سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Wednesday, July 10, 2019

جوري/ منى سليمان

July 10, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع - بقلمي منى سليمان 

* عتاب *  

في الثالثة عصراً عاد أدم إلى المنزل ليحصل على قسط من الراحة قبل العودة لإحضار لمياء من الجامعة... توقع رؤية جوري تجلس في انتظاره ولكن تحطمت جميع ظنونه عندما لم يجدها فزفر بضيق اعتقاداً منه أنها مازالت غاضبة... دلف إلى غرفته وألقى بكتبه على سطح المكتب ثم أراح جسده على الفراش وتذكر الحديث الذي دار بينهما فزفر من جديد ثم ترك الغرفة واتجه صوب خاصتها وطرق بابها عدة مرات دون جدوى فدلف إلى الداخل واندهش لعدم وجودها... أغلق الباب وبدأ يبحث عنها في أركان المكان حتى وصل إلى غرفة أحلام ووجد الأوارق والتحاليل الطبية الخاصة بها مبعثرة في كل مكان فردد بنبرة صوت تحمل الخوف بطياتها

- جوري

حمل مفتاح سيارته وركض كالإعصار ثم هبط الدرج واقترب من حارس العقار قائلاً 

- عم أمين ما شوفتش جوري؟ 
- خرجت من يجي ست ساعات قرب تسعة وكانت بتعيط ندهت عليها ما ردتش

شعر أدم باهتزاز الأرض تحت قدميه وللحظة تذكر قسوته ومعاملته الجافة معها فأكمل القدر ما فعله وسدد لها صفعة جديدة جعلتها تغادر بتلك الطريقة... استقل سيارته وقبل أن ينطلق طلب من الحارس عدم إخبار والدته وخالته بما حدث ثم انطلق بسرعة جنونية وبدأ يبحث عنها 

***

بمكان أخر... 
استيقظت فاتن وهي تشعر بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها فاعتدلت في جلستها بصعوبة ثم أخدت علبة سجائرها الموضوعة إلى جوارها وأشعلت واحدة ثم أخذت تنفس دخانها في الهواء وهي تتذكر العرض الذي قدمه الثري العربي للزواج منها، بدأت تشعل واحدة تلو الأخرى دون أن تتوقف عن التفكير، وبالنهاية أخذت قرارها برفضه حتى لا يقف أحد في الطريق الذي سلكته

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرة لمياء ووقفت في انتظار أدم، وعندما طال انتظارها أخرجت هاتفها وقامت بالاتصال فأجابها قائلاً 

- جوري معاكي؟ 
- الصبح قالت مش هتخرج، هو في حاجة؟ 
- لا هي خرجت تتمشى وأنا قلقان عليها، أرجعي البيت وأنا هجبها وأجي 

أنهى المكالمة في عُجالة وأكمل بحثه بينما قررت لمياء العودة إلى المنزل سيراً على الأقدام لتحصل على نزهة بمفردها... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة اقتربت منها سيارة وبداخلها مجموعة من الشباب وبدأ أحدهم في معاكستها فشعرت بالخوف وابتعدت مُسرعة لكنه لم يستسلم وترجل من السيارة ثم لحق بها وقبض على معصمها قائلاً 

- على فين يا عسل، تعالي بس وأنا هبسطك
- سيب أيدي يا حيوان بدل ما أصوت وألم عليك الناس
- ناس إيه ده الشارع ده بالذات مقطوع، هتيجي معايا بالذوق ولا؟ 

جحطت عينيها بفزع عندما لوح في وجهها بسلاح أبيض كان يخبئه بيده الأخرى، وسحبها خلفه حتى وصل إلى السيارة وحاول دفعها إلى الداخل فصرخت بأعلى طبقات صوتها وقاومت بشدة حتى توقفت سيارة إلى جوارها وترجل سائقها على الفور فتركها الشاب وأمر صديقه بالانطلاق

- أنتي كويسه؟ 

سألها مالك السيارة لكنها لم تجيبه فقد كانت على وشك السقوط أرضاً فسبقها وأمسك بيدها ثم اقترب من سيارته وفتح بابها وساعدها كذلك على الجلوس

- عملك حاجة؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي ثم همت أن تقوم فمنعها حينما تابع 

- خليكي لحد ما تحسي أنك كويسه وأنا هركن على جمب، ما تخافيش

أغلق بابها واتجه صوب الطرف الأخر ثم قاد السيارة وأوقفها بالفعل على جانب الطريق دون أن يتفوه بالمزيد، وما هي إلا دقائق حتى استعادت رباط جأشها وقالت برقة

- أنا متشكرة لحضرتك أوي، بعد إذنك
- هتمشي لوحدك أزاي وأنتي دايخة كده؟ 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها وأجابته: أنا كويسه 

لم تترك له فرصة للاعتراض وترجلت من السيارة ثم أوقفت إحدى سيارات الأجرة وأمرت سائقها بالانطلاق فتابع السيارة بعينيه حتى اختفت تماماً ثم أدار محرك سيارته لينطلق إلا أنه رأى دفترها الذي سقط من يدها فوضعه على المقعد المجاور له وأكمل طريقه

****
بعيادة الطبيب... 
كانت أحلام تجلس في انتظار مقابلة الطبيب وهي شاردة بشدة، فقد أكدت الأشعة والتحاليل جميع شكوك الطبيب والآن عليها تذوق ذات العذاب الذي عاشته لتحارب من أجل البقاء إلى جوار ابنتها... راقبتها فاطمة بصمت وهي تأسر دموعها بصعوبة فلا تعلم هل تواسي شقيقتها أم تطلق العنان لدموعها وبالنهاية ربتت على يد أحلام وقالت

- إحنا هنشيل الهم من دلوقتي ولا إيه؟ ما يمكن يقول علاج بدل العملية

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي أحلام لكنها لم تكن كأي ابتسامة فقد كانت محملة بالحسرة والألم ومع ذلك حمدت الله في نفسها فهي تعلم جيداً أن الله إذا أحب عبداً ابتلاه

***

في ذات اللحظة كان أدم يجوب الشوارع بسيارته بحثاً عن حبيبته الغاضبة منه ومن والدتها وكل من خبأ عنها مرض والدتها... كان يشعر بقلق لم يختبره يوماً فطفلته لم تغادر المنزل بمفردها من قبل والآن تغدو وحيدة... بحث بالشوارع المحيطة لمنزله وعندما لم يجدها قرر البحث في نطاق أوسع ولكن دون جدوى فأوقف السيارة على جانب الطريق وأخذ يضرب المقود مراراً وتكراراً ندماً على ما فعله معها ثم وضع رأسه بين كفيه ليفكر وظل على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها صوت جوري الذي تردد بقوة داخل أذنيه وتذكر عندما أخبرته بعشقها لمياه النيل فأدار محرك السيارة من جديد وقادها إلى كورنيش النيل أملاً أن يجدها

***

وصلت لمياء إلى منزلها وهي مازالت تحت تأثير الصدمة فاتجهت مُباشرةً إلى حمام غرفتها ودلفت إلى حوض الاستحمام بملابسها علها تنسى ما حدث معها تحت المياه الدافئة لكن ذلك لم يحدث فقد طاردتها ذكرى ما حدث وانهمرت دموعها بغزارة فجسلت تبكي وهي تحتضن جسدها لعدة دقائق ثم استردت أنفاسها وغادرت إلى فراشها... أراحت جسدها وتذكرت منقذها الذي ظهر من العدم كما تذكرت دفترها فانتفضت عن الفراش وأخذت تبحث عنه بجنون ولم تجده فتجددت دموعها حزناً على ضياعه فهذا الدفتر لا يفارقها منذ نعومة أظافرها ودونت به جميع خواطرها لذلك تحمله معها في أي مكان 

***

بعيادة الطبيب... 
انتهى الطبيب من مراجعة التقارير الخاصة بالأشعة والتحاليل ثم أزال نظارته الطبية ونظر إليها قائلاً 

- للأسف لازم يتشال بجراحة 

وجهت فاطمة نظراتها صوب شقيقتها ورأت السكون على قسمات وجهها فتابع الطبيب

- العملية لازم تتعمل في أسرع وقت علشان

قاطعته أحلام قائلة: فاضلي قد إيه أعيشه يا دكتور؟ 

اندهش الطبيب من سؤالها وهتف: مش فاهم قصدك

- أنا شلت ثدي وأخدت عشر جرعات كيماوي وزيهم إشعاع وشوفت أسوأ أيام حياتي ومبقاش عندي طاقة أعيد التجربة
- أنتي قصدك إيه؟ 

سألتها فاطمة بالرغم من توقعها الإجابة فأكدت أحلام كل ما يدور بخلد شقيقتها قائلة بصوت كساه الألم

- أنا مش هتعالج

وجهت نظراتها صوب الطبيب وكررت سؤالها فأجاب: أقل من ست شهور

- متشكرة لحضرتك، بعد إذنك

وقفت عن مقعدها لتغادر فلحقت بها فاطمة ومنعتها من المغادرة حتى أتها عنفتها وتشاجرت معها متناسية الزمان والمكان فتدخل الطبيب حينما طلب من فاطمة التوقف وطلب كذلك من أحلام أن تغاد وبمجرد أن نفذت رغبته نظر إلى فاطمة وقال

- هي حالياً تحت تأثير الصدمة والضغط مش هيفيدها بحاجة بالعكس هيزود ده فياريت تسبيها لحد ما تهدى وتاخد قرارها

حركت رأسها بالموافقة ثم لحقت بشقيقتها فوجدتها تجلس في انتطارها داخل السيارة فانضمت إليها وأمرت السائق بالانطلاق

***

في ذات الوقت أوقف أدم سيارته وترجل منها ثم بدأ يبحث عن طفلته بمنطقة كورنيش النيل، ولم تمض سوى دقيقة واحدة حتى رآها تجلس على أحد المقاعد العامة وشاردة بشدة فتنفس بعمق وحمد الله على وجودها ثم اقترب منها شيئاً فشيئاً حتى استقر خلفها وقال بصوت دافئ

- كنت هموت لو ضعتي مني

لم تجيبه ولم تلتفت إليه أيضاً فقد كانت كالمغيبة وكأنها بعالم غير عالمه ما زاد شعوره بالقلق فجلس إلى جوارها وتابع 

- جوري أنتي سمعاني؟ بصيلي علشان أطمن وبلاش تتكلمي، أما قلقان عليكي و

بتر كلمته عندما قالت وهي مازالت تنظر إلى مياه النيل: كلكم كدابين، كلكم ضحكتوا عليا، بكرهكم كلكم

ظلت تردد تلك الكلمات مراراً وتكراراً حتى فقدت وعيها فحملها أدم وركض باتجاه سيارته ثم وضعها بالداخل وأسرع بالركوب وكعادته انطلق بسرعة جنونية إلى أقرب مشفى، وبمجرد أن وصل إلى وجهته أوقف السيارة وحملها مرة أخرى ثم دلف إلى الداخل فقام المسعفون بحملها عنه وأغلقوا باب غرفة الطوارئ ليبدأ الطبيب في معاينتها... 
بالخارج أخذ أدم يجوب المكان ذهاباً وإياباً وبداخله قلق وخوف من فقدانها، بقى على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها الطبيب حينما اقترب منه وتساءل

- حضرتك قريبها؟
- ابن خالتها وفي حكم المخطوبين، طمني
- الإغماء نتيجة ضغط عصبي بس حالتها كويسة، هي فاقت وهتفضل معانا ساعة نطمن أكتر
- ممكن أشوفها؟ 
- مفيش مشكلة بس ياريت بلاش تتكلم في أي حاجة ممكن تزود الضغط العصبي

حرك أدم رأسه بالموافقة ثم دلف إلى الداخل فأشاحت بعينيها عنه وقبل أن يتحدث، سألته بنبرة صوت تحمل الحزن بطياتها

- كنت عارف أن ماما تعبانه؟ 
- جوري أنا 

قاطعته قائلة: كنت عارف يا أدم ولا لا؟ 

- كنت عارف بس والله العظيم هي اللي طلبت أنه يفضل سر علشان خايفه عليكي
- مالك يا ماما... تعبانه من الانيميا، يا ماما الأنيميا متعملش ترجيع... أصل معدتي فيها قرحة، طيب نروح نشوف دكتور... كشفت يا بنتي وباخد الأدوية، ما تشغليش بالك أنتي

كانت جوري تردد تلك الكلمات بطريقة هيسترية ثم أدارت وجهها إليه وأردفت بصوت كساه الألم

- وأنا كنت هبله وبصدق، كنت هبله وصدقتك لما وعدتني عمرك ما تخبي عني حاجة، كنت هبله لما صدقت أنك بتحبني وسبتك تتحكم فيا، كلمي دي وده لا وألبسي ده وده لا، ممنوع الألوان الفاتحه ملفته للنظر وأنا مش عايز خد يبصلك، ممنوع تضحكي بره البيت، مفيش خروج غير وأنا معاكي، وبعد ده كله أنا بالنسبالك ولا حاجة مجرد لعبة ملكك ومش مسموح لحد غيرك يلعب بيها ولا حتى ممنوع اعترض وأقول لا، صح يا أدم ولا أنا غلطانه؟ 
- جوري أنا بحبك، ممكن غلطت لما خبيت عليكي وغلطت في تحمكاتي بس والله العظيم خوف عليكي، أنتي بنتي وأختي وصحبتي وحبيبتي، أنتي نور عيوني، أغضبي وصرخي لكن أوعي تفكري أني مش بحبك، أنا بعشقك من قبل ما أشوفك

استمر الحديث بينهما لدقائق جاهد خلالها أدم في إثبات عشقه لها، بينما أكملت جوري العتاب فكانت كبركان خامل منذ عدة والآن ألقى حممه البركانية هنا وهناك وبقت على تلك الحالة حتى قاطعها دخول الطبيب وتفقد مؤشراتها الحيوية ثم نظر إليها وقال

- ألف سلامة عليكي، تقدري تروحي وقت ما تحسي أنك قادرة بس ياريت بلاش عصبية

قام بنزع المحلول الذي يغذي جسدها وغادر الغرفة فاقترب منها أدم وساعدها على الاعتدال وقبل أن تقوم عن الفراش اقترب منها بشدة وطبع على جبينها قبلة حانية وهتف

- أنا أسف، وأوعدك مش هزعلك تاني أبداً بس أوعي في يوم تمشي وتسبيني، مكانك هنا وبس

أمسك يدها ووضعها حيث قلبه فتعلقت أعينهم لدقائق تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام فرأى داخل عينيها غضب بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً ورأت هي العشق الساكن بقلبه فهدأت تماماً ومالت لتسند رأسها على صدره فانفجرت دموعها الحبيسة لتخرج كل ما بداخلها... شعر بالسعادة لوجودها داخل الملاذ الآمن الذي تحتاج إليه فأحاط جسدها بحنان وتركها تفرغ غضبها حتى لا يصيبها مكروه، وبعد مرور عدة دقائق كفكفت دموعها وطلبت منه المغادرة فنفذ رغبتها وساعدها على الذهاب إلى السيارة ثم انطلق عائداً إلى المنزل 

****

أوقفت سيارتها داخل أسوار الفيلا ثم ترجلت وهي لا ترغب في ذلك لكنها لا تستطيع رفض دعوة والدها... رحبت بها الخادمة ودعتها للدخول فترك فريد مقعده واقترب منها بسعادة ثم ضمها إليه بحنان فبادلته العناق قائلة

- وحشتني أوي Dad
- ولما وحشتك ما جتيش ليه؟ 
- يمكن مراتك تزعل ولا حاجة
- شمس بتحبك جداً فبلاش شغل الحموات ده 

صرت فاتن على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك بزوجة أبيها لكنها لم تُظهر ذلك وجلست إلى جوار أبيها فتساءل

- أخبار الجامعة إيه؟ ولا خلاص مبقاش ليها لزوم؟ 
- بليز دادي بلاش نبتدي بتريقة
- فاتن لازم تفهمي أن مستحيل حد في الدنيا دي يحبك قدي وكلامي خوف عليكي 
- عارفه ده و

توقفت عن إكمال كلماتها عندما رأت شمس تهبط الدرج واقتربت من فاتن ثم رحبت بها وعانقتها أيضاً لكنها بادلتها العناق بفتور فابتعدت شمس عنها وجلست على المقعد المقابل لزوجها... بعد مرور عدة دقائق انتهت الخادمة من إعداد المائدة فاصطحب فريد الجميلتان وبدأوا في تناول الطعام... كان مذاق الطعام مميز وأكلت فاتن بنهم لم تعتاد عليه فابتسم فريد وقال مازحاً 

- الدايت راح فين يا تونا؟ 
- الأكل الصراحة تحفة أوي يا دادي

أمسك فريد يد زوجته ورفعها إلى شفتيه ثم طبع على ظاهر كفها قبلة حانية وأكمل حديثه قائلاً 

- الأكل ده كله صممت شمس تطبخه بأيديها علشانك

توقف الطعام بحلق فاتن وشعرت بنيران الغيرة تتأكلها فلم تشعر بنفسها إلا وهي تسقط طبقها أرضاً ثم وقفت عن مقعدها وتحدثت بغيظ ملحوظ

- لازم أمشي، شكل الأكل وجعلي بطني 

لم تنتظر الرد وغادرت وهي تتمتم بكلمات وصل بعضها إلى مسامع فريد والبعض الأخر غير مفهوم فوقف عن مقعده ثم طبع قبلة على خصلات شعر زوجته واعتذر منها قائلاً 

- حقك عليا 

ربتت على يده الموضوعة على كتفها وهتفت: مفيش حاجة حصلت، حقها تغير عليك وبكرة تتعود

- ربنا يكملك بعقلك ويخليكي ليا

****

عاد إلى منزله حاملاً الدفتر الذي تركته بسيارته ثم جلس على أحد المقاعد وبدأ يطالع الدفتر عله يجد ما يوصله إليها حتى يعيده فعلم أسمها وعامها الدراسي من خلال قرأته للصفحات الأولى، وعندما تعمق أكثر علم أنه دفتر خاص بخواطر نثرية تكتبها منذ عدة سنوات فظهرت شبه ابتسامة على شفتيه ولكن سرعان ما بدأت الأفكار تجول في رأسه فألقى بالدفتر على المقعد المجاور له ثم اتجه صوب غرفته ليحصل على قسط من الراحة... خلال دقائق قليلة استسلم إلى النوم فطاردته الكوابيس كعادة كل يوم وشعر أنه على وشك الاختناق، وظل على تلك الحالة حتى انتفض جسده عن الفراش فاعتدل في جلسته ووضع رأسه بين كفيه في محاولة منه للعودة إلى طبيعته 

ومعانا بكرة شخصية جديدة حلووووووة بزيادة 💃💃💃💃💃

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Monday, July 8, 2019

جوري / منى سليمان

July 08, 2019 0
جوري / منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان 

* صدمة *   

مع الساعات الأولى للصباح تململ أدم في فراشه على صوت طرق على باب غرفته فابتسم بسعادة بعد أن فتح عينيه اعتقاداً منه أن الطارق جوري، فترك فراشه واتجه صوب الباب وفتحه ليجد أحلام أمامه

- صباح الخير يا أدم

قالتها فحك مؤخرة رأسه بأطراف أنامله وقال مازحاً: أفتكرتك جوري، بس ده ما يمنعش أني أقولك صباح الورد يا لولي يا عسل

ابتسمت أحلام على جنونه الذي لا يتوقف فبادلها بغمزة من عينه وتابع متسائلاً 

- القمر عايزني في إيه؟ 
- تعالى نقعد في البلكونة وأقولك

أفسح لها المجال لتمر فدلفت واتجهت صوب الشرفة وجلست على أحد المقاعد فلحق بها وجلس على المقعد المقابل لها، وقبل أن يسألها عن ما تريده سبقته دموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها فانتفض عن مقعده ثم ثنى ركبتيه وجلس أمامها والقلق يظهر بوضوح داخل مقلتيه وعلى قسمات وجهه

- مالك، قوليلي إيه حصل ولا حد زعلك في حاجة؟
- أنا عندي سرطان ثدي ولازم أعمل عملية في أقرب وقت، لأني من سنة بأجلها لحد ما جوري تاخد الثانوية والحمد لله أخدتها ومبقاش في وقت للتأجيل

عجز أدم عن الكلام فما سمعة مفاجأة من العيار الثقيل جعلته يفقد توازنه فجلس على أرض الشرفة واضعاً رأسه بين كفيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابعت حديثها معه وبمجرد أن انتهت وقف عن الأرض واقترب منها قائلاً 

- بأمر الله هتبقي كويسه وترجعي أحسن من الأول و

قاطعته قائلة بصوت أقرب إلى الرجاء: أوعدني أنها ما تعرفش دلوقتي وأوعدني تنفذ اللي طلبته منك

- أوعدك أني هعمل كل اللي طلبيته وأحميها العمر كله بس أرجوكي بلاش نبرة الحزن واليأس اللي في صوتك وخلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله، هقوم قبل ما جوري تصحى

وقفت عن مقعدها ثم ربتت على كتفه وغادرت فجلس وهو مازال تحت تأثير الصدمة وظل هكذا لعدة دقائق قطعتها جوري عندما دلفت إلى الغرفة وهي تشعر بالقلق فقد طرقت بابه أكثر من مرة دون أن يبادلها بالرد فاقتربت منه وقالت برقة

- أدم

أعاده صوتها العذب إلى أرض الواقع كما سرقه من أحزانه فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهتف

- عيونه
- صباح الخير

مد يده وجذبها بخفة لتجلس إلى جواره ثم أزال الخصلات الهاربة على وجهها ليرى عينيها بوضوح وقال

- صباح الورد، نمتي كويس؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم وتساءلت: مالك؟ أول مرة أخبط كتير كده وما تفتحش، سرحان في إيه؟ 

- فيكي

قالها بصوت دافئ ثم رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة جعلت نبضات قلبها تتسارع فوقفت عن مقعدها وتحدثت بتلعثم

- ها هروح أحضر الفطار

لم تنتظر رده وغادرت في عُجالة فابتسم على براءتها بالرغم من البركان الثائر بداخله فللمرة الأولى في عمره يشعر بهذا الكم من العجز أمام ما قالته أحلام فزفر بضيق ثم اتجه صوب حمام غرفته وأنعش جسده تحت المياة الباردة علها تخمد النيران المشتعلة بداخله

***

خيم الهدوء القاتل على مائدة الطعام وكان الصمت حليف الجميع عدا جوري التي تبادلت نظرات الاندهاش مع ابنه عمها لمياء فقالت الأخيرة بدون سابق إنذار

- وحدوووووه
- لا إله إلا الله 

رددوها في ذات اللحظة وبدأوا في تناول الطعام بل وبدأ أدم في مشاكستهن حتى لا تشعر طفلته بالسر الذي دفنه بداخله بالرغم من وعده لها منذ أكثر من عام آلا يخبئ عنها شيء 

****

بقصر فريد فهمي... 
جلست فاتن ووالدتها على مائدة الطعام فبدأت الأخيرة في تناول طعامها دون أن تعير عدم وجود زوجها أي اهتمام ففعلت ابنتها المثل لكنها توقفت عندما رأت الخادمة تهبط الدرج وهي تحمل شنطة سفر تعلم جيداً أنها تخص والدها فمالت على أذن والدتها وتساءلت

- هو دادي مسافر ولا إيه؟ 
- معرفش

ما أن توقفت عن الحديث هبط فريد الدرج ثم اقترب من فاتن وأخبرها أنه انفصل عن والدتها نهائياً في المساء فجحظت عينيها من هول الصدمة وقالت 

- كده يا دادي هتمشي وتسيبنا
- وجودي في حياتكم زي عدمه، أبقي خليكي مع مامي واعملي اللي يريحك ولما يجي يوم وتفوقي هتلاقي بابي مفتوح

أحاط كتفيها بذراعيه وقربها منه ثم طبع قبلة على جبينها وغادر كالإعصار الغاضب فوقفت فاتن ولا هي تستوعب ما حدث، وبقت هكذا حتى اقتربت منها والدتها وربتت على كتفها ثم تحدثت ببرود

- أوعي تزعلي، بكرة يرجع يتمنالي الرضا ومش كده وبس أنا هحققلك الحلم اللي نفسك فيه
- بجد يا مامي؟ 
- بجد يا عيون مامي 

لمعت عينيّ فاتن فرحاً وأخذت تدور حول نفسها في سعادة فقد منعها والدها من تحقيق حلمها واليوم رحل ليبدأ فصل جديد من فصول حياتها التافهة التي لا تقل انحدار عن حياة والدتها

***
في المساء...
غادرت جوري برفقة أدم لتتجول بشوارع القاهرة بينما دلفت لمياء إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقها سعد الذي يعمل بإحدى دول الخليج، فبقت أحلام بمفردها... بعد مرور عدة دقائق اقتربت منها فاطمة ثم ربتت على كتفها وقالت بعد أن جلست إلى جوارها 

- عملتي إيه مع أدم؟ 
- قولتله كل حاجة ووعدني هيحفظ السر لحد ما الأقي الوقت المناسب وأقولها، عموماً هي فاهمة أني مسافرة مع ماجدة وأحمد عمرة وقتها هعمل العملية ومش هرجع غير وأنا كويسة 

أغمضت فاطمة عينيها بأسى ولم ترغب في زيادة الضيق بقلب شقيقتها فرددت في نفسها 

- يا خوفي تعرف من بره وتتصدم

****

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل جلست جوري تراقب مياهه في صمت فتأملها أدم لدقائق دون أن يتفوه ولو بكلمة فقد كان يعلم كل ما يدور برأسها ومع ذلك لا يمكنه إخبارها

- سرحانة في إيه؟ 

أدارت وجهها إليه وكادت أن تجيبه إلا أنه سبقها وتابع مازحاً: بتحبي جديد ولا إيه؟ 

ابتسمت على جنونه ثم رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته: لا طبعاً أنا حبيت من زمان وادبست

- وادبستي!!! 

رددها بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون لكنه أسكتها بنظرة صارمة وأردف: لينا حساب في البيت على صوت ضحكتك 

أخفضت رأسها فبدت كطفلة صغيرة أفسدت شيئاً ما والآن على وشك العقاب فابتسم على هيئتها وتابع بجدية مصطنعة

- بصيلي
- لا 

قالتها بطريقة طفولية أسرة للقلوب فقال بصوت دافئ: علشان خاطري

رفعت رأسها قليلاً فتلاقت أعينهم في نظرة ساحرة كانت أصدق من الكلام، وخيم الصمت لدقائق قطعها عندما تساءل

- قوليلي بجد سرحانه في إيه؟ 
- ماما فيها حاجة ومش عايزه تقولي، وكمان هتسافر العمرة وأنا قلقانه عليها و

قاطعها قائلاً: يا قلبي أنتي مش متعودة تبعدي عنها وهي كمان فزعلانه وأنتي قلقانة

- لا يا أدم أنا بقالي شهور حاسة أنها مش زي الأول
- بطلي قلق ووسواس بقى وقولي يا أدم تاني كده

قالها بعد أن أسند يده أسفل وجنته فضحكت من جديد ضاربة عرض الحائط بنظراته المتوعدة فما كان منه إلا أنه شاركها الضحك بجنون ثم اصطحبها إلى الخارج وذهبا في نزهة على كورنيش النيل وتشابكت أيديهما طوال الطرق

*****

في صباح اليوم التالي استعدت جوري لبدأ رحلتها الجامعية وتحقيق الحلم الذي طالما تمنته... تناولت طعام الإفطار برفقة أسرتها فنست معهم التوتر الساكن بقلبها واستمدت كذلك القوة من حبيبها الذي بمجرد أن فرغ من طعامه اصطحبها بسيارته إلى الجامعة وقام في البداية بإيصال لمياء ثم مضى برفقة جوري إلى كلية الصيدلة وساعدها على الحصول على الجدول الخاص بمواعيد المحاضرات ثم ودعها ليغادر فشعرت أنها وحيدة كما شعرت برغبة ملحة في البكاء ولكن سرعان ما انتهى خوفها عندما شعرت به يقف خلفها ويقول

- إياكي تعيطي، أنا عندي محاضرة واحدة هخلصها وأجيلك، مفهوم؟ 

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها بعد أن استمدت منه الدفعة التي تحتاج إليها فلوحت بيدها مودعة ثم تنفست بعمق ودلفت إلى الداخل لتحضر أولى محاضراتها

***
عشقتكِ منذ نعومة أظافركِ...
وكلما مر عام ازداد الرابط بين قلبي وقلبكِ...

مر عامين كاملين تغير خلالهما الكثير عدا العشق الساكن بقلب أدم وطفلته جوري... 
تخطى أدم عامه الثالث بالجامعة بنجاح باهر وحافظ على تقديرة العام، وبالإضافة إلى ذلك لمع اسمه داخل الفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة وحصل على أدور البطولة في العديد من العروض
تعودت جوري على حياة الجامعة وتخطت عامها التمهيدي والأول بتقدير (جيد) ولكن بقى بداخلها ذات الشك بأن والدتها تخفي عنها أمراً
تخطت لمياء أيضاً السنة التمهيدية لكلية الطب وعامها الأول بنجاح باهر
حفظت فاطمة سر شقيقتها بالرغم من الألم الدفين بقلبها، بل وساعدتها على تخطي المحنة وساندتها في أصعب الأوقات
تحسنت حالة أحلام بعد أن أجرت الجراحة بالإضافة إلى تلقيها العلاج الكيميائي والإشعاعي، وكلما ظهرت عليها الأعراض الجانبية للدواء كانت تخبر جوري أن ما تمر به بسبب معاناتها مع فقر الدم الحاد بالإضافة إلى قرحة بالمعدة والأثنى عشر فكانت تُصدقها تارة وينتابها الشك تارة أخرى وبمرور الوقت تحسنت والدتها وعاد الأمل ليسري بداخلها من جديد
استقل فريد بحياته وتزوج من امرأةً تعرف عليها من خلال أحد أصدقائه القدامى وينعم الآن بحياة هادئة حصل من خلالها على مزيد من التألق في حياته المهنية
استمرت فاتن في الرسوب في الجامعة وذلك لانشغالاها في تحقيق ما تمنت وساعدتها والدتها بكل نفوذها لتثبت لزوجها السابق أنها كانت على صواب

***

في الواحدة ظهراً انتهت محاضرة أدم قبل موعدها بساعة كاملة فقرر الذهاب إلى جامعة جوري ليصطحبها إلى المنزل... خلال دقائق قليلة وصل إلى وجهته وبدأ يبحث بعينيه عنها فتطاير شرار الغضب منهما عندما رآها تقف برفقة مجموعة من الشباب فاقترب منها كالبركان النشط فكان على وشك الانفجار... قبض بعنف على معصمها وجذبها بدون سابق إنذار فحاول أحد زملائها منعه إلا أنه لم يهتم وأكمل طريقه ضاربًا عرض الحائط برغبتها في إفلات يدها وظل هكذا حتى وصل أمام السيارة وقال بحدة 

- إركبي 

سرت رعشة خوف في جسدها فدلفت إلى السيارة دون أن تتفوه ولو بكلمة وخلال دقيقة واحدة ركب إلى جوارها وانطلق بسرعة جنونية فسقطت دموعها بغزارة وتساءلت في نفسها ما الذنب الذي ارتكبته ليعاملني هكذا؟... من أين جاءت كل تلك القسوة؟... لِم لا يسمح لي بما يفعله دائماً فهو يتحدث مع زميلاته ويمنعني؟... 
ظلت الأسئلة تتردد داخل عقل جوري دون أن تجد إجابة فاستمرت في البكاء حتى أوقف السيارة بدون سابق إنذار وتابع رمي السهام المسمومة من فمه قائلاً بذات الحدة 

- ممكن أعرف إيه المسخرة اللي شوفتها من شوية؟! 

نظرت إليه بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء ورمقته بنظرة لم يستطع تفسيرها هل هي لوم أم حزن أم ندم فتابع

- كام مرة قولت شباب لا، كام مرة أتخانقت معاكي علشان كده وكمان أتخانقت مع اللي واقفين معاكي؟ 
- أنت ليه مصمم تلغي شخصيتي، من وأنا صغيرة دايماً تقولي أعملي وما تعمليش، ده مسموح وده ليه، ليه يا أدم مصمم تخليني ضلع تابع وبس، ليه

قاطعها قائلاً بحدة: ولا كلمة زيادة، أنتي ملكي أنا وأنا اللي أقول تعملي إيه وتروحي فين وتكلمي مين وتلبسي إيه، وده غصب عنك على فكرة 

جحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما سمعته، من هذا الوحش الكاسر وأين ذهب حبيبها؟ ما هذا التملك السافر وكيف يعاملها كجارية لا حول لها ولا قوة؟ فاقت من صدمتها عندما أدار محرك السيارة وانطلق بسرعة جنونية حتى وصل إلى العقار فترجلت دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم ركضت إلى الداخل ودموعها تنهمر على وجنتيها فلحق بها وقبل أن يقبض على معصمها سبقته ودلفت إلى غرفتها مغلقة الباب خلفها بالمفتاح 

*****

في ذات اللحظة كانت أحلام بعيادة الطبيب المتابع لحالتها للقيام بالكشف الدوري، تبدلت قسمات وجهه عندما استشعر وجود ورم بالثدي الأخر لكنه لم يظهر لها ذلك وطلب منها ارتداء ثيابها، وبمجرد أن فرغت اقتربت منه وتساءلت

- هاه يا دكتور، كله تمام؟ 
- كان نفسي أطمنك زي كل مرة بس

قاطعته فاطمة قائلة بقلق: بس إيه أتكلم أرجوك 

- أنا شاكك أن في ورم جديد في الثدي التاني

جحظت عينيّ أحلام وهي لا تصدق ما سمعته بينما وضعت فاطمة يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فتابع

- هنعمل رنين والتحاليل وأشوفك بكرة علشان نعرف هنعمل إيه

كانت أحلام كالمغيبة لا تسمع ولا ترى شيئاً فاقتربت منها فاطمة وساعدتها على النهوض ثم أمرت السائق بالانطلاق إلى مركز الأشعة والتحاليل

****

في المساء عادت أحلام تجر أذيال خيبتها واتجهت مُباشرةً صوب غرفتها فلحقت بها فاطمة وقالت

- ربنا حماكي مرة وأكيد هيقف جمب في التانية

ربتت أحلام على كف شقيقتها الموضوع على كتفها ثم أراحت جسدها على الفراش علها تفوق من الصدمة فتركتها فاطمة وذهبت لتطمئن على جوري ولمياء فوجدت الأخيرة تتابع دروسها بينما وجدت جوري نائمة كالملاك فجلست إلى جوارها على حافت الفراش ورددت في نفسها

- عيني عليكي يا بنتي، أبوكي مات وأمك بتعافر مع الدنيا علشان تفضل جمبك، ربنا يشفيها ويفرحها بيكي

وقفت عن الفراش وغادرت إلى غرفة أدم ووجدته نائماً هو الأخر فعادت إلى غرفتها ثم توضأت لتصلي ركعتين لله

****

في صباح اليوم التالي ساد الصمت داخل أركان المنزل... لم تغادر جوري غرفتها ولم تتناول الطعام أيضاً وكذلك والدتها، أما أدم فغادر إلى الجامعة مصطحباً لمياء فقط ليعاقب جوري على ذنب لم تقترفه فاندهشت فاطمة لكنها لم تعلق اعتقاداً منها أن جوري لن تداوم بالجامعة اليوم

- صباح الخير يا جوري
- صباح الخير، ماما صحيت؟ 
- جيت أصبح عليكي وهروح أشوفها علشان ورانا مشوار 

همت فاطمة أن تقوم حافة الفراش لكنها توقفت عندما سألتها جوري: هو أنتوا كنتوا فين امبارح ورايحين فين بدري كده؟ 

- أصل أمك هتطلع عمرة تاني مع ماجدة وأحمد
- بجد؟ 

تساءلت ببراءة ونبرة صوت تحمل السعادة بطياتها فشعرت فاطمة بغصة في قلبها إلا أنها لم تظهر ذلك وحركت رأسها لأعلى وأسفل قائلة

- بجد، هروح أصحيها

غادرت فاطمة إلى غرفة شقيقتها وقصت عليها ما قالته لجوري، وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انطلقت برفقتها إلى مركز الأشعة والتحاليل لتستلم النتيجة 

***

بالمنزل... 
ازداد شعور جوري بالحزن لرحيل أدم دون أن يعتذر منها أو يعترف بغلطه، فتركت غرفتها واتجهت صوب غرفته ثم أخذت تستنشق عبير عطره العالق بملابسه لكنها ما أن تذكرت حديثه ونبرة صوته الأمرة تركت الغرفة واتجهت صوب غرفة والدتها حيث تشعر بالأمان دائماً... جلست على حافة الفراش وأمسكت صورة والدها الموضوعة إلى جوارها وبدأت تتحدث إليه لتخبره بما حدث معها، وبمجرد أن أعادت الصورة إلى حيث كانت، وجدت بطاقة التعريف الخاصة بالطبيب ودُون بها اختصاصه كطبيب لجراحة الأورام فوضعت يدها على ثغرها وحركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة لرفض شكوكها فتركت الفراش وأخذت تبحث عن أي ورقة تخص والدتها وبالفعل وجدت مجموعة من التقارير الطبية يعود تاريخها إلى عامين مضوا فخرت قواها وسقطت راكعة، وبعد مرور عدة دقائق شعرت بالاختناق فتركت الشقة وركضت إلى المجهول

أمصيبتي 🙅🙆🤦🤦🙅😂😂😂 هي راحت فين، أتبخرت ولا إيه بصوت شلبي سولوفان 😂 محدش يدعي عليا المفروض تدعولي علشان حقيقي مخنوقه ومضايقة 😭😢

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلفجوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث - بقلمي منى سليمان 

* صدمة *   

مع الساعات الأولى للصباح تململ أدم في فراشه على صوت طرق على باب غرفته فابتسم بسعادة بعد أن فتح عينيه اعتقاداً منه أن الطارق جوري، فترك فراشه واتجه صوب الباب وفتحه ليجد أحلام أمامه

- صباح الخير يا أدم

قالتها فحك مؤخرة رأسه بأطراف أنامله وقال مازحاً: أفتكرتك جوري، بس ده ما يمنعش أني أقولك صباح الورد يا لولي يا عسل

ابتسمت أحلام على جنونه الذي لا يتوقف فبادلها بغمزة من عينه وتابع متسائلاً 

- القمر عايزني في إيه؟ 
- تعالى نقعد في البلكونة وأقولك

أفسح لها المجال لتمر فدلفت واتجهت صوب الشرفة وجلست على أحد المقاعد فلحق بها وجلس على المقعد المقابل لها، وقبل أن يسألها عن ما تريده سبقته دموعها التي انهمرت بغزارة على وجنتيها فانتفض عن مقعده ثم ثنى ركبتيه وجلس أمامها والقلق يظهر بوضوح داخل مقلتيه وعلى قسمات وجهه

- مالك، قوليلي إيه حصل ولا حد زعلك في حاجة؟
- أنا عندي سرطان ثدي ولازم أعمل عملية في أقرب وقت، لأني من سنة بأجلها لحد ما جوري تاخد الثانوية والحمد لله أخدتها ومبقاش في وقت للتأجيل

عجز أدم عن الكلام فما سمعة مفاجأة من العيار الثقيل جعلته يفقد توازنه فجلس على أرض الشرفة واضعاً رأسه بين كفيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابعت حديثها معه وبمجرد أن انتهت وقف عن الأرض واقترب منها قائلاً 

- بأمر الله هتبقي كويسه وترجعي أحسن من الأول و

قاطعته قائلة بصوت أقرب إلى الرجاء: أوعدني أنها ما تعرفش دلوقتي وأوعدني تنفذ اللي طلبته منك

- أوعدك أني هعمل كل اللي طلبيته وأحميها العمر كله بس أرجوكي بلاش نبرة الحزن واليأس اللي في صوتك وخلي أملك في ربنا كبير
- ونعمة بالله، هقوم قبل ما جوري تصحى

وقفت عن مقعدها ثم ربتت على كتفه وغادرت فجلس وهو مازال تحت تأثير الصدمة وظل هكذا لعدة دقائق قطعتها جوري عندما دلفت إلى الغرفة وهي تشعر بالقلق فقد طرقت بابه أكثر من مرة دون أن يبادلها بالرد فاقتربت منه وقالت برقة

- أدم

أعاده صوتها العذب إلى أرض الواقع كما سرقه من أحزانه فارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه وهتف

- عيونه
- صباح الخير

مد يده وجذبها بخفة لتجلس إلى جواره ثم أزال الخصلات الهاربة على وجهها ليرى عينيها بوضوح وقال

- صباح الورد، نمتي كويس؟ 

حركت رأسها كإشارة بنعم وتساءلت: مالك؟ أول مرة أخبط كتير كده وما تفتحش، سرحان في إيه؟ 

- فيكي

قالها بصوت دافئ ثم رفع كفها إلى شفتيه وطبع على ظاهره قبلة جعلت نبضات قلبها تتسارع فوقفت عن مقعدها وتحدثت بتلعثم

- ها هروح أحضر الفطار

لم تنتظر رده وغادرت في عُجالة فابتسم على براءتها بالرغم من البركان الثائر بداخله فللمرة الأولى في عمره يشعر بهذا الكم من العجز أمام ما قالته أحلام فزفر بضيق ثم اتجه صوب حمام غرفته وأنعش جسده تحت المياة الباردة علها تخمد النيران المشتعلة بداخله

***

خيم الهدوء القاتل على مائدة الطعام وكان الصمت حليف الجميع عدا جوري التي تبادلت نظرات الاندهاش مع ابنه عمها لمياء فقالت الأخيرة بدون سابق إنذار

- وحدوووووه
- لا إله إلا الله 

رددوها في ذات اللحظة وبدأوا في تناول الطعام بل وبدأ أدم في مشاكستهن حتى لا تشعر طفلته بالسر الذي دفنه بداخله بالرغم من وعده لها منذ أكثر من عام آلا يخبئ عنها شيء 

****

بقصر فريد فهمي... 
جلست فاتن ووالدتها على مائدة الطعام فبدأت الأخيرة في تناول طعامها دون أن تعير عدم وجود زوجها أي اهتمام ففعلت ابنتها المثل لكنها توقفت عندما رأت الخادمة تهبط الدرج وهي تحمل شنطة سفر تعلم جيداً أنها تخص والدها فمالت على أذن والدتها وتساءلت

- هو دادي مسافر ولا إيه؟ 
- معرفش

ما أن توقفت عن الحديث هبط فريد الدرج ثم اقترب من فاتن وأخبرها أنه انفصل عن والدتها نهائياً في المساء فجحظت عينيها من هول الصدمة وقالت 

- كده يا دادي هتمشي وتسيبنا
- وجودي في حياتكم زي عدمه، أبقي خليكي مع مامي واعملي اللي يريحك ولما يجي يوم وتفوقي هتلاقي بابي مفتوح

أحاط كتفيها بذراعيه وقربها منه ثم طبع قبلة على جبينها وغادر كالإعصار الغاضب فوقفت فاتن ولا هي تستوعب ما حدث، وبقت هكذا حتى اقتربت منها والدتها وربتت على كتفها ثم تحدثت ببرود

- أوعي تزعلي، بكرة يرجع يتمنالي الرضا ومش كده وبس أنا هحققلك الحلم اللي نفسك فيه
- بجد يا مامي؟ 
- بجد يا عيون مامي 

لمعت عينيّ فاتن فرحاً وأخذت تدور حول نفسها في سعادة فقد منعها والدها من تحقيق حلمها واليوم رحل ليبدأ فصل جديد من فصول حياتها التافهة التي لا تقل انحدار عن حياة والدتها

***
في المساء...
غادرت جوري برفقة أدم لتتجول بشوارع القاهرة بينما دلفت لمياء إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقها سعد الذي يعمل بإحدى دول الخليج، فبقت أحلام بمفردها... بعد مرور عدة دقائق اقتربت منها فاطمة ثم ربتت على كتفها وقالت بعد أن جلست إلى جوارها 

- عملتي إيه مع أدم؟ 
- قولتله كل حاجة ووعدني هيحفظ السر لحد ما الأقي الوقت المناسب وأقولها، عموماً هي فاهمة أني مسافرة مع ماجدة وأحمد عمرة وقتها هعمل العملية ومش هرجع غير وأنا كويسة 

أغمضت فاطمة عينيها بأسى ولم ترغب في زيادة الضيق بقلب شقيقتها فرددت في نفسها 

- يا خوفي تعرف من بره وتتصدم

****

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل جلست جوري تراقب مياهه في صمت فتأملها أدم لدقائق دون أن يتفوه ولو بكلمة فقد كان يعلم كل ما يدور برأسها ومع ذلك لا يمكنه إخبارها

- سرحانة في إيه؟ 

أدارت وجهها إليه وكادت أن تجيبه إلا أنه سبقها وتابع مازحاً: بتحبي جديد ولا إيه؟ 

ابتسمت على جنونه ثم رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته: لا طبعاً أنا حبيت من زمان وادبست

- وادبستي!!! 

رددها بطريقة تمثيلية فضحكت بجنون لكنه أسكتها بنظرة صارمة وأردف: لينا حساب في البيت على صوت ضحكتك 

أخفضت رأسها فبدت كطفلة صغيرة أفسدت شيئاً ما والآن على وشك العقاب فابتسم على هيئتها وتابع بجدية مصطنعة

- بصيلي
- لا 

قالتها بطريقة طفولية أسرة للقلوب فقال بصوت دافئ: علشان خاطري

رفعت رأسها قليلاً فتلاقت أعينهم في نظرة ساحرة كانت أصدق من الكلام، وخيم الصمت لدقائق قطعها عندما تساءل

- قوليلي بجد سرحانه في إيه؟ 
- ماما فيها حاجة ومش عايزه تقولي، وكمان هتسافر العمرة وأنا قلقانه عليها و

قاطعها قائلاً: يا قلبي أنتي مش متعودة تبعدي عنها وهي كمان فزعلانه وأنتي قلقانة

- لا يا أدم أنا بقالي شهور حاسة أنها مش زي الأول
- بطلي قلق ووسواس بقى وقولي يا أدم تاني كده

قالها بعد أن أسند يده أسفل وجنته فضحكت من جديد ضاربة عرض الحائط بنظراته المتوعدة فما كان منه إلا أنه شاركها الضحك بجنون ثم اصطحبها إلى الخارج وذهبا في نزهة على كورنيش النيل وتشابكت أيديهما طوال الطرق

*****

في صباح اليوم التالي استعدت جوري لبدأ رحلتها الجامعية وتحقيق الحلم الذي طالما تمنته... تناولت طعام الإفطار برفقة أسرتها فنست معهم التوتر الساكن بقلبها واستمدت كذلك القوة من حبيبها الذي بمجرد أن فرغ من طعامه اصطحبها بسيارته إلى الجامعة وقام في البداية بإيصال لمياء ثم مضى برفقة جوري إلى كلية الصيدلة وساعدها على الحصول على الجدول الخاص بمواعيد المحاضرات ثم ودعها ليغادر فشعرت أنها وحيدة كما شعرت برغبة ملحة في البكاء ولكن سرعان ما انتهى خوفها عندما شعرت به يقف خلفها ويقول

- إياكي تعيطي، أنا عندي محاضرة واحدة هخلصها وأجيلك، مفهوم؟ 

حركت رأسها بالموافقة وابتسامة ساحرة تزين ثغرها بعد أن استمدت منه الدفعة التي تحتاج إليها فلوحت بيدها مودعة ثم تنفست بعمق ودلفت إلى الداخل لتحضر أولى محاضراتها

***
عشقتكِ منذ نعومة أظافركِ...
وكلما مر عام ازداد الرابط بين قلبي وقلبكِ...

مر عامين كاملين تغير خلالهما الكثير عدا العشق الساكن بقلب أدم وطفلته جوري... 
تخطى أدم عامه الثالث بالجامعة بنجاح باهر وحافظ على تقديرة العام، وبالإضافة إلى ذلك لمع اسمه داخل الفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة وحصل على أدور البطولة في العديد من العروض
تعودت جوري على حياة الجامعة وتخطت عامها التمهيدي والأول بتقدير (جيد) ولكن بقى بداخلها ذات الشك بأن والدتها تخفي عنها أمراً
تخطت لمياء أيضاً السنة التمهيدية لكلية الطب وعامها الأول بنجاح باهر
حفظت فاطمة سر شقيقتها بالرغم من الألم الدفين بقلبها، بل وساعدتها على تخطي المحنة وساندتها في أصعب الأوقات
تحسنت حالة أحلام بعد أن أجرت الجراحة بالإضافة إلى تلقيها العلاج الكيميائي والإشعاعي، وكلما ظهرت عليها الأعراض الجانبية للدواء كانت تخبر جوري أن ما تمر به بسبب معاناتها مع فقر الدم الحاد بالإضافة إلى قرحة بالمعدة والأثنى عشر فكانت تُصدقها تارة وينتابها الشك تارة أخرى وبمرور الوقت تحسنت والدتها وعاد الأمل ليسري بداخلها من جديد
استقل فريد بحياته وتزوج من امرأةً تعرف عليها من خلال أحد أصدقائه القدامى وينعم الآن بحياة هادئة حصل من خلالها على مزيد من التألق في حياته المهنية
استمرت فاتن في الرسوب في الجامعة وذلك لانشغالاها في تحقيق ما تمنت وساعدتها والدتها بكل نفوذها لتثبت لزوجها السابق أنها كانت على صواب

***

في الواحدة ظهراً انتهت محاضرة أدم قبل موعدها بساعة كاملة فقرر الذهاب إلى جامعة جوري ليصطحبها إلى المنزل... خلال دقائق قليلة وصل إلى وجهته وبدأ يبحث بعينيه عنها فتطاير شرار الغضب منهما عندما رآها تقف برفقة مجموعة من الشباب فاقترب منها كالبركان النشط فكان على وشك الانفجار... قبض بعنف على معصمها وجذبها بدون سابق إنذار فحاول أحد زملائها منعه إلا أنه لم يهتم وأكمل طريقه ضاربًا عرض الحائط برغبتها في إفلات يدها وظل هكذا حتى وصل أمام السيارة وقال بحدة 

- إركبي 

سرت رعشة خوف في جسدها فدلفت إلى السيارة دون أن تتفوه ولو بكلمة وخلال دقيقة واحدة ركب إلى جوارها وانطلق بسرعة جنونية فسقطت دموعها بغزارة وتساءلت في نفسها ما الذنب الذي ارتكبته ليعاملني هكذا؟... من أين جاءت كل تلك القسوة؟... لِم لا يسمح لي بما يفعله دائماً فهو يتحدث مع زميلاته ويمنعني؟... 
ظلت الأسئلة تتردد داخل عقل جوري دون أن تجد إجابة فاستمرت في البكاء حتى أوقف السيارة بدون سابق إنذار وتابع رمي السهام المسمومة من فمه قائلاً بذات الحدة 

- ممكن أعرف إيه المسخرة اللي شوفتها من شوية؟! 

نظرت إليه بعينيّ ذبلت من كثرة البكاء ورمقته بنظرة لم يستطع تفسيرها هل هي لوم أم حزن أم ندم فتابع

- كام مرة قولت شباب لا، كام مرة أتخانقت معاكي علشان كده وكمان أتخانقت مع اللي واقفين معاكي؟ 
- أنت ليه مصمم تلغي شخصيتي، من وأنا صغيرة دايماً تقولي أعملي وما تعمليش، ده مسموح وده ليه، ليه يا أدم مصمم تخليني ضلع تابع وبس، ليه

قاطعها قائلاً بحدة: ولا كلمة زيادة، أنتي ملكي أنا وأنا اللي أقول تعملي إيه وتروحي فين وتكلمي مين وتلبسي إيه، وده غصب عنك على فكرة 

جحظت عينيها وهي تكاد لا تصدق ما سمعته، من هذا الوحش الكاسر وأين ذهب حبيبها؟ ما هذا التملك السافر وكيف يعاملها كجارية لا حول لها ولا قوة؟ فاقت من صدمتها عندما أدار محرك السيارة وانطلق بسرعة جنونية حتى وصل إلى العقار فترجلت دون أن تتفوه ولو بكلمة ثم ركضت إلى الداخل ودموعها تنهمر على وجنتيها فلحق بها وقبل أن يقبض على معصمها سبقته ودلفت إلى غرفتها مغلقة الباب خلفها بالمفتاح 

*****

في ذات اللحظة كانت أحلام بعيادة الطبيب المتابع لحالتها للقيام بالكشف الدوري، تبدلت قسمات وجهه عندما استشعر وجود ورم بالثدي الأخر لكنه لم يظهر لها ذلك وطلب منها ارتداء ثيابها، وبمجرد أن فرغت اقتربت منه وتساءلت

- هاه يا دكتور، كله تمام؟ 
- كان نفسي أطمنك زي كل مرة بس

قاطعته فاطمة قائلة بقلق: بس إيه أتكلم أرجوك 

- أنا شاكك أن في ورم جديد في الثدي التاني

جحظت عينيّ أحلام وهي لا تصدق ما سمعته بينما وضعت فاطمة يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فتابع

- هنعمل رنين والتحاليل وأشوفك بكرة علشان نعرف هنعمل إيه

كانت أحلام كالمغيبة لا تسمع ولا ترى شيئاً فاقتربت منها فاطمة وساعدتها على النهوض ثم أمرت السائق بالانطلاق إلى مركز الأشعة والتحاليل

****

في المساء عادت أحلام تجر أذيال خيبتها واتجهت مُباشرةً صوب غرفتها فلحقت بها فاطمة وقالت

- ربنا حماكي مرة وأكيد هيقف جمب في التانية

ربتت أحلام على كف شقيقتها الموضوع على كتفها ثم أراحت جسدها على الفراش علها تفوق من الصدمة فتركتها فاطمة وذهبت لتطمئن على جوري ولمياء فوجدت الأخيرة تتابع دروسها بينما وجدت جوري نائمة كالملاك فجلست إلى جوارها على حافت الفراش ورددت في نفسها

- عيني عليكي يا بنتي، أبوكي مات وأمك بتعافر مع الدنيا علشان تفضل جمبك، ربنا يشفيها ويفرحها بيكي

وقفت عن الفراش وغادرت إلى غرفة أدم ووجدته نائماً هو الأخر فعادت إلى غرفتها ثم توضأت لتصلي ركعتين لله

****

في صباح اليوم التالي ساد الصمت داخل أركان المنزل... لم تغادر جوري غرفتها ولم تتناول الطعام أيضاً وكذلك والدتها، أما أدم فغادر إلى الجامعة مصطحباً لمياء فقط ليعاقب جوري على ذنب لم تقترفه فاندهشت فاطمة لكنها لم تعلق اعتقاداً منها أن جوري لن تداوم بالجامعة اليوم

- صباح الخير يا جوري
- صباح الخير، ماما صحيت؟ 
- جيت أصبح عليكي وهروح أشوفها علشان ورانا مشوار 

همت فاطمة أن تقوم حافة الفراش لكنها توقفت عندما سألتها جوري: هو أنتوا كنتوا فين امبارح ورايحين فين بدري كده؟ 

- أصل أمك هتطلع عمرة تاني مع ماجدة وأحمد
- بجد؟ 

تساءلت ببراءة ونبرة صوت تحمل السعادة بطياتها فشعرت فاطمة بغصة في قلبها إلا أنها لم تظهر ذلك وحركت رأسها لأعلى وأسفل قائلة

- بجد، هروح أصحيها

غادرت فاطمة إلى غرفة شقيقتها وقصت عليها ما قالته لجوري، وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انطلقت برفقتها إلى مركز الأشعة والتحاليل لتستلم النتيجة 

***

بالمنزل... 
ازداد شعور جوري بالحزن لرحيل أدم دون أن يعتذر منها أو يعترف بغلطه، فتركت غرفتها واتجهت صوب غرفته ثم أخذت تستنشق عبير عطره العالق بملابسه لكنها ما أن تذكرت حديثه ونبرة صوته الأمرة تركت الغرفة واتجهت صوب غرفة والدتها حيث تشعر بالأمان دائماً... جلست على حافة الفراش وأمسكت صورة والدها الموضوعة إلى جوارها وبدأت تتحدث إليه لتخبره بما حدث معها، وبمجرد أن أعادت الصورة إلى حيث كانت، وجدت بطاقة التعريف الخاصة بالطبيب ودُون بها اختصاصه كطبيب لجراحة الأورام فوضعت يدها على ثغرها وحركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة لرفض شكوكها فتركت الفراش وأخذت تبحث عن أي ورقة تخص والدتها وبالفعل وجدت مجموعة من التقارير الطبية يعود تاريخها إلى عامين مضوا فخرت قواها وسقطت راكعة، وبعد مرور عدة دقائق شعرت بالاختناق فتركت الشقة وركضت إلى المجهول



ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Sunday, July 7, 2019

جوري/ منى سلبمان

July 07, 2019 0
جوري/ منى سلبمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني - بقلمي منى سليمان 

* جنون *   

على مائدة الطعام جلس أدم على المقعد المقابل لجوري على غير عادته، فهو دائم الجلوس إلى جوارها بل واعتاد إطعامها بيديه ليزيد من دلاله لها فهي طفلته وحبيبته وكل شيء بالنسبة إليه... شاكسها بنظراته وغمزاته وأحيانا قبلاته التي أرسلها إليها عبر الهواء كلما سنحت له الفرصة، فكانت تخجل تارة وتأسر ضحكتها تارة أخرى وبالنهاية فقدت السيطرة على ضحكتها التي انفلتت منها لا إرادياً فشاركها الضحك بجنون ما جعل فاطمة تقول بخبث

- ربنا يبسطكم كمان وكمان، هقوم أشوف أحلام أتأخرت ليه
- ياريتها جت معاكي، بخاف تسافر لوحدها
- ما تقلقيش يا قلبي هي كان لازم تخلص الورق كله بدل ما تبات ليلة كمان في القاهرة، هقوم أطمن عليها وأجي

صعدت فاطمة إلى غرفتها لتتحدث إلى شقيقتها عبر هاتفها النقال فاستغل أدم الفرصة وترك مقعده ثم جلس إلى جوار جوري ليطعمها كعادة كل يوم إلا أنها عقدت بين حاجبيها واصطنعت الغضب فسألها 

- قمري زعلان ليه؟ 
- أنت عارف أني بتكسف ومع ذلك عمال تعاكسني وطمطم قاعده
- طيب بزمتك القمر يبقى قاعد قدامي وما عاكسش

خفق قلبها بسعادة وأطالت النظر إليه لدرجة جعلتها تغرق في بحور عينيه الزرقاء كما غرق هو في مقلتيها الملونة بلون السماء وظلا هكذا حتى ابتسم أدم لرؤيته حمرة وجنتيها فتابع

- حاسس أني عايز أخبيكي جوايا
- أول مرة تقولي كلام حلو، دايماً بتزعقلي وتشخط وتنطر 

بدأت كلماتها بصوت دافئ وانتهت بغيظ فأسر ابتسامته بصعوبة وقال بصوت كساه العشق

- مقدرتش أسافر من غير ما اعترف بعشقي ليكي، من سبع سنين مفيش ليلة عيوني ما قابلتش عيونك 

أغمضت عينيها لتستمتع بعذوبة كلماته ولكن سرعان ما فاقت من سحر اللحظة عندما أردف

- وبالنسبة للشخط والنطر فأنا ممكن أقطع رقبتك لو شوفتك بتكلمي ولد ولا حتى عينك بالغلط بصت ليه، مفهوم؟ 

مطت شفتيها بضجر ثم وقفت عن مقعدها لتغادر فقبض على معصمها مانعاً إياها من المغادرة لكنها سحبت يدها وركضت مُسرعة قبل أن يمسك بها فراقبها وهي تصعد الدرج ثم ابتسم على غضبها الممزوج بالخجل

***

في العاشرة مساءاً وصلت أحلام إلى المنزل فركضت جوري باتجاهها وعانقتها... تضاربت المشاعر داخل أحلام بين السعادة لرؤية ابنتها والحزن لما حدث معها طوال اليوم فشددت في تقريبها لدرجة جعلت جوري تتأوه بخفوت

- آسفة يا عمري

قالتها أحلام ثم أبعدت جوري عنها وهي تأسر دموعها بصعوبة فتساءلت بقلق

- مالك يا ماما؟ 
- مفيش يا عمر ماما 

تسرب الشك أكثر إلى قلب جوري وشرعت أن تكرر سؤالها لكن سبقتها فاطمة عندما تدخلت في الحوار 

- ماما زي الفل يا جوري هي بس راجعه هلكانه من السفر، يلا أخرجي شوية في الجنينة مع أدم وهي هتطلع ترتاح

حركت رأسها بالموافقة ومضت برفقة أدم إلى الخارج بعد أن طبعت قبلة على يد والدتها... انتظرت فاطمة حتى تأكدت من مغادرة جوري ورمقت أحلام بنظرة تساؤل فهمتها الأخيرة جيداً وحركت رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد شكوك فاطمة التي وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق من بين شفتيها، وبمجرد أن استوعبت الصدمة جذبت أحلام إلى صدرها وهي تردد

- خلي أملك في ربنا كبير
- فوضت أمري ليه
- يلا أطلعي ارتاحي 

مسحت أحلام الدموع الساقطة على وجنتيها وصعدت الدرج إلى غرفتها، بينما جلست فاطمة على الأريكة وهي تكاد لا تصدق ما حدث 

***
بالخارج...
جلست جوري على أحد المقاعد وجلس أدم إلى جوارها وبدأ يثرثر معها كعادته لكنها كانت شاردة بشدة فتوقف عن الحديث وانتظر أن تنظر إليه أو تشعر بوجوده وذلك لم يحدث فوضع يده أسفل ذقنها وأدار وجهها إليه فأزالت يده وتساءلت بخجل 

- في حاجة؟ 
- سرحانه في إيه؟ 
- حاسه في حاجة ماما مخبياها عني، كمان من شهر حاسه أنها متغيرة، مش هي دي ماما، قلبي بيقولي في حاجة يا أدم

انطلق أسمه من بين شفتيها بنبرة صوت دافئة فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره فاعترضت في البداية لكنه تمسك بها حتى سكنت وشعرت بالأمان فقال بصوت هادئ

- طول ما أنا في قلبك ما ينفعش حاحة غيري تشغله، مفهوم؟ 

طبع قبلة على خصلات شعرها فابتعدت عنه وحمرة الخجل تصبع وجنتيها ولم تستطع أن تجيبه فكرر سؤاله بصوت أكثر دفئاً فحركت رأسها بالموافقة وأجابته

- حاضر، بس أوعدني لو شكوكي دي صح وأنت عارف في إيه هتقولي
- أوعدك أني عمري ما هخبي عليكي حاجة، أوعدك أنك حبي الأول والأخير، أوعدك بيتي الوحيد هو قلبك

ازدادت ابتسامتها اتساعاً وخفق قلبها مع كل كلمة من كلماته حتى أنها نست قلقها وتذكرته فقط فقاطع الصمت قائلاً 

- أنا بقول نقوم ننام بدل ما أعمل حاجة تزعلك مني

انتقل بنظراته إلى شفتيها فتعالت شهقاتها وركضت بكل ما أوتيت من سرعة فانفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته

***

رحل الظلام وأسدلت الشمس أشعتها الذهبية التي تنير الكون... في الثامنة والنصف استيقظ أدم واستعد للسفر إلى القاهرة، وما أن حزم أمتعته، ترك غرفته وطرق باب طفلته بخفة فأتاه صوتها العذب سامحاً له بالدخول... دلف إلى الغرفة بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبه المتسارعة وتفاجأ بروية دموعها التي كانت تنساب بغزارة على وجنتيها، وقبل أن يتفوه ولو بكلمة اقتربت منه بشدة وألقت بجسدها في صدره فازداد بكائها وتعالت شهقاتها، تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لوجود كل هذا العشق بقلبها، والحزن لرؤية دموعها فتغلب حزنه وأبعدها عنه قليلاً ثم أزال دموعها وتحدث بهدوء لم يعتاده من قبل

- خلاص يا عمري ما تعيطيش 
- هتوحشني أوي 
- هجيلك كل أسبوع وهقضي معاكي كل الأجازات 
- بجد يا أدم ؟

قالتها ببراءة وصوت دافئ غلبه البكاء، فابتسم لها وأزال الدمعة الساقطة عن وجنتها ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وأجابها قائلاً

- بجد يا قلب أدم، يا عمر أدم، يا حبيبة قلب أدم، خلي بالك من نفسك وذاكري كويس علشان تجيبي مجموع كبير زي ما وعدتيني وتدخلي صيدلة 
- حاضر، خد بالك من نفسك ولا إله إلا الله
- سيدنا محمد رسول الله

رفعها كفها إلى شفتيه وطبع على باطنه قبلة عميقة فخجلت كعادتها وسحبت يدها ثم قالت بتلعثم

- ها ها هروح أججج أجهزلك الفطار

ركضت مبتعدة فتابعها بعينيه حتى اختفت تمام ثم ضيق بين حاجبيه وتمتم في نفسها

- على قد ما بحب خجلك، على قد ما نفسي تنسيه وأنتي معايا 

****

بالقاهرة...
استيقظت فاتن على صوت الخادمة فزفرت بضيق ثم اعتدلت في جلستها استعداداً لتوبيخ الخادمة كعادة كل يوم لكن الأخيرة سبقتها وقالت 

- أستاذ فريد منتظر حضرتك تحت وبيقول عايزك ضروري 

زفرت فاتن من جديد وأشارت بيدها لتغادر الخادمة ثم تركت فراشها بصعوبة ودلفت إلى الحمام لتنعش جسدها تحت المياه... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة تركت غرفتها وهبطت الدرج ثم اقتربت من والدتها وعانقتها 

- Bonjour MaMa
- Bonjour Darling 

جلست فاتن على المقعد المجاور لوالدتها على مائدة الطعام واندهشت لعدم وجود والدها فارتشفت القليل من فنجان القهوة الموضوع أمامها ثم نظر إلى والدتها وتساءلت

- أمال فين دادي؟ 
- جاله مكالمة مهمة و

توقفت سهيلة عن إكمال كلماتها عندما رأت فريد يقترب فتركت فاتن مقعدها وتقدمت من والدها ثم عانقته وبادرت بتحية الصباح إلا أنه كان عابساً بشدة فأزال يديها اللتان تحيطان عنقه ورمقها بنظرة نارية فابتلعت ريقها بصعوبة وتابعت 

- في حاجة يا دادي؟ 
- في أنك بقالك سنتين بتسقطي في الجامعة والمفروض خلال أيام هيبدأ الترم وأنتي برضو كل يوم سهر مع أصحابك ورجوع متأخر وطبعاً بتصحي بعد العصر

نظرت فاتن على والدتها بعد أن لوت ثغرها بضجر فهمت أن تدافع عن ابنتها التي أفسدها الدلال، لكن سبقها فريد وأردف

- بوصيلي أنا يا فاتن لأن أنا اللي بكلمك مش ماما، من النهارده مفيش سهر ولا تأخير بره البيت المفروض دلوقتي تكوني في سنة تالتة وانتي لسه في سنة أولى فياريت ما اضطرش أعيد كلامي تاني ده لو عايزاني أشغلك معايا، مفهوم؟ 
- Ok Dad, I'll try (حسناً سأحاول) 

قالتها بغيظ وكأنها على وشك الانفجار ثم صعدت الدرج لتكمل نومها وكأن شيئاً لم يكن فجلس فريد على مقعده وهو يشتعل غضباً ثم حدق زوجته بنظرة نارية وقال

- كله من دلعك فيها، قولتلك ألف مرة بنتك محتاجة وجودك لكن خلاص شغلك أكل دماغك
- وليه مش تتفرغلها أنت وأنا اشتغل، عموماً أنا كمان نفسي أتسدت وهمشي

حملت حقيبتها وغادرت دون أن تتفوه بالمزيد فكور فريد قبضته ثم ضرب بها المنضدة لينفس عن غضبه، وبمجرد أن تمالك أنفاسه حمل مفتاح سيارته وغادر هو الأخر 

****

في الظهيرة وصل أدم إلى منزل العائلة بالقاهرة ليبقى على مقربة من الجامعة، دلف إلى الشقة التي رتبتها والدته وأصبح لا ينقصها شيء، حتى أنها أعدت له مجموعة من أكلاته المميزة التي قد تكفيه لمدة لا تقل عن عشر أيام... دلف إلى الداخل ووضع حقائبه على أقرب بقعة وقبل أن يغلق بابه أخرج الهاتف من جيب سرواله ليتحدث إلى الجنية التي شعر بالحنين إليها منذ اللحظة الأولى لوداعها، كان الحوار بينهما مفعم بمشاعر العشق والاشتياق، أمطرها بكلمات عشقه وبادلته بكلمات الحنين حتى أنها بكت من شدة شوقها إليه فشاكسها كعادته لتختلط دموعها بابتسامة تمنى رؤيتها... 
بعد مرور ثلاث أيام بدأ أدم دراسته بكلية الهندسة جامعة القاهرة وبعد مرور ما يقارب الأسبوعين التحق بالفرقة المسرحية الخاصة بالجامعة ليحقق حلمه في امتهان التمثيل إلى جانب الدراسة...
بمرور الأيام تعود أدم على حياته الجديدة وكان يعود إلى طفلته في نهاية كل أسبوع، كما قضي معها جميع العطلات كما وعدها، أما هي فكان الحنين إليه قاتل وكأن روحها لا تعود إلا بوجوده واهتمت كذلك بدروسها كما وعدته لتحصل على مجموع يؤهلها للالتحاق بكلية الصيدلية وتبقى إلى جواره بالقاهرة... أصبح الجميع يعلم بالعشق الذي نمى ومازال ينمو داخل قلبيهما وباركت فاطمة وأحلام ذلك

***

مر العام الدراسي بسلام وتخطى أدم سنته الأولى بتقدير (جيد جداً) كما حققت جوري نجاحاً باهراً وقررت السفر إلى القاهرة برفقة والدتها وخالتها لتقديم أوراق التحاقها بكلية الصيدلة، وقررت لمياء أيضاً السفر لتلتحق بكلية الطب جامعة القاهرة... 
أما فاتن فرسبت للمرة الثالثة على التوالي ما أشعل غضب والدها فأمر رجال الأمن بمنعها من الخروج في حالة عدم وجوده بالقصر، وكالعادة تدخلت والدتها ولغت جميع قراراته لتفعل فاتن ما يحلو لها من جديد

***

بعد مرور شهرين حزمت جوري حقائبها لتسافر إلى القاهرة وكانت سعادتها عارمة لأنها على وشك رؤية حبيبها الذي سبقها وسافر منذ خمس أيام... في الظهيرة توقف السائق أمام منزل العائلة بمنطقة الدقي بالقاهرة فترجلت جوري في عُجالة ثم صعدت الدرج إلى الشقة حيث ينتظرها والشوق يتأكله

- وحشتيني جداً جداً جداً 

قالها أدم بسعادة فابتسمت له ولم تستطع أن تجيبه من شدة خجلها لكنه لم يهتم لخجلها وجذبها إلى صدره فتمسكت به وكأنها وجدت بر الأمان بعد طول انتظار، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ابتعدت عنه والحمرة تسيطر على وجنتيها فأردف قائلاً

- الجميل لسه بيتكسف مني 
- بس بقى يا أدم
- ههههه حاضر يا

قاطعته فاطمة قائلة: كفاية سلامات يا باشمهندس وتعالى دخل الشنط 

اقترب من والدته وطبع قبلة على ظاهر يدها وفعل المثل مع أحلام كما رحب بلمياء ثم حمل الحقائب إلى الداخل وعاد خلال دقائق قليلة ليسلط أنظاره على طفلته فبادلته نظرات العشق لدقائق قطعتها فاطمة من جديد حينما قالت

- أعمل حسابك هتروح بعد بكرة توصل البنات للجامعة وتطمن عليهم لأنهم من النهارده مسئوليتك
- حاضر يا ست الكل

قالها وهو مازال يوجه نظراته صوب جوري فوكزته فاطمة في كتفه وتحدثت بمشاكسة

- لم نفسك بدل ما أرميك في شقة أحلام لوحدك 

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامع جوري، ازداد خجلها بينما ابتسم أدم ونظر إلى والدته ثم غمز لها وقال بمشاكسة

- مين ده تالي يقعد في شقة تانية ده أنا قتيل هنا، مش كده يا لولي؟ 

وجه أدم كلماته الأخيرة إلى أحلام والدة جوري ثم اقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها واستطرد قائلاً

- هتجوزيهالي يا لولي؟
- ههههه هجوزهالك يا عين لولي وأقعد براحتك وسيبك من أمك
- ينصر دينك يا لولي 

قالها بعد أن اقترب من طفلته وأمسك يدها ثم نظر في عينيها بعشق وتابع بصوت دافئ

- يلا يا قمر هعزمك على الغداء بره بالعند في طمطم
- خدوا لمياء معاكم

ابتسمت لمياء واقتربت من فاطمة ثم قالت بمشاكسة : لا أنا هقعد معاك يا جميل 

قالتها ثم نظرت إلى أدم وغمزت بعينها اليسرى، فقبض يده برفق على معصم جوري وانطلق إلى وجهته بينما دلفت لمياء إلى غرفتها ثم اتجهت صوب الشرفة لتسمتع برؤية سحر شوارع القاهرة... وبالخارج جلست فاطمة إلى جوار شقيقتها ثم ربتت على كتفها وتساءلت

- أحلام هتقولي لجوري أمتى؟
- مش عارفه 
- بس بنتك من حقها تعرف 
- عارفه بس مش عايزه أضايقها وخبر زي ده هيخليها تنهار وهي فرحانه بالجامعة

قالتها أحلام ثم تساقطت دموعها بغزارة على وجنتيها، فضمتها شقيقتها إلى صدرها

- ربنا عنده الحل يا أحلام، سلميها لله أحن من الكل 
- ونعمة بالله 

***
في أحد المطاعم الفخمة.... 
دلف أدم ممسكاً يد حبيبته ثم سحب لها مقعداً فابتسمت له وجلست.
 فجلس هو على المقعد المقابل لها وأخذ يتأمل ملامح وجهها البرئ لدرجة أخجلتها

- وحشتيني 

قالها بنبرة صوت هادئة تحمل العشق والاشتياق فبادلته بابتسامة ساحرة وهتفت برقة 

- وأنت كمان وحشتني 

قالتها ثم أطالت النظر في عينيه وتساءلت: هتفضل تحبني على طول؟ 

- طبعاً أنتي حب عمري كله 
- ربنا يخليك ليا 
- ويخليكي ليا يا أجمل وردة حمراء في حياتي 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 07, 2019 0
جوري/ منى سليمان





جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء 

الفصل الأول - بقلمي منى سليمان 

* مشاعر *  

بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ على خير
مواعيد النشر من السبت إلى الأربعاء الساعة ٥ عصراً 

يقولون القدر يُرسل لنا في العمر حبيب ليكون العشق الأول والأخير، والحب الحقيقي فقط هو الذي يتخطى كل الصعاب..... فهل يتخطى عشقهم الصعاب، أم للقدر رأي آخر؟؟؟.....

                                        ****

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة انطلق صوت آلة التنبيه فاستيقظت فاطمة وغادرت فراشها لتذهب إلى غرفة ابنها الوحيد لكنها توقفت لتشاهد تساقط زخات المطر... اقتربت من شباك غرفتها وتذكرت زوجها الراحل فقد كان عاشقاً للمطر بقدر عشقه لها فارتسمت ابتسامتة على ثغرها ثم تنهدت باشتياق وغادرت وفي أقل من دقيقة تقدمت من صغيرها فاستيقظ على صوتها ومع ذلك لم يستطع فتح عينيه كعادته فقالت بصوت دافئ

- أدم يا  حبيبي يللا أصحي أتاخرنا لسه قدامنا الطريق طويل لحد المطار

اعتدل أدم في جلسته ثم مط شفتيه بضجر وقال بغيظ: أنا مش قادر أقوم يا ماما عايز أنام روحي أنتي لوحدك  

جلست فاطمة على حافة فراشه ثم أزالت الغطاء عن جسده وتحدثت بحدة مصطنعة 

- يا ابني قوم ربنا يهديك هنتأخر وعمك أحمد تحت مستني في العربية

اعتدل في جلسته ثم فرك جبينه بأطراف أنامله وبعد دقائق قليلة من التفكير سألها ببراءة 

- هما هيجوا يعيشوا معانا في العزبة ليه هما مالهمش بيت يعني ؟

- ما هو ده بيتهم برضو والعزبة دي بتاعت باباك وأعمامك، أنا وباباك أتجوزنا وعيشنا مع أختي أحلام وعمك أنور في البيت ده علشان يراعوا العزبة، وكان عمك أحمد وماجدة وقتها عايشين في القاهرة وبيجوا زيارة كل فترة وكان معاهم سعد عمر سنتين تقريباً، بس لما حملت فيك خالتك أحلام سافرت مع عمك السعودية وبقالهم حوالي عشر سنين هناك، قالوا هيجوا كل سنة شهر واحد بس وما جوش من ساعة ما خالتك ولدت جوري وأهي جوري دلوقتي عندها تقريباً تسع سنين

قالت فاطمة كلماتها وهي تساعد طفلها على إبدال ثيابه، لكنه لم يتوقف عن التساؤل فكانت تبتسم على براءته تارة، وتعقد بين حاحبيها لفضوله تارة أخرى، وبمجرد أن انتهت من مساعدته اعتلى الفراش وتابع

- طيب هما ليهم بيت في القاهرة زينا؟
- أيوه يا لمض العمارة كلها بتاعت باباك وعمامك الاثنين وكل واحد ليه شقه وباقي الشقق اتباعت من سنين
- طيب ليه ما نروحش نعيش هناك زي الاول، أحسن من العزبة؟

رفعت فاطمة أحد حاجبيها ورمقت أدم بنظرة اندهاش وتساءلت في نفسها متى كبر صغيري وأصبح كثير السؤال؟، ابتسمت بسعادة ثم اقتربت منه وضمته إلى صدرها قائلة بحنان 

 - لما تكبر وتبقي راجل وتقدر تاخد بالك مني هنرجع نعيش هناك
- طيب هيرجعوا ليه بقي؟
- علشان عمك أتوفى ومش هينفع يعيشوا لوحدهم 

ابتعد الصغير عن صدر والدته ثم اعتلى الفراش مرة أخرى وأخذ يقفز فوقه وهو يردد بسعادة 

- أكيدجوري هتيجي معاها، صح؟

ابتسمت فاطمة على حال طفلها ثم قررت مشاكسته فأجابته بمشاكسة: لا يا حبيبي خالتك هتسيبها في الشارع قبل ماتيجي

جحطت عينيه وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فاختفت نظرة السعادة التي كانت تسكن مقلتيه منذ لحظات وحل مكانها نظرة حزن تبعها سؤال نابع عن خيبة أمله

- ليه هترميها؟ دي في الصور حلوة أوي وكنت هقولك جوزيهالي لما أكبر 

انفجرت فاطمة ضاحكة حينما وصلت كلمات طفلها البرئ إلى مسامعها، ثم جذبيته إلى صدرها وطبعت قبلة على خصلات شعره وأخبرته أن حديثها مجرد دعابة فبادلها العناق بعد أن أخبرها بمقدار حبه لها فشددت في احتضانه ثم ابتعدت وغادرت الغرفة لتبدل ثيابها.. وبعد مرور عدة دقائق غادر أدم برفقة والدته وعمه إلى مطار القاهرة لاستقبال أحلام وابنتها جوري...
في ذلك الوقت كان أدم يبلغ من العمر عشر سنوات وجوري تسع،  توفي والد أدم منذ ما يقارب السبع سنوات في حادث سير بينما توفي والد جوري منذ شهرين جراء هبوط مفاجئ بالدورة الدموية ودُفن بالسعودية فقررت زوجته العودة لتبقى بالقرب من شقيقتها 

*****

بالطائرة... 
جلست الصغيرة على المقعد المجاور لوالدتها وهي تشعر بالخوف فربتت أحلام على كفها الصغير لتطمئنها فبادلتها جوري بابتسامتها الأسرة للقلوب وتساءلت ببراءة 

- ماما هو أدم هيلعب معايا؟ 

مسدت أحلام بباطن كفها على خصلات شعر طفلتها وأجابتها بحنان:  طبعا يا قلبي هيلعب معاكي ولمياء وسعد ولاد عمك أحمد كمان هيلعبوا معاكي

- وهنفضل هناك على طول؟ 
- أه يا روحي هنعيش معاهم على طول
- طيب

قالتها الصغيرة ثم أسندت رأسها على ذراع والدتها وغفت في أقل من دقيقة فتأملتها أحلام لدقائق وهي تشعر بالحسرة لرحيل حبيبها وسندها في الحياة كما حدث مع شقيقتها فاطمة 

****

بعد مرور ساعتين وصل أدم إلى مطار القاهرة وجلس إلى جوار ووالدته في انتظار الطفلة التي طالما تمنى رؤيتها... وما هي إلا دقائق حتى رآها تقترب فابتسم وترك مقعده ثم تقدم منها وتحدث ببراءة

- أنتي أحلى من الصورة 
- أنت أكيد أدم، أنا بشوف صورتك كل يوم 

ابتسمت أحلام واقتربت من أدم وضمته إلى صدرها ثم ابتعدت عنه وألقت بجسدها في صدر شقيقتها وانهمرت دموع كل واحدة منهن كالشلال فتحدث أحمد بثبات بالرغم من رغبته هو الأخر في البكاء 

- وبعدين معاكم كده العيال هتخاف
- أزيك يا أحمد؟ 
- أنا بخير، مصر نورت ومن النهارده جوري بنتي وزي ما ربيت أدم هربيها 

تمسك أحمد بثباته وهو يتحدث بالرغم من الألم الساكن بداخله فقد رحل شقيقيه بدون وداع وترك كل واحد منهما أسرته لذلك أقسم أن يرعى أدم وجوري كما يرعى أولاده 

*****

غادروا جميعاً مطار القاهرة الدولي واستقلوا السيارة عائدين إلى العزبة الخاصة بالعائلة فجلس أدم إلى جوار جوري وتبادلا أطراف الحديث لدقائق 

- من النهارده هتفضلي معايا على طول وهنلعب سوا وهتروحي المدرسة معايا كمان
- ماشي، أنا معايا شيكولاته تاخد؟ 
- لا كليها أنتي كلها 

بدأت جوري في تناول الحلوى فمالت أحلام على شقيقتها وقالت بصوت خفيض

- ابنك طالع شقي زي أبوه الله يرحمه، ربنا يخليهولك
- ويخليلك جوري وأعملي حسابك أنا حجزت 
- وأنا موافقة 

****

في صباح اليوم التالي استيفظت جوري على صوت الحمام الواقف على شباك غرفتها فتركت فراشها واتجهت صوب الشباك وأخذت تتأمل جمال الطبيعة، وما أن تساقطت الأمطار تركت غرفتها واتجهت صوب حديقة البيت وأخذت تدور حول نفسها في سعادة... رآها أدم من شباك غرفته، فترك غرفته هو الأخر وهبط الدرج وخلال لحظات غادر المنزل كالإعصار وجذبها من يدها ثم. أدخلها إلى المنزل ووضع عليها الغطاء الذي أحضره من غرفته حتى لا تصاب بالزكام 

- أنتي يا مجنونة تتعبي
- مش مهم، أنا بحب المطر أوووووي
- أطلعي غيري هدومك علشان أوديكي بيت عمي، ماما وخالتي هناك
- حاضر 

صعدت الصغيرة الدرج واتجهت صوب غرفتها وهي مبللة بالكامل فأبدلت ثيابها وعاد إلى أدم ثم مضت معه إلى منزل العم أحمد، وهناك قابلت لمياء ابنة عمها وشقيقها الأكبر سعد

- أنا جوري
- وأنا لمياء 
- ممكن نبقى أصحاب؟ 
- لا نبقى أخوات 
- ماشي موافقة، تعالي نلعب

مضت جوري برفقة لمياء تاركة أدم فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً... فبالرغم من عمره الذي لا يتعدى العشر سنوات، إلا أنه شعر بالمسئولية تجاه وردته الحمراء التي تمنى رؤيتها منذ سنوات 

***

في القاهرة.... 
تحديداً داخل أحد القصور الفخمة، تململت فاتن صاحبة الثلاثة عشر عاماً في فراشها بكسل ثم اعتدلت في جلستها وضغطت الزر الموضوع إلى جوار فراشها... وخلال دقائق قليلة دخلت الخادمة وكادت أن تتحدث، لكن سبقتها فاتن وسألتها بحدة وصوت عال

- أنتي يا زفتة أتاخرتي ليه؟!! 
- أنا كنت

قاطعتها فاتن عندما رفعت كفها في الهواء لتأمرها بالتوقف وثم تحدثت بحدة 

- أخرسي وما تقرفنيش على الصبح، وغوري جهزيلي الحمام وخلي الشوفير يجهز العربية علشان رايحه النادي 
- والمدرسة؟ 
- وانتي مال أهلك، غوري أعملي اللي قولت عليه جتك القرف

غادرت الخادمة وهي تكتم دموعها بصعوبة ثم أتجهت صوب الحمام وجهزت ما أمرت به تلك الطفلة المتعجرفة، وبمجرد أن انتهت، دلفت إلى المطبخ وانفجرت دموعها كالشلال، فربتت الخادمة الأخرى على كتفها وقالت بحنان

- معلش عيله ومش فاهمه
- كل يوم إهانة وقرف
- زي أمها بالظبط، بس الأستاذ فريد طيب مش زيهم خالص
- أنا هسيب الشغل
- أعقلي عندك بيت مفتوح، وأنا هكلم الاستاذ فريد يعقلها لكن تسيبي الشغل مستحيل

حركت الخادمة رأسها كإشارة بالموافقة ثم مسحت دموعها وغادرت المطبخ متجهة إلى الخارج لتطلب من السائق تجهيز السيارة 

***

بعد مرور عدة أيام التحقت جوري بالمدرسة التي يرتادها أدم وكذلك لمياء وسعد وتحمل أدم مسئولية وردته الحمراء منذ اليوم الأول، فأصبح يخشى عليها من نسمات الهواء وكان يحميها من نظرات الجميع.... ضُرب لأجلها عدة مرات وتشاجر بسببها أيضاً عدة مرات فلم يكن يسمح لأي صبي بالاقتراب منها وكأنها ملكيته الخاصة والوردة الوحيدة في بستان قلبه... 
بمرور الأيام والسنوات لم تتبدل مشاعر أدم بل زاد ارتباطه بجوري فأصبحت تشعر في قربه فقط بالأمان... 

****

يا أجمل زهرة في بستان قلبي... 
لا تتهميني بالجنون يا كل عمري... 
فحبيبكِ من النسمة الملامسة لخصلاتكِ يغار... 
وعلى استعداد تام لقتل أحدهم وقد اخلف الدمار... 

ردد أدم تلك الكلمات في نفسه وهو ينظر إلى الصبية الفاتنة التي لم تتحدث إليه طوال الطريق فأمر السائق بالتوقف ثم نظر إليها وقال بهدوء 

- تعالي ننزل شوية نتمشى
- لا

قالتها دون أن تنظر إليه ثم تابعت: أطلع يا عمو مجدي على البيت

كاد السائق أن ينطلق ولكن سبقه أدم عندما قال امراً: ما تتحركش يا عم مجدي 

نظر إلى مُدللته الغاضبة ودون أن يشعر لمس أطراف أصابعها بأطرافه فنظرت إليه بغضب بعد أن سحبت يدها إلى الخلف فابتسم على فعلتها وأردف

- أنزلي بقى بلاش رخامة 

ترجلت من السيارة وأغلقت الباب خلفها بعنف فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها ثم لحق بها بعد أن طلب من السائق الانصراف، وجلس إلى جوارها دون أن يتفوه ولو بكلمة فقط جلس يراقب ملامحها التي عشقها على مدار السنوات الماضية، كم يعشق براءتها واحتفاظها بطفولتها، كم يذوب عشقاً في غضبها وجنونها وأفعالها الغير متوقعة دائماً...  بدأ يتذكر كيف مرت السنوات سريعاً وكيف نضجت الوردة الحمراء وأصبحت فتاة ساحرة يتمناها الجميع، وضع يده أسفل ذقنها وأدار وجهها إليه وقبل أن تُبعد يده كعادتها سبقها ورمقها بنظرة عشق لم ترى مثلها في عينيه من قبل، فلم تكبر جوري فقط بل كبر العشق الساكن بقلبه وقلبها، لكن منعها الخجل من الاعتراف بذلك فقررت أسر مشاعرها وفضّلت الانتظار حتى يصارحها بمشاعره

- جوري 
- نعم 
- هو أنا قولتلك قبل كده إني بحبك 

ما أن وصل اعتراف الحب إلى مسامعها، اتسعت ابتسامتها وتسارع نبض قلبها فرحاً فشعرت بربيع عشق يسري بين ثنايا قلبها... ولم تقل سعادة أدم عن سعادتها، ومع ذلك قرر مشاكستها فهتف بصوت رجولي 

- هاه يا بنت الناس قولتلك ولا لا؟ 

ابتسمت الجميلة مرة أخرى ثم استردت أنفاسها وقررت مبادلته المشاكسة، فوضعت يديها في منتصف خصرها وتحدثت بطريقة طفولية 

- لو سمحت ما تتكلمش معايا، أنا أصلاً مش طيقاك
- أهون عليكي؟ 
- اه تهون عادي، لما تزعقلي قدام أصحابي يبقى تهون وكمان كنت هتضرب زميلي

قالت كلماتها بغضب ملحوظ فتنحنح قائلاً: خلاص ما تزعليش، بس أنا قولتلك قبل كده ما تتكلميش مع ولاد، بنات وبس

- يا سلااااااام ما أنت بتكلم بنات ولا حلال ليك وحرام عليا
- بت أنتي ما تعصبتيش، أنتي بتاعتي أنا وبس

رفعت أحد حاجبيها بغضب فعلم أن قطته الشرسة على وشك إخراج مخالبها فقرر امتصاص غضبها وتابع بصوت دافئ

- أنتي حبيبتي أنا وبس

نست جوري غضبها وتجددت ابتسامتها الساحرة فبادلها بغمزة من عينه اليسرى وعاد ليشاكسها 

- ما قولتيش، قولتلك قبل كده أني بحبك ولا لا؟ 
- اه طبعا قولتلي قبل كده كتيرررررررر

رفع أدم أحد حاجبيه واصطنع عدم الفهم ثم تساءل بجدية مصطنعة
  
- أمتى ده، دي تلاكيك بقي أنتي ما صدقتي ولا إيه؟

شعرت جوري بالخجل ومع ذلك قررت تحدي نفسها فاستجمعت شجاعتها وأجابته بذات المشاكسة

- واتلكك ليه؟!! أصلاً كلك على بعضك كده بتاعي وملكي أنا بس ومكتوب على اسمي من يوم ما جيت الدنيا، ولا جنابك ليك رأي تاني؟ 

بدأت كلماتها مازحة وانتهت غاضبة فابتسم ادم على برائتها ثم اقترب منها وضمها إلى صدره بحنان، وظلا هكذا لعدة دقائق تبادلا خلالها نبضات العشق ثم أبعدها عنه ونظر إلى عينيها قائلاً بصوت دافئ 

- أوعدك تكوني أول وأخر واحده تدخل قلبي
- وأنا أوعدك أدخل وأقفل ورايا الباب ب100 مفتاح ومليون ترباس وأحط باب حديد مصفح وأكهربه كمان

ابتسم من جديد على جنونها ثم ضربها بخفة على رأسها فتأوهت كمشاكسة له، لكنه لم يهتم وتحدث بجدية 

- يللا يا لمضه نروح زمانهم مجهزين الغداء
- أدم أوعدني ما تسبنيش أبدا مهما كانت الظروف، بكرة تروح الجامعة وتحب واحدة تانية وتنسانى
- أقسم بالله هبله، قومي يا بت بدل ما أحدفك بطوبة في دماغك

مطت مُدللته شفتيها بضجر ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وعبست بشده فأسر ضحكته بصعوبة ثم أردف مازحاً

- لو فضلتي زعلانه هصالحك، خافي مني

قالها ثم غمز لها فخجلت بشدة وسيطرت حمرة الخجل على وجنتيها فما كان منه إلا إنه جذبها مرة أخرى إلى صدره وهمس في أذنها 

- أوعدك عمري ما أسيبك مهما كانت الظروف 

****

في القاهرة.... 
دلفت فاتن إلى غرفتها وجلست على المقعد أمام المرآة لتضع الكثير والكثير من مساحيق التجميل كعادتها قبل الانطلاق للسهر برفقة صديقاتها ولكن قاطعها صوت رنين هاتفها فزفرت بضيق وأجابت قائلة 

- وبعدين يا ميدو، قولتلك ما تتصلش تاني
- تونا أنا بحبك
- وأنا ما بحبكش ولا أنت من مستوايا أصلاً، أنت يادوب حتة مدرس في المدرسة اللي كنت فيها، أنا حالياً في الجامعة الأمريكية ومعتقدش أني هبص ورايا فياريت تنساني وكفاية تلات سنين بتجري ورايا الصراحة زهقت وممكن أخلي دادي يزعلك
- بس أنا بحبك
- دي مشكلتك مش مشكلتي، باي 

قالت كلماتها الأخيرة ببرودها المعتاد وعجرفتها التي لازمتها طيلة سنوات عمرها العشرون ثم ضغطت زر إنهاء المكالمة وعادت لتكمل زينتها 

***
في الريف..... 
مضت جوري برفقة أدم وتشابكت أيديهما، وما هي إلا دقائق حتى عادا إلى المنزل وكانت فاطمة في انتظارهما فاقتربت منها جوري وطبعت قبلة رقيقة على وجنتها 

- وحشتيني يا طمطم
- وأنتي كمان وحشتيني يا عين طمطم بس كان لازم أسافر وأجهز لأدم الشقة وجبتله العربية اللي واقفه بره علشان يسافر براحته

اقترب أدم من والدته وطبع على يدها قبلة حانية ثم عانقها وقال بهدوء

- ربنا يخليكي ليا يا ست الكل 
- بكرة هتسافر علشان الجامعة وتنسانا يا باشمهندس 
- انتوا إيه حكايتكم النهارده، كل واحدة تقولي هتسافر وتنساني 

ما أن وصلت كلماته إلى مسامع فاطمة، اندهشت ثم وجهت نظراتها إلى جوري فابتسمت الاخيرة ببلاهة ثم صعدت الدرج بسرعة لم تعتادها من قبل، حتى أنها كادت أن تسقط عدة مرات فضحك أدم بجنون ثم تحدث مازحة

- كسفتي البونية يا طمطم
- بتحبها يا واد؟
- بحبها أووووووي 
- خد شهادتك وهجوزهالك
- هاخد شهادتي وجوزيهالي وما تنسيش الوعد اللي وعدتهولي

زفرت فاطمة بضيق ثم قالت بغيظ: مفيش فايدة فيك

- يا أمي أنا دخلت هندسة علشان أريحك، لكن أنا نفسي أبقى ممثل 
- ماشي يا أدم خلص الجامعة وبعدها ربنا يسهلها
- أحبك يا فطوم 

طبع قبلة على وجنة والدته ثم تركها وصعد الدرج وهو يطلق صفيراً عالياً فتابعته فاطمة بعينيها حتى اختفى تماماً فتمتمت في نفسها

- ربنا يهديك يا ابن بطني وتبطل موال التمثيل

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف