سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Thursday, February 7, 2019

عناق المطر، moonlight

February 07, 2019 0
عناق المطر، moonlight
العناق العاشر


ما زالت الحياة مستمرّة وما زال الأمل موجودا، وما زالت تلك القطرات تنهمر وتطرق نافذتي بلطف فأذهب لتأملها عن قرب وأقف أمام النافذة اراقب جمال المطر فترتسم على وجهي الابتسامة وأنسى همومي ولو للحظات بسيطة.
أشعر بالحنين الى كلّ شيء، والى طفولتي ، والى تلك السنوات التي مضت من عمري ، أحن الى قلوب افتقدتها واحاسيس نسيتها.

*****

إمنحيني لحظة من قلبك لأتوسد احلامي وانام ،.
أنا يا فلذة الروح اعيش في كوكب الارق
اسافر عنك وقلبي معك .

كانت تلك الجملة تهز كيانها وهي تستحم، محاولة أن تتمالك اتزانها
( بإمكانها أن تثق به ولكن ليس بإمكانها أن تثق بنفسها) اه يا اليكس،  اليكس ماذا فعلت بي بالله عليك ؟
كانت ايلينا تحاول ان تتماسك بعد ان انهت حمامها و ارتدت ثيابها واصبح عليها أن تواجه الواقع  هل حان وقت الرحيل رغم انها  لم تعد تريد ذلك ، أم تبقي وتجرب  حظها معه.
هي تعلم انها كانت في حالة سيئة، لدى قدومها الى هذا المنزل ، ويبدو أن فيليب تعود تحطيم النساء  لكنها وبفضل اليكس بخير الان، هل بقاءها هنا ضروريا ؟
 تملكتها الكثير من المشاعر وهي على الدوام  متلهفة لرؤيته .
بلعت  ايلينا ريقها بصعوبة، وهي تراه من نافذة المطبخ  مع قريبه يمزحان ويحتسيان القهوة ،بدا جميلا ووسيما رغم السنوات الاربعة عشر التي يكبرها بها الا انها تراه شابا رائعا عندما التفت اليها شعرت بلهفة الى الجري للاختفاء باحضانه واخباره بانها تحبه حد النخاع  وكم تتوق للبقاء معه بقية حياتها  .
****
دخل المطبخ وكانت ملامحه رزينة وعندما نظر اليها  ابتسم فجأة وسألها وهو يفك رباط شعرها
-- هل أنت على مايرام ايلينا ؟
اعتراها اضطراب شديد ، حتى قبل أن يتابع اليكس  حديثه
-- البارحة  مساءا" اتصلت جدتي تدعونا للمنزل الريفي ، صمت فجأة وتابع  هلا رافقتني ايلينا ؟ لن نتأخر سنتناول الغداء ونعود مباشرة لأن  سامر وخطيبته مرتبطان بموعد هام بالمدينة .
-- أنت تعلم  أنك اعدت إيماني بالرجال ، اجابته وهي تشعر بالامتنان له ، فقال بدهشه
--انا فعلت ذلك حقا ؟
اخذت نفسا عميقا و أجابته بقليل من الخجل:
--  بصراحة  هذا الصباح أنت علمتني ان الرجال ليسوا مثل
زوج امي السابق او مثل فيليب او حتى وليم .
--  اه يا ايلينا ، هل حقا أنت تثقي بي ؟
-- طبعا اليكس ، هل تشك بذلك ،اجابت دون تردد ثم ابتسمت ولكن رغم صراحتها معه ،  لم تخبره بالحقيقة التي اكتشفتها، انها لم تعد تثق بنفسها .
أرادت أن تقول شيئا مرحاً ، ولكن الكلمات خانتها وعلقت داخلها وهكذا اخذت  نفسا عميقا لتخبره بما تريده ،.
-- اليكس انا ،
لم تقل اكثر من ذلك فقد كان كما لو انه تكهن بما تحاول ان تقول قاطعها:
--هل هذا يهم الان؟ وافقي على مرافقتي وسنتحدث لاحقا"
ولا  تفكري في ان تتركيني؟ أجابها وضحك وهو يحتضن كتفها ويصعدا سويا للأعلى لتبديل ملابسهما .
اه يا اليكس لو انك تعلم ، قالت لنفسها لكنها رضخت لطلبه دون تفكير،  تعلم انها ضعيفة ، ها هي الأن تصغي لقلبها وليس لعقلها ، بإبتسامتها المشرقة أجابته
-- طبعا سأرافقك وهل لدي خيارا" اخرا".
بدا عليه الارتياح وبمرح شديد وقف امام غرفتها وأجابها
--  هذا جيد، اقترب ودون تردد طبع قبلة على وجنتها ، واستدار ليدخل غرفته سعيدا" بما قام به.
****
عندما غادر غرفته يحمل هاتفه ومفاتيح سيارته  كانت تنتظره  ارادت  ان تخبره بأنها ليست خائفة بل متوترة من الذهاب هناك  ولكن حبها له جعلها توافق دون تردد.
-- هل أنت خائفة حبيبتي ، قال ذلك وهو ينظر اليها وقد
شعر بتوترها وشحوب وجهها كان واضح للعيان.
-- ليس وأنت معي اليكس اجابته وهي تاخذ نفسا" عميقا .
كيف ستخاف او ترتعب وهو اول ما تفكر فيه عندما تستيقظ صباحا واخر ما تفكر فيه وهي تأوي لفراشها ليلاً، حتى وهي تتحدث مع أي كان  اليكس هو من يحتل تفكيرها.
 تساءلت بينها وبين نفسها عما اذا كان اليكس سيوافق على إنتقالها لبيت اخر بعد بدأ الدراسة الجامعية .
كانت تتصرف  مع ضيوفه  بمودة وقد أحبتهم كما أحباها بدورهم بل انها تبادلت ارقام الهواتف معهما ووعدتهم بالتواصل كلما سنحت لها الفرصة .
***
-- هل تحبها اليكس ؟ سأله سامر وهو يضع الحقائب بالسيارة.
-- جداً يا سامر اجابه وعيونه تشع ولأول مرة يراه سعيدا
لهذه الدرجة ، وتابع اكتشفت إنني لم أحب سواها ولم اعرف ما معنى الحب إلا منذ وقعت عيناي عليها تلك الليلة .
-- بصراحة اليكس لقد فاجأتني يا ابن خالتي قال سامر وهو يضحك وتابع لم اتوقع بيوم ما أن تقع بالحب بهذه الطريقة  صحيح هي تستحق ، وأنت اخترت فتاة مثالية فعلا انها كاملة الانوثة .
-- توقف سامر ، والا سأخبر حبيبتك ، نهره اليكس على سبيل المزاح وهو يضع يده على عينيه كي لا يرى حبيبته وهي تقترب منهما مبتسمة وقد بدت رائعة الجمال بسروالها الاسود وقميصها الابيض بينما ارتدت معطفا احمر زادها بهاءا" وقد ترتكت شعرها ينسدل على
ظهرها .
-- وصلت حبيبة القلب قال سامر مشاغبا" وهو يبتعد عنه  بسرعة
ليجلس بالمقعد الامامي بينما كانت بيسان وفيكي قد اتخذتا المقعد الخلفي مكانا" لهن.
هل عليه أن يعانقها الأن وامام الجميع ليثبت لهم بأنها له ، أم يعانقها لأنها حبيبته وهذا ما يحب ان يقوم به باستمرار .
لم يظهر لهفته الشديدة لذلك إلا عندما توقفت امامه وهي تنظر له بحب متبادل فبادرها بعناق  طويل ناسيا من ينتظره داخل السيارة ، لكنها تداركت الموقف بسرعة وابتعدت رغما" عنه.
-- انهم ينتظرونا اليكس ، ارجوك لا تقوم بهذه التصرفات ثانية .
صعدت للسيارة لتجلس بجانب فيكي وقد بدت محرجة من الجميع وانتابها القليل من الغضب لهذه التصرفات.
****
بعد مرور ساعتين كانوا قد وصلوا الى البيت الذي بدا مختلفا
تماما عما تركته قبل بضعة اشهر ، لقد اسعدها استقبال الجدة لها التي فتحت ذراعيها لإحتضانها ، على العكس من تلك الفتاة التي بدت منزعجة لمجرد وجودها بينهم .
دخل الجميع للمنزل الا ايلينا التي فضلت ان تلقي نظرة على الحديقة فقامت بجمع بعض الازهار البرية والاعشاب وهي تفكر في التألق الذي ستضيفه على غرفة الاستقبال ، كما  كانت تفعل قبل مغادرتها البلدة.
*****
دخلت للمنزل وهي تحمل ما جمعته وقد كانت سعيدة لدرجة لم تلاحظ بأن هنالك ضيوف اخرين لدى الجدة بل لم يخطر ببالها بأن تجد إمرأه فائقة الجمال تحتضن اليكس وتطبع قبلة على طرف شفتيه  امام الجميع دون  خجل  او توتر.
رسمت ابتسامة مصطنعة عندما امسكت فيكي ذراعيها التي أرادت تعرفيها بتلك المرأة التي تمنت لو لم تلتقيها.
توقعت ايلينا بأنها صديقة اليكس ومن طبقته ، كانت انيقة لا يشوبها عيب، فهي تناهز الثلاثين برونزية البشرة  وشعرها البني المصفف بعناية كبيرة واحمر شفاهها القاني الذي ترك اثره على طرف شفتي اليكس ، تبدو هذه المرأة من النوع الذي لا يفكر الا بأزهار  الاوركيدا .
بإبتسامة لطيفة قدم اليكس احدهما الى الاخرى وبكل أريحية ولطف قائلا":
--  ايلينا إبنة صديق والدي ومساعدتي الشخصية  وهي من جعلت هذا  المنزل بيتا حقيقيا بلمساتها الانثوية
--هذه ليديا ابنة اللورد جيفري سميث ، صمت قليلا ومازالت الإبتسامة مرسومة على وجهه وتابع وزوجتي السابقة.
نظرت ايلينا الى ارجاء الغرفة بأرضها الخشبيةالمكسوة بقطع السجاد ، ودت لو تضربه ، لكنها  تحاملت  على نفسها وحيتها بإماءة صغيرة وقالت مبتسمة :
-- من الأفضل أن اضع الأزهار في الماء ، اخفت صدمتها بقوة غريبة هي نفسها لا تدري كيف فعلت ذلك ، لكن هو لم يذكر ابداً انه سبف له وأن  تزوج ، بل لم يخطر ببالها ذلك ابدا انها غبية بلا شك كيف لم تفكر بذلك وهو رجل من عائلة مرموقة وثرية وشخصية معروفة بالمجتمع المخملي ، كم أنت غبية يا ايلينا قالت لنفسها وهي تتمتم .
-- ايلينا حبيبتي، جاءها صوته الهادئ والمضطرب بآن واحد فهو يعلم انها صدمت ، وهو لم يجد فرصة مناسبة ليخبرها بماضيه الذي حاول نسيانه متعمدا"،  اقترب منها واحتضن كتفيها ليديرها باتجاهه
وتابع :
-- انا اسف لم اخبرك من قبل وقبل ان يتابع وضعت يدها على فمه وقالت :
-- لا تحتاج لمبررات ولست مضطر لإخباري ماضيك، هذه
حياتك اليكس وما انا الا ضيفة ثقيلة الظل.
وقف متسمرا من ردة فعلها وتفكيرها الخاطئ بل إنها لم تمنحه فرصة للدفاع عن نفسه.
-- ايلينا توقفي صرخ بحدة ، لكنها تابعت طريقها خارج المطبخ ومعها وعاء الازهار التي وضعته على المنضدة وسط الصالة.
****
بقي الجو مشحونا بينها وبين اليكس وقد لاحظت ليديا فشعرت بإن هذه الفتاة الصغيرة ما هي الا حبيبة طليقها ، بادئ الامر لم تعرهم أنتباه ولكن بعد مناداة الجميع لتناول الغذاء وسؤال اليكس لها :
-- صحيح ليديا كيف حضرت الى هنا ؟ومالذي ذكرك بنا بعد تلك السنوات.
-- سأكون صريحة معك ، لقد تفأجات بدعوتي وكنت على وشك رفض الدعوة إلا ان روزالينا اخبرتني بإنك ستحضر مع ضيوفك،  قالت وهي توجه حديثها لروز
-- اشكرك على دعوة الغداء روزالينا ، اومات برأسها روز وقد شعرت بالرعب من نظرات اليكس الذي فهم لعبتها القذرة.
-- انتهى الغداء وسط اجواء مشحونة بالتوتر والغضب والحزن بآن
واحد  .
-- ماذا هناك اليكس سأله سامر بصوت خافت بينما كانا يحتسيان القهوة في شرفة المكتب
-- ايلينا لا تعلم بأنني كنت متزوج ، لم تسنح لي الفرصة لأخبرها، ووجود ليديا صدمها كما صدمني ، لم اتوقع رؤيتها هنا اجابه اليكس بنبرة غاضبة ولا يدري كيف سيخبر ايلينا الحقيقة.
-- لم يجدر بك اخفاء هذا الامر اليكس قال سامر وتابع انها زوجتك السابقة فليس من حق ايلينا الغضب ، اما إن كان غضبها لإخفاءك ذلك فهي محقة ، صمت قليلا وقال
-- هيا اليكس دعنا نعود للمدينة فغدا سنعود للقاهرة-
-يا الهي ماذا يجري الأن قالت ليديا وهي تستمع لتوبيخ
الجدة لإبنة اخيها وقد علمت ان دعوتها للغداء هو السبب استدارت بإتجاه  باب المطبخ  فالتقت بفيكي وايلينا عند الباب فقالت:
-- فيكي انا اسفة سأغادر الأن واخبري شقيقك بأنني فوجئت بدعوة روزلينا ولكنني لا ادري لما وافقت.
لم تجيبها فيكي بل نظرت لايلينا التي لم يبدو عليها الاهتمام حيث كانت تعبث بهاتفها.
-- هيا بنا سنغادر، جاء صوته من خلف ليديا ليتابع سأنتظرك
ايلينا بالسيارة أنت وفيكي لا تتأخري
-- إنتظر اليكس قالت ليديا معتذرة ، انا اسفة جدا لم يكن يجدر بي تلبية الدعوة انا من ستغادر الان ، وقبل ان يجيبها كانت قد اختفت من امامه بينما ايلينا حملت حقيبتها وخرجت دون ان تتفوه بكلمة واحدة مما اثار حنقه اكثر .
كيف لها ان تبقي بها الهدوء الذي ينذر بعاصفة ستقتلع الاخضر واليابس.
-- تبا" لهذه الروزلينا ، لا يمكن ان اخسرك يا ايلينا تمتم وهو يلحق بها لكنه عاد للوراء ونادى على قريبته التي دمرت حلمه :
-- لماذا فعلت ذلك روز ؟ سألها بعصبية شديدة
-- لقد اخبرتك يا اليكس بأنني سأنتقم منك ، وإن لم تكن لي لن تكن لأخرى، لا تتحداني ، لم تكد تنهي جملتها حتى كانت تتلقى صفعة قوية اسقطتها ارضا".
-- سأدمرك يا اليكس ،  اقسم لك صرخت به وهي تبكي حظها العاثر.
-- توقفي قالت الجدة التي شهدت تلك المعركة بين حفيدها وابنة شقيقها ولكنها كانت حازمة جدا  وتابعت حديها قائلة :
--هيا عودي لوالدتك لقد اتصلت بها واخبرتها بعودتك، أنت صحيح ابنة اخي لكنه حفيدي يا روز.
***
كانت ايلينا على وشك البكاء عندما صعدت السيارة لكنها منحت
بيسان ابتسامة وجلست بجانبها .
انطلقوا عائدين للمدينه وسط هدوء  عم السيارة ، كانت
ايلينا تشعر بالغضب فلم يبقى لديها إبتسامة تمنحها لاحد
 فشعرت بإن جو التوتر هذا سيؤدي لمشاكل بينها وبين اليكس ، لم تتخيل انه كان متزوجا" من احداهن ، ولكنص لماذا ؟
انه رجل وكثير من النساء يرغبن بقربه، لمَ تشعر بكمية الغضب هذه ، جاهدت وجاهدت لتقنع نفسها بان الامر لا يستحق ولكنها لم تتقبل ذلك وكل ما فكرت به هو انها وصلت لنقطة اللا عودة .
كسر الصمت صوت بيسان وهي تودع الجميع وتدعوهم لزيارة القاهرة ، بينما وعدها اليكس بحضور زفافهما .
****
وصلوا للمنزل متعبين وبصمت مخيف غادرت السيارة ايلينا ودخلت المنزل خلف فيكي صاعدة مباشرة لغرفتها  التي اغلقت بابها خلفها ولم تخرج منها عندالعشاء ، شعرت بيأس مميت وغضب قاتل ، وغيظ حانق يطحن نفسها؟
بقي اليكس في مكتبه وقد تملكه غضبا" جنونياً قاتلاً مما حدث لكنه فضل تركها والابتعاد عنها الى ان تهدا ليشرح لها كل شيء.
****
استيقظت ايلينا باكرا في اليوم التالي فأستحمت وارتدت ثيابها و هبطت السلم الى الاسفل وهي تحمل حقيبتها وكلها حزم لتنفيذ ما قررته الليلة الماضية.
لديها امور اهم في حياتها الان  الافضل لها تسعى لتحقيق احلامها وتتابع حياتها بعيدا عن الجميع ، يكفي ما عانته في حياتها.
لقد اقتحمت مشاعر الحيرة قلبها وجعلتها تعيش في عذاب والم ، لكنها قررت التخلص من عناء حيرتها وعذابها ، وقررت المضي بحياتها لوحدها ؟
****
وقف امام باب غرفتها وطرق عدة طرقات خفيفة لكنها لم تجيب ، فتح الباب فوجد السري وقد تم ترتيبه فتيقن بأنها استيقظت وغادرت مبكرا" ، هبط درجات السلم بسرعة متجها" للمطبخ لكنه وجد شقيقته تعد القهوة فسألها
-- أين ايلينا فيكي انها ليست بغرفتها ، هل رأيتها
-- على رسلك اليكس ما بك مضطرب هكذا ، لا اخي لم اراها ، قد تكون ذهبت للجامعة لقد اوشكت  الدراسة على البدء.
خرج من المطبخ وهو يشعر بخوف شديد من فقدانها اخذ يدور
بأرجاء الصالة وفجأة وقعت عينه على المنضدة الجانبية وقد وضع فوقها ورقة طويت بدقة ، اخذ تلك الورقة وفتحها وما لبث ان قرا بضعة اسطر حتى صرخ كالمجنون ،
-- لا ايلينا لا يمكنك فعل ذلك ، يالهي أين ذهبت !!
خرجت مسرعة من المطبخ فيكي على صوت تحطيم زجاج، فوجدت اليكس يجلس على المقعد المجاور للمنضدة ممسكا بيده التي كانت تنزف جراء تحطيمه لأنية الزهور ، اندفعت اليه صارخة
-- اهدأ اخي ، ارجوك اليكس لا تتحرك سأتصل بالطبيب حالا".
****
مضى شهرا كاملا وهو لا يدري أين هي ، حتى الجامعة التي كان من المفترض أن تبدأ دراستها بها لم تصلها.
بدا هزيلا ، متعبً ،  كان الحزن يمتص قلبه امتصاصا فيسلبه قوته ويقضي عليه شيئا" فشيئا".
*****
بدأت دروسها بالجامعة التي التحقت بها بعيدا عن اليكس ووالدتها ، يكفيها ما واجهتته من مصاعب ، عليها التركيز على مستقبلها ، ولكنه ما زال يغزوا تفكيرها ليلا نهارا ، كم تتوق لرؤيته وتقصي اخباره ولكنه أخطأ بحقها وعليها الأن ان تفكر بقليل من الانانية بنفسها ، لتنسى الجميع وتفكر بهدوء.
فاجأها المحامي ديفيد بأتصاله بها طالباً حضورها لتوقيع مستندا اخيرا لتستلم ميراثها من والدها كاملا.
التقت المحامي بمكتبه وبينما كان يتحدث عن البند الأهم في وصية والدها  والذي ينص على  انها لن تستلم نصيبها كاملا الا بعد بلوغها الخامسة والعشرين  ، وأن المحامي ديفيد هو الوصي عليها، لذا يتوجب عليها اعلامه أين تعيش وتعطيه عنوانها كاملا، وبدوره سيقدم لها كل ما تحتاجه لمتابعة دراستها .
اثناء خروجها من المكتب التقت بفيكي التي ذهلت لرؤيتها ، وبالرغم من غضبها بادرتها قائلة
-- كيف حالك ايلينا؟ أين اختفيت؟ ولمَ؟
-- انا بخير اجابتها وأنت كيف حالك؟ سألتها وهي تشعر ببعض الخجل والتوتر.
-- كما ترين أجابت بتهكم فيكي أنا بخير ولكن اليكس ليس كذلك، بفضلك طبعا قالتها بسخرية.
-- ما به اليكس؟ ماذا جرى له ؟سألت ايلينا بخوف شديد
قبل أن تجيب فيكي كانت دموعها قد سبقتها ، مسحتها وردت:
-- انه متعب ، منهك القوى عادت حالة الربو اليه وساءت حالته جدا وهو الأن يقيم مع جدتي ، لقد أحبك يا ايلينا لمَ تركته؟  هو لا يستحق ذلك منك.
بكبرياء وعنفوان وقلب ينزف ألماً اجابتها ايلينا
--لم اترك احداً ، لقد التحقت بدراستي ولا املك الوقت للتفكير بشيء اخر.
نظرة عتاب القتها فيكي وابتعدت عن طريقها لتجلس خلف مكتبها
ونظرات الغضب تلاحق ايلينا.
تشابكت الأفكار برأس ايلينا فقيدتها وكبلتها وزادت حيرتها ، عادت لشقتها الصغيرة التي استأجرتها فجلست وحيدة في غرفتها تستعيد صفاء ذهنها وهدوء تفكيرها واخذت تفكر في حل هذه المشكلة .
واخيراً اهتدت الى شيء ما ، فأخذت تقلب تلك الافكار في ذهنها ، فحزمت امرها وللمرة الاخيرة ستتخذ قرارها المصيري
***
 في ساعة متأخرة وقبل مغيب الشمس وصلت للريف  بدا قلبها يخفق بشدة كلما اقتربت من المنزل طرقت باب المنزل عدة طرقات قبل ان تفتح لها مدبرة المنزل الجديدة التي لم تكن تعرف ايلينا :
-- هل السيد اليكس موجود ؟ سألت ايلينا وهي تجول بعينيها من بعيد علها تراه او تلمح طيفه.
-- نعم سيدتي من اخبره اجابتها مدبرة المنزل ، ابتعدت قليلا لتفسح لها الطريق كي تدخل.
كان هناك على المقعد المقابل للحديقة ، متعبا جدا التفت للخلف على صوت خطواتها فوجدت نفسها وجها لوجه امامه وقد احست بالخجل التام وهو ينظر بحزن وقد اغرورقت عينيه بالدموع .
بالكاد  فتحت فمها حتى اومىء لها لتقترب منه فأخذها بين ذراعيه وضمها اليه بقوة  ، فلم يكن امامها سوى الإذعان لطلبه  ومشيئته  فشعرت بقلبها يدق بشدة وهي بين ذراعيه تميل برأسها على صدره المتعب .
إنتابها صمت عميق وشرود  وذهول غريبين ، فبكت بصمت دون ان
تتفوه ولو بكلمة.

طريقي بقربك/منى سليمان

February 07, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك

الفصل الخامس - بقلمي منى سليمان

* شجار *  

توقفي يا دموعي إلى الأبد.. 
ولا تبكي على أحد.. 
فلن يكسرني بعد اليوم أحد.. 

ظلت وعد تردد تلك الكلمات بخفوت حتى عادت إلى المنزل ودلفت مُباشرةً إلى غرفة سوسن لكنها لم تجدها، فأخذت تبحث عنها في كل مكان، ولكن دون جدوى فظنت أنها ذهبت لشراء شيئاً ودلفت إلى غرفتها... أبدلت ثيابها وأراحت جسدها على الفراش لشعورها الشديد بالإرهاق، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غفت كالطفل الصغير وهي تحتضن جسدها

*********

في ذات الوقت أوقف حسام سيارته أمام منزل سوسن فقد أرادت حنين رؤية وعد، وقبل أن تترجل من السيارة سبقها وقال

- خليكي لحد ما أخلص شغل وهاجي أخدك
- ماشي، بس قولي الأول هتعلمني السواقة أمتى؟

رفع أحد حاجبيه وضربها بخفة على مقدمة رأسها ثم هتف بغيظ مصطنع

- بعدين، لما أفضى وكمان لسه بدري على الدراسة
- ماشي أديني هستنى لما أشوف هتعلمني ولا هاخد صابونة
- صابونة؟!!!! 
- ما تدقش بقى يا سيادة الرائد، أنا هنزل قبل ما ترميني من العربية

ترجلت وابتعدت قليلاً فشعر برغبة ملحة في رؤية وعد فترجل هو الأخر من السيارة ولحق بشقيقته فأسرت ضحكتها بصعوبة وهتفت بخبث

- يا عيني على الحلو لما توحشه 

توقفت عن إكمال كلماتها حينما وضع كف يده على فاها وقال محذراً 

- شكلي كده هرجع العربية 

أزالت يده عن ثغرها وتحدثت بطريقة طفولية: خلاص هسكت أهوه

- طيب قدامي علشان أطمن عليها وأروح شغلي، بجد أتأخرت

صعدت الدرج وصعد خلفها حتى وصلت حنين أمام باب الشقة فضغطت زر الجرس وهي تكتم ضحكاتها على شقيقها الذي وقف يهندم ثيابه... ظلت تطرق الباب مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى فأخرجت هاتفها وأجرت اتصالاً على هاتف وعد فأجابت بصوت غلبه النعاس

- الو 
- أنا بره يا وعد بقالي ساعة بخبط
- معلش كنت نايمة هقوم أهوه

أنهت المكالمة وتركت الفراش بصعوبة ثم اتجهت صوب باب الشقة وفتحته وهي تفرك عينيها بظاهر يدها كالأطفال فابتسم حسام على رؤيتها هكذا، بينما شعرت هي بالإحراج لرؤيته لها بملابس النوم 

- هغير هدومي وأجي

شرعت أن تغادر لكن أوقفها صوت حسام حينما هتف: خليكوا براحتكم أنا رايح الشغل علشان أتأخرت، أنتي كويسة؟ 

- الحمد لله 
- لو أحتاجتي حاجة كلميني على طول، سلام

غادر حسام فدلفت حنين إلى الداخل وهي تتنهد بهيام فضيقت وعد بين حاجبيها وتحدثت بغيظ 

- في إيه يا هبلة؟!!!! 
- شفتي أخويا كان بيبصلك أزاي؟ 
- بيبصلي عادي 
- يا سلام، أمال مش بيبصلي كده ليه؟!!! 

توردت وجنتي وعد فاندهشت حنين بشدة وأردفت قائلة: يا لهوي يا لهوي بتنكسفي مني

- بس بقى يا حنين والله هزعل منك، حسام بحبه جداً بس زي أخويا
- بس هو قالي أنه معجب بيكي
- لا يا حنين هو بيشفق عليا مش أكتر 

ابتعدت وعد خطوات قليلة وأردفت بصوت هادئ يحمل الألم بطياته

- أنا عمري ما هحب ولا هتجوز، أنا همشي في طريقي وبس

تساقطت دمعة من عينها جعلت حنين تبكي هي الأخرى، فاقتربت منها وعد وضمتها إلى صدرها 

- شفتي أهو بتعيطي بسببي
- أصلاً أنا بحبك أوي
- وأنا كمان بحبك، كفاية نكد وتعالي نقعد جوه وأحكيلك اللي حصلي النهارده على ما ماما سوسن ترجع 

دلفت حنين إلى الغرفة وتبعتها وعد بعد أن أعدت كوبين من الشاي وبدأت تقص على صديقتها تفاصيل ما حدث معها، فكانت وعد تبتسم تارة وتعبس تارة أخرى 

*********

في المشفى... 
كانت نادين تمر على مرضاها حينما توقفت أمام باب غرفة تصدع ضحكة أمير منها.... اشتعلت الغيرة بداخلها ودلفت إلى الحجرة بدون سابق إنذار لتتفاجأ برؤيته يعاين سيدة عجوز، فاشتعل غضباً وهتف بحدة

- إزاي تدخلي من غير استئذان؟!!! 
- أصل أصل

قاطعها قائلاً بذات الحدة: أتفضلي على شغلك

- حاضر

قالتها بغيظ ثم غادرت فأكمل عمله وهو في قمة غضبه، فابتسمت له العجوز وتحدثت مازحة

- شكلها بتحبك
- بس أنا ما بحبهاش، إنسانة سطحية وتافهة وكل اللي يهمها المظاهر والبرستيچ وبتبص للناس من فوق أوي

ابتسمت مرة أخرى ثم ربتت على كتفه فابتسم لها وأردف قائلاً 

- حالتك النهارده ممتازة وشكلك هتفارقينا لأني مضطر أكتبلك على خروج
- ربنا يسعدك ويرزقك ببنت الحلال اللي تسعد قلبك زي ما عالجت قلبي

شعر بالسعادة التي دائماً ما يشعر بها وهو يودع مرضاه بعد شفائهم ثم نظر إليها وتحدث مازحاً 

- معندكيش بنوتة حلوة أتجوزها؟ 
- ياريت كان عندي بس عندي حفيدة ٣ سنين، إيه رأيك؟ 

اصطنع الإهتمام وأزال نظارته الطبية ثم أجابها بسعادة:  لو عيونها زرقاء زي عيوني هوافق على طول 

- خسارة عينيها سوداء 
- يبقى ما اتفقناش، وهسيبك ترتاحي
- ربنا يسعدك

ودعها بابتسامته الساحرة ثم غادر الغرفة ليتابع عمله، وكان يبتسم بين تارة وأخرى حينما يتذكر حديثها فلوت نادين شفتيها بضجر وتمتمت في نفسها

- الزعيق ليا والضحك للعواجيز اللي بيعالجهم، ماشي يا أمير اصبر عليا 

**********

في مصلحة الطب الشرعي.... 
انتهى أمجد من تشريح الجثة وتوجه إلى مكتبه لينهي التقرير، لكنه توقف حينما رأى حسام يقترب، فرفع كفيه في الهواء كإشارة بالاستسلام وهتف مازحاً 

- خلصت التقرير 
- ناس ما تجيش إلا بالعين الحمراء، عامل إيه؟ 

قالها حسام فأنزل أمجد كفيه ولوى شفتيه بضجر ثم تحدث بغيظ قائلاً 

- مطحون، محمود واخد أجازة جواز وإبراهيم مراته ولدت من أسبوع وواخد أجازة هو كمان والباقين سافروا مؤتمر بس هانت كلها يومين ويرجعوا
- معلش كلنا لها
- طيب تعالى أخلصلك التقرير وخفوا عليا في الجثث

اتجه أمجد صوب غرفة مكتبه ولحق بها حسام وهو يأسر ابتسامته ثم جلس على المقعد المقابل له وشرد بشدة.... وبعد مرور عدة دقائق انتهى أمجد من كتابة التقرير  ورفع رأسه ليتفاجأ بشرود حسام فترك مقعده وتقدم منه ثم جلس على المنضدة المقابلة له وقال بصوت عالٍ 

- حساااااام

فاق حسام من شروده ورمقه بنظرة نارية، فغمز له أمجد بمشاكسة وهتف مازحاً كعادته

- اللي واخد عقلك 
- بفكر في القضية 
- القضية برضو؟ 
- اه القضية برضو، هات

أخذ التقرير وقرأه ثم تحدث إلى أمجد لعدة دقائق قبل أن يغادر إلى مقر المباحث الجنائية فعاد أمجد على مقعده وقال مازحاً 

- عقبالي يارب لما واحدة ترضى بمشرحجي على رأي أمير 

*********

في منزل سوسن.... 
عادت سوسن إلى البيت وشعرت بالسعادة لسماعها صوت ضحكات حنين ووعد، وشعرت أيضاً بالحياة تسري داخل حوائط البيت.... دلفت إلى المطبخ ووضعت الأكياس التي كانت بحوزتها ثم اتجهت صوب غرفة وعد وطرقت بابها 

- مساء الخير يا بنات

تركت وعد فراشها واقتربت من سوسن ثم طبعت على ظاهر يدها قبلة رقيقة 

- كنتي فين قلقت عليكي؟ 
- كان عندي مشوار مهم واشتريت شوية طلبات للبيت، منورة يا حنين

اقتربت حنين منها وعانقتها فحاوطتها سوسن بحنان وهتفت بصوت دافئ

- مليتوا عليا البيت، ربنا يحفظكم من كل شر، هروح أجهز الغداء 

غادرت الغرفة واتجهت صوب المطبخ فنظرت حنين إلى وعد وتحدثت قائلة

- طيبة أوي
- نور كمان كانت طيبة زيها
- الله يرحمها
- يارب، قوليلي هتشتغلي من كام لكام؟ 
- من ٩ ل ٥ والجمعة أجازة، وقولتلهم من أولها أني هاخد أجازة يوم التقديم في الجامعة

قالتها وعد ثم أراحت جسدها على الفراش وفعلت حنين المثل     وهتفت بسعادة

- ربنا يخلينا لبعض
- يارب، تقومي نساعد ماما سوسن؟ 
- يلا 

**********

في فيلا أمير... 
كانت أمل تجلس في غرفتها حينما صدع صوت رنين هاتفها  فتسارعت نبضات قلبها عندما وقعت عينيها على أسم المتصل تسارعت نبضات قلبها ثم تمالكت أنفاسها وأجابت المكالمة قائلة 

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، أنا كلمت المسؤولين وحددولك معاد بكرة الساعة ١٠

شعرت بالسعادة لكنها تمسكت بجديتها وهي تتحدث إلى رئيس مجلس إدارة الجريدة التي تعمل بها، فتحدثت بجدية قائلة

- متشكرة لاهتمام حضرتك، وأوعد حضرتك أني هكون قد المسئولية 
- وأنا واثق في ده، مع السلامة
- مع السلامة

قالتها ثم أنهت المكالمة واعتلت الفراش وأخذت تقفز عليه في سعادة كالأطفال حتى شعرت بالتعب فأراحت جسدها عليه وقالت

- وأخيراً هعيش مغامرة صحفية

**********

في المساء.... 
دلفت وعد إلى غرفة سوسن فرأتها تجلس على الفراش وتتلو آيات القرآن... اقتربت منها وأراحت جسدها على الفراش واضعة رأسها على قدم سوسن فابتسمت الأخيرة وأخذت تمرر يدها بين خصلات شعر وعد وهي تشعر بالسعادة.... وبعد مرور عدة دقائق فرغت من القراءة وهتفت 

- مالك؟ 
- بكرة أول يوم شغل ليا وقلقانة شوية
- كل حاجة في بدايتها صعبة وواحدة واحدة هتتعودي
- فعلاً 

ساد الصمت بينهم للحظات وشردت كل واحدة منهن لدقائق قطعتها سوسن حينما قالت 

- وعد خلي بالك من نفسك، ولو محتاجة أي حاجة قوليلي
- حاضر، ربنا يخليكي ليا
- وبخليكي ليا ويحفظك من كل شر

********

في المشفى.... 
غادر أمير غرفة مكتبه واتجه صوب المصعد ليغادر إلى الفيلا، وما أن رأته نادين اقتربت منه ودلفت إلى المصعد وهي تقول 

- مروح؟ 
- أنتي شايفه إيه؟ 

لوت شفتيها بضجر وساد الصمت بينهما حتى توقف المصعد وغادر أمير دون أن يعيرها أي إهتمام، فضربت قدمها بالأرض وهتفت بغيظ

- ماشي يا أمير، بكرة نشوف مين هيجري ولا مين

*********

رحل الليل بظلامه وسطعت شمس يوم جديد لتداعب عينيّ وعد... تململت في فراشها ثم فتحت عينيها وهي تتمنى أن يمر يومها على خير... تركت فراشها واتجهت صوب الشرفة لتستمع إلى أصوات العصافير، ثم دلفت إلى الحمام وبعد دقائق قليلة غادرت غرفتها وهي في أبهى صورها... تناولت طعام الإفطار برفقة سوسن ثم غادرت إلى عملها وبداخلها إحساس وليد يخبرها أن هناك أملُ.... كانت المسافة بين المنزل والعمل قصيرة فقررت الذهاب سيراً على الأقدام، وما هي إلا دقائق حتى وصلت إلى وجهتها واستلمت عملها.... رحب بها العاملون في المطعم وعلموها كيفية العمل لتبدأ خطوة جديدة في طريقها

********

بعد مرور عدة ساعات... 
انتهى أمير من معاينة مرضاه ودلف إلى غرفة مكتبه... أراح جسده على الأريكة الجلدية وخلع نظارته الطبية فقد كان يشعر بالإرهاق.... وضع رأسه على بين كفيه وأغمض عينيه لدقائق ولكن قاطعه دخول نادين  بدون سابق إنذار كعادتها ، ففتح عينيه ونظر إليها بغضب، لكنها لم تهتم وهتفت ببرودها المعتاد 

- ميرو أنا جعانة أوي تعالى ننزل نتغدى 

لوى شفتيه بضجر ولم يجيبها فاقتربت منه وجلست إلى جواره وهي تقول

- مالك يا بيبي أنت تعبان؟!! 
- لا مش تعبان مرهق شوية
- أكيد ما أكلتش من الصبح، علشان خاطري ننزل نتغدى سوا
- أنا مش جعان و

قاطعته قائلة: وغلاوة طنط عندك نتغدى، جعانة يا ميرو

قالت كلماتها الأخيرة بدلال جعله يصر على أسنانه ثم نظر إليها وهتف بغيظ

- أتفضلي 
- ميرسي يا ميرو 

نهضت عن الأريكة فزفر بضيق ولحق بها وهو يتمتم بغيظ: يارب صبرني على ما بلتني

*********

دلفت نادين إلى المطعم ولحق بها أمير وهو يشعر بالضجر ويشعر كذلك بألم حاد يكاد أن يفتك برأسه، فجلس على المقعد وأخذ يفرك جبهته بأنامله، لكنها لم تلاحظ ذلك فقد كانت تطالع قائمة الطعام لتختار ما يناسبها ثم نظرت إليه وهتفت 

- هطلبلنا أتنين أسكالوب و

قاطعها قائلاً: أنا مش جعان أطلبي ليكي وأنا هطلب قهوة

- بس أنا 

قاطعها مرة أخرى قائلاً: من غير بس يا بنت عمي، أنا مرهق وعندي صداع وعايز فنحان قهوة

أخذ يبحث بعينيه عن النادل فوقعت عينيه على وعد... أشار إليها بيده فاقتربت من المنضدة وتحدثت بابتسامة تأسر القلوب

- أتفضل
- محتاج فنجان قهوة مظبوطة بعد إذنك
- تمام 

نظرت إلى نادين وتابعت: وحضرتك تطلبي إيه؟ 

- هاتيلي واحد أسكالوب بانيه ومكرونة بالوايت صوص وكولا دايت

دونت وعد ما طلبته نادين ثم نظرت إليهم بابتسامة وهتفت برقة

- دقايق والأوردر هيكون جاهز

شرعت أن تبتعد، لكن أوقفها صوت أمير حينما هتف بصوت محمل بالرجاء 

- من فضلك أستعجلي القهوة
- تحت أمرك يا فندم

ابتعدت وعادت بعد دقيقة حاملة صينية وُضع عليها كوبين من عصير البرتقال للمنضدة المجاورة لمنضدة أمير، وبينما كانت تمر إلى جوار نادين تعثرت قدمها فسقطت الصينية فوق رأس نادين وانسكب العصير فوق خصلات شعرها وملابسها.... انتفضت نادين عن مقعدها وهي في قمة غضبها، بينما جحظت عينيّ وعد من هول ما فعلت فوضعت يدها على فاها لتكتم شهقاتها ثم أزالتها وتحدثت بصوت مرتعش قائلة

- آ آسفة مكنش قصدي
- أنتي بني أدمة غبية وهخليهم يرموكي بره

لم تستطع وعد أن تتحمل الإهانة والحدة المصاحبة لصوت تلك المتعحرفة، فتلألأت الدموع في عينيها وسالت دمعة على وجنتها وهي تقول

- والله العظيم مكنش قصدي و

قاطعها أمير قائلاً بصوت هادئ: خلاص يا آنسة محصلش حاجة

- يعني إيه محصلش حاجة دي بني أدمة غبية ومتخلفة، فين المدير؟ 
- خلاص يا نادين مكنش قصدها
- أسكت أنت يا أمير، أنا هعرف أتعامل مع الأشكال دي، بقول فين المدير؟ 

تجمع العاملون حول نادين في محاولة لتهدئتها وإنهاء الشجار ولكن دون جدوى، بينما تابع أمير الدموع التي تتساقط من عينيّ وعد وهو يشعر بالغضب، فاقترب من نادين وقبض يده على معصمها قائلاً بحدة وصوت عال

- كفاية مش عايز أسمع ولا كلمة وقدامي 
- بس دي

قاطعها قائلاً بحدة: ولا كلمة يا نادين، يلا

قال كلماته الأخيرة بحزم فغادرت نادين وهي ترمق وعد بنظرات نارية ولحق بها أمير، وما أن غادرت المكان انتبهت إلى عدم وجود حقيبتها فهتفت 

- هدخل أجيب شنطتي
- هدخل أجيبها وأسبقيني 

قال أمير كلماته بحزم حتى لا تعترض... وفي الداخل كان العاملون يحاولون التخفيف عن وعد حتى تتوقف عن البكاء فقال أحدهم مازحاً 

- والله تستاهل الخلاط بحاله مش كوبايتين بس دي كل ما تيجي لازم تعمل مشكلة علشان كده المدير معبرهاش، فين المدير فين المديرررر

قالها مقلداً طريقة نادين فانفجروا جميعاً ضاحكين ولم يستطع أمير أن يأسر ضكته فانفجر ضاحكاً ما جعلهم يشعرون بالإحراج فهم يعرفونه جيداً، فذهب كل منهم إلى عمله وبقت وعد فقط أمامه فنظر إليها وهتف مازحاً 

- تصدقي فعلاً كانت تستاهل الخلاط، أبقي نشني كويس المرة الجاية وأدلقي على راسها حاجة تستاهل

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيها صاحبتها لمعة ناتجة عن الدموع الأسيرة داخل عينيها فأشار إليها بسبابته وهتف محذراً 

- إياكي تعيطي، مفهوم؟ 

حركت رأسها بالموافقة ثم غادرت إلى الداخل فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً ثم حمل حقيبة نادين وغادر المكان وأثناء ذهابه إلى المشفى كان يبتسم بين تارة وأخرى كلما تذكر الشاب الذي قام بتقليد طريقتها المستفزة في الحديث 

معادنا يوم السبت بأمر الرحمن.. واقتباس الفصل السادس بكرة الساعة ٨ مساءاً.. هتوحشوني من النهارده لحد يوم السبت بس ظروف بقى

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, February 5, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان


طريقي بقربك
الفصل الرابع - بقلمي منى سليمان

* سعادة *  

في فيلا أمير.... 
أوقف أمجد سيارته داخل أسوار الفيلا ثم ترجل منها ودلف حاملاً باقة فخمة من الزهور ... وقعت عينيه على سلوى فتقدم منها وأعطاها الباقة ثم طبع قبلة على ظاهر يدها فابتسمت بالرغم من شعورها بالغضب وهتفت بغيظ

- مش عارفه هلاقيها منك ولا من أمير 
- هو لسه مجاش، لا لا يا سلوى الكلام ده ما ينفعش وما يتسكتش عليه 

ابتسمت سلوى ونظرت خلفها فأشار أمير إليها لكي تلتزم الصمت فخبأت ابتسامتها وهتفت 

- عيب عليك ده أمير الكبير برضو
- لا كبير ولا حاجة هو بس اللي عايش الدور وأصلاً كل اللي بينا شهرين، أنتي بس اللي محسسانا أننا كبار علشان نتجوز
- يارب أفرح بيكم أنتوا الأتنين في يوم واحد، والله بدعلكم في كل صلاة 

ضيق أمجد بين حاجبيه بينما رفع أمير أحد حاجبيه فتلك هي الدعوة الرابعة بالزواج في ذات اليوم، لكنه لم يعلق واستمع إلى باقي حوار والدته مع ابن شقيقتها الراحلة

- أنا مستحيل أتجوز، جوزي أمير وخلصينا منه لحسن واخدها جد أوي ومحسسني أنه بقى جدو خالص يا خالتي

ما أن توقف أمجد عن إكمال كلماته، ربت أمير بعنف على كتفه فنظر إلى خالته وأشار إليها متسائلاً إن كان أمير يقف خلفه فحركت رأسها كإشارة بنعم فابتسم لها وأردف قائلاً 

- بس الشهادة لله أمير أحسن مني في كل حاجة وعليه طلة ولا الممثلين 
- شوف أزاي 

قالها أمير وهو يعقد ذراعيه أمام صدره فأدار أمجد جسده وابتسم وكاد أن يتحدث، لكنه لوى شفتيه بضجر وهتف بصوت خفيض

- أعوذ بالله إيه جاب دي هنا؟!! 

أدار أمير جسده ورأى نادين تدلف من باب الفيلا فنظر إلى ابن خالته وهتف بغيظ

- تعالي نقعد في المكتب على ما يجهزوا الأكل لحسن الأكسجين اختفى في ظروف غامضة 

مضى أمير برفقة أمجد دون أن يعيرها أحد منهم أي إهتمام فلوت شفتيها واقتربت من سلوى وهي تقول بسعادة مصطنعة

- وحشتيني أوي يا طنط
- وأنتي كمان وحشتيني 
- شفتي أمير وأمجد مشيوا أزاي من غير ما يسلموا عليا
- معلش بقالهم كتير ما قعدوش مع بعض، أطلعي لأمل وسيبك منهم

ابتسمت نادين بخبث ثم ابتعدت لتتغير ملامح وجهها إلى الغيظ بينما دلفت سلوى إلى المطبخ وهي تتمتم

- ربنا يصبر ابني عليكي يا نادين زفت الذين على رأي الاهبل ابن اختي 

*********

جلس أمير على الأريكة وجلس أمجد إلى جواره ثم زفر بضيق وهتف بغيظ

- أعوذ بالله عليها وعلى تقل دمها، مستحملها أزاي دي؟ 
- نصيبي 

لوى أمجد شفتيه بضجر ثم نظر إلى أمير وهتف متسائلاً: أوعى تكون اتجننت وناوي تتجوز نادين زفت الطين

اشتعل أمير غضباً فوكز أمجد بعنف في كتفه وهتف بحدة مصطنعة 

- أنا أمير جراح القلب أعيش ٢٨ سنة عازب علشان في الأخر أتجوز نادين 
- دي عسل 

قالها أمجد بطريقة تمثيلية فانفجر أمير ضاحكاً ووكزه في كتفه عدة مرات فبادله أمجد بتقليد تعابير وجه نادين فهتف أمير مازحاً 

- فاكر وإحنا صغيرين لما كانت تضرب بنات طنط شهيرة وتقولهم أبعدوا عن ميرو ده بتاعي

قالها مقلداً طريقتها في الحديث فقهقه أمجد بأعلى طبقات صوته ثم استرد أنفاسه وهتف 

- لا فاكر أنت لما كنا في أخر سنة في الجامعة وهي في سنة أولى وكل ما بنت تقرب منك تقولك دي جربانه مش من مستواك ولا حلوة زيي
- فاكر دي كانت أيام سوداء 
- ولا فاكر يوم فرح مراد ابن عمي لما أخت العروسة كانت بتعاكسك وكعبلتها نزلت في التورتة
- فاكر يا أخويا فاكر

قالها أمير بطريقة تمثيلية فانفجروا ضاحكين وضرب كل واحد منهم كفه بكف الأخر 

**********

في غرفة أمل.... 
دلفت نادين إلى الداخل بدون سابق إنذار فجزت أمل على أسنانها وأغمضت عينيها حتى لا تفتك بها فاقتربت نادين منها وجلست على حافة مكتبها ثم هتفت ببرود

- هاي
- هاي ورحمة الله وبركاته
- بتعملي إيه؟ 
- كنت بكتب مقالة 

قالتها بغيظ فلوت نادين ثغرها وهتفت بلا مبالاة: حوادث إيه اللي بتكتبيها مش كنتي بقيتي صحفية فن وتقابلي ممثلين وبعدين إيه لبسك ده شبة الصبيان خالص مفيش أي ذوق في لبسك، ده ميرو أشيك منك 

قالت كلماتها الأخيرة بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فشعرت أمل بالاشمئزاز وهتفت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- إنسانة تافهة
- بتقولي حاجة؟ 
- بقول خلاص مش هكتب تعالي ننزل نشوف الغداء 
- يارب تكونوا عاملين بيكاتا بالشامبنيون النهارده

زفرت أمل بضيق وجزت على أسنانها من تكبر تلك النادين ثم غادرت الغرفة دون أن تعيرها أي إهتمام فلوت نادين ثغرها وهتفت ببرود

- ياي مستحيل تكون بنت أبداً، دي راجل متنكر

هبطت أمل الدرج ودلفت إلى حجرة المكتب حينما استمعت إلى صوت ضحكات تنبعث منها، وما أن وقعت عينيها على أمجد ابتسمت له فهي تعتبره بمثابة شقيقها أمير

- أزيك يا دكتور المقتولين؟ 
- بخير يا بتاعت أخبار المقتولين
- هو إيه اللي جاب نادين؟ 
- هي جت لوحدها علشان ناس

قالها أمجد مازحاً وهو يشير بعينيه إلى أمير فغضب الأخير بشدة واستعد للركض خلف ابن خالته المشاكس لكن أمجد كان الأسرع وركض  قبل أن يفتك به واصطدم بنادين لتسقط أرضاً فسقط فوقها

- أوعى من فوقي، إيه القرف ده 
- على أساس أني هموت وأقع فوقك

قالها وهو يهندم ثيابه بينما استندت نادين على المقعد ووقفت عن الأرض لتقول بحدة

- إيه شغل المراهقين ده، حد يجري كده؟!!!!
- سيبنالك العقل يا بقرة عيلة سلطح بابا

صرت على أسنانها وضربت قدمها بغضب في الأرض فدمعت أعين أمل من كثرة الضحك، بينما وضع أمير يده على ثغره حتى يأسر ضحكاته فغادرت نادين مبتعدة، بينما اقترب أمجد منهما وهتف مازحاً 

- مرمطها، صح؟ 
- أووووووووووووووي

قالتها أمل بسعادة فنظروا إلى بعضهم البعض وانفجروا ضاحكين فرأتهم سلوى وضحكت على جنونهم

**********

في منزل سوسن... 
كانت سوسن تختلس النظر إلى وعد وحزنت بشدة لرؤيتها شاردة ولا تأكل شيئاً، فقط تحرك الملعقة في الطبق.... ربتت على يدها لتعيدها إلى أرض الواقع، فنظرت وعد إليها وابتسمت ابتسامة خفيفة فبادلتها سوسن بكلمات تحمل الحنان بطياتها

- وبعدين معاكي لو مكلتيش مش هاكل، ده أنا قولت هتفتحي نفسي
- ما أنا باكل أهوه

تناولت القليل من الطعام فشاركتها سوسن حتى تشجعها... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهت وعد وهتفت برقة

- الحمد لله شبعت
- كملي أكلك 
- والله شبعت، ماما سوسن أنا من بكرة هنزل أدور على شغل
- مصممة برضو؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم ورمقت سوسن بنظرة رجاء كتلك التي تسكن أعين الأطفال، فابتسمت لها وهتفت بحنان

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك بس لما الدراسة تبدأ مفيش شغل
- ربنا يسهل ويخليكي ليا

*********

كان حوار وعد وسوسن يحمل الحنان بطياته، أما حوار أسرة أمير كان ضرباً من الجنون... 
اجتمعت الأسرة على مائدة الطعام وجلست نادين على رأس الطاولة فنظروا إلى بعضهم البعض وشعروا بالغضب، لكن والدة أمير لم تعلق واكتفت برسم ابتسامة خبث على ثغرها فهناك مفاجاة في انتظار تلك المتعجرفة.... أشارت إلى الخادمة لكي تحضر الطعام فجحظت عينيّ نادين حينما رأت الخادمة تضع في صحنها حساء البط ثم انتفضت عن مقعدها وكادت أن تسقط أرضاً لكنها تمسكت بالمقعد بينما انفجروا جميعاً ضاحكين على الفزع الذي سكن عينيها، فاشتعلت غضباً وهتفت بحدة

- أنتوا بتضحكوا على إيه وازاي أصلاً تاكلوا القرف ده؟ 
- أنا اللي طالبها وطلبت ممبار ومحشي بمرق البط وهخليها المرة الجاية تعملي فتة كوارع وفشه وكرشه، عارفه الكرشه؟ 

قال أمجد كلماته ليزيد غضبها فنظرت إليه باشمئزاز وهتف بحدة: أكيد معرفش القرف ده

- يبقى أعرفك بلغة علمية يا دكتورة، يعني أحشاء الجاموسة والعكاوي رجلها

وضعت يدها على ثغرها لشعورها الشديد بالرغبة في التقيؤ ثم حملت حقيبتها وغادرت الفيلا دون أن تتفوه ولو بكلمة فقهقهوا بأعلى طبقات صوتهم، وما أن استردت أمل أنفاسها هتفت براحة

- يا ساتر غمه وانزاحت
- سيبوكم منها وسموا وكلوا

قالت سلوى كلماتها ثم أشارت إلى الخادمة لتحضر باقي الطعام، فنظر أمجد إلى البط المحمر وأخذ يفرك كفيه في سعادة

- الله على أكلك يا سلوى، البطة دي بتاعتي لوحدي يا بتوع الفراخ البيضاء 

قالها ثم أخذ قطعة من لحم البط وبدأ يتناولها وهو يتمتم: هو ده الأكل ولا بلاش

**********

رحل الليل بظلامه وسطعت شمس يوم جديد حاملة الأمل الذي تبحث عنه وعد.... 
استيقظت من نومها في التاسعة صباحاً ثم تركت فراشها ودلفت إلى الحمام لتتوضأ وتصلي فرضها... وبعد مرور عدة دقائق فرغت من صلاتها ودعت الله مراراً وتكراراً وهي تبكي بغزارة، ثم كفكفت دموعها وأبدلت ثيابها لتبدأ رحلة البحث عن عمل... غادرت الغرفة وتفاجأت برؤية سوسن تعد طعام الإفطار فاقتربت منها وطبعت قبله على يدها وأخرى على مقدمة رأسها ثم هتفت بحنان

- صباح الورد يا ست الكل
- صباح الهنا، يلا أفطري قبل ما تنزلي
- حاضر

جلست على المائدة واختلست النظر إلى سوسن بين تارة وأخرى وهي تشعر بالإحراج، فهي على وشك الذهاب للبحث عن عمل لكنها لا تحمل المال الكافي، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى فرغت سوسن من تناول الطعام وتركت مقعدها ثم عادت وأعطت وعد مبلغاً من المال وهتفت بحنان

- خلي بالك من نفسك وما تتأخريش
- حاضر ومتشكرة على الفلوس، أول ما اشتغل هرجعهم و

قاطعتها قائلة بصوت محمل بالغضب المصطنع: أنا زعلانة منك

- مش قصدي والله بس مش عايزه أحملك فوق طاقتك
- مين قال فوق طاقتي، الحمد لله معاش عمك بيكفيني ويفيض والشقة تمليك يعني مفيش داعي للحساسية دي، أتفقنا؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على ثغر وعد ثم طبعت قبلة على مقدمة رأس سوسن وغادرت إلى وجهتها

*********

في منزل حسام.... 
استيقظت حنين مبكراً لتذهب لشراء سيارة برفقة شقيقها... تركت فراشها وركضت باتجاه غرفته ثم دلفت إليها وهي تدور حول نفسها في سعادة... ابتسم على براءتها وأخذ يراقبها في صمت حتى توقفت عن الدوران وسقطت فوق الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها ثم هتف مازحاً 

- خلصتي يا مجنونة؟ 
- هشتري عربية ياهوووووه

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره فرفعت أحد حاجبيها وهتفت متسائلة 

- مكشر ليه؟ 
- مش مكشر بضحك أهوه

قالها ثم ابتسم بطريقة مضحكة جعلتها تتأكد من شكوكها، فاعتدلت في جلستها ونظرت إلى عينيه قائلة 

- بتحبها؟ 
- هي مين دي يا قردة؟ 
- اللي زعلان علشانها يا حضرة الرائد

ارتبك قليلاً فابتسمت بخبث وأردفت قائلة: والنبي قول بتحب وعد؟ 

- مش عارف، بفرح لما بشوفها وبزعل لما أشوف دموعها بس مش حاسس أني بحبها
- معجب طيب؟ 

قالتها بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فضربها بخفة على مقدمة رأسها وهتف بجدية مصطنعة

- أخدتي عليا أوي
- قولي والنبي معجب بيها؟ 
- شوية، وعد جميلة جداً ورقيقة جداً وألف راجل يتمناها جداً جداً جداً 
- وإيه كمان؟ 

قالتها ثم ألقت بجسدها على الفراش واصطنعت فقدان الوعي فقهقه بأعلى طبقات صوته وقرر مشاكستها قائلاً 

- علشان بتتحشري في اللي ملكيش فيه هعاقبك ومفيش عربية

جحظت عينيها واعتدلت في جلستها ثم نظرت إليه وهي تمسك بمعصميه بين كفيها

- لا ورحمة بابا وماما جيبلي العربية 
- لا 
- طيب وغلاوتي عندك
- برضو لا 
- طيب وغلاوة و

قاطعها قائلاً بحزم: خلاص با زنانه قومي ألبسي علشان تجيبها وألحق أروح شغلي

- ربنا يخليك ليا وتترقى لواء يا حلو أنت يا حلو 

طبعت قبلة على وجنته ثم ركضت إلى غرفتها فابتسم على جنونها وأخذ يحرك رأسه يميناً ويساراً وهو يتذكر حديثها 

**********

في ذات الوقت كانت وعد تجوب الشوارع بحثاً عن عمل، لكنها توقفت عن السير حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها ثم أجابة المكالمة 

- صباح الخير 
- صباح النور، عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، أنت وحنين عاملين إيه؟ 
- بخير 

قالها حسام ثم مرر يده بين خصلات شعره وأردف قائلاً: مصممة تشتغلي؟ 

- أيوه، أنا خلاص نزلت وبدأت أدور على شغل
- طيب خدي بالك من نفسك ولو حصل أي حاجة كلميني
- حاضر، مع السلامة 
- مع السلامة 

أنهى المكالمة ثم ترك فراشه وأبدل ثيابه، بينما أكملت وعد طريقها... دلفت في البداية إلى روضة أطفال وسألت عن عمل، لكن تجمعت الدموع في عينيها عندما أخبرتها مالكة الروضة بوجود عمل شاغر كعاملة نظافة فتركت المكان على الفور ومضت من جديد إلى أن توقفت أمام متجر ملابس يطلب بائعة ولا يشترط الخبرة، فدلفت على الفور عل الحظ يحالفها وتحصل على الوظيفة

- صباح الخير
- صباح النور 
- في ورقة بره أنكم طالبين واحدة تشتغل

لوت الفتاة شفتيها بضجر فاندهشت وعد لكنها لم تعلق فتحدثت الفتاة بضجر

- الحاج في المخزن أنزليله من السلم ده
- متشكرة

لم تجيبها وأكملت عملها فازداد اندهاش وعد، لكنها مضت إلى حيث أشارت الفتاة وهبطت الدرج ثم اقتربت من رجل في العقد الخامس من العمر وهتفت برقة

- حضرتك أنا عايزه

توقفت عن إكمال كلماتها حينما رأته يوجه نظراته صوب جسدها ويتأملها بإعجاب فتسارعت نبضات قلبها خوفاً وهتفت بصوت مرتعش

- خ خلاص م مش عايزه

اقترب منها فتراجعت بدورها إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف فتأمل جسدها بوقاحة وتساءل 

- مالك بس يا قمر؟ 
- م مفيش كنت ه سأل عل

قاطعها قائلاً: بس بس جمعي الأول، شكلك بتتكسفي

- ل لا مش مكسوفة، بعد إذنك

كاد أن يعترض طريقها لكنها سبقته وصعدت الدرج بسرعة لم تعتادها من قبل وغادرت المكان لتنفجر دموعها كالشلال... وبعد مرور عدة دقائق قضتها في البكاء صدع صوت رنين هاتفها فمسحت دموعها وأجابت قائلة

- أزيك يا ماما؟ 
- أزيك أنتي يا حبيبتي، قوليلي روحتي فين وعملتي إيه؟ 

قالتها رمزية بنبرة صوت تحمل القلق فشعرت وعد بالسعادة بالرغم من كل ما حدث، فها هي والدتها تهتم لأمرها 

- ما تقلقيش أنا قاعدة عند طنط سوسن مامت نور الله يرحمها
- سامحيني يا وعد مش بأيدي أنتي عارفه الذل اللي شفته في الشارع بعد ما رماني وأنا بنزف 
- عارفه ومش زعلانه منك، ربنا يسامحه بابا هو اللي عمل فينا كده 

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة المحملة بالألم أنهت المكالمة وتابعت رحلة البحث عن عمل، ولكن دون جدوى فقد أغلقت جميع الأبواب في وجهها من جديد.... شعرت بالإرهاق والجوع فنظرت حولها لتستقر عينيها على مطعم فخم فتوجهت إليه لتتناول مشروب يجدد نشاطها عوضاً عن الطعام، لكنها بمجرد أن اقتربت من باب المطعم وقعت عينيها على الورقة المعلقة على بابه وكُتب عليها ( مطلوب شباب للعمل ) .... دلفت إلى الداخل وحصلت على الوظيفة كنادلة مقابل مبلغ مالي لم تحلم به يوماً... وبعد مرور عدة دقائق غادرت المكان وهي في قمة سعادتها، سعادة لم تختبرها منذ عدة سنوات مضت 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان

* حنان *  

كانت وعد تتابع الطريق بعينيها وهي تأسر دموعها بصعوبة... أغمضت عينيها بأسى حينما تذكرت طفولتها والأيام السعيدة التي قضتها في بيتها بين أمها وأبيها... تذكرت والدها وهو يطعمها بيديه حتى لا ترهق والدتها، فقد كان حلمه وأمله في الحياة أن تنجب له صبي يرث أسمه وأمواله واليوم تخلى عنها خوفاً على الولدين اللذان أنجبتهما زوجته اللعوب التي دمرت أسرة بالكامل.. تذكرت كذلك والدتها التي غفت هي الأخرى على الأرصفة بعد طلاقها وظلت هكذا حتى شعر إمام مسجد بالشفقة عليها فتركها تقضي الليل داخل مصلى السيدات... فتحت عينيها وقررت نسيان الماضي لتبدأ حياتها من جديد وأقسمت أن تسير في الطريق الذي اختارته مهما كلفها الأمر، وظلت تفكر وتفكر حتى قاطع شرودها صوت حسام

- وعد يا وعد

نظرت إليه عبر المرآة الداخلية للسيارة وقالت برقة: معاك

- بكلمك وأنتي مش هنا خالص
- معلش سرحت شوية 
- طول ما أنا عايش مش هخليكي تشيلي هم أي حاجة في الدنيا 

ابتسمت إليه بالرغم من شعورها الشديد بالانكسار فبادلها الابتسامة بأخرى جعلت الأمل يسري داخلها من جديد فتأملت حنين الموقف ثم رددت بخفوت

- مبقاش حنين لو مش بيحبها، أكيد بيحبها باين أوي وربنا و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها حسام قائلاً: ما تعلي صوتك خليني أسمع

- لا بكلم نفسي وأنا لما أكلم نفسي محبش حد يسمع

ضربها بخفة على رأسها فتأوهت بمشاكسة، لكنه لم يهتم وأكمل قيادة السيارة وهو يفكر في الجميلة الجالسة على المقعد الخلفي 

********

في ذات الوقت كانت سوسن تجلس على فراش ابنتها الراحلة وتحتضن صورتها... سقطت دمعة من عينها وهي تتذكر الحادث الذي أودى بحياة زوجها وابنتها الوحيدة التي أنجبتها بعد عدة سنوات من الزواج... مسحت دموعها ثم أبعدت الصورة ونظرت إليها 

- شفتي يا نور ربنا عارف أني زعلانة ومضايقة علشان كده بعتلي وعد، وحشتيني أوي يا نور وحشتيني يا بنت عمري 

قالت كلماتها بصوت غلفه الألم وكسته الحسرة ثم ضمت الصورة إلى صدرها من جديد فتجدد بكائها

*********

في منزل والد وعد.... 
دلفت منيرة إلى غرفة وعد وأخذت تجمع كل ما يوجد بالغرفة لتلقي به في سلة القمامة... في ذات اللحظة استيقظ يحيى ثم ترك فراشه وذهب إلى غرفة ولديه لكنه اندهش بشدة من رؤية زوجته التي كانت تفرغ محتويات الغرفة فهتف متسائلاً 

- أنتي بتعملي إيه؟ 
- بفضي الأوضة وهشتري صالون وأحطه فيها، عندك اعتراض؟ 

قالت منيرة كلماتها الأخيرة بحدة فحرك يحيى رأيه يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فابتسمت بانتصار وأردفت قائلة

- روح حضر الفطار لولادك وأكلهم على ما ألم الزبالة دي، وأعمل حسابك هننزل العصر نجيب الصالون

اقتربت منه وأسندت يدها على كتفه وأخذت تمرر ظاهر كف يدها الأخرى على وجهه ثم تابعت برقة مصطنعة

- وبالمرة يا يويو هنعدي على الصايغ نجيب الأسورة اللي كان نفسي فيها 

لم تترك له أي فرصة للاعتراض فانصرف يحيى دون أن يتفوه ولو بكلمة فشعرت منيرة بلذة الانتصار وأكملت افراغ الغرفة وهي تغني بأعلى طبقات صوتها احتفالاً برحيل وعد واستمرار سيطرتها على زوجها ضعيف الشخصية 

***********

في منزل والدة وعد... 
استيقظ زوجها ولم يجدها إلى جواره، فترك فراشه وأخذ يبحث عنها حتى رآها تبكي في الشرفة... زفر بضيق واشتعل غضباً فاقترب منها كالثور الهائج ثم قبض يده على معصمها 

- قولت ألف مرة مش عايز نكد في البيت ده
- غصب عني دي بنتي
- لو صعبانه عليكي حصليها 

قالها ثم نفض معصمها بعنف لتسقط على الأرض، فرمقها بنظرة نارية وهتف بحدة

- لو الموضوع ده أتكرر تاني هتحصليها وترجعي للشارع اللي جبتك منه يا حلوة، يلا حضريلي الفطار

حركت رأسها بالموافقة ثم نهضت عن الأرض وهمت أن تتخطاه لتذهب إلى المطبخ، لكنه جذبها إلى صدره وانهال على شفتيها بقبلات عنيفة كانت كعقاب لها، وبمجرد أن تركها ركضت إلى المطبخ وهي تمسح الدماء التي سالت من شفتيها ثم جلست على أحد المقاعد وانفجرت دموعها على حالها وحال ابنتها التي تعيش نفس المصير 

*********

في مكان أخر... 
استيقظ أمير نشيطاً كعادة كل يوم... ترك فراشه ودلف إلى الحمام ليتوضأ ويصلي فرضه، وبعد مرور عدة دقائق فرغ من صلاته واتجه صوب حافظة ثيابه لينتقي الأفضل... انتهى من ارتداء ثيابه ونثر عطره المميز ثم غادر الغرفة متجهاً إلى غرفته والدته ليطمئن عليها قبل ذهابه... طرق بابها بخفة ثم دلف إلى الحجرة، اقترب منها وطبع قبلة على مقدمة رأسها 

- صباح الخير يا ست الكل
- صباح النور، مش هتفطر برضو؟ 
- معلش معنديش وقت هشرب فنجان قهوة وأمشي
- هترجع على الغداء؟ 

ابتسم لها ثم طبع قبلة على ظاهر يدها وأجابها بصوت دافئ غلفه الحنان

- بأمر الله 
- ربنا يحفظك لشبابك ويرزقك ببنت الحلال علشان قلبي يطمن

رفع أحد حاجبيه ورمقها بنظرة تعرفها جيداً فتابعت: هفضل أدعيها لحد ما تتجوز و

قاطعها قائلاً بمشاكسة: لحد ما تتجوز يا أول فرحتي وقلبي يطمن أنك في أيد بنت ناس تحافظ عليك وتبطلك أكل المطاعم

اصطنعت الغضب حينما قلد طريقتها في الحديث فانفجر ضاحكاً ثم استرد أنفاسه وأردف

- والله حفظت يا أمي، بس ريحي قلبك وطمنيه حياتي لشغلي وبس
- روح يا أمير يارب تتكعبل في بنت تقع فيها من أول نظرة
- وأدعي تكون شبهك بالمرة 

قالها ثم طبع قبلة على وجنتها وترك الغرفة فانتظرت حتى أغلف الباب وقالت بغيظ

- والله لأقوم أصلي ركعتين وأدعي تتكعبل فيها، أنت والجحش التاني اللي مش عايز يتجوز

********

في ذات اللحظة أوقف حسام سيارته أسفل العقار الذي تسكنه سوسن... ترجل من السيارة وحمل حقيبة وعد التي ترجلت وبداخلها شعور بالأمل... بعد أقل من دقيقة استقلوا المصعد إلى شقة سوسن، وما أن توقف أمسكت حنين يد وعد لترسل إليها الطمأنينةُ فابتسمت الأخيرة ثم غادرت المصعد وطرقت باب الشقة.... فتحت سوسن الباب وابتسمت بسعادة لرؤية حنين ووعد... عانقت وعد في البداية ثم عانقت حنين التي كانت على اتصال دائم معها ثم دلفوا جميعاً إلى الداخل ورحبت سوسن بوجودهم فهي تعيش بمفردها منذ وفاة أعز الناس إليها

- وحشتيني أوي يا وعد
- وحضرتك كمان يا طنط وحشتيني
- مالك يا حبيبتي؟ 

نظرت وعد إلى حسام فأرسل إليها رسالة طمأنينة جعلتها تقص على سوسن ما حدث معها، غضبت سوسن بشدة لكنها لم تندهش فهي تعلم زوجة أبيها جيداً وتعلم كذلك الغل الذي يسكن قلبها... اقتربت من وعد وعانقتها مرة أخرى ثم هتفت بحنان

- خلاص من النهارده ده بيتك وكل مصاريفك عليا

شعرت وعد بالسعادة والإحراج في آن واحد، فابتعدت عن صدر سوسن وهتفت بخجل 

- أنا متشكرة أوي يا طنط بس 

قاطعتها سوسن قائلة بحنان: قوليلي يا ماما 

ابتسمت وعد وحركت رأسها بالموافقة بينما نظر حسام إلى حنين وغمز لها بسعادة ثم همس بصوت خفيض

- اقتراحك في محله يا قردة

رفعت حنين رأسها بشموخ فابتسم على فعلتها ثم نظر إلى وعد ليتابع حديثها وتبدلت ملامحه حينما سمعها تقول

- أنا هشتغل وأصرف على نفسي

كاد أن يعترض، لكن سبقته سوسن: كلام إيه اللي بتقوليه ده يا وعد؟!!! 

- علشان خاطري يا ماما سوسن
- أزاي تشتغلي وأنتي هتقدمي في طب؟ 
- هشتغل في الأجازة وأول شهرين في الدراسة، وعلشان خاطري وافقي أنا عمر ما حد سمعني ولا أهتم أنا عايزه إيه 

قالت وعد كلماتها الاخيرة بنبرة صوت محملة بالألم فربتت سوسن على كتفها وهتفت بحنان 

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك المهم ما تزعليش نفسك 
- ربنا يخليكي ليا 

*********

بعد مرور عدة دقائق غادر حسام برفقة حنين ودلفت وعد لتستريح داخل غرفة نور... اقتربت من صورة صديقتها الراحلة وأخذت تتحسسها بظاهر أناملها ثم هتفت بصوت غلفته الدموع

- تصدقي يا نور الدنيا دي غريبة أوي، انتي تموتي وطنط سوسن هتتجنن عليكي وأنا عايشه وما حدش عايزني، ياريتك أنتي اللي عايشه وأنا اللي موت

انهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها، وشعرت بجمرة تتسلل داخل قلبها... اقتربت من الفراش وألقت بحسدها عليه وظلت تبكي حتى استسلمت إلى النوم فقد كانت تشعر بالتعب إثر الليلة التي قضتها على أحد الأرصفة 

**********

في ذات الوقت أوقف أمير سيارته وترجل منها ثم دلف إلى المشفى الذي يمتلكه... اقترب من المصعد ليستقله إلى حجرة مكتبه، لكنه توقف حينما رأى شجار بالمكان المخصص لاستقبال حالات الطوارئ... اتجه صوب الشجار واشتعل غضباً حينما استمع إلى صوت موظف الاستقبال وهو يقول بحدة 

- يا ستي هنا مستشفى استثماري مش تكيه، معكيش فلوس يبقى روحي أي مستشفى جامعي
- ربنا ينتقم منكم بنتي بتموت
- يلا من هنا بدل

قاطعه أمير قائلاً بحدة لم يعتادها من قبل: ولا كلمة زيادة

جحظت عينيّ الشاب من الحدة التي غلفت نبرات صوت أمير ثم ابتلع ريقه بصعوبة وهم أن يتحدث، لكن سبقه أمير وهتف بحزم

- طلع الحجة بنفسك لأوضة الكشف وخلي دكتور حسين يكشف على البنت وبعدها حصلني على المكتب 

حرك الشاب رأسه بالموافقة فرمقه أمير بنظرة نارية، ثم اتجه صوب السيدة وتحدث بهدوء قائلاً 

- ما تقلقيش أنا هتكفل بمصاريف علاجها
- ربنا يسعدك دي حفيدتي اللي فضلالي من ريحة أبني

ابتسم لها ابتسامة هادئة ثم أدار جسده وذهب صوب المصعد ليستقله وهو في قمة غضبه

**********

بعد مرور عدة دقائق طرق موظف الاستقبال باب مكتب أمير، ودلف إليه وهو يشعر بالخوف من النظرة التي رمقها به منذ قليل... اقترب منه ليدافع عما فعله منذ لحظات، لكن سبقه أمير حينما هتف بحدة

- أنا قولت ألف مرة أي حالة توصل الطوارئ تدخل حتى لو مفيش معاها فلوس، صح؟ 

قال كلمته الاخيرة بانفعال جعل الشاب يحرك رأسه بنعم، فضرب أمير سطح المكتب بيده وأردف بغضب متسائلاً 

- ولما هو حصل، إيه اللي حصل تحت ده؟ خلاص مفيش رحمة 
- يا دكتور دي أوامر الدكتورة نادين 

رفع أمير أحد حاجبيه باندهاش واشتعل غضباً فترك مقعده وتقدم من الشاب قائلاً بحدة

- هي المستشفى دي ملكي ولا ملك دكتورة نادين؟ 
- ملك حضرتك
- يبقى كلام مين اللي يمشي؟ 
- أكيد كلام حضرتك بس من يومين أتخانقت مع مريض في الطوارئ وبلغتتا ما ندخلش متشردين 

جحظت عينيّ أمير وشعر برغبة في الفتك بهذا الشاب وبتلك النادين، لكنه لم يفعل وهتف بغضب

- مش معنى أن دكتورة نادين مديرة قسم الطوارئ يبقى من حقها تلغي قراراتي
- هي دايما بتهددنا أنها بنت عم حضرتك علشان كده بنفذ أوامرها

أدار أمير جسده وزفر بضيق ثم تنفس بعمق وهتف دون أن ينظر إلى الشاب

- أندهلي دكتورة نادين وأرجع شغلك وده أخر إنذار ليك
- متشكر وأوعد حضرتك أني مش هغلط تاني

قالها الشاب ثم غادر المكان متجهاً إلى مكتب نادين وأخبرها بأن أمير ينتظرها في مكتبه... أمرت الشاب بالانصراف ثم أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وأخذت تطالع هيئتها قبل أن تذهب إليه 

**********

في ذات اللحظة دلفت سوسن إلى غرفة ابنتها نور وابتسمت حينما رأت وعد تغفو على الفراش... اقتربت منها وجلست على حافة الفراش وأخذت تتأملها في صمت وهي تشعر بسعادة بالغة، فمنذ وفاة أسرتها تعيش بمفردها ويزورها شقيقها وزوجته بين الحين وآخر لعمله خارج البلاد، واليوم انتهت عزلتها فقد أصبح لها شريكاً في البيت سيقاسمها الصباح والمساء وكذلك تناول الطعام الذي زهدته منذ الحادث الأليم.... ابتسمت بسعادة ثم غادرت الغرفة على أطراف أصابعها حتى لا توقظها واتجهت صوب المطبخ لتعد طعام الغداء 

**********

في المشفى... 
دلفت نادين إلى مكتب أمير وابتسامة سعادة ترتسم على وجهها... اقتربت منه وهي تتمايل بدلال مصطنع ثم جلست على حافة مكتبه قائلة بسعادة

- طلبتني يا أمير؟ 

جز أمير على أسنانه وتطاير الشرار من عينيه، فابتلعت ريقها بصعوبة وابتعدت عنه ثم جلست على المقعد المقابل له وأردفت قائلة

- هو أنا مزعلاك في حاجة؟ 

ضرب أمير بيده على سطح المكتب فانتفض بدن نادين، فهي تعلم طباعه جيداً، وبالرغم من تحليه بصفات حميدة جعلتها تقع في غرامه إلا أنها تعلمه جيداً عندما يغضب... ترك مقعده واقترب منها قائلاً بحدة

- مش معنى أنك بنت عمي ومديرة قسم الطوارئ، ده يديلك الحق تلغي قراراتي
- أنا أنا معملتش

قاطعها قائلاً بحدة: كدابة وطلبتي منهم ما يدخلوش متشردين

- أنا فعلاً عملت كده بس ده قرار لصالح المستشفى 
- لما نطرد الناس في الشارع يبقى في مصلحة المستشفى؟!!! 
- أيوه طبعاً دي أكبر مستشفى استثماري في البلد ودخول الأشكال دي هيخلي الناس تقرف مننا و

لم يستطع تحمل المزيد فرفع كف يده في الهواء مانعاً إياها من المتابعة فعضت على شفاها السفلى وانتظرت توبيخه لها كما يفعل دائماً 

- دكتورة نادين ده أخر تحذير ليكي
- دكتورة؟!!! أنا بنت عمك
- إحنا هنا في شغل مش في البيت وأظن كلامي واضح
- واضح يا ميرو

رفع أمير أحد حاجبيه فتابعت قائلة: قصدي واضح يا أمير

رفع كلا حاجبيه فعلمت ما يقصده وأردفت: قصدي واضح يا دكتور أمير

- أتفضلي على شغلك

غادرت نادين المكان وهي تشعر ببركان غضب يسري بداخلها، فهي تعلم تمام المعرفة أنه لا يبادلها نفس المشاعر واليوم تأكدت من ذلك، وما أن دلفت إلى حجرة مكتبها، جزت على أسنانها وهتفت بحدة

- أنا هخليك تحبني وتركع تحت رجليا وبكرة نشوف يا دكتور مين هيجري ورا مين

*********

غادر أمير مكتبه ليتابع سير العمل ويطمئن على مرضاه، لكنه توقف حينما رأى السيدة العجوز... اقترب منها فقابلته بابتسامة وهتفت بحنان

- ربنا يبارك فيك يا أبني
- حفيدة حضرتك عامله إيه؟ 
- الحمد لله الدكتور قالي أطمن وطلعت تعمل أشعة

شعر أمير بالرضا لرؤيته السعادة داخل عينيها وكاد أن يعتذر منها، لكنها سبقته وهتفت بحنان

- ربنا يسعدك ويباركلك في مراتك وأولادك 

ابتسم لها ابتسامة جعلتها تتابع كلماتها: شكلك مش متجوز 

- مين هترضى بدكتور بيفطر ويتغدى في المطعم اللي جمب المستشفى وليل نهار بره البيت؟ 
- هتلاقيها وهتعيش أجمل حياة على قد طيبة قلبك 
- ما أظنش في واحدة ترضى بيا بس هعيش على الأمل اللي أخدته منك، هروح أشوف شغلي 

ابتعد أمير ليمر على مرضاه وابتسم مراراً وتكراراً على كلمات تلك السيدة الطيبة وتساءل في نفسه 
"أحقاً سيأتي يوم أجد فيه تلك الفتاة، لقد انقضت سنوات عمري الثمانية والعشرون دون أن أقع في الحب فهل سيأتي يوم وتسرق قلبي إحداهن"
عاد إلى أرض الواقع حينما وصل أمام غرفة إحدى مرضاه، فطرق بابها ودلف إليها ليتابع عمله 

*********

بعد مرور خمس ساعات تململت وعد في فراشها وهي تشعر بالإرهاق... فتحت عينيها واعتدلت في جلستها ثم وضعت رأسها بين كفيها فقد كانت تشعر بألم يكاد أن يفتك برأسها ناتج عن البكاء الذي رافقها طوال الأربع والعشرون ساعة الماضية... تحاملت على نفسها وتركت الفراش ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة... أخذت تبحث عن سوسن حتى رأتها تجلس على سجادة الصلاة وتتلو آيات القرآن... اقتربت منها وجلست إلى جوارها فابتسمت سوسن وأنهت قرأتها ثم تأملت وعد وشعرت بغصة في قلبها لرؤية أثر الدموع يحاوط عينيها.... أخذت تمسح بيدها على وجهها وخصلات شعرها فابتسمت لها وعد وأسندت رأسها على صدر سوسن فحاوطتها بحنان وهتفت بصوت دافئ

- ربنا يخليكي ليا وتملي عليا البيت
- وربنا يخليكي ليا 
- قوليلي يا ماما 
- ربنا يخليكي ليا يا ماما 

شعرت سوسن بالسعادة تسري بداخلها من جديد فشددت في احتضانها وتمنت أن تدوم سعادتها إلى ما لا نهاية، أما وعد فأغمضت عينيها وتساءلت في نفسها هل انتهى العذاب، أم مازال القدر يخبأ لها صفعة جديدة ستقلب موازين حياتها من جديد؟ 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف