سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, February 5, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان


طريقي بقربك
الفصل الرابع - بقلمي منى سليمان

* سعادة *  

في فيلا أمير.... 
أوقف أمجد سيارته داخل أسوار الفيلا ثم ترجل منها ودلف حاملاً باقة فخمة من الزهور ... وقعت عينيه على سلوى فتقدم منها وأعطاها الباقة ثم طبع قبلة على ظاهر يدها فابتسمت بالرغم من شعورها بالغضب وهتفت بغيظ

- مش عارفه هلاقيها منك ولا من أمير 
- هو لسه مجاش، لا لا يا سلوى الكلام ده ما ينفعش وما يتسكتش عليه 

ابتسمت سلوى ونظرت خلفها فأشار أمير إليها لكي تلتزم الصمت فخبأت ابتسامتها وهتفت 

- عيب عليك ده أمير الكبير برضو
- لا كبير ولا حاجة هو بس اللي عايش الدور وأصلاً كل اللي بينا شهرين، أنتي بس اللي محسسانا أننا كبار علشان نتجوز
- يارب أفرح بيكم أنتوا الأتنين في يوم واحد، والله بدعلكم في كل صلاة 

ضيق أمجد بين حاجبيه بينما رفع أمير أحد حاجبيه فتلك هي الدعوة الرابعة بالزواج في ذات اليوم، لكنه لم يعلق واستمع إلى باقي حوار والدته مع ابن شقيقتها الراحلة

- أنا مستحيل أتجوز، جوزي أمير وخلصينا منه لحسن واخدها جد أوي ومحسسني أنه بقى جدو خالص يا خالتي

ما أن توقف أمجد عن إكمال كلماته، ربت أمير بعنف على كتفه فنظر إلى خالته وأشار إليها متسائلاً إن كان أمير يقف خلفه فحركت رأسها كإشارة بنعم فابتسم لها وأردف قائلاً 

- بس الشهادة لله أمير أحسن مني في كل حاجة وعليه طلة ولا الممثلين 
- شوف أزاي 

قالها أمير وهو يعقد ذراعيه أمام صدره فأدار أمجد جسده وابتسم وكاد أن يتحدث، لكنه لوى شفتيه بضجر وهتف بصوت خفيض

- أعوذ بالله إيه جاب دي هنا؟!! 

أدار أمير جسده ورأى نادين تدلف من باب الفيلا فنظر إلى ابن خالته وهتف بغيظ

- تعالي نقعد في المكتب على ما يجهزوا الأكل لحسن الأكسجين اختفى في ظروف غامضة 

مضى أمير برفقة أمجد دون أن يعيرها أحد منهم أي إهتمام فلوت شفتيها واقتربت من سلوى وهي تقول بسعادة مصطنعة

- وحشتيني أوي يا طنط
- وأنتي كمان وحشتيني 
- شفتي أمير وأمجد مشيوا أزاي من غير ما يسلموا عليا
- معلش بقالهم كتير ما قعدوش مع بعض، أطلعي لأمل وسيبك منهم

ابتسمت نادين بخبث ثم ابتعدت لتتغير ملامح وجهها إلى الغيظ بينما دلفت سلوى إلى المطبخ وهي تتمتم

- ربنا يصبر ابني عليكي يا نادين زفت الذين على رأي الاهبل ابن اختي 

*********

جلس أمير على الأريكة وجلس أمجد إلى جواره ثم زفر بضيق وهتف بغيظ

- أعوذ بالله عليها وعلى تقل دمها، مستحملها أزاي دي؟ 
- نصيبي 

لوى أمجد شفتيه بضجر ثم نظر إلى أمير وهتف متسائلاً: أوعى تكون اتجننت وناوي تتجوز نادين زفت الطين

اشتعل أمير غضباً فوكز أمجد بعنف في كتفه وهتف بحدة مصطنعة 

- أنا أمير جراح القلب أعيش ٢٨ سنة عازب علشان في الأخر أتجوز نادين 
- دي عسل 

قالها أمجد بطريقة تمثيلية فانفجر أمير ضاحكاً ووكزه في كتفه عدة مرات فبادله أمجد بتقليد تعابير وجه نادين فهتف أمير مازحاً 

- فاكر وإحنا صغيرين لما كانت تضرب بنات طنط شهيرة وتقولهم أبعدوا عن ميرو ده بتاعي

قالها مقلداً طريقتها في الحديث فقهقه أمجد بأعلى طبقات صوته ثم استرد أنفاسه وهتف 

- لا فاكر أنت لما كنا في أخر سنة في الجامعة وهي في سنة أولى وكل ما بنت تقرب منك تقولك دي جربانه مش من مستواك ولا حلوة زيي
- فاكر دي كانت أيام سوداء 
- ولا فاكر يوم فرح مراد ابن عمي لما أخت العروسة كانت بتعاكسك وكعبلتها نزلت في التورتة
- فاكر يا أخويا فاكر

قالها أمير بطريقة تمثيلية فانفجروا ضاحكين وضرب كل واحد منهم كفه بكف الأخر 

**********

في غرفة أمل.... 
دلفت نادين إلى الداخل بدون سابق إنذار فجزت أمل على أسنانها وأغمضت عينيها حتى لا تفتك بها فاقتربت نادين منها وجلست على حافة مكتبها ثم هتفت ببرود

- هاي
- هاي ورحمة الله وبركاته
- بتعملي إيه؟ 
- كنت بكتب مقالة 

قالتها بغيظ فلوت نادين ثغرها وهتفت بلا مبالاة: حوادث إيه اللي بتكتبيها مش كنتي بقيتي صحفية فن وتقابلي ممثلين وبعدين إيه لبسك ده شبة الصبيان خالص مفيش أي ذوق في لبسك، ده ميرو أشيك منك 

قالت كلماتها الأخيرة بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فشعرت أمل بالاشمئزاز وهتفت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- إنسانة تافهة
- بتقولي حاجة؟ 
- بقول خلاص مش هكتب تعالي ننزل نشوف الغداء 
- يارب تكونوا عاملين بيكاتا بالشامبنيون النهارده

زفرت أمل بضيق وجزت على أسنانها من تكبر تلك النادين ثم غادرت الغرفة دون أن تعيرها أي إهتمام فلوت نادين ثغرها وهتفت ببرود

- ياي مستحيل تكون بنت أبداً، دي راجل متنكر

هبطت أمل الدرج ودلفت إلى حجرة المكتب حينما استمعت إلى صوت ضحكات تنبعث منها، وما أن وقعت عينيها على أمجد ابتسمت له فهي تعتبره بمثابة شقيقها أمير

- أزيك يا دكتور المقتولين؟ 
- بخير يا بتاعت أخبار المقتولين
- هو إيه اللي جاب نادين؟ 
- هي جت لوحدها علشان ناس

قالها أمجد مازحاً وهو يشير بعينيه إلى أمير فغضب الأخير بشدة واستعد للركض خلف ابن خالته المشاكس لكن أمجد كان الأسرع وركض  قبل أن يفتك به واصطدم بنادين لتسقط أرضاً فسقط فوقها

- أوعى من فوقي، إيه القرف ده 
- على أساس أني هموت وأقع فوقك

قالها وهو يهندم ثيابه بينما استندت نادين على المقعد ووقفت عن الأرض لتقول بحدة

- إيه شغل المراهقين ده، حد يجري كده؟!!!!
- سيبنالك العقل يا بقرة عيلة سلطح بابا

صرت على أسنانها وضربت قدمها بغضب في الأرض فدمعت أعين أمل من كثرة الضحك، بينما وضع أمير يده على ثغره حتى يأسر ضحكاته فغادرت نادين مبتعدة، بينما اقترب أمجد منهما وهتف مازحاً 

- مرمطها، صح؟ 
- أووووووووووووووي

قالتها أمل بسعادة فنظروا إلى بعضهم البعض وانفجروا ضاحكين فرأتهم سلوى وضحكت على جنونهم

**********

في منزل سوسن... 
كانت سوسن تختلس النظر إلى وعد وحزنت بشدة لرؤيتها شاردة ولا تأكل شيئاً، فقط تحرك الملعقة في الطبق.... ربتت على يدها لتعيدها إلى أرض الواقع، فنظرت وعد إليها وابتسمت ابتسامة خفيفة فبادلتها سوسن بكلمات تحمل الحنان بطياتها

- وبعدين معاكي لو مكلتيش مش هاكل، ده أنا قولت هتفتحي نفسي
- ما أنا باكل أهوه

تناولت القليل من الطعام فشاركتها سوسن حتى تشجعها... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهت وعد وهتفت برقة

- الحمد لله شبعت
- كملي أكلك 
- والله شبعت، ماما سوسن أنا من بكرة هنزل أدور على شغل
- مصممة برضو؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم ورمقت سوسن بنظرة رجاء كتلك التي تسكن أعين الأطفال، فابتسمت لها وهتفت بحنان

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك بس لما الدراسة تبدأ مفيش شغل
- ربنا يسهل ويخليكي ليا

*********

كان حوار وعد وسوسن يحمل الحنان بطياته، أما حوار أسرة أمير كان ضرباً من الجنون... 
اجتمعت الأسرة على مائدة الطعام وجلست نادين على رأس الطاولة فنظروا إلى بعضهم البعض وشعروا بالغضب، لكن والدة أمير لم تعلق واكتفت برسم ابتسامة خبث على ثغرها فهناك مفاجاة في انتظار تلك المتعجرفة.... أشارت إلى الخادمة لكي تحضر الطعام فجحظت عينيّ نادين حينما رأت الخادمة تضع في صحنها حساء البط ثم انتفضت عن مقعدها وكادت أن تسقط أرضاً لكنها تمسكت بالمقعد بينما انفجروا جميعاً ضاحكين على الفزع الذي سكن عينيها، فاشتعلت غضباً وهتفت بحدة

- أنتوا بتضحكوا على إيه وازاي أصلاً تاكلوا القرف ده؟ 
- أنا اللي طالبها وطلبت ممبار ومحشي بمرق البط وهخليها المرة الجاية تعملي فتة كوارع وفشه وكرشه، عارفه الكرشه؟ 

قال أمجد كلماته ليزيد غضبها فنظرت إليه باشمئزاز وهتف بحدة: أكيد معرفش القرف ده

- يبقى أعرفك بلغة علمية يا دكتورة، يعني أحشاء الجاموسة والعكاوي رجلها

وضعت يدها على ثغرها لشعورها الشديد بالرغبة في التقيؤ ثم حملت حقيبتها وغادرت الفيلا دون أن تتفوه ولو بكلمة فقهقهوا بأعلى طبقات صوتهم، وما أن استردت أمل أنفاسها هتفت براحة

- يا ساتر غمه وانزاحت
- سيبوكم منها وسموا وكلوا

قالت سلوى كلماتها ثم أشارت إلى الخادمة لتحضر باقي الطعام، فنظر أمجد إلى البط المحمر وأخذ يفرك كفيه في سعادة

- الله على أكلك يا سلوى، البطة دي بتاعتي لوحدي يا بتوع الفراخ البيضاء 

قالها ثم أخذ قطعة من لحم البط وبدأ يتناولها وهو يتمتم: هو ده الأكل ولا بلاش

**********

رحل الليل بظلامه وسطعت شمس يوم جديد حاملة الأمل الذي تبحث عنه وعد.... 
استيقظت من نومها في التاسعة صباحاً ثم تركت فراشها ودلفت إلى الحمام لتتوضأ وتصلي فرضها... وبعد مرور عدة دقائق فرغت من صلاتها ودعت الله مراراً وتكراراً وهي تبكي بغزارة، ثم كفكفت دموعها وأبدلت ثيابها لتبدأ رحلة البحث عن عمل... غادرت الغرفة وتفاجأت برؤية سوسن تعد طعام الإفطار فاقتربت منها وطبعت قبله على يدها وأخرى على مقدمة رأسها ثم هتفت بحنان

- صباح الورد يا ست الكل
- صباح الهنا، يلا أفطري قبل ما تنزلي
- حاضر

جلست على المائدة واختلست النظر إلى سوسن بين تارة وأخرى وهي تشعر بالإحراج، فهي على وشك الذهاب للبحث عن عمل لكنها لا تحمل المال الكافي، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى فرغت سوسن من تناول الطعام وتركت مقعدها ثم عادت وأعطت وعد مبلغاً من المال وهتفت بحنان

- خلي بالك من نفسك وما تتأخريش
- حاضر ومتشكرة على الفلوس، أول ما اشتغل هرجعهم و

قاطعتها قائلة بصوت محمل بالغضب المصطنع: أنا زعلانة منك

- مش قصدي والله بس مش عايزه أحملك فوق طاقتك
- مين قال فوق طاقتي، الحمد لله معاش عمك بيكفيني ويفيض والشقة تمليك يعني مفيش داعي للحساسية دي، أتفقنا؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على ثغر وعد ثم طبعت قبلة على مقدمة رأس سوسن وغادرت إلى وجهتها

*********

في منزل حسام.... 
استيقظت حنين مبكراً لتذهب لشراء سيارة برفقة شقيقها... تركت فراشها وركضت باتجاه غرفته ثم دلفت إليها وهي تدور حول نفسها في سعادة... ابتسم على براءتها وأخذ يراقبها في صمت حتى توقفت عن الدوران وسقطت فوق الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها ثم هتف مازحاً 

- خلصتي يا مجنونة؟ 
- هشتري عربية ياهوووووه

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره فرفعت أحد حاجبيها وهتفت متسائلة 

- مكشر ليه؟ 
- مش مكشر بضحك أهوه

قالها ثم ابتسم بطريقة مضحكة جعلتها تتأكد من شكوكها، فاعتدلت في جلستها ونظرت إلى عينيه قائلة 

- بتحبها؟ 
- هي مين دي يا قردة؟ 
- اللي زعلان علشانها يا حضرة الرائد

ارتبك قليلاً فابتسمت بخبث وأردفت قائلة: والنبي قول بتحب وعد؟ 

- مش عارف، بفرح لما بشوفها وبزعل لما أشوف دموعها بس مش حاسس أني بحبها
- معجب طيب؟ 

قالتها بهيام وهي تضع يدها أسفل ذقنها فضربها بخفة على مقدمة رأسها وهتف بجدية مصطنعة

- أخدتي عليا أوي
- قولي والنبي معجب بيها؟ 
- شوية، وعد جميلة جداً ورقيقة جداً وألف راجل يتمناها جداً جداً جداً 
- وإيه كمان؟ 

قالتها ثم ألقت بجسدها على الفراش واصطنعت فقدان الوعي فقهقه بأعلى طبقات صوته وقرر مشاكستها قائلاً 

- علشان بتتحشري في اللي ملكيش فيه هعاقبك ومفيش عربية

جحظت عينيها واعتدلت في جلستها ثم نظرت إليه وهي تمسك بمعصميه بين كفيها

- لا ورحمة بابا وماما جيبلي العربية 
- لا 
- طيب وغلاوتي عندك
- برضو لا 
- طيب وغلاوة و

قاطعها قائلاً بحزم: خلاص با زنانه قومي ألبسي علشان تجيبها وألحق أروح شغلي

- ربنا يخليك ليا وتترقى لواء يا حلو أنت يا حلو 

طبعت قبلة على وجنته ثم ركضت إلى غرفتها فابتسم على جنونها وأخذ يحرك رأسه يميناً ويساراً وهو يتذكر حديثها 

**********

في ذات الوقت كانت وعد تجوب الشوارع بحثاً عن عمل، لكنها توقفت عن السير حينما صدع صوت رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها ثم أجابة المكالمة 

- صباح الخير 
- صباح النور، عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، أنت وحنين عاملين إيه؟ 
- بخير 

قالها حسام ثم مرر يده بين خصلات شعره وأردف قائلاً: مصممة تشتغلي؟ 

- أيوه، أنا خلاص نزلت وبدأت أدور على شغل
- طيب خدي بالك من نفسك ولو حصل أي حاجة كلميني
- حاضر، مع السلامة 
- مع السلامة 

أنهى المكالمة ثم ترك فراشه وأبدل ثيابه، بينما أكملت وعد طريقها... دلفت في البداية إلى روضة أطفال وسألت عن عمل، لكن تجمعت الدموع في عينيها عندما أخبرتها مالكة الروضة بوجود عمل شاغر كعاملة نظافة فتركت المكان على الفور ومضت من جديد إلى أن توقفت أمام متجر ملابس يطلب بائعة ولا يشترط الخبرة، فدلفت على الفور عل الحظ يحالفها وتحصل على الوظيفة

- صباح الخير
- صباح النور 
- في ورقة بره أنكم طالبين واحدة تشتغل

لوت الفتاة شفتيها بضجر فاندهشت وعد لكنها لم تعلق فتحدثت الفتاة بضجر

- الحاج في المخزن أنزليله من السلم ده
- متشكرة

لم تجيبها وأكملت عملها فازداد اندهاش وعد، لكنها مضت إلى حيث أشارت الفتاة وهبطت الدرج ثم اقتربت من رجل في العقد الخامس من العمر وهتفت برقة

- حضرتك أنا عايزه

توقفت عن إكمال كلماتها حينما رأته يوجه نظراته صوب جسدها ويتأملها بإعجاب فتسارعت نبضات قلبها خوفاً وهتفت بصوت مرتعش

- خ خلاص م مش عايزه

اقترب منها فتراجعت بدورها إلى الخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف فتأمل جسدها بوقاحة وتساءل 

- مالك بس يا قمر؟ 
- م مفيش كنت ه سأل عل

قاطعها قائلاً: بس بس جمعي الأول، شكلك بتتكسفي

- ل لا مش مكسوفة، بعد إذنك

كاد أن يعترض طريقها لكنها سبقته وصعدت الدرج بسرعة لم تعتادها من قبل وغادرت المكان لتنفجر دموعها كالشلال... وبعد مرور عدة دقائق قضتها في البكاء صدع صوت رنين هاتفها فمسحت دموعها وأجابت قائلة

- أزيك يا ماما؟ 
- أزيك أنتي يا حبيبتي، قوليلي روحتي فين وعملتي إيه؟ 

قالتها رمزية بنبرة صوت تحمل القلق فشعرت وعد بالسعادة بالرغم من كل ما حدث، فها هي والدتها تهتم لأمرها 

- ما تقلقيش أنا قاعدة عند طنط سوسن مامت نور الله يرحمها
- سامحيني يا وعد مش بأيدي أنتي عارفه الذل اللي شفته في الشارع بعد ما رماني وأنا بنزف 
- عارفه ومش زعلانه منك، ربنا يسامحه بابا هو اللي عمل فينا كده 

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة المحملة بالألم أنهت المكالمة وتابعت رحلة البحث عن عمل، ولكن دون جدوى فقد أغلقت جميع الأبواب في وجهها من جديد.... شعرت بالإرهاق والجوع فنظرت حولها لتستقر عينيها على مطعم فخم فتوجهت إليه لتتناول مشروب يجدد نشاطها عوضاً عن الطعام، لكنها بمجرد أن اقتربت من باب المطعم وقعت عينيها على الورقة المعلقة على بابه وكُتب عليها ( مطلوب شباب للعمل ) .... دلفت إلى الداخل وحصلت على الوظيفة كنادلة مقابل مبلغ مالي لم تحلم به يوماً... وبعد مرور عدة دقائق غادرت المكان وهي في قمة سعادتها، سعادة لم تختبرها منذ عدة سنوات مضت 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

طريقي بقربك/منى سليمان

February 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان

* حنان *  

كانت وعد تتابع الطريق بعينيها وهي تأسر دموعها بصعوبة... أغمضت عينيها بأسى حينما تذكرت طفولتها والأيام السعيدة التي قضتها في بيتها بين أمها وأبيها... تذكرت والدها وهو يطعمها بيديه حتى لا ترهق والدتها، فقد كان حلمه وأمله في الحياة أن تنجب له صبي يرث أسمه وأمواله واليوم تخلى عنها خوفاً على الولدين اللذان أنجبتهما زوجته اللعوب التي دمرت أسرة بالكامل.. تذكرت كذلك والدتها التي غفت هي الأخرى على الأرصفة بعد طلاقها وظلت هكذا حتى شعر إمام مسجد بالشفقة عليها فتركها تقضي الليل داخل مصلى السيدات... فتحت عينيها وقررت نسيان الماضي لتبدأ حياتها من جديد وأقسمت أن تسير في الطريق الذي اختارته مهما كلفها الأمر، وظلت تفكر وتفكر حتى قاطع شرودها صوت حسام

- وعد يا وعد

نظرت إليه عبر المرآة الداخلية للسيارة وقالت برقة: معاك

- بكلمك وأنتي مش هنا خالص
- معلش سرحت شوية 
- طول ما أنا عايش مش هخليكي تشيلي هم أي حاجة في الدنيا 

ابتسمت إليه بالرغم من شعورها الشديد بالانكسار فبادلها الابتسامة بأخرى جعلت الأمل يسري داخلها من جديد فتأملت حنين الموقف ثم رددت بخفوت

- مبقاش حنين لو مش بيحبها، أكيد بيحبها باين أوي وربنا و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما قاطعها حسام قائلاً: ما تعلي صوتك خليني أسمع

- لا بكلم نفسي وأنا لما أكلم نفسي محبش حد يسمع

ضربها بخفة على رأسها فتأوهت بمشاكسة، لكنه لم يهتم وأكمل قيادة السيارة وهو يفكر في الجميلة الجالسة على المقعد الخلفي 

********

في ذات الوقت كانت سوسن تجلس على فراش ابنتها الراحلة وتحتضن صورتها... سقطت دمعة من عينها وهي تتذكر الحادث الذي أودى بحياة زوجها وابنتها الوحيدة التي أنجبتها بعد عدة سنوات من الزواج... مسحت دموعها ثم أبعدت الصورة ونظرت إليها 

- شفتي يا نور ربنا عارف أني زعلانة ومضايقة علشان كده بعتلي وعد، وحشتيني أوي يا نور وحشتيني يا بنت عمري 

قالت كلماتها بصوت غلفه الألم وكسته الحسرة ثم ضمت الصورة إلى صدرها من جديد فتجدد بكائها

*********

في منزل والد وعد.... 
دلفت منيرة إلى غرفة وعد وأخذت تجمع كل ما يوجد بالغرفة لتلقي به في سلة القمامة... في ذات اللحظة استيقظ يحيى ثم ترك فراشه وذهب إلى غرفة ولديه لكنه اندهش بشدة من رؤية زوجته التي كانت تفرغ محتويات الغرفة فهتف متسائلاً 

- أنتي بتعملي إيه؟ 
- بفضي الأوضة وهشتري صالون وأحطه فيها، عندك اعتراض؟ 

قالت منيرة كلماتها الأخيرة بحدة فحرك يحيى رأيه يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فابتسمت بانتصار وأردفت قائلة

- روح حضر الفطار لولادك وأكلهم على ما ألم الزبالة دي، وأعمل حسابك هننزل العصر نجيب الصالون

اقتربت منه وأسندت يدها على كتفه وأخذت تمرر ظاهر كف يدها الأخرى على وجهه ثم تابعت برقة مصطنعة

- وبالمرة يا يويو هنعدي على الصايغ نجيب الأسورة اللي كان نفسي فيها 

لم تترك له أي فرصة للاعتراض فانصرف يحيى دون أن يتفوه ولو بكلمة فشعرت منيرة بلذة الانتصار وأكملت افراغ الغرفة وهي تغني بأعلى طبقات صوتها احتفالاً برحيل وعد واستمرار سيطرتها على زوجها ضعيف الشخصية 

***********

في منزل والدة وعد... 
استيقظ زوجها ولم يجدها إلى جواره، فترك فراشه وأخذ يبحث عنها حتى رآها تبكي في الشرفة... زفر بضيق واشتعل غضباً فاقترب منها كالثور الهائج ثم قبض يده على معصمها 

- قولت ألف مرة مش عايز نكد في البيت ده
- غصب عني دي بنتي
- لو صعبانه عليكي حصليها 

قالها ثم نفض معصمها بعنف لتسقط على الأرض، فرمقها بنظرة نارية وهتف بحدة

- لو الموضوع ده أتكرر تاني هتحصليها وترجعي للشارع اللي جبتك منه يا حلوة، يلا حضريلي الفطار

حركت رأسها بالموافقة ثم نهضت عن الأرض وهمت أن تتخطاه لتذهب إلى المطبخ، لكنه جذبها إلى صدره وانهال على شفتيها بقبلات عنيفة كانت كعقاب لها، وبمجرد أن تركها ركضت إلى المطبخ وهي تمسح الدماء التي سالت من شفتيها ثم جلست على أحد المقاعد وانفجرت دموعها على حالها وحال ابنتها التي تعيش نفس المصير 

*********

في مكان أخر... 
استيقظ أمير نشيطاً كعادة كل يوم... ترك فراشه ودلف إلى الحمام ليتوضأ ويصلي فرضه، وبعد مرور عدة دقائق فرغ من صلاته واتجه صوب حافظة ثيابه لينتقي الأفضل... انتهى من ارتداء ثيابه ونثر عطره المميز ثم غادر الغرفة متجهاً إلى غرفته والدته ليطمئن عليها قبل ذهابه... طرق بابها بخفة ثم دلف إلى الحجرة، اقترب منها وطبع قبلة على مقدمة رأسها 

- صباح الخير يا ست الكل
- صباح النور، مش هتفطر برضو؟ 
- معلش معنديش وقت هشرب فنجان قهوة وأمشي
- هترجع على الغداء؟ 

ابتسم لها ثم طبع قبلة على ظاهر يدها وأجابها بصوت دافئ غلفه الحنان

- بأمر الله 
- ربنا يحفظك لشبابك ويرزقك ببنت الحلال علشان قلبي يطمن

رفع أحد حاجبيه ورمقها بنظرة تعرفها جيداً فتابعت: هفضل أدعيها لحد ما تتجوز و

قاطعها قائلاً بمشاكسة: لحد ما تتجوز يا أول فرحتي وقلبي يطمن أنك في أيد بنت ناس تحافظ عليك وتبطلك أكل المطاعم

اصطنعت الغضب حينما قلد طريقتها في الحديث فانفجر ضاحكاً ثم استرد أنفاسه وأردف

- والله حفظت يا أمي، بس ريحي قلبك وطمنيه حياتي لشغلي وبس
- روح يا أمير يارب تتكعبل في بنت تقع فيها من أول نظرة
- وأدعي تكون شبهك بالمرة 

قالها ثم طبع قبلة على وجنتها وترك الغرفة فانتظرت حتى أغلف الباب وقالت بغيظ

- والله لأقوم أصلي ركعتين وأدعي تتكعبل فيها، أنت والجحش التاني اللي مش عايز يتجوز

********

في ذات اللحظة أوقف حسام سيارته أسفل العقار الذي تسكنه سوسن... ترجل من السيارة وحمل حقيبة وعد التي ترجلت وبداخلها شعور بالأمل... بعد أقل من دقيقة استقلوا المصعد إلى شقة سوسن، وما أن توقف أمسكت حنين يد وعد لترسل إليها الطمأنينةُ فابتسمت الأخيرة ثم غادرت المصعد وطرقت باب الشقة.... فتحت سوسن الباب وابتسمت بسعادة لرؤية حنين ووعد... عانقت وعد في البداية ثم عانقت حنين التي كانت على اتصال دائم معها ثم دلفوا جميعاً إلى الداخل ورحبت سوسن بوجودهم فهي تعيش بمفردها منذ وفاة أعز الناس إليها

- وحشتيني أوي يا وعد
- وحضرتك كمان يا طنط وحشتيني
- مالك يا حبيبتي؟ 

نظرت وعد إلى حسام فأرسل إليها رسالة طمأنينة جعلتها تقص على سوسن ما حدث معها، غضبت سوسن بشدة لكنها لم تندهش فهي تعلم زوجة أبيها جيداً وتعلم كذلك الغل الذي يسكن قلبها... اقتربت من وعد وعانقتها مرة أخرى ثم هتفت بحنان

- خلاص من النهارده ده بيتك وكل مصاريفك عليا

شعرت وعد بالسعادة والإحراج في آن واحد، فابتعدت عن صدر سوسن وهتفت بخجل 

- أنا متشكرة أوي يا طنط بس 

قاطعتها سوسن قائلة بحنان: قوليلي يا ماما 

ابتسمت وعد وحركت رأسها بالموافقة بينما نظر حسام إلى حنين وغمز لها بسعادة ثم همس بصوت خفيض

- اقتراحك في محله يا قردة

رفعت حنين رأسها بشموخ فابتسم على فعلتها ثم نظر إلى وعد ليتابع حديثها وتبدلت ملامحه حينما سمعها تقول

- أنا هشتغل وأصرف على نفسي

كاد أن يعترض، لكن سبقته سوسن: كلام إيه اللي بتقوليه ده يا وعد؟!!! 

- علشان خاطري يا ماما سوسن
- أزاي تشتغلي وأنتي هتقدمي في طب؟ 
- هشتغل في الأجازة وأول شهرين في الدراسة، وعلشان خاطري وافقي أنا عمر ما حد سمعني ولا أهتم أنا عايزه إيه 

قالت وعد كلماتها الاخيرة بنبرة صوت محملة بالألم فربتت سوسن على كتفها وهتفت بحنان 

- خلاص يا حبيبتي أعملي اللي يريحك المهم ما تزعليش نفسك 
- ربنا يخليكي ليا 

*********

بعد مرور عدة دقائق غادر حسام برفقة حنين ودلفت وعد لتستريح داخل غرفة نور... اقتربت من صورة صديقتها الراحلة وأخذت تتحسسها بظاهر أناملها ثم هتفت بصوت غلفته الدموع

- تصدقي يا نور الدنيا دي غريبة أوي، انتي تموتي وطنط سوسن هتتجنن عليكي وأنا عايشه وما حدش عايزني، ياريتك أنتي اللي عايشه وأنا اللي موت

انهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها، وشعرت بجمرة تتسلل داخل قلبها... اقتربت من الفراش وألقت بحسدها عليه وظلت تبكي حتى استسلمت إلى النوم فقد كانت تشعر بالتعب إثر الليلة التي قضتها على أحد الأرصفة 

**********

في ذات الوقت أوقف أمير سيارته وترجل منها ثم دلف إلى المشفى الذي يمتلكه... اقترب من المصعد ليستقله إلى حجرة مكتبه، لكنه توقف حينما رأى شجار بالمكان المخصص لاستقبال حالات الطوارئ... اتجه صوب الشجار واشتعل غضباً حينما استمع إلى صوت موظف الاستقبال وهو يقول بحدة 

- يا ستي هنا مستشفى استثماري مش تكيه، معكيش فلوس يبقى روحي أي مستشفى جامعي
- ربنا ينتقم منكم بنتي بتموت
- يلا من هنا بدل

قاطعه أمير قائلاً بحدة لم يعتادها من قبل: ولا كلمة زيادة

جحظت عينيّ الشاب من الحدة التي غلفت نبرات صوت أمير ثم ابتلع ريقه بصعوبة وهم أن يتحدث، لكن سبقه أمير وهتف بحزم

- طلع الحجة بنفسك لأوضة الكشف وخلي دكتور حسين يكشف على البنت وبعدها حصلني على المكتب 

حرك الشاب رأسه بالموافقة فرمقه أمير بنظرة نارية، ثم اتجه صوب السيدة وتحدث بهدوء قائلاً 

- ما تقلقيش أنا هتكفل بمصاريف علاجها
- ربنا يسعدك دي حفيدتي اللي فضلالي من ريحة أبني

ابتسم لها ابتسامة هادئة ثم أدار جسده وذهب صوب المصعد ليستقله وهو في قمة غضبه

**********

بعد مرور عدة دقائق طرق موظف الاستقبال باب مكتب أمير، ودلف إليه وهو يشعر بالخوف من النظرة التي رمقها به منذ قليل... اقترب منه ليدافع عما فعله منذ لحظات، لكن سبقه أمير حينما هتف بحدة

- أنا قولت ألف مرة أي حالة توصل الطوارئ تدخل حتى لو مفيش معاها فلوس، صح؟ 

قال كلمته الاخيرة بانفعال جعل الشاب يحرك رأسه بنعم، فضرب أمير سطح المكتب بيده وأردف بغضب متسائلاً 

- ولما هو حصل، إيه اللي حصل تحت ده؟ خلاص مفيش رحمة 
- يا دكتور دي أوامر الدكتورة نادين 

رفع أمير أحد حاجبيه باندهاش واشتعل غضباً فترك مقعده وتقدم من الشاب قائلاً بحدة

- هي المستشفى دي ملكي ولا ملك دكتورة نادين؟ 
- ملك حضرتك
- يبقى كلام مين اللي يمشي؟ 
- أكيد كلام حضرتك بس من يومين أتخانقت مع مريض في الطوارئ وبلغتتا ما ندخلش متشردين 

جحظت عينيّ أمير وشعر برغبة في الفتك بهذا الشاب وبتلك النادين، لكنه لم يفعل وهتف بغضب

- مش معنى أن دكتورة نادين مديرة قسم الطوارئ يبقى من حقها تلغي قراراتي
- هي دايما بتهددنا أنها بنت عم حضرتك علشان كده بنفذ أوامرها

أدار أمير جسده وزفر بضيق ثم تنفس بعمق وهتف دون أن ينظر إلى الشاب

- أندهلي دكتورة نادين وأرجع شغلك وده أخر إنذار ليك
- متشكر وأوعد حضرتك أني مش هغلط تاني

قالها الشاب ثم غادر المكان متجهاً إلى مكتب نادين وأخبرها بأن أمير ينتظرها في مكتبه... أمرت الشاب بالانصراف ثم أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وأخذت تطالع هيئتها قبل أن تذهب إليه 

**********

في ذات اللحظة دلفت سوسن إلى غرفة ابنتها نور وابتسمت حينما رأت وعد تغفو على الفراش... اقتربت منها وجلست على حافة الفراش وأخذت تتأملها في صمت وهي تشعر بسعادة بالغة، فمنذ وفاة أسرتها تعيش بمفردها ويزورها شقيقها وزوجته بين الحين وآخر لعمله خارج البلاد، واليوم انتهت عزلتها فقد أصبح لها شريكاً في البيت سيقاسمها الصباح والمساء وكذلك تناول الطعام الذي زهدته منذ الحادث الأليم.... ابتسمت بسعادة ثم غادرت الغرفة على أطراف أصابعها حتى لا توقظها واتجهت صوب المطبخ لتعد طعام الغداء 

**********

في المشفى... 
دلفت نادين إلى مكتب أمير وابتسامة سعادة ترتسم على وجهها... اقتربت منه وهي تتمايل بدلال مصطنع ثم جلست على حافة مكتبه قائلة بسعادة

- طلبتني يا أمير؟ 

جز أمير على أسنانه وتطاير الشرار من عينيه، فابتلعت ريقها بصعوبة وابتعدت عنه ثم جلست على المقعد المقابل له وأردفت قائلة

- هو أنا مزعلاك في حاجة؟ 

ضرب أمير بيده على سطح المكتب فانتفض بدن نادين، فهي تعلم طباعه جيداً، وبالرغم من تحليه بصفات حميدة جعلتها تقع في غرامه إلا أنها تعلمه جيداً عندما يغضب... ترك مقعده واقترب منها قائلاً بحدة

- مش معنى أنك بنت عمي ومديرة قسم الطوارئ، ده يديلك الحق تلغي قراراتي
- أنا أنا معملتش

قاطعها قائلاً بحدة: كدابة وطلبتي منهم ما يدخلوش متشردين

- أنا فعلاً عملت كده بس ده قرار لصالح المستشفى 
- لما نطرد الناس في الشارع يبقى في مصلحة المستشفى؟!!! 
- أيوه طبعاً دي أكبر مستشفى استثماري في البلد ودخول الأشكال دي هيخلي الناس تقرف مننا و

لم يستطع تحمل المزيد فرفع كف يده في الهواء مانعاً إياها من المتابعة فعضت على شفاها السفلى وانتظرت توبيخه لها كما يفعل دائماً 

- دكتورة نادين ده أخر تحذير ليكي
- دكتورة؟!!! أنا بنت عمك
- إحنا هنا في شغل مش في البيت وأظن كلامي واضح
- واضح يا ميرو

رفع أمير أحد حاجبيه فتابعت قائلة: قصدي واضح يا أمير

رفع كلا حاجبيه فعلمت ما يقصده وأردفت: قصدي واضح يا دكتور أمير

- أتفضلي على شغلك

غادرت نادين المكان وهي تشعر ببركان غضب يسري بداخلها، فهي تعلم تمام المعرفة أنه لا يبادلها نفس المشاعر واليوم تأكدت من ذلك، وما أن دلفت إلى حجرة مكتبها، جزت على أسنانها وهتفت بحدة

- أنا هخليك تحبني وتركع تحت رجليا وبكرة نشوف يا دكتور مين هيجري ورا مين

*********

غادر أمير مكتبه ليتابع سير العمل ويطمئن على مرضاه، لكنه توقف حينما رأى السيدة العجوز... اقترب منها فقابلته بابتسامة وهتفت بحنان

- ربنا يبارك فيك يا أبني
- حفيدة حضرتك عامله إيه؟ 
- الحمد لله الدكتور قالي أطمن وطلعت تعمل أشعة

شعر أمير بالرضا لرؤيته السعادة داخل عينيها وكاد أن يعتذر منها، لكنها سبقته وهتفت بحنان

- ربنا يسعدك ويباركلك في مراتك وأولادك 

ابتسم لها ابتسامة جعلتها تتابع كلماتها: شكلك مش متجوز 

- مين هترضى بدكتور بيفطر ويتغدى في المطعم اللي جمب المستشفى وليل نهار بره البيت؟ 
- هتلاقيها وهتعيش أجمل حياة على قد طيبة قلبك 
- ما أظنش في واحدة ترضى بيا بس هعيش على الأمل اللي أخدته منك، هروح أشوف شغلي 

ابتعد أمير ليمر على مرضاه وابتسم مراراً وتكراراً على كلمات تلك السيدة الطيبة وتساءل في نفسه 
"أحقاً سيأتي يوم أجد فيه تلك الفتاة، لقد انقضت سنوات عمري الثمانية والعشرون دون أن أقع في الحب فهل سيأتي يوم وتسرق قلبي إحداهن"
عاد إلى أرض الواقع حينما وصل أمام غرفة إحدى مرضاه، فطرق بابها ودلف إليها ليتابع عمله 

*********

بعد مرور خمس ساعات تململت وعد في فراشها وهي تشعر بالإرهاق... فتحت عينيها واعتدلت في جلستها ثم وضعت رأسها بين كفيها فقد كانت تشعر بألم يكاد أن يفتك برأسها ناتج عن البكاء الذي رافقها طوال الأربع والعشرون ساعة الماضية... تحاملت على نفسها وتركت الفراش ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة... أخذت تبحث عن سوسن حتى رأتها تجلس على سجادة الصلاة وتتلو آيات القرآن... اقتربت منها وجلست إلى جوارها فابتسمت سوسن وأنهت قرأتها ثم تأملت وعد وشعرت بغصة في قلبها لرؤية أثر الدموع يحاوط عينيها.... أخذت تمسح بيدها على وجهها وخصلات شعرها فابتسمت لها وعد وأسندت رأسها على صدر سوسن فحاوطتها بحنان وهتفت بصوت دافئ

- ربنا يخليكي ليا وتملي عليا البيت
- وربنا يخليكي ليا 
- قوليلي يا ماما 
- ربنا يخليكي ليا يا ماما 

شعرت سوسن بالسعادة تسري بداخلها من جديد فشددت في احتضانها وتمنت أن تدوم سعادتها إلى ما لا نهاية، أما وعد فأغمضت عينيها وتساءلت في نفسها هل انتهى العذاب، أم مازال القدر يخبأ لها صفعة جديدة ستقلب موازين حياتها من جديد؟ 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

Sunday, February 3, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 03, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني - بقلمي منى سليمان
  
* أمل * 

غفت وعد لمدة ساعتين ثم استيقظت على صوت أحدهم يقترب منها... شعرت بالخوف وأسرعت في حمل حقيبتها والاختباء داخل مدخل أحد العقارات... كان شعورها بالفزع يفوق قدرتها على التحمل فخرت قواها وجلست أرضاً وهي تبكي بغزارة... ظلت على تلك الحالة حتى غفت وهي تحتضن حقيبتها وكأنها مصدر الأمان بالنسبة لها، ومع أول ضوء لأشعة الشمس تململت وهي تعتقد أن ما حدث كان مجرد كابوس، لكنها ما أن فتحت عينيها علمت أنها حقيقة وحقيقة مؤلمة تتذوق مرارتها بالفعل، فتح أحدهم باب العقار واندهش لرؤية وعد فاقترب منها وتساءل بحدة

- أنتي بتعملي إيه هنا؟ 

ابتلعت ريقها بصعوبة ثم تمالكت نفسها وقالت بصوت مرتعش: أ أنا أنا 

قاطعها حينما قبض على معصمها وهتف: أنتي شكلك بت شمال، كنتي عند أي كلب في العمارة؟ 

جحظت عينيها في عدم تصديق فابتسم بسخرية وتابع: أكيد كنتي في شقة العيل اللي اسمه وليد، والله لأفضحكم وأنضف العمارة من وساختكم

- أنا معملتش حاجة، معملتش حاجة

قالتها وهي تبكي بغزارة فشعر الرجل أنها على وشك السقوط أرضاً فحرر معصمها وقال محذراً 

- لو شفتك في العمارة تاني ولا حتى لمحتك في الشارع هسلمك لبوليس الأداب

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، رمقته بنظرة عتاب ممزوجة بالحزن ثم قالت بصوت كساه الألم 

- حاضر

حملت حقيبتها وغادرة العقار لتمضي من جديد إلى المجهول وبداخلها جرح عميق لظن الرجل بها وظلت هكذا حتى شعرت بالجوع يلتهم أمعائها فوضعت يدها في جيب بنطالها وأخرجت ما بقى معها من نقود ثم اتجهت صوب متجر صغير وابتاعت زجاجة مياه ورغيف خبز ثم أعطت النقود للبائع واتجهت صوب محطة الأتوبيس..... جلست على أحد المقاعد وتناولت رغيف الخبز الفارغ ثم ارتشفت القليل من قطرات المياه لتروي ظمئها... تسللت دمعة من عينها على الحالة التي وصلت إليها، لكنها سرعان ما أزالتها حينما رأت أحدهم يتاملها من رأسها حتى أخمص قدميها فخبأت عينيها عنه ثم أخرجت المصحف الذي لا يفارقها منذ الطفولة وبدأت تقرأ آياته لكي تشعر بالسكينة التي تحتاج إليها

********

في منزل حنين..... 
أوقف حسام سيارته أمام منزله ثم ترجل منها ونظر باتجاه شرفة وعد عله يراها، لكنه وجد الشرفة مغلقة فدلف إلى العقار وصعد مُباشرةً إلى شقته ثم اتجه إلى غرفة حنين ودلف إليها وهو يغني بسعادة لنجاح شقيقته... تململت حنين بكسل ثم وضعت الوسادة على رأسها لتتجاهل صوته وتكمل نومها لكنه لم يستسلم.. اقترب منها وأزال الوسادة ثم أخذ يداعب وجهها بيده وهو يغني بسعادة

- وحياة قلبي وأفراحه، وهناه مالمسا لصباحه، ما لقيت فرحان في الدنيا زي الفرحان بنجاح أخته

ابتسمت على حنان شقيقتها وعلى الفرحة التي تسكن عينيه فاعتدلت في جلستها وهي تفرك عينيها كالأطفال فاقترب منها وطبع قبلة على مقدمة رأسها ثم جلس إلى جوارها وقال بصوت دافئ

- مبروك يا دكتورة وأسف علشان مقدرتش أرجع أمبارح ونمتي من غير ما أشوفك
- الله يبارك فيك يا حضرة الظابط، واعتذارك مقبول
- قوليلي عايزه هدية إيه؟ 

قالها وهو يحك مقدمة رأسه بأنامله واصطنع الضجر فابتسمت على فعلته وهتفت بسعادة 

- عايزه هدية صغيرة قد كده أهوه

قالتها وهي تضم إصبعها السبابة على الإبهام فابتسم لها وهتف بحنان اعتاد عليه

- طلباتك أوامر 
- عايزه عربية 

رفع أحد حاحبيه بعدم تصديق ثم رمقها بنظرة غيظ فكتمت ضحكتها بصعوبة وأرفت قائلة

- علشان خاطري والنبي والنبي و

قاطعها قائلاً بغيظ: خلاص يا زنانه بكرة هجيبلك أحلى عربية

- ربنا يخليك ليا، بجد من بعد وفاة ماما وبابا أنت بقيت كل حاجة ليا في الدنيا

ألقت بجسدها في صدره فحاوطها بحنان وشدد في احتضانها فتذوقت الحنان الذي لا تشعر به إلا وهي بين أحضان الرجل الوحيد الذي تعتمد عليه وتشعر معه بالأمان... وبعد مرور دقائق من الصمت تذكر وعد فأبعد حنين عن صدره وهتف متسائلاً 

- وعد هتدخل طب معاكي؟ 

ما أن وصل أسم وعد إلى مسامعها، مطت شفتيها بضجر وتلألأت الدموع داخل عينيها فضيق حسام بين حاجبيه في اندهاش وتساءل

- في إيه؟ 
- وعد سابت البيت 

انتفض حسام عن الفراش وظهرت الصدمة بوضوح على قسمات وجهه وهتف بصوت غلفه القلق

- يعني إيه سابت البيت؟ 

تجمعت الدموع داخل مقلتيها أكثر وأكثر وهي تقص عليه ما حدث فتبدلت قسمات وجهه واشتعل غضباً ثم كور قبضته وضرب بها كف يده الأخر وهو يتمتم

- ربنا ينتقم منه ومن العقربة مراته
- ربنا ياخدهم
- طيب أطمنتي عليها؟ 
- اتصلت كتير ما ردتش

شعر حسام بالقلق عليها فأخرج هاتفه من جيب بنطاله ليتحدث إليها... في تلك اللحظة كانت وعد مازالت تقرأ آيات الله، وما أن صدع صوت رنين هاتفها، توقفت عن تلاوة القرآن ثم ضغطت زر الإيجاب وكادت أن تتحدث لكن سبقها حسام وهتف بقلق متسائلاً 

- أنتي فين؟ 

لم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة، لكن تحدثت دموعها التي اقترنت بشهقات عالية كانت بمثابة خنجر طُعن في قلبه... أغمض عينيه بأسى على حالها وكرر سؤاله عله يحصل على جواب لكن دموعها كانت الجواب الوحيد الذي حصل عليه في المرتين.. وبعد مرور دقائق من الانتظار هدأت قليلاً وقصت عليه ما حدث فشعر بجمرة نار تتسلل إلى قلبه واشتعل غضباً، لكنه لم يظهر لها ذلك بل تحدث بهدوء مصطنع قائلاً 

- طيب ما تتحركيش من مكانك، نص ساعة وهبقى عندك

أنهى المكالمة وقص على حنين ما حدث معها فانفجرت دموعها كالشلال على حال صديقتها ورفيقة دربها 

- نامت في الشارع
- مش وقته دلوقتي يا حنين، أنا هروح أجيبها وأجي
- أنا هاجي معاك
- طيب يلا ألبسي على ما أغير هدوم الشغل

بعد مرور عدة دقائق انطلق بسيارته مصطحباً شقيقته التي كانت تبكي بغزارة... لم يستطع منعها من البكاء لشعوره الشديد بالغضب فلم يتخيل من قبل أن يكون مصير تلك البريئة النوم على أرصفة الشوارع

*********

في عقار فخم.... 
استيقظ أمجد وتململ في فراشه بكسل حينما صدع صوت رنين هاتفه... زفر بضيق واعتدل في جلسته وهو يتثاءب ثم أمسك هاتفه وضغط زر الإيجاب

- خير؟ 
- في قتيل في شقة في المعادي 

لوى أمجد شفتيه بضجر وهتف بغيظ: هي الناس دي ما بيحللهاش القتل غير وأنا نايم

- معلش أبقى أديهم المواعيد اللي يقتلوا فيها 

انفجر الضابط ضاحكاً فجز أمجد على أسنانه وهتف بحدة: أنت بتهزر!!!! 

- وهعملك إيه يعني، أخلص علشان الجثة أتنقلت للمشرحة والنيابة مستعجلة على التقرير
- حاضر 

أنهى أمجد المكالمة ثم نظر إلى الهاتف وتمتم في نفسه: أنا هقدم استقالتي وارتاح 

ترك فراشه بصعوبة ودلف إلى الحمام.... وما هي إلا دقائق حتى ارتدى ثيابه وغادر إلى عمله في مشرحة زينهم، لكنه شعر برغبة ملحة في النوم فقرر الاتصال بصديقه حتى لا يغفو أثناء القيادة

*********

بالطريق.... 
صدع صوت رنين هاتف حسام فصف السيارة على جانب الطريق اعتقاداً منه أن المتصل وعد، لكنه اندهش حينما رأى أسم المتصل "أمجد" فضغط زر الإيجاب وهتف

- إيه مصحيك بدري كده؟ 
- البركة فيكوا
- إحنا مين؟ 
- المباحث الجنائية مصحياني من النوم علشان جثة

قالها بطريقة تمثيلية فابتسم حسام بالرغم من شعوره بالغضب وهتف مازحاً 

- حد قالك تشتغل في مشرحة 
- منه لله محمود راح يتجوز وسابني في القرف لوحدي والبهوات التانين ما صدقوا سافروا مؤتمر ثورة التشريح 
- معلش بكرة يرجعوا، أنا مضطر أقفل علشان رايح مشوار 
- والشغل؟ 
- أنا لسه راجع من ساعة ووأخد باقي اليوم أجازة 
- ماشي مش هعطلك، سلام

أنهى حسام المكالمة وأعاد تشغيل محرك السيارة ثم انطلق بها وهو يفكر في الحالة التي وصلت إليها وعد، ولكن قاطع شروده صوت بكاء شقيقته 

- حنين بلاش تخلي وعد تشوفك كده
- بجد صعبانه عليا أوي 
- ما تخافيش أنا مستحيل أتخلى عنها، كفاية عياط بقى
- حاضر

قالتها ثم مسحت دموعها وأخذت تتابع الطريق في صمت بينما زاد حسام من سرعته ليصل إليها في أقرب وقت... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل إلى وجهته فأوقف السيارة وترجل منها وفعلت حنين المثل ثم اقتربت من وعد وعانقتها فانهمرت دموع كل واحدة منهن فهتف حسام بصوت غلفه الألم

- وبعدين معاكم، كفاية عياط وأركبوا العربية 

ابتعدت وعد عن حنين ثم نظرت إلى حسام بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء  وتساءلت 

- هنروح فين؟ 
- هتيجي تعيشي معايا أنا وحنين
- لا أنا مستحيل أرجع البيت ده تاني
- وأنا مستحيل أسيبك في الشارع

قالها بحزم جعل وعد تبكي من جديد فزفر بضيق على فعلته وأردف بحنان وصوت دافئ قائلاً 

- أسف أني انفعلت عليكي بس بجد مستحيل أسيبك في الشارع
- وأنا مش هقدر أرجع البيت ده 
- طيب تعالوا نفطر وبعدين ربنا يحلها من عنده

قالتها حنين فرحب حسام بينما اعترضت وعد في البداية ولكن مع إصرار حسام حركت رأسها بالموافقة وهمت أن تحمل حقيبتها، لكنه سبقها وحملها عنها ثم نظر إليها وهتف مازحاً 

-أنا مش مالي عينك ولا إيه؟ 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على جانب ثغرها وهتفت برقة: بجد مش عارفه أشكركم أزاي، أنتوا أهلي اللي طلعت بيهم من الدنيا

- طيب كفاية كلام ويلا نفطر

مضت وعد إلى السيارة وجلست بالمقعد الخلفي ثم أسندت رأسها على زجاج السيارة وشردت بالطريق فتأملها حسام من مرآة السيارة بين تارة وأخرى وشعر بالغضب لرؤيتها تتألم داخلياً بتلك الطريقة وأخذ يفكر في طريقة تقنعها بالبقاء معهم

*********

بعد مرور عدة دقائق أوقف حسام السيارة أمام مطعم فخم فترجلوا جميعاً منها ودلفوا إلى الداخل... وما أن جلسوا نظر إلى وعد وهتف متسائلاً 

- تفطري إيه؟ 
- أي حاجة مش فارقة

استشعرت حنين الحزن المصاحب لنبرة صوت وعد فقررت تلطيف الأجواء وقالت مازحة 

- يا سلام اشمعنى ما سألتنيش هاكل إيه وسألت وعد

كاد أن يجيبها لكن سبقته وعد حينما هتفت: حقك عليا ما تزعليش بسببي 

قالتها بنبرة صوت تحمل الخجل والانكسار، فشعر بالأسى على حالها بينما انتفضت حنين عن مقعدها واتجهت صوب الحمام لتطلق العنان لدموعها الحبيسة، أما بالخارج نظر حسام إلى وعد وتحدث بحنان قائلاً 

- مش عايزه تيجي تعيشي معانا ليه؟ 
- مش هقدر أدخل البيت ده تاني ولا هقدر أشوفها أو أشوفه تاني
- طيب هتعيشي فين وإزاي؟ 
- هدور على شغل مع الدراسة 
- طيب وهتعيشي فين؟ 
- مش عارفه 

شرع أن يتحدث، لكن قاطعته عودة حنين التي كانت تظهر عليها السعادة فاندهش بشدة لكنه لم يعلق، بينما جلست حنين على مقعدها وهتفت بسعادة 

- أنا لقيت حل مناسب
- الإلهام جالك في الحمام؟ 

قالها مازحاً فوكزته حنين في صدره وهتفت بغضب: بطل هزار

- حاضر، يلا قولي الحل 
- إيه رأيكم وعد تعيش مع طنط سوسن؟!!! 

حرك حسام رأسه بالموافقة وفعلت وعد المثل ثم شردت بشدة وعادت بذاكرتها إلى ثلاث أعوام مضت وتذكرت صديقتها نور التي اختطفها الموت في حادث أليم نجت منه والدتها فقط، وتذكرت أيضاً ما فعلته زوجة أبيها مع سوسن حينما رغبت في استمرار التواصل معها

- وعد يا وعد

فاقت وعد من شرودها وهتفت بهدوء: معاكي

- سرحتي في إيه؟ 
- افتكرت اللي عملته منيرة في طنط سوسن 
- هي عملت إيه؟ 

تساءل حسام فلوت حنين شفتيها بضجر وهتفت بعيظ: طردتها لما جت تطمن على وعد وقالت مش ناقصة قرف

- والله ما في قرف في الدنيا غيرها
- ربنا ينتقم منها 

قالتها وعد بصوت غلفه الألم ثم أمسكت هاتفها وبحثت عن رقم سوسن، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى وجدت الرقم وضغطت زر الاتصال.... في ذلك الوقت كانت سوسن تصلي فرضها ولم تستطع الإيجاب فمطت وعد شفتيها بضجر وهتفت بحزن

- ما ردتش عليا، وبصراحة ليها حق من يوم ما نور ماتت وأنا مسألتش عنها و

توقفت وعد عن إكمال كلماتها حينما صدع صوت رنين هاتفها، وتسارعت نبضات قلبها حينما وجدت المتصل "سوسن"... أغمضت عينيها ودعت الله أن تمد لها سوسن يد العون ثم ضغطت زر الإيجاب وتابعت بهدوء 

- أنا عارفه أني مقصرة في حقك بس غصب عني
- عارفه يا حبيبتي، عامله إيه؟ 
- مش كويسة خالص
- مالك يا وعد؟!! 
- ممكن أجيلك دلوقتي؟ 
- طبعاً، تعالي وما تتأخريش هستناكي
- حاضر 

أنهت وعد المكالمة وتنفست بعمق وهي تردد بصوت خفيض: الحمد لله

شعر حسام بالسعادة حينما رأى ابتسامة خفيفة ترتسم على ثغر وعد ودعا الله أن تدوم ابتسامتها إلى ما لا نهاية.... وما هي إلا دقائق حتى فرغوا من تناول الطعام وغادروا المكان متجهين إلى شقة سوسن وبداخلهم أمل جديد 

*********

في ذات الوقت وصل أمجد إلى مقر الطب الشرعي ليباشر عمله، لكنه قبل أن يدلف إلى الداخل صدع صوت رنين هاتفه فأجاب المكالمة قائلاً 

- أنا نهاري فل أكيييييد
- يا بكاش 
- وحشاني جداً جداً جداً 
- لو وحشاك كنت جيت تشوفني، مختفي فين بقالك أسبوع؟ 

زفر أمجد بضيق وهتف بغيظ: زميلي أتجوز وواخد أجازة والباقين سافروا مؤتمر والجثث كلها عليا

قال كلماته الأخيرة بطريقة تمثيلية جعلت سلوى تضحك بأعلى طبقات صوتها بينما مط أمجد شفتيه بضجر وهتف بغيظ

- إضحكي إضحكي 
- أنت مصيبة ماشية في الأرض، الله يكون في عون الجثث يا دكتور المشرحة، اوعى تكون بتقولهم نكت وأنت بتشرح
- ربنا يسامحك

قالها بغضب وصوت غلفه الغيظ فأسرت سلوى ضحكتها حتى لا تغضبه أكثر وهتفت بجدية مصطنعة

- هستناك على الغداء وهعملك كل الأكل اللي بتحبه
- هو ده الكلام ولا بلاش
- ما تتأخرش 
- أنا مقدرش أتأخر عليكي يا قلبي، ربنا يخليكي ليا
- ويخليك ليا يا حبيبي

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة أنهى أمجد المكالمة ودلف إلى الداخل ليتابع عمله كطبيب شرعي بينما تركت سلوى غرفتها واتجهت صوب المطبخ لتعد له الطعام الذي يعشقه كما وعدته 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة.. دائرة حقوق المؤلف

Saturday, February 2, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 02, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك

الفصل الأول 

* دموع *

الأم هي الحنان ومن فقدها فقد حنان الكون... والأب هو السند والأمان ومن فقده فقد أمانه وأصبح بلا سند... 
والطلاق دوامة يسقط الأبناء بداخلها، لم يعد هناك بيت دافئ وأسرة تجتمع كل مساء على مائدة الطعام، يبقى فقط ضياع لا يعيشه سواهم... 
أنا وعد الفتاة الرقيقة صاحبة الملامح البريئة وأشبه والدتي إلى حد كبير، استيقظت ذات يوم لأجد حياتي سراب بعد طلاق والدي.. بكيت وبكيت ولكن لم يسمعني أحد.. أخذوني من بين أحضان أمي وأغلقوا باب غرفتي بعد أن تركوني بداخلها.. وبعد مرور سنوات وسنوات من العذاب الذي لا ينتهي أتساءل ما ذَنبي.. بأي حق تركتوني أواجه عالمي.. ذنبي الوحيد أبي الذي سقط من قلبي قبل نظري وأمي التي لا حول لها ولا قوة.. ذنبي عالم ملوث ومليء بالوجوه الملونة والابتسامات الذائفة.. لن أدع أحدهم يكسرني بعد اليوم، سأمضي في طريقي وحدي لأهزم قدري وأنفذ الوعد الذي قطعته على نفسي.. 
لن انحني لأحد.. 
لن أبكي لفراق أحد..

*******

في عقار فخم بمنطقة راقية.... 
كانت وعد تجوب غرفتها ذهاباً وإياباً وهي تشعر بالتوتر، فاليوم موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة.... كانت تطالع الانترنت بين تارة وأخرى وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالتوتر، وظلت هكذا حتى وقعت عينيها على النتيجة... وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها فقد كُتب اسمها وإلى جواره رقم لم تحلم به يوماً فقد حصلت على ٩٩%.... أخذت تدور حول نفسها في سعادة فقد تحقق الحلم الذي طالما تمنته وهو الالتحاق بكلية الطب.... وبمجرد أن توقفت عن الدوران أرسلت لوالدتها رسالة نصية تخبرها بالنجاح ثم غادرت غرفتها وركضت بإتجاه غرفة والدها ودلفت إليها وهي تردد بسعادة

- جبت ٩٩% يا بابا، جبت ٩٩% يا بابا

لوت زوجة أبيها شفتيها بضجر ووقفت أمامها قبل أن تقترب من يحيى وهتفت بحدة وصوت عال

- إيه الدوشة دي يا بنت رمزية
- نجحت وجبت ٩٩% وهدخل كلية طب

قالتها بسعادة وهي تقفز كالأطفال فابتسم والداها على الفرحة التي تسكن عينيها، لكن تلك النظرة لم تدوم طويلاً... قبضت زوجته يدها على معصم وعد بغل ثم صفعتها على وجنتها باليد الأخرى 

- كلية إيه وزفت إيه، أنتي من بكرة هتقعدي في البيت تخدميني وتخدمي أخواتك، كفاية عليكي الثانوية العامة، مش كده يا يحيي؟ 

نظر يحيي إلى الأرض ولم يستطع أن يتفوه ولو بكلمة، فزوجته أنجبت له ولدين وكلما أغضبها كانت تترك المنزل وتحرمه منهما، ولكونه رجل شرقي كان يفضل الولدين على ابنته التي أذاقتها زوجته منيرة أشد أنواع العذاب... تساقطت الدموع من عينيّ وعد وتمنت أن ينصفهاأبيها ولو لمرة واحدة لكنه لم يفعل كعادته، فابتسمت زوجته بانتصار وأردفت قائلة

- أظن كده الرد وصل، غوري على أوضتك وكمان شوية تدخلي تنضفي الخضار وتعملي غداء بكرة على بيات، قال طب قال بلا دلع بنات ماسخ 
- أنا مش هقعد في البيت، أنا عايزه أكمل تعليمي
- أنتي بتتحديني يا بت رمزية

قالتها وهي تجذب وعد من خصلات شعرها فتأوهت بشدة، وما هي إلا دقيقة واحدة حتى حررت وعد جسدها وهتفت بحدة لم تختبرها من قبل

- كفاية ذل، من يوم ما ضحكتي على بابا وسرقتيه من ماما وأنتي معيشاني في جحيم، جوعتيني وذلتيني وأبسط حقوقي سرقتيها، بس لحد كده وكفاية 

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقتربت منها زوجة أبيها وهمت أن تصفعها، لكن سبقتها وعد وأمسكت يدها ثم أردفت قائلة

- من النهارده مش هسمحلك تمدي أيدك عليا 

نفضت منيرة يد وعد وهتفت بنبرة صوت تحمل الغل الكائن بداخلها 

-قدام عشر دقايق تتلمي فيهم هدومك وتطلعي بره بيتي يا بنت رمزية 

نظرت إلى والدها عله يعترض ولو لمرة واحدة منذ سبع سنوات إلا أنه لم يفعل، فابتسمت بسخرية ثم مسحت دموعها وغادرت الغرفة عائدة إلى غرفتها وهي تشعر بالألم والخذلان الذي اعتادت عليه

*********

دلفت إلى حجرتها وأحضرت حقيبة لتجمع أشيائها... كانت تبكي بغزارة على حالها ولا تعلم لمن تلجأ ومع ذلك قررت أن لا تستسلم لتلك الظالمة... بعد مرور عدة دقائق انتهت وأغلقت حقيبتها ثم غادرت الغرفة لتودع شقيقيها... اقتربت منهما لتطبع قبلة على رأس كل واحد منهم، لكن زوجة أبيها كانت الأسرع... وقفت أمامها وأشارت بيدها إلى باب الشقة فابتسمت وعد بسخرية وهتفت بشموخ

- أنا خارجة من نفسي وهسيبلك الجنة أشبعي بيها بس هيجي يوم وربنا ينتقم منك، وزي ما أمي رجعت بيتها من سبع سنين لقيتك في حضن أبويا، هيجي يوم ترجعي تلاقيه في حضن واحدة تانية ويبقى مصيرك الشارع زي ما عملتي فيا وفي أمي

مضت دون أن تودع والدها أو تنظر إليه فقد سقط من نظرها إلى الأبد... اتجهت صوب الشقة المقابلة لشقة والدها وطرقت بابها ففتحت صديقتها ورفيقة دربها حنين 

- مبروك يا وعد لسه شايفه النتيجة و

توقفت حنين عن إكمال كلماتها حينما انتبهت إلى الحقيبة التي تحملها وعد، وانتبهت كذلك للدموع التي تسكن مقلتيها فتساءلت بصوت مرتعش

- مالك يا وعد، وإيه الشنطة دي؟ 

قصت وعد كل ما حدث لها على صديقتها فحزنت الأخيرة بشدة وبكت رغماً عنها 

- طيب هتروحي فين دلوقتي؟ 
- هروح لماما 
- طيب خليكي معايا وعيشي معانا

ابتسمت وعد بالرغم من الحسرة التي تملأ قلبها وهتفت بصوت غلبه الحزن وغلفه الألم

- معلش يا حنين مش عايزه أحملكم فوق طاقتكم
- ما تقوليش كده يا وعد كلنا بنحبك
- لو ضاقت بيا هرجع
- طيب أستني دقيقة 

دلفت حنين وعادت بعد أقل من دقيقة حاملة بعض جنيهات وقدمتها إلى وعد... خجلت وعد في البداية لكن لم يكن لديها خيار أخر فهي لا تحمل المال الكافي لإيصالها إلى منزل والدتها فأخذت المال وهتفت بخجل

- انا متشكرة أوي يا حنين
- ما تقوليش كده أحنا أخوات وبأمر الله هندخل كلية الطب مع بعض
- أشوف وشك بخير
- طمنيني عليكي لما توصلي

بادرت حنين بعناق وعد فشددت الأخيرة في احتضانها ثم مضت إلى وجهتها عل الحظ يحالفها ويساعدها زوج أمها 

*********

بعد مرور ساعتين وصلت أسفل العقار الذي تسكنه والدتها، لكنها ترددت في الدخول خوفاً من زوج والدتها الذي لم تقابله من قبل وظلت هكذا لعدة دقائق ثم أخذت قرارها بالدخول فمسحت دموعها ودلفت إلى الداخل ثم استقلت المصعد إلى شقة والدتها... طرقت باب الشفة بخفة حتى لا تُفرع أحد فقد تخطت الساعة العاشرة مساءاً.... لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى فتح زوج والدتها ورمقها بنظرة اندهاش لرؤية حقيبة ثيابها فابتلعت ريقها بصعوبة وهتفت متسائلة 

- أنا وعد، ماما موجودة؟ 
- موجودة بس خير يعني؟ 
- ممكن أشوفها 
- هي نايمة دلوقتي، أبقي تعالي الصبح وأنا بره 

استيقظت رمزية وذهبت باتجاه باب الشقة، وما أن وقعت عينيها على وعد اقتربت منها وضمتها إلى صدرها فانفجرت باكية وهتفت بصعوبة

- بابا ومراته طردوني من البيت 

أتسع فاه رمزية بينما زفر زوجها بضيق وأغلق باب الشقة بحدة فانتفض بدن وعد وابتعدت عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وبدأت تقص عليهما ما حدث... زفر زوج رمزية مراراً وتكراراً بينما شعرت أمها بحسرة في قلبها 

- طيب ما تعيطيش وأدخلي أرتاحي جوه و

قاطعها زوجها قائلاً بحدة وصوت عال: تدخل فين؟!!!! 

- أمال هتروح فين يا محمد؟ 
- وأنا مالي هو أنا كنت خلفتها ونستها، إذا كان أبوها رماها هقعدها أنا 

اقتربت رمزية من زوجها وركعت أمامه علها تستعطف قلبه، لكنه تمسك بقراره... اقترب من وعد وقبض يده على معصمها ثم ألقى بها بالخارج وما أن أغلق باب الشقة، نظر إلى رمزية وتحدث محذراً 

- إياكي تفكري تدخليها ولا تديها مليم من فلوسي، لما أتجوزتك على مراتي قولتلك أني مش عايز عيال ولا غم في البيت ده وأنتي قبلتي، صح؟ 

قال كلمته الأخيرة بحدة وصوت عال فسرت رعشة خوف في بدن رمزية جعلتها تحرك رأسها كإشارة بنعم فرفع محمد أحد حاجبيه وأردف قائلاً 

- يبقى أدخلي كملي نوم بدل ما تحصليها وترجعي الشارع اللي جبتك منه 

امتثلت لرغبته ودلفت إلى حجرة النوم وهي تبكي على حالها وحال ابنتها التي غادرت منذ لحظات إلى مصير مجهول 

********

غادرت وعد العقار وهي تبكي بغزارة ولا تعلم لمن تلجأ... وبعد مرور عدة دقائق من التفكير استقلت الحافلة وقررت الذهاب إلى منزل عمها عله يساعدها.... كانت شاردة بشدة وأخذت تفكر فيما سيلحق بها إن لم تجد منه الترحاب... أغمضت عينيها بأسى وتساقطت دموعها وتساءلت في نفسها ما الذنب الذي اقترفته لتتحول حياتي إلى جحيم... كنت طفلة أبلغ من العمر عشر سنوات حينما تفرقت عائلتي... عادت أمي من عملها مبكراً لشعورها بالإرهاق فقد كانت تحمل جنياً في أحشائها... مرت بطريقها على مدرستي لتأخذني معها إلى المنزل حتى لا ترهق أبي، فقد كان الزوج والحبيب والسند بالنسبة لها... وبمجرد أن عدنا إلى المنزل سمعنا صوت والدي، تهللت أساريري وكدت أركض باتجاه غرفته، لكنها منعتني وطلبت مني الاغتسال بالأول... ركضت صوب الحمام بينما دلفت أمي إلى غرفتها لتطمئن على والدي الذي لا يعود إلى البيت قبل أذان المغرب ما جعلها تشعر بالقلق عليه، لكنها بمجرد أن اقتربت من باب الغرفة شعرت باهتزاز الأرض قدميها فقد استمعت إلى صوت أبي برفقة إحداهن... قبضت يدها على مقبض الباب وأدارته ثم دلفت إلى الغرفة لتتفاجأ برؤية والدي عاري الجسد وإلى جواره صديقتها العزيزة التي دائماً تخبرها أنها بمثابة الأخت... لم تستطع أن تتفوه ولو بكلمة، بينما جحظت عينيّ والدي وأسرع في ارتداء ثيابه على عكس صديقتها التي ابتسمت بانتصار وهي تدثر جسدها بالغطاء.... اقترب والدي من أمي وكاد أن يتحدث لكنها باغتته بصفعة على وجنته تحولت فيما بعد إلى عدة صفعات أنهال بها والدي على وجهها وجسدها متناسياً حملها فسقطت مغشياً عليها وسالت الدماء على قدميها معلنة عن موت شقيقي قبل أن يُولد... راقبت ما حدث في صمت فقد كنت طفلة لا تعي أي شيء مما حدث واليوم أقسم أن ذلك اليوم كان نهاية حياتي وبداية عذابي....
 عادت وعد إلى أرض الواقع حينما انتبهت إلى صوت السائق يخبرها بأن تلك المحطة هي ما سألت عنها وقت الركوب، فتركت مقعدها وترجلت من الحافلة ومضت إلى منزل عمها أو بالأحرى إلى الملجأ الأخير بالنسبة إليها... دلفت إلى العقار وصعدت إلى شقة عمها.. ضغطت زر جرس باب الشقة وهي تشعر بخجل شديد فقد تخطت الساعة الحادية عشر والنصف مساءاً.. وما هي إلا دقائق حتى فتح ابن عمها الذي يصغرها بثلاث سنوات باب الشقة واندهش بشدة لرؤيتها بتلك الحالة فحمل عنها الحقيبة وأدخلها إلى الشقة ثم رمقها بنظرة تساؤل فهمتها جيداً فهتفت بصوت غلفه الحزن

- عمي موجود؟ 

كاد أن يجيبها، لكن قاطعه صوت والده حينما هتف متسائلاً: في إيه يا وعد؟ 

شرعت أن تجيبه ولكن سبقتها زوجة عمها وهتفت بحدة: في بنت محترمة تفضل بره بيتها لحد دلوقتي

- أنا مليش بيت أصلاً 
- يعني إيه؟ 

قالها عمها باندهاش فنظرت إليه بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء وقصت عليهم كل ما حدث معها فلوت زوجة عمها شفتيها بضجر وهتفت بحدة

- طب إيه اللي عايزه تدخليه
- أنا من حقي أكمل تعليمي، مش كده يا عمي؟ 

شرع عمها أن يجيبها، لكن سبقته زوجته حينما رمقته بنظرة نارية وهتفت بغيظ

- ياسين عايزاك في كلمتين 

تركت مقعدها ودلفت إلى غرفتها فلحق ياسين بها وهو لا يعرف كيف يتصرف، وما أن أغلق باب الغرفة، انفجرت زوجته في وجهه كالبركان الثائر

- بقولك إيه البت دي ملناش دعوة بيها، طب إيه اللي عايزه تدخله، ده ابنك بيعدي السنة بالعافية وبنتك بقالها سنتين بتسقط في الثانوية 
- بس البنت مبقلهاش مكان وما ينفعش أسيبها في الشارع

جزت زوجته على أسنانها وتطاير شرار الغضب من عينيها فقالت بحدة 

- إذا كان أبوها وأمها رموها هنشيل همها إحنا، وبعدين أحنا يادوب فاتحين البيت بالعافية ومش حمل مصاريف 
- بس

قاطعته قائلة بحدة وصوت عال: لا بس ولا ما بسش أبوها على قلبه فلوس بالكوم ورماها في الشارع جايه لموظف مرتبه ما بيكفهوش لنص الشهر

اتجهت صوب باب الغرفة وفتحته وتابعت بأعلى طبقات صوتها قائلة 

- إحنا مش ناقصين قرف، وبعدين أخوك الكل عارف فضحته مع عشيقته اللي كانت ماشيه معاه في الحرام والست أمها سارقه واحد من مراته وأكيد البت اللي بره طالعه زيهم 

وصلت كلماتها إلى مسامع وعد فانهمرت دموعها من جديد، اقترب منها ابن عمها وربت على كتفها بحنان فكفكفت دموعها وابتسمت له بالرغم من الألم الذي بعتصر قلبها... وما هي إلا دقيقة واحدة حتى حملت حقيبتها وغادرت المكان فخرجت زوجة عمها وهي تبتسم بانتصار فهتف ابنها بغيظ

- حرام عليكم 
- أخرس يا فاشل وغور على أوضتك، عايزها تقعد علشان تعقدكم وتفقع مرارتي، جتك خيبه 


**********

جلست وعد على الدرج وبداخلها ألم يعتصر قلبها وظلت تبكي وتبكي حتى جفت الدموع داخل عينيها فوقفت عن الدرج وحملت حقيبتخا ثم مضت وهي لا تعلم أي باب تطرق... فقد أُغلقت جميع الأبواب التي طرقتها في وجهها... والآن تغدو وحيدة... غريبة... شريدة ... تسألت في نفسها هل هي نهاية الطريق أم أنها البداية... تبا لقدر جعلها هكذا... تمضي ولا تعلم إلى أين تذهب أو إلى أي باب تلجأ.... هربت دمعة من عينها وتساقطت واحدة تلو الأخرى وظلت تمضي وتمضي حتى أصابها التعب فجلست على أحد الأرصفة وأجلست حقيبتها إلى جوارها، فقد أصبحت رفيقهتا الوحيدة في هذا الليل الدامس... وما هي إلا دقائق حتى أستندت على الحقيبة وغفت بالطريق كمن لا أمل له، ولا بيت له، ولا حياة له