سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, March 12, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 12, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل السابع والعشرون - بقلمي منى سليمان

* مشاكسات *

تتوالى صدمات حياتي... 
فأصبحت لا أفرق بين حياتي ومماتي... 
لكن بقربك أشعر بوجودي وذاتي... 

لا ترحل مهما كانت الظروف... 
وأبقى إلى جواري لتنسيني الألم والخوف... 

بقى أمير جالساً إلى جوارها ساعة كاملة دون أن يشعر بالملل فيكفيه وجودها بالقرب من قلبه... كان يداعب خصلات شعرها ويتأملها وهي تغفو كالملاك ولكن قاطعه صوت رنين هاتفه فأخرجه مسرعاً من جيب بنطاله حتى لا تستيقظ ثم أجاب بصوت خفيض 

- عمي وصل؟ 
- اه ومصمم يجي يعزي وعد، انتوا فين دلوقتي؟ 
- في بيت طنط سوسن، بس قوله ما يتعبش نفسه أكيد راجع من السفر مرهق
- والله قولتله يروح يرتاح ونيجي بالليل بس مصمم
- خلاص يا أمجد سيبه براحته وسلملي عليه على ما أشوفه

ودعه وأنهى المكالمة ثم أعاد الهاتف إلى جيبه فتململت وعد وقالت دون أن تفتح عينيها 

- ما تسيبنيش يا أمير، أنا خايفة 

علم أمير أنها تحلم أو بالأحرى يطاردها كابوساً فأبعد رأسها عن صدره واضعاً إياها على الوسادة ثم أخذ يمرر باطن كف يده على وجنتها بحنان وهو يردد أسمها بصوت دافئ حتى لا يفزعها... بعد مرور عدة دقائق استيقظت وودعت كابوسها ثم فتحت عينيها لتجد نفسها بين يديه فبادر برسم الابتسامة وهتف وهو مازال يتحسس ووجها بظاهر أطراف أنامله

- وحشتيني الشوية دول
- كنت بحلم أنك كنت جمبي وفجأة مشيت وجريت وراك أقولك ماتسيبنيش لوحدي أنا خايفة و

قاطعها قائلاً بنبرة صوت حانية: أششش أنا جمبك ومستحيل أسيبك يا عمري

كادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت طرق على باب الغرفة فابتعد عنها ليفتحه بينما اعتدلت هي في جلستها وما أن دلفت رمزية إلى الغرفة اقتربت من وعد وطبعت قبلة حانية على جبينها فأردف أمير

- هسيبكم مع بعض وأخرج أطمن على ماما

انتظرت رمزية حتى غادر الغرفة ثم أخذت تمسد برفق على وجه وعد وعلى خصلات شعرها فارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغرها وتحدثت قائلة

- وحشتيني يا ماما
- وأنتي كمان وحشتيني بس خلاص مش هنفترق تاني، وبأمر الله هشتغل وهعتمد على نفسي وهعوضك كل حاجة أتحرمتي منها
- أنا مش عايزه حاجة من الدنيا غيرك

عانقتها رمزية وشددت في احتضانها لتغمرها بالدفء الذي تحتاج إليه، وما أن استمعت إلى صوت بكاء وعد أبعدتها وأخذت تمسح دموعها ثم قالت مازحة

- بقى يا بكاشه مش عايزه حاجة من الدنيا غيري وفي واحد بيعشقك قاعد بره

توردت وجنتي وعد خجلاً فقد أصبحت قصة عشقهم حكاية يعرفها الجميع فربتت والدتها على كتفها وأرفت بحنان

- ربنا يسعدك

أسندت وعد رأسها على قدم والدتها كما كانت تفعل دائماً وهي صغيرة فبدأت رمزية تمرر يدها بين خصلات شعر ابنتها وهي تغني لها كما في الماضي فبكت وعد بالرغم من شعورها بالسعادة فدموعها دموع شوق وحنين لأيام سعيدة قضتها بين أمها وأبيها

*******

بالمطعم... 
كانت أمل تتناول الطعام بنهم وبمجرد أن رفعت رأسها وجدت حسام يتأملها في صمت فخجلت بشدة وابتلعت الطعام بصعوبة ثم ابتسمت ببلاهة وقالت ببراءة 

- كنت جعانه 

أتسعت ابتسامته ثم أرجع ظهره إلى الوراء قليلاً وهتف بهدوء: ألف هنا 

- تعرف لما بتبقى هادي كده 

رفع أحد حاجبيه في انتظار ما ستقوله فتابعت: بتبقى چنتل مان

- ولما بتعصب؟ 
- بتبقى بات مان أو سبيدر مان أو أي حاجة من الفصيلة المتوحشة و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجت الهاتف من حقيبتها وتفاجأت باتصال من رقم خاص فانتابها الشك بأن يكون المتصل الرجل الذي تسعى خلفه، وما أن تبدلت قسمات وجهها تساءل حسام بقلق

- مين؟ 

لم تجيبه لكنها أعطته الهاتف فتسرت الشك إلى قلبه وطلب منها أيجاب المكالمة فهتفت برقة 

- الو 
- انتظرتك حسب المعاد وما جتيش فقولت أطمن عليكي

تسارعت نبضات قلبها خوفاً فعلم حسام أنها تتحدث إليه وأشار بيده لتتابع حديثها فقالت بدلال

- سوري والد مرات أخويا أتوفى 
- البقاء لله، يبقى هنتظرك بكرة الساعة ١٠ صباحاً 
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي، بس عندي سؤال و

قاطعها قائلاً: أولاً مفيش داعي للشكر مكتبي هينور بوجودك، ثانياً لو هتسألي جبت الرقم أزاي فهقولك دي مصادري الخاصة 

ضحكت بدلال فصر حسام على أسنانه وشعر بغضب لا يعلم سببه فوكزها بعنف في قدما ما جعلها تتأوه بشدة فزاد غضبه بينما على الطرف الأخر ابتسم عادل وقال بهيام

- خير مالك؟ 
- معلش أتخبطت في رجلي 
- لا سلامتك، أنا مضطر أقفل وهنتطرك الصبح
- قبل المعاد هكون موجودة، باي

أنهت المكالمة ثم رمقت حسام بنظرة نارية لكنه لم يهتم وقال مقلداً طريقتها في الحديث

- قبل المعاد هكون عندك، باي.. ما تنشفي شوية يا بت أنتي إيه المياعه دي؟ 
- أنت أزاي تكلمني كده؟ وبعدين أنا بنفذ الخطة و

قاطعها عندما كور قبضته وضرب بها المنضدة فسرت رعشة خوف ببدنها وصمتت تماماً حتى لا تزيد غضبه الذي لا تعرف سببه، وساد الصمت لدقائق قطعه حينما نظر إليها وزفر بضيق ثم قال بغضب ملحوظ

- أسف
- عادي أتعودت

قالتها هي الأخرى بغضب ملحوظ فنظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف بصوت دافئ

- أنتي بالنسبالي زي حنين بالظبط ولو حنين أتكلمت بمياعه كده هكسر رقبتها

اعتقد أن ما قاله سيزيل سوء التفاهم لكنه تسبب في إغضابها أكثر وأكثر فمطت شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بحزن قائلة

- أنا مايعه؟!!! 
- شوية 
- ربنا يسامحك

قالتها بطريقة طفولية فابتسم بسعادة وقال مازحاً: أنا أتعودت على شكل ومش واخد على نانسي اللي جواكي

- مين نانسي دي؟ 
- مش عارف بس من النهارده هعتبرك شكل ونانسي
- أنت رخم أوي على فكرة 

حملت حقيبتها وهمت  أن تقوم عن مقعدها إلا أنه سبقها وقبض على معصمها ثم أردف وهو يتأمل انعكاس صورته داخل عينيها

- أنا أسف وأوعدك مش هضايفك تاني
- أنا مش زعلانه بس فعلاً لازم أمشي، عايزه أروح لوعد
- يبقى نروح سوا

حرر معصمها ثم أشار بيده إلى النادل وطلب منه الحساب وخلال دقائق قليلة مضت برفقته إلى سيارته فانطلق إلى منزل سوسن واختلس النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية بين تارة وأخرى فقد غفت كعادتها وهي تتابع الطريق

*******

انتهت سوسن من إعداد الطعام بمساعدة سلوى بالرغم من رفض سوسن لذلك إلا أن سلوى أصرت عليها حتى لا تتركها بمفردها... كان أمير يجلس بالشرفة ويفكر في الجميلة خاصته والحزن يتملكه فما تمر به ليس بالأمر الهين، ولكن قاطع تفكيره رؤيته لأمجد يصف سيارته أسفل العقار فانتظر حتى ترجلوا جميعاً ودلفوا إلى العقار ثم اتجه صوب باب الشقة وفتحه، وبمجرد أن رأى محمود تقدم منه وعانقه فقال الأخير مازحاً 

- والله وكبرت وكتبت كتابك وأنا مش موجود 
- وحشتني يا كبير ووحشتني أيام الشقاوة معاك ومع الكارثة ابنك 

ضيق أمجد بين حاجبيه ثم قاطع العناق الذي طال للحظات حينما وكز أمير في كتفه فتأوه بشدة وابتعد عن محمود وبادل أمجد بضربة على رأسه فضحكت حنين على جنونهم ثم تركتهم ودلفت إلى غرفة وعد فلوح لها أمجد لكنها لم تلتفت فأردف أمير

- عبيط أوووي

دلفوا إلى الداخل فتركت سلوى المطبخ بمجرد أن استمعت إلى صوت محمود ورحبت به فلم تراه منذ ما يقارب العامين أي منذ وفاة شقيقتها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادرت وعد غرفتها برفقة حنين ورمزية لترحب بالضيف الذي جاء خصيصاً ليساندها ويقدم واجب العزاء... ما أن وقعت عينيّ أمير على طفلته، ترك مقعده وتقدم منها ثم أمسك بيدها وساعدها على الاقتراب من محمود فوقف الأخير عن مقعده وصافحها ثم هتف بهدوء 

- البقاء لله ربنا يصبرك
- شكراً لحضرتك 

نظر إلى أمير وقال بسعادة: وعد زي القمر، ربنا يسعدكم 

- تسلم يا كبير 

ابتعد أمير برفقة وعد وساعدها على الجلوس ثم جلس إلى جوارها فوقعت عينيّ محمود على الساحرة التي تجلس إلى جوار سلوى فبادرت برسم ابتسامة خفيفة على ثغرها كترحيب فبادلها بأخرى ثم جذب أمجد من معصمه وتساءل بصوت خفيض

- مين اللي قاعده جمب خالتك؟ 
- دي مامت وعد
- مامتها أزاي دي شكلها صغير أوي
- اللي أعرفه أنها خلفت وعد وعمرها ١٩ ووعد من كام يوم تمت ١٨ يعني تقريباً عندها ٣٧ مش كبيرة، أكبر مني بتسع سنين بس

حرر محمود معصم أمجد فأردف الأخير قائلاً: متجوزة على فكرة

رفع محمود أحد حاجبيه ورمق ابنه بنظرة غيظ ثم قال بغضب: وأنا مالي متجوزة ولا مطلقة، أنا بسأل بس مين دي

- ماشي 

قالها أمجد بخبث ثم نظر إلى رمزية وتابع: منورة 

- ده نورك يا أمجد
- الصراحة مش عارف أنادي لحضرتك بأية يعني حضرتك صغيرة أوي على طنط
- قولها يا زوزو زي ما بنقولها

قالتها حنين فابتسمت رمزية وهتفت بسعادة: لسه فاكرة زوزو؟ 

- طبعاً وخلاص طالما هتفضلي معانا هنقولك يا زوزو زي زمان

قبض أمجد برفق على معصم حنين ثم مال على أذنها وتساءل بصوت خفيض

- يعني إيه هتفضل معانا؟ 
- بعدين هقولك
- لا قولي قبل ما أخوكي يجي ويطبق على نفسي

ما إن وصلت كلماته إلى مسامعها وضعت يدها على ثغرها لتأسر ضحكتها التي كانت على وشك الانفلات ثم تمالكت نفسها وقالت مازحة

- بطل تضحكني يا مجنون وبعدين أتكلم عن حسام كويس ده حبيبي 
- يا سلاااااام؟! 

ضحكت بخوت وتابعت قائلة: وأنت كمان حبيبي

- طب علشان الكلمة الحلوة دي هتقولي هتقعد ليه؟ 
- الملخص أطلقت الصبح
- لا يا شيخة
- اه والله 

حرر معصمها وربت على كف يدها ثم مال على أذن والده وقال ببلاهة: أطلقت النهارده الصبح، انطلق براحتك

- لم نفسك يا جحش
- من غير شتيمه هسكت، أنا غلطان أني عايز أظبطك بدل دور جدي اللي عايش فيه
- نروح بس وهفكرك بجدك وهو بيديك على قفاك 

*****

بدأت سوسن في إعداد المائدة بمساعدة وعد وحنين، وبمجرد أن فرغوا صدع صوت رنين الجرس ففتحت حنين وتفاجأت برؤية أمل برفقة شقيقها فانتظرت حتى دلفت أمل ثم قبضت على يد شقيقها وأبعدته قليلاً فتساءل بقلق

- إيه مالك؟! 
- هو إيه النظام علشان ما بحبش أبقى قرطاس في النص؟ 
- نظام إيه؟!!! 
- نظام أمل رايحة مع حسام وحسام بيجي مع أمل و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما ضربها بخفة على رأسها فمطت شفتيها بضجر واصطنعت الغضب قائلة

- ربنا يسامحك 
- مفيش حاجة من اللي في دماغك اللي بيني وبينها شغل وبس ولما نروح هحكيلك علشان أخلص من لسانك، يلا قدامي

مضت برفقته وبداخلها شيء يخبرها أن كل ما قاله مجرد أكاذيب وقررت مراقبة الأجواء أثناء وجودهم على مائدة الطعام فلاحظت تبادلهم للنظرات ورددت في نفسها

- نظرات رايحة وغيرها جايه ويقولي شغل، هاه ربنا يهدي

*******

لاحظ أمير شرود وعد وعدم تناولها للطعام فشعر بالأسى عليها وتمنى أن يخفف عنها ولو بلمسة لكنه يعلم جيداً أن حزنها عميق فربت على يدها وقال بحنان

- لازم تاكلي
- مش قادرة

وضع القليل من الطعام داخل ملعقته ثم قربها من شفتيها وهتف بصوت دافئ

- طيب علشان خاطري كلي دي من أيدي

امتثلت لرغبته وتناولت ما قدمه إليها فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة قطعها أمير عندما كرر فعلته وأطعمها كطفلة مدللة فشعرت رمزية بعشق أمير لابنتها ورددت بخفوت

- ربنا يسعدك يا وعد يا بنت عمري

بعد أن فرغوا من تناول الطعام جلسوا سويا ليخففوا عن وعد وتبادلوا أطراف الحديث لساعة كاملة ثم تذكرت سلوى أمراً فهتفت متسائلة

- هترجع شركتك يا محمود؟ 
- أيوه كتر خير مديرها بقاله سنتين شايل الشغل كله
- طيب رمزية بتدور على شغل إيه رأيك تشتغل معاك

نظرت إليها رمزية بامتنان بينما ابتسم أمجد بخبث وغمز لوالده بمشاكسة، فأسر محمود ابتسامته بصعوبة ورحب بالفكرة قائلاً بصوته الرجولي المعتاد 

- تنور طبعاً، حضرتك مؤهل جامعي؟ 
- أيوة بكالوريوس تجارة

زاد إعجاب محمود بها فقد أخبره أمجد أنها تزوجت في سن صغير وبالرغم من ذلك أكملت تعليمها الجامعي فهتف بترحاب 

- نوريني بكرة في الشركة والوظيفة اللي تختاريها هتكون من نصيبك
- بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي وحضرتك كمان يا مدام سلوى

ربتت سلوى على يد رمزية لتخبرها أنه ما من داعي للشكر، بينما رمقها محمود بنظرة غضب مصطنع وتحدث قائلاً 

- استغفر الله، مفيش شكر بينا إحنا نسايب يعني أهل
- ده بس من كرم أخلاقك

شعر محمود بالإطراء وتفادي النظر إلى ابنه الذي ورث المشاكسه عنه لكن أمجد لم ييأس فأرسل لوالده رسالة نصية من كلمتين

(الله يسهلو) 

قرأها محمود وصر على أسنانه ثم بادله برسالة (أصبر عليا يا جحش) 

قرأها أمجد وانفجر ضاحكاً فاندهشوا جميعاً لكن لم يعلق أحد فجنونه أصبح كالعلامة المسجلة 

*******

من إحدى سيارات الأجرة ترجل ياسين وزوجته فقد أقنعته بالذهاب إلى وعد للإتفاق على تفاصيل الميراث... صعد إلى شقة سوسن وضغط زر الجرس ففتحت أمل الباب وقالت برقة

- أهلاً وسهلاً 

اعتقدت أنهم أقارب وعد وجاءوا لتقديم واجب العزاء فقد كان يرتدي حلة سوداء وكذلك زوجته التي كانت ترتدي ملابس سوداء فأشارت إليهم بالدخول... ظنت وعد أيضاً أن عمها وزوجته جاءوا لمساندتها وتأكدت من ذلك عندما عانقتها زوجة عمها وهتفت بحزن مصطنع 

- قلبي عندك

لم تعيرهم رمزية أي اهتمام فقد لجأت إليهم في الماضي ولم يهتموا كما فعلوا مع ابنتها فتركت مقعدها ودلفت إلى غرفة وعد ولحقت بها سلوى وحنين وأمل ليفسحوا لهم المجال... رحب أمير بهم فقد تقابلوا في المقابر منذ عدة ساعات عند دفن يحيى وولديه وبعد مرور عدة دقائق من الصمت وكزت رجاء زوجها في ذراعه ليقول ما جاءوا لأجله فهتف بصوت مرتعش

- وعد أنا عارف أن الظرف مش مناسب بس لازم نتكلم في إجراءات إعلام الوراثة علشان الورث

جحظت عينيّ وعد في عدم تصديق بينما شعروا جميعاً بالإشمئزاز فتركت سوسن مقعدها ولحقت بهمن في الداخل بينما قال أمير بصوت رجولي حاد

- حضرتك شايف أن ده وقت مناسب تتكلم فيه عن الورث
- يا ابني أنا جاي بس أشور وعد علشان نطلع إعلام الوراثة 

تلألأت الدموع داخل مقلتيها وشعرت بصفعة جديدة من الدنيا فوقفت عن مقعدها وقالت بثبات

- خدوا كل حاجة الشقة والعربية والمكتب والفلوس اللي في البنك ما يلزمونيش، بابا ما أخدش حاجة معاه ومحدش هياخد من الدنيا حاجة غير عمله و

قاطعها أمجد حينما وقف عن مقعده وقال بغيظ وهو يوجه كلماته إلى ياسين

- من درجة حرارة الكبد الطب الشرعي أثبت وفاة مصطفى وعبد الرحمن بعد أخو حضرتك بساعة يعني شرعاً الولدين ورثوه وبعد وفاتهم وعد تورثهم لأن أمهم لما أطلقت أتنازلت عن الحضانة وأي حقوق ليها يعني نصيب جنابك مش زي ما بتحلم 

جحظت عينيّ رجاء بعدم تصديق وكادت أن تكذب ما قاله أمجد لكن سبقتها وعد وطلبت الانفراد بعمها بحضور أمير، وبمجرد أن أغلقت وعد باب الغرفة تقدمت من عمها وقدمت إليه نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها فجحطت عينيه بعدم تصديق وقال بصوت تسيطر الصدمة عليه 

- مش ولاد يحيى؟!!!! 
- أنا كان ممكن أخبي ده وأحرمك من الميراث زي ما أنت اتخليت عني لما أحتاجتلك بس أنا مش زيك وفي نفس الوقت مش عايزه بابا وأخواتي يتفضحوا ويتقال مراته ضحكت عليه وأخواتي ولاد حرام علشان كده أتمنى السر ده ما يخرحش من الأوضة دي واعتقد حقك يعادل شقة المعادي بعفشها والمكتب اللي في المهندسين وبعد إجراءات الورث هتنازل لحضرتك عنهم وكده يبقى ما ظلمتش حد ولا فضحت أبويا وأخواتي وياريت دي تكون أخر مقابلة بينا لأني عايزه أنسي الماضي بكل اللي فيه

حرك ياسين رأسه بالموافقة على ما قالته ثم غادر الغرفة واصطحب زوجته التي تملكها الغضب كما تملكها الطمع وبدأت تعنفه لكنه كان مازال تحت تأثير الصدمة وبمجرد أن استرد أنفاسه نظر إليها وقال بأسى

- ما تقلقيش وعد هتدينا الشقة بعفشها والمكتب وهتاخد هي العربية والفلوس اللي في البنك ويبقى النص ليها والنص ليا
- اللهم صلي على النبي، أيوه كده خلينا ناخد حقنا ونوسع على روحنا وعلى العيال والشقة القديمة نسيبها لابنك يتجوز فيها لما يكبر والمكتب بقى نقفله ونبيعه أهو يجيب يجي ربع مليون

تركها ياسين تبني أحلامها وشرد في حياة شقيقه البائسة فمن دمر بيته لأجلها دمرته بالنهاية ودمرت كل شيء وهو الآن يخطو على خطى شقيقه ويسير كالمغيب خلف زوجته

*******

رحل سكون الليل وظلامه ولكن بقى ظلام القلوب ومع أول ضوء لأشعة الشمس تركت نادين فراشها ثم اتجهت صوب الشرفة لتشعل سيجارة وتنفس دخانها كما تنفس الشر الساكن بداخلها... كانت تفكر في أمير الذي تخلى عنها وذهب لأخرى كما اعتقدت متناسية أنه لم يعطها الأمل في ما تشعر به نحوه ولو بكلمة... جلست على أحد المقاعد وأخذت تشعل سيجارة تلو الأخرى عل النار المشتعلة بداخلها تنطفأ ولكن دون جدوى... وبعد مرور ما يقارب الساعة تململت والدتها في الفراش ثم استيقظت عندما شعرت بعدم وجود نادين إلى جوارها فتركت الفراش ولحقت بها إلى الشرفة ثم اختطفت السيجارة من يد نادين وألقت بها في الأرض

- قاعده تدخني ولا على بالك الرميه اللي إحنا فيها
- مالها الرميه، قاعدين في فندق خمس نجوم
- وهنفضل لحد أمتى؟ 

أشعلت سيجارة ثم نفست دخانها في وجه والدتها وأجابتها ببرود: هنمشي لما يكلموني ويقولولي أرجع بس مش هرجع نادين اللي بتجري ورا أمير أحمد نور الدين جراح القلب الوسيم، لا هرجع نادين اللي هتنتقم من أمير وأخته وأمه ومراته وكل حد ليه علاقة بيه

- ناويه على إيه يا بنت بطني؟ 
- بكرة تعرفي 

******

في العاشرة إلا خمس دقائق ترجلت أمل من سيارتها بعد أن وصلت أمام مقر وزارة الصحة... كانت تشعر بالخوف والقلق لكنها ما أن رأت حسام شعرت بالطمأنينة فاقترب منها على الفور واصطحبها إلى مكتب الوزير وأثناء سيره إلى جوارها قال دون أن ينظر إليها نظراً لوجود العديد من الكاميرات

- صباح الخير 
- صباح النور، ما ينفعش تدخل معايا مكتبه؟ 

أسر ابتسامته بصعوبة حتى لا تعتقد أنه يقلل من خوفها وشعر بالسعادة لثقتها المطلقة به وما أن استرد أنفاسه أجابها بصوت دافئ

- للأسف ما ينفعش بس لو حاول يلمسك ولا عملك أي حاجة خلي شكل يقوم بالواجب وأركني نانسي على جمب
- رخم

كاد أن يجيبها لكن منعه وصوله إلى مكتب حكيم، مساعد الوزير وهناك ترك أمل وعاد ليتابع عمله حتى لا يشك أحد، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى دلفت أمل إلى مكتب عادل فقابلها بترحاب بعد أن ترك مقعده وتقدم منها ثم مد يده ليصافحها فابتسمت وصافحته إلا أنه لم يكتفي بالمصافحة بل رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة فخجلت بشدة وسحبت يدها ثم قالت بثبات

- حضرتك چنتل مان أوي
- للأسف الوزارة بتطلب الرسميات لكن أنا في الحياة العادية غير كده خالص، أتفضلي

أحاط ظهرها بذراعه واصطحبها إلى المقعد فتسارعت نبضاتها خوفاً وجاهدت لكي لا يظهر ذلك على قسمات وجهها ثم جلست على المقعد وقالت بدلال بعد أن جلس على المقعد المقابل لها

- حلم حياتي بجد وجودي مع حضرتك 
- أنتي تنوريني في أي وقت، تشربي إيه؟ 
- اللي حضرتك تطلبه هشربه

أكل عادل الطعم الذي رمته أمل من خلال الدلال المصاحب لنبرة صوتها ولكي لا يشك بها أجرت معه حواراً صحفياً واصطنعت الانبهار بسيرته الذاتية، أما هو فكان يتأملها بوقاحة بين تارة وأخرى وانتظر حتى أنهت حوارها ثم اقترب منها وربت على كتفها قائلاً 

- خلاص هتمشي؟ 
- للأسف ورايا شغل مهم بس أكيد هنتقابل تاني
- وقت ما تحبي كلميني وأنا اللي هجيلك

وقفت عن مقعدها فأزال يده عن كتفها ثم ودعها بقبلة على ظاهر يدها وبمجرد أن حرر كفها لوحت إليه مودعة وغادرت كالإعصار إلى سيارتها فتابعها حسام بعينيه حتى انطلقت بها وبداخله بركان غضب فقد استمع ورأي كل ما دار بينها وبين عادل بعد أن طلب من زملائه ربط التسجيلات بهاتفه كما تم ربطها بأجهزة الإدارة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ابتعد قليلاً وهاتفها فأجابت بصوت غلبه البكاء 

- نعم
- بتعيطي ليه؟ 
- قرفانه من الراجل المعفن اللي حط أيده على كتفي وعمال يبوس في أيدي

استطاعت كلماتها إخماد البركان الثائر بداخله فتحدث بصوت دافئ غلفه الحنان

- معلش ما تعيطيش، هيتمسك وياخد جزائه
- عارفه بس مضايقه أوي

قالتها وهي تبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه لم يظهر ذلك وهتف بمشاكسة 

- خلاص بقى يا شكل 

اختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم تمالكت أنفاسها وقالت بغيظ: ما تقوليش يا شكل

- حاضر يا أمل

خفق قلبها بسعادة فتلك هي المرة الأولى التي يلفظ فيها حروف أسمها فتحدثت بسعادة لا تعرف سببها

- خلاص مش هعيط، يلا روح شغلك وأنا هروح شغلي
- لما أخلص هكلمك ولو وقتك يسمح تعالي أعزمك على حاجة حلوة 
- ماشي

ودعته وأنهت المكالمة وابتسامة ساحرة تزين شفتيها بينما أنهى حسام المكالمة وشعر بالربيع يسري بداخله 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Saturday, March 9, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 09, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل السادس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* احتواء *

هل أحلم... لا إنه كابوس ساستيقظ منه بعد قليل... وماذا إن كان كابوسي حقيقة.. كيف أحيا بعد الفراق؟ كيف أعيش بعد كل صفعات الزمن؟... أخبرني يا زمان أي ذنب اقترفت لتسرق مني الأمان فالسعادة وبالنهاية أسرتي؟ أخبرني متى تنتهي دموعي وألامي؟ أو أخبرني أين المفر من جروحي وأحزاني؟.... 
كانت تُغمض عينيها وتردد الكلمات وهي تبكي بغزارة... انتبه لها وتمنى أن يخبأها بداخله لينتهي حزنها ولكن أمنيته كانت مستحيلة.. بعد مرور ساعة كاملة ترجل أمير من السيارة ثم اتجه صوب باب وعد وفتحه فاستندت عليه وترجلت هي الأخرى... أحاط ظهرها بذراعه وساعدها على الدخول إلى العقار ثم اصطحبها إلى شقة والدها بناءاً على رغبتها... وقفت بين الغرف تتأمل الصمت والفراغ فبالأمس كان صوت ضحكات شقيقيها يصدع في أرجاء المكان واليوم ودعتهم كما ودعت أبيها ودفنوا جميعاً تحت التراب منذ قليل... تساقطت الدموع من مقلتيها واحدة تلو الأخرى ثم اتجهت صوب غرفة مصطفى وعبد الرحمن، جلست على فراش مصطفى وتحسسته بباطن كفها وباليد الأخرى أمسكت ملابس عبد الرحمن لتشتم رائحته... كانت النيران تتأكلها فقد رحلوا جميعاً دون أن تودعهم، أغمضت عينيها وتذكرت ما حدث بالأمس بعد أن انطلقت من بين شفتيها أعلى الصرخات... ركض أمير إلى الغرفة ووجدها تحتضن جسدي شقيقيها فاقترب منها مسرعاً وتحسس نبضهما فنظرت إليه بعين راجية وقالت والدموع تنهمر على وجنتيها

- ساعدهم وخليهم يفتحوا عينيهم، هما بس دايخين وبعد ما تساعدهم هيقوموا يحضنوني ويقولولي وحشتينا، صح يا أمير؟ 

شعر بغصة في قلبه ولم يستطع أن يخبرها برحيلهم كما رحل أبيها فاقترب منها وأبعد جسد مصطفى ثم عاد وحرر جسد عبد الرحمن من بين يديها فصرخت منادية بأسمائهم ثم ألقت بجسدها في صدر أمير فحاوطها بكلتا يديه في ذات اللحظة التي دلفت فيها حنين إلى الغرفة بعد أن استمعت إلى صوت وعد فجلست راكعة على الأرض من هول الصدمة.... 
فاقت وعد من ذكرياتها الأليمة عندما جلس أمير إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه فأسندت رأسها على صدره لتبكي على من رحلوا بلا وداع تاركين بقلبها الحسرة والألم... كم تمنى أن يحمل الحزن عنها لكنها أمنية بعيدة المنال 

- ربنا يرحمهم، لو فضلوا عايشين كانوا هيتعذبوا أكتر
- منها لله منيرة هي السبب في كل حاجة، أكيد بابا ما استحملش الصدمة وأكيد ربنا رحم مصطفى وعبد الرحمن علشان ما يجيش يوم ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأمهم أتمسكت في شقة

صمتت للحظات وأكملت بكائها ثم ابتعدت عنه قليلاً وتساءلت بصوت كساه الألم

- هي الدنيا لحد أمتى هتفضل تكسرني؟ 

كانت كلماتها بمثابة جمرة نار تسللت إلى قلبه وحرقت كل ما قابلها إلا أنه تمسك بهدوئه وأجابها قائلاً 

- مفيش حاجة هتكسرك طول ما أنا جمبك، أنا سندك وأمانك
- أوعى تسيبني وتمشي أنت كمان

قالتها بصعوبة نتيجة لبكائها فجذبها إلى صدره مرة أخرى عله يعطيها الأمان الذي تحتاج إليه وظلت قابعة بين أحضانه حتى انتبهت إلى صوت رنين الجرس فتركت أمير واتجهت صوب باب الشقة لتتفاجأ برؤية والدتها

- حنين كلمتني وقالتلي أنك أكيد محتجالي فسبت الدنيا وجتلك

قالت رمزية كلماتها ودموعها تتساقط ثم فتحت ذراعيها فارتمت وعد داخل أحضانها وهتفت بصعوبة

- ما تسيبنيش تاني، ما تمشيش أنا فعلاً محتجالك 

شددت رمزية في احتصانها وأخذت تمسد على خصلات شعرها وهي تقول بصوت دافئ

- من النهارده مش هبعد عنك وهنرجع نعيش سوا

ابتعدت وعد عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وتساءلت: بجد؟ 

- لما حنين كلمتني قالي لو خرجتي ما ترجعيش بس اختارتك أنتي، أنا اتخليت عنك مرة ونمتي في الشوارع بس دلوقتي مش هبعد لأني مليش غيرك
- أنا بحبك أوي يا ماما
- وأنا مليش غيرك في الدنيا دي

احتضنتها رمزية مرة أخرى وطبعت قبلة حانية على خصلات شعرها فدمعت أعين أمير إلا أنه أسر دموعه واقترب منهن قائلاً 

- كفاية حزن بقى وتعالوا نمشي من البيت ده
- عندك حق يا جوز بنتي، البيت ده ملعون 

غادروا جميعاً بعد أن ودعت وعد ذكرياتها الحلوة والمرة التي قضتها بين جدران هذا المنزل فانطلق أمير إلى منزل سوسن 

******

بسجن النساء... 
عادت منيرة إلى زنزانتها وهي تجر أذيال الحسرة فقد أخبرها مأمور السجن منذ قليل بوفاة طليقها وولديها... كادت أن تسقط أرضاً عدة مرات إلا أنها استندت على الحائط حتى وصلت إلى فراشها الأشبه بأشواك الصبار... جلست على حافة الفراش ثم أغمضت عينيها وتذكرت حقارتها ومعاملتها السيئة لطفليها... عادت بذاكرتها إلى ثلاث أشهر عندما كانت تتحدث عبر الهاتف إلى إبراهيم لتواعده... كان مصطفى يلعب بسيارته ويغني بأعلى طبقات صوته فزفر إبراهيم بضيق وقال بغيظ

- ما تسكتي الكلب ابنك ده علشان أسمعك 
- حاضر

أبعدت الهاتف عن أذنها واقتربت من مصطفى وأخذت منه السيارة عنوة ثم ألقت بها من الشباك فعلّا صوت بكائه... اقتربت منه وصفعته بقوة على وجنته ليصمت فركض عبد الرحمن باتجاه شقيقه ثم نظر إليها وقال بغضب 

- ما تضربيش أخويا، إحنا مش بنحبك أصلاً بنحب بابا ووعد بس

اشتعلت منيرة غضباً فأمسكت به هو الأخر وضربته بقوة ثم ألقت به وبشقيقه داخل الغرفة وأغلقت بابها بالمفتاح وأكملت حديثها مع إبراهيم وكأن شيئاً لم يكن... 
عادت إلى أرض الواقع والندم يتملكها بعد فوات الأوان فعلمت أن الله ينتقم منها ورددت بخفوت

- ذنب وعد ورمزية، ذنب الزنا مع مرزوق ويحيى وإبراهيم، ذنب ولادي اللي ضربتهم كل يوم 

ظلت تردد تلك الكلمات مرارا وتكراراً حتى التوى ثغرها ويدها ثم فقدت توزانها وسقطت عن الفراش فتجمعن السجينات حولها وقالت إحداهن

- شكلها أتشلت حماتي كانت نفس المنظر كده

ساعدتها أخرى على العودة إلى الفراش ثم اقتربت من باب الزنزانة وطرقتها بعنف وهي تقول

- في واحدة تعبانه

******

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل... 
لم تتوقف دموعها ولو لدقيقة وفشلت جميع محاولات حسام في إسكاتها بالرغم من شعوره هو الأخر بالحزن فأشار بيده إلى النادل وطلب منه كوباً من عصير الليمون لها عله يساعدها وبمجرد أن ابتعد النادل نظر مُباشرةً إلى عينيها التي تورمت من كثرة البكاء وقال بهدوء لم يعتاده في الحديث معها

- وبعدين معاكي، بقالك ساعة ما بطلتيش عياط
- صعبانين عليا أوي ومش مصدقة أني كنت بلعب معاهم من كام يوم لما كنا في النيابة
- ربنا يرحمهم، ممكن تبطلي عياط بقى؟ 
- مش عارفه أبطل أصلاً 

قالتها ببراءة وهي تبكي بغزارة فشعر للمرة الأولى بألم يسري بداخله بسبب رؤيته لدموعها فتحدث بصوت أقرب إلى الرجاء قائلاً 

- طيب علشان خاطري ما تعيطيش، قلبي وجعني عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها علها تتوقف عن البكاء فاختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم كفكفت دموعها وهتفت بذات المشاكسة 

- بطل رخامة يا هولاكو، مش طالبه رخامتك بجد
- هبطل بس لو عيطتي تاني ما أوعدكيش
- معاد الوزير راح عليا لما كنا في المقابر، هنعمل إيه دلوقتي؟ 
- روحي بكرة وقولي أن كان عندك حالة وفاة وأكيد هيدخلك عادي

كادت أن تتحدث لكن قاطعها النادل حينما وضع عصير الليمون أمامها فمطت شفتيها بضجر وقالت بدون أي تردد أو تفكير

- أنا مبحبش الليمون

نظر النادل إلى حسام فمد يده وأخذ كوب العصير ثم نظر إليها وهتف بغيظ

- أحسن هشربه أنا، واختاري اللي أنتي عايزاه
- لو سمحت هاتلي فنجان قهوة سادة 
- تحت أمرك

بمجرد أن غادر النادل، وجهت نظراتها إلى مياه النيل فساد الصمت بينهما للحظات قطعها حسام عندما قال مازحاً 

- مش واخد على هدوئك يا شكل

اعتقد أنها ستبادله المزاح لكنها تساءلت بصوت كساه الألم: تفتكر وعد حاسه بإيه بعد ما خسرت أبوها وأخواتها في يوم واحد؟ 

تنهد حسام بحرقة وأجابها بصوت هادئ: وعد أرق بنت شوفتها في حياتي، جميلة وهادية عامله زي النسمة بالظبط والأهم من ده كله أنها حساسة وأقل حاجة بتأثر فيها بس أجمل حاجة فيها قوتها، بتقدر تقف على رجلها وما بتسمحش لأي حاجة تكسرها وده اللي بحبه فيها

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، لوت شفتيها بضجر وشعرت بالغضب يتملكها دون أن تعرف سببه فأشهرت سبابتها في وجهه وهتفت بحدة 

- حبك برص

تأمل غضبها للحظات ثم انفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته فما كان منها إلا أنها حملت حقيبتها وغادرت دون أن تعيره أي اهتمام فلحق بها وقبض برفق على معصمها 

- مالك بس يا شكل؟ 
- سيب أيدي يا رخم بدل ما أصوت وأقول خاطفني
- صوتي واللي هيقرب هضربه بالنار

صرت على أسنانها وحاولت التملص من قبضته إلا أنه لم يسمح بذلك فقالت بهدوء 

- لو سمحت سيب أيدي، مش عايزه أقعد معاك أنا حره 
- بس أنا عايز أقعد معاكي

رفعت بصرها إليه فتقابلت أعينهم في نظرة طويلة قطعها حينما أردف بمشاكسة

- عايز تمشي يا شكل وتسيب هولاكو لوحده؟ 
- ما هولاكو بيضايقني ويعصبني
- خلاص تعالي وهتوسطلك عنده
- ماشي

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته حتى لا يغضبها مرة أخرى ثم حرر معصمها فمضت معه إلى الداخل وبداخلها مشاعر لا تستطيع تفسيرها

******

بمطار القاهرة... 
اندهش أمجد من سكونها وصمتها الذي لازمها منذ الأمس... توقع أن تثور وتبكي عند دفن الجثامين إلا أنها لم تفعل ولم تتحدث مع أحد ولو بكلمة فازداد شعوره بالقلق عليها وقال بهدوء 

- حنين

رفعت بصرها إليه دون أن تتحدث ورمقته بنظرة تساؤل فتابع: أنا قلقان عليكي، أتكلمي قولي أي حاجة 

تنهدت بحرقة ثم وضعت رأسها بين كفيها فأردف: حنين كلميني يا عمري، طلعي الحزن اللي جواكي، أنتي كده بتقتليني 

حررت رأسها ثم وجهت نظراتها إليه وقالت بحزن: أنا موجوعه أوي، شوفتهم لما أتولدوا وكل يوم كانوا بيكبروا قدام عيني تقريباً أنا ووعد اللي ربيناهم والأتنين راحوا 

- محدش بيعترض على أمر ربنا
- أنا مش بعترض، أنا موجوعة

كم تمنى أن يجذبها إلى صدره لكن منعه الزمان والمكان من ذلك فأمسك كفيها بين كفيه عله يخفف عنها فتساقطت دموعها الأسيرة على كفيه وظلت تبكي وتبكي دون أن يمنعها أو يطلب منها التوقف لتخرج كل ما يؤلمها

- هو أنا قولتلك قبل كده أني بحبك

اختلطت دموعها بابتسامة خفيفة زينت ثغرها فتابع بصوت دافئ: بحبك يا أجمل مجنونة في الدنيا، كفاية دموع علشان تقدري تعيشي اللي جاي، اللي راح ما بيرجعش بس بنخليه ذكرى حلوة نفتكرها لكن ما بنقفش عندها

- يعني الوجع اللي في قلبي هيخف؟ 
- هيخف وهتيجي أيام حلوة تنسيكي الألم 
- أنا بحبك أوي

قالتها بدون أي تردد أو تفكير فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره ثم أحاطها بحنان، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ولاحظت نظرات الجميع وهمساتهم، ابتعدت عنه وقالت بخجل

- هو باباك هيوصل أمتى؟ 
- خلاص الطيارة على وصول، هيفرح لما يشوفك
- شبهك؟
- لا أنا شبه ماما الله يرحمها، بس بابا حليوه برضو
- خلاص لو طلع حليوه أوي أوي يعني هصرف نظر عنك وأتجوزه هو 

قالتها مازحة لتشاكسه فاصطنع الغضب وهتف بغيظ: ده أنا كنت قتلتك وقتلته

- مجنون

*******

في ذات اللحظة أوقف أمير سيارته أسفل منزل سوسن، حمل حقيبة رمزية بالرغم من اعتراضها ثم اصطحبهن إلى الداخل... ما أن ضغط زر الجرس اتجهت سوسن صوب الباب وفتحته وتفاجأت برؤية رمزية فقالت الأخيرة 

- أزيك يا سوسن؟ 
- بخير يا حبيبتي، أدخلوا أنتوا واقفين ليه؟ 

دلف أمير في البداية ثم اقترب من والدته ليطمئن عليها فلحقت به وعد وبادرت في عناقها فربتت سلوى على ظهرها وهتفت بصوت دافئ

- عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، طول ما أنتوا جمبي هتغلب على كل صعب

استغلت رمزية انشغال وعد بالحديث مع سلوى وطلبت من سوسن التحدث معها على انفراد فاصطحبتها سوسن إلى غرفتها ثم تساءلت بقلق 

- مالك يا رمزية؟ 
- أنا محرجة منك أوي بس

قاطعتها سوسن قائلة: عيب عليكي من أمتى في بينا إحراج، قولي اللي عايزاه على طول

- أنا أطلقت ومليش مكان أروحه غير بيتك، فلو تسمحي أفضل هنا لحد ما الاقي شغل و

قاطعتها مرة أخرى قائلة: البيت بيتك يا رمزية وبلاش الحساسيات دي طول عمرنا أخوات 

- أنا بجد مش عارفه أشكرك أزاي
- والله لو قلتي كده تاني لأزعل منك، أنتي ووعد هتملوا عليا البيت
- ربنا يديكي على قد طيبة قلبك يا أصيلة يا بنت الأصول

*******

بالمطار... 
هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وعلى متنها محمود والد أمجد بعد غياب دام لعامين... استقبله أمجد بعناق دام لعدة دقائق ثم ابتعد عن أبيه بصعوبة ونظر إلى حنين قائلاً 

- أقدملك حنين، وده يا حنين الشاب الروش بابا

ابتسمت حنين على جنونه ثم مدت يدها لتصافح أبيه فقال محمود بسعادة 

- إيه الجمال والرقة دي كلها يا حنين
- ميرسي يا عمو ولون حضرتك صغير أوي على عمو

صر أمجد على أسنانه حينما شعر بقليل من الغيرة فردد في نفسه بغيظ: أبويا بيشقط الحته بتاعتي

فاق من شروده حينما استمع إلى صوت ضحكات حنين فرمق والده بنظرة غضب وتابع بجنون

- ما تخف شوية يا عم الحاج 
- أخرس يا ولد وسيبني أتعرف على القمر براحتي
- بقولك إيه أنا هروح أحجزلك تذكرة عودة وأخلصي 
- لا أنا قاعد على قلبك هنا ومش هرجع أمريكا

ضرب أمجد قدمه بالأرض كالأطفال فضحكت حنين حتى دمعت عينيها على جنون حبيبها وأبيه الذي يفوقه في الجنون والمشاكسات، وبمجرد أن استردت أنفاسها تأبطت ذراع أمجد ومضت برفقته إلى السيارة فلحق بهم محمود بعد أن استلم حقائبه 

********

بالمطعم... 
كانت أمل تتحدث إلى شقيقها لتطمئن على وعد فراقبها حسام في صمت بالرغم من شعوره بالحزن بعد أن تجدد بكائها... انتظر حتى أنهت المكالمة ثم مد لها يده وأعطاها منديلاً لتمسح دموعها فأخذته وقالت برقة

- شكراً 
- بتعيطي ليه تاني؟ 
- أمير قالي أن وعد تعبانه أوي

انتفض حسام عن مقعده وتساءل بقلق ملحوظ: تعبانه أزاي؟ 

توقفت أمل عن البكاء ورفعت أحد حاجبيها بغضب فابتلع ريقه ثم جلس على مقعده مرة أخرى وتابع بنبرة صوت أكثر هدوءاً 

- أتخضيت عليها
- لا حنين أوي

قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامعه فأسر ابتسامته بصعوبة وتحدث بهدوء قائلاً 

- وعد أختي وغلاوتها في قلبي زي غلاوة حنين بالظبط
- بالظبط بالطبط يعني؟ 
- اه بالظبط بالطبط يا شكل

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها ثم أرجعت خصلات شعرها خلف أذنها وقالت برقة

- مصدقاك يا هولاكو، يلا أطلبلي أي حاجة أكلها 
- ده أنتي داخله على طمع بقى
- أيوه، أنجز بقى علشان جعانة أوي
- من عينيا يا شكل 

أشار بيده إلى النادل وتحدث معه لعدة دقائق فتأملته أمل في صمت، وما أن انتبه لنظراتها أتسعت ابتسامته الساحرة وتساءل بمشاكسة

- بتبصلي كده ليه يا شكل؟ 
- رخم

رفع أحد حاجبيه فتابعت: سوري بس الصراحة شكل دي بتغيظني

- خلاص ما تزعليش، بتبصيلي كده ليه يا حضرة الصحافية العظيمة؟ 
- وأنت بتتكلم جد بحس ليك هيبة مش موجودة في الرجالة وشوية الشعر الأبيض دول وقار 

أسر الابتسامة التي كانت على وشك الظهور وهتف بجدية مصطعنة: بتعاكسيني؟ 

- لا طبعااااااااااااا 
- ماشي، تعرفي أنتي كمان غير كل البنات اللي قابلتهم
- ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة
- حلوة أوي

قالها بنبرة صوت هادئة فتوردت وجنتيها خجلاً وقالت بارتباك ملحوظ: هي إيه اللي حلوة؟ 

- الحاجة المختلفة فيكي
- اه بحسب، طب قول بقى مختلفة في إيه؟ 
- أصل بصراحة عمري ما شفت بنت جميلة زيك وملامحها رقيقة زيك برضو وفي نفس الوقت بتتحول لبنت بيئة ولسانها عاير قص بالبلدي كده بتقلبي دكر

لوت شفتيها بضجر فانفجر ضاحكاً على هيئتها ثم استرد أنفاسه وتابع: مجنونة

*******

بمنزل سوسن.... 
كانت وعد تجلس على أحد المقاعد شاردة الذهن، شعر أمير بالأسى عليها كما شعر أنه يقف مكتوف الأيدى أمام الحزن الذي يحرق قلبها... ترك مقعده وتقدم منها حتى استقر أمامها لكنها كانت غارقة في بحور ذكرياتها فلم تنتبه لوجوده... ربت على كتفها بحنان حتى لا يفزعها فتقابلت عينيه بالدموع الساكنة داخل مقلتيها

- قومي ارتاحي شوية

حركت رأسها بالموافقة ووقفت عن مقعدها فاستأذن أمير من سوسن ورمزية ثم مضى برفقة طفلته إلى غرفتها... أراحت جسدها على الفراش فدثرها جيداً ثم جلس على حافة الفراش وأخذ يمسد بباطن يده على خصلات شعرها... فاجئته عندما تركت وسادتها وأسندت رأسها على قدمه فابتسم بسعادة وشعر براحة قلب بينما شعرت هي بالاحتواء وظلت هكذا حتى استسلمت عينيها إلى النوم فانتظر حتى تأكد من نومها وأعاد رأسها على الوسادة ليغادر الغرفة فتمسكت به وقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- خليك جمبي

أراح جسده إلى جوارها وجذبها لتغفو على صدره فتمسكت به وكأنه بر الأمان بالنسبة إليها 

طبعاً كلكم مصدومين من موت مصطفى وعبد الرحمن بس السؤال هما لما يكبروا ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأن أمهم جابتهم من علاقة مشبوهة وبعد كده كررت نفس العلاقة مع يحيى وبعده إبراهيم هيكون إحساسهم إيه؟ ونظرة المجتمع ليهم هتكون إيه؟... ثانياً منيرة اتنازلت عن حضانتهم لأبوهم وأبوهم مات يعني ممكن تطالب بيهم وكمان قضية الزنا اللي رفعها يحيى هتسقطت بموت المدعي... الأهم من ده كله هما مش ولاد يحيى يعني ملهومش حق في الورث وحقهم يروح لعمهم ولو وعد سكتت هتشيل ذنب كبير، كمان وعد ملهاش ذنب تربي ولدين وتشيل مسئوليتهم وهي عايزه اللي يسندها ويشيل مسئوليتها، وبالنسبة للتعليقات اللي قالت رمزية تطلق وتربيهم، سوري يعني رمزية معلهاش ذنب علشان تربي ولاد منيرة ده أولاً ،ثانياً هي من حقها تعيش الحياة اللي تختارها بعد الطلاق لأن للاسف حياتها مع يحيى وجوزها التاني كانت سراب، يارب تكوني فهمتوني.. فصل بكرة طويل وكله مشاكسات وأمجد مسخرة 😂😂😂🤣🤣

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Wednesday, March 6, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 06, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الخامس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* الوداع الأخير *

بسجن النساء جلست منيرة على فراشها الموضوع في نهاية العنبر المخصص للسجينات تحت الحبس الاحتياطي... كانت كلمات المحقق تردد في أذنيها مراراً وتكراراً حينما طلب من يحيى إجراء تحليل الحمض النووي لولديه فعلمت أنها خسرت كل شيء... عادت بذاكرتها إلى سبع سنوات وتذكرت عندما أجرت اختبار حمل منزلي فجاءتها النتيجة صامدة بعد أن علمت أنها تحمل في أحشائها جنين من علاقتها الأثمة مع جارها... وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي على كانت على وشك الانطلاق ثم تحاملت على جسدها وغادرت الحمام لتلقي بجسدها على الفراش وهي لا تعلم كيف تتخلص من ورطتها... انتظرت حتى خلدت والدتها إلى النوم وتركت شقتها كعادة كل يوم لتذهب إليه لكنها لم تذهب بمفردها فبداخلها قطعة منه، استقبلها بترحاب فقد اعتقد أنه لا على وشك. قضاء ليلة ساخنة ككل لياليه إلا أن جميع أحلامه تبخرت عندما أخبرته بحملها فجحظت عينيه في عدم تصديق وتساءل 

- أنتي بتتكلمي بجد يا منيرة؟ 
- أيوه يا مرزوق أنا لسه عامله تحليل من كام ساعة
- دي مصيبة ولازم نخلص منها

وضعت منيرة يدها على ثغرها لتكتم شهقاتها فابتعد عنها دون أن يعيرها أي اهتمام وبمجرد أن فاقت من صدمتها وقالت بنبرة صوت حزينة

- أنت وعدتني بالجواز علشان كده سلمتك نفسي، جاي دلوقتي وتقول على اللي بينا مصيبة!!!! أنت لازم تكتب عليا

انتفض عن مقعده واقترب منها كالإعصار ثم قبض يده بعنف على معصمها وقال بحدة وصوت عال

- اللي في بطنك ده ينزل وبعدها مش عايز أشوف وشك تاني، اللي ترخص نفسها عمر ما واحد يكتب عليها، أنا اخدت منك كل حاجة بمزاجك ما غصبتكيش يا حلوة

نفض معصمها بعنف فسقطت تبكي على الأرض بعد أن تخلى عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى جمع ملابسه وغادر فعلمت أنه لن يعود.... مرت الأيام وتعرفت على يحيى من خلال زوجته رمزية وانخرطت معه في علاقة جسدية بعد أن أوهتمه أن أحدهم اعتدى عليها وأدعت كذلك بعد مرور شهر على العلاقة المحرمة  أخبرته أنها تحمل في أحشائها طفل منه وبعد مرور سبعة أشهر أنجبت ولديها مصطفى وعبد الرحمن فاعتقد أنهما ولديه بعد أن دفعت مبلغاً كبيراً من المال للطبيب النسائي فأوهم يحيى أيضاً أن ولديه ولدا في منتصف الشهر السابع بدلاً من التاسع... 
عادت إلى أرض الواقع وسقطت دموع الندم من مقلتيها ولكن بعد فوات الأوان فقد دمرت حياتها وحياة أطفالها كما دمرت حياة رمزية ووعد من قبل 

*******

تجمع المارة حول يحيى واستدعى أحدهم سيارة الإسعاف وتم نقله إلى إحدى المستشفيات الجامعية في حالة يرثى لها... بغرفة الطوارئ وُضع يحيى على فراش الموت بعد أن فقد الكثير من دمائه وغلفت الكسور سائر جسده... أفرغوا محتويات جيبه ووجدوا بطاقته الشخصية ومبلغاً من المال إلى جانب هاتفه ومفكرة صغيرة تحتوي على أرقام عائلته فقام أحد الممرضين بالاتصال بمنيرة لكنه وجد هاتفها مغلقاً فأجرى اتصالاً بهاتف وعد إلا أنها لم تستمع إلى صوت رنين هاتفها فقد كانت تلعب وتمرح مع الصغار داخل دار الرعاية، فوجد بالنهاية رقم هاتف أرضي تم تسجيله بأسم المكتب فأجرى الاتصال ولكن ما من مجيب فنظر إلى زميله وقال 

- ولا رقم من المكتوبين رد، هبقى أجرب كمان شوية
- ده لو فضل عايش لكمان شوية

*******

بدار الأيتام... 
شعر أمير بالإرهاق فجلس على أحد المقاعد الخشبية الموضوعة بحديقة الملجأ، شعر بالسعادة حينما رأى سعادة وعد التي كانت تلعب معهم كطفلة لم تتعدى السابعة من عمرها... ظل يراقبها حتى انتبهت إلى نظراته فتركت الأطفال واقتربت منه ثم جلست على المقعد المقابل له وتساءلت برقة

- مالك؟ 

تلاعب الهواء بخصلات شعرها فتطاير يميناً ويساراً وخبئ البعض منه عينيها وشفتيها، فمد يده وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم ابتسم لها وقال بهدوء 

- بحبك يا وعد

تسارعت نبضاتها وشعرت بالربيع يسري داخل قلبها من جديد، وشعرت كذلك بسعادة لم تتذوق نكهتها من قبل... كرر كلماته بصوت دافئ غلفه العشق فأغمضت عينيها لتستمتع بعذوبة كلماته ثم استردت أنفاسها وفتحت عينيها لكنها خجلت بشدة أن تنظر إليه فقالت برقة وهي توجه نظرها إلى الأرض 

- هروح ألعب معاهم

همت أن تقوم عن مقعدها إلا أنه لم يسمح لها بذلك وقبض برفق على معصمها وهتف بهدوء 

- أول مرة شوفتك دموعك قتلتني وبعدها كنت باجي كل يوم علشان أشوفك، ولما بدأت الدراسة وقعدت ٣ أيام من غير ما أشوفك حسيت أن في حاجة نقصاني وأول ما فتحتي باب المدرج ودخلتي عملت المستحيل علشان أسمع صوتك تاني وأعرف أسمك

كان قلبها يخفق بقوة مع كل كلمة من كلماته فأطالت النظر إليه متناسية خجلها وكذلك الزمان المكان فبادلها نظرات العشق وتابع 

- لما شوفت دموعك تاني في الجامعة حسيت بخنجر في قلبي ولما قولت أنك خطيبتي وكتب كتابنا أخر الأسبوع كنت بتمنى ده بجد، وفي المقابر لما لقيتك في حضني حسيت أني بحبك، بحبك يا وعد وعمري ما حبيت قبلك ولا هحب بعدك

أمسك يدها ورفعها إلى شفتيه ثم طبع على باطنها قبلة رقيقة فصفق الأطفال وأطلق بعضهم صفيراً فتوردت وجنتي وعد خجلاً وسحبت يدها ثم دلفت إلى الداخل وبداخلها فرحة تتمنى عدم زوالها

******

بإحدى القاعات بدأ المؤتمر الطبي واعتلى وزير الداخلية المنصة لإلقاء كلمة وافتتاح مؤتمر ثورة الطب الذي يستمر لمدة ثلاث أيام... وقف حسام إلى جواره ليمارس عمله كحارس شخصي وأخذ يبحث بعينيه عن أمل لكنه لم يجدها فشعر بالقلق عليها... لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى بدأ الوزير في إلقاء كلمته ولاحظ حسام تعلق عينيه بأحدهم فأدار وجهه ورأى أمل تقترب.... بعد مرور عدة دقائق بدأ الوزير في تلقي الأسئلة وبمجرد أن رفعت أمل يدها أشار إليها فوقفت عن مقعدها وقالت برقة لم تعتادها

- أمل نور الدين من صحيفة الغد المشرق
- أتفضلي

قالها الوزير وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره فبادلته بأخرى ساحرة وسألته عدة أسئلة أجاب الكثير منها ثم انتقل إلى صحفي أخر... وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انتهى المؤتمر وانصرف الجميع عدا أمل فقد اصطنعت ضياع حلقها... أنهى الوزير حديثه مع مجموعة من الأطباء ثم تعمد المرور إلى جوار أمل وتساءل بجدية مصطنعة

- لسه قاعده ليه؟ 
- حلقي وقع وده غالي عليا أوي

قالت كلماتها الأخيرة بدلال فأسر حسام ابتسامته بصعوبة وردد بخفوت: ما طلعتش قليل يا شكل

أكملت البحث عن حلقها فتأمل الوزير جسدها بوقاحة ثم قال بهدوء: في حاجة واقعة هناك أهيه

نظرت أمل إلى حيث أشار فوجدت الحلق الذي أسقطته منذ عدة دقائق فاقتربت منه والتقطته ثم نظرت إليه وهتفت بسعادة مصطنعة 

- ميرسي بجد، الحلق ده هدية من بابا الله يرحمه
- أنتي قولتي بتشتغلي في الغد المشرق، مش كده؟
- أنا بشتغل هناك من ٣ سنين
- جريدة محترمة جداً 

نظرت أمل إلى حيث يقف حسام فأشار إليها لتكمل حديثها فقالت برقة غلفها الدلال

- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب صغير قد كدهوه؟ 

ضمت إصبعها السبابة على الإبهام لتخبره مقدار صغر طلبها فأشار بيده لتتابع حديثها

- لو ممكن أعمل مع حضرتك لقاء للجريدة في أي وقت تحدده
- مفيش مشكلة، نوريني بكرة في الوزارة الساعة عشرة مناسب؟ 
- مناسب جداً بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر، هنتظرك بكرة

ودعته بابتسامة زائفة لكنها كانت أسرة للقلوب فزاد إعجاب اللواء بها ثم أشار إلى مساعده وشريكه في كافة الجرائم 

- زي القمر وهتنفعنا كتير
- عندك حق، دي تقول للقمر أنزل وأنا أقعد مكانك

لحقت بهم أمل واقتربت من سياراتها ثم ودعت حسام بنظرة وانطلقت إلى عملها وهي تشعر بالثقة فقد صارت تفاصيل الخطة على ما يرام

******

بالمستشفى الجامعي.... 
كان الهرج والمرج يسود داخل غرفة الطوارئ وفعل الأطباء المستحيل لإيقاف النزيف الداخلي لدى يحيى ولكن دون جدوى فلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يطلب السماح من ابنته أو يتوب عن ذنوبه... عاش حياته أسيراً لملذاته بالقرب من العاهرة التي تزوجها وفضلها على زوجته الطاهرة وابنته الرقيقة كالنسيم ومات الآن وحيداً بعد أن فقد كل شيء وقبل أن يطلب السماح من ربه ومن كل من ظلمهم... دثره الطبيب بالملاءة من رأسه وحتى أخمص قدميه ثم أمرهم بإعلان الوفاة والاتصال بذويه فأعاد الممرض محاولة الاتصال 

********

بمقر الطب الشرعي... 
انتهى أمجد من عمله ثم عاد إلى مكتبه ليعد تقريره.... بعد ما يقارب نصف الساعة انتهى من كتابة تقريره ثم أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بحنين فقد كان يشعر بالقلق عليها... تململت في الفراش بكسل ثم استسقظت وأجابت بصوت غلبه النعاس

- الو
- الف سلامة عليكي، أنشالله حسام وأنتي لا 

ضحكت بصعوبة وهي مازالت ممدة على الفراش فأردف: عامله إيه دلوقتي؟ 

- لما شوفتك الصبح خفيت، أنت دوايا يا ميجو

أسند يده أسفل وجنته وتساءل بهيام: بجد؟ 

- عندك شك؟ 
- لا بس عايز أسمعها منك، ربنا يخليكي ليا
- طب يلا أقفل وسيبني أكمل نوم لحسن البرد مكسر جسمي
- نامي يا قلبي وأرتاحي وبالليل هاجي أطب عليكي ومهما أخوكي الجحش  يعمل مش همشي غير لما أشوفك

بعد مرور عدة دقائق أنهى أمجد المكالمة وعاد ليتابع عمله، بينما تركت حنين الفراش واتجهت صوب المطبخ لتعد كوباً من الليمون الساخن وبمجرد أن فرغت عادت إلى الفراش وأغلقت باب الغرفة ودثرت جسدها جيداً فقد كانت تشعر بالبرد بالرغم من حرارة الطقس

*******

بمنزل يحيى... 
طال غياب يحيى وشعر مصطفى بالجوع فقد ودعهما يحيى وتركهم بمفردهم منذ عدة ساعات على أمل العودة إليهما ولم يتوقع أن يكون الوداع الأخير... ما أن التهم الجوع أمعائه ترك الغرفة ودلف إلى المطبخ فلحق به عبد الرحمن وقال بخوف

- بابا قال محدش يدخل المطبخ
- عارف بس أنا جعان 
- وأنا بس تعالى نروح لحنين تأكلنا

قالها عبد الرحمن ثم اتجه صوب باب الشقة ليفتحه فوجده مغلقاً بالمفتاح فزفر شقيقه بضيق وهتف

- أنا هدخل أعمل سندوتش
- لا استنى هنادي على حنين من البلكونة

اتجه عبد الرحمن صوب الشرفة وبدأ ينادي على حنين ولكن دون جدوى فقد غفت منذ دقائق لشعورهع الشديد بالتعب، وبعد مرور عدة دقائق عاد عبد الرحمن وأخبر شقيقه بما حدث فاتجه مصطفى صوب المطبخ ولحق به عبد الرحمن ليساعده.... أحضر مصطفى كرسياً ثم اعتلاه ليصل إلى أعلى الثلاجة حيث الخبز المجمد، بينما أحضر عبد الرحمن المربى والجبن... أوقد مصطفى الشعلة كما رأى والده يفعل، وضع الخبز وقلبه يميناً ويساراً حتى ذاب الثلج المحيط به ثم وضع المربى والجبن داخل الخبز وأنساه الجوع إطفاء الشعلة وبمجرد أن فرغ غادر برفقة شقيقه إلى طاولة الطعام وتناول كل منهم طعامه بينما بالداخل انطفأت الشعلة بفعل الهواء وبدأ الغاز يتسرب بأركان المكان دون أن ينتبه الصغار إليه

********

بدار الأيتام... 
انتظر أمير عودة وعد لكنها لم تعود فشعر بالقلق عليها وترك مقعده ليطمئن عليها... بحث عنها في الطابق الأرضي بأكمله ولم يجدها فصعد إلى الطابق الأول المخصص للرضع وصغار السن واستمع إلى صوتها تتحدث إلى مديرة الدار

- يا حرام دي صغيرة أوي
- لقوها جمب برميل زبالة عمر يوم تقريباً ودلوقتي بقت ست شهور 

نظرت وعد إلى الرضيعة التي تحملها بين ذراعيها وهتفت بحزن: منهم لله

- الدار مليانة أطفال نفس حالتها، بعد أذنك هروح أشوف غداء الأولاد خلص ولا لسه

بمجرد أن غادرت المشرفة دلف أمير إلى الغرفة واستقر خلف وعد لكنها لم تنبته لوجوده فقد كانت تمسك يد الرضيعة بيد وتداعب وجنتها بظاهر اليد الأخرى ثم طبعت قبلة على يد الصغيرة وقالت وهي تأسر دموعها بصعوبة

- قالولي أمل سمتك على أسمها لما جيتي وفعلاً البصة ليكي بتدي للناس أمل، أنتي حلوة أوي شبه الملايكة بالظبط

تثاءبت الصغيرة وهي مازالت نائمة ثم فتحت عينيها لتتقابل بعينيّ وعد فتابعت بطريقة طفولية

- صح النوم يا سكر شوفتي خلتيني أعيط أزاي وأمير هيشوفني ويقولي أخر مرة أشوفك بتعيطي ولو الموضوع أتكرر هعاقبك عقاب مفيش منه، تفتكري إيه العقاب اللي مفيش زيه؟! 

قالت وعد كلماتها الأخيرة مقلدة طريقة أمير في الحديث فأسر ابتسامته بصعوبة بينما ضحكت الصغيرة اعتقاداً منها أن وعد تشاكسها فأردفت

- بتضحكيلي يا حلوة يا صغنونة 

لم يستطع أن ينتظر أكثر من ذلك فجلس إلى جوارها بدون سابق إنذار وأحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل وهو مازال يأسر ابتسامته

- عايزه تعرفي إيه العقاب اللي مفيش زيه؟ 

حركت رأسها بالنفي فقد كانت تشعر بالخوف من العقاب الذي يتحدث عنه لكنه لم يهتم لرفضها وغمز لها 

- بس أنا عايزك تعرفي 

انتقل بنظراته بين عينيها وشفتيها فتلونت وجنتيها بحمرة الخجل إلا أنه لم يهتم واقترب أكثر أكثر حتى لامس شفتيها بشفتيه وسرق قبلته الأولى بعد طول انتظار فبادلته إياها بعشق بالرغم من شعورها بالخجل، وبمجرد أن ابتعد عن شفتيها أسند جبيته على جبينها وقال بصوت دافئ

- بحبك

ضحكت الصغيرة ثم خبأت وجهها بالغطاء المحاوط لجسدها فابتسمت لها وعد بينما رمقها أمير بنظرة غضب مصطنعة وأردف قائلاً

- بت أنتي شكلك شقية زي أمل الكبيرة 
- دي سكرة خالص، ما ينفعش أخدها وأنا مروحة؟ 

ضحك أمير على جنونها ثم استرد أنفاسه وأجابها بمشاكسة: للأسف ما ينفعش بس ينفع نتجوز ونجيب زيها، قولتي إيه؟ 

- موافقة

قالتها دون أن تنظر إليه فاعتقد أن ما سمعه مجرد وهم من نسج خياله فتساءل بعدم تصديق

- أنتي قولتي موافقة؟ 

ابتسمت بخجل وحركت رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما سمعه فاتسع ثغره في سعادة ثم نظر إلى الرضعية وقال مازحاً 

- بركاتك يا شيخة أمل، فتحتي نفس وعد على الجواز

وكزته وعد بخفة وقالت بغضب مصطنع: بطل رخامة بدل ما أغير رأيي

- يا روح قلبي أنتي ادبستي خلاص وأول ما نروح هبلغ الكل بقرارك 
- مجنون

رفع أحد حاجبيه وكاد أن يعاقبها على ما تفوهت به لكن قاطعه دخول إحدى العاملات حاملة حقيبة وعد ثم تقدمت منها وهتفت

- تليفون حضرتك رن كذا مرة 
- شكراً 
- هاخد أمل علشان أرضعها

ودعت وعد الصغيرة بقبلة على جبينها، وبمجرد أن انصرفت العاملة فتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها فتفاجأت بعشرون مكالمة واردة من رقم غير مسجل فقال أمير

- شكل الرقم مصمم تردي
- فعلاً بس علشان الدوشة ما سمعتش، هتصل أشوف مين

ضغطت زر الاتصال فأجابها أحد العاملون بالمشفى وأخبرها أنه وجد رقمها بمفكرة صغيرة وجدها بجيب شخص تم إحضاره إلى المشفى جراء حادث سير وكتب إلى جواره "بنتي وعد"... تسارعت نبضاتها خوفاً وتلألأت الدموع داخل مقلتيها ولم تستطع أن تسأله عن حالة والدها إلا أنه سبقها وتابع

- البقاء لله

سقطت الهاتف من يدها ثم وضعت كلتا يديها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فالتقط أمير الهاتف عله يعلم ما أصابها وما أن أخبره العامل بما حدث، أنهى المكالمة وجذبها إلى صدره فانفجرت دموعها كالشلال وهي تردد

- مات، بابا مات 

********

بعد مرور ما يقارب الساعة أوقف أمير سيارته أمام المشفى التي يوجد بها جثمان يحيى... ترجل منها وساعد وعد النزول ثم مضى معها إلى الداخل لينهي كافة الإجراءات... طلبت من الطبيب إلقاء نظرة أخيرة على والدها فوافق واصطحبها بمفردها إلى الغرفة التي يوجد بها... ما أن دلفت إلى الغرفة، شعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها فجلست على المقعد المقابل للفراش ثم أزالت غطاء وجه أبيها فوضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها... ظلت تبكي وتبكي وهي تتأمل وجهه الملطخ بالدماء وبمجرد أن لحق بها أمير أسندت رأسها عليه وهي مازالت جالسة وقالت بصعوبة 

- كان عايز يشوفني يوم كتب الكتاب وأنا قولت لا، بس لو كنت أعرف أنه هيمشي كنت هودعه بس هو ظلمني يا أمير، وظلمني كتير أوي ودلوقتي كمان ظلمني وسابني وخلاص مش هيرجع تاني

لم يستطع أمير أن يتحمل انهيارها أكثر من ذلك فساعدها على النهوض ثم اصطحبها إلى الخارج فاقترب العامل منهما وسلم كل ما كان بحوزة يحيى إلى أمير فوقعت عينيّ وعد على الظرف الذي توجد بداخله نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها، وبمجرد أن قرأت النتيجة سقطت مغشياً عليها فحملها أمير واتجه بها صوب غرفة الطوارئ وهناك ساعدها الأطباء فاستعادت وعيها بعد عدة دقائق وهي لا تصدق ما قرأته وعندما شعرت بقليل من التحسن نظرت إلى أمير وهتفت بصوت أقرب إلى الرجاء 

- عايزه أروح لمصطفى وعبد الرحمن 
- هوديكي، أنا خلصت إجراءات المستشفى والدفن هيكون بكرة بعد معاينة النيابة

حركت رأسها لتخبره أنها تفهمت ما قاله ثم استندت عليه وغادرت معه إلى السيارة وخلال دقائق قليلة انطلق بها إلى منزل يحيى حيث تنتظرها صدمة جديدة

********

طوال الطريق لم تتفوه وعد ولو بكلمة فكانت دموعها أصدق من الكلام،  وظلت على تلك الحالة حتى وصل أمير إلى وجهته فترجلت من السيارة وصعدت إلى الطابق الثالث حيث توجد شقة والدها لكنها ما أن وصلت أمام بابها وصلت رائحة الغاز إلى أنفها فبحثت في حقيبتها عن المفتاح الذي كان بحوزة والدها وفتحت الباب ثم اتجهت مُباشرةً إلى غرفة شقيقيها بينما اتجه أمير صوب المطبخ وأغلق الغاز الذي يتسرب من الموقد ثم فتح شباك المطبخ وغادر ليفتح باقي الشبابيك إلا أنه توقف عندما استمع إلى الصرخة التي انطلقت من ثغر وعد

- لااااااااااااااااااا

عتذر لكل اللي زعل النهارده على موت يحيى ويبقى سؤال الولدين ماتوا ولا لا وده هنعرفه في فصل يوم السبت بأمر الله وبكرة في اقتباس الساعة ٨ في حسابي الشخصي بالفيس بوك، ولو هتقولوا ليه يحيى مات هقولكم دي نهاية طبيعية لإنسان زيه والدنيا مش دايما وردي ولا أنا هبقى فرحانه وأنا بكتب كلها حب في حب ولا ليها أي معنى، وعلشان مقدرش على زعلكم هضيف للفصل اقتباس يفرفشكم 

جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها 
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, March 5, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك 

الفصل الثالث والعشرون - بقلمي منى سليمان

* صدمة *

اصطحب يحيى ولديه إلى شقة حسام وطرق بابها عدة مرات ليتركهما برفقة حنين لكن لم يجبه أحد فنظر إلى العسكري وتساءل

- ممكن أخدهم معايا علشان أمهم مش موجودة ولا الجيران؟ 
- اه طبعاً 

شكره يحيى ثم مضى إلى سيارته وانطلق بها خلف سيارة الشرطة وهو يشعر بخوف لم يختبره يوماً... حاول طوال الطريق الاتصال بمنيرة لكنه وجد هاتفها مغلق فشعر بالقلق عليها ودعا الله أن لا يكون قد أصابها مكروه

******

في ذات الوقت انتهى حسام من قص ما حدث فأتسع ثغر أمل من وقاحة منيرة وعشيقها فضيق حسام بين حاجبيه وأردف بغيظ مصطنع

- عرفتي بقى كنت متعصب ليه، وفوق ده كله تيجي تقوليلي الساعة قدام البطارية

قال كلماته الأخيرة مقلداً طريقتها في الحديث فابتسمت رغماً عنه وهتفت وهي تنظر إليه بأعين راجية 

- أنا آسفة 
- مفيش داعي للاعتذار، حصل خير
- طيب أنا هروح أطمن على وعد وأتخانق مع أمير علشان ما قاليش

قالتها بتوعد فابتسم على طريقتها و هيئتها الأشبه بهيئة أحد وكلاء النائب العام فهتف مازحاً 

- تنفعي وكيل نيابة على فكرة 
- بجد؟ 

تساءلت وهي تضم كفيها أمام صدرها فأسر ابتسامته حتى لا يقلل من فرحتها فحرك رأسه كإشارة لتأكيد ما قاله دون أن يتفوه ولو بكلمة ثم أمسك نظارتها الطبية الموضوعة على سطح المكتب وأعطاها إياها لترتديها فنفذت رغبته وأردفت بسعادة

- كده بقيت وكيل نيابة أصلي، صح؟ 

لم يستطع أن يأسر ضحكته أكثر من ذلك فانفجر ضاحكاً بأعلى طبقات صوته وبمجرد أن استرد هيبته نظر إليها وقال مازحاً 

- كنت بقول على حنين مجنونة بس الحمد لله أختي جمبك طلعت عاقلة
- ظريف

قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامعه وكاد أن يشاكسها إلا أنها وقفت عن المقعد لتغادر فتابع قائلاً 

- أنا منتظر والد وعد وبعدها هروح أطمن عليها فلو تحبي خليكي ونروح سوا 
- ماشي هستناك، هتستلم شغلك الجديد بكرة؟ 
- بأمر الله مش هينفع نأجل أكتر من كده، هروح أجبلك حاجة تشربيها أوعي تخرجي من هنا

حركت رأسها بالموافقة وانتظرت حتى غادر ثم أجرت اتصالاً بهاتف أمير لتطمئن على وعد

*******

بغرفة وعد... 
كانت تبكي بحرقة حينما أخبرها أمير أن منيرة هي من خططت لذلك فضمها إلى صدره علها تتوقف عن البكاء لكنها قررت إخراج الغضب والحزن الذي لازمها طوال السنوات التي قضتها بمنزل أبيها... وما أن صدع صوت رنين هاتفه أبعدها عنه قليلاً وضغط زر الأيجاب وقبل أن يتحدث سبقته أمل وتساءلت بقلق

- وعد عامله إيه؟ 
- الحمد لله أحسن، أنا قولت لماما ما تقولكيش علشان ما تتوتريش وأنتي سايقه
- حسام هو اللي قالي، أنا في النيابة دلوقتي شوية وهنيجي
- ماشي يا عمري خدي بالك من نفسك 

ودعته أمل وأنهت المكالمة ثم جلست في انتظار حسام بينما كفكفت وعد دموعها ونظرت إليه قائلة

- هي أمل عرفت منين؟ 
- في بينها وبين حسام شغل فتقريباً حكالها، هي شوية وهتيجي
- أنا مخنوقة أوي، حاسة أني اتظلمت كتير والنهارده ربنا جابلي حقي وحق أمي وأخويا اللي مات قبل ما يجي الدنيا بس برضو مخنوقة 

قالت كلماتها الأخيرة بصوت غلبه البكاء فأمسك وجهها بين كفيه وهتف بحنان وصوت دافئ غلفه العشق

- أنسي كل اللي فات وخلينا في بكرة واللي ظلموكي ربنا هياخد حقك منهم، وعلشان خاطري ما تعيطيش

حركت رأسها بالموافقة فحرر وجهها ثم جذبها إلى صدره ليغمرها بحنانه وساد الصمت بينهما لدقائق قطعها عندما أردف قائلاً 

- تعالي نتمم جوازنا ونعيش سوا لأخر العمر 

ابتعدت عنه قليلاً فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة فبادر برسم الابتسامة على شفتيه ثم كرر كلماته بصوت أكثر هدوءاً فحركت رأسها يميناً ويساراً لتخبره بعدم موافقتها فتساءل بهدوء 

- ليه؟ 
- إحنا لسه ما نعرفش بعض كويس واللي بيجي بسرعة بيروح بسرعة
- وجودنا سوا هيقويكي يا وعد وأنا عايزك جمبي في أسرع وقت

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، توردت وجنتيها خجلاً وخبأت عينيها عنه فابتسم على فعلتها لكنه لم يرفع راية الاستسلام فوضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها لتتقابل أعينهم من جديد

- أنا مش بشفق عليكي، ولا بلعب بيكي، أنا عايزك جمبي كل دقيقة وكل ثانية عايز أنام وأقوم وأنتي في حضني وتكون عيونك أخر حاجة أشوفها وأول عيون أصحى عليها، قولتي إيه؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة فقد كانت تحت تأثير كلماته العذبة فأخذت ترمش بعينيها عدة مرات لتتأكد أن ما سمعته ليس حُلماً فابتسم على هيئتها واقترب منها شيئاً فشيئاً عله يسرق قلبته الأولى ليهدم الجدار القائم بينهما إلا إنها سبقته وأسندت رأسها على صدره فحاوطها بحنان وأردف 

- وافقي بقى
- والدراسة؟ 
- هساعدك وهذاكرلك كل المواد وببلاش كمان

ارتسمت ابتسامة على شفتيها أثر مزحته لكن كلماته لم تستطع قتل الخوف الساكن بقلبها فقالت برقة

- طيب خليها في الأجازة 
- السنة لسه طويلة إيه يخلينا نستنى سنة؟ 
- مش عارفه 

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً وهي مازالت تستند على صدره ثم غمز لها بمشاكسة وهتف مازحاً 

- هوافق وأمري لله مع أنك مراتي ولو عايز أخطفك حالا محدش هيمنعني بس طول السنة مش هبطل أقولك تعالي نوري بيتي

كانت كلماته بمثابة الدواء الشافي لجميع جروحها لكنها فضلت الانتظار حتى يتأكد كل واحد من مشاعره تجاه الأخر 

*******

في ذات اللحظة وصل حسام أمام غرفة المكتب التي توجد بها أمل، لكنه قبل أن يدخل إليها رأى يحيى يقترب برفقة أحد العساكر ومعه طفليه مصطفى وعبد الرحمن... زفر بضيق حينما رأى الولدين ثم اقترب من يحيى وقال بصوت رجولي

- في حد يجيب أطفال هنا؟ 
- خبطت على حنين ملقتهاش وأمهم مش موجودة

ابتسم حسام بسخرية حينما استمع إلى كلمات يحيى الأخيرة ثم هتف بغيظ

- أنا هاخد مصطفى وعبد الرحمن على ما تخلص
- طيب قولي الأول أنا هنا ليه؟ 

لم يجيبه حسام لكنه رمقه بنظرة اشمئزاز وأخذ الولدين إلى الغرفة التي توجد بها أمل ثم تركهم برفقتها وغادر ليصطحب يحيى إلى غرفة مكتب وكيل النائب العام فدلف وهو يشعر بالقلق والخوف فنظر حسام إلى المحقق وقال بصوت رجولي 

- جوز المتهمة منيرة 

جحظت عينيّ يحيى بعدم تصديق وردد بخفوت: متهمة

فاق من صدمته حينما أشار إليه المحقق بالجلوس فوصل إلى المقعد بصعوبة لشعوره باهتزاز الأرض تحت قدميه ثم جلس في انتظار ظهور منيرة بعد أن أرسل حسام في طلبها من محبسها بينما بدأ وكيل النائب العام يقص عليه كل ما حدث فشعر أنه على مشارف الموت حينما شعر بالاختناق فحل رابطة عنقه وكاد أن يتحدث إلا أن دخول دخول منيرة قاطعه فرفع بصره إليها وجحظت عينيه حينما رأى الملاءة التي تستر جسدها فوقف عن مقعده واقترب منها ثم أنهال عليها بالصفعات وهو يقول 

- خربت بيتي علشانك وشردت بنتي بسببك وأنتي كلبة ولا تسوي

أشار حسام بيده إلى العسكري فاستطاع بصعوبة إبعاد يحيى عنها ثم ساعده على الجلوس فقد كاد أن يسقط عدة مرات فأعطاه المحقق كوباً من المياه عله يرتشق القليل فأخذه وشرب منه بصعوبة نظراً لارتعاش يده وبمجرد أن انتهى سأله المحقق

- تحب ترفع قضية زنا؟ 

حرك يحيى رأسه بالموافقة ثم هتف بصعوبة: وهطلقها في النيابة كمان بعد ما تتنازل عن حضانة الولاد وكل حقوقها فيهم و

قاطعة المحقق قائلاً: أنصحك كمان تعمل تحليلي DNA للأولاد 

أتسع ثغر يحيى في صدمة حينما فهم ما يرمي إليه المحقق وقال بعدم تصديق

- هم هما ممكن ما يكونوش ولادي؟ 
- واحدة زي دي توقع منها أي شيء 

لم يستطع يحيى أن يتفوه بالمزيد وظل صامتاً حتى انتهت إجراءات إثبات واقعة الزنا ثم ألقى عليها يمين الطلاق وغادر الغرفة وهو يشعر بالاختناق فشعر حسام بقليل من الشفقة على حاله لكنه لم يظهر له ذلك وهتف بجدية

- شفت منيرة وصلتلك لفين، شفت ذنب ظنط رمزية وأبنك اللي قتلته بأيدك وذنب بنتك اللي رمتها في الشوارع وصلك لفين، يا خسارة يا ألف خسارة، أتفضل خد ولادك أعملهم تحليل ده لو طلعوا ولادك أصلاً 

تركه حسام واتجه صوب الغرفة التي توجد بها أمل ثم اصطحب مصطفى وعبد الرحمن إلى الخارج فركضا باتجاه يحيى وتساءل مصطفى ببراءة 

- بتعيط ليه يا بابا؟ 
- مفيش مفيش يا حبايبي 

قالها ثم ثنى ركبتيه وجذب مصطفى إلى صدره وأحاطه بحنان لدقائق ثم مد يده وجذب عبد الرحمن أيضاً وأخذ يستنشق عبير عطرهما وهو يشعر بنيران تسري بداخله وتحرق كل ما يقابله فراقبهم حسام في صمت ثم زفر بضيق وعاد إلى أمل وجلس على المقعد المقابل لها دون أن يتفوه ولو بكلمة فشعرت بالقلق عليه وتساءلت

- مالك؟ 
- برغم كل اللي عمله في وعد ووالدتها إلا أنه صعبان عليا 
- ده ذنب وعد وطنط رمزية، هو استقوى عليهم والنهارده ربنا بيجيب حقهم جته القرف هو والحرباية اللي فرحان بيها، اللهم لا شماته

قالت كلماتها بغيظ فرفع بصره إليها وابتسم فأردفت متسائلة: مبتسم ليه؟ 

- حاسك بتاعت مشاكل أوي، بتفكريني بأمين عندنا سميناه سعيد شكل علشان بتاع مشاكل فشكلي هسميكي أمل شكل

صرت على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك به لكنها لم تفعل بل حملت حقيبتها وغادرت دون أن تعيره أي اهتمام فلحق بها وقبل أن تدلف إلى سيارتها وقف أمامها وقال بجدية مصطنعة

- بهزر على فكرة
- ماشي، ممكن تبعد عن العربية بقى
- طيب هاتي الساعة بتاعتي الأول

رفعت أحد حاجبيها فرفع كلا حاجبيه في المقابل وتابع: هي مش بتاعتي ولا إيه؟ 

مد لها يده فأخرجت العلبة من حقيبتها ووضعتها داخل كف يده وطلبت منه الابتعاد فافسح لها المجال ثم اتجه صوب سيارته ولحق بها 

*******

بمنزل سوسن... 
انتهت سوسن من إعداد السفرة بمساعدة حنين ثم دعت كل من أمجد وسلوى للجلوس على مائدة الطعام بينما اتجهت حنين صوب غرفة وعد وطرقت بابها فابتعدت عن صدر أمير وقالت برقة

- أدخل 

دلفت إلى الداخل واقتربت من وعد ثم طبعت قبلة على وجنتها وهتفت مازحة

- صح النوم 
- أنا صاحية من بدري بس كنت برغي مع أمير
- طيب يلا جهزنا الغداء وكمان حسام وأمل على وصول وكلهم بره قلقانين عليكي
- حاضر هنخرج وراكي

بمجرد أن غادرت حنين الغرفة، همت وعد أن تقوم عن الفراش إلا أنها شعرت بدوار خفيف فجلست مرة أخرى وهي تضع يدها على رأسها فجلس أمير إلى جوارها وانتظر حتى تحسنت قليلاً ثم ساعدها على الوقوف ومضى معها إلى الخارج فاحتضنتها سلوى لتغمرها بالدفء الذي تحتاج إليه وفعلت سوسن المثل لكنها بكت لا إرادياً فربتت وعد على ظهرها وهتفت برقة

- أنا كويسه

ابتعدت سوسن عنها بصعوبة ثم أخذت تمرر يدها على خصلات شعر وعد وهي تقول 

- ربنا يحفظك من كل شر
- ما تخلصونا يا جدعان أنا جعاااااان

قالها أمجد بطريقة تمثيلية فانفجروا جميعاً ضاحكين وأنضموا إليه بينما لوت حنين شفتيها بضجر وتساءلت في نفسها

- هو مفجوع ولا إيه؟!! 

******

أسفل العقار أوقف حسام سيارته ثم ترجل منها ووقف في انتظار أمل، لم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصلت إلى وجهتها وترجلت هي الأخرى وما أن رأته يقف في انتظارها عبست بشده وهمت أن تتخطاه لكنه سبقها وقبض على معصمها فرفعت بصرها إليه وشرار الغضب يتطاير من مقلتيها فأسر ابتسامته وهتف مازحاً 

- عيونك بيطلعوا شرار وبتزعلي لما أقولك أمل شكل
- أنت رخم أووووي ودمك سم 
- من بعض ما عندكم
- أنا رخمة ودمي سم؟ 

تساءلت بطريقة طفولية أسرة للقلوب فابتسم لها وقال بجدية مصطنعة ونبرة صوت هادئة

- لا أنا اللي رخم ودمي سم، ما تزعليش بقى
- ماشي

قالتها ببراءة فحرر معصمها وأشار إليها بالدخول فمضت معه إلى الداخل وشاركها كذلك صعود الدرج فهو يعلم جيداً أنها مصابة برهاب المصاعد وما أن وصل إلى باب الشقة مد يده ليضغط زر الجرس فسبقته وقالت برقة

- هقولك على حاجة قبل ما ندخل
- سامعك
- ماما وأمير عارفين موضوع المهمة أنا مبقدرش أخبي عنهم حاجة 

قالت كلماتها دون أن تنظر إليه اعتقاداً منها أنه سيعنفها كعادته لكنه لم يفعل بل تحدث إليها بهدوء قائلاً 

- دي حاجة أحترمها فيكي
- كنت فكراك هتزعق وهولاكو اللي جواك هيطلع
- أهو لو ما سكتيش حالاً هولاكو هيطلع 

أتسعت ابتسامتها الساحرة أثر مزحته فشاكسها بغمزة من عينه اليسرى ثم ضغط زر الجرس واصطحبها إلى الداخل بمجرد أن فتحت حنين فاندهشت بشدة من وجودهما سوياً ورددت بخفوت

- هو إيه النظام؟!!!! 

******

في ذات اللحظة أنهى يحيى إجراءات الطلاق ثم اصطحب ولديه إلى السيارة  وانطلق بها نحو المعمل المختص بتحليل البصمة الوراثية ليجري تحليل الحمض النووي لولديه... كان يشعر بالضيق والاختناق فما حدث ليس بالقليل لكنه دعا الله طوال الطريق لكي يكذب ظنونه... بعد مرور عدة دقائق وصل إلى وجهته ثم دلف إلى الداخل وهو يشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه، استقبله أحد العاملون وطلب منه الانتظار فجلس على أحد المقاعد ونظر إلى ولديه قائلاً 

- تعالوا أقعدوا جمبي
- أنا عايز أنام

قالها عبد الرحمن ببراءة فتابع مصطفى: وأنا جعان

تلألأت الدموع داخل عينيّ يحيى وشعر كذلك بغصة في قلبه لما وصل إليه بسبب عشقه لمنيرة وظل يسترجع ذكرياته معها وما ضحى به من أجلها ثم فاق من شروده حينما احتضنه مصطفى وفعل عبد الرحمن المثل فحاوطهما بحنان وظلوا هكذا حتى عاد العامل وطلب منه الدخول فوقف عن مقعده ومضى إلى الداخل وقص على الطبيب ما حدث فأخد منه مسحة من الحلق وخصلة من شعره ثم أمر العامل بإدخال الطفلين وفعل معهما مثلما فعل مع أبيهم وبمجرد أن غادرا الغرفة نظر يحيى إلى الطبيب وهتف

- أنا عايز النتيجة في أسرع وقت، أرجوك
- خلال أربع أيام أو خمس أيام بالكتير هتطلع النتيجة

شكر يحيى الطبيب وغادر وبداخله صوت يخبره أن ما يدور برأسه مجرد أوهام ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انطلق بسيارته إلى أحد المطاعم ليتناولوا الطعام 

******

بمنزل سوسن... 
انتهوا من تناول الطعام فجلست سوسن تتحدث إلى سلوى بينما أفرغت حنين محتويات السفرة بمساعدة وعد وأمل،  أما أمير فجلس يخبر أمجد برغبته في إكمال الزيجة لتعيش وعد تحت رعايته، في حين دلف حسام إلى الشرفة ليجرى اتصالاً هاتفياً بأحد زملائه... ما أن انتبه أمير إلى إنهاء حسام للمكالمة، ترك مقعده ولحق به إلى الشرفة ثم هتف بصوته الرجولي

- أنا مش عارف أشكرك أزاي على كل اللي عملته علشان وعد

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغر حسام وهتف بهدوء: وعد أختي وعلشانها أعمل المستحيل ولو حنين في نفس الموقف كنت هعمل اللي عملته 

- لما أمل حكتلي على القضية قلقت عليها بس طالماً هتكون معاها يبقى هطمن 

شعر حسام بالإطراء لما قاله أمير فربت على كتفه وطمئنه أكثر وأكثر على أمل وأخبره أنها أمانة في رقبة كل رجال وزارة الدخلية فشكره أمير مرة أخرى ثم دلفوا إلى الداخل فمال أمجد على أذن سلوى وهتف مازحاً كعادته

- خالتي تعالي عايزك
- ومالك بتوشوشني كده ليه؟
- تعالي بس وهقولك كل حاجة

مضت معه إلى الشرفة فقص عليها ما يريد فشعرت بالسعادة تسري بداخلها وتساءلت وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغرها 

- بتتكلم بجد؟ 
- اه وربنا
- ألف حمد وشكر ليك يارب، تعالى أدبسك قبل ما تغير رأيك

جذبته من معصم يده كطفل صغير تصطحبه أمه إلى المدرسة فجاهد ليحرر معصمه لكنها لم تسمح بذلك ضاربة عرض الحائط بمحاولاته وظلت هكذا حتى استقرت أمام حسام فضحكت أمل على هيئته وكذلك حنين فتوعد لهن بنظراته ثم انتبه إلى حديث سلوى 

- شوف بقى يا حسام أنا بحب الكلام الدغري وما بحبش اللف والدوران 

نظر حسام إليها بعدم فهم فتابعت بسعادة: أنا عايزه أطلب منك أيد حنين لأمجد

اندهش حسام بشدة بينما وقفت حنين عن مقعدها وركضت إلى الداخل لشعورها الشديد بالخجل فابتسم أمجد على فعلتها ثم نظر إلى حسام وتساءل

- قولت إيه يا شيخ الشباب؟ 

رفع حسام أحد حاجبيه ثم رمقه بنظرة نارية وأجاب بثبات: مش موافق


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف