سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Tuesday, March 19, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 19, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الرابع والثلاثون - بقلمي منى سليمان

* ضبط وإحضار *

كان يقود بسرعة جنونية متناسياً الألم الرهيب الذي يشعر به فقط كان يشعر بالغضب لضياع محبوبته من بين يده.... تذكر أنه لا يحمل سلاحاً فقد أحضر أحد أصدقائه السيارة وتركها بجراج المشفى، أما سلاحه بقى بحوزة اللواء نجدت حتى عودته إلى العمل فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف اللواء فأجاب الأخير قائلاً 

- أهلاً بالبطل
- سيادة اللواء أمل اتخطفت من عربيتها وأنا في طريقي ليها بس مش معايا سلاح فياريت تأمر بخروج قوة و

قاطعه اللواء قائلاً: أنت أتجننت يا حسام، أزاي تخرج من المستشفى وكمان بتلاحق مجرمين من غير سلاح

- أرجوك يا سيادة اللواء ده مش وقت عتاب المهم ألحق أمل
- وأنت عرفت مكانها أزاي؟ 

قص حسام عليه أمر ساعة اليد المزودة بجهاز تتبع فتأكد اللواء أن حسام يكن لأمل مشاعر وقال بصوت أقرب إلى الرجاء 

- أديني العنوان وأرجع المستشفى حالا وانا هطلع قوة من أكفاء رجالنا 
- أنا مش هقدر أرجع، ولو حضرتك عايز تساعدني بجد تبعت قوة بمجرد ما أحدد مكانها 
- حسام أنا بأمرك ترجع

قاطعه قائلاً: أنا أسف لأول مرة هعارض قرار سيادتك، أمل بالنسبالي مش مجرد صحفية ساعدتنا في قضية، أمل حلم عمري اللي لقيته بعد سنين كتير، أسف مرة تانية وأول ما أحدد المكان هبلغ حضرتك بيه

لم ينتظر رد اللواء فأنهى المكالمة وأكمل تتبعه للإشارة الصادرة عن ساعة يدها... زفر اللواء بضيق ثم أبعد الهاتف عن أذنه وغادر مكتبه كالإعصار ليعد حملة من أكفاء رجاله انتظاراً لاتصال حسام

*******

بجناح أمير... 
تململت وعد في الفراش حينما شعرت بشفتي حبيبها تلامس شفتيها... فتحت عينيها وابتسمت فغمز لها بمشاكسة وهتف

- صباح الخير يا أم عتريسه

ضحكت وعد على جنونه فساعدها على الاعتدال في جلستها واضعاً وسادة خلف ظهرها ثم ابتعد قليلاً وأحضر صينية الطعام وأردف

- يلا يا قمر الأكل ده كله يخلص، وده أمر مباشر من ماما 

ضيقت وعد بين حاجبيها واصطنعت الغضب قائلة: كده قولتلها من غيري، مخصماك

قالت كلمتها الأخيرة بدلال فابتسم على فعلتها ثم طبع قبلة على جبينها وهتف

- من فرحتي ما نمتش وأول ما الفجر أذن قولت زمانها بتصلي فقومت أفرحها
- خلاص سماح المرة دي علشان ماما
- طيب وابن ماما ملوش خاطر

قالها وهو يقترب من شفتيها شيئاً فشيئاً لكنها سبقته ووضعت يدها على صدره مانعة إياه من الاقتراب أكثر قائلة بجدية مصطنعة

- كده هتعطلني والنونو جعان خالص 
- لا كله إلا النونو، يلا يا عمري كلي بالهنا

كادت أن تاكل إلا أنه سبقها وأطعمها بيده كطفلة مُدللة فشعرت بالسعادة واستشعرت حنانه وفرحته بخبر الحمل.... كانت الأجواء ساحرة أطعمها وأطعمته فشاكسها بقبلة على يدها تارة وغمزة من عينه تارة الأخرى، وبمجرد أن فرغت من تناول الطعام حمل الصينية ليغادر لكنه توقف عندما صدع صوت رنين هاتفه فقالت برقة

- أمجد بيتصل

وضع الصينية على المنضدة وأخذ منها الهاتف ثم أجاب قائلاً: بتتصل بدري ليه يا مشرحجي؟ 

- مش وقت غتاتك، أمل عندك؟ 
- لا قالت هتروح الشغل وترجع على المستشفى، في حاجة؟ 
- حسام اختفى ومحدش عارف راح فين واتصلت على أمل ما بتردش وحنين منهارة من العياط
- طيب أقفل هتصل بيها في الجريدة وأكلمك

أنهى المكالمة وأجرى اتصالاً بهاتف الجريدة ولكن تسرب القلق إلى قلبه عندما أخبره أحد العاملين بعدم حضور أمل، فأنهى المكالمة وتحدث مرة أخرى إلى أمجد وأخبره بما حدث فقال الأخير بقلق

- هيكونوا راحوا فين وحسام ممنوع من الحركة؟!! 
- طيب كلمت حسام؟ 
- كلمته ما بيردش، حاول كلمه وقولي رد عليك ولا لا

أبعد أمير الهاتف عن أذنه وبحث عن رقم هاتف حسام ثم ضغط زر الاتصال فزفر حسام بضيق وأجاب قائلاً 

- معاك يا أمير
- أنت وأمل روحتوا فين؟ 

أوقف حسام السيارة على جانب الطريق وأخبر أمير بكل ما حدث فشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه لكنه لم يظهر ذلك خوفاً على وعد فابتسم ولوح إليها ليطمئنها ثم غادر الغرفة وتساءل بقلق

- مين اللي خطفها وعايز منها إيه؟ 
- مش عارف يا أمير، أنا داخل على طريق الفيوم وخلاص الإشارة وقفت في منطقة هناك وأوعدك مش هرجع غير وهي معايا حتى لو التمن حياتي

حاول أمير يشتى الطرق إقناع حسام بالعودة فهو يعلم جيداً خطورة إصابته وتأثير الحركة عليه لكنه لم يعدل عن رأيه بل ودعه وأنهى المكالمة وأكمل طريقه، بينما أنهى أمير المكالمة ووضع رأسه بين كفيه بعد أن سقط أسيراً للخوف والحيرة، هل يخبر والدته بما حدث، أم ينتظر علها تعود برفقة حسام؟ وظل على تلك الحالة لعدة دقائق ثم أخذ قراره وقرر الانتظار داعياً إلى الله أن تعود شقيقته سالمة وكذلك حسام

******

تململت أمل وهي تشعر بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها، وبمجرد أن استعادت وعيها تذكرت ما حدث ففتحت عينيها بهلع... وجدت نفسها مكبلة الأيدي والأرجل في فراش موضوع بقبو منزل فشعرت بخوف لم يتملكها يوماً... حاولت فك وثاق يديها ولكن دون جدوى، كان صدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالخوف، وما أن استمعت إلى صوت أحدهم بالخارج أغمضت عينيها واصطنعت النوم وأخذت تردد بخفوت آيات القرآن... دلف رائد إلى الغرفة برفقة حكيم فقال الأخير بنبرة صوت تحمل الانتصار بطياتها

- جبتها زي ما وعدتك يا باشا، ده الغالي الله يرحمه كان حبيبي وطول عمري بخدمه بعينيا وهخدمك أنت كمان بعينيا بس خرجني بره مصر زي ما وعدتني، الجرايد ملهاش سيرة غير هروب غيري والدنيا مقلوبة عليا و

قاطعه رائد عندما رفع يده لأعلى ليطلب منه التوقف عن الحديث ثم أشار بيده ليغادر فنفذ حكيم رغبته... خلع رائد جاكيت حلته ثم ألقى به على حافة الفراش واقترب من أمل بشدة وأخذ يمرر يده على جسدها بوقاحة... لم تستطع أن تحتمل ما يحدث ففتحت عينيها وقالت بصوت مرتعش

- أبعد عني يا

توقفت عن إكمال كلماتها حينما كمم فمها لكنها لم تستسلم بل قضمت يده بأسنانها فأبعد يده وصفعها بعنف على وجنتها... انهمرت دموعها بغزارة كما سالت الدماء من شفتيها وهتفت بصوت غلبه البكاء 

- حرام عليك، أنا معملتش حاجة ويوم ما شوفتك في المستشفى عاملتك باحترام 

قاطعها قائلاً بحدة وصوت عال: أخرسي 

اقترب منها كالأعصار وكمم فمها بشريط لاصق ثم جلس على حافة الفراش ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتابع 

- أنتي أخدتي مني حاجات كتير، سبع شهور خالي مشغول بيكي ونسيني وكل ما أكلمه يقولي أقفل أنا قاعد مع أمل، أخدتيه مني ودخلتيه السجن بأيديكي وخلتيه ينتحر، أخدتي الملايين اللي كانت في شقته ومخدرات كمان بملايين كان فاضل أسبوع ويحولي الفلوس في سويسرا، أخدتي خالي اللي كان ليا أب وأم وعاش ليا وبس لحد ما أنتي ظهرتي في حياته ونسيني

كانت تستمع إلى كلماته بخوف فاستطاعت بصعوبة ضغط زر الساعة عل حسام يأتي لإنقاذها، في ذات اللحظة أوقف حسام السيارة على مقربة من المكان وبمجرد أن وصل ندائها إليه، ترجل واقترب من المنزل الكائن بمنطقة نائية ثم اتجه صوب السور الخلفي وحاول القفز عدة مرات ولم يمنعه تجدد نزيف الجرح بل كرر محاولاته حتى نجح في الدخول إلى الحديقة الخلفية للمنزل.... 
بالغرفة انتهى رائد من توبيخ أمل وعاد ليتحسس جسدها فحاولت إبعاد يده التي كانت تعبث بحرية إلا أنه لم يهتم لها بل ابتعد عنها قليلاً وأزال ثيابه ثم اقترب منها مرة أخرى

- حكيم قالي أن خالي كان نفسه فيكي، وأنا هحقق اللي كان عايزه وبعدين أبعتك ليه

قالها ثم أزال الشريط اللاصق عن شفتيها وأردف: عايزك تصرخي وتقاومي على قد ما تقدري، ده هيخليني أتمتع أكتر

صرخت بأعلى طبقات صوتها فكانت صرختها الدليل الذي قاد حسام إليها فركض باتجاه الصوت واستطاع الدخول من خلال باب بالحديقة الخلفية واستطاع كذلك الوصول إلى باب الغرفة بسهولة ودلف إليها، وما أن رأى رائد يحاول نزع ثياب أمل، ركض باتجاهه كالإعصار وسدد له عدة لكمات كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً فاقداً للوعي... ابتعد عنه قبل أن يقتله ثم اقترب من أمل وفك وثاقها فارتمت بين أحضانه وانفجرت دموعها كالشلال لكنها ابتعدت عنه عندما تألم 

- جرحك بينزف
- أنا كويس ما تخافيش 

توقف عن إكمال كلماته حينما استمع إلى صوت دوي سيارات الشرطة  فاصطحبها إلى الخارج وهو يخبأها خلفه.... في غصون دقائق قليلة سيطر رجال الشرطة على المنزل فاقترب حسام من أحد زملائه ووضع يده على صدره قائلاً بصعوبة

- أوعدني توصل أمل لبيتها
- حسام جرحك بينزف لازم

قاطعه حسام قائلاً بحدة غلفها الألم: أوعدني

- أوعدك أني هوصلها لحد بيتها

ما أن توقف الضابط عن الحديث، سقط حسام فاقداً للوعي والدماء تُغرق ملابسه... ثنت أمل ركبتيها وجلست إلى جواره راكعة ثم رفعت رأسه عن الأرض ووضعتها فوق قدميها

- حسام أوعى تموت، أنا بحبك قوم يلا وأسمعني وأنا بقولهالك، بحبك يا حسام يلا قوم علشان نتجوز ونعيش سوا، حسااااااام

صرخت منادية بأسمه بأعلى طبقات صوتها فاقترب منها رجال الإسعاف وقاموا بنقله داخل سيارة الإسعاف وبمجرد أن ركبت إلى جواره انطلقوا إلى أقرب مشفى

******

بالمنزل.... 
تم إلقاء القبض على جميع من بالمنزل، ولكن قبل أن تغادر سيارات الشرطة وقعت أعين أحد الضباط على حزمة من الأوراق موضوعة على سطح المكتب الخاص برائد داخل غرفة مكتبه وبداخلها معلومات تؤكد تورطه في تجارة الأعضاء وغسيل الأموال فأمر الضابط بتفتيش المنزل... انتشرت عناصر الشرطة من جديد وبدأوا في البحث عن أي أوراق أخرى، وبالفعل وجدوا خزينة سرية داخل أحد الجدران بعد أن أزالوا جميع الصور المعلقة على الجدران فأمر الضابط بإحضار رائد وطلب منه فتح الخزينة لكن الأخير وتوعد لهم بل وقذفهم بأسوأ السباب فما كان من الضابط إلا أنه أسكته بلكمة كانت كفيلة بإسقاطه أرضاً ثم جذبه من تلابيب قميصه قائلاً 

- أفتح الخزنة بدل ما أدفنك مكانك

استغل حكيم الفرصة اعتقاداً منه أن تعاونه مع الشرطة قد يخفف من حكمه فقال بدون أي تردد أو تفكير

- أنا ممكن أفتحها بس تثبت سعادتك أني أتعاونت معاكم
- ماشي، أفتحها

تقدم حكيم من الخزينة وفي أقل من دقيقة فتحها فأشار الضابط إلى رجاله وطلب منهم أخذ رائد وحكيم إلى السيارة ثم بدأ في معاينة محتويان الخزينة فجحطت عينيه ورددت في نفسه 

- الله يخرب بيوتكم هما كام شبكة دعارة وتجارة أعضاء 

******

بفيلا أمير... 
كان يشعر بالقلق على شقيقته لكنه خبئ قلقه خوفاً على والدته، فاصطنع رغبته في الذهاب إلى الحمام ثم ترك وعد برفقة والدته وصعد إلى جناحه ليتحدث إلى حسام... في ذات اللحظة كانت أمل تبكي بحرقة وهي ممسكة بيد حسام الذي مازال غائباً عن الوعي... بمجرد أن صدع صوت رنين هاتفه، مدت يدها وأخذت الهاتف من جيب بنطاله ثم أجابت بنبرة صوت غلفها الألم

- أمير ألحقني حسام بيموت

تضاربت المشاعر بداخله بين السعادة لسماع صوت شقيقته والحزن لما وصلت إليه ولكن تغلب خوفه على سعادته وتساءل بقلق

- أنتوا فين دلوقتي؟ 
- في عربية إسعاف رايحين مستشفى
- أول ما توصلي أسألي أنتوا فين وأسم المستشفى إيه وقوليلي وأنا هتحرك حالا وأخرج على طريق الفيوم
- أنا خايفة يسيبني

قالتها وعادت لتبكي بغزارة فشعر بغصة في قلبه إلا أنه تمالك أنفاسه وقال بثبات 

- هيعيش وهتعيشوا سوا لأخر العمر

ودعها وأنهى المكالمة ثم أدعى أنه ذاهب إلى المشفى حتى لا يفزع وعد ووالدته... ما أن دلف إلى السيارة هاتف أمجد وقص عليه ما حدث كما طلب منه عدم إخبار حنين حتى لا تُصاب بمكروه نتيجة الصدمة

*******

بعد مرور ما يقارب الساعة ونصف وصل أمير إلى وجهته فأوقف سيارته وترجل منها ثم ركض إلى الداخل بحثاً عن أمل، لم تمض سوى عدة دقائق حتى صعد إلى الطابق الرابع حيث توجد غرفة العمليات فركضت أمل باتجاهه ثم ألقت بحسدها في صدره وانفجرت باكية... أحاط جسدها بذراعيه وجاهد بشتى الطرق ليهدئ من خوفها وارتجاف جسدها ولكن دون جدوى فاصطحبها إلى أحد المقاعد وأجلسها ثم جلس إلى جوارها فأسندت رأسها على كتفه وأغمضت عينيها علها تتذكر ابتسامته.... مرت الدقائق كأنها دهر ولم تتوقف دموع أمل ولو لدقيقة لكنها ما أن رأت الطبيب يغادر غرفة العمليات، انتفضت عن المقعد وركضت باتجاهه فلحق بها أمير وتساءل

- طمني يا دكتور
- الحمد لله وقفنا النزيف وقفلنا الجرح بق للأسف نزف دم كتير ومحتاج نقل دم بس بلغوني أن فضيلته نادرة فخرجت أشوف وصلوا لفين
- طيب فصيلة دمه إيه وهحاول أتصرف أنا جراح القلب أمير نور الدين

رحب به الطبيب وأخبره بنوع فصيلة دم حسام فقالت أمل: دي نفس فصيلة دمي، أنا أتبرعله

لم تنتظر موافقته بل تخطته وركضت إلى الداخل فاندهش من فعلتها لكنه لم يعلق بل لحق بها ليكمل عمله.... 
اقتربت أمل من حبيبها بخطوات هادئة على عكس نبضات قلبها المتسارعة خوفاً من فقدانه.... كانت دموعها تتساقط مع كل خطوة تخطوها نحوها، وما أن استقرت أمامه اقتربت من أذنه وهمست 

- فتح عينيك، وحشتني

قاطعها الطبيب حينما طلب منها الاستلقاء ثم بدأ في نقل الدم من جسدها ليساعد حسام على البقاء 

******

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة غادرت أمل عرفة العمليات فساعدها أمير على الجلوس وتساءل

- تعبانه؟ 
- لا طول ما هو كويس هبقى كويسة
- لما الدكتور قبلك سألته ينفع أنقله مستشفى تانية ولا لا ووافق، أتصلت بالمستشفى عندي وهيبعتوا عربية إسعاف خلال ساعة وهنقله هناك أفضل

كادت أن تجيبه إلا أنها تركت مقعدها ومضت خلف حسام الذي يتم نقله من غرفة العمليات إلى غرفة عادية.... سحبت مقعداً وجلست إلى جوار الفراش ولم تقبل بالابتعاد عنه بالرغم من محاولات الطبيب ولكن تدخل أمير وأقنعه ببقائها ثم غادر إلى الخارج وجلس في انتظار وصول سيارة الإسعاف 

*******

بمنزل أمجد... 
كان الخوف يتملك قلب حنين فشقيقها غائب منذ الصباح ولا تعلم عنه شيء... كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تتحدث إلى نفسها فترك أمجد مقعده وتقدم منها ثم قبض برفق على معصمها وقال بهدوء 

- بقالك ساعة ونص على الحالة دي بجد مش هينفع
- عايزني أعمل إيه وحسام غايب من الصبح وما بيردش على تليفونه

قالتها والدموع تتلألأ داخل مقلتيها فأغمض عينيه ثم تنفس بعمق وقرر إخبارها علها تهدأ، فتح عينيه مرة أخرى وقص عليها كل ما حدث فتعالت شهقاتها وهتفت بصوت كساه الألم

- يعني أنت عارف من الصبح ومخبي عليا؟ 
- كنتي أقولك إيه، أخوكي المتصاب راح يجيب أمل ولا أقولك نقلوه مستشفى تانية وحالته صعبة
- أنا عايزه أشوف حسام

جذبها إلى صدره وأحاط جسدها علها تهدأ بين أحضانه ثم أخذ يمسد برفق على خصلات شعرها وهو يقول 

- أمير هينقله المستشفى بتاعته، وأول ما يوصل هنروحله
- لا نروح دلوقتي ونستناه هناك

أبعدها عنه ومسح دموعها بكلتا يديه وتحدث بحنان قائلاً: حاضر يا قلبي بس كفايو دموع هو الحمد لله كويس 

- بجد يا أمجد؟ 
- بجد يا عيون أمجد

******

في الثامنة مساءاً وصلت سيارة الإسعاف إلى مشفى أمير فترجل الأخير من سيارته وطلب منهم نقله برفق إلى الغرفة المجهزة له ثم اصطحب أمل إلى الداخل حتى لا تعيق تحركهم.... بالداخل كان أمجد يجلس إلى جوار حنين في انتظارهم، وبمجرد أن رأت المسعفون يدفعوا سرير حسام، ركضت باتجاهه منادية بأسمه عدة مرات لكنه كان في دنيا أخرى غير دنياهم.... أمسك بها أمجد ليمر المسعفون فخبأت وجهها في صدره وبكت على الحالة المزرية التي وصل إليها حسام فشدد أمجد في احتضانها وقال بهدوء 

- أشششش خلاص كفاية، حسام بخير وهيقوم ويبقى زي الفل
- يارب أنا خايفة أوي
- ما تخافيش يا عمري، يلا نطلعله

ابتعدت عنه وكفكفت دموعها ثم مضت برفقته إلى المصعد وهي تدعو الله حتى لا يصيب شقيقها مكروه

*******

بالغرفة...  
دلفت أمل وجلست على المقعد المجاور للفراش دون أن تتفوه ولو بكلمة فقد كان أحد الأطباء يتفقد مؤشوات حسام الحيوية، وبمجرد أن فرغ نظر إلى أمير وهتف

- الحمد لله وضعه مستقر ومفيش خطروة على حياته
- الحمد لله

هكذا رددت أمل بخفوت وهي تمسك يد حسام بين كفيها، بينما اقتربت حنين من الطبيب وتساءلت

- طيب هو نايم كل ده ليه؟
- لأنه واخد مسكن قوي فيه نسبة مخدر وخلال ساعتين هيفوق بأمر الله، بعد إذنكم

ما أن غادر الطبيب اقتربت حنين من أمل وربتت على كتفها فأدرات الاخيرة رأسها ونظرت إلى حنين قائلة

- آسفة لأني السبب في اللي حصله
- حسام بيحبك وبين الأحبة مفيش أسف، هيبقى كويس طول ما أنتي جمبه

اختلطت دموع أمل بابتسامة ساحرة ثم وجهت نظراتها صوب حبيبها النائم، وخلال دقائق قليلة ودع أمير شقيقته ليعود إلى منزله فهو لم يُخبر والدته بأي شيء، أما حنين فغادرت برفقة زوجها إلى الخارج وجلست إلى جواره في انتظار استعادة حسام لوعيه

******

في ذات اللحظة انتهت التحقيقات التي استمرت لعدة ساعات واعترف خلالها حكيم بإدارة رائد لشبكة تجارة أعضاء وأخرى للدعارة بدلاً من عادل الذي لم يستطع إدارة جميع الشبكات فأدار بعضها وترك البعض الأخر لابن شقيقته الذي يعتبره البعض بمثابة ابنه، بينما تمسك رائد بالصمت ولم يعترف بشيء فنظر وكيل النائب العام إلى رائد بتحدي وقال بثباث

- أكتب، أمرنا نحن أحمد البحيري وكيل النائب العام بحبس كل من رائد سعيد علم الدين وحكيم فاروق محمد لمدة خمس عشر يوماً على ذمة القضايا التالية، خطف أنثى بغرض مواقعتها والإتجار في الأعضاء البشرية وكذلك تسهيل الدعارة وإبتزاز النساء لدفعهن للعمل بالدعارة، كما أمرنا بضبط وإحضار جميع من ثبت تورطه وهم التالي أسمائهم

بدأ وكيل النائب العام بإصدار أمر الضبط والإحضار لما يقارب الخمسون شخصاً ولكن المفاجأة الحقيقة هي وجود أسم نادين وكذلك إبراهيم، وخلال دقائق قليلة انطلقت قوة لضبط وإحضار جميع المتهمين

*******

بمنزل محمود... 
دلفت رمزية إلى الشقة بعد أن قضت يومها بالخارج برفقة زوجها المشاكس... أغلق باب الشقة ولحق بها وقبل أن تدلف إلى الغرفة، أحاط خصرها من الخلف بذراعه وأدارها إليه لنتقابل أعينهم في نظرة طويلة تبادلا خلالها نظرات أصدق من الكلام... بادرت برسم الابتسامة التي يعشقها فاقترب بشدة من شفتيها وكاد أن يقتطف قبلة لكنها سبقته عندما أسندت رأسها على كتفه ووضعت يدها على صدره ثم هتفت برقة

- من سنين كتير محستش بالأمان اللي بحسه معاك، ولا بحس بنبض قلبي غير وأنا في حضنك

تسارعت نبضات محمود فرحاً وشدد في احتضانها وبداخله سعادة الدنيا... كم تمنى أن يخبأها بداخلها ليعطيها الحنان الذي تحتاج إليه لكنه اكتفى بقبلة طبعها على خصلات شعرها ثم وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً لتتقابل أعينهم من جديد فقال مازحاً 

- أنا مش قد الكلام الحلو ده
- ده مش مجرد كلام، دي المشاعر اللي جوايا 
- ربنا يقدرني وأسعدك لأخر يوم في عمري
- ربنا يديك الصحة ويخليك ليا

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه غمز لها بمشاكسة وهتف: تعالي بقى أقولك كلمة سر 

ضحكت بشدة على جنونه ومضت برفقته إلى الغرفة لتقضي معه لحظات من العشق سُرقت من الزمن

*******

خلال ساعة ونصف تم ضبط وإحضار العديد من الأسماء المطلوبة للتحقيق وجاء الدور على نادين... توقفت سيارة الشرطة أسفل العقار الذي تسكنه نادين وترجل منها مجموعة من العساكر والضباط واتجهوا مُباشرةً صوب شقتها فطرق أحدهم بابها بحدة.... لم تهتم نادين وأكملت تدخين سيجارتها بينما ركضت خيرية باتجاه الباب وفتحه فاقتحموا الشقة وسألها أحد الضباط

- معانا أمر بضبط وإحضار نادين أمين نور الدين

جحظت عينيّ خيرية بعدم تصديق ولم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة بينما وقفت نادين عن مقعدها وقالت بحدة

- اللي هيقرب مني هقتله، سامعين هقتله

أشار أحد الضباط بيده إلى العساكر فاقتربوا منها واصطحبوها إلى الخارج وهي تردد

- سيبوني، أنا هوديكم في ستين داهية، يا ماما يا ماما

وقفت خيرية مكتوفة الأيدي ولم تستطع مساعدتها، بينما أسفل العقار دفعها أحد العساكر داخل السيارة فجحظت عينيها عندما وجدت العديد من الأطباء الذين شاركوها عمليات سرقة الأعضاء فعلمت أنها النهاية 

*******

بالمشفى... 
استيقظت أمل عندما شعرت بعدم وجود يد حسام بين يدها فقد غفت منذ عدة دقائق لشعورها الشديد الإرهاق وهي مازالت جالسة على المقعد.... فتحت عينيها بفزع ولكن سرعان ما تحول خوفها إلى ابتسامة حينما رأته يصوب نظراتها إليه فقالت بسعادة 

- وحشتني أوي

رمقها حسام بنظرة اندهاش وتساءل: أنتي مين؟ 

جحظت عينيها بعدم تصديق وأجابته: أنا أمل 

- أمل مين؟ 
- يالهووووووي أنت فقدت الذاكرة

لم يستطع أن يتحمل جنونها أكثر من ذلك فانفجر ضاحكاً بالرغم من شعوره بالألم فوضع يده على جرح صدره وهتف مازحاً 

- بهزر يا هبله

لم تغضب وتعنفه كعادتها بل شعرت بفرحة عارمة فحبيبها المشاكس استيقظ وعاد ليشاكسها... تأملته لعدة دقائق وهي تتذكر كل ما فعله لأجلها فقالت بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا رخم

ابتسم بسعادة ونظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل: تتجوزيني؟ 

توردت وجنتيها خجلاً لكنها استجمعت أنفاسها وأجابته: موافقة طبعاً 

مد لها يده لتساعده على الاعتدال فتأوه عدة مرات وحاولت منعه إلا أنه لم يهتم لاعتراضها، وبمجرد أن اعتدل قليلاً في جلسته جذبها إلى صدره ليغمرها بحنانه ثم همس في أذنها بنبرة صوت تحمل العشق بطياتها

- بحبك يا شكل عمري
- وأنا بموت فيك يا هولاكو قلبي


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Monday, March 18, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 18, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غيرة *

غادرت أمل غرفة الرعاية بناءاً على طلب الطبيب ليعاين حسام ثم اقتربت من أمير الذي كان مازال يغفو جالساً على المقعد، ربتت على كتفه ففتح عينيه بفزغ وتساءل بقلق

- حصل حاجة؟ 
- حسام فاق والدكتور عنده جوه
- الحمد لله، تعالي أقعدي وأرتاحي شوية وأنا هتصل أطمنهم

حركت رأسها بالموافقة ثم جلست إلى جواره فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف وعد فأجابت قائلة

- طمني
- الحمد لله فاق والدكتور عنده دلوقتي
- الحمد لله، حنين منهارة جداً وماما سلوى خدتها تنام معاها حتى ماما سوسن هنا محدش قدر يروح
- طمنيهم أنه بخير 

قالها ووقف عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وهتف: وحشتيني

ارتسمت ابتسامة ساحرة هل ثغرها وبادلته كلمات الشوق ثم أنهت المكالمة وغادرت جناحها لتُطمئن الجميع

********

مع الساعات الأولى للصباح غادر أمير المشفى ليعود إلى منزله بعد أن فشلت جميع محاولاته في إقناع أمل بالمغادرة... ودعت شقيقيها وعادت إلى غرفة الرعاية وما أن رآها حسام تقترب، مد لها يده فلم تتردد ولو لدقيقة في الإمساك بها... جلست على المقعد المجاور للفراش وتأملته في صمت فتساءل

- بتبصيلي كده ليه؟ 
- شكلك متبهدل أوووووووي

قالت كلمتها الأخيرة بطريقة تمثيلية فابتسم بصعوبة وهتف مازحاً: أحمدي ربنا أني رجعت، كان زماني مدفون من بدري

لم تشعر بنفسها إلا وهي توكزه في كتفه لشعورها بالغضب فتأوه بشدة لكنها لم تهتم وأدارت وجهها صوب الطرف الأخر فشعر بمقدار العشق الساكن بقلبها... رفع كفها إلى شفتيه بصعوبة ضارباً عرض الحائط بالألم الذي كان يشعر به ثم طبع على ظاهر كفها قبلة حانية وأردف

- أسف كنت بهزر
- هزار بايخ وغتت زيك

قالتها بصوت خفيض دون أن تنظر إليه وسحبت يدها لكن صوتها وصل إلى مسامعه فابتسم على جنونها وقال بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا مجنونة

تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها في صدمة فنظرت إليه وأخذت ترمش عدة مرات بعدم تصديق، أحقاً قال أحبكِ أم أتوهم؟!!!... تساءلت وتساءلت وتساءلت حتى قاطعها حينما تابع بصوت أكثر دفئاً 

- بحبك يا أمل، بحبك بجنون ولو مكنتش هنا كان زمانا مخطوبين 

جحظت عينيها وهي لا تستوعب ما قاله فتمنى أن ينفجر ضاحكاً على هيئتها لكنه لم يريد إفساد سحر اللحظة فأمسك يدها مرة أخري وأكمل حديثه العذب قائلاً 

- لما أمير رجع من السفر طلبت أيدك منه وبعد كده أتفقت معاه أني هخطبك يوم كتب الكتاب بس للأسف بخطبك في العناية المركزة

ابتسمت أثر مزحته ولم تستطع أن تتفوه ولو بكلمة فتساءل: مش فرحانه؟ 

حركت رأسها بالنفي فتابع: أمال ساكته ليه؟ 

توردت وجنتيها خجلاً فكانت الإجابة المناسبة لسؤاله لكنه لم يرفع راية الاستسلام بل قال مازحاً 

- لا ده مش وقت كسوف خالص، اللحظة دي محتاجة نانسي 

رمقته بنظرة نارية ورفعت أحد حاجبيها ثم قالت بغيظ: أنت قليل الأدب

انفجر ضاحكاً فتألم بشدة وتأوه عدة مرات، فانتفضت عن مقعدها وتساءلت بقلق

- مالك؟ 
- هتموتيني ناقص عمر ما تضحكنيش

غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وهتفت بغيظ: عارف لو جبت سيرة الموت تاني، هموتك أنا 

اصطنع الخوف وحرك رأسه بالموافقة فرفعت رأسها بشموخ وتابعت: ناس متجيش إلا بالعين الحمراء صحيح، أتفضل نام علشان لازم ترتاح وأنا كمان عايزه أنام

- طيب مش عايزه تقوليلي حاجة كده ولا كده؟ ولا تعترفي بحاجة كده ولا كده؟ 
- لا، بعدين بعدين

قالتها بحزم ثم جلست على المقعد وأغمضت عينيها فتأملها بعشق وكأنه يود حفر صورة لها، وما أن شعر بالحنين لرؤية عينيها تحدث مازحاً 

- تعالي نامي جمبي

فتحت عينيها أو بالأحرى جحظت عينيها فأغمض خاصته قبل أن تتفجر كعادتها في وجهه فابتسمت على فعلته وأغلقت عينيها مرة أخرى واستسلمت إلى النوم في أقل من دقيقة

*******

في الظهيرة استيقظت رمزية أثر شعورها بلمسات محمود تداعب وجنتها... فتحت عينيها لتتقابل بعينيه فبادر برسم الابتسامة وانتظر حتى بادلته بأخرى ثم طبع على جبينها قبلة حانية وهتف

- صباحية مباركة يا عروسة

أصابها الخجل وشعرت أنها لم تتزوج من قبل وأن ما عاشته لم يكن شيء فقالت بسعادة

- الله يبارك فيك
- يلا قومي جهزت الفطار
- كده تتعب نفسك، كان لازم تصحيني أجهزه
- أنتي عروسة ولازم تدلعي

ما أن وصلت كلماته العذبة إلى مسامعها أتسعت ابتسامتها فخفق قلبه بسعادة وبمجرد أن فاق من سحر ابتسامتها أردف مازحاً 

- هبقى أطلعه منك بعدين 

ضحكت على جنونه فشعر بالربيع يسري داخل أوردته وتأكد أن شعوره نحوها شعور عاشق

*****

في ذات الوقت وصلوا جميعاً إلى المشفى وبمجرد أن أوقف أمجد سيارته ترجلت حنين وركضت إلى الداخل فلحق بها أمجد، وخلال دقيقة واحدة وصل أمير مصطحباً زوجته ووالدته بالإضافة إلى سوسن وطفلتها... توقف المصعد بالطابق الرابع حيث توجد غرفة الرعاية فركضت حنين إلى الغرفة ودلفت إليها بدون سابق إنذار كالإعصار وما أن وقعت عينيها على شقيقها ونبض قلبها تقدمت منه وألقت بجسدها في صدره لتنفجر دموعها كالشلال... شعر بغصة في قلبه لرؤيتها هكذا حتى أنه لم يشعر بالألم الناتج عن احتضانها فتقدم أمجد منها وأبعدها بصعوبة عن صدر حسام وهتف

- غلط كده على الجرح

تذكرت حنين إصابة حسام فقالت برقة: أسفة يا حبيبي 

- أسف أني كنت السبب في دموعك، ما تعيطيش يا قلبي

كادت حنين أن تجيبه ولكن سبقها أمجد حينما تحدث بغيرة ملحوظة قائلاً 

- هو أنا رجل كرسي هنا ولا إيه، بتقوليله حبيبي ويقولك يا قلبي ما تلموا نفسكم

قال كلمته الأخيرة بغيظ ملحوظ فضحكت أمل على جنون ابن خالتها بينما ابتسم حسام بصعوبة أما حنين فرمقته بنظرة نارية وهتفت بحدة

- اه حبيبي عندك مانع؟ 
- لا طبعاً معنديش بس بغير عليكي يا روحي 

قالها ثم غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وبمجرد أن دلف أمير توقفت عن الضحك واصطحبت أمجد إلى الخارج حتى لا تزدحم الغرفة وفعلت أمل المثل بعد أن لوحت بيدها إلى حسام فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً وأغلقت باب الغرفة

******

في الخامسة عصراً غادروا جميعاً وبقت أمل بمفردها معه بالرغم من محاولات حنين للبقاء برفقة شقيقها ولكن مع إصرار أمل وشعورها برغبة حسام في البقاء برفقة حبيبته غادرت.... تم نقل حسام إلى إحدى الغرف فشعرت أمل بقليل من الطمأنينة لكنها بقت بالخارج حتى يسمح لها الطبيب بالدخول... جلست على المقعد المقابل لباب الغرفة وهي شاردة في حبيبها الذي اعترف بعشقه بعد طول انتظار ولكن قاطع شرودها صوت رائد

- مساء الخير 
- مساء النور
- مش حضرتك الصحفية أمل اللي كشفتي تجار الأعضاء 

اندهشت بشدة إلا أنها لم تظهر له ذلك بل حركت رأسها بالموافقة فابتسم لها ابتسامة زائفة وأردف 

- شوفت صورك في الجرايد وكذا برنامج

مد لها يده ليصافحها وهو يقول: مهندس رائد علم الدين

- تشرفنا 

شعرت بالخجل ومع ذلك صافحته ثم سحبت يدها فتحدث قائلاً: بعد إذنك جاي أزور صديق 

- ربنا يشفيه
- يارب لحسن حالته صعبة ومش هيرتاح غير لما يخف

قالها بخبث فقد قصد بكلماته أنه لن يشعر بالراحة إلا إذا نفذ انتقامه... ودعها بابتسامة مصطنعة وغادر فشردت أمل من جديد وهي تشعر أنها رأت هذا الشخص من قبل لكنها لا تتذكر أين رأته وظلت هكذا حتى غادر الطبيب غرفة حسام وسمح لها بالدخول فدلفت وابتسامة ساحرة تزين ثغرها 

- كنتي بتعملي إيه بره؟ اعترفي
- ولا حاجة، وعد جابتلي هدوم هدخل أغير في الحمام
- أجي أساعدك

قالها مازحاً فضيقت بين حاجبيها ثم اقتربت منه وقالت بعد أن أشهرت سبابتها في وجهه

- أنت قليل الأدب
- متأسفين يا شكل كنت عايز أساعد بس
- لا متشكرين 

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها وبمجرد أن دلفت إلى الحمام حررت ضحكته التي اختلطت بصوت الألم فسمعته بوضوح ورددت في نفسها

- الواد انحرف على كبر

*******

مرت عدة أيام هادئة تحسنت خلالها حالة حسام... لم تفارقه أمل ولو لدقيقة فأصبحوا حديث المشفى... انتظر رائد طوال تلك المدة خروجها بمفردها لينفذ انتقامه لكن القدر لم يسمح له بذلك
عادت وعد لتتابع عملها بالمشفى حتى لا تبتعد عن أمير فأصبحوا أيضاً حديث الجميع فقد كان جنونه لا يتوقف متناسياً كل من حولهم
عاد محمود أيضاً إلى عمله فقد مر على زواجه عشر أيام لكنه رفض جميع محاولات رمزية في إقناعه بالعودة إلى عملها بل طلب منها البقاء في المنزل كأميرة متوجة
قضت حنين الأيام الماضية بين منزلها والمشفى لتطمئن على شقيقها وكان أمجد دائم الشعور بالغيرة من غزل حسام لطفلته فتأكدت حنين بالدليل القاطع من جنونه
تعودت سوسن أكثر وأكثر على وجود صغيرتها وشعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد

********

كانت تشعر بالملل بعد أن انتهت من ترتيب المنزل وإعداد الطعام فقررت الذهاب إلى الشركة لتفاجأ محمود... أبدلت ثيابها وغادرت على الفور ثم أوقفت إحدى سيارات الأجرة... لم تمض سوى عشرون دقيقة حتى وصلت إلى وجهتها فترجلت من السيارة ودلفت إلى الداخل... رحب بها العاملون بالشركة وكذلك مديرة مكتب محمود

- الشركة نورت وألف مبروك على الجواز
- الله يبارك فيكي، محمود جوه؟ 
- أستاذ محمود عنده اجتماع مع مديرة الشركة السعودية، دقيقة هديله خبر
- لا عايزه أعمله مفاجأة
- زي ما حضرتك تحبي

شكرتها رمزية ثم اتجهت صوب باب غرفة المكتب وفتحته وقبل أن تتحدث جحظت عينيها عندما وجدت زوجها يمسك يد الفتاة الجالسة على المقعد ولا يفضل بينهما سوى سنتيمترات قليلة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وأغلقت الباب مرة أخرى ثم غادرت كالإعصار فترك يد الفتاة التي كانت تنزف بشدة وحاول اللحاق برمزية بعد أن طلب من مساعدته الاهتمام بالفتاة التي جُرحت يدها وهي تحاول فتح ظرف المناقصة بالسكين المخصص لذلك.... 
أمام الشركة أوقفت رمزية إحدى سيارات الأجرة ودلفت إليها متجاهلة نداءات محمود فانطلق السائق بينما أمر محمود سائقه باللحاق بها والخوف يتملكه من فقدانها

*******

في ذات اللحظة غادر أمير غرفة العمليات بعد جراحة استمرت لأكثر من ساعتين... كان يشعر بالتعب والإرهاف ومع ذلك اتجه مُباشرةً إلى مكتب طفلته بعد أن شعر بالحنين لرؤيتها لكنه ما أن وصل أمام غرفة مكتبها رآها تقف بالخارج وبرفقتها أحد الأطباء فاشتعلت النيران بداخله عندما سمع صوت ضحكاتها... اقترب منها كالإعصار الذي على وشك تدمير كل شيء فتوقفت عن الضحك ما أن رأت ملامح وجهه الغاضبة بينما ابتعد الطبيب ليعود إلى عمله فقبض أمير على معصم وعد وأدخلها إلى غرفة المكتب وبمجرد أن أغلق بابها حرر معصمها وهتف للمرة الأولى بحدة وصوت عال

- إيه يا مدام اللي أنا شوفته بره ده؟ 

سرت رعشة خوف في بدنها ولم تستطع أم تجيبه فكرر سؤاله بطريقة أكثر حدة فقالت بتلعثم

- و و والله حصل حاجة ضحكتني والدكتور عماد 

قاطعها قائلاً بحدة: ما تنطقيش أسمه 

حركت رأسها بالموافقة وجاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها حتى لا تبكي أمامه فاتجه صوب شباك الغرفة ليهدئ من الغضب أو بالأحرى الغيرة التي تملكته فساد الصمت لدقائق قطعتها عندما أردف

- خلي السواق يروحك ولينا حساب لما أروح 

حملت حقيبتها على الفور وغادرت الغرفة فانطلقت دموعها كالشلال... رآها تبكي بحرقة وهو مازال ينظر من الشباك فشعر بغصة في قلبه وترك الغرفة عائداً إلى عمله عله ينسى الغضب 

********

ترجل محمود من سيارته بمجرد أن أوقفها السائق ثم ركض إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته... دلف إلى الداخل وأخذ يبحث عن زوجته الغاضبة فوجدها بغرفة النوم تجمع ملابسها بحقيبة لتغادر... اقترب منها ثم أمسك كفها وأدارها إليه فشعر بالحزن حينما رأى تورم عينيها من كثرة البكاء... كاد أن يتحدث ليبرر ما رأته لكنها سبقته وسحبت يدها ثم أكملت جمع ثيابها وهي تقول 

- لو سمحت مش عايزه أسمع منك حاجة وطالما الموضوع كده من أولها يبقى كل واحد يروح لحاله

شعر بالحزن يضرب كل ذرة في قلبه فهتف بصوت كساه الألم: ممكن تديني فرصة أفهمك و

قاطعته قائلة بعد أن أدارت جسدها وانفجرت في وجهه كالبركان: تفهمني إيه، أنا شوفتك بعيني لازق فيها وكمان ماسك أيدها

لم يتفوه ولو بكلمة بل جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها... ابتعد عن شفتيها بصعوبة ليلتقط أنفاسه وابتسم حينما رآها مغمضة العينين لتستمتع بسحر اللحظة فأحاط خصرها بذراعه وقربها منه بشدة وبمجرد أن فتحت عينيها طبع قبلة حانية على جبينها وبدأ يقص عليها ما حدث فسكنت بين أحضانه وتأكدت من كل ما قاله حينما رأت قطرات الدم الموجودة بيده فقالت بغضب غلفه الدلال

- وأنت طبعاً ما قدرتش تستحمل وجعها وقولت أروح أعالجها، صح؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وشعر بألوان عدة للربيع تسري بين ثنايا قلبه فالجميلة الساكنة بين أحضانه تغار... غرق بين بحور عينيها البندقية وأخذ يتأمل صنع الخالق في وجهها الأشبه بوجه الأطفال ثم تنهد براحة وأجابها بنبرة صوت غلفها العشق

- أنا بحبك، يمكن بقالنا عشر أيام بس متجوزين، بس أنا فعلاً بحبك ولأخر يوم في عمري هحبك أنتي وبس
- بجد؟ 

حرك رأسه لأعلى وأسفل وأجابها: بجد، يلا رجعي هدومك في الدولاب وأوعديني مهما حصل ما تسبيش البيت وأي مشكلة نتتاقش فيها ونحلها قبل ما تكبر

- أوعدك
- يلا رجعي الهدوم علشان نخرج نتغدى

حركت رأسها بالموافقة ونفذت رغبته فجلس على أحد المقاعد وتأملها بعشق حتى انتهت ثم اصطحبها إلى السيارة وانطلق إلى ذات المطعم الذي جمعه به عندما تقدم بطلب الزواج منها

*******

في الثانية عشر صباحاً عاد أمير إلى منزله والغضب مازال يملأ قلبه، دلف إلى الداخل واندهش بشدة لرؤية والدته تجلس بمفردها في تلك الساعة المتأخرة... تقدم منها ثم أمسك يدها وطبع على ظاهر كفها قبلة حانية فبادلته بنظرات نارية لم يعتادها من قبل 

- مالك يا ست الكل؟ 
- كده يا أمير تنكد على مراتك ده أنتوا يادوب بقالكم شهر ونص متجوزين خلاص شهر العسل خلص والنكد اشتغل؟!! 

جلس على المقعد المقابل لها دون أن يتفوه بكلمة فتابعت: عملتلها إيه؟

- هي ما قالتش؟ 
- لا قالت ولا عادت، البنت رجعت من بره منهاره وما بطلتش عياط واليوم كله لا كلت ولا شربت وقافله على نفسها فوق، فضلت قاعده معاها ولما نامت سبتها ونزلت استناك، قولي عملتلها إيه؟ 

قص أمير على والدته كل ما فعلته وعد، كما قص عليها الشجار الذي دار بينهما منذ عدة ساعات فصرت على أسنانها وقالت بحدة

- بتستقوى عليها، إيه ممنوع تكلم حد غيرك، ما أنت سايب أختك بقالها عشر أيام قاعدة في المستشفى ومفيش بينها وبين حسام ارتباط رسمي ومع ذلك كبرتك وقولت طالما أخوها سمحلها يبقى أسكت، لكن توافق لواحدة وتنكد على التانية يبقى ظلم، أتفضل قوم صالحها 

وقف عن مقعده وتقدم من والدته ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وتحدث بهدوء

- حاضر يا ست الكل، أنا أصلاً اليوم كله بلوم نفسي وبالنسبة لأمل الصبح هخليها ترجع وتبقى تروحله زيارة وقت ما تحب
- خلاص مفيش داعي تصالح واحدة وتنكد على التانية، كلها كام يوم وحسام يخرج، أتفضل أطلع صالحها 

ساعد والدته على الوقوف واصطحبها إلى غرفتها ثم صعد الدرج إلى جناحه... دلف إلى غرفة النوم وتفاجأ برؤية وعد نائمة فزفر بضيق وقرر مصالحتها في الصباح... أبدل ثيابه ثم صلى فرضه وأراح جسده إلى جوارها، وللمرة الأولى منذ زواجه لا يجذبها لتغفو بين أحضانه... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى أغمض عينيه عله يحصل على قسط من النوم لكنه استمع إلى صوت أنينها فعلم أنها مازالت مستيقظة، أدار جسده نحو الطرف الأخر ثم قبض برفق على معصمها وأدارها هي الأخرى وشعر بغصة في قلبه عندما رأى دموعها تنساب بغزارة وهي مازالت مغمضة العينين... مد يده ومسح دموعها ثم طبع قبلة على وجنتها وواحدة أخرى على وجنتها الأخرى وقال بهدوء 

- أنا أسف، عارف أني قسيت عليكي بس لما شوفتك بتضحكي معاه غيرت عليكي، فتحي عينيكي بقى وحشوني

حركت رأسها بالنفي وتمسكت بإغلاق عينيها فطبع قبلة على جبينها وتابع

- يلا بقى أفتحيهم 

امتثلت لرغبته وفتحت عينيها فاخذ يتحسس وجنتها بظاهر أنامله وأكمل حديثه قائلاً 

- لسه زعلانه؟

حركت رأسها بنعم فمال عليها وسرق من شفتيها قبلة ثم ابتعد عنها وتساءل 

- هاه لسه زعلانه؟ 
- لا 

قالتها برقة فأراح جسده إلى جوارها وجذبها إلى صدره فأحاطت خصره بذراعها وشددت في احتضانه فشعر أنها تفتقده وتحدث بصوت دافئ قائلاً 

- أنا أسف يا عمري بجد محستش بنفسي

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً ثم غمز لها وتابع بمشاكسة: مراتي زي القمر من حقي أغير عليها

- غير براحتك بس ما تزعقليش تاني علشان بجد قلبي وجعني أوي

شعر بغصة في قلبه فقد قالت كلمتها الأخيرة بصوت مخنوق نتيجة لتجدد بكائها فابعدها عنه واعتدل في جلسته ثم كفكف دموعها وهتف

- خلاص بقى علشان خاطري ما تعيطيش
- حاضر، بس لازم تفهم أني بحبك أوي ومش بشوف راجل في الدنيا غيرك وأنا كنت واقفة معاه علشان كنت بطلب منه طلب فقال كلمة ضحكتني، لكن والله العظيم مفيش حاجة بينا وأنا مش بخونك زي ما بابا عمل، أنا بحبك

كانت كلماتها بمثابة خنجر طُعن في قلبه فقد أيقظ بيده ذكرياتها الحزينة وعلم أن جرح الماضي مازال يسكن بداخلها فمسح دموعها وأمسك وجهها بين كفيه قائلاً 

- أنا بثق فيكي يا عمري، في فرق بين الغيرة وقلة الثقة وأوعدك اللي حصل النهارده مش هيتكرر تاني ولا حتى عايز أعرف قالك إيه ضحكك لأني بثق فيكي فوق ما تتصوري

ابتسمت بسعادة وشعرت بالطمأنينة فبادلها بابتسامته الساحرة وتابع مازحاً 

- قوليلي بقى كان بيقولك إيه؟ 

انفجرت ضاحكة على جنونه فشاركها الضحك ثم استرد أنفاسه وجذبها إلى صدره فبادلته العناق وتمسكت به ثم هتفت وهي مازالت بين أحضانه

- إمبارح طلبت من دكتور عماد يعملي تحليل

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، أبعدها عنه والخوف يتملكه فتساءل بقلق

- تحليل ليه، أنتي تعبانه؟ 

حركت رأسها بالنفي وأجابته: بقالي يومين بدوخ كتير وطلبت منه يعملي تحليل حمل، والنهارده جابلي النتيجة بس لما خرج جريت وراه أقوله ما يقولكش فقالي أنك هتعلقه على باب المستشفى لو مقالكش أن في ضيف هيجيلك بعد ٨ شهور فضحكت و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما انتفض أمير عن الفراش والسعادة تظهر برضوح داخل مقلتيه وهتف

- بجد حامل؟ 
- نتيجة التحليل أهيه

أعطته نتيجة التحليل الرقمي وكُتب به عمر الجنين ثلاثون يوماً فشعر بأنواع عدة للسعادة تسري بداخله وأمطرها بقبلاته ثم جذبها إلى صدره وردد مراراً وتكراراً 

- أسف أسف أسف يا عمري، أنا بجد فرحان أوي ربنا بخليكي ليا
- ويخليك ليا
- بس أنا خايفة دراستي تتأثر بالحمل والولادة والبيبي 

أبعدها عنه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف: ما تقلقيش أنا هساعدك في المذاكرة وماما أصلاً أول ما تقومي بالسلامة هتهتم بيه طول ما أنتي بتذاكري، بمناسبة ماما قالت أنك ما أكلتيش هقوم أعملك حاجة تأكليها

- لا مش جعانه 
- مستحيل هتاكلي يعني هتاكلي

سرق قبلة من شفتيها ثم ترك الفراش واتجه صوب المطبخ فاتجهت وعد صوب الشرفة ونظرت إلى السماء قائلة

- ألف حمد وشكر ليك يارب

*******

رحل ظلام الليل وسطعت شمس يوم جديدة  حاملة مفاجأة لم يتوقعها أحد.... 
في التاسعة فتحت أمل عينيها واستيقظت من النوم عندما شعرت بيد تحاول إيقاظها... جحظت عينيها عندما وجدت حسام يقف أمامها فقالت بغضب 

- إيه قومك من السرير؟ الدكتور قال ممنوع
- أنتي قولتي لازم تروحي الجريدة والمنبه رن أكتر من مرة فخوفت تتأخري
- طيب يلا على السرير

ساعدته على العودة إلى الفراش فتأوه عدة مرات لشعوره بالألم في قدمه المصابة وكذلك صدره... أراح جسده على الفراش وتأملها بعشق وهي تساعده على الاعتدال واضعة وسادة خلف ظهره ثم نظرت إليه وتساءلت بقلق

- في حاجة بتوجعك؟ 
- لا ما تقلقيش، يلا علشان ما تتاخريش على شغلك 
- مش هتاخر عليك ساعتين بالكتير وهرجع 
- خدي بالك من نفسك وما تنسيش تلبسي الساعة 
- حاضر

قالتها ثم تركته ودلفت إلى الحمام لتبدل ثيابها وخلال دقائق قليلة ودعته واتجهت صوب المسجد المجاور للمشفى لتصلي فرضها، وبمجرد أن فرغت استقلت سيارتها التي أرسلها أمير مساء أمس وانطلقت إلى عملها... كانت هناك سيارة تلاحقها وانتبهت أمل إلى ذلك فتعمدت تغيير الطريق فتأكدت شكوكها، شعرت بالخوف وحاولت تضليل السيارة ولكن دون جدوى بل واستطاع قائدها صدم سيارتها من الخلف فتوقفت على جانب الطريق... ترجل مجموعة من الرجال واستطاعوا اختطافها بعد أن تم تخديرها ثم وضعوها داخل سيارتهم وانطلقوا إلى إحدى المناطق النائية بالفيوم حيث ينتظرهم رائد

********

بالمشفى... 
أمسك حسام هاتفه ليتحدث إلى حنين ولكنه قرر إلقاء نظرة على خط سير أمل فاندهش بشدة لتغيير مسارها... حاول الاتصال بها عدة مرات ولكن دون جدوى وبعد مرور ما يقارب نصف الساعة أجاب أحدهم المكالمة وقبل أن يتحدث سبقه وتساءل

- أنتي فين يا أمل؟ 
- مع حضرتك نقيب محمد من شرطة الطرق والمرافق، لقينا العربية مركونة ومفيش حد جواها بس متعلقات الآنسة أمل موجودة وفي شهود أكدوا أن في رجاله أخذوها بالقوة

جحظت عينيّ حسام ولم يشعر بنفسه إلا وهو يترك الفراش ليبحث عن طفلته متبعاً خط سير الإشارات الصادرة عن ساعة يدها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Sunday, March 17, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 17, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثاني والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غرام وانتقام *

الحب كلمة من أربع حروف ولكن تحمل بداخلها الكثير، نظرات وهمسات ومشاكسات وصعاب يتخطاها فقط الحب الحقيقي...
تململ أمير في الفراش وفتح عينيه بمجرد أن استشعر عدم وجود وعد إلى جواره... ترك الفراش وأخذ يبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتجلس قطتها على قدمها... اقترب منها بهدوء إلى أن استقر خلفها ثم ثنى جزعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة وتساءلت

- إيه صحاك؟
- قلقت لما ما لاقتكيش جمبي، مالك؟

قال كلمته الأخيرة بعد أن جلس على المقعد المقابل لها فأجابته: مفيش حاجة، قلقت وقومت، قولت أصحيك لما المنبه يرن علشان تروح شغلك، شهر العسل خلص

قالتها بطريقة طفولية فقبض برفق على معصمها ثم جذبها بخفة فوقفت عن مقعدها وجلست مرة أخرى على قدمه وتابعت

- أوعي تنشغل عني
- إيه رأيك تيجي معايا؟
- مش هينفع أخر الأسبوع كتب كتاب ماما يعني فاضل أربع أيام ويادوب نحلق نجهز كل حاجة

رفع يدها إلى شفتيه وطبع على باطن كف يدها قبلة عميقة وهتف: خدي بالك من نفسك وما تتعبيش نفسك

- ما تخافش عليا
- لا أخاف طبعاً لتكوني حامل ولا حاجة

غمز لها بمشاكسة فضحكت على جنونه وبمجرد أن استردت أنفاسها وضعت يدها على كتفه وتحدثت مازحة

- مخك ضرب خالص من أول شهر جواز
- لو مكنش ورايا شغل كنت وريتك الجنان على أصوله

صمتت لدقائق وشردت في عينيه فبادلها نظرات العشق وتأمل كذلك انعكاس صورته داخل عينيها لتقطع الصمت قائلة

- أنا بحبك أوي
- وأنا بعشقك

******
بمنزل أمجد...
استيقظ في الثامنة والنصف عندما صدع صوت رنين آلة التنبيه وقبل أن يترك فراشه ألقى نظرة سريعة على صغيرته النائمة فقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- صباح الخير

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم طبع قبلة على جبينها ففتحت عينيها وأردفت

- هتسيبني وتروح المشرحة؟
- غصب عني معجزة أني أخدت شهر أجازة بس مش هتأخز، هتنزلي أمتى؟
- هعدي على وعد الساعة ١١ وسواق أمير هيوصلنا عند طنط سوسن
- خدي بالك من نفسك

قالها ثم أتكى على ذراعه وأخذ يداعب وجنتها بظاهر يده فتركت وسادتها وأتخذت من صدره وسادة وتابعت

- أنا بحبك أووووي كتيررررررر
- وأنا بعشقك يا أجمل مجنونة في الدنيا، حسام قالك أنه هيطلب أيد أمل في كتب كتاب بابا؟
- قالي وحلفني ما أقولهاش وللأسف مضطرة أسكت بس هقول لوعد لساني مش قادر يسكت

ضحك على جنونها فشاركته الضحك وهي تشعر بالسعادة لأجل شقيقها الذي قرر الزواج بعد طول انتظار ولن يبقى وحيداً

******

في التاسعة استيقظت أمل لتذهب إلى عملها لكنها لم تغادر الفراش بل رقدت على ظهرها وأخذت تفكر في الهمجي الذي سقطت في غرامه وتعلم جيداً أنه يكن لها مشاعر ولا يرغب في البوح بمشاعره... شعرت برغبة ملحة في الفتك به فقد تزوج الجميع وهي باقية في انتظار اعترافه فاعتدلت في جلستها ثم أمسكت هاتفها وبحثت عن صورته وبمجرد أن وجدتها ضيقت بين حاجبيها وهتفت بغيظ

- أقسم بالله حلوف ولا بتحس و

توقفت عن إكمال كلماتها وصرخت عندما صدع صوت رنين هاتفها ثم وضعت يدها على ثغرها وتنفست بعمق ثم أزالتها وأردفت

- منك لله خضتني وأنا بهزقك

ضغطت زر الإيجاب بعد أن توعدت له وقالت بحدة: نعم

أبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد من الرقم فتأكد أنه يتحدث إليها فلوى شفتيه بضجر وقال

- مالك يا بت أنتي؟
- ملكش دعوة، هتقول متصل ليه ولا أقفل السكة في وشك؟
- أقفليها كده وأنا أجي أجيبك من شعرك

قالها بحدة تفوق حدتها فصرت على أسنانها فكانت أشبه بالبركان الذي على وشك الانفجار وإلقاء الحمم البركانية ولكن في وجه حسام فقط فتحدثت بغيظ قائلة

- مين دي اللي تجبها من شعرها يا بارد يا تلم يا رخم
- أتعدلي يا أمل بدل ما أعدلك وأقص لسانك
- أنا مش عايزه أتكلم معاك أصلاً، أقففففففل

أبعدت الهاتف عن أذنها وألقت به على الفراش اعتقاداً منها أنه أنهى المكالمة فتابعت بغيظ وهي تنظر إلى الهاتف

- الكل بيتجوز وأنا قاعده مستنيه جنابك تنطق وتقولي بحبك، جتك القرف

تركت الفراش واتجهت كالإعصار صوب الحمام فأبعد حسام الهاتف عن أذنه وابتسم بسعادة فطفلته تعشقه بجنون وغضبها نابع عن العشق الساكن بداخلها فتنهد براحة وردد في نفسه وهو ينظر إلى صورتها الموجودة بهاتفه

- حمارة صحيح، كلها أربع أيام وأقولك أني بعشقك يا هبله

*******

في الظهيرة ذهبت حنين إلى منزل وعد ليذهبن إلى منزل سوسن وبالطريق أخبرتها حنين برغبة حسام في الزواج من أمل فشعرت وعد بالسعادة لأجل حسام كما رحبت باختياره لأمل... بعد مرور ما يقارب الساعة ترجلن أمام مركز تجاري فخم وبدأن في اختيار كل ما يليق برمزية التي عادت الفرحة تسري بداخلها من جديد....
مرت الأيام هادئة و انشغلوا جميعاً في تحضيرات عقد القران وطوال تلك المدة تعمدت أمل عدم رؤية حسام ولم تجيب أي من مكالماته عله يشعر بأهميتها

******

في صباح اليوم الرابع كانت وعد في طريقها إلى المطبخ عندما صدع صوت رنين جرس شقة سوسن فقد قضت ليلتها برفقة والدتها... اندهشت بشدة فلم تتخطى الساعة السابعة صباحاً فاتجهت صوب باب الشقة وفتحته لتتفاجأ بحبيبها.... أتسعت ابتسامتها الساحرة فبادلها بأخرى وقال بعشق

- وحشتيني، وطول الليل ما نمتش علشان مش في حضني

خفق قلبها بسعادة مع كل كلمة من كلماته وبمجرد أن فاقت من سحر كلماته ألقت بجسدها في صدره فشدد في احتضانها ليطفأ شوقه وحنينه إليها... ابتعدت عنه بصعوبة فدلف إلى الداخل وتساءل بعد أن أغلق باب الشقة

- كنتي صاحيه ولا صحيتك؟
- أنا كمان ما نمتش طول الليل وكنت رايحه أعمل شاي يفوقني
- يبقى نشربه سوا

أمسكت يده واصطحبته إلى المطبخ فشاكسها بلمساته وقبلاته فكانت تعبس تارة وتبتسم على جنونه الذي لا يتوقف تارة أخرى، وما أن انتهت من إعداد الشاي حمل عينيها الصينية واتجه إلى الشرفة... انتبهت وعد إلى صوت بكاء أمل فاتجهت إلى غرفة الصغيرة وحملتها فتوقفت عن البكاء... وقف أمير عن مقعده حينما رأى وعد تقترب وصغيرته بين يديها فحملها وقال بسعادة

- وحشتيني، صاحيه بدري ليه أنتي كمان؟
- أكيد عرفت أنك هنا

قالتها وعد فنظر إليها وهتف: قصدك بتقطع عليا

- أمولا تعمل اللي هي عايزاه و

توقفت عن إكمال كلماتها عندما صدع صوت رنين هاتف أمير فاندهشت بشدة إلا أنها لم تعلق بينما أخرج أمير الهاتف من جيب بنطاله واندهش هو الأخر لاتصال حسام في هذه الساعة المبكرة فأجاب قائلاً

- أنت ما نمتش من فرحتك ولا إيه؟
- للأسف طلبوني في مهمة مستعجلة بس بأمر الله هكون موجود في المعاد ولو أتأخرت ما تقلقش
- خد بالك من نفسك، ترجع بالسلامة

أنهى حسام المكالمة وحاول الاتصال بأمل ليتحدث إليها قبل أن يغادر لكنها تمسكت بالعناد ولم تجيبه فزفر بضيق وكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى فأرسل إليها رسالة نصية

(خلي عندك دم وردي عليا، أولاً وحشتيني جداً.. ثانياً أنا طالع دلوقتي مهمة وعايز أسمع صوتك علشان لو ما رجعتش يكون صوتك أخر صوت سمعته)

أرسلها ثم حمل مفتاح سيارته ليغادر وقبل أن يصل إليها صدع صوت رنين هاتفه وسرت السعادة بأوردته عندما وجد الاتصال منها فأجاب قائلاً بصوت دافئ

- وحشتيني

لم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة فقد كانت تبكي بغزارة تأثراً بكلماته فشعر بغصة في قلبه وتساءل

- بتعيطي ليه؟
- علشان أنت رخم أوي ورسالتك رخمة زيك، عارف لو ما رجعتش على معاد كتب الكتاب هاجي أجيبك أنا

مرر يده بين خصلات شعره في سعادة فالجميلة خاصته تخشى عليه وتبكي من خوفها لفقدانه فتنفس بعمق وتمنى أن يخبرها بعشقه إلا أنه فضل الانتظار للمساء حتى لا يُفسد كل ما خطط له فتحدث بصوت دافئ قائلاً

- ما تعيطيش وما تخافيش عليا، أنا هرجع علشانك يا أمل

اختلطت دموعها بابتسامة ساحرة وهتفت: لا إله إلا الله

- محمد رسول الله

قالها وأنهى المكالمة ثم دلف إلى سيارته وانطلق بها، بينما أنهت أمل المكالمة وتركت فراشها ثم توضأت وصلت ركعتين لله لكي يعود حسام إليها كما وعدها

******

في السادسة مساءاً أوقف أمجد سيارته أسفل منزل سوسن.... ترجل منها وكذلك فعل والده وهو يشعر بالتوتر فالمشاعر التي تسري بداخله كان قد نسيها فأعاده أمجد إلى أرض الواقع عندما ربت على كتفه وقال مازحاً

- مبروك يا عريس، عايزينك تشرفنا النهارده

صر محمود على أسنانه ووكز ابنه المشاكس في كتفه فتأوه كمشاكسة لوالده إلا أنه لم يهتم وهتف بغيظ

- لم نفسك يا قليل الأدب
- بشجعك الله
- واد أنت إحنا طالعين عند الناس عارف لو قعدت تضحكني زي عوايدك هتبرى منك

أسر أمجد ابتسامته بصعوبة وحرك رأسه بالموافقة ومضى برفقة والده وهو يتمتم في نفسه

- أبويا ده نمس بس مداري

وصل محمود إلى وجهته فوقف يهندم ثيابه ثم تنفس بعمق وضغط زر الجرس... ترك أمير مقعده واتجه صوب باب الشقة وفتحه فدلف محمود وأخذ يبحث بعينيه عن عروسه لكنه لم يجد أحد فنظر إلى أمير متسائلاً

- هو مفيش غيرك ولا إيه؟
- والله بقالي ساعتين مرمي هنا لوحدي وكلهم في الأوضة مع العروسة
- طيب

دلف إلى الداخل ولحق به أمجد فوكز أمير في كتفه وقال مازحاً: أبويا متوتر، تقولش أول مرة يتجوز

- أتهد ما تضحكنيش بدل ما يشتمنا

بعد مرور عدة دقائق حضر الشيخ الذي سيقوم بعقد القران فاتجه أمير صوب غرفة وعد وطرق بابها ليخبرهم بوصول الشيخ فتأبطت رمزية ذراعه ومضت برفقته وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالتوتر، وبمجرد أن استقرت أمام محمود أتسع ثغره فقدت كانت تشبه الأميرات... كانت ترتدي فستاناً ضيق من الستان الأبيض، حجاب باللون الوردي مع لمسات طفيفة من الماكياج.... اقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها فخجلت بشدة وسحبت يدها مسرعة فقال محمود بسعادة

- مبروك يا عروسة
- الله يبارك فيك

تأبطت ذراعه ومضت معه إلى طاولة عقد القران المزينة بالورود الحمراء والستان الأبيض فبدأ الشيخ في إجراءات عقد القران... كانت الأجواء ساحرة وشعر الجميع بفرحة عارمة عدا أمل فقد كانت تشعر بالقلق على حسام الذي لم يأتي حتى الآن... لاحظ أمير شرود شقيقته فأخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً بهاتف حسام لكنه وجده مغلقاً فشعر هو الأخر بالقلق... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الشيخ وعلا صوت الفرح في أرجاء المكان وتبادلوا التهاني حتى استقرت رمزية أمام محمود فطبع قبلة على جبينها وهتف بصوت دافئ

- ألف مبروك يا أجمل عروسة
- الله يبارك فيك

أخرج علبة من جيب بنطاله وفتحها ثم أخرج منها أسواره وألبسها إياها وألبسها أيضاً خاتم من الألماس فقالت برقة

- ليه كلفت نفسك؟
- دي شبكتك ده أولاً، ثانياً مفيش حاجة في الدنيا تغلى عليكي
- ربنا يخليك ليا ويفرح قلبك زي ما بتفرحني
- طول ما أنتي جمبي الفرحة هتسكن في قلبي، يلا بينا

بعد مرور ما يقارب الساعة تأبطت رمزية ذراعه بعد أن ودعت ابنتها والجميع ثم مضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى منزله ليبدأ حياة جديدة وهي إلى جواره

*******

بشقة سوسن...
اجتمعوا على مائدة الطعام وقضوا سوياً أوقات سُرقت من الزمن عدا أمل فقد كانت كالمغيبة ولا تشعر سوى بالقلق على الغائب الذي ودعها منذ أكثر من ١٢ ساعة ولم يأتي حتى الآن ولكن قاطع شرودها صوت هاتف حنين فأجابت قائلة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، أستاذة حنين معايا؟
- أيوه
- أنا الرائد سمير زميل حسام

تسارعت نبضات قلبها خوفاً فوقفت عن مقعدها وقالت بصوت مرتعش غلفه الخوف

- حسام حصله حاجة؟

انتفضت أمل عن مقعدها واقتربت من حنين كالإعصار ثم اختطفت الهاتف واستمعت إلى صوت زميله يقول

- حسام أتصاب وهو موجود دلوقتي بمستشفى الشرطة

لم تستطع أمل أن تتحمل ما سمعته فسقطت مغشياً غليها... حملها أمير ووضعها على الأريكة بينما صرخت حنين منادية بأسم شقيقها بعد أن تحدثت إلى زميله وعلمت هي الأخرى بما حدث.... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادروا جميعاً إلى المشفى فلم تتوقف حنين ولو لدقيقة عن البكاء وكذلك أمل... ما أن وصلوا أمام مستشفى الشرطة ترجلت أمل وركضت مسرعة إلى الداخل فشعروا بالأسى عليها... رأت اللواء نجدت يقف أمام باب غرفة العمليات فاقتربت منه وتساءلت

- فين حسام؟
- في العمليات وللأسف أصابته خطيرة

وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها ثم تراجعت إلى الخلف وجلست على أحد المقاعد فانفجرت دموعها كالشلال... مضت ساعة كاملة على وجود حسام بغرفة العمليات، وبمجرد أن خرج الطبيب منها، ركضوا جميعاً باتجاهه

- حالته حالياً مستقرة بس هيفضل في الرعاية ولو الأربعة وعشرين ساعة الجايين فاتوا من غير مضاعفات يبقى مفيش خطر على حياته، بعد إذنكم

غادر الطبيب وتم إخراج حسام من غرفة العمليات فانهمرت دموع أمل كالشلال ولحقت به إلى غرفة الرعاية المركزة ولكن منعها الطبيب من الدخول فوقفت أمام زجاج الرعاية وراقبته وهي تردد

- ما تسيبنيش أنا بحبك

ظلت تراقبه عبر الزجاج الكاشف لغرفة الرعاية لمدة ثلاث ساعات دون أن تشعر بالتعب وفشلت محاولات الجميع في أقناعها لترتاح ولو دقيقة فطلب أمير من أمجد اصطحاب الجميع إلى الفيلا، رفضت حنين المغادرة ولكن مع إصرار الجميع غادرت وبقى أمير برفقة شقيقته... قبض على معصمها برفق وأجبرها على الجلوس ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه فأسندت رأسها على صدره وتجددت دموعها

*******

بمطار القاهرة هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من سويسرا وعلى متنها رائد علم الدين الذي جاء خصيصاً لينتقم مِن مَن راقبها رجاله لثلاث أسابيع تمهيداً لاختطافها... دلف إلى السيارة وأمر سائقها بالانطلاق، بعد مرور ما يقارب نصف الساعة توقف السائق أمام فندق سبع نجوم يطل على نهر النيل وبمجرد أن ترجل رائد وجد خادمه الوفي يقف في انتظاره بعد أن أخفى هيئته بنظارة سوداء وشعر مستعار... صعد رائد إلى جناحه فأطلعه حكيم على كافة المعلومات التي حصل عليها فراجع رائد الملف وتوقف أمام صورتها فأمر حكيم بالانصراف ثم نظر إلى الصورة وقال ببرود

- حلوة وخسارة في الموت، هبقى أتسلى بيكي قبل ما أقتلك

********

في الواحدة والنصف من منتصف الليل حل السكون داخل المشفى وغفى أمير على المقعد المقابل لغرفة الرعاية لكن أمل لم تغفى فالنيران المشتعلة بداخلها لن تخمد إلا عندما بستيقظ حبيبها المشاكس... اختلطت دموعها بابتسامة عندما تذكرت نبرة صوته وهو يناديها "بشكل" تارة و"نانسي" تارة أخرى فرددت بخفوت

- أصحى بقى يا مجنون

فاقت من شرودها عندما وجدت الطبيي يقترب من الغرفة فنظرت إليه بأعين ذبلت من كثرة البكاء وقالت بصوت أقرب إلى الرجاء

- ما ينفعش أدخل؟
- صدقيني صعب بس لما يفوق هتكوني أول واحدة تدخلي
- طيب هدخل معاك دلوقتي وهخرج وأنت خارج، هشوفه بس وأخرج أرجوك

قالت كلمتها الأخيرة والدموع تتساقط بغزارة من مقلتيها فشعر الطبيب بالأسى على حالها ولم يشعر بنفسه إلا وهو يسمح لها بالدخول فكفكفت دموعها وارتدت الملابس المخصصة للرعاية ثم ركضت إلى الداخل وجلست على المقعد المجاور له واضعة كفه بين كفيها وهمست بالقرب من أذنه

- قوم بقى يا رخم، الدنيا وحشه من غير رخامتك وغتاتك

وصلت كلماتها الأخيرة إلى مسامع الطبيب فأسر ضحكته بصعوبة وردد في نفسه

- غرام وانتقام

لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الطبيب من معاينة حسام وطلب من أمل الخروج لكنها لم تستطع ترك يده وتجدد بكائها فسمح لها بالبقاء لعدة دقائق أخرى وغادر ليتابع عمله... استعاد حسام وعيه بمجرد أن غادر الطبيب وأغلق باب الرعاية لكنه لم يفتح عينيه عندما استنشق عبير عطرها وشعر كذلك بيدها الممسكة بيده

- أول مرة قابلتك لما فتحتلك باب الشقة قولت لنفسي إيه الهيبة دي لسه في رجالة ليهم هيبة كده

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة واستمع إلى باقي حديثها

- وبعد كده رخمت عليا وقولت إيه قليل الذوق ده لسه في رجالة قلالات الذوق كده، وبعدها طبعاً معركة الاجتماع، اللواء نجدت كان شكله مسخرة وهو بيفض العاركة زي ما بيقولوا

ضحكت بجنون حينما تذكرت الشجار العالمي الذي دار أثناء اجتماع كبار قادة البحث الجنائي لكنها توقفت فجأةً عن الضحك وتساقطت دموعها من جديد حتى أنه شعر بدموعها على كف يده فكاد أن يفتح عينيه ليخبرها أنه مازال إلى جوارها إلا أنها أكملت حديثها قائلة

- بس برغم كل حاجة حصلت وبرغم رخامتك وغتاتك أنا بحس معاك بالأمان، اليومين اللي فاتوا من غير ما أكلمك كانوا أسوأ أيام حياتي ولو ما فتحتش عينيك تاني وسبتني ومشيت مش هعيش بعدك، يلا بطل رخامة وقوم قولي أنك كويس ومش هتسيبني

لم يستطع أن يتحمل صوت بكائها أكثر من ذلك فضغطت بيده على يدها ليخبرها أنه إلى جوارها فتوقفت عن البكاء ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم من جديد وقبل أن تتحدث سبقها وهتف بصعوبة وصوت غلفه الألم

- أسف أني أتأخرت عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها فاختلطت دموعها بابتسامة ساحرة جعلت جهاز تخطيط نبض القلب الموصول بجسده يسجل تزايد في عدد نبضاته فهتف مازحة هي الأخرى

- وحشتني يا أرخم هولاكو في الدنيا

شعرت بيده تحاول جذبها فوقفت عن مقعدها واقتربت منه فجذبها مرة أخرى وجعلها تقترب أكثر فظنت أنه يريد قول شيء لكنه فاجئها عندما طبع قبلة على جبينها ما جعل حمرة الخجل تسيطر على وجنتيها فابتسم على هيئتها وهتف مازحاً وهو مازال ممسكاً بكف يدها

- سبحان الله طلعت بتتكسف يا شكل

لم تجيبه ولو بكلمة فقد كان شعورها بالخجل يفوق طاقتها فتابع: زعلانه مني؟

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي ثم استجمعت شجاعتها وقالت برقة: هروح أجيب الدكتور علشان يطمن عليك

همت أن تسحب يدها لتبتعد لكنه لم يسمح بذلك فنظرت إليه وأردفت: سيب أيدي علشان

قاطعها قائلاً: خليكي جمبي، ما تبعديش

قالها بصوت دافئ لم يعتاد عليه فخفق قلبها بسعادة وجلست على المقعد المجاور للفراش وساد الصمت لتتحدث لغة العيون فكلماتها أصدق وتصل إلى القلب مُباشرةً

*******

بمنزل محمود...
تململ في الفراش بعد أن شعر بعدم وجود رمزية فاعتدل في جلسته ونظر إلى ساعة الحائط ووجدها تشير إلى الثانية صباحاً... ترك الفراش وترك الغرفة كذلك ليبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتتأمل سكون الليل والسماء المزينة بالنجوم... اقترب منها حتى استقر خلفها ثم أحاط ظهرها بذراعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم.... ثنى ركبتيه وجلس أمامها ممسكاً كفيها بين كفيه وتساءل

- مالك؟
- معرفتش أنام
- بجد ولا أنا زعلتك في حاجة؟

قالها بحنان وصوت دافئ فسحبت أحد كفيها وتحسست وجنته دون أن تجيبه فطبع قبلة على باطن كفها وتابع

- تعرفي من سنتين ما حستش أني سعيد غير النهارده
- وأنا من سنين نسيت الفرحة ونسيت حاجات تانية كتير بس لقتها معاك
- ربنا يخليكي ليا بس دلوقتي لازم تنامي وترتاحي

وقف عن الأرض وجذبها بخفة فوقفت عن مقعده ومضت برفقته إلى الغرفة وبمجرد أن أراح جسده إلى جوارها جذبها إلى صدره فغفت في أقل من دقيقة لشعورها بالحنان وكذلك الأمان، أما هو شعر براحة قلب كان قد نسيها فاستسلم إلى النوم بعد أن شدد في احتضانها

******

في ذات اللحظة توقف السائق داخل المقابر فترجل رائد ولحق به حكيم وبمجرد أن وصل رائد أمام مقبرة الأسرة أشار لحكيم بالتوقف ودلف بمفرده بالرغم من الظلام الدامس... اقترب من قبر والدته ووقف أمامه لدقائق ثم انتقل إلى قبر خاله وثنى ركبتيه ليجلس القرفصاء وبعد مرور عدة دقائق من الصمت تحدث بثبات قائلاً

- أنا جيت علشان أحد حقك وكلها كام يوم وأجبها أدفنها جمبك بعد ما أخليها تطلب مني موتها

وقف عن الأرض وتحسس بيده اليافطة الرخامية الموضوعة على قبر خاله وكُتب عليها عادل سعيد السيد، رحل في الأول من يوليو لعام ٢٠١٨، وما هي إلا دقائق حتى غادر المكان وأمر السائق بالعودة إلى الفندق وطوال الطريق تذكر عادل  فقد كان له الأب والأم والصديق والسند بعد وفاة والديه وهو في الخامسة من عمره


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف