سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Thursday, March 21, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 21, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الخامس والثلاثون والأخير - بقلمي منى سليمان

* طريقي بقربك *

الحب يا حلوتي ليس كلمة من أربع حروف... الحب نظرة سرقتني من نفسي... فابتسامة نسيت بها نفسي... فاعتراف أخبركِ فيه أنكِ أقرب لقلبي من نفسي... 

                                        *****

في السابعة رجل جميع من بالغرفة وبقت بمفردها في انتظاره، كان صدرها يعلو ويهبط لشعورها بالسعادة والارتباك في آن واحد، فأغمضت عينيها لدقائق وتذكرت المرة الأولى لرؤيته وتذكرت كذلك اللحظات التي مرت بقربه إلى يوم اعترافه... ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي مازالت مغمضة العينين ثم عادت بذاكرتها إلى شهرين عندما تبرعت بدمائها من أجله وشردت كذلك في نظراته ومشاكسته لدرجة جعلتها لا تنتبه لدخوله... اقترب منها وابتسامة ساحرة تزين ثغره فطفلته تبتسم وهي مغمضة العينين فيبدو أنها تتذكره، شعر بالسعادة واقترب أكثر وأكثر حتى استقر أمامها ثم مال على شفتيها وسرق قبلته الأولى لكنها لم تبادله إياها بل فتحت عينيها بفزع وتراجعت عدة خطوات إلى الخلف ثم وضعت يدها على قلبها وقالت 

- خضتني

كان كالمغيب لا يسمع ولا يعي أي شيء سوى سحر عينيها فهو يعلم جيداً أنها جميلة ولكن اليوم زاد جمالها في ثوبها الأبيض وحجابها الأبيض مع التاج الصغير الموضوع فوقه فبدت كالأميرات أو بالأحرى كالملائكة... اقترب منها مرة أخرى وأحاط خصرها بذراعه ثم قربها منه بشدة ونظر مُباشرةً إلى عينيها فبادلته نظرات العشق وظلا هكذا حتى قطع أحدهم سحر اللحظة عندما طرق على باب الغرفة فابتعد حسام عنها وقال بغيظ

- أدخل

دلف أمير وكاد أن يتحدث إلا أن جمال شقيقته جعله ينسى ما جاء لأجله فاتجه نحوها ثم طبع قبلة على جبينها وهتف

- مبروك يا عمري
- الله يبارك فيك يا حبيبي

تلألأت الدموع داخل مقلتيه وتمنى وجود والده إلى جواره، لكنه لم يرغب في بكاء شقيقته فأسر دموعه ثم أدار جسده إلى حسام وتحدث مازحاً 

- قولت هسلم عليها وأخرج وأديك بقالك ربع ساعة بتسلم، يلا هوينا وأنا هجبها وأجي
- الله يسامحك قطعت علينا لحظة رومانسية ما بتتكررش كتير، أصل أنا وأختك زي ما تقول كده غرام وانتقام

ضحكت أمل على جنونه ومر شريط شجارها معه كشريط سينمائي إلا أنها عادت إلى أرض الواقع عندما استمعت إلى شقيقها يقول

- طيب فكر بس تزعلها وأنا أجي أخنقك

وجه حسام نظراته صوب أمل ثم غمز لها وهتف: أمل بقت كل عمري ودمها بيجري في دمي مستحيل أزعلها

توردت وجنتيها خجلاً وشعرت بالسعادة، وبمجرد أن غادر حسام تأبطت ذراع أمير ومضت برفقته إلى قاعة العرس.... كان قلبها يخفق بسعادة مع كل خطوة تخطوها وما أن هبطت الدرج واقتربت من حبيبها المشاكس، أتسعت ابتسامتها فبعد طول انتظار وعدد لا بأس به من الشجارات أصبحت زوجته... تأبطت ذراعه بعد أن طبع قبلة على ظاهر يدها وأخرى على جبينها ثم مال على أذنها وهتف مازحاً 

- طول ما إحنا في القاعة عايز أشوف شكل، بس لما نروح مش عايز غير نانسي يا حلوة أنتي

خجلت بشدة وتوردت وجنتها فما كان منه إلا أنه رفع أحد حاجبيه وتابع

- بقول شكل خبي خدودك دي 

ابتسمت على جنونه وقالت بطريقة طفولية: لا مفيش شكل، أنا العروسة هرقص وأعمل كل اللي نفسي فيه

- طيب أعمليها كده وأنا أدبحك
- بقى كده، طيب هروح لأمير أقوله خلاص مفيش جواز
- وأهون عليكي؟ 
- اه تهون

قالتها بحزم فأسر ابتسامته وهتف: طيب تعالي نرقص بقى

انفجرت ضاحكة فشاركها الضحك ثم جذبها وبدأ يتمايل معها متناسياً هيبته وكل من حوله، فلم يتذكر سوى طفلته المدللة التي ترقص بسعادة وتتمايل بجنون بين أحضانه

                                      *****                                                                              

بعد مرور عدة دقائق هدأت الأنوار وعلّا صوت الموسيقى الهادئة فأحاط خصرها بذراعه ثم قربها منه ليشاركها رقصة هادئة... فعل أمجد المثل بعد أن جذب حنين إلى حلبة الرقص، بينما مطت وعد شفتيها بضجر وقالت

- أنا عايزه أرقص زيهم
- قوم يا أمير مع وعد

قالتها سلوى فضيق أمير بين حاجبيه وهتف: ترقص أزاي بس وهي حامل

- وإيه المشكلة أنا خلاص في أول الرابع والدكتور قال أتحرك عادي، وكمان الجامعة الاسبوع الجاي يعني هخرج كل يوم، يلا بقى علشان خاطري
- قالتلك علشان خاطرها، يلا قوم

أكدت سلوى على ما قالته وعد فرفع راية الاستسلام وترك مقعده ثم جذبها بخفة فوقفت عن مقعدها ومضت معه لترقص وهي بين أحضانه... في ذات اللحظة ترك محمود مقعده وتقدم من زوجته الساحرة ثم مد لها يده وقال

- يلا يا قمري تعالي نرقص

ابتسمت بسعادة ووقفت عن مقعدها لكنها شعرت بدوار خفيف فجلست مرة أخرى واضعة يدها على رأسها فشعر بالقلق عليها وتابع بعد ان جلس على المقعد المجاور لها

- برضو دايخه؟ 
- اه 
- الصبح هنكشف أنتي بقالك يومين على الحالة دي
- ما تقلقش أنا كويسة
- ما أقلقش أزاي وأنتي تعبانه، الصبح هنكشف ومش هقبل بالاعتراض 

حركت رأسها بالموافقة وهتفت برقة: حاضر ياحبيبي، يلا نقوم أنا أحسن دلوقتي

وقفت عن مقعدها ومضت برفقته فجذبها بين أحضانه وهو يشعر بالقلق عليها وشعر أيضاً بالخوف من فقدانها فشدد في تقريبها إليه وهو يدعو الله ألا يصيبها مكروه 

                                 *****

مضت الدقائق والساعات وانتهى العرس وغادرت أمل برفقة حسام إلى الفيلا التي اشتراها بالقرب من منزل شقيقته ومنزل والدتها.... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة أوقف السيارة داخل حديقة الفيلا ثم ترجل منها واتجه صوب بابها وفتحه فوضعت كفها بداخل كفه ومضت معه إلى الباب، وبمجرد أن فتحه حملها بين ذراعيه ودلف إلى الداخل فاعترضت بشدة قائلة

- حسام نزلني علشان جرحك
- جرح إيه اللي هيقعد شهرين، أنسيه

قالها وهو ينظر إلى شفتيها فخجلت بشدة وهتفت: نزلني بلاش رخامة

علم أنها تخجل منه فقد قالت كلماتها بصوت مرتعش ألا أنه لم يهتم بل صعد الدرج إلى غرفتهم ودلف إليها ثم اتجه صوب الفراش ووضعها برفق فتسارعت نبضات قلبها لشعورها الشديد بالخوف والارتباك فابتعد عنها قليلاً وتحدث قائلاً 

- هسيبك لوحدك شوية وأرجع

أدار جسده ليغادر فتساءلت بقلق: هتروح فين؟ 

أسر ابتسامته وأدار جسده مرة أخرى ثم نظر إلى عينيها وأجابها قائلاً 

- هغير في الأوضة التانية ولا أغير هنا؟ 

غمز لها بمشاكسة فوجهت نظراتها إلى الأرض وهتفت برقة: لا أمشي بره

انفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته ثم اقترب منها بدون سابق إنذار واقتطف من شفتيها قبلة فبادلته إياها بعشق متناسية خجلها.... ابتعد عنها بصعوبة ليلتقط أنفاسه فخبأت وجهها في صدره لتتفادي النظر إلى عينيه فأحاط جسدها بحنان وهمس في أذنها

- بحبك يا أمل
- وأنا كمان بحبك 

قالتها وهي مازالت تخبئ وجهها في صدره فوضع يده أسفل ذقنها ثم رفع وجهها قليلاً وهتف 

- يلا قومي غيري هدومك وأتوضي، وأنا كمان هغير وأتوضى وأجيلك

طبع قبلة على جبينها وغادر فتنهدت بهيام ثم ألقت بجسدها على الفراش وقالت

- قلبي هيقف

                                      *****

بمنزل محمود.... 
انتهى من إبدال ثيابه ثم أراح جسده إلى جوار رمزية بعد أن قبل جبينها لكنه لاحظ شرودها وسكونها فتساءل

- مالك يا عمري؟ 
- ما ما مفيش حاجة 

أجابته بصوت مرتعش فعلم أن هناك أمراً ما وهتف متسائلاً: حبيبتي لو في حاجة قوليلي وما تتكسفيش، أنتي لسه تعبانه؟ 

حركت رأسها بالموافقة وتلألأت الدموع داخل عينيها فاندهش بشدة وأردف

- طيب ما تعيطيش الصبح هنكشف وهنعرف مالك وأكيد مفيش حاجة تخوف 
- أنا أنا 

قاطعها قائلاً: أنتي إيه يا قلبي؟ 
- أنا مش تعبانه، أنا حامل

ما أن وصلت كلمتها الأخيرة إلى مسامعه تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لما قالته والصدمة فقد تخطى عمره الخمسون ولكن قاطعت رمزية شروده عندما أردفت

- أرجوك ما تاخدهوش مني

قالتها وهي تضع كفيها على أحشائها وتابعت: سيبهولي ولو مش عايزني همشي بس ما تأذيهوش

شعر بغصة في قلبه فهو يعلم جيداً ما حدث لها وكيف فقدت جنينها على يد يحيى، فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره وأحاط جسدها بحنان، فانفجرت دموعها كالشلال وأكملت بصوت غلبه البكاء 

- أنا آسفة 
- ما تتأسفيش دي هدية من ربنا، صحيح اتصدمت شوية بس أنا فرحان لأنك شايله جواكي حته مني ومنك ويا سلام بقى لو تجبيلي بنت هبقى أسعد عجوز في الكون

قال كلماته الأخيرة ليشاكسها فاختلطت دموعها بابتسامة ثم ابتعدت عنه وكفكفت دموعها فتابع

- أنا بسمع أن الرجالة ممكن قدرتها على الإنجاب تعدي السبعين يعني لسه معانا سنين نجيب عيال كتير

ضحكت على جنونه فقد بدأ كلماتها بطريقة جادة وأنهاها بغمزة من عينه وأردف

- طول عمري نفسي في بنت بس ربنا ما رزقنيش غير بأمجد، قوليلي عرفتي أمتى؟ 
- من يومين روحت مع وعد المستشفى وخلت الدكتور يعملي تحليل 
- يعني بقالك يومين مخبيه عليا وكمان وعد عارفه وأنا لا، بكرة بس نروح للدكتور ونطمن وبعدها ليكي عندي عقابين 

اقتربت منه بشدة وأسندت رأسها على صدره وقالت: أنا متشكرة ليك على حاجات كتير أوي، ربنا يخليك لينا خلاص بقينا أتنين

طبع قبلة على خصلات شعرها ثم أحاط جسدها بحنان وشدد في احتضانها وابتسم عندما تخيل ما سيقوله ابنه المشاكس عندما يصله الخبر فردد في نفسه 

- الواد هيهريني اه يا نمس لسنة قدام، ربنا يجيرني من لسانه

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة غفت رمرية بين أحضان محمود، فطبع قبلة على جبينها ثم أراح جسدها إلى جواره واضعاً رأسها على الوسادة... استعد ليغفو إلى جوارها إلا أنه اندهش عندما صدع صوت رنين هاتفه معناً عن وصول رسالة وازداد اندهاشه حينما وجد الرسالة من أمجد ولكن سرعان ما حل الغضب بدلاً عن الاندهاش 

(سمعت كده خير اللهم أجعله خير أن الحته بتاعك حامل، أفضحتي أفضحتي أقول للناس إييييه أبويا نمس 🤔😜🍼)

صر محمود على أسنانه ثم نظر إلى رمزية وقال بهدوء: شكل حنين عارفه طالماً ابني الفضيحة عرف

وضع الهاتف إلى جواره وقرر عدم الرد عليها فأرسل أمجد واحدة أخرى 

(مبروك يا عم الشقي، كده تعملها قبلي) 
(لم نفسك يا قليل الأدب وأتخمد بدل ما أجي أخمدك) 

قرأها أمجد وانفجر ضاحكاً فشاركته حنين الضحك وهتفت: والله أنا غلطانه أني قولتلك، بطل رخامة 

- مش قادر حقيقي، أبويا عندها ٥٢ سنة وأخويا جاي في الطريق، أستني أبعتله رسالة

(قولي يا نمس نفسك في خنشور ولا بسكوته نواعم؟) 

قرأها محمود وابتسم رغماً عنه ثم استرد هيبته وكتب

(نفسي تحل عني وتروح تتخمد، ولعلمك هقفل التليفون فما تبعتش رسايل تاني) 

أرسلها وأغلق الهاتف حتى يتوقف أمجد عن مراسلته لكنه ابتسم رغماً عنه، وعلى الجانب الأخر ضحك أمجد بجنون على رسالة والده الأخيرة وبمجرد أن توقف غمز لطفلته بمشاكسة وهتف

- بقولك إيه عايزين نجيب نونو ننافس الحاج محمود
- مش قولت نأجل شوية
- غيرت رأيي

قالها بعدن إن ترك مقعده وحملها بين ذراعيه ثم اتجه صوب الغرفة فضحكت على جنونه ثم أمسكت وجنتيه وقالت 

- مجنون خالص يا روحي

                                  ******

بمنزل حسام.... 
فرغوا من أداء الصلاة وانتهى حسام كذلك من الدعاء ليبدأ حياته الزوجية في طاعة الله... انتظر لعدة دقائق أن تفتح أمل عينيها لكن ذلك لم يحدث فمنذ أن وضع يده على جبينها وردد الدعاء وهي مغمضة العينين فرفع كلا حاجبيه باندهاش وتساءل

- أنتي نمتي؟ 

أسرت ابتسامتها بصعوبة ثم حركت رأسها كإشارة بنعم دون أن تفتح عينيها فأردف

- وبتهزي دماغك وأنتي نايمة أزاي؟ 
- خلقة ربنا 

ضحك بأعلى طبقات صوته ثم ضرب أحد كفيه بالأخر وهتف: البت أتجننت أكتر ما هي مجنونة 

فتحت عينيها ورفعت أحد حاجبيها قائلة بغيظ: حوش العقل اللي بيقع منك 

- لمي لسانك يا بت أنتي
- ولو ما لمتوش هتعمل إيه؟ 

قالتها وهي تضع كفيها في منتصف خصرها فبادلها برفعة حاجب وتساءل

- أفهم من كده أن مش همك زعلي ومش خايفه مني؟ 
- أيوه 
- ماشي أنا هخليكي تخافي وحالا

وقف عن سجادة الصلاة ثم حملها بدون سابق إنذار واتجه بها صوب الفراش فانطلقت من بين شفتيها أعلى الضحكات وبمجرد أن وضعها على الفراش أتكى على ذراعه بعد أن أراح جسده إلى جوارها ثم تأمل انعكاس صورته داخل عينيها لدقائق قطعها عندما مال عليها بشدة وسرق من شفتيها قبلة وما أن ابتعد عنها هتف بصوت دافئ غلفه العشق

- أنتي حلوة أوي
- وأنت كمان، عارف كنت غيرانه عليك وإحنا في الفرح من صحباتي كانوا هياكلوك بعينيهم
- أنا بقى مكنتش شايف في الفرح كله غيرك

قالها ثم مد يده وأزال الخصلة الساقطة على وجهها وساد الصمت لدقائق قطعها عندما مرر ظاهر كفه على وجنتها فابتسمت بسعادة وتحسست هي الأخرى وجنته بباطن كفها وهتفت

- بحبك
- لا أنا مش قد الكلام الحلو ده، لازم أتهور حالا

ابتسمت بخجل فبادلها بغمزة من عينه اليمنى وبدأت ليلة عشق طال انتظارها، ليلة صمت فيها الكلام وتحدثت فقط لغة العشاق

                                   ******

مع الساعات الأولى للصباح تململت رمزية في الفراش أثر لمسات محمود لوجنتيها، فتحت عينيها وابتسمت فاقترب منها بشدة وقبل جبينها ثم ابتعد قليلاً إلى الخلف وهتف

- صباح الخير
- صباح النور

قالتها ثم اعتدلت في جلستها فوضع وسادة خلف ظهرها وقال: يلا نفطر علشان نروح نكشف ونطمن على البيبي

ابتسمت بسعادة فشعر بفرحة عارمة لرويته اللمعة الساكنة داخل مقلتيها فتأملها بعشق لدقائق ثم أردف

- بحبك أوي
- وأنا كمان بحبك وبحب طيبة قلبك

جذبها إلى صدره وأحاط جسدها بحنان، وبعد مرور عدة دقائق ابتعد عنها وأحضر صينية الطعام ليطعمها بيديه كطفلة مدللة

                                    ******

في الظهيرة... 
استيقظ حسام عندما شعر بأنفاسها الحارة تقترب من وجنته، فتح عينيه ورآها تتكئ على ذراعها وتقترب منه بشدة فابتسم بسعادة وهتف وهو يداعب وجنتها بظاهر أنامله

- صباحية مباركة يا أجمل عروسة في الدنيا كلها
- الله يبارك فيك، أنا مبسوطة أووووي أننا بقينا سوا وهنكبر سوا 
- عارفه لو مكنش حبك جنني كان عمري ما هنطق وأقولك بحبك 

ألقت بظهرها على الفراش وقالت بطريقة تمثيلية: الحمد لله نطقت كنت قربت أتشل

انفجر ضاحكاً على هيئتها وطريقتها في الحديث فشاركته الضحك بجنون وبمجرد أن توقف عن الضحك مال عليها بشدة وأخذ يمرر يده بين خصلات شعرها وهو يتأمل لون السماء في عينيها فتساءلت برقة

- مالك؟ 
- مفيش، حابب بس أشوف السماء في عيونك 

خفق قلبها بفرحة فأتسعت ابتسامتها ثم أحاطت عنقه بذراعيها وقالت بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك بحبك بحبك بحبببببببك 
- أهو بعد سيل بحبك ده

غمز لها بمشاكسة وتابع: لازم أتهور

ضحكت بدلال متتاسية خجلها، فقد نست معه كل شيء وتذكرت المشاعر الساكنة بقلبها

                                    *******

بالمشفى... 
كان يراقب الشاشة بانبهار وسعادة ولم تقل سعادتها عنه فبعد طول انتظار عوضها الله بطفل يعيش في رحمها... انتقلت السعادة المتبادلة بين محمود ورمزية إلى الطبيب فقال

- ألف مبروك، الحمد لله الوضع طبيعي وعمر الجنين شهر وأسبوعين
- الله يبارك فيك يا دكتور 

قالتها رمزية دون أن تنظر إلى الطبيب فقد كانت غارقة في بحور عينيّ زوجها فتنحنح الطبيب قائلاً 

- طيب أنا هاخد أستاذ محمود على ما تلبسي، بعد كده هشوفك في نفس مواعيد مدام وعد

حركت رأسها بالموافقة ثم اعتدلت في جلستها بعد أن غادر محمود برفقة الطبيب... أغمضت عينيها ووضعت يديها على جنينها ثم حمدت الله مراراً وتكراراً 

                               *******

مضت الدقائق والساعات فالأيام والأشهر ولم يعرف الخريف طريق إلى قلوب الأحبة بل سيطر الربيع بكل ألوانه... 
كانت حياة أمجد حياة هادئة لكنها لم تخلو من جنونه، والآن ينتظر مولوده الأول فطفلته حامل في شهرها الثاني
كان محمود دائم البقاء إلى جوار رمزية وتذوق بقربها مشاعر كان قد نسيها
لم تخلو حياة حسام وأمل من الشجار فقد كان جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية لكنه كان شجار عشاق يربط بينهما الحب وكذلك جنين ينمو في رحم أمل أكمل شهره الثاني
تذوقت سوسن نكهة السعادة عندما نطقت أمل الصغيرة كلمة "ماما" ما جعل الحياة تسري بداخلها من جديد، أما سلوى كانت فرحتها عارمة فأحفادها بالطريق
أتمت وعد شهرها الثامن من الحمل والآن في منتصف شهرها التاسع وتنتظر أن تضع مولودها في أي وقت لكن الحمل لم يمنعها في متابعة دروسها فقدت تخطت الفصل الدراسي الأول بنجاح والآن تتابع الفصل الدراسي الثاني، أما أمير كان دائم القلق عليها فعاملها كقطعة نادرة من الألماس يخشى عليها من نسمات الهواء

                                  *******

في الثامنة والربع استيقظت على ألم حاد في نهاية ظهرها فاعتدلت في جلستها وكتمت أنينها حتى لا تُوقظ أمير... بعد مرور عدة دقائق رحل الألم فتنفست بعمق ثم تركت الفراش واتجهت صوب الحمام لتتوضأ، وبمجرد أن فرغت من صلاتها استيقظ أمير وقال بحنان

- صباح الخير يا قلبي
- صباح النور يا حبيبي، كنت هصلي وأصحيك
- هقوم أخد دش وألبس على ما تجهزي

اقترب منها وطبع قبلة على جبينها ثم تركها ودلف إلى الحمام فوقفت عن مقعدها واتجهت صوب حافظة الثياب ليعاودها الألم من جديد وزال بعد عدة دقائق فقالت بخفوت

- ربنا يستر عندي سيكشن عملي

بعد مرور ما يقارب الساعة فرغت من تناول طعام الإفطار وكذلك أمير فودع والدته وغادر إلى السيارة، بينما اقترب وعد سلوى وهتفت

- ماما عندي مغص بيروح ويجي، ده طبيعي؟ 
- اه في الأواخر كده، حاولي ما تجهديش نفسك 
- حاضر، همشي بقى

ودعت سلوى بقبلة على ظاهر يدها ثم لحقت بأمير فانطلق إلى الجامعة

                                 *******

بعد مرور عدة ساعات عاد الألم ليهاجم وعد من جديد لكنه لم يزول كعادته بل أشتد فصرخت بأعلى طبقات صوتها فتساءلت حنين بخوف

- مالك؟ 
- بولد 

ساد الهرج والمرج داخل قاعة المحاضرات فترك الدكتور المحاضرة وأخذ يبحث عن أمير حتى وجده داخل إحدى قاعات المحاضرات فدلف بدوم سابق إنذار وهتف

- أمير مراتك بتولد

جحظت عينيّ أمير في صدمة وتساءل: هي فين؟ 

- مدرج أ 

جمع أمير أشيائه في عُجالة وأنهى المحاضرة ثم ركض باتجاه القاعة فوجد طفلته تتألم بشدة... حملها بين يديه وركض إلى السيارة فكانا محط أنظار الجميع، لكنه لم يهتم لأحد بل انتظر حتى ركبت حنين بالخلف وانطلق إلى المشفى... بعد مرور عدة دقائق اجتمعوا بالمشفى انتظاراً لقدوم الصغيرة، وبعد مرور عدة ساعات من العذاب وضعت وعد طفلة ورثت عن أبيها لون العيون الزرقاء وورثت الجمال عن والدتها... حملها أمير بين ذراعيها وبداخله شعوراً جديداً لم يختبره يوماً ثم اقترب من وعد وهتف بسعادة

- مبروك يا عمري، شبهك أوي
- الله يبارك فيك، أنا عايزه أسميها نور على أسم نور الله يرحمها
- كان نفسي أسميها وعد على أسمك بس طالما أنتي حابه نور تبقى نور

طبع قبلة على جبينها ثم وضع الصغيرة على ذراعها فدمعت أعينها لشعورها بالسعادة 

                                    *******

في ذات اللحظة كانت نادين تُساق إلى غرفة تنفيذ حكم الإعدام، حاولت الهرب والتملص من بين يدي السجانات لكنها كانت أمنية بعيدة المنال، وخلال دقائق قليلة لُف حبلة المشنقة حول رقبتها فكانت كالمغيبة لا تشعر بشيء سوى أنها على وشك لقاء ربها وهي لا تحمل سوى الذنوب، أغلقت عينيها ورددت الشهادتين فقاموا بنتفيذ الحكم وصعدت روحها إلى حاكم العدل الذي سيحاسبها على كل جرائمها... وفي ذات الوقت كانت والدتها تجوب الشوارع مبعثرة الشعر وحافية القدمين فقد غادرت المنزل منذ ما يقارب الثلاث أشهر وأصابها الجنون فأصبحت تسير بلا وجهة كالمشردين

                                   ******

هو طوق النجاة الذي أخذني معه إلى بر الأمان... 
هو حبيبي وعمري ونبض قلبي الذي حماني من الزمان... 
هو عمري الماضي والأتي، سأكمل طريقي بقربه مهما صفعنا الزمان.. 

خطت تلك الكلمات بدفترها في صباح يوم مشرق، ثم وضعته إلى جوارها وتركت الفراش واتجهت صوب الشرفة بخطوات هادئة، تنفست بعمق ونظرت إلى السماء لتحمد الله على كل ما فعله لأجلها طوال السنوات الماضية... أغمضت عينيها لدقائق وتذكرت كيف ساعدها أمير في بداية الطريق، وكيف دعمها لتكمله واليوم أنهت دراستها الجامعية وحققت الحلم الذي عاشت لأجله... فاقت من شرودها عندما أحاط خصرها من الخلف وشدد في تقربيها إليه ثم طبع قبلة على عنقها وهتف بسعادة

- مبروك يا دكتورة وعد
- الله يبارك فيك يا حبيبي، الفضل ليك بعد ربنا خمس سنين بتساعدني في المذاكرة وتشجعني وماما سلوى كمان ربنا يخليها ليا ساعدتني في تربية نور علشان ما أنشغلش عن المذاكرة 

ابتعد عنها ثم قبض برفق على معصمها وأدارها إليه فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة قطعها بقبلة سرقها من شفتيها فبادلته إياها بعشق متناسية الزمان والمكان، فطالت القبلة لعدة دقائق قطعتها الصغيرة عندما قالت

- بابا

فصل أمير قبلته ونظر بغيظ إلى طفلته وهتف: عيون بابا اللي جاية تقطع على بابا زي عادتها 

ضحكت وعد وخبأت وجهها في صدره فقالت الصغيرة: ماما سيليني

ابتعدت وعد عن صدره ثم حملت صغيرتها وهتفت بصوت دافئ: عيون ماما، صباح الخير 

طبعت قبلة على وجنة صغيرتها نور وأخرى على كف يدها ثم أعطتها إلى أمير وأردفت

- هنزل أحضر الفطار، يلا روحوا صبحوا على نانا علشان نفطر سوا وبعدها نجهز الحفلة 

غادرت وعد فاصطحب أمير طفلته إلى غرفة سلوى ثم طرق بابها ودلف إلى الداخل فركضت نور باتجاه جدتها وقالت 

- نانا
- صباح النور يا قلب نانا، النهارده هنعمل حفلة علشان ماما وحنين خلصوا الجامعة وهتلعبي مع أمل ومريم وليلى وزياد

ابتسمت الصغيرة بسعادة ثم طبعت قبلة على وجنة سلوى وقالت: بحبك

- يا قلبي أنا كمان بحبك

رفعت سلوى رأسها وابتسمت عندما رأت أمير يعقد ذراعيه أمام صدره فأردفت

- أعمل إيه بس لما بشوف نور بنسى نفسي، صباح الخير
- صباح النور يا ست الكل، أنا أتنسيت خالص
- أعز من الولد ولد الولد
- من غير ما تقولي أنا أبصم بالعشرة أني أتركنت على الرف

قالها مازحاً ثم اقترب من والدته وطبع قبلة على ظاهر يدها ثم غادر ليساعد وعد أو بالأحرى ليشاكسها

                                    *****

في المساء وصل أمجد حاملاً طفله زياد وإلى جواره حنين التي ما أن رأت شقيقها يحمل ابنته ليلى التي أسماها تيمناً بوالدته، اقتربت منه وعانقته ثم هتفت

- حمد الله على السلامة، كنت خايفة المهمة تعطلك وما تجيش 
- مقدرش ما أجيش ده أسعد يوم في حياتي يا دكتورة حنين

طبع قبلة على جبينها فابتسمت أمل بسعادة لوجود كل هذا الحنان بقلب زوجها بينما شعر أمجد بالغيرة عادته فنظر إلى ابنه وهتف بغيظ

- عاجبك كده يا عم زياد، طرطور أنا
- بس

قالها الصغير ثم نزل عن قدم والده واقترب من ليلى ونور ليلعب معهن.... بعد مرور عدة دقائق وصلت سوسن برفقة ابنتها الصغيرة التي أتمت عامها السادس والتحقت بالمدرسة فرحب بها الجميع، وبمجرد أن جلست على أحد المقاعد دلف محمود مصطبحاً زوجته وابنته مريم التي ركضت باتجاه شقيقها المشاكس أمجد فحملها وأخذ يلقي بها في الهواء فانطلقت من بين شفتيها أعلى الضحكات.... كانت الأجواء ساحرة وشعروا جميعاً بالسعادة فبالرغم من مرور سنوات عديدة إلا أنهم لم يفترقوا بل زاد الرابط بينهم وأورثوا ذلك لصغارهم

                                    *******

بعد مرور عدة ساعات من السعادة رحل الجميع وبقت وعد بمفردها مع أمير.... اتجهت صوب الارجوحة وجلست عليها فجلس إلى جوارها وأخذ يحركها بقدمه وساد الصمت لدقائق قطعتها عندما قالت بدون أي مقدمات

- أنا حامل

أتسع ثغره وسرت السعادة بكل ذرة في كيانه وتساءل: بجد؟ 

حركت رأسها لتؤكد ما سمعه وقالت: بجد

اقترب منها بشده وجذبها إلى صدره فتمسكت به وقلبها ينبض بأسمه ثم تابعت

- حنين جابتلي اختبار منزلي وعملته من شوية، هيجيلنا نونو جديد 

ابتسم بسعادة وشدد في احتضانها ثم أبعدها عنه وطبع قبلة على جبينها 

- كنت عاملك مفاجأة أديكي غلبتي مفاجأتي

قالها ثم وضع يده في جيب بنطاله وأخرج منها علبة فخمة قدمها إليها بعد أن فتحها لتجد بداخلها قلادة من الألماس يتدلى منها أسمه وأسمها ويتوسطهما قلب بداخله أول حرف من أسم نور فأخذتها وقالت بسعادة 

- جميلة أوي يا أمير

أخرج القلادة من العلبة ثم ألبسها إياها وطبع قبلة على عنقها، وبمجرد أن أدارت وجهها إليه تحدث بصوت دافئ قائلاً 

- دي هدية بسيطة حلاوة نجاحك يا دكتورة
- بجد من غيرك مكنتش هحقق حلمي 
- بالعكس أنتي إنسانة قوية جداً وعندك إدارة خلتك تمشي في طريقك من غير ما تسمحي لحاجة توقفك 

قالها ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها منه وعاد ليحرك الأرجوحة بقدمه، فتأملت النجوم لدقائق ثم أدرات وجهها إليه وهي مازالت بين أحضانه وهتف

- أنا نجحت بس لأني مشيت طريقي بقربك

                                  * تمت بحمد الله *

الرواية خلصت اعااااااااا، هتوحشوني كتيررررر معادنا بعد امتحانات الثانوية لو ليا عمر مع رواية جوري الزهرة الحمراء 😘😘 بس أكيد كل الوقت ده هبقى معاكم وهنزل مشاهد لكل أبطال رواياتي وخصوصاً فارس محضراله مشاهد كتير  وفهد لا 😂😂😂 أنتوا عارفين ده وش القفص عندي ههههههه حبيبي 😘😘😘 وفهد لا 😂😂😂😂

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, March 19, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 19, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الرابع والثلاثون - بقلمي منى سليمان

* ضبط وإحضار *

كان يقود بسرعة جنونية متناسياً الألم الرهيب الذي يشعر به فقط كان يشعر بالغضب لضياع محبوبته من بين يده.... تذكر أنه لا يحمل سلاحاً فقد أحضر أحد أصدقائه السيارة وتركها بجراج المشفى، أما سلاحه بقى بحوزة اللواء نجدت حتى عودته إلى العمل فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف اللواء فأجاب الأخير قائلاً 

- أهلاً بالبطل
- سيادة اللواء أمل اتخطفت من عربيتها وأنا في طريقي ليها بس مش معايا سلاح فياريت تأمر بخروج قوة و

قاطعه اللواء قائلاً: أنت أتجننت يا حسام، أزاي تخرج من المستشفى وكمان بتلاحق مجرمين من غير سلاح

- أرجوك يا سيادة اللواء ده مش وقت عتاب المهم ألحق أمل
- وأنت عرفت مكانها أزاي؟ 

قص حسام عليه أمر ساعة اليد المزودة بجهاز تتبع فتأكد اللواء أن حسام يكن لأمل مشاعر وقال بصوت أقرب إلى الرجاء 

- أديني العنوان وأرجع المستشفى حالا وانا هطلع قوة من أكفاء رجالنا 
- أنا مش هقدر أرجع، ولو حضرتك عايز تساعدني بجد تبعت قوة بمجرد ما أحدد مكانها 
- حسام أنا بأمرك ترجع

قاطعه قائلاً: أنا أسف لأول مرة هعارض قرار سيادتك، أمل بالنسبالي مش مجرد صحفية ساعدتنا في قضية، أمل حلم عمري اللي لقيته بعد سنين كتير، أسف مرة تانية وأول ما أحدد المكان هبلغ حضرتك بيه

لم ينتظر رد اللواء فأنهى المكالمة وأكمل تتبعه للإشارة الصادرة عن ساعة يدها... زفر اللواء بضيق ثم أبعد الهاتف عن أذنه وغادر مكتبه كالإعصار ليعد حملة من أكفاء رجاله انتظاراً لاتصال حسام

*******

بجناح أمير... 
تململت وعد في الفراش حينما شعرت بشفتي حبيبها تلامس شفتيها... فتحت عينيها وابتسمت فغمز لها بمشاكسة وهتف

- صباح الخير يا أم عتريسه

ضحكت وعد على جنونه فساعدها على الاعتدال في جلستها واضعاً وسادة خلف ظهرها ثم ابتعد قليلاً وأحضر صينية الطعام وأردف

- يلا يا قمر الأكل ده كله يخلص، وده أمر مباشر من ماما 

ضيقت وعد بين حاجبيها واصطنعت الغضب قائلة: كده قولتلها من غيري، مخصماك

قالت كلمتها الأخيرة بدلال فابتسم على فعلتها ثم طبع قبلة على جبينها وهتف

- من فرحتي ما نمتش وأول ما الفجر أذن قولت زمانها بتصلي فقومت أفرحها
- خلاص سماح المرة دي علشان ماما
- طيب وابن ماما ملوش خاطر

قالها وهو يقترب من شفتيها شيئاً فشيئاً لكنها سبقته ووضعت يدها على صدره مانعة إياه من الاقتراب أكثر قائلة بجدية مصطنعة

- كده هتعطلني والنونو جعان خالص 
- لا كله إلا النونو، يلا يا عمري كلي بالهنا

كادت أن تاكل إلا أنه سبقها وأطعمها بيده كطفلة مُدللة فشعرت بالسعادة واستشعرت حنانه وفرحته بخبر الحمل.... كانت الأجواء ساحرة أطعمها وأطعمته فشاكسها بقبلة على يدها تارة وغمزة من عينه تارة الأخرى، وبمجرد أن فرغت من تناول الطعام حمل الصينية ليغادر لكنه توقف عندما صدع صوت رنين هاتفه فقالت برقة

- أمجد بيتصل

وضع الصينية على المنضدة وأخذ منها الهاتف ثم أجاب قائلاً: بتتصل بدري ليه يا مشرحجي؟ 

- مش وقت غتاتك، أمل عندك؟ 
- لا قالت هتروح الشغل وترجع على المستشفى، في حاجة؟ 
- حسام اختفى ومحدش عارف راح فين واتصلت على أمل ما بتردش وحنين منهارة من العياط
- طيب أقفل هتصل بيها في الجريدة وأكلمك

أنهى المكالمة وأجرى اتصالاً بهاتف الجريدة ولكن تسرب القلق إلى قلبه عندما أخبره أحد العاملين بعدم حضور أمل، فأنهى المكالمة وتحدث مرة أخرى إلى أمجد وأخبره بما حدث فقال الأخير بقلق

- هيكونوا راحوا فين وحسام ممنوع من الحركة؟!! 
- طيب كلمت حسام؟ 
- كلمته ما بيردش، حاول كلمه وقولي رد عليك ولا لا

أبعد أمير الهاتف عن أذنه وبحث عن رقم هاتف حسام ثم ضغط زر الاتصال فزفر حسام بضيق وأجاب قائلاً 

- معاك يا أمير
- أنت وأمل روحتوا فين؟ 

أوقف حسام السيارة على جانب الطريق وأخبر أمير بكل ما حدث فشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه لكنه لم يظهر ذلك خوفاً على وعد فابتسم ولوح إليها ليطمئنها ثم غادر الغرفة وتساءل بقلق

- مين اللي خطفها وعايز منها إيه؟ 
- مش عارف يا أمير، أنا داخل على طريق الفيوم وخلاص الإشارة وقفت في منطقة هناك وأوعدك مش هرجع غير وهي معايا حتى لو التمن حياتي

حاول أمير يشتى الطرق إقناع حسام بالعودة فهو يعلم جيداً خطورة إصابته وتأثير الحركة عليه لكنه لم يعدل عن رأيه بل ودعه وأنهى المكالمة وأكمل طريقه، بينما أنهى أمير المكالمة ووضع رأسه بين كفيه بعد أن سقط أسيراً للخوف والحيرة، هل يخبر والدته بما حدث، أم ينتظر علها تعود برفقة حسام؟ وظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم أخذ قراره وقرر الانتظار داعياً إلى الله أن تعود شقيقته سالمة وكذلك حسام

******

تململت أمل وهي تشعر بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها، وبمجرد أن استعادت وعيها تذكرت ما حدث ففتحت عينيها بهلع... وجدت نفسها مكبلة الأيدي والأرجل في فراش موضوع بقبو منزل فشعرت بخوف لم يتملكها يوماً... حاولت فك وثاق يديها ولكن دون جدوى، كان صدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف، وما أن استمعت إلى صوت أحدهم بالخارج أغمضت عينيها واصطنعت النوم وأخذت تردد بخفوت آيات القرآن... دلف رائد إلى الغرفة برفقة حكيم فقال الأخير بنبرة صوت تحمل الانتصار بطياتها

- جبتها زي ما وعدتك يا باشا، ده الغالي الله يرحمه كان حبيبي وطول عمري بخدمه بعينيا وهخدمك أنت كمان بعينيا بس خرجني بره مصر زي ما وعدتني، الجرايد ملهاش سيرة غير هروب غيري والدنيا مقلوبة عليا و

قاطعه رائد عندما رفع يده لأعلى ليطلب منه التوقف عن الحديث ثم أشار بيده ليغادر فنفذ حكيم رغبته... خلع رائد جاكيت حلته ثم ألقى به على حافة الفراش واقترب من أمل بشدة وأخذ يمرر يده على جسدها بوقاحة... لم تستطع أن تحتمل ما يحدث ففتحت عينيها وقالت بصوت مرتعش

- أبعد عني يا

توقفت عن إكمال كلماتها حينما كمم فمها لكنها لم تستسلم بل قضمت يده بأسنانها فأبعد يده وصفعها بعنف على وجنتها... انهمرت دموعها بغزارة كما سالت الدماء من شفتيها وهتفت بصوت غلبه البكاء 

- حرام عليك، أنا معملتش حاجة ويوم ما شوفتك في المستشفى عاملتك باحترام 

قاطعها قائلاً بحدة وصوت عال: أخرسي 

اقترب منها كالأعصار وكمم فمها بشريط لاصق ثم جلس على حافة الفراش ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتابع 

- أنتي أخدتي مني حاجات كتير، سبع شهور خالي مشغول بيكي ونسيني وكل ما أكلمه يقولي أقفل أنا قاعد مع أمل، أخدتيه مني ودخلتيه السجن بأيديكي وخلتيه ينتحر، أخدتي الملايين اللي كانت في شقته ومخدرات كمان بملايين كان فاضل أسبوع ويحولي الفلوس في سويسرا، أخدتي خالي اللي كان ليا أب وأم وعاش ليا وبس لحد ما أنتي ظهرتي في حياته ونسيني

كانت تستمع إلى كلماته بخوف فاستطاعت بصعوبة ضغط زر الساعة عل حسام يأتي لإنقاذها، في ذات اللحظة أوقف حسام السيارة على مقربة من المكان وبمجرد أن وصل ندائها إليه، ترجل واقترب من المنزل الكائن بمنطقة نائية ثم اتجه صوب السور الخلفي وحاول القفز عدة مرات ولم يمنعه تجدد نزيف الجرح بل كرر محاولاته حتى نجح في الدخول إلى الحديقة الخلفية للمنزل.... 
بالغرفة انتهى رائد من توبيخ أمل وعاد ليتحسس جسدها فحاولت إبعاد يده التي كانت تعبث بحرية إلا أنه لم يهتم لها بل ابتعد عنها قليلاً وأزال ثيابه ثم اقترب منها مرة أخرى

- حكيم قالي أن خالي كان نفسه فيكي، وأنا هحقق اللي كان عايزه وبعدين أبعتك ليه

قالها ثم أزال الشريط اللاصق عن شفتيها وأردف: عايزك تصرخي وتقاومي على قد ما تقدري، ده هيخليني أتمتع أكتر

صرخت بأعلى طبقات صوتها فكانت صرختها الدليل الذي قاد حسام إليها فركض باتجاه الصوت واستطاع الدخول من خلال باب بالحديقة الخلفية واستطاع كذلك الوصول إلى باب الغرفة بسهولة ودلف إليها، وما أن رأى رائد يحاول نزع ثياب أمل، ركض باتجاهه كالإعصار وسدد له عدة لكمات كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً فاقداً للوعي... ابتعد عنه قبل أن يقتله ثم اقترب من أمل وفك وثاقها فارتمت بين أحضانه وانفجرت دموعها كالشلال لكنها ابتعدت عنه عندما تألم 

- جرحك بينزف
- أنا كويس ما تخافيش 

توقف عن إكمال كلماته حينما استمع إلى صوت دوي سيارات الشرطة  فاصطحبها إلى الخارج وهو يخبأها خلفه.... في غصون دقائق قليلة سيطر رجال الشرطة على المنزل فاقترب حسام من أحد زملائه ووضع يده على صدره قائلاً بصعوبة

- أوعدني توصل أمل لبيتها
- حسام جرحك بينزف لازم

قاطعه حسام قائلاً بحدة غلفها الألم: أوعدني

- أوعدك أني هوصلها لحد بيتها

ما أن توقف الضابط عن الحديث، سقط حسام فاقداً للوعي والدماء تُغرق ملابسه... ثنت أمل ركبتيها وجلست إلى جواره راكعة ثم رفعت رأسه عن الأرض ووضعتها فوق قدميها

- حسام أوعى تموت، أنا بحبك قوم يلا وأسمعني وأنا بقولهالك، بحبك يا حسام يلا قوم علشان نتجوز ونعيش سوا، حسااااااام

صرخت منادية بأسمه بأعلى طبقات صوتها فاقترب منها رجال الإسعاف وقاموا بنقله داخل سيارة الإسعاف وبمجرد أن ركبت إلى جواره انطلقوا إلى أقرب مشفى

******

بالمنزل.... 
تم إلقاء القبض على جميع من بالمنزل، ولكن قبل أن تغادر سيارات الشرطة وقعت أعين أحد الضباط على حزمة من الأوراق موضوعة على سطح المكتب الخاص برائد داخل غرفة مكتبه وبداخلها معلومات تؤكد تورطه في تجارة الأعضاء وغسيل الأموال فأمر الضابط بتفتيش المنزل... انتشرت عناصر الشرطة من جديد وبدأوا في البحث عن أي أوراق أخرى، وبالفعل وجدوا خزينة سرية داخل أحد الجدران بعد أن أزالوا جميع الصور المعلقة على الجدران فأمر الضابط بإحضار رائد وطلب منه فتح الخزينة لكن الأخير وتوعد لهم بل وقذفهم بأسوأ السباب فما كان من الضابط إلا أنه أسكته بلكمة كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً ثم جذبه من تلابيب قميصه قائلاً 

- أفتح الخزنة بدل ما أدفنك مكانك

استغل حكيم الفرصة اعتقاداً منه أن تعاونه مع الشرطة قد يخفف من حكمه فقال بدون أي تردد أو تفكير

- أنا ممكن أفتحها بس تثبت سعادتك أني أتعاونت معاكم
- ماشي، أفتحها

تقدم حكيم من الخزينة وفي أقل من دقيقة فتحها فأشار الضابط إلى رجاله وطلب منهم أخذ رائد وحكيم إلى السيارة ثم بدأ في معاينة محتويان الخزينة فجحطت عينيه ورددت في نفسه 

- الله يخرب بيوتكم هما كام شبكة دعارة وتجارة أعضاء 

******

بفيلا أمير... 
كان يشعر بالقلق على شقيقته لكنه خبئ قلقه خوفاً على والدته، فاصطنع رغبته في الذهاب إلى الحمام ثم ترك وعد برفقة والدته وصعد إلى جناحه ليتحدث إلى حسام... في ذات اللحظة كانت أمل تبكي بحرقة وهي ممسكة بيد حسام الذي مازال غائباً عن الوعي... بمجرد أن صدع صوت رنين هاتفه، مدت يدها وأخذت الهاتف من جيب بنطاله ثم أجابت بنبرة صوت غلفها الألم

- أمير ألحقني حسام بيموت

تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لسماع صوت شقيقته والحزن لما وصلت إليه ولكن تغلب خوفه على سعادته وتساءل بقلق

- أنتوا فين دلوقتي؟ 
- في عربية إسعاف رايحين مستشفى
- أول ما توصلي أسألي أنتوا فين وأسم المستشفى إيه وقوليلي وأنا هتحرك حالا وأخرج على طريق الفيوم
- أنا خايفة يسيبني

قالتها وعادت لتبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه تمالك أنفاسه وقال بثبات 

- هيعيش وهتعيشوا سوا لأخر العمر

ودعها وأنهى المكالمة ثم أدعى أنه ذاهب إلى المشفى حتى لا يفزع وعد ووالدته... ما أن دلف إلى السيارة هاتف أمجد وقص عليه ما حدث كما طلب منه عدم إخبار حنين حتى لا تُصاب بمكروه نتيجة الصدمة

*******

بعد مرور ما يقارب الساعة ونصف وصل أمير إلى وجهته فأوقف سيارته وترجل منها ثم ركض إلى الداخل بحثاً عن أمل، لم تمض سوى عدة دقائق حتى صعد إلى الطابق الرابع حيث توجد غرفة العمليات فركضت أمل باتجاهه ثم ألقت بحسدها في صدره وانفجرت باكية... أحاط جسدها بذراعيه وجاهد بشتى الطرق ليهدئ من خوفها وارتجاف جسدها ولكن دون جدوى فاصطحبها إلى أحد المقاعد وأجلسها ثم جلس إلى جوارها فأسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها علها تتذكر ابتسامته.... مرت الدقائق كأنها دهر ولم تتوقف دموع أمل ولو لدقيقة لكنها ما أن رأت الطبيب يغادر غرفة العمليات، انتفضت عن المقعد وركضت باتجاهه فلحق بها أمير وتساءل

- طمني يا دكتور
- الحمد لله وقفنا النزيف وقفلنا الجرح بق للأسف نزف دم كتير ومحتاج نقل دم بس بلغوني أن فضيلته نادرة فخرجت أشوف وصلوا لفين
- طيب فصيلة دمه إيه وهحاول أتصرف أنا جراح القلب أمير نور الدين

رحب به الطبيب وأخبره بنوع فصيلة دم حسام فقالت أمل: دي نفس فصيلة دمي، أنا أتبرعله

لم تنتظر موافقته بل تخطته وركضت إلى الداخل فاندهش من فعلتها لكنه لم يعلق بل لحق بها ليكمل عمله.... 
اقتربت أمل من حبيبها بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبها المتسارعة خوفاً من فقدانه.... كانت دموعها تتساقط مع كل خطوة تخطوها نحوها، وما أن استقرت أمامه اقتربت من أذنه وهمست 

- فتح عينيك، وحشتني

قاطعها الطبيب حينما طلب منها الاستلقاء ثم بدأ في نقل الدم من جسدها ليساعد حسام على البقاء 

******

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة غادرت أمل عرفة العمليات فساعدها أمير على الجلوس وتساءل

- تعبانه؟ 
- لا طول ما هو كويس هبقى كويسة
- لما الدكتور قبلك سألته ينفع أنقله مستشفى تانية ولا لا ووافق، أتصلت بالمستشفى عندي وهيبعتوا عربية إسعاف خلال ساعة وهنقله هناك أفضل

كادت أن تجيبه إلا أنها تركت مقعدها ومضت خلف حسام الذي يتم نقله من غرفة العمليات إلى غرفة عادية.... سحبت مقعداً وجلست إلى جوار الفراش ولم تقبل بالابتعاد عنه بالرغم من محاولات الطبيب ولكن تدخل أمير وأقنعه ببقائها ثم غادر إلى الخارج وجلس في انتظار وصول سيارة الإسعاف 

*******

بمنزل أمجد... 
كان الخوف يتملك قلب حنين فشقيقها غائب منذ الصباح ولا تعلم عنه شيء... كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تتحدث إلى نفسها فترك أمجد مقعده وتقدم منها ثم قبض برفق على معصمها وقال بهدوء 

- بقالك ساعة ونص على الحالة دي بجد مش هينفع
- عايزني أعمل إيه وحسام غايب من الصبح وما بيردش على تليفونه

قالتها والدموع تتلألأ داخل مقلتيها فأغمض عينيه ثم تنفس بعمق وقرر إخبارها علها تهدأ، فتح عينيه مرة أخرى وقص عليها كل ما حدث فتعالت شهقاتها وهتفت بصوت كساه الألم

- يعني أنت عارف من الصبح ومخبي عليا؟ 
- كنتي أقولك إيه، أخوكي المتصاب راح يجيب أمل ولا أقولك نقلوه مستشفى تانية وحالته صعبة
- أنا عايزه أشوف حسام

جذبها إلى صدره وأحاط جسدها علها تهدأ بين أحضانه ثم أخذ يمسد برفق على خصلات شعرها وهو يقول 

- أمير هينقله المستشفى بتاعته، وأول ما يوصل هنروحله
- لا نروح دلوقتي ونستناه هناك

أبعدها عنه ومسح دموعها بكلتا يديه وتحدث بحنان قائلاً: حاضر يا قلبي بس كفايو دموع هو الحمد لله كويس 

- بجد يا أمجد؟ 
- بجد يا عيون أمجد

******

في الثامنة مساءاً وصلت سيارة الإسعاف إلى مشفى أمير فترجل الأخير من سيارته وطلب منهم نقله برفق إلى الغرفة المجهزة له ثم اصطحب أمل إلى الداخل حتى لا تعيق تحركهم.... بالداخل كان أمجد يجلس إلى جوار حنين في انتظارهم، وبمجرد أن رأت المسعفون يدفعوا سرير حسام، ركضت باتجاهه منادية بأسمه عدة مرات لكنه كان في دنيا أخرى غير دنياهم.... أمسك بها أمجد ليمر المسعفون فخبأت وجهها في صدره وبكت على الحالة المزرية التي وصل إليها حسام فشدد أمجد في احتضانها وقال بهدوء 

- أشششش خلاص كفاية، حسام بخير وهيقوم ويبقى زي الفل
- يارب أنا خايفة أوي
- ما تخافيش يا عمري، يلا نطلعله

ابتعدت عنه وكفكفت دموعها ثم مضت برفقته إلى المصعد وهي تدعو الله حتى لا يصيب شقيقها مكروه

*******

بالغرفة...  
دلفت أمل وجلست على المقعد المجاور للفراش دون أن تتفوه ولو بكلمة فقد كان أحد الأطباء يتفقد مؤشوات حسام الحيوية، وبمجرد أن فرغ نظر إلى أمير وهتف

- الحمد لله وضعه مستقر ومفيش خطروة على حياته
- الحمد لله

هكذا رددت أمل بخفوت وهي تمسك يد حسام بين كفيها، بينما اقتربت حنين من الطبيب وتساءلت

- طيب هو نايم كل ده ليه؟
- لأنه واخد مسكن قوي فيه نسبة مخدر وخلال ساعتين هيفوق بأمر الله، بعد إذنكم

ما أن غادر الطبيب اقتربت حنين من أمل وربتت على كتفها فأدرات الاخيرة رأسها ونظرت إلى حنين قائلة

- آسفة لأني السبب في اللي حصله
- حسام بيحبك وبين الأحبة مفيش أسف، هيبقى كويس طول ما أنتي جمبه

اختلطت دموع أمل بابتسامة ساحرة ثم وجهت نظراتها صوب حبيبها النائم، وخلال دقائق قليلة ودع أمير شقيقته ليعود إلى منزله فهو لم يُخبر والدته بأي شيء، أما حنين فغادرت برفقة زوجها إلى الخارج وجلست إلى جواره في انتظار استعادة حسام لوعيه

******

في ذات اللحظة انتهت التحقيقات التي استمرت لعدة ساعات واعترف خلالها حكيم بإدارة رائد لشبكة تجارة أعضاء وأخرى للدعارة بدلاً من عادل الذي لم يستطع إدارة جميع الشبكات فأدار بعضها وترك البعض الأخر لابن شقيقته الذي يعتبره البعض بمثابة ابنه، بينما تمسك رائد بالصمت ولم يعترف بشيء فنظر وكيل النائب العام إلى رائد بتحدي وقال بثباث

- أكتب، أمرنا نحن أحمد البحيري وكيل النائب العام بحبس كل من رائد سعيد علم الدين وحكيم فاروق محمد لمدة خمس عشر يوماً على ذمة القضايا التالية، خطف أنثى بغرض مواقعتها والإتجار في الأعضاء البشرية وكذلك تسهيل الدعارة وإبتزاز النساء لدفعهن للعمل بالدعارة، كما أمرنا بضبط وإحضار جميع من ثبت تورطه وهم التالي أسمائهم

بدأ وكيل النائب العام بإصدار أمر الضبط والإحضار لما يقارب الخمسون شخصاً ولكن المفاجأة الحقيقة هي وجود أسم نادين وكذلك إبراهيم، وخلال دقائق قليلة انطلقت قوة لضبط وإحضار جميع المتهمين

*******

بمنزل محمود... 
دلفت رمزية إلى الشقة بعد أن قضت يومها بالخارج برفقة زوجها المشاكس... أغلق باب الشقة ولحق بها وقبل أن تدلف إلى الغرفة، أحاط خصرها من الخلف بذراعه وأدارها إليه لنتقابل أعينهم في نظرة طويلة تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام... بادرت برسم الابتسامة التي يعشقها فاقترب بشدة من شفتيها وكاد أن يقتطف قبلة لكنها سبقته عندما أسندت رأسها على كتفه ووضعت يدها على صدره ثم هتفت برقة

- من سنين كتير محستش بالأمان اللي بحسه معاك، ولا بحس بنبض قلبي غير وأنا في حضنك

تسارعت نبضات محمود فرحاً وشدد في احتضانها وبداخله سعادة الدنيا... كم تمنى أن يخبأها بداخلها ليعطيها الحنان الذي تحتاج إليه لكنه اكتفى بقبلة طبعها على خصلات شعرها ثم وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً لتتقابل أعينهم من جديد فقال مازحاً 

- أنا مش قد الكلام الحلو ده
- ده مش مجرد كلام، دي المشاعر اللي جوايا 
- ربنا يقدرني وأسعدك لأخر يوم في عمري
- ربنا يديك الصحة ويخليك ليا

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه غمز لها بمشاكسة وهتف: تعالي بقى أقولك كلمة سر 

ضحكت بشدة على جنونه ومضت برفقته إلى الغرفة لتقضي معه لحظات من العشق سُرقت من الزمن

*******

خلال ساعة ونصف تم ضبط وإحضار العديد من الأسماء المطلوبة للتحقيق وجاء الدور على نادين... توقفت سيارة الشرطة أسفل العقار الذي تسكنه نادين وترجل منها مجموعة من العساكر والضباط واتجهوا مُباشرةً صوب شقتها فطرق أحدهم بابها بحدة.... لم تهتم نادين وأكملت تدخين سيجارتها بينما ركضت خيرية باتجاه الباب وفتحه فاقتحموا الشقة وسألها أحد الضباط

- معانا أمر بضبط وإحضار نادين أمين نور الدين

جحظت عينيّ خيرية بعدم تصديق ولم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة بينما وقفت نادين عن مقعدها وقالت بحدة

- اللي هيقرب مني هقتله، سامعين هقتله

أشار أحد الضباط بيده إلى العساكر فاقتربوا منها واصطحبوها إلى الخارج وهي تردد

- سيبوني، أنا هوديكم في ستين داهية، يا ماما يا ماما

وقفت خيرية مكتوفة الأيدي ولم تستطع مساعدتها، بينما أسفل العقار دفعها أحد العساكر داخل السيارة فجحظت عينيها عندما وجدت العديد من الأطباء الذين شاركوها عمليات سرقة الأعضاء فعلمت أنها النهاية 

*******

بالمشفى... 
استيقظت أمل عندما شعرت بعدم وجود يد حسام بين يدها فقد غفت منذ عدة دقائق لشعورها الشديد الإرهاق وهي مازالت جالسة على المقعد.... فتحت عينيها بفزع ولكن سرعان ما تحول خوفها إلى ابتسامة حينما رأته يصوب نظراتها إليه فقالت بسعادة 

- وحشتني أوي

رمقها حسام بنظرة اندهاش وتساءل: أنتي مين؟ 

جحظت عينيها بعدم تصديق وأجابته: أنا أمل 

- أمل مين؟ 
- يالهووووووي أنت فقدت الذاكرة

لم يستطع أن يتحمل جنونها أكثر من ذلك فانفجر ضاحكاً بالرغم من شعوره بالألم فوضع يده على جرح صدره وهتف مازحاً 

- بهزر يا هبله

لم تغضب وتعنفه كعادتها بل شعرت بفرحة عارمة فحبيبها المشاكس استيقظ وعاد ليشاكسها... تأملته لعدة دقائق وهي تتذكر كل ما فعله لأجلها فقالت بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا رخم

ابتسم بسعادة ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل: تتجوزيني؟ 

توردت وجنتيها خجلاً لكنها استجمعت أنفاسها وأجابته: موافقة طبعاً 

مد لها يده لتساعده على الاعتدال فتأوه عدة مرات وحاولت منعه إلا أنه لم يهتم لاعتراضها، وبمجرد أن اعتدل قليلاً في جلسته جذبها إلى صدره ليغمرها بحنانه ثم همس في أذنها بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- بحبك يا شكل عمري
- وأنا بموت فيك يا هولاكو قلبي


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Monday, March 18, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 18, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غيرة *

غادرت أمل غرفة الرعاية بناءاً على طلب الطبيب ليعاين حسام ثم اقتربت من أمير الذي كان مازال يغفو جالساً على المقعد، ربتت على كتفه ففتح عينيه بفزغ وتساءل بقلق

- حصل حاجة؟ 
- حسام فاق والدكتور عنده جوه
- الحمد لله، تعالي أقعدي وأرتاحي شوية وأنا هتصل أطمنهم

حركت رأسها بالموافقة ثم جلست إلى جواره فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف وعد فأجابت قائلة

- طمني
- الحمد لله فاق والدكتور عنده دلوقتي
- الحمد لله، حنين منهارة جداً وماما سلوى خدتها تنام معاها حتى ماما سوسن هنا محدش قدر يروح
- طمنيهم أنه بخير 

قالها ووقف عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وهتف: وحشتيني

ارتسمت ابتسامة ساحرة هل ثغرها وبادلته كلمات الشوق ثم أنهت المكالمة وغادرت جناحها لتُطمئن الجميع

********

مع الساعات الأولى للصباح غادر أمير المشفى ليعود إلى منزله بعد أن فشلت جميع محاولاته في إقناع أمل بالمغادرة... ودعت شقيقيها وعادت إلى غرفة الرعاية وما أن رآها حسام تقترب، مد لها يده فلم تتردد ولو لدقيقة في الإمساك بها... جلست على المقعد المجاور للفراش وتأملته في صمت فتساءل

- بتبصيلي كده ليه؟ 
- شكلك متبهدل أوووووووي

قالت كلمتها الأخيرة بطريقة تمثيلية فابتسم بصعوبة وهتف مازحاً: أحمدي ربنا أني رجعت، كان زماني مدفون من بدري

لم تشعر بنفسها إلا وهي توكزه في كتفه لشعورها بالغضب فتأوه بشدة لكنها لم تهتم وأدارت وجهها صوب الطرف الأخر فشعر بمقدار العشق الساكن بقلبها... رفع كفها إلى شفتيه بصعوبة ضارباً عرض الحائط بالألم الذي كان يشعر به ثم طبع على ظاهر كفها قبلة حانية وأردف

- أسف كنت بهزر
- هزار بايخ وغتت زيك

قالتها بصوت خفيض دون أن تنظر إليه وسحبت يدها لكن صوتها وصل إلى مسامعه فابتسم على جنونها وقال بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا مجنونة

تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها في صدمة فنظرت إليه وأخذت ترمش عدة مرات بعدم تصديق، أحقاً قال أحبكِ أم أتوهم؟!!!... تساءلت وتساءلت وتساءلت حتى قاطعها حينما تابع بصوت أكثر دفئاً 

- بحبك يا أمل، بحبك بجنون ولو مكنتش هنا كان زمانا مخطوبين 

جحظت عينيها وهي لا تستوعب ما قاله فتمنى أن ينفجر ضاحكاً على هيئتها لكنه لم يريد إفساد سحر اللحظة فأمسك يدها مرة أخري وأكمل حديثه العذب قائلاً 

- لما أمير رجع من السفر طلبت أيدك منه وبعد كده أتفقت معاه أني هخطبك يوم كتب الكتاب بس للأسف بخطبك في العناية المركزة

ابتسمت أثر مزحته ولم تستطع أن تتفوه ولو بكلمة فتساءل: مش فرحانه؟ 

حركت رأسها بالنفي فتابع: أمال ساكته ليه؟ 

توردت وجنتيها خجلاً فكانت الإجابة المناسبة لسؤاله لكنه لم يرفع راية الاستسلام بل قال مازحاً 

- لا ده مش وقت كسوف خالص، اللحظة دي محتاجة نانسي 

رمقته بنظرة نارية ورفعت أحد حاجبيها ثم قالت بغيظ: أنت قليل الأدب

انفجر ضاحكاً فتألم بشدة وتأوه عدة مرات، فانتفضت عن مقعدها وتساءلت بقلق

- مالك؟ 
- هتموتيني ناقص عمر ما تضحكنيش

غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وهتفت بغيظ: عارف لو جبت سيرة الموت تاني، هموتك أنا 

اصطنع الخوف وحرك رأسه بالموافقة فرفعت رأسها بشموخ وتابعت: ناس متجيش إلا بالعين الحمراء صحيح، أتفضل نام علشان لازم ترتاح وأنا كمان عايزه أنام

- طيب مش عايزه تقوليلي حاجة كده ولا كده؟ ولا تعترفي بحاجة كده ولا كده؟ 
- لا، بعدين بعدين

قالتها بحزم ثم جلست على المقعد وأغمضت عينيها فتأملها بعشق وكأنه يود حفر صورة لها، وما أن شعر بالحنين لرؤية عينيها تحدث مازحاً 

- تعالي نامي جمبي

فتحت عينيها أو بالأحرى جحظت عينيها فأغمض خاصته قبل أن تتفجر كعادتها في وجهه فابتسمت على فعلته وأغلقت عينيها مرة أخرى واستسلمت إلى النوم في أقل من دقيقة

*******

في الظهيرة استيقظت رمزية أثر شعورها بلمسات محمود تداعب وجنتها... فتحت عينيها لتتقابل بعينيه فبادر برسم الابتسامة وانتظر حتى بادلته بأخرى ثم طبع على جبينها قبلة حانية وهتف

- صباحية مباركة يا عروسة

أصابها الخجل وشعرت أنها لم تتزوج من قبل وأن ما عاشته لم يكن شيء فقالت بسعادة

- الله يبارك فيك
- يلا قومي جهزت الفطار
- كده تتعب نفسك، كان لازم تصحيني أجهزه
- أنتي عروسة ولازم تدلعي

ما أن وصلت كلماته العذبة إلى مسامعها أتسعت ابتسامتها فخفق قلبه بسعادة وبمجرد أن فاق من سحر ابتسامتها أردف مازحاً 

- هبقى أطلعه منك بعدين 

ضحكت على جنونه فشعر بالربيع يسري داخل أوردته وتأكد أن شعوره نحوها شعور عاشق

*****

في ذات الوقت وصلوا جميعاً إلى المشفى وبمجرد أن أوقف أمجد سيارته ترجلت حنين وركضت إلى الداخل فلحق بها أمجد، وخلال دقيقة واحدة وصل أمير مصطحباً زوجته ووالدته بالإضافة إلى سوسن وطفلتها... توقف المصعد بالطابق الرابع حيث توجد غرفة الرعاية فركضت حنين إلى الغرفة ودلفت إليها بدون سابق إنذار كالإعصار وما أن وقعت عينيها على شقيقها ونبض قلبها تقدمت منه وألقت بجسدها في صدره لتنفجر دموعها كالشلال... شعر بغصة في قلبه لرؤيتها هكذا حتى أنه لم يشعر بالألم الناتج عن احتضانها فتقدم أمجد منها وأبعدها بصعوبة عن صدر حسام وهتف

- غلط كده على الجرح

تذكرت حنين إصابة حسام فقالت برقة: أسفة يا حبيبي 

- أسف أني كنت السبب في دموعك، ما تعيطيش يا قلبي

كادت حنين أن تجيبه ولكن سبقها أمجد حينما تحدث بغيرة ملحوظة قائلاً 

- هو أنا رجل كرسي هنا ولا إيه، بتقوليله حبيبي ويقولك يا قلبي ما تلموا نفسكم

قال كلمته الأخيرة بغيظ ملحوظ فضحكت أمل على جنون ابن خالتها بينما ابتسم حسام بصعوبة أما حنين فرمقته بنظرة نارية وهتفت بحدة

- اه حبيبي عندك مانع؟ 
- لا طبعاً معنديش بس بغير عليكي يا روحي 

قالها ثم غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وبمجرد أن دلف أمير توقفت عن الضحك واصطحبت أمجد إلى الخارج حتى لا تزدحم الغرفة وفعلت أمل المثل بعد أن لوحت بيدها إلى حسام فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً وأغلقت باب الغرفة

******

في الخامسة عصراً غادروا جميعاً وبقت أمل بمفردها معه بالرغم من محاولات حنين للبقاء برفقة شقيقها ولكن مع إصرار أمل وشعورها برغبة حسام في البقاء برفقة حبيبته غادرت.... تم نقل حسام إلى إحدى الغرف فشعرت أمل بقليل من الطمأنينة لكنها بقت بالخارج حتى يسمح لها الطبيب بالدخول... جلست على المقعد المقابل لباب الغرفة وهي شاردة في حبيبها الذي اعترف بعشقه بعد طول انتظار ولكن قاطع شرودها صوت رائد

- مساء الخير 
- مساء النور
- مش حضرتك الصحفية أمل اللي كشفتي تجار الأعضاء 

اندهشت بشدة إلا أنها لم تظهر له ذلك بل حركت رأسها بالموافقة فابتسم لها ابتسامة زائفة وأردف 

- شوفت صورك في الجرايد وكذا برنامج

مد لها يده ليصافحها وهو يقول: مهندس رائد علم الدين

- تشرفنا 

شعرت بالخجل ومع ذلك صافحته ثم سحبت يدها فتحدث قائلاً: بعد إذنك جاي أزور صديق 

- ربنا يشفيه
- يارب لحسن حالته صعبة ومش هيرتاح غير لما يخف

قالها بخبث فقد قصد بكلماته أنه لن يشعر بالراحة إلا إذا نفذ انتقامه... ودعها بابتسامة مصطنعة وغادر فشردت أمل من جديد وهي تشعر أنها رأت هذا الشخص من قبل لكنها لا تتذكر أين رأته وظلت هكذا حتى غادر الطبيب غرفة حسام وسمح لها بالدخول فدلفت وابتسامة ساحرة تزين ثغرها 

- كنتي بتعملي إيه بره؟ اعترفي
- ولا حاجة، وعد جابتلي هدوم هدخل أغير في الحمام
- أجي أساعدك

قالها مازحاً فضيقت بين حاجبيها ثم اقتربت منه وقالت بعد أن أشهرت سبابتها في وجهه

- أنت قليل الأدب
- متأسفين يا شكل كنت عايز أساعد بس
- لا متشكرين 

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها وبمجرد أن دلفت إلى الحمام حررت ضحكته التي اختلطت بصوت الألم فسمعته بوضوح ورددت في نفسها

- الواد انحرف على كبر

*******

مرت عدة أيام هادئة تحسنت خلالها حالة حسام... لم تفارقه أمل ولو لدقيقة فأصبحوا حديث المشفى... انتظر رائد طوال تلك المدة خروجها بمفردها لينفذ انتقامه لكن القدر لم يسمح له بذلك
عادت وعد لتتابع عملها بالمشفى حتى لا تبتعد عن أمير فأصبحوا أيضاً حديث الجميع فقد كان جنونه لا يتوقف متناسياً كل من حولهم
عاد محمود أيضاً إلى عمله فقد مر على زواجه عشر أيام لكنه رفض جميع محاولات رمزية في إقناعه بالعودة إلى عملها بل طلب منها البقاء في المنزل كأميرة متوجة
قضت حنين الأيام الماضية بين منزلها والمشفى لتطمئن على شقيقها وكان أمجد دائم الشعور بالغيرة من غزل حسام لطفلته فتأكدت حنين بالدليل القاطع من جنونه
تعودت سوسن أكثر وأكثر على وجود صغيرتها وشعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد

********

كانت تشعر بالملل بعد أن انتهت من ترتيب المنزل وإعداد الطعام فقررت الذهاب إلى الشركة لتفاجأ محمود... أبدلت ثيابها وغادرت على الفور ثم أوقفت إحدى سيارات الأجرة... لم تمض سوى عشرون دقيقة حتى وصلت إلى وجهتها فترجلت من السيارة ودلفت إلى الداخل... رحب بها العاملون بالشركة وكذلك مديرة مكتب محمود

- الشركة نورت وألف مبروك على الجواز
- الله يبارك فيكي، محمود جوه؟ 
- أستاذ محمود عنده اجتماع مع مديرة الشركة السعودية، دقيقة هديله خبر
- لا عايزه أعمله مفاجأة
- زي ما حضرتك تحبي

شكرتها رمزية ثم اتجهت صوب باب غرفة المكتب وفتحته وقبل أن تتحدث جحظت عينيها عندما وجدت زوجها يمسك يد الفتاة الجالسة على المقعد ولا يفضل بينهما سوى سنتيمترات قليلة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وأغلقت الباب مرة أخرى ثم غادرت كالإعصار فترك يد الفتاة التي كانت تنزف بشدة وحاول اللحاق برمزية بعد أن طلب من مساعدته الاهتمام بالفتاة التي جُرحت يدها وهي تحاول فتح ظرف المناقصة بالسكين المخصص لذلك.... 
أمام الشركة أوقفت رمزية إحدى سيارات الأجرة ودلفت إليها متجاهلة نداءات محمود فانطلق السائق بينما أمر محمود سائقه باللحاق بها والخوف يتملكه من فقدانها

*******

في ذات اللحظة غادر أمير غرفة العمليات بعد جراحة استمرت لأكثر من ساعتين... كان يشعر بالتعب والإرهاف ومع ذلك اتجه مُباشرةً إلى مكتب طفلته بعد أن شعر بالحنين لرؤيتها لكنه ما أن وصل أمام غرفة مكتبها رآها تقف بالخارج وبرفقتها أحد الأطباء فاشتعلت النيران بداخله عندما سمع صوت ضحكاتها... اقترب منها كالإعصار الذي على وشك تدمير كل شيء فتوقفت عن الضحك ما أن رأت ملامح وجهه الغاضبة بينما ابتعد الطبيب ليعود إلى عمله فقبض أمير على معصم وعد وأدخلها إلى غرفة المكتب وبمجرد أن أغلق بابها حرر معصمها وهتف للمرة الأولى بحدة وصوت عال

- إيه يا مدام اللي أنا شوفته بره ده؟ 

سرت رعشة خوف في بدنها ولم تستطع أم تجيبه فكرر سؤاله بطريقة أكثر حدة فقالت بتلعثم

- و و والله حصل حاجة ضحكتني والدكتور عماد 

قاطعها قائلاً بحدة: ما تنطقيش أسمه 

حركت رأسها بالموافقة وجاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها حتى لا تبكي أمامه فاتجه صوب شباك الغرفة ليهدئ من الغضب أو بالأحرى الغيرة التي تملكته فساد الصمت لدقائق قطعتها عندما أردف

- خلي السواق يروحك ولينا حساب لما أروح 

حملت حقيبتها على الفور وغادرت الغرفة فانطلقت دموعها كالشلال... رآها تبكي بحرقة وهو مازال ينظر من الشباك فشعر بغصة في قلبه وترك الغرفة عائداً إلى عمله عله ينسى الغضب 

********

ترجل محمود من سيارته بمجرد أن أوقفها السائق ثم ركض إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته... دلف إلى الداخل وأخذ يبحث عن زوجته الغاضبة فوجدها بغرفة النوم تجمع ملابسها بحقيبة لتغادر... اقترب منها ثم أمسك كفها وأدارها إليه فشعر بالحزن حينما رأى تورم عينيها من كثرة البكاء... كاد أن يتحدث ليبرر ما رأته لكنها سبقته وسحبت يدها ثم أكملت جمع ثيابها وهي تقول 

- لو سمحت مش عايزه أسمع منك حاجة وطالما الموضوع كده من أولها يبقى كل واحد يروح لحاله

شعر بالحزن يضرب كل ذرة في قلبه فهتف بصوت كساه الألم: ممكن تديني فرصة أفهمك و

قاطعته قائلة بعد أن أدارت جسدها وانفجرت في وجهه كالبركان: تفهمني إيه، أنا شوفتك بعيني لازق فيها وكمان ماسك أيدها

لم يتفوه ولو بكلمة بل جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها... ابتعد عن شفتيها بصعوبة ليلتقط أنفاسه وابتسم حينما رآها مغمضة العينين لتستمتع بسحر اللحظة فأحاط خصرها بذراعه وقربها منه بشدة وبمجرد أن فتحت عينيها طبع قبلة حانية على جبينها وبدأ يقص عليها ما حدث فسكنت بين أحضانه وتأكدت من كل ما قاله حينما رأت قطرات الدم الموجودة بيده فقالت بغضب غلفه الدلال

- وأنت طبعاً ما قدرتش تستحمل وجعها وقولت أروح أعالجها، صح؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وشعر بألوان عدة للربيع تسري بين ثنايا قلبه فالجميلة الساكنة بين أحضانه تغار... غرق بين بحور عينيها البندقية وأخذ يتأمل صنع الخالق في وجهها الأشبه بوجه الأطفال ثم تنهد براحة وأجابها بنبرة صوت غلفها العشق

- أنا بحبك، يمكن بقالنا عشر أيام بس متجوزين، بس أنا فعلاً بحبك ولأخر يوم في عمري هحبك أنتي وبس
- بجد؟ 

حرك رأسه لأعلى وأسفل وأجابها: بجد، يلا رجعي هدومك في الدولاب وأوعديني مهما حصل ما تسبيش البيت وأي مشكلة نتتاقش فيها ونحلها قبل ما تكبر

- أوعدك
- يلا رجعي الهدوم علشان نخرج نتغدى

حركت رأسها بالموافقة ونفذت رغبته فجلس على أحد المقاعد وتأملها بعشق حتى انتهت ثم اصطحبها إلى السيارة وانطلق إلى ذات المطعم الذي جمعه به عندما تقدم بطلب الزواج منها

*******

في الثانية عشر صباحاً عاد أمير إلى منزله والغضب مازال يملأ قلبه، دلف إلى الداخل واندهش بشدة لرؤية والدته تجلس بمفردها في تلك الساعة المتأخرة... تقدم منها ثم أمسك يدها وطبع على ظاهر كفها قبلة حانية فبادلته بنظرات نارية لم يعتادها من قبل 

- مالك يا ست الكل؟ 
- كده يا أمير تنكد على مراتك ده أنتوا يادوب بقالكم شهر ونص متجوزين خلاص شهر العسل خلص والنكد اشتغل؟!! 

جلس على المقعد المقابل لها دون أن يتفوه بكلمة فتابعت: عملتلها إيه؟

- هي ما قالتش؟ 
- لا قالت ولا عادت، البنت رجعت من بره منهاره وما بطلتش عياط واليوم كله لا كلت ولا شربت وقافله على نفسها فوق، فضلت قاعده معاها ولما نامت سبتها ونزلت استناك، قولي عملتلها إيه؟ 

قص أمير على والدته كل ما فعلته وعد، كما قص عليها الشجار الذي دار بينهما منذ عدة ساعات فصرت على أسنانها وقالت بحدة

- بتستقوى عليها، إيه ممنوع تكلم حد غيرك، ما أنت سايب أختك بقالها عشر أيام قاعدة في المستشفى ومفيش بينها وبين حسام ارتباط رسمي ومع ذلك كبرتك وقولت طالما أخوها سمحلها يبقى أسكت، لكن توافق لواحدة وتنكد على التانية يبقى ظلم، أتفضل قوم صالحها 

وقف عن مقعده وتقدم من والدته ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وتحدث بهدوء

- حاضر يا ست الكل، أنا أصلاً اليوم كله بلوم نفسي وبالنسبة لأمل الصبح هخليها ترجع وتبقى تروحله زيارة وقت ما تحب
- خلاص مفيش داعي تصالح واحدة وتنكد على التانية، كلها كام يوم وحسام يخرج، أتفضل أطلع صالحها 

ساعد والدته على الوقوف واصطحبها إلى غرفتها ثم صعد الدرج إلى جناحه... دلف إلى غرفة النوم وتفاجأ برؤية وعد نائمة فزفر بضيق وقرر مصالحتها في الصباح... أبدل ثيابه ثم صلى فرضه وأراح جسده إلى جوارها، وللمرة الأولى منذ زواجه لا يجذبها لتغفو بين أحضانه... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى أغمض عينيه عله يحصل على قسط من النوم لكنه استمع إلى صوت أنينها فعلم أنها مازالت مستيقظة، أدار جسده نحو الطرف الأخر ثم قبض برفق على معصمها وأدارها هي الأخرى وشعر بغصة في قلبه عندما رأى دموعها تنساب بغزارة وهي مازالت مغمضة العينين... مد يده ومسح دموعها ثم طبع قبلة على وجنتها وواحدة أخرى على وجنتها الأخرى وقال بهدوء 

- أنا أسف، عارف أني قسيت عليكي بس لما شوفتك بتضحكي معاه غيرت عليكي، فتحي عينيكي بقى وحشوني

حركت رأسها بالنفي وتمسكت بإغلاق عينيها فطبع قبلة على جبينها وتابع

- يلا بقى أفتحيهم 

امتثلت لرغبته وفتحت عينيها فاخذ يتحسس وجنتها بظاهر أنامله وأكمل حديثه قائلاً 

- لسه زعلانه؟

حركت رأسها بنعم فمال عليها وسرق من شفتيها قبلة ثم ابتعد عنها وتساءل 

- هاه لسه زعلانه؟ 
- لا 

قالتها برقة فأراح جسده إلى جوارها وجذبها إلى صدره فأحاطت خصره بذراعها وشددت في احتضانه فشعر أنها تفتقده وتحدث بصوت دافئ قائلاً 

- أنا أسف يا عمري بجد محستش بنفسي

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً ثم غمز لها وتابع بمشاكسة: مراتي زي القمر من حقي أغير عليها

- غير براحتك بس ما تزعقليش تاني علشان بجد قلبي وجعني أوي

شعر بغصة في قلبه فقد قالت كلمتها الأخيرة بصوت مخنوق نتيجة لتجدد بكائها فابعدها عنه واعتدل في جلسته ثم كفكف دموعها وهتف

- خلاص بقى علشان خاطري ما تعيطيش
- حاضر، بس لازم تفهم أني بحبك أوي ومش بشوف راجل في الدنيا غيرك وأنا كنت واقفة معاه علشان كنت بطلب منه طلب فقال كلمة ضحكتني، لكن والله العظيم مفيش حاجة بينا وأنا مش بخونك زي ما بابا عمل، أنا بحبك

كانت كلماتها بمثابة خنجر طُعن في قلبه فقد أيقظ بيده ذكرياتها الحزينة وعلم أن جرح الماضي مازال يسكن بداخلها فمسح دموعها وأمسك وجهها بين كفيه قائلاً 

- أنا بثق فيكي يا عمري، في فرق بين الغيرة وقلة الثقة وأوعدك اللي حصل النهارده مش هيتكرر تاني ولا حتى عايز أعرف قالك إيه ضحكك لأني بثق فيكي فوق ما تتصوري

ابتسمت بسعادة وشعرت بالطمأنينة فبادلها بابتسامته الساحرة وتابع مازحاً 

- قوليلي بقى كان بيقولك إيه؟ 

انفجرت ضاحكة على جنونه فشاركها الضحك ثم استرد أنفاسه وجذبها إلى صدره فبادلته العناق وتمسكت به ثم هتفت وهي مازالت بين أحضانه

- إمبارح طلبت من دكتور عماد يعملي تحليل

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، أبعدها عنه والخوف يتملكه فتساءل بقلق

- تحليل ليه، أنتي تعبانه؟ 

حركت رأسها بالنفي وأجابته: بقالي يومين بدوخ كتير وطلبت منه يعملي تحليل حمل، والنهارده جابلي النتيجة بس لما خرج جريت وراه أقوله ما يقولكش فقالي أنك هتعلقه على باب المستشفى لو مقالكش أن في ضيف هيجيلك بعد ٨ شهور فضحكت و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما انتفض أمير عن الفراش والسعادة تظهر برضوح داخل مقلتيه وهتف

- بجد حامل؟ 
- نتيجة التحليل أهيه

أعطته نتيجة التحليل الرقمي وكُتب به عمر الجنين ثلاثون يوماً فشعر بأنواع عدة للسعادة تسري بداخله وأمطرها بقبلاته ثم جذبها إلى صدره وردد مراراً وتكراراً 

- أسف أسف أسف يا عمري، أنا بجد فرحان أوي ربنا بخليكي ليا
- ويخليك ليا
- بس أنا خايفة دراستي تتأثر بالحمل والولادة والبيبي 

أبعدها عنه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف: ما تقلقيش أنا هساعدك في المذاكرة وماما أصلاً أول ما تقومي بالسلامة هتهتم بيه طول ما أنتي بتذاكري، بمناسبة ماما قالت أنك ما أكلتيش هقوم أعملك حاجة تأكليها

- لا مش جعانه 
- مستحيل هتاكلي يعني هتاكلي

سرق قبلة من شفتيها ثم ترك الفراش واتجه صوب المطبخ فاتجهت وعد صوب الشرفة ونظرت إلى السماء قائلة

- ألف حمد وشكر ليك يارب

*******

رحل ظلام الليل وسطعت شمس يوم جديدة  حاملة مفاجأة لم يتوقعها أحد.... 
في التاسعة فتحت أمل عينيها واستيقظت من النوم عندما شعرت بيد تحاول إيقاظها... جحظت عينيها عندما وجدت حسام يقف أمامها فقالت بغضب 

- إيه قومك من السرير؟ الدكتور قال ممنوع
- أنتي قولتي لازم تروحي الجريدة والمنبه رن أكتر من مرة فخوفت تتأخري
- طيب يلا على السرير

ساعدته على العودة إلى الفراش فتأوه عدة مرات لشعوره بالألم في قدمه المصابة وكذلك صدره... أراح جسده على الفراش وتأملها بعشق وهي تساعده على الاعتدال واضعة وسادة خلف ظهره ثم نظرت إليه وتساءلت بقلق

- في حاجة بتوجعك؟ 
- لا ما تقلقيش، يلا علشان ما تتاخريش على شغلك 
- مش هتاخر عليك ساعتين بالكتير وهرجع 
- خدي بالك من نفسك وما تنسيش تلبسي الساعة 
- حاضر

قالتها ثم تركته ودلفت إلى الحمام لتبدل ثيابها وخلال دقائق قليلة ودعته واتجهت صوب المسجد المجاور للمشفى لتصلي فرضها، وبمجرد أن فرغت استقلت سيارتها التي أرسلها أمير مساء أمس وانطلقت إلى عملها... كانت هناك سيارة تلاحقها وانتبهت أمل إلى ذلك فتعمدت تغيير الطريق فتأكدت شكوكها، شعرت بالخوف وحاولت تضليل السيارة ولكن دون جدوى بل واستطاع قائدها صدم سيارتها من الخلف فتوقفت على جانب الطريق... ترجل مجموعة من الرجال واستطاعوا اختطافها بعد أن تم تخديرها ثم وضعوها داخل سيارتهم وانطلقوا إلى إحدى المناطق النائية بالفيوم حيث ينتظرهم رائد

********

بالمشفى... 
أمسك حسام هاتفه ليتحدث إلى حنين ولكنه قرر إلقاء نظرة على خط سير أمل فاندهش بشدة لتغيير مسارها... حاول الاتصال بها عدة مرات ولكن دون جدوى وبعد مرور ما يقارب نصف الساعة أجاب أحدهم المكالمة وقبل أن يتحدث سبقه وتساءل

- أنتي فين يا أمل؟ 
- مع حضرتك نقيب محمد من شرطة الطرق والمرافق، لقينا العربية مركونة ومفيش حد جواها بس متعلقات الآنسة أمل موجودة وفي شهود أكدوا أن في رجاله أخذوها بالقوة

جحظت عينيّ حسام ولم يشعر بنفسه إلا وهو يترك الفراش ليبحث عن طفلته متبعاً خط سير الإشارات الصادرة عن ساعة يدها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف