يعتاد عليه فالجميلة التي تتمايل أمامه تستطيع بنظرة جعل ألوان الربيع تسري بداخله لكنه فضل الانتظار ليتأكد من مشاعره نحوها ومن مشاعرها كذلك... في ذات الوقت كان محمود يتأمل الجميلة الجالسة إلى جوار سوسن فمنذ بداية العرس يراقبها بين تارة وأخرى، انتبهت لنظراته وخجلت بشدة عندما رأته يترك مقعده ويتقدم منها حتى استقر أمامها وهتف
- تعالي نشاركهم فرحتهم، وأنتي يا سلوى وحضرتك يا مدام سوسن
- لا خد رمزية وسوسن وسيبني، يلا قوموا معاه
قالتها سلوى فشعرت سوسن أن كلمات محمود موجهة فقط إلى رمزية فقالت
- وأنا كمان مش قادرة، يلا يا رمزية قومي
كادت رمزية أن تعترض إلا أنها سبقها ومد لها يده ومع إصرار سوسن وسلوى وضعت يدها بداخل كف يده ثم مضت برفقته إلى حلبة الرقص وأخذت تتمايل في سعادة فشعر محمود بسعادة لم يتذوق نكهتها منذ ما يقارب العامين
*******
انتهى العرس ورحل الجميع فصعدت حنين برفقة أمجد إلى جناحه الخاص، كانت تشعر بالسعادة والخوف في آن واحد... أغلق الباب ثم قبض برفق على يدها وجذبها بخفة لتجلس على الأريكة فجلس إلى جوارها وتأملها بعشق لدقائق ثم هتف بسعادة
- مبروك يا قلبي
- الله يبارك فيك
لاحظ أمجد اضطراب أنفاسها لشعورها الشديد بالخوف فقد كان صدرها يعلو ويهبط بسرعةُ فربت على كفيها وتابع
- أنتي خايفة مني؟
حركت رأسها كإشارة بنعم فابتسم لها وأردف بحنان: بس أنا بحبك وعمري ما هعمل حاجة تأذيكي أو تضايقك
- المفاجأة اللي عملتهالي النهارده، أجمل مفاجأة حصلت في حياتي وكمان أكبر فرحة عشتها
- ربنا يقدرني وأجعل كل أيامك سعادة وفرحة
قبل جبينها برقة ثم وقف عن الأريكة ليبتعد حتى يفسح لها المجال لتسترد أنفاسها المضطربة، إلا أنها أسرعت وأمسكت يده بين راحتها فجلس مرة أخرى ثم أخدها معه في عالم ساحر لا يسكنه سواها
*****
بجناح أمير...
جاهدت وعد لتزيل عنها فستان العرس إلا أنها كانت أمنية بعيدة المنال فأخذت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تشعر بالخجل من طلب المساعدة لكنه كان الحل الوحيد فغادرت غرفة النوم واقتربت منه قائلة بطريقة طفولية أسرة للقلوب
- مش عارفه أخلع الفستان، ممكن تساعدني؟
وقف عن مقعده ومضى معها إلى الداخل إلى أن استقرت أمام المرآة فأبعد خصلات شعرها على أحد كتفيها وقبل أن يفتح سحاب فستانها طبع قبلة على عنقها فخجلت بشدة لكنها تمسكت بسكونها بين يديه، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ساعدها في خلع ثوبها ثم ترك الغرفة حتى لا يزيد خحلها... أبدل ثيابه ثم توضأ وجلس في انتظارها فاقتربت منه بعد ما يقارب نصف الساعة وهي ترتدي ملابس الصلاة فصلى بها ركعتين وما أن فرغ من صلاته وضع يده على جبينها ودعا الله ثم طبع قبلة على جبينها بمجرد أن انتهى وسألها بحنان
- جعانه؟
حركت رأسها بالنفي فابتسم لها وأردف: طيب عايزه تنامي؟
حركت رأسها مرة أخرى بالنفي فغمز لها بمشاكسة وتابع: طيب تعالي بقى أحكيلك حاجة مهمة أوي أوي أوي
قال كلماته الأخيرة بطريقة تمثيلية فابتسمت على جنونه الذي لا يتوقف ثم مضت معه لتبدأ ليلة عشق طال انتظارها
******
كانت أمل تغفو كالملاك على فراشها لكنها استيقظت بمجرد أن صدع صوت رنين هاتفها فاعتدلت في جلستها وأجابت بصوت غلبه النعاس
- الو
- أسف أني صحيتك بس مش قادر استنى أكتر من كده
قاطعته قائلة: مالك يا حسام؟
- أمل تتجوزيني؟
جحظت عينيها في عدم تصديق ثم وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق وقبل أن تجيبه استيقظت من نومها بعد أن داعبت أشعة الشمس عينيها فقالت وهي مازالت ممدة على الفراش
- طب الحلم كان يستنى شوية أقوله موافقة، فقر من يومي واستاهل علشان كسلت بالليل أقفل الشباك
تمددت على ظهرها وأخذت تتأمل سقف الغرفة وهي تداعب خصلات شعرها ثم انفجرت ضاحكة ورددت بخفوت
- شكلي بحبه
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف