سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Saturday, March 9, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 09, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل السادس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* احتواء *

هل أحلم... لا إنه كابوس ساستيقظ منه بعد قليل... وماذا إن كان كابوسي حقيقة.. كيف أحيا بعد الفراق؟ كيف أعيش بعد كل صفعات الزمن؟... أخبرني يا زمان أي ذنب اقترفت لتسرق مني الأمان فالسعادة وبالنهاية أسرتي؟ أخبرني متى تنتهي دموعي وألامي؟ أو أخبرني أين المفر من جروحي وأحزاني؟.... 
كانت تُغمض عينيها وتردد الكلمات وهي تبكي بغزارة... انتبه لها وتمنى أن يخبأها بداخله لينتهي حزنها ولكن أمنيته كانت مستحيلة.. بعد مرور ساعة كاملة ترجل أمير من السيارة ثم اتجه صوب باب وعد وفتحه فاستندت عليه وترجلت هي الأخرى... أحاط ظهرها بذراعه وساعدها على الدخول إلى العقار ثم اصطحبها إلى شقة والدها بناءاً على رغبتها... وقفت بين الغرف تتأمل الصمت والفراغ فبالأمس كان صوت ضحكات شقيقيها يصدع في أرجاء المكان واليوم ودعتهم كما ودعت أبيها ودفنوا جميعاً تحت التراب منذ قليل... تساقطت الدموع من مقلتيها واحدة تلو الأخرى ثم اتجهت صوب غرفة مصطفى وعبد الرحمن، جلست على فراش مصطفى وتحسسته بباطن كفها وباليد الأخرى أمسكت ملابس عبد الرحمن لتشتم رائحته... كانت النيران تتأكلها فقد رحلوا جميعاً دون أن تودعهم، أغمضت عينيها وتذكرت ما حدث بالأمس بعد أن انطلقت من بين شفتيها أعلى الصرخات... ركض أمير إلى الغرفة ووجدها تحتضن جسدي شقيقيها فاقترب منها مسرعاً وتحسس نبضهما فنظرت إليه بعين راجية وقالت والدموع تنهمر على وجنتيها

- ساعدهم وخليهم يفتحوا عينيهم، هما بس دايخين وبعد ما تساعدهم هيقوموا يحضنوني ويقولولي وحشتينا، صح يا أمير؟ 

شعر بغصة في قلبه ولم يستطع أن يخبرها برحيلهم كما رحل أبيها فاقترب منها وأبعد جسد مصطفى ثم عاد وحرر جسد عبد الرحمن من بين يديها فصرخت منادية بأسمائهم ثم ألقت بجسدها في صدر أمير فحاوطها بكلتا يديه في ذات اللحظة التي دلفت فيها حنين إلى الغرفة بعد أن استمعت إلى صوت وعد فجلست راكعة على الأرض من هول الصدمة.... 
فاقت وعد من ذكرياتها الأليمة عندما جلس أمير إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه فأسندت رأسها على صدره لتبكي على من رحلوا بلا وداع تاركين بقلبها الحسرة والألم... كم تمنى أن يحمل الحزن عنها لكنها أمنية بعيدة المنال 

- ربنا يرحمهم، لو فضلوا عايشين كانوا هيتعذبوا أكتر
- منها لله منيرة هي السبب في كل حاجة، أكيد بابا ما استحملش الصدمة وأكيد ربنا رحم مصطفى وعبد الرحمن علشان ما يجيش يوم ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأمهم أتمسكت في شقة

صمتت للحظات وأكملت بكائها ثم ابتعدت عنه قليلاً وتساءلت بصوت كساه الألم

- هي الدنيا لحد أمتى هتفضل تكسرني؟ 

كانت كلماتها بمثابة جمرة نار تسللت إلى قلبه وحرقت كل ما قابلها إلا أنه تمسك بهدوئه وأجابها قائلاً 

- مفيش حاجة هتكسرك طول ما أنا جمبك، أنا سندك وأمانك
- أوعى تسيبني وتمشي أنت كمان

قالتها بصعوبة نتيجة لبكائها فجذبها إلى صدره مرة أخرى عله يعطيها الأمان الذي تحتاج إليه وظلت قابعة بين أحضانه حتى انتبهت إلى صوت رنين الجرس فتركت أمير واتجهت صوب باب الشقة لتتفاجأ برؤية والدتها

- حنين كلمتني وقالتلي أنك أكيد محتجالي فسبت الدنيا وجتلك

قالت رمزية كلماتها ودموعها تتساقط ثم فتحت ذراعيها فارتمت وعد داخل أحضانها وهتفت بصعوبة

- ما تسيبنيش تاني، ما تمشيش أنا فعلاً محتجالك 

شددت رمزية في احتصانها وأخذت تمسد على خصلات شعرها وهي تقول بصوت دافئ

- من النهارده مش هبعد عنك وهنرجع نعيش سوا

ابتعدت وعد عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وتساءلت: بجد؟ 

- لما حنين كلمتني قالي لو خرجتي ما ترجعيش بس اختارتك أنتي، أنا اتخليت عنك مرة ونمتي في الشوارع بس دلوقتي مش هبعد لأني مليش غيرك
- أنا بحبك أوي يا ماما
- وأنا مليش غيرك في الدنيا دي

احتضنتها رمزية مرة أخرى وطبعت قبلة حانية على خصلات شعرها فدمعت أعين أمير إلا أنه أسر دموعه واقترب منهن قائلاً 

- كفاية حزن بقى وتعالوا نمشي من البيت ده
- عندك حق يا جوز بنتي، البيت ده ملعون 

غادروا جميعاً بعد أن ودعت وعد ذكرياتها الحلوة والمرة التي قضتها بين جدران هذا المنزل فانطلق أمير إلى منزل سوسن 

******

بسجن النساء... 
عادت منيرة إلى زنزانتها وهي تجر أذيال الحسرة فقد أخبرها مأمور السجن منذ قليل بوفاة طليقها وولديها... كادت أن تسقط أرضاً عدة مرات إلا أنها استندت على الحائط حتى وصلت إلى فراشها الأشبه بأشواك الصبار... جلست على حافة الفراش ثم أغمضت عينيها وتذكرت حقارتها ومعاملتها السيئة لطفليها... عادت بذاكرتها إلى ثلاث أشهر عندما كانت تتحدث عبر الهاتف إلى إبراهيم لتواعده... كان مصطفى يلعب بسيارته ويغني بأعلى طبقات صوته فزفر إبراهيم بضيق وقال بغيظ

- ما تسكتي الكلب ابنك ده علشان أسمعك 
- حاضر

أبعدت الهاتف عن أذنها واقتربت من مصطفى وأخذت منه السيارة عنوة ثم ألقت بها من الشباك فعلّا صوت بكائه... اقتربت منه وصفعته بقوة على وجنته ليصمت فركض عبد الرحمن باتجاه شقيقه ثم نظر إليها وقال بغضب 

- ما تضربيش أخويا، إحنا مش بنحبك أصلاً بنحب بابا ووعد بس

اشتعلت منيرة غضباً فأمسكت به هو الأخر وضربته بقوة ثم ألقت به وبشقيقه داخل الغرفة وأغلقت بابها بالمفتاح وأكملت حديثها مع إبراهيم وكأن شيئاً لم يكن... 
عادت إلى أرض الواقع والندم يتملكها بعد فوات الأوان فعلمت أن الله ينتقم منها ورددت بخفوت

- ذنب وعد ورمزية، ذنب الزنا مع مرزوق ويحيى وإبراهيم، ذنب ولادي اللي ضربتهم كل يوم 

ظلت تردد تلك الكلمات مرارا وتكراراً حتى التوى ثغرها ويدها ثم فقدت توزانها وسقطت عن الفراش فتجمعن السجينات حولها وقالت إحداهن

- شكلها أتشلت حماتي كانت نفس المنظر كده

ساعدتها أخرى على العودة إلى الفراش ثم اقتربت من باب الزنزانة وطرقتها بعنف وهي تقول

- في واحدة تعبانه

******

بأحد المطاعم المطلة على نهر النيل... 
لم تتوقف دموعها ولو لدقيقة وفشلت جميع محاولات حسام في إسكاتها بالرغم من شعوره هو الأخر بالحزن فأشار بيده إلى النادل وطلب منه كوباً من عصير الليمون لها عله يساعدها وبمجرد أن ابتعد النادل نظر مُباشرةً إلى عينيها التي تورمت من كثرة البكاء وقال بهدوء لم يعتاده في الحديث معها

- وبعدين معاكي، بقالك ساعة ما بطلتيش عياط
- صعبانين عليا أوي ومش مصدقة أني كنت بلعب معاهم من كام يوم لما كنا في النيابة
- ربنا يرحمهم، ممكن تبطلي عياط بقى؟ 
- مش عارفه أبطل أصلاً 

قالتها ببراءة وهي تبكي بغزارة فشعر للمرة الأولى بألم يسري بداخله بسبب رؤيته لدموعها فتحدث بصوت أقرب إلى الرجاء قائلاً 

- طيب علشان خاطري ما تعيطيش، قلبي وجعني عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها علها تتوقف عن البكاء فاختلطت دموعها بابتسامة رقيقة ثم كفكفت دموعها وهتفت بذات المشاكسة 

- بطل رخامة يا هولاكو، مش طالبه رخامتك بجد
- هبطل بس لو عيطتي تاني ما أوعدكيش
- معاد الوزير راح عليا لما كنا في المقابر، هنعمل إيه دلوقتي؟ 
- روحي بكرة وقولي أن كان عندك حالة وفاة وأكيد هيدخلك عادي

كادت أن تتحدث لكن قاطعها النادل حينما وضع عصير الليمون أمامها فمطت شفتيها بضجر وقالت بدون أي تردد أو تفكير

- أنا مبحبش الليمون

نظر النادل إلى حسام فمد يده وأخذ كوب العصير ثم نظر إليها وهتف بغيظ

- أحسن هشربه أنا، واختاري اللي أنتي عايزاه
- لو سمحت هاتلي فنجان قهوة سادة 
- تحت أمرك

بمجرد أن غادر النادل، وجهت نظراتها إلى مياه النيل فساد الصمت بينهما للحظات قطعها حسام عندما قال مازحاً 

- مش واخد على هدوئك يا شكل

اعتقد أنها ستبادله المزاح لكنها تساءلت بصوت كساه الألم: تفتكر وعد حاسه بإيه بعد ما خسرت أبوها وأخواتها في يوم واحد؟ 

تنهد حسام بحرقة وأجابها بصوت هادئ: وعد أرق بنت شوفتها في حياتي، جميلة وهادية عامله زي النسمة بالظبط والأهم من ده كله أنها حساسة وأقل حاجة بتأثر فيها بس أجمل حاجة فيها قوتها، بتقدر تقف على رجلها وما بتسمحش لأي حاجة تكسرها وده اللي بحبه فيها

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، لوت شفتيها بضجر وشعرت بالغضب يتملكها دون أن تعرف سببه فأشهرت سبابتها في وجهه وهتفت بحدة 

- حبك برص

تأمل غضبها للحظات ثم انفجر ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته فما كان منها إلا أنها حملت حقيبتها وغادرت دون أن تعيره أي اهتمام فلحق بها وقبض برفق على معصمها 

- مالك بس يا شكل؟ 
- سيب أيدي يا رخم بدل ما أصوت وأقول خاطفني
- صوتي واللي هيقرب هضربه بالنار

صرت على أسنانها وحاولت التملص من قبضته إلا أنه لم يسمح بذلك فقالت بهدوء 

- لو سمحت سيب أيدي، مش عايزه أقعد معاك أنا حره 
- بس أنا عايز أقعد معاكي

رفعت بصرها إليه فتقابلت أعينهم في نظرة طويلة قطعها حينما أردف بمشاكسة

- عايز تمشي يا شكل وتسيب هولاكو لوحده؟ 
- ما هولاكو بيضايقني ويعصبني
- خلاص تعالي وهتوسطلك عنده
- ماشي

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته حتى لا يغضبها مرة أخرى ثم حرر معصمها فمضت معه إلى الداخل وبداخلها مشاعر لا تستطيع تفسيرها

******

بمطار القاهرة... 
اندهش أمجد من سكونها وصمتها الذي لازمها منذ الأمس... توقع أن تثور وتبكي عند دفن الجثامين إلا أنها لم تفعل ولم تتحدث مع أحد ولو بكلمة فازداد شعوره بالقلق عليها وقال بهدوء 

- حنين

رفعت بصرها إليه دون أن تتحدث ورمقته بنظرة تساؤل فتابع: أنا قلقان عليكي، أتكلمي قولي أي حاجة 

تنهدت بحرقة ثم وضعت رأسها بين كفيها فأردف: حنين كلميني يا عمري، طلعي الحزن اللي جواكي، أنتي كده بتقتليني 

حررت رأسها ثم وجهت نظراتها إليه وقالت بحزن: أنا موجوعه أوي، شوفتهم لما أتولدوا وكل يوم كانوا بيكبروا قدام عيني تقريباً أنا ووعد اللي ربيناهم والأتنين راحوا 

- محدش بيعترض على أمر ربنا
- أنا مش بعترض، أنا موجوعة

كم تمنى أن يجذبها إلى صدره لكن منعه الزمان والمكان من ذلك فأمسك كفيها بين كفيه عله يخفف عنها فتساقطت دموعها الأسيرة على كفيه وظلت تبكي وتبكي دون أن يمنعها أو يطلب منها التوقف لتخرج كل ما يؤلمها

- هو أنا قولتلك قبل كده أني بحبك

اختلطت دموعها بابتسامة خفيفة زينت ثغرها فتابع بصوت دافئ: بحبك يا أجمل مجنونة في الدنيا، كفاية دموع علشان تقدري تعيشي اللي جاي، اللي راح ما بيرجعش بس بنخليه ذكرى حلوة نفتكرها لكن ما بنقفش عندها

- يعني الوجع اللي في قلبي هيخف؟ 
- هيخف وهتيجي أيام حلوة تنسيكي الألم 
- أنا بحبك أوي

قالتها بدون أي تردد أو تفكير فلم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبها إلى صدره ثم أحاطها بحنان، وبمجرد أن فاقت من سحر اللحظة ولاحظت نظرات الجميع وهمساتهم، ابتعدت عنه وقالت بخجل

- هو باباك هيوصل أمتى؟ 
- خلاص الطيارة على وصول، هيفرح لما يشوفك
- شبهك؟
- لا أنا شبه ماما الله يرحمها، بس بابا حليوه برضو
- خلاص لو طلع حليوه أوي أوي يعني هصرف نظر عنك وأتجوزه هو 

قالتها مازحة لتشاكسه فاصطنع الغضب وهتف بغيظ: ده أنا كنت قتلتك وقتلته

- مجنون

*******

في ذات اللحظة أوقف أمير سيارته أسفل منزل سوسن، حمل حقيبة رمزية بالرغم من اعتراضها ثم اصطحبهن إلى الداخل... ما أن ضغط زر الجرس اتجهت سوسن صوب الباب وفتحته وتفاجأت برؤية رمزية فقالت الأخيرة 

- أزيك يا سوسن؟ 
- بخير يا حبيبتي، أدخلوا أنتوا واقفين ليه؟ 

دلف أمير في البداية ثم اقترب من والدته ليطمئن عليها فلحقت به وعد وبادرت في عناقها فربتت سلوى على ظهرها وهتفت بصوت دافئ

- عامله إيه دلوقتي؟ 
- الحمد لله، طول ما أنتوا جمبي هتغلب على كل صعب

استغلت رمزية انشغال وعد بالحديث مع سلوى وطلبت من سوسن التحدث معها على انفراد فاصطحبتها سوسن إلى غرفتها ثم تساءلت بقلق 

- مالك يا رمزية؟ 
- أنا محرجة منك أوي بس

قاطعتها سوسن قائلة: عيب عليكي من أمتى في بينا إحراج، قولي اللي عايزاه على طول

- أنا أطلقت ومليش مكان أروحه غير بيتك، فلو تسمحي أفضل هنا لحد ما الاقي شغل و

قاطعتها مرة أخرى قائلة: البيت بيتك يا رمزية وبلاش الحساسيات دي طول عمرنا أخوات 

- أنا بجد مش عارفه أشكرك أزاي
- والله لو قلتي كده تاني لأزعل منك، أنتي ووعد هتملوا عليا البيت
- ربنا يديكي على قد طيبة قلبك يا أصيلة يا بنت الأصول

*******

بالمطار... 
هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من الولايات المتحدة الأمريكية وعلى متنها محمود والد أمجد بعد غياب دام لعامين... استقبله أمجد بعناق دام لعدة دقائق ثم ابتعد عن أبيه بصعوبة ونظر إلى حنين قائلاً 

- أقدملك حنين، وده يا حنين الشاب الروش بابا

ابتسمت حنين على جنونه ثم مدت يدها لتصافح أبيه فقال محمود بسعادة 

- إيه الجمال والرقة دي كلها يا حنين
- ميرسي يا عمو ولون حضرتك صغير أوي على عمو

صر أمجد على أسنانه حينما شعر بقليل من الغيرة فردد في نفسه بغيظ: أبويا بيشقط الحته بتاعتي

فاق من شروده حينما استمع إلى صوت ضحكات حنين فرمق والده بنظرة غضب وتابع بجنون

- ما تخف شوية يا عم الحاج 
- أخرس يا ولد وسيبني أتعرف على القمر براحتي
- بقولك إيه أنا هروح أحجزلك تذكرة عودة وأخلصي 
- لا أنا قاعد على قلبك هنا ومش هرجع أمريكا

ضرب أمجد قدمه بالأرض كالأطفال فضحكت حنين حتى دمعت عينيها على جنون حبيبها وأبيه الذي يفوقه في الجنون والمشاكسات، وبمجرد أن استردت أنفاسها تأبطت ذراع أمجد ومضت برفقته إلى السيارة فلحق بهم محمود بعد أن استلم حقائبه 

********

بالمطعم... 
كانت أمل تتحدث إلى شقيقها لتطمئن على وعد فراقبها حسام في صمت بالرغم من شعوره بالحزن بعد أن تجدد بكائها... انتظر حتى أنهت المكالمة ثم مد لها يده وأعطاها منديلاً لتمسح دموعها فأخذته وقالت برقة

- شكراً 
- بتعيطي ليه تاني؟ 
- أمير قالي أن وعد تعبانه أوي

انتفض حسام عن مقعده وتساءل بقلق ملحوظ: تعبانه أزاي؟ 

توقفت أمل عن البكاء ورفعت أحد حاجبيها بغضب فابتلع ريقه ثم جلس على مقعده مرة أخرى وتابع بنبرة صوت أكثر هدوءاً 

- أتخضيت عليها
- لا حنين أوي

قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامعه فأسر ابتسامته بصعوبة وتحدث بهدوء قائلاً 

- وعد أختي وغلاوتها في قلبي زي غلاوة حنين بالظبط
- بالظبط بالطبط يعني؟ 
- اه بالظبط بالطبط يا شكل

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها ثم أرجعت خصلات شعرها خلف أذنها وقالت برقة

- مصدقاك يا هولاكو، يلا أطلبلي أي حاجة أكلها 
- ده أنتي داخله على طمع بقى
- أيوه، أنجز بقى علشان جعانة أوي
- من عينيا يا شكل 

أشار بيده إلى النادل وتحدث معه لعدة دقائق فتأملته أمل في صمت، وما أن انتبه لنظراتها أتسعت ابتسامته الساحرة وتساءل بمشاكسة

- بتبصلي كده ليه يا شكل؟ 
- رخم

رفع أحد حاجبيه فتابعت: سوري بس الصراحة شكل دي بتغيظني

- خلاص ما تزعليش، بتبصيلي كده ليه يا حضرة الصحافية العظيمة؟ 
- وأنت بتتكلم جد بحس ليك هيبة مش موجودة في الرجالة وشوية الشعر الأبيض دول وقار 

أسر الابتسامة التي كانت على وشك الظهور وهتف بجدية مصطعنة: بتعاكسيني؟ 

- لا طبعااااااااااااا 
- ماشي، تعرفي أنتي كمان غير كل البنات اللي قابلتهم
- ودي حاجة حلوة ولا حاجة وحشة
- حلوة أوي

قالها بنبرة صوت هادئة فتوردت وجنتيها خجلاً وقالت بارتباك ملحوظ: هي إيه اللي حلوة؟ 

- الحاجة المختلفة فيكي
- اه بحسب، طب قول بقى مختلفة في إيه؟ 
- أصل بصراحة عمري ما شفت بنت جميلة زيك وملامحها رقيقة زيك برضو وفي نفس الوقت بتتحول لبنت بيئة ولسانها عاير قص بالبلدي كده بتقلبي دكر

لوت شفتيها بضجر فانفجر ضاحكاً على هيئتها ثم استرد أنفاسه وتابع: مجنونة

*******

بمنزل سوسن.... 
كانت وعد تجلس على أحد المقاعد شاردة الذهن، شعر أمير بالأسى عليها كما شعر أنه يقف مكتوف الأيدى أمام الحزن الذي يحرق قلبها... ترك مقعده وتقدم منها حتى استقر أمامها لكنها كانت غارقة في بحور ذكرياتها فلم تنتبه لوجوده... ربت على كتفها بحنان حتى لا يفزعها فتقابلت عينيه بالدموع الساكنة داخل مقلتيها

- قومي ارتاحي شوية

حركت رأسها بالموافقة ووقفت عن مقعدها فاستأذن أمير من سوسن ورمزية ثم مضى برفقة طفلته إلى غرفتها... أراحت جسدها على الفراش فدثرها جيداً ثم جلس على حافة الفراش وأخذ يمسد بباطن يده على خصلات شعرها... فاجئته عندما تركت وسادتها وأسندت رأسها على قدمه فابتسم بسعادة وشعر براحة قلب بينما شعرت هي بالاحتواء وظلت هكذا حتى استسلمت عينيها إلى النوم فانتظر حتى تأكد من نومها وأعاد رأسها على الوسادة ليغادر الغرفة فتمسكت به وقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- خليك جمبي

أراح جسده إلى جوارها وجذبها لتغفو على صدره فتمسكت به وكأنه بر الأمان بالنسبة إليها 

طبعاً كلكم مصدومين من موت مصطفى وعبد الرحمن بس السؤال هما لما يكبروا ويعرفوا أنهم ولاد حرام وأن أمهم جابتهم من علاقة مشبوهة وبعد كده كررت نفس العلاقة مع يحيى وبعده إبراهيم هيكون إحساسهم إيه؟ ونظرة المجتمع ليهم هتكون إيه؟... ثانياً منيرة اتنازلت عن حضانتهم لأبوهم وأبوهم مات يعني ممكن تطالب بيهم وكمان قضية الزنا اللي رفعها يحيى هتسقطت بموت المدعي... الأهم من ده كله هما مش ولاد يحيى يعني ملهومش حق في الورث وحقهم يروح لعمهم ولو وعد سكتت هتشيل ذنب كبير، كمان وعد ملهاش ذنب تربي ولدين وتشيل مسئوليتهم وهي عايزه اللي يسندها ويشيل مسئوليتها، وبالنسبة للتعليقات اللي قالت رمزية تطلق وتربيهم، سوري يعني رمزية معلهاش ذنب علشان تربي ولاد منيرة ده أولاً ،ثانياً هي من حقها تعيش الحياة اللي تختارها بعد الطلاق لأن للاسف حياتها مع يحيى وجوزها التاني كانت سراب، يارب تكوني فهمتوني.. فصل بكرة طويل وكله مشاكسات وأمجد مسخرة 😂😂😂🤣🤣

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Wednesday, March 6, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 06, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الخامس والعشرون - بقلمي منى سليمان

* الوداع الأخير *

بسجن النساء جلست منيرة على فراشها الموضوع في نهاية العنبر المخصص للسجينات تحت الحبس الاحتياطي... كانت كلمات المحقق تردد في أذنيها مراراً وتكراراً حينما طلب من يحيى إجراء تحليل الحمض النووي لولديه فعلمت أنها خسرت كل شيء... عادت بذاكرتها إلى سبع سنوات وتذكرت عندما أجرت اختبار حمل منزلي فجاءتها النتيجة صامدة بعد أن علمت أنها تحمل في أحشائها جنين من علاقتها الأثمة مع جارها... وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي على كانت على وشك الانطلاق ثم تحاملت على جسدها وغادرت الحمام لتلقي بجسدها على الفراش وهي لا تعلم كيف تتخلص من ورطتها... انتظرت حتى خلدت والدتها إلى النوم وتركت شقتها كعادة كل يوم لتذهب إليه لكنها لم تذهب بمفردها فبداخلها قطعة منه، استقبلها بترحاب فقد اعتقد أنه لا على وشك. قضاء ليلة ساخنة ككل لياليه إلا أن جميع أحلامه تبخرت عندما أخبرته بحملها فجحظت عينيه في عدم تصديق وتساءل 

- أنتي بتتكلمي بجد يا منيرة؟ 
- أيوه يا مرزوق أنا لسه عامله تحليل من كام ساعة
- دي مصيبة ولازم نخلص منها

وضعت منيرة يدها على ثغرها لتكتم شهقاتها فابتعد عنها دون أن يعيرها أي اهتمام وبمجرد أن فاقت من صدمتها وقالت بنبرة صوت حزينة

- أنت وعدتني بالجواز علشان كده سلمتك نفسي، جاي دلوقتي وتقول على اللي بينا مصيبة!!!! أنت لازم تكتب عليا

انتفض عن مقعده واقترب منها كالإعصار ثم قبض يده بعنف على معصمها وقال بحدة وصوت عال

- اللي في بطنك ده ينزل وبعدها مش عايز أشوف وشك تاني، اللي ترخص نفسها عمر ما واحد يكتب عليها، أنا اخدت منك كل حاجة بمزاجك ما غصبتكيش يا حلوة

نفض معصمها بعنف فسقطت تبكي على الأرض بعد أن تخلى عنها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى جمع ملابسه وغادر فعلمت أنه لن يعود.... مرت الأيام وتعرفت على يحيى من خلال زوجته رمزية وانخرطت معه في علاقة جسدية بعد أن أوهتمه أن أحدهم اعتدى عليها وأدعت كذلك بعد مرور شهر على العلاقة المحرمة  أخبرته أنها تحمل في أحشائها طفل منه وبعد مرور سبعة أشهر أنجبت ولديها مصطفى وعبد الرحمن فاعتقد أنهما ولديه بعد أن دفعت مبلغاً كبيراً من المال للطبيب النسائي فأوهم يحيى أيضاً أن ولديه ولدا في منتصف الشهر السابع بدلاً من التاسع... 
عادت إلى أرض الواقع وسقطت دموع الندم من مقلتيها ولكن بعد فوات الأوان فقد دمرت حياتها وحياة أطفالها كما دمرت حياة رمزية ووعد من قبل 

*******

تجمع المارة حول يحيى واستدعى أحدهم سيارة الإسعاف وتم نقله إلى إحدى المستشفيات الجامعية في حالة يرثى لها... بغرفة الطوارئ وُضع يحيى على فراش الموت بعد أن فقد الكثير من دمائه وغلفت الكسور سائر جسده... أفرغوا محتويات جيبه ووجدوا بطاقته الشخصية ومبلغاً من المال إلى جانب هاتفه ومفكرة صغيرة تحتوي على أرقام عائلته فقام أحد الممرضين بالاتصال بمنيرة لكنه وجد هاتفها مغلقاً فأجرى اتصالاً بهاتف وعد إلا أنها لم تستمع إلى صوت رنين هاتفها فقد كانت تلعب وتمرح مع الصغار داخل دار الرعاية، فوجد بالنهاية رقم هاتف أرضي تم تسجيله بأسم المكتب فأجرى الاتصال ولكن ما من مجيب فنظر إلى زميله وقال 

- ولا رقم من المكتوبين رد، هبقى أجرب كمان شوية
- ده لو فضل عايش لكمان شوية

*******

بدار الأيتام... 
شعر أمير بالإرهاق فجلس على أحد المقاعد الخشبية الموضوعة بحديقة الملجأ، شعر بالسعادة حينما رأى سعادة وعد التي كانت تلعب معهم كطفلة لم تتعدى السابعة من عمرها... ظل يراقبها حتى انتبهت إلى نظراته فتركت الأطفال واقتربت منه ثم جلست على المقعد المقابل له وتساءلت برقة

- مالك؟ 

تلاعب الهواء بخصلات شعرها فتطاير يميناً ويساراً وخبئ البعض منه عينيها وشفتيها، فمد يده وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم ابتسم لها وقال بهدوء 

- بحبك يا وعد

تسارعت نبضاتها وشعرت بالربيع يسري داخل قلبها من جديد، وشعرت كذلك بسعادة لم تتذوق نكهتها من قبل... كرر كلماته بصوت دافئ غلفه العشق فأغمضت عينيها لتستمتع بعذوبة كلماته ثم استردت أنفاسها وفتحت عينيها لكنها خجلت بشدة أن تنظر إليه فقالت برقة وهي توجه نظرها إلى الأرض 

- هروح ألعب معاهم

همت أن تقوم عن مقعدها إلا أنه لم يسمح لها بذلك وقبض برفق على معصمها وهتف بهدوء 

- أول مرة شوفتك دموعك قتلتني وبعدها كنت باجي كل يوم علشان أشوفك، ولما بدأت الدراسة وقعدت ٣ أيام من غير ما أشوفك حسيت أن في حاجة نقصاني وأول ما فتحتي باب المدرج ودخلتي عملت المستحيل علشان أسمع صوتك تاني وأعرف أسمك

كان قلبها يخفق بقوة مع كل كلمة من كلماته فأطالت النظر إليه متناسية خجلها وكذلك الزمان المكان فبادلها نظرات العشق وتابع 

- لما شوفت دموعك تاني في الجامعة حسيت بخنجر في قلبي ولما قولت أنك خطيبتي وكتب كتابنا أخر الأسبوع كنت بتمنى ده بجد، وفي المقابر لما لقيتك في حضني حسيت أني بحبك، بحبك يا وعد وعمري ما حبيت قبلك ولا هحب بعدك

أمسك يدها ورفعها إلى شفتيه ثم طبع على باطنها قبلة رقيقة فصفق الأطفال وأطلق بعضهم صفيراً فتوردت وجنتي وعد خجلاً وسحبت يدها ثم دلفت إلى الداخل وبداخلها فرحة تتمنى عدم زوالها

******

بإحدى القاعات بدأ المؤتمر الطبي واعتلى وزير الداخلية المنصة لإلقاء كلمة وافتتاح مؤتمر ثورة الطب الذي يستمر لمدة ثلاث أيام... وقف حسام إلى جواره ليمارس عمله كحارس شخصي وأخذ يبحث بعينيه عن أمل لكنه لم يجدها فشعر بالقلق عليها... لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى بدأ الوزير في إلقاء كلمته ولاحظ حسام تعلق عينيه بأحدهم فأدار وجهه ورأى أمل تقترب.... بعد مرور عدة دقائق بدأ الوزير في تلقي الأسئلة وبمجرد أن رفعت أمل يدها أشار إليها فوقفت عن مقعدها وقالت برقة لم تعتادها

- أمل نور الدين من صحيفة الغد المشرق
- أتفضلي

قالها الوزير وابتسامة ماكرة ترتسم على ثغره فبادلته بأخرى ساحرة وسألته عدة أسئلة أجاب الكثير منها ثم انتقل إلى صحفي أخر... وبعد مرور ما يقارب الساعة ونصف انتهى المؤتمر وانصرف الجميع عدا أمل فقد اصطنعت ضياع حلقها... أنهى الوزير حديثه مع مجموعة من الأطباء ثم تعمد المرور إلى جوار أمل وتساءل بجدية مصطنعة

- لسه قاعده ليه؟ 
- حلقي وقع وده غالي عليا أوي

قالت كلماتها الأخيرة بدلال فأسر حسام ابتسامته بصعوبة وردد بخفوت: ما طلعتش قليل يا شكل

أكملت البحث عن حلقها فتأمل الوزير جسدها بوقاحة ثم قال بهدوء: في حاجة واقعة هناك أهيه

نظرت أمل إلى حيث أشار فوجدت الحلق الذي أسقطته منذ عدة دقائق فاقتربت منه والتقطته ثم نظرت إليه وهتفت بسعادة مصطنعة 

- ميرسي بجد، الحلق ده هدية من بابا الله يرحمه
- أنتي قولتي بتشتغلي في الغد المشرق، مش كده؟
- أنا بشتغل هناك من ٣ سنين
- جريدة محترمة جداً 

نظرت أمل إلى حيث يقف حسام فأشار إليها لتكمل حديثها فقالت برقة غلفها الدلال

- هو أنا ممكن أطلب من حضرتك طلب صغير قد كدهوه؟ 

ضمت إصبعها السبابة على الإبهام لتخبره مقدار صغر طلبها فأشار بيده لتتابع حديثها

- لو ممكن أعمل مع حضرتك لقاء للجريدة في أي وقت تحدده
- مفيش مشكلة، نوريني بكرة في الوزارة الساعة عشرة مناسب؟ 
- مناسب جداً بجد مش عارفه أشكر حضرتك أزاي
- مفيش داعي للشكر، هنتظرك بكرة

ودعته بابتسامة زائفة لكنها كانت أسرة للقلوب فزاد إعجاب اللواء بها ثم أشار إلى مساعده وشريكه في كافة الجرائم 

- زي القمر وهتنفعنا كتير
- عندك حق، دي تقول للقمر أنزل وأنا أقعد مكانك

لحقت بهم أمل واقتربت من سياراتها ثم ودعت حسام بنظرة وانطلقت إلى عملها وهي تشعر بالثقة فقد صارت تفاصيل الخطة على ما يرام

******

بالمستشفى الجامعي.... 
كان الهرج والمرج يسود داخل غرفة الطوارئ وفعل الأطباء المستحيل لإيقاف النزيف الداخلي لدى يحيى ولكن دون جدوى فلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يطلب السماح من ابنته أو يتوب عن ذنوبه... عاش حياته أسيراً لملذاته بالقرب من العاهرة التي تزوجها وفضلها على زوجته الطاهرة وابنته الرقيقة كالنسيم ومات الآن وحيداً بعد أن فقد كل شيء وقبل أن يطلب السماح من ربه ومن كل من ظلمهم... دثره الطبيب بالملاءة من رأسه وحتى أخمص قدميه ثم أمرهم بإعلان الوفاة والاتصال بذويه فأعاد الممرض محاولة الاتصال 

********

بمقر الطب الشرعي... 
انتهى أمجد من عمله ثم عاد إلى مكتبه ليعد تقريره.... بعد ما يقارب نصف الساعة انتهى من كتابة تقريره ثم أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بحنين فقد كان يشعر بالقلق عليها... تململت في الفراش بكسل ثم استسقظت وأجابت بصوت غلبه النعاس

- الو
- الف سلامة عليكي، أنشالله حسام وأنتي لا 

ضحكت بصعوبة وهي مازالت ممدة على الفراش فأردف: عامله إيه دلوقتي؟ 

- لما شوفتك الصبح خفيت، أنت دوايا يا ميجو

أسند يده أسفل وجنته وتساءل بهيام: بجد؟ 

- عندك شك؟ 
- لا بس عايز أسمعها منك، ربنا يخليكي ليا
- طب يلا أقفل وسيبني أكمل نوم لحسن البرد مكسر جسمي
- نامي يا قلبي وأرتاحي وبالليل هاجي أطب عليكي ومهما أخوكي الجحش  يعمل مش همشي غير لما أشوفك

بعد مرور عدة دقائق أنهى أمجد المكالمة وعاد ليتابع عمله، بينما تركت حنين الفراش واتجهت صوب المطبخ لتعد كوباً من الليمون الساخن وبمجرد أن فرغت عادت إلى الفراش وأغلقت باب الغرفة ودثرت جسدها جيداً فقد كانت تشعر بالبرد بالرغم من حرارة الطقس

*******

بمنزل يحيى... 
طال غياب يحيى وشعر مصطفى بالجوع فقد ودعهما يحيى وتركهم بمفردهم منذ عدة ساعات على أمل العودة إليهما ولم يتوقع أن يكون الوداع الأخير... ما أن التهم الجوع أمعائه ترك الغرفة ودلف إلى المطبخ فلحق به عبد الرحمن وقال بخوف

- بابا قال محدش يدخل المطبخ
- عارف بس أنا جعان 
- وأنا بس تعالى نروح لحنين تأكلنا

قالها عبد الرحمن ثم اتجه صوب باب الشقة ليفتحه فوجده مغلقاً بالمفتاح فزفر شقيقه بضيق وهتف

- أنا هدخل أعمل سندوتش
- لا استنى هنادي على حنين من البلكونة

اتجه عبد الرحمن صوب الشرفة وبدأ ينادي على حنين ولكن دون جدوى فقد غفت منذ دقائق لشعورهع الشديد بالتعب، وبعد مرور عدة دقائق عاد عبد الرحمن وأخبر شقيقه بما حدث فاتجه مصطفى صوب المطبخ ولحق به عبد الرحمن ليساعده.... أحضر مصطفى كرسياً ثم اعتلاه ليصل إلى أعلى الثلاجة حيث الخبز المجمد، بينما أحضر عبد الرحمن المربى والجبن... أوقد مصطفى الشعلة كما رأى والده يفعل، وضع الخبز وقلبه يميناً ويساراً حتى ذاب الثلج المحيط به ثم وضع المربى والجبن داخل الخبز وأنساه الجوع إطفاء الشعلة وبمجرد أن فرغ غادر برفقة شقيقه إلى طاولة الطعام وتناول كل منهم طعامه بينما بالداخل انطفأت الشعلة بفعل الهواء وبدأ الغاز يتسرب بأركان المكان دون أن ينتبه الصغار إليه

********

بدار الأيتام... 
انتظر أمير عودة وعد لكنها لم تعود فشعر بالقلق عليها وترك مقعده ليطمئن عليها... بحث عنها في الطابق الأرضي بأكمله ولم يجدها فصعد إلى الطابق الأول المخصص للرضع وصغار السن واستمع إلى صوتها تتحدث إلى مديرة الدار

- يا حرام دي صغيرة أوي
- لقوها جمب برميل زبالة عمر يوم تقريباً ودلوقتي بقت ست شهور 

نظرت وعد إلى الرضيعة التي تحملها بين ذراعيها وهتفت بحزن: منهم لله

- الدار مليانة أطفال نفس حالتها، بعد أذنك هروح أشوف غداء الأولاد خلص ولا لسه

بمجرد أن غادرت المشرفة دلف أمير إلى الغرفة واستقر خلف وعد لكنها لم تنبته لوجوده فقد كانت تمسك يد الرضيعة بيد وتداعب وجنتها بظاهر اليد الأخرى ثم طبعت قبلة على يد الصغيرة وقالت وهي تأسر دموعها بصعوبة

- قالولي أمل سمتك على أسمها لما جيتي وفعلاً البصة ليكي بتدي للناس أمل، أنتي حلوة أوي شبه الملايكة بالظبط

تثاءبت الصغيرة وهي مازالت نائمة ثم فتحت عينيها لتتقابل بعينيّ وعد فتابعت بطريقة طفولية

- صح النوم يا سكر شوفتي خلتيني أعيط أزاي وأمير هيشوفني ويقولي أخر مرة أشوفك بتعيطي ولو الموضوع أتكرر هعاقبك عقاب مفيش منه، تفتكري إيه العقاب اللي مفيش زيه؟! 

قالت وعد كلماتها الأخيرة مقلدة طريقة أمير في الحديث فأسر ابتسامته بصعوبة بينما ضحكت الصغيرة اعتقاداً منها أن وعد تشاكسها فأردفت

- بتضحكيلي يا حلوة يا صغنونة 

لم يستطع أن ينتظر أكثر من ذلك فجلس إلى جوارها بدون سابق إنذار وأحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وتساءل وهو مازال يأسر ابتسامته

- عايزه تعرفي إيه العقاب اللي مفيش زيه؟ 

حركت رأسها بالنفي فقد كانت تشعر بالخوف من العقاب الذي يتحدث عنه لكنه لم يهتم لرفضها وغمز لها 

- بس أنا عايزك تعرفي 

انتقل بنظراته بين عينيها وشفتيها فتلونت وجنتيها بحمرة الخجل إلا أنه لم يهتم واقترب أكثر أكثر حتى لامس شفتيها بشفتيه وسرق قبلته الأولى بعد طول انتظار فبادلته إياها بعشق بالرغم من شعورها بالخجل، وبمجرد أن ابتعد عن شفتيها أسند جبيته على جبينها وقال بصوت دافئ

- بحبك

ضحكت الصغيرة ثم خبأت وجهها بالغطاء المحاوط لجسدها فابتسمت لها وعد بينما رمقها أمير بنظرة غضب مصطنعة وأردف قائلاً

- بت أنتي شكلك شقية زي أمل الكبيرة 
- دي سكرة خالص، ما ينفعش أخدها وأنا مروحة؟ 

ضحك أمير على جنونها ثم استرد أنفاسه وأجابها بمشاكسة: للأسف ما ينفعش بس ينفع نتجوز ونجيب زيها، قولتي إيه؟ 

- موافقة

قالتها دون أن تنظر إليه فاعتقد أن ما سمعه مجرد وهم من نسج خياله فتساءل بعدم تصديق

- أنتي قولتي موافقة؟ 

ابتسمت بخجل وحركت رأسها لأعلى وأسفل لتؤكد ما سمعه فاتسع ثغره في سعادة ثم نظر إلى الرضعية وقال مازحاً 

- بركاتك يا شيخة أمل، فتحتي نفس وعد على الجواز

وكزته وعد بخفة وقالت بغضب مصطنع: بطل رخامة بدل ما أغير رأيي

- يا روح قلبي أنتي ادبستي خلاص وأول ما نروح هبلغ الكل بقرارك 
- مجنون

رفع أحد حاجبيه وكاد أن يعاقبها على ما تفوهت به لكن قاطعه دخول إحدى العاملات حاملة حقيبة وعد ثم تقدمت منها وهتفت

- تليفون حضرتك رن كذا مرة 
- شكراً 
- هاخد أمل علشان أرضعها

ودعت وعد الصغيرة بقبلة على جبينها، وبمجرد أن انصرفت العاملة فتحت حقيبتها وأخرجت هاتفها فتفاجأت بعشرون مكالمة واردة من رقم غير مسجل فقال أمير

- شكل الرقم مصمم تردي
- فعلاً بس علشان الدوشة ما سمعتش، هتصل أشوف مين

ضغطت زر الاتصال فأجابها أحد العاملون بالمشفى وأخبرها أنه وجد رقمها بمفكرة صغيرة وجدها بجيب شخص تم إحضاره إلى المشفى جراء حادث سير وكتب إلى جواره "بنتي وعد"... تسارعت نبضاتها خوفاً وتلألأت الدموع داخل مقلتيها ولم تستطع أن تسأله عن حالة والدها إلا أنه سبقها وتابع

- البقاء لله

سقطت الهاتف من يدها ثم وضعت كلتا يديها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فالتقط أمير الهاتف عله يعلم ما أصابها وما أن أخبره العامل بما حدث، أنهى المكالمة وجذبها إلى صدره فانفجرت دموعها كالشلال وهي تردد

- مات، بابا مات 

********

بعد مرور ما يقارب الساعة أوقف أمير سيارته أمام المشفى التي يوجد بها جثمان يحيى... ترجل منها وساعد وعد النزول ثم مضى معها إلى الداخل لينهي كافة الإجراءات... طلبت من الطبيب إلقاء نظرة أخيرة على والدها فوافق واصطحبها بمفردها إلى الغرفة التي يوجد بها... ما أن دلفت إلى الغرفة، شعرت باهتزاز الأرض تحت قدميها فجلست على المقعد المقابل للفراش ثم أزالت غطاء وجه أبيها فوضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها... ظلت تبكي وتبكي وهي تتأمل وجهه الملطخ بالدماء وبمجرد أن لحق بها أمير أسندت رأسها عليه وهي مازالت جالسة وقالت بصعوبة 

- كان عايز يشوفني يوم كتب الكتاب وأنا قولت لا، بس لو كنت أعرف أنه هيمشي كنت هودعه بس هو ظلمني يا أمير، وظلمني كتير أوي ودلوقتي كمان ظلمني وسابني وخلاص مش هيرجع تاني

لم يستطع أمير أن يتحمل انهيارها أكثر من ذلك فساعدها على النهوض ثم اصطحبها إلى الخارج فاقترب العامل منهما وسلم كل ما كان بحوزة يحيى إلى أمير فوقعت عينيّ وعد على الظرف الذي توجد بداخله نتيجة تحليل الحمض النووي لشقيقيها، وبمجرد أن قرأت النتيجة سقطت مغشياً عليها فحملها أمير واتجه بها صوب غرفة الطوارئ وهناك ساعدها الأطباء فاستعادت وعيها بعد عدة دقائق وهي لا تصدق ما قرأته وعندما شعرت بقليل من التحسن نظرت إلى أمير وهتفت بصوت أقرب إلى الرجاء 

- عايزه أروح لمصطفى وعبد الرحمن 
- هوديكي، أنا خلصت إجراءات المستشفى والدفن هيكون بكرة بعد معاينة النيابة

حركت رأسها لتخبره أنها تفهمت ما قاله ثم استندت عليه وغادرت معه إلى السيارة وخلال دقائق قليلة انطلق بها إلى منزل يحيى حيث تنتظرها صدمة جديدة

********

طوال الطريق لم تتفوه وعد ولو بكلمة فكانت دموعها أصدق من الكلام،  وظلت على تلك الحالة حتى وصل أمير إلى وجهته فترجلت من السيارة وصعدت إلى الطابق الثالث حيث توجد شقة والدها لكنها ما أن وصلت أمام بابها وصلت رائحة الغاز إلى أنفها فبحثت في حقيبتها عن المفتاح الذي كان بحوزة والدها وفتحت الباب ثم اتجهت مُباشرةً إلى غرفة شقيقيها بينما اتجه أمير صوب المطبخ وأغلق الغاز الذي يتسرب من الموقد ثم فتح شباك المطبخ وغادر ليفتح باقي الشبابيك إلا أنه توقف عندما استمع إلى الصرخة التي انطلقت من ثغر وعد

- لااااااااااااااااااا

عتذر لكل اللي زعل النهارده على موت يحيى ويبقى سؤال الولدين ماتوا ولا لا وده هنعرفه في فصل يوم السبت بأمر الله وبكرة في اقتباس الساعة ٨ في حسابي الشخصي بالفيس بوك، ولو هتقولوا ليه يحيى مات هقولكم دي نهاية طبيعية لإنسان زيه والدنيا مش دايما وردي ولا أنا هبقى فرحانه وأنا بكتب كلها حب في حب ولا ليها أي معنى، وعلشان مقدرش على زعلكم هضيف للفصل اقتباس يفرفشكم 

جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها 
ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, March 5, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 05, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك 

الفصل الثالث والعشرون - بقلمي منى سليمان

* صدمة *

اصطحب يحيى ولديه إلى شقة حسام وطرق بابها عدة مرات ليتركهما برفقة حنين لكن لم يجبه أحد فنظر إلى العسكري وتساءل

- ممكن أخدهم معايا علشان أمهم مش موجودة ولا الجيران؟ 
- اه طبعاً 

شكره يحيى ثم مضى إلى سيارته وانطلق بها خلف سيارة الشرطة وهو يشعر بخوف لم يختبره يوماً... حاول طوال الطريق الاتصال بمنيرة لكنه وجد هاتفها مغلق فشعر بالقلق عليها ودعا الله أن لا يكون قد أصابها مكروه

******

في ذات الوقت انتهى حسام من قص ما حدث فأتسع ثغر أمل من وقاحة منيرة وعشيقها فضيق حسام بين حاجبيه وأردف بغيظ مصطنع

- عرفتي بقى كنت متعصب ليه، وفوق ده كله تيجي تقوليلي الساعة قدام البطارية

قال كلماته الأخيرة مقلداً طريقتها في الحديث فابتسمت رغماً عنه وهتفت وهي تنظر إليه بأعين راجية 

- أنا آسفة 
- مفيش داعي للاعتذار، حصل خير
- طيب أنا هروح أطمن على وعد وأتخانق مع أمير علشان ما قاليش

قالتها بتوعد فابتسم على طريقتها و هيئتها الأشبه بهيئة أحد وكلاء النائب العام فهتف مازحاً 

- تنفعي وكيل نيابة على فكرة 
- بجد؟ 

تساءلت وهي تضم كفيها أمام صدرها فأسر ابتسامته حتى لا يقلل من فرحتها فحرك رأسه كإشارة لتأكيد ما قاله دون أن يتفوه ولو بكلمة ثم أمسك نظارتها الطبية الموضوعة على سطح المكتب وأعطاها إياها لترتديها فنفذت رغبته وأردفت بسعادة

- كده بقيت وكيل نيابة أصلي، صح؟ 

لم يستطع أن يأسر ضحكته أكثر من ذلك فانفجر ضاحكاً بأعلى طبقات صوته وبمجرد أن استرد هيبته نظر إليها وقال مازحاً 

- كنت بقول على حنين مجنونة بس الحمد لله أختي جمبك طلعت عاقلة
- ظريف

قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامعه وكاد أن يشاكسها إلا أنها وقفت عن المقعد لتغادر فتابع قائلاً 

- أنا منتظر والد وعد وبعدها هروح أطمن عليها فلو تحبي خليكي ونروح سوا 
- ماشي هستناك، هتستلم شغلك الجديد بكرة؟ 
- بأمر الله مش هينفع نأجل أكتر من كده، هروح أجبلك حاجة تشربيها أوعي تخرجي من هنا

حركت رأسها بالموافقة وانتظرت حتى غادر ثم أجرت اتصالاً بهاتف أمير لتطمئن على وعد

*******

بغرفة وعد... 
كانت تبكي بحرقة حينما أخبرها أمير أن منيرة هي من خططت لذلك فضمها إلى صدره علها تتوقف عن البكاء لكنها قررت إخراج الغضب والحزن الذي لازمها طوال السنوات التي قضتها بمنزل أبيها... وما أن صدع صوت رنين هاتفه أبعدها عنه قليلاً وضغط زر الأيجاب وقبل أن يتحدث سبقته أمل وتساءلت بقلق

- وعد عامله إيه؟ 
- الحمد لله أحسن، أنا قولت لماما ما تقولكيش علشان ما تتوتريش وأنتي سايقه
- حسام هو اللي قالي، أنا في النيابة دلوقتي شوية وهنيجي
- ماشي يا عمري خدي بالك من نفسك 

ودعته أمل وأنهت المكالمة ثم جلست في انتظار حسام بينما كفكفت وعد دموعها ونظرت إليه قائلة

- هي أمل عرفت منين؟ 
- في بينها وبين حسام شغل فتقريباً حكالها، هي شوية وهتيجي
- أنا مخنوقة أوي، حاسة أني اتظلمت كتير والنهارده ربنا جابلي حقي وحق أمي وأخويا اللي مات قبل ما يجي الدنيا بس برضو مخنوقة 

قالت كلماتها الأخيرة بصوت غلبه البكاء فأمسك وجهها بين كفيه وهتف بحنان وصوت دافئ غلفه العشق

- أنسي كل اللي فات وخلينا في بكرة واللي ظلموكي ربنا هياخد حقك منهم، وعلشان خاطري ما تعيطيش

حركت رأسها بالموافقة فحرر وجهها ثم جذبها إلى صدره ليغمرها بحنانه وساد الصمت بينهما لدقائق قطعها عندما أردف قائلاً 

- تعالي نتمم جوازنا ونعيش سوا لأخر العمر 

ابتعدت عنه قليلاً فتقابلت أعينهم في نظرة ساحرة فبادر برسم الابتسامة على شفتيه ثم كرر كلماته بصوت أكثر هدوءاً فحركت رأسها يميناً ويساراً لتخبره بعدم موافقتها فتساءل بهدوء 

- ليه؟ 
- إحنا لسه ما نعرفش بعض كويس واللي بيجي بسرعة بيروح بسرعة
- وجودنا سوا هيقويكي يا وعد وأنا عايزك جمبي في أسرع وقت

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها، توردت وجنتيها خجلاً وخبأت عينيها عنه فابتسم على فعلتها لكنه لم يرفع راية الاستسلام فوضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها لتتقابل أعينهم من جديد

- أنا مش بشفق عليكي، ولا بلعب بيكي، أنا عايزك جمبي كل دقيقة وكل ثانية عايز أنام وأقوم وأنتي في حضني وتكون عيونك أخر حاجة أشوفها وأول عيون أصحى عليها، قولتي إيه؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة فقد كانت تحت تأثير كلماته العذبة فأخذت ترمش بعينيها عدة مرات لتتأكد أن ما سمعته ليس حُلماً فابتسم على هيئتها واقترب منها شيئاً فشيئاً عله يسرق قلبته الأولى ليهدم الجدار القائم بينهما إلا إنها سبقته وأسندت رأسها على صدره فحاوطها بحنان وأردف 

- وافقي بقى
- والدراسة؟ 
- هساعدك وهذاكرلك كل المواد وببلاش كمان

ارتسمت ابتسامة على شفتيها أثر مزحته لكن كلماته لم تستطع قتل الخوف الساكن بقلبها فقالت برقة

- طيب خليها في الأجازة 
- السنة لسه طويلة إيه يخلينا نستنى سنة؟ 
- مش عارفه 

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً وهي مازالت تستند على صدره ثم غمز لها بمشاكسة وهتف مازحاً 

- هوافق وأمري لله مع أنك مراتي ولو عايز أخطفك حالا محدش هيمنعني بس طول السنة مش هبطل أقولك تعالي نوري بيتي

كانت كلماته بمثابة الدواء الشافي لجميع جروحها لكنها فضلت الانتظار حتى يتأكد كل واحد من مشاعره تجاه الأخر 

*******

في ذات اللحظة وصل حسام أمام غرفة المكتب التي توجد بها أمل، لكنه قبل أن يدخل إليها رأى يحيى يقترب برفقة أحد العساكر ومعه طفليه مصطفى وعبد الرحمن... زفر بضيق حينما رأى الولدين ثم اقترب من يحيى وقال بصوت رجولي

- في حد يجيب أطفال هنا؟ 
- خبطت على حنين ملقتهاش وأمهم مش موجودة

ابتسم حسام بسخرية حينما استمع إلى كلمات يحيى الأخيرة ثم هتف بغيظ

- أنا هاخد مصطفى وعبد الرحمن على ما تخلص
- طيب قولي الأول أنا هنا ليه؟ 

لم يجيبه حسام لكنه رمقه بنظرة اشمئزاز وأخذ الولدين إلى الغرفة التي توجد بها أمل ثم تركهم برفقتها وغادر ليصطحب يحيى إلى غرفة مكتب وكيل النائب العام فدلف وهو يشعر بالقلق والخوف فنظر حسام إلى المحقق وقال بصوت رجولي 

- جوز المتهمة منيرة 

جحظت عينيّ يحيى بعدم تصديق وردد بخفوت: متهمة

فاق من صدمته حينما أشار إليه المحقق بالجلوس فوصل إلى المقعد بصعوبة لشعوره باهتزاز الأرض تحت قدميه ثم جلس في انتظار ظهور منيرة بعد أن أرسل حسام في طلبها من محبسها بينما بدأ وكيل النائب العام يقص عليه كل ما حدث فشعر أنه على مشارف الموت حينما شعر بالاختناق فحل رابطة عنقه وكاد أن يتحدث إلا أن دخول دخول منيرة قاطعه فرفع بصره إليها وجحظت عينيه حينما رأى الملاءة التي تستر جسدها فوقف عن مقعده واقترب منها ثم أنهال عليها بالصفعات وهو يقول 

- خربت بيتي علشانك وشردت بنتي بسببك وأنتي كلبة ولا تسوي

أشار حسام بيده إلى العسكري فاستطاع بصعوبة إبعاد يحيى عنها ثم ساعده على الجلوس فقد كاد أن يسقط عدة مرات فأعطاه المحقق كوباً من المياه عله يرتشق القليل فأخذه وشرب منه بصعوبة نظراً لارتعاش يده وبمجرد أن انتهى سأله المحقق

- تحب ترفع قضية زنا؟ 

حرك يحيى رأسه بالموافقة ثم هتف بصعوبة: وهطلقها في النيابة كمان بعد ما تتنازل عن حضانة الولاد وكل حقوقها فيهم و

قاطعة المحقق قائلاً: أنصحك كمان تعمل تحليلي DNA للأولاد 

أتسع ثغر يحيى في صدمة حينما فهم ما يرمي إليه المحقق وقال بعدم تصديق

- هم هما ممكن ما يكونوش ولادي؟ 
- واحدة زي دي توقع منها أي شيء 

لم يستطع يحيى أن يتفوه بالمزيد وظل صامتاً حتى انتهت إجراءات إثبات واقعة الزنا ثم ألقى عليها يمين الطلاق وغادر الغرفة وهو يشعر بالاختناق فشعر حسام بقليل من الشفقة على حاله لكنه لم يظهر له ذلك وهتف بجدية

- شفت منيرة وصلتلك لفين، شفت ذنب ظنط رمزية وأبنك اللي قتلته بأيدك وذنب بنتك اللي رمتها في الشوارع وصلك لفين، يا خسارة يا ألف خسارة، أتفضل خد ولادك أعملهم تحليل ده لو طلعوا ولادك أصلاً 

تركه حسام واتجه صوب الغرفة التي توجد بها أمل ثم اصطحب مصطفى وعبد الرحمن إلى الخارج فركضا باتجاه يحيى وتساءل مصطفى ببراءة 

- بتعيط ليه يا بابا؟ 
- مفيش مفيش يا حبايبي 

قالها ثم ثنى ركبتيه وجذب مصطفى إلى صدره وأحاطه بحنان لدقائق ثم مد يده وجذب عبد الرحمن أيضاً وأخذ يستنشق عبير عطرهما وهو يشعر بنيران تسري بداخله وتحرق كل ما يقابله فراقبهم حسام في صمت ثم زفر بضيق وعاد إلى أمل وجلس على المقعد المقابل لها دون أن يتفوه ولو بكلمة فشعرت بالقلق عليه وتساءلت

- مالك؟ 
- برغم كل اللي عمله في وعد ووالدتها إلا أنه صعبان عليا 
- ده ذنب وعد وطنط رمزية، هو استقوى عليهم والنهارده ربنا بيجيب حقهم جته القرف هو والحرباية اللي فرحان بيها، اللهم لا شماته

قالت كلماتها بغيظ فرفع بصره إليها وابتسم فأردفت متسائلة: مبتسم ليه؟ 

- حاسك بتاعت مشاكل أوي، بتفكريني بأمين عندنا سميناه سعيد شكل علشان بتاع مشاكل فشكلي هسميكي أمل شكل

صرت على أسنانها وشعرت برغبة ملحة في الفتك به لكنها لم تفعل بل حملت حقيبتها وغادرت دون أن تعيره أي اهتمام فلحق بها وقبل أن تدلف إلى سيارتها وقف أمامها وقال بجدية مصطنعة

- بهزر على فكرة
- ماشي، ممكن تبعد عن العربية بقى
- طيب هاتي الساعة بتاعتي الأول

رفعت أحد حاجبيها فرفع كلا حاجبيه في المقابل وتابع: هي مش بتاعتي ولا إيه؟ 

مد لها يده فأخرجت العلبة من حقيبتها ووضعتها داخل كف يده وطلبت منه الابتعاد فافسح لها المجال ثم اتجه صوب سيارته ولحق بها 

*******

بمنزل سوسن... 
انتهت سوسن من إعداد السفرة بمساعدة حنين ثم دعت كل من أمجد وسلوى للجلوس على مائدة الطعام بينما اتجهت حنين صوب غرفة وعد وطرقت بابها فابتعدت عن صدر أمير وقالت برقة

- أدخل 

دلفت إلى الداخل واقتربت من وعد ثم طبعت قبلة على وجنتها وهتفت مازحة

- صح النوم 
- أنا صاحية من بدري بس كنت برغي مع أمير
- طيب يلا جهزنا الغداء وكمان حسام وأمل على وصول وكلهم بره قلقانين عليكي
- حاضر هنخرج وراكي

بمجرد أن غادرت حنين الغرفة، همت وعد أن تقوم عن الفراش إلا أنها شعرت بدوار خفيف فجلست مرة أخرى وهي تضع يدها على رأسها فجلس أمير إلى جوارها وانتظر حتى تحسنت قليلاً ثم ساعدها على الوقوف ومضى معها إلى الخارج فاحتضنتها سلوى لتغمرها بالدفء الذي تحتاج إليه وفعلت سوسن المثل لكنها بكت لا إرادياً فربتت وعد على ظهرها وهتفت برقة

- أنا كويسه

ابتعدت سوسن عنها بصعوبة ثم أخذت تمرر يدها على خصلات شعر وعد وهي تقول 

- ربنا يحفظك من كل شر
- ما تخلصونا يا جدعان أنا جعاااااان

قالها أمجد بطريقة تمثيلية فانفجروا جميعاً ضاحكين وأنضموا إليه بينما لوت حنين شفتيها بضجر وتساءلت في نفسها

- هو مفجوع ولا إيه؟!! 

******

أسفل العقار أوقف حسام سيارته ثم ترجل منها ووقف في انتظار أمل، لم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصلت إلى وجهتها وترجلت هي الأخرى وما أن رأته يقف في انتظارها عبست بشده وهمت أن تتخطاه لكنه سبقها وقبض على معصمها فرفعت بصرها إليه وشرار الغضب يتطاير من مقلتيها فأسر ابتسامته وهتف مازحاً 

- عيونك بيطلعوا شرار وبتزعلي لما أقولك أمل شكل
- أنت رخم أووووي ودمك سم 
- من بعض ما عندكم
- أنا رخمة ودمي سم؟ 

تساءلت بطريقة طفولية أسرة للقلوب فابتسم لها وقال بجدية مصطنعة ونبرة صوت هادئة

- لا أنا اللي رخم ودمي سم، ما تزعليش بقى
- ماشي

قالتها ببراءة فحرر معصمها وأشار إليها بالدخول فمضت معه إلى الداخل وشاركها كذلك صعود الدرج فهو يعلم جيداً أنها مصابة برهاب المصاعد وما أن وصل إلى باب الشقة مد يده ليضغط زر الجرس فسبقته وقالت برقة

- هقولك على حاجة قبل ما ندخل
- سامعك
- ماما وأمير عارفين موضوع المهمة أنا مبقدرش أخبي عنهم حاجة 

قالت كلماتها دون أن تنظر إليه اعتقاداً منها أنه سيعنفها كعادته لكنه لم يفعل بل تحدث إليها بهدوء قائلاً 

- دي حاجة أحترمها فيكي
- كنت فكراك هتزعق وهولاكو اللي جواك هيطلع
- أهو لو ما سكتيش حالاً هولاكو هيطلع 

أتسعت ابتسامتها الساحرة أثر مزحته فشاكسها بغمزة من عينه اليسرى ثم ضغط زر الجرس واصطحبها إلى الداخل بمجرد أن فتحت حنين فاندهشت بشدة من وجودهما سوياً ورددت بخفوت

- هو إيه النظام؟!!!! 

******

في ذات اللحظة أنهى يحيى إجراءات الطلاق ثم اصطحب ولديه إلى السيارة  وانطلق بها نحو المعمل المختص بتحليل البصمة الوراثية ليجري تحليل الحمض النووي لولديه... كان يشعر بالضيق والاختناق فما حدث ليس بالقليل لكنه دعا الله طوال الطريق لكي يكذب ظنونه... بعد مرور عدة دقائق وصل إلى وجهته ثم دلف إلى الداخل وهو يشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه، استقبله أحد العاملون وطلب منه الانتظار فجلس على أحد المقاعد ونظر إلى ولديه قائلاً 

- تعالوا أقعدوا جمبي
- أنا عايز أنام

قالها عبد الرحمن ببراءة فتابع مصطفى: وأنا جعان

تلألأت الدموع داخل عينيّ يحيى وشعر كذلك بغصة في قلبه لما وصل إليه بسبب عشقه لمنيرة وظل يسترجع ذكرياته معها وما ضحى به من أجلها ثم فاق من شروده حينما احتضنه مصطفى وفعل عبد الرحمن المثل فحاوطهما بحنان وظلوا هكذا حتى عاد العامل وطلب منه الدخول فوقف عن مقعده ومضى إلى الداخل وقص على الطبيب ما حدث فأخد منه مسحة من الحلق وخصلة من شعره ثم أمر العامل بإدخال الطفلين وفعل معهما مثلما فعل مع أبيهم وبمجرد أن غادرا الغرفة نظر يحيى إلى الطبيب وهتف

- أنا عايز النتيجة في أسرع وقت، أرجوك
- خلال أربع أيام أو خمس أيام بالكتير هتطلع النتيجة

شكر يحيى الطبيب وغادر وبداخله صوت يخبره أن ما يدور برأسه مجرد أوهام ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انطلق بسيارته إلى أحد المطاعم ليتناولوا الطعام 

******

بمنزل سوسن... 
انتهوا من تناول الطعام فجلست سوسن تتحدث إلى سلوى بينما أفرغت حنين محتويات السفرة بمساعدة وعد وأمل،  أما أمير فجلس يخبر أمجد برغبته في إكمال الزيجة لتعيش وعد تحت رعايته، في حين دلف حسام إلى الشرفة ليجرى اتصالاً هاتفياً بأحد زملائه... ما أن انتبه أمير إلى إنهاء حسام للمكالمة، ترك مقعده ولحق به إلى الشرفة ثم هتف بصوته الرجولي

- أنا مش عارف أشكرك أزاي على كل اللي عملته علشان وعد

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغر حسام وهتف بهدوء: وعد أختي وعلشانها أعمل المستحيل ولو حنين في نفس الموقف كنت هعمل اللي عملته 

- لما أمل حكتلي على القضية قلقت عليها بس طالماً هتكون معاها يبقى هطمن 

شعر حسام بالإطراء لما قاله أمير فربت على كتفه وطمئنه أكثر وأكثر على أمل وأخبره أنها أمانة في رقبة كل رجال وزارة الدخلية فشكره أمير مرة أخرى ثم دلفوا إلى الداخل فمال أمجد على أذن سلوى وهتف مازحاً كعادته

- خالتي تعالي عايزك
- ومالك بتوشوشني كده ليه؟
- تعالي بس وهقولك كل حاجة

مضت معه إلى الشرفة فقص عليها ما يريد فشعرت بالسعادة تسري بداخلها وتساءلت وابتسامة ساحرة ترتسم على ثغرها 

- بتتكلم بجد؟ 
- اه وربنا
- ألف حمد وشكر ليك يارب، تعالى أدبسك قبل ما تغير رأيك

جذبته من معصم يده كطفل صغير تصطحبه أمه إلى المدرسة فجاهد ليحرر معصمه لكنها لم تسمح بذلك ضاربة عرض الحائط بمحاولاته وظلت هكذا حتى استقرت أمام حسام فضحكت أمل على هيئته وكذلك حنين فتوعد لهن بنظراته ثم انتبه إلى حديث سلوى 

- شوف بقى يا حسام أنا بحب الكلام الدغري وما بحبش اللف والدوران 

نظر حسام إليها بعدم فهم فتابعت بسعادة: أنا عايزه أطلب منك أيد حنين لأمجد

اندهش حسام بشدة بينما وقفت حنين عن مقعدها وركضت إلى الداخل لشعورها الشديد بالخجل فابتسم أمجد على فعلتها ثم نظر إلى حسام وتساءل

- قولت إيه يا شيخ الشباب؟ 

رفع حسام أحد حاجبيه ثم رمقه بنظرة نارية وأجاب بثبات: مش موافق


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 05, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع والعشرون - بقلمي منى سليمان

قبل الفصل أدعولي لأن عيني تعبانه جداااااااااا بفتحها بالعافية وبعتذر أني ما بردش عالتعليقات يادوب بنشر الفصل وأقفل 😭😭😭

* رسالة *

جحظت أعينهم جميعاً في عدم تصديق فأسر حسام ابتسامته ثم وقف عن مقعده ورسم الجمود المصطنع على قسمات وجهه، لكن أمجد لم يستسلم فاقترب منه أكثر وقال بصوت أقرب إلى الرجاء 

- ورحمة أبوك وأمك وافق
- مش هينفع يا أمجد 
- ليييييه ده انا هحطها جوه عيوني وكمان أنا عريس لقطه 

قالها بطريقة تمثيلية فجاهد حسام بشتى الطرق ليأسر ضحكته ثم هتف بجدية مصطنعة وصوت غلفته الحدة

- أختي وأنا حر فيها ومش عايز أجوزها 
- طب فكر تاني، بلاش ترفض على طول
- لا على طول ولا على عرض هي لا وخلاص
- بس أنا عايز أتجوزها

قال كلماته ببلاهة بعد أن ضرب قدمه بالأرض كالأطفال فانفجروا جميعاً ضاحكين بالرغم من شعورهم بالغضب من رفض حسام الذي ما أن استرد أنفاسه وكز أمجد في كتفه وقال مازحاً 

- يا ابني تتجوز مين، أخاف لتجبلها تخلف وهي مش ناقصة ولا تاكلها وهي نايمة

أتسع ثغر أمجد بعدم تصديق ثم أشهر سبابته وأشار إلى حسام قائلاً بسعادة 

- أنت بتهزر، صح؟ 
- هو أنا هلاقي لأختي أعز منك يا أهبل
- ينصر دينك 

قفز أمجد في صدر حسام فضحكوا من جديد على جنونه حتى دمعت أعينهم وما أن تمالك حسام أنفاسه تركهم ولحق بشقيقته ثم اقترب منها وطبع قبلة على مقدمة رأسها وقأل بعد أن جلس إلى جوارها

- كسوفك ده علامة القبول ولا صدمة؟ 

خجلت بشدة أن تجيبه فوجهت نظرها إلى الأرض وهي تفرك أنامها ببعضهم البعض فابتسم على براءتها ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه وساد الصمت لدقائق تذكر فيها والديه فنظرت إليه وتساءلت بقلق

- مالك؟ 
- مفيش حاجة يا قلبي، قوليلي رأيك
- أنت شايف إيه؟ 
- أنا شايف أنك لسه صغيرة وكمان قدامك سنين دراسة بس في نفس الوقت أنتي عارفه أن شغلي صعب وممكن في أي لحظة أتصاب وأسيبك في الدنيا لوحدك و

قاطعته قائلة بصوت كساه الألم: بعد الشر عليك، ربنا يخليك ليا 

- ويخليكي ليا، ها قولتي إيه؟ 
- اللي تشوفه

قالتها بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس فقرر مشاكستها قائلاً بجدية مصطنعة وصوت رجولي حاد

- ما تعلي صوتك ولا أخرج أقوله مش موافقة
- ب ب بقولك موافقة

ضربها بخفة على مقدمة رأسها وقال مازحاً: ناس ما تجيش إلا بالعين الحمراء صحيح

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيها أثر مزحته فبادلها بقبلة طبعها على جبينها قبل أن يغادر... وبمجرد أن أخبر أمجد بموافقتها علّا صوت الفرح في أرجاء المكان وتبادلوا كذلك التهاني فيما بينهم إلى أن استقرت أمل أمام حسام فقالت برقة

- عقبالك يا هولاكو

رفع أحد حاجبيه وهتف بغيظ: وعقبالك يا شكل 

لوت شفتيها بضجر ثم ابتعدت عنه دون أن تتفوه بالمزيد فأسر ابتسامته بصعوبة وعاد إلى حنين ليصطحبها إلى الخارج، وما أن وقعت عينيّ أمجد عليها اقترب منها وقال وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- مبروك 
- الله يبارك فيك 

قالتها ثم ابتعدت عنه وتلقت التهاني من الجميع وعندما استقرت أمام سلوى ربتت الأخيرة على يدها بحنان ثم جذبتها بخفة لتجلس إلى جوارها والسعادة تظهر بوضوح داخل مقلتيها فقد استجاب الله لدعواتها بعد طول انتظار 

******

بعد مرور عدة ساعات عاد أمجد إلى منزله وهو يشعر بسعادة لم يتذوق نكهتها يوماً... خلع جاكيت حلته ثم جلس على أقرب مقعد وأجرى اتصالاً دولياً... في ذات اللحظة صدع صوت رنين هاتف محمود فاستيقظ من نومه وشعر بالقلق حينما رأى أسم المتصل ثم أجاب قائلاً 

- مالك يا أمجد؟ 
- مفيش حاجة 
- أمال بتتصل بدري كده ليه؟ 

ضرب أمجد جبهته بكف يده عندما تذكر فرق التوقيت فتحدث قائلاً: لمؤاخذة يا كبير نسيت فرق التوقيت

- طيب قولي مالك

أخبر أمجد والده برغبته في الأرتباط بفتاة وقص عليه كذلك تفاصيل كل ما حدث فشعر محمود بالسعادة لأجل ابنه الوحيد وبارك الزيجة فلوى أمجد شفتيه بضجر وقال بغضب

- مبروك من بعيد لبعيد ما تنفعش لازم تيجي تخطبهالي وتحضر فرحي كمان وكفاية سفر 
- حاضر يا أمجد، هسيب كل حاجة وأجيلك أنت ابني الوحيد ونور عيوني كمان 

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة والمشاكسات أنهى أمجد المكالمة ودلف إلى غرفته ليحصل على قسط من الراحة بينما اعتدل والده في جلسته قليلاً وأخرج صورة زوجته الراحة التي يحتفظ بها دائماً وأبداً تحت وسادته ثم أخذ يمرر ظاهر أصابعه عليها عله يشعر بوجودها فقد ترك مصر بأكملها بعد وفاتها واليوم عليه العودة لتطارده الذكريات الأليمة التي عاشها عند وفاتها 

- وحشتيني 

قالها بحنان وصوت دافئ ثم أعاد الصورة إلى حيث كانت وأراح جسده مرة أخرى ليكمل نومه ويراها في أحلامه ككل ليلة

********

خرج حسام من الحمام بعد أن أنعش جسده تحت المياه فقد كان يومه شاق... ارتدى ثيابه وصلى فرضه ثم أراح جسده على الفراش لينعم بقسط من الراحة... رقد على ظهره ونظر إلى سقف الغرفة ثم أخذ يتذكر تفاصيل يومه المليء بجنون أمل، ابتسم عدة مرات عندما تذكر ملامح وجهها وهو يناديها "شكل" كما أطلق عليها وشعر كذلك بالغضب من نفسه حينما تذكر معصمها الذي تورم جراء قبضته... بقى على تلك الحالة ساعة كاملة خاصمه خلالها النوم فأخذ يعبث بهاتفه وولج إلى حسابه الشخصي الخاص بتطبيق "الفيس بوك" ثم بحث عن حساب أمل لعدة دقائق وبمجرد أن وجده أرسل إليها طلب صداقة قبلته على الفور فقد كانت مستيقظة هي الأخرى... جاءه أشعار بقبول الصداقة فأرسل إليها رسالة عبر تطبيق "الماسنجر" 

"صاحيه ليه؟!!"

قرأت الرسالة على الفور ثم لوت شفتيها بضجر ورددت في نفسها: وأنت مالك 

ترددت لدقائق في الرد عليه ولكن بالنهاية أخذت قرارها وكتبت 

"مش جايلي نوم، طلع عندك فيس زي باقي الناس سبحان الله"

مط شفتيه بضجر عندما قرأ رسالتها الاستفزازية ثم كتب

 "ظريف يا شكل"

بمجرد أن قرأت رسالته صرت على أسنها وأرسلت

"خفيف يا هولاكو"

انفجر ضاحكاً عندما قرأ كلماتها ثم وضع الهاتف إلى جواره عله يغفو لكن ذلك لم يحدث فظل يتق في الفراش حتى صدع صوت رنين هاتفه معلناً عن وصول رسالة 

"أنا خايفة"
"؟؟؟"

فهمت سؤاله فأجابته "خايفة من اللي جاي"

"ما تخافيش طول ما أنا موجود"

ما أن قرأت كلماته شعرت بالطمأنينة وارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها إلا أنها تلاشت تماماً حينما تابع مازحاً 

"وبعدين الراجل معجب بيكي يعني الله يسهلو"
"تصبح على خير يا رخم"
"تصبحي على خير يا أم لسان طويل"

وضع حسام الهاتف إلى جواره ثم استسلم إلى النوم خلال دقائق قليلة بينما أخذت أمل تتصفح حسابه وكلما وقعت عينيها على صورة له كانت تردد بغيظ

- رخم 

*******

بمنزل نادين... 
تململت في الفراش حينما صدع صوت رنين هاتفها فاندهشت بشدة حينما رأت ساعة الهاتف تشير إلى التانية صباحاً وزاد اندهاشها عندما وجدت الاتصال من جماعة تجارة الأعضاء فأجابت قائلة

- الو
- إبراهيم أتقبض عليه

جحظت عينيها في عدم تصديق ثم وضعت يدها على ثغرها لتكتم الصرخة التي كانت على وشك الانطلاق فتابع الشاب

- الخط ده كسري شريحته وهنهدي اللعب مؤقتاً ولما الأمور تستقر هنكلمك، سلام

أنهى المكالمة دون أن ينتظر ردها فأبعدت الهاتف عن أذنها ثم فعلت ما قاله وهي تشعر بالخوف فتركت فراشها واتجهت صوب غرفة والدتها ثم جلست على حافة فراشها وأيقظتها فجحظت عينيها هي الأخرى تساءلت بخوف

- وبعدين يا نادين، هنعمل إيه؟ 
- قومي لمي هدومك وهروح ألم هدومي وأول ما الشمس تطلع تعالي ننزل في أي فندق ولا نأجر شقة مفروشة لحد ما الموضوع يعدي على خير 

حركت خيرية رأسها بالموافقة ثم تركت فراشها وأخذت تجمع كل ما قد تحتاج إليه وفعلت نادين المثل وبمجرد أن فرغت من جمع أشيائها وضعت كرسياً أمام حافظة الثياب ثم أحضرت الحقيبة الموضوعة أعلاه ووضعتها على فراشها وما أن فتحتها لمعت عينيها بسعادة فبداخلها ما يقارب مائتي وخمس وعشرون ألف جنية 

- محدش هياخدكم مني أبداً 

********

مضت الدقائق والساعات والأيام على الجميع وانخرط كل منهم في حياته، لكن لم يتوقف أحد منهم عن التفكير في الأخر... 
انتظر  يحيى طوال الأربعة أيام الماضية نتيجة تحليل الحمض النووي ولم يفارق منزله منذ القبض على منيرة بل اعتنى بولديه جيداً مكذباً الشكوك الساكنه بداخله
تم ترحيل منيرة إلى سجن النساء لتمضي عقوبة الحبس خمسة عشر يوماً على ذمة قضية التخطيط لخطف أنثى وخمسة عشر أخرى على ذمة قضية الزنا، كما تم ترحيل إبراهيم والشاب الذي كان يلاحق وعد إلى سجن الرجال
*كان أمجد دائم الاتصال بحنين وانتظر عودة والده بفارغ الصبر لتتم الخطبة وكان ينتظرها كل صباح أمام بوابة الجامعة ليشاكسها قبل أن ينطلق إلى عمله *
*تعلقت حنين بأمجد أكثر وأكثر فأصبحت رؤيته كل صباح جزء لا يتجزأ من يومها *
عملت رمزية بكل ما حدث لابنتها من خلال مكالمة هاتفية فشعرت بغصة في قلبها لما أصاب ابنتها، كما شعرت بالشفقة على ولدي يحيى فقد أصبحت والدتهم صفحة سوداء في حياتهم
* لم تذهب وعد إلى الجامعة خلال الثلاثة أيام الماضية وفضلت البقاء في المنزل حتى تتحسن حالتها النفسية فكان أمير دائم الذهاب إليها كل مساء بعد انتهاء عمله فشعرت في قربه بحنان يغمرها*
أدمنت وعد البقاء بين أحضان أمير وبداخله تشعر بالأمل والسعادة والحنان لكنها رفضت إتمام الزيجة عدة مرات حتى تتأكد من مشاعره ومشاعرها
اعتاد حسام على عمله المؤقت وراقب هدفه جيداً وكان دائم الاتصال برؤسائه ليطلعهم على أخر المستجدات
ازداد شعور أمل بالخوف لما هي مقبلة عليه وشعرت كذلك برغبة في التحدث إلى حسام عله يهدئ من خوفها لكنها لم تفعل حتى لا يتعطل عن عمله

******

في صباح اليوم الخامس استيقظ أمجد في السابعة ثم ترك فراشه في عُجالة ودلف إلى الحمام، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى ارتدى ثيابه وأجرى اتصالاً بهاتف حنين قبل أن يغادر للقائها فأجابته بهدوء قائلة

- الو 
- يا صباح الورد والفل والياسمين، أنا هتحرك حالاً و

قاطعته قائلة: أنا تعبانه أوي ومش هقدر أنزل

قالت كلماتها بصعوبة نظراً لمرضها الشديد فحمل مفتاح سيارته وهو مازال يتحدث إليها ثم انطلق إلى منزلها ليطمئن عليها... ما هي إلا دقائق حتى وصل إلى وجهته وصعد مُباشرةً إلى شقتها وطرق بابها وزر الجرس كذلك فاندهش حسام بشدة ثم ترك غرفته وفتح الباب وقبل أن يتحدث سبقه أمجد ودلف إلى الداخل وأخذ يبحث بعينيه عن حنين لكنه لم يجدها فنظر إلى حسام وتساءل بقلق

- فين حنين؟ 

عقد حسام ذراعيه أمام صدره ورمق أمجد بنظرات نارية فابتلع الأخير ريقه بصعوبة وأردف

- سوري قلقت عليها لما قالتلي أنها تعبانة
- تقوم تخبط زي أمن الدولة على الباب والساعة لسه ٨ وربع
- معلش معلش، خليني أشوفها وهطمن عليها وأمشي على طول

قالها أمجد بصوت أقرب إلى الرجاء فزفر حسام بضيق وردد في نفسه وهو في طريقه إلى غرفة حنين 

- الصبر من عندك يارب

دلف إلى الغرفة واقترب من شقيقته ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وأخبرها بوجود أمجد فتركت فراشها بصعوبة ومضت برفقة حسام إلى الخارج فاقترب منها أمجد وقال بهيام

- هما التعبانين بيحلوا أوي كده؟ 

ضحكت بصعوبة على جنونه بينما قبض حسام على ملابسه وقال بغيظ: ما تلم نفسك، بتعاكسها وأنا واقف يا 

قاطعه أمجد قائلاً: ما تكملش عارف الباقي، بس دي خطيبتي وحبيت أطمن عليها

حرر حسام ثياب أمجد وأشار بيده إلى حنين لكي تعود إلى غرفتها وتحصل على قسط من الراحة ثم اصطحب أمجد إلى سيارته وما أن وصل أمامها هتف بصوت رجولي 

- يلا يا حنين على شغلك علشان أنا مش فاضي للعب العيال ده 

لم ينتظر حسام رده واتجه صوب سيارته ثم انطلق بها فاليوم سيقام مؤتمر طبي ضخم وسيلقي وزير الصحة كلمة خلاله ومن خلال المؤتمر ستجتمع أمل معه حسب تفاصيل الخطة 

******

في التاسعة فرغت أمل من أداء فرضها ثم جلست على سجادة الصلاة ودعت الله كثيراً.... خلال دقائق قليلة اتجهت صوب حافظة ثيابها وأخرجت فستاناً زهري اللون، وأخر أسود وغيره فيروزي يصل إلى أسفل الركبة ثم وضعت إياهم على الفراش ووقفت تنتقي ما يظهر أنوثتها جيداً... أخذت قرارها وارتدت الأسود فبدت كملكة على وشك الجلوس على عرشها... مشطت خصلات شعرها ورفعته لأعلى على هيئة ذيل حصان ووضعت لمسات طفيفة من مساحيق التجميل فتطاير من عينيها سحر من نوع الخاص يجعل الكثيرين أسرى لعشقها.... جلست على حافة الفراش وارتدت حذاءً ذو كعب عال وقبل أن تغادر أمسكت هاتفها وأرسلت إلى حسام رسالة نصية من كلمتين

"أنا خايفة"

صدع صوت رنين هاتفه معلناً عن وصول رسالة فأوقف السيارة على جانب الطريق وقرأ محتواها البسيط ثم بادل رسالتها باتصال فأجابت قائلة بهدوء لم تعتاد عليه

- أنا خايفة أوي، حاسة أني رايحة امتحان ومش مذاكرة 

ارتسمت ابتسامه خفيفة على شفتيه أثر كلماتها ثم هتف مازحاً: أجمد يا وحش، ولا الخوف للوزير وطولت اللسان ليا

ابتسمت هي الأخرى دون أن تجيبه فتابع: لسه ساعة ونص على المؤتمر تعالي أعزمك على أي حاجة وأديكي شوية طاقة إيجابية

- ومش هعطلك؟ 
- لا هكلم زميلي وهقوله هوصل على معاد الموتمر
- يبقى موافقة

قالتها ببراءة ثم حصلت منه على العنوان وغادرت المنزل بعد أن ودعت والدتها التي دعت لها كثيراً لكي لا يصيبها مكروه

********

في ذات الوقت أوقف أمير سيارته أسفل منزل وعد ليصطحبها في نزهة لكنه لم يخبرها بذلك بل أصر عليها لكي تذهب إلى الجامعة وأتفق فقط مع سوسن حتى لا تشعر بالقلق عليها .... هبطت وعد الدرج واقتربت من سيارته فترجل منها واستقبلها بابتسامة فبادلته بأخرى رقيقة 

- وحشتيني 
- وأنت كمان

قالتها بخجل دون أن تنظر إليه ثم مضت إلى السيارة فلحق بها وانطلق فاندهشت وعد حينما وجدت الطريق يختلف عن طريق الجامعة لكنها لم تعلق وأخذت تتابع الطريق في صمت 

*******

وصلت أمل إلى وجهتها فترجلت من السيارة ودلفت إلى الداخل وأخذت تبحث بعينيها عن حسام حتى وجدته يجلس في نهاية المطعم... اقتربت منه ثم جلست على المقعد المقابل له دون أن تزيل نظارتها الشمسية فقرر مشاكستها قائلاً 

- خير مين حضرتك؟ 
- ظريف 

قالتها ثم أزالت نظارتها لتظهر عينيها بوضوح فأردف بذات المشاكسة: شكل!!!! تصدق ما عرفتكش

صرت على أسنانها وشعرت برغبة في الفتك به فأشهرت سبابتها في وجهه وقالت بحدة 

- لو مبطلتش رخامة هقوم وأسيبك
- بهزر معاكي 
- هزار رخم وأنا أصلاً خايفة وقلقانة

استشعر الخوف في نبرة صوتها فوضع يده في جيب بنطاله وأخرج منها ساعة يد فخمة تليق بالفاتنة الجالسة أمامه ثم قدمها إليها دون ان يتفوه ولو بكلمة فتساءلت 

- إيه ده؟ 
- جبتلك هدية
- بجد؟ 

حرك رأسه كإشارة بنعم فتابعت: بمناسبة إيه؟ 

- طبعاً إمبارح في الإدارة علموكي تستخدمي الكاميرة والمايك اللي هتسجلي بيهم كل حاجة صوت وصورة، بس لما قولتيلي من كام يوم أنك خايفة جهزت الساعة دي علشانك 

نظرت إليه بعدم فهم فابتسم لها وأردف: الساعة فيها جهاز تتبع هيخليني أعرف مكانك حتى لو في القمر، وفي الجمب هتلاقي المكان اللي بتظبطي منه الساعة بس ده بمجرد ما تضغطي عليه هعرف أنك في ورطة ومحتجالي وهجيلك ولو في أخر الدنيا

قال كلمته الأخيرة بصوت دافئ فرفعت بصرها إليه وتقابلت أعينهم لدقائق قطعتها أمل حينما هتفت مازحة

- طلعت طيب أوي يا هولاكو
- وأنت النهارده حلو أوي يا شكل

ضحكت أمل على جنونه ثم استردت أنفاسها وقالت: كداب يا هولاكو

******

أمام دار للأيتام أوقف أمير سيارته فاندهشت وعد بشدة وكادت أن تتحدث إلا أنه سبقها وترجل من السيارة ثم اتجه صوب بابها وفتحه فترجلت وهي لا تستوعب أي شيء 

- الملجأ ده كان ملك والدي ومن يوم ما أتوفى بديره زي ما بدير المستشفى وأمل بتساعدني، الأطفال اللي جوه بيحبوني جداً كل كام يوم بزورهم وفي وسطهم هتنسي همومك 

زاد انجذابها نحوه حينما رأت جانب جديد في شخصيته، جانب إنساني لا يوجد داخل الكثيرين فقالت بدون أي تردد او تفكير 

- أنت إنسان عظيم أوي 
- وأنتي جميلة أوي 

قالها بصوت دافئ فتوردت وجنتيها خجلاً ما جعل الربيع يسري بداخله فكم يعشق خجلها وهي بين يديه، وظل يتأمل حمرة وجنتيها لدقائق قطعها عندما اصطحبها إلى الداخل فركض الأطفال باتجاهه وكأنه بر الأمان بالنسبة إليهم

*******

كان يقود سيارته والخوف يمتلكه لما هو مقبل عليه، كم تمنى أن تنتهي شكوكه ليعود السلام إلى بيته وظل يفكر ويفكر وكأنه في صراع مع نفسه وما أن وصل إلى وجهته انتهى صراعه فترجل من سيارته ودلف إلى الداخل... اقترب من عامل الاستقبال وأعطاه الوصل الخاص بطلب الحصول على نتيجة تحليل الحمض النووي لولديه فأسرع العامل بإحضار النتيجة ثم سلم الظرف المغلق إلى يحيى فشعر الأخير بتسارع نبضاته.... بعد مرور عدة دقائق غادر المكان ومضى إلى سيارته لكنه لم يستطع الانتظار ففتح الظرف قبل أن يدلف إليها وأخذ يبحث بعينيه عن النتيجة فجحظت عينيه في عدم تصديق وشعر باهتزاز الأرض تحت قدميه بعد أن رأى نتيجة التحاليل تشير إلى عدم وجود أي تطابق بين الحمض النووي الخاص به والخاص بمصطفى وعبد الرحمن فكاد أن يسقط أرضاً إلا أنه استند إلى سيارته وهو يتحدث إلى نفسه كمن ذهب عقله

- مش ولادي، لا دول كدابين زي منيرة اه كدابين وعايزين ياخدوا ولادي مني، كدابيييييين كدابييييين 

ظل يردد كلمته الأخيرة مراراً وتكراراً بأعلى طبقات صوت فتجمع حوله المارة وأتهمه الكثيرين بالجنون فركض مبتعداً وهو يقول

- دول ولادي يا كدابين، ولادي مصطفى يحيى وعبد الرحمن يحيى ايوه ولادي 

ذهب عقله بلا رجعة فقد كانت الصدمة أكبر من قدرته على التحمل فركض بجنون وهو يخبر جميع الماره أنهم كاذبون وبقى على تلك الخالة حتى اصطدم بإحدى السيارت فارتفع جسده في الهواء ثم استقر على الجانب الأخر من الطريق

مش ولاده !!!

فصل بكرة بقى ما أقولكوش قنببببببلة احتمال تنفجر في وشي 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف