سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, February 18, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 18, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث عشر - بقلمي منى سليمان

* هدية أمير *

ترك أمير مقعده وثنى ركبتيه ليجلس أمام والدته فربتت على كتفه وهي مازالت تحتفظ بابتسامة شفتيها فأمسك كفيها بين كفيه وطبع على كل واحد منهم قبلة حانية 

- مبروك يا حبيبي
- الله يبارك فيكي يا ست الكل، كنت خايف ترفضي
- مستحيل أرفض بعد الظروف اللي حكتها 
- ربنا يخليكي لينا

قالها ثم ابتعد عن والدته وأشار برأسه إلى شقيقته فتركت مقعدها ولحقت به إلى غرفته ثم أغلفت الباب وهتفت مازحة

- أوامرك يا كبير

ضربها بخفة على رأسها فتأوهت بمشاكسة لكنه لم يهتم ورفع أحد حاجبيه ثم تحدث قائلاً 

- عايز منك خدمة
- تحت أمرك 
- عايزك تيجي معايا الصبح نشتري لوعد فستان وشبكة محترمة

تنهدت أمل بهيام فابتسم على فعلتها وتابع قائلاً: قولتي إيه؟ 

- موافقة طبعاً، بس قولي بصراحة بتحبها؟ 

ابتعد عنها خطوات قليلة ثم اتجه صوب الشرفة دون أن يجيبها... لم تستسلم لهروبه فلحقت به وكررت سؤالها فنظر إليها وهتف بهدوء 

- مش عارف، خايف يكون شعوري نحيتها شفقة و

قاطعته قائلة بحدة: شفقة!!!!!! ده أنت كنت هتاكلها بعينيك وهي بتضحك وتهزر معايا

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره ثم دلف إلى الداخل وجلس على أحد المقاعد فلحقت به علها تحصل منه على اعتراف لكنها لم تحصل منه على أي شيء فتركته وعادت إلى غرفتها لتحصل على قسط من الراحة

********

في منزل حسام.... 
كانت حنين تتناول طعام العشاء برفقة شقيقها حينما صدع صوت رنين هاتفها... تبدلت ملامحها حينما رأت أسم المتصل "وعد"، فزفر حسام بضيق وقال بهدوء 

- ردي عليها 

أجابت حنين المكالمة وثحدثت لعدة دقائق ثم أبعدت الهاتف عن أذنها وأعطته إلى حسام 

- وعد عايزه تكلمك

شعر حسام بغصة في قلبه لكنه لم يظهر ذلك بل أخذ الهاتف وتحدث بهدوء مصطنع قائلاً 

- أزيك يا وعد؟ 
- الحمد لله، أنت عامل إيه؟ 
- بخير، ألف مبروك حنين قالتلي أنك هتتجوزي
- الله يبارك فيك، كتب الكتاب بكرة ومحتجالك جمبي

أغمض عينيه وتملكه الحزن لدرجة منعته من الرد عليها فكررت كلماتها بطريقة أقرب إلى الرجاء 

- حاضر يا وعد، أنا وحنين هنكون موجودين من الصبح
- أنا متشكرة أوي، بجد أنت أعظم أخ في الدنيا 

ارتسمت ابتسامة سخرية على ثغره ثم أعاد الهاتف إلى شقيقته ودلف إلى غرفته فتابعته حنين بعينيها وشعرت بالأسى على حاله، لكن أعادها صوت وعد إلى أرض الواقع

- حنين أنتي معايا؟ 
- م معاكي
- مالك؟ 
- مفيش فرحانه علشانك، صحيح أمير عرف أن بكرة عيد ميلادك
- لا بس أكيد هيعرف لما يشوف البطاقة

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة والضحك أنهت وعد المكالمة وأراحت جسدها على الفراش، بينما تركت حنين مقعدها ودلفت إلى غرفة شقيقها 

- هتنام؟ 
- اه فصلت خلاص
- زعلان؟ 
- لا، يلا أدخلي نامي علشان نصحى بدري نروح لوعد
- أكيد ربنا هيرزقك ببنت الحلال اللي تستاهلك 

جذبها حسام إلى صدره وحاوطها بحنان بالرغم من بركان الغضب الكائن بداخله فحاوطت خصره بذراعها علها تخفف الحزن الذي يشعر به

*********

في غرفة وعد... 
فرغت من صلاة ركتي استخارة ثم جلست على سجادة الصلاة لتتلو آيات الله، وما أن فرغت من القراءة انتبهت إلى صوت رنين هاتفها فاتجهت صوب الهاتف وابتسمت حينما رأت أسم المتصل

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، بتعملي إيه؟ 
- كنت هنام

رفع أمير أحد حاجبيه وهتف بجدية مصطنعة: كنتي هتنامي من غير ما تكلميني؟ 

اندهشت من كلماته ولم تجد ما تقوله فقررت الصدمت، بينما أسر أمير  ابتسامته وتابع قائلاً 

- من النهارده مفيش نوم يا هانم من غير ما تقوليلي تصبح على خير يا سي أمير، مفهوم؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيها وتسارعت نبضات قلبها في سعادة لكنها التزمت الصمت لشعورها الشديد بالخجل فأردف هو بمشاكسة

- وعد
- نعم 
- وحشتيني 

توردت وجنتيها وازداد شعورها بالخجل، ولم تجيبه ولو بكلمة لكنه لم يستسلم وكرر كلمته بنبرة صوت تحمل الحنان بطياتها فاستجمعت شجاعتها وهتفت برقة

- أنا متشكرة ليك أوي

اندهش أمير وهتف متسائلاً: بتشكريني ليه؟ 

- بشكرك على وجودك في حياتي، تصبح على خير 

قالت كلماتها بخجل ثم أنهت المكالمة دون أن تنتظر رده فابتسم على فعلتها وأبعد الهاتف عن أذنه ثم أراح جسده على الفراش وهو يفكر في رقتها وبراءتها التي لم يجدها في أي فتاة عرفها 

*********

في غرفة حنين... 
دلفت حنين إلى غرفتها حاملة كوب من الشاي ثم جلست على مقعدها لتذاكر دروسها، لكن قاطعها صوت رنين هاتفها... جحظت عينيها في عدم تصديق حينما رأت أسم المتصل في هذا الوقت المتأخر وقررت عدم الرد... 
على الجانب الأخر انتظر أمجد أن يستمع إلى صوتها إلا أنها لم تسمح له بذلك... فكرر الاتصال أكثر من عشر مرات فتمسكت بقرارها ولم تجب أي من مكالماته.... زفر بضيق وأبعد الهاتف عن أذنه ثم اقترب من فراشه وأراح جسده ليخلد إلى النوم، لكن لاحت أمامه فكرة فترك الفراش وأمسك هاتفه ثم كتب رسالة نصية وأرسلها إلى المشاكسة 

(هفضل أرن عليكي كده كتير يا دكتورة حنين؟) 

قرأتها وتسارعت نبضات قلبها بالرغم من شعورها بالسعادة... وما هي إلا دقائق حتى أرسلت إليه رسالة 

(ومن هي حنين؟!) 

ارتسمت ابتسامة على ثغر أمجد حينما قرأ رسالتها فبادلها المشاكسة بالمثل حينما كتب لها

(حنين، وآه من حنين... 
إنها جنية صغيرة.. في صورة إمرأةٌ جميلة... 
تفعل ما يحلو لها وقتما تشاء، ضاربة عرض الحائط بسيارات العباد... 
لو أوتيت من الكرم مقدار الجمال، لكنت أحادثها الأن عوضاً عن الدلال... 
أعلمتي يا حلوتي من هي حنين؟!!) 

قرأت حنين كلماته العذبة وهي تضع يدها على فاها لتكتم صرخة السعادة التي كانت على وشك الانطلاق من شفتيها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى استردت أنفاسها وهمت أن تراسله، لكنه سبقها وجعل صوت رنين هاتفها يصدع في أرجاء المكان فابتسمت وضغطت زر الإيجاب، وقبل أن تجيب سبقها وقال 

- رفقاً بي يا سيدتي

ابتسمت بدلال على استمراره في المشاكسة ثم استردت أنفاسها وهتفت بذات المشاكسة

- عفونا عنك يا أبا أمجد

أسر ابتسامته على مشاركتها له في المشاكسة والجنون وتابع بذات الجنون

- أخبريني يا فتاة من عفى عني سوى عيناكِ ؟

خجلت حنين من كلماته ولم تجيبه فابتسم بخفوت وأردف قائلاً: حبيت أسمع صوتك قبل ما أنام

- وسمعته؟ 

قالتها بهيام فرفع كتفيه بلا مبالاة وأجابها: ذكية ماشاء الله 

تبدلت قسمات وجهها من السعادة إلى الغضب أثر كلماته التي تحمل السخرية، فهتفت بحدة وصوت عال

- أنت رخم وغتت وغلس، أقفل

أنهت المكالمة وأغلقت الهاتف تماماً حتى لا يحادثها مرة أخرى، بينما انفجر هو ضاحكاً وقهقه بأعلى طبقات صوته، وما أن استرد أنفاسه ترك الهاتف واتجه صوب الفراش وهو يتمتم بخفوت

- مجنونة 
*********

رحل الليل بظلامه وسطعت شمس يوم جديد حاملة المزيد والمزيد من المشاعر والأمل... 
في السابعة صباحاً تململ أمير في فراشه ثم فتح عينيه ورقد على ظهره... شرد في ما حدث بالأمس وما سيحدث بعد عدة ساعات... أغمض عينيه وتنفس بعمق وعاد القلق ليتملك أفكاره من جديد، لكنه لم يسمح له بسرقة الفرحة التي سكنت قلبه... ترك فراشه ودلف إلى الحمام ثم توضأ وغادره ليصلي فرضه، وما أن فرغ رفع يديه إلى السماء ودعا الله كثيراً... وبعد مرور عدة دقائق غادر الغرفة واتجه صوب غرفة شقيقته.. اقترب منها وجلس على حافة فراشها وأخذ يداعب أنفها وعينيها بأطراف أنامله... زفرت بضيق عدة مرات اعتقاداً منها أنها مجرد ذبابة، لكنها فاقت على صوت ضحكاته فزفرت من جديد ثم اعتدلت في جلستها وهتفت بغيظ

- في إيه يا أمير؟ 
- قومي علشان نروح نشتري الحاجات اللي قولتلك عليها

مطت شفتيها بضجر حينما نظرت إلى الساعة الموضوعة إلى جوارها ووجدتها تشير إلى السابعة والنصف ثم تحدثت بغضب قائلة

- أنت أتجننت رسمي
- يلا بقى بلاش رخامة
- المحلات ما بتفتحش قبل تسعة 
- ما على ما تقومي يا قمر وتلبسي ونفطر مع ماما وتجهزي الهدوم اللي هتلبسيها بالليل

قال كلماته الأخيرة وهو ينظر إلى السقف بلامبالاة فرفعت أحد حاجبيها وهتفت مازحة

- كمل كمل شكل فيوزاتك ضربوا، هدوم إيه اللي هجهزها الساعة سبعة ونص ولسه كتب الكتاب بعد العصر؟! 

ابتسم لها بخبث ثم أجابها بمرح: هو أنا ما قولتلكيش؟ 

- لا ما قولتليش
- أصل أنا ناوي أوصلك عند وعد بعد ما نخلص وهتفضلي هناك لحد معاد كتب الكتاب 

لوت شفتيها بضجر ثم اعتلت الفراش واضعة كفيها بمنتصف خصرها وقالت بغيظ وحدة مصطنعة 

- نعم نعم نعم نعم، هروح أحرسهالك ولا إيه؟!!! 

أسر ابتسامته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها ثم قبض برفق على معصمها وجذبها بخفة لتجلس على الفراش وتحدث بهدوء قائلاً 

- علشان خاطري يا لولو 
- لولو هي وصلت للولو، خلاص موافقة 

غمز لها بمشاكسة ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وغادر الغرفة متجهاً إلى غرفة والدته فتنهدت أمل بهيام وتحدثت إلى نفسها 

- يارب ألاقي حد يحبني كده

******

 طرق أمير باب غرفة والدته ثم دلف إليها وابتسم حينما رآها تدعو له وهي مازالت تجلس على سجادة الصلاة... اقترب منها وجلس إلى جوارها فربتت على كتفه وهتفت بسعادة

- صباح الخير يا نور عيني
- صباح النور يا ست الكل
- صاحي بدري ليه ولا منمتش من أصله؟ 

تنحنح حينما فهم مشاكستها له فابتسمت له وتابعت قائلة بحنان وصوت دافئ

- ربنا يسعدك
- ربنا يخليكي لينا

بعد مرور عدة دقائق من الثرثرة والضحك غادر أمير إلى غرفته ليبدل ثيابه... وبعد أن تناول طعام الإفطار اصطحب شقيقته وانطلق إلى وجهته

******

في منزل حسام... 
زفر حسام بضيق وهو مازال ممداً على الفراش، فقد جاهد طوال الليل ليغفو ولو لدقيقة لكنه لم يستطع النوم.... ترك فراشه ودلف إلى الشرفة ثم جلس على المقعد وأغمض عينيه بأسى على ضياع وعد من بين يديه.... في ذات اللحظة تركت حنين غرفتها واتجهت صوب غرفة شقيقها ثم دلفت إليها على أطراف أصابعها لتطمئن عليه، وصدمت بشدة لرؤيته يجلس على المقعد مغمض العينين... شعرت بالأسى عليه وعلى الجرح الذي سكن قلبه ثم اقتربت منه وجلست على المقعد المقابل له وقالت مازحة

- صباح الخير يا سيادة الرائد 
- صباح النور يا قلب سيادة الرائد 
- صاحي بدري ليه؟ 
- لازم أروح الشغل، هوصلك في طريقي عند وعد وعلى الظهر هستأذن وأجيلكم

قال كلماته بجدية مصطنعة ليخبئ الحزن الذي تملكه بينما لم تستطع حنين منع الحزن من الظهور على قسمات وجهها فربت على كتفها وتابع بحنان قائلاً 

- أنا كويس، يلا قومي حضري الفطار علشان نلحق وقتنا

حركت رأسها بالموافقة ثم طبعت قبلة على وجنته وغادرت إلى المطبخ 

********

في أحد المراكز التجارية... 
مضى أمير برفقة شقيقته إلى أحد المتاجر ليشتري خاتم الخطبة... عرض عليه البائع العديد والعديد من الخواتم وأطقم الذهب لكن لم يعجبه شيئاً فزفرت أمل بضيق وهتفت بغيظ

- يا أمير بقالنا ساعة بنشتري الشبكة، أختار أبوس أيدك
- مفيش حاجة عجباني

جحظت عينيّ أمل في عدم تصديق بينما نظر إليه البائع وهتف متسائلاً 

- طيب إيه التصور اللي في دماغ حضرتك؟ 
- عايز سلسلة رقيقة وتكون بالخاتم بتاعها وعايز دبلة كمان رقية وشغلها بسيط مش حابب الشغل الأوفر كل ما كان بسيط هيطلع أجمل
- تقصد حضرتك عايز حاجة هادية وما يكونش شغلها كتير
- بالظبط وفي نفس الوقت متكنش رخيصة 
- طيب أنا هفرج حضرتك على كتالوجات ولو عجبك منهم حاجة خلال ساعة واحدة هتوصل من الفرع التاني 

حرك أمير رأسه بإهتمام فابتعد البائع قليلاً ثم عاد وأعطاه ألبوم من الصور لينتقي ما يريد... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وجد ضالته فأطلقت أمل صفيراً لحسن اختياره... بعد مرور عدة دقائق غادروا المتجر وذهبوا لانتقاء الفستان... رفض أمير جميع الفساتين التي انتقيها أمل وأخذ يبحث بعينيه عن فستان يليق بالساحرة خاصته.... أتسع فاه أمل حينما أخرج فستان فخم من بين الفساتين الأخرى ثم اقتربت منه وقالت باندهاش

- واوووووو إيه الفستان التحفة ده!! 
- ذوقي عالي 
- فعلاااااااااا
- طيب يلا نحاسب علشان نروح نشتري شوز وبعدين نرجع ناخد الشبكة 

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة دلف أمير إلى سيارته بعد أن وضع الفستان والأشياء الأخرى بالخلف، ثم انطلق صوب منزل وعد وهو يشعر بسعادة لم يتذوق نكهتها يوماً 

********

في منزل وعد.... 
دلفت حنين إلى غرفة وعد ثم خلعت حذائها وأخذت تقفز فوق الفراش في سعادة، تململت وعد في فراشها ثم فتحت عينيها ببطء وابتسمت على جنون صديقتها... علا صوت ضحكات حنين وأنضمت وعد إليها وهي لا تصدق أنها ستصبح زوجة لأمير بعد عدة ساعات 

- النهارده فرحي يا جدعان عايز كله يبقى تمام

هكذا دندندت حنين وهي تتمايل فوق الفراش فضحكت وعد بأعلى طبقات صوتها وهتفت مازحة

- دماغك ضربت أكتر ما هي
- النهارده لازم نفرح 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي وعد ثم تلاشت سريعاً فجلست حنين إلى جوارها وأخذت تحرك كفها يميناً ويساراً أمام عينيّ وعد 

- روحتي لحد فين؟ 
- مش عايزه أشوفه 
- هو مين؟ 
- الراجل اللي أسمه بعد أسمي في البطاقة 

لم تستطع وعد أن تطلق عليه لقب أبي، فحزنت حنين لأجلها وأسرعت في احتضانها ثم هتفت بحنان وصوت دافئ

- النهارده لازم تفرحي وبس وأي حاجة تانية أرميها وراكي، ممكن؟ 
- ممكن 
- قوليلي مامتك عرفت؟ 
- لا بس أول ما تتصل هقولها خوفت أتصل وجوزها يعملها مشكلة، شفتي وصل بينا الحال لإيه

تلألأت الدموع في عينيّ وعد فمطت حنين شفتيها بضجر ثم قالت بحدة وصوت عال

- النهارده مفيش دموع، مفهوم ولا أعضك؟ 
- مفهوم يا مجنونة 

ما أن وصلت الكلمة إلى مسامع حنين، ابتعدت عن وعد واعتلت الفراش مرة أخرى وهي تضحك وتغني بأعلى طبقات صوتها فقهقهت وعد وانضمت إليها سوسن بل وشاركت حنين الرقص والغناء، وظلوا هكذا حتى قاطعهمن صوت رنين هاتف وعد فأجابت برقة قائلة 

- صباح الخير
- صباح الورد، صاحية ولا صحيتك؟ 
- لا صحيت من شوية، أستاذة حنين إزعاج هنا 

ابتسم أمير وكاد أن يتحدث لكنه انتبه إلى أمل التي تطالعه بهيام فرمقها بنظرة غيظ ثم أشار أليها لتترك السيارة وتابع حديثه قائلاً 

- أنا تحت البيت 

ارتبكت وعد بشدة ووقفت عن فراشها وهي تقول: هتطلع؟ 

- لا أمل بس هتطلع وباعتلك معاها هدية
- هدية علشاني أنا؟ 
- أمال علشاني أنا 

قالها مقلداً طريقتها في الحديث فابتسمت بخجل ولم تتحدث ولو بكلمة فأردف قائلاً 

- ممكن أشوفك قبل ما أمشي
- طيب أطلع 
- لا أمل طلعت خلاص، بصيلي من البلكونة هشوفك وأمشي

لم تتردد ولو لدقيقة فقد شعرت هي الأخرى برغبة في رؤيته، فاتجهت صوب شرفتها وفتحتها لتشاهده يستند على سيارته ويرتدي نظارة شمسية زادته وسامة وطلة رجولية... تسارعت نبضات قلبها لدرجة جعلتها تشعر أنها على وشك فقدان الوعي وتمسكت بالصمت لشعورها بهروب الكلمات من بين شفتيها... لم يختلف شعوره عنها فقد تسارعت نبضاته بمجرد أن وقعت عينيه عليها وشعر هو الأخر بنسيان الكلمات، ولكن أعادهما إلى أرض الواقع دخول أمل إلى الشرفة وهي تقول 

- ناس عماله تحب وناس طلع عينيها لف مع سي أمير 

استمع أمير إلى كلمات شقيقته عبر الهاتف وانتظر حتى رحبت وعد بها ثم تابع حديثه قائلاً 

- أنا هقفل بقى علشان مش هخلص من لسان أمل
- ماشي، خد بالك من نفسك
- وأنتي كمان خدي بالك من نفسك، ويارب هديتي تعجبك
- أكيد هتعجبني، مع السلامة 

ودعها وأنهى المكالمة ثم لوح بيده مودعاً ودلف إلى السيارة وانطلق بها... تابعته بعينيها حتى اختفى عن نظرها ثم دلفت إلى الداخل لتتفاجأ بفستان فخم فيروزي اللون ومرصع بالأحجار الكريمة موضوع فوق فراشها فوضعت يدها على فاها لتكتم شهقاتها ثم فاقت من صدمتها وهتفت في نفسها 

- أخبرني يا زماني هل اليوم نهاية دموعي وأحزاني، أم مازلت تخبئ لي صفعة جديدة تعيد الألم إلى قلبي وأوصالي؟ 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

المتيم في هواها/ صافيناز يوسف

February 18, 2019 0
المتيم في هواها/ صافيناز يوسف


في سالف الأزمان وفي الصحراء الشاسعة المترامية الاطراف الخالية الا من الرمال الحارقة والتلال المتناثرة ، شق سكون الصحراء صوت حوافر جواد جامح يقوده فارس ملثم، وعندما تخطى حدود قد صنعها الزمن بين مملكتين حتى انبثق من وراء أحد التلال القريبة مجموعة من المحاربين الاقوياء يلوحون بسيوفهم بغضب ويندفعون باتجاه الفارس مطلقين صرخات ترتجف لها قلوب  اشجع الرجال ، وقد ساءهم انتهاك هذا الفارس لحرمة أراضيهم.

للقراءة إضغط هنا
للتحميل إضغط هنا

Sunday, February 17, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 17, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الثاني عشر - بقلمي منى سليمان 

* خيانة *

انتبهت حنين إلى صوت الجرس فتركت فراشها واتجهت صوب الباب لتفتحه.... اندهشت حينما رأت أمير يقف أمامها فابتسم لها وقبل أن يتحدث أطاح به أمجد ووقف أمامها وهو يقول

- مساء الخير 

جحظت عينيها في عدم تصديق ثم ابتلعت ريقها بصعوبة وكادت أن تجيبه لكن قاطعها أمير حينما وكز أمجد في كتفه وأبعده عن باب الشقة فضحكت على مشاكساتهم ثم استردت أنفاسها وهتفت برقة

- مساء النور
- أسف على الإزعاج بس خبطت على الباب اللي قدامك والمدام قفلت في وشي فمحتاج رقم والد وعد
- معلش هي ست تنحه أصلاً، هجيب لحضرتك الرقم 

دلفت إلى الداخل فاقترب أمير من أمجد ولوى شفتيه بضجر ثم قال بغيظ

- مش هتبطل الهبل اللي بتعمله ده

رفع أمجد كتفيه بلامبالاة وتحدث قائلاً: أنا معملتش حاجة بقولها مساء الخير 

رفع أمير أحد حاجبيه في عدم تصديق فأسر أمجد ابتسامته وتابع بجدية مصطنعة

- تفتكر أبوها طيب ولا هيطلع لمراته؟ 
- توه توه يا مشرحجي

ما أن تفوه أمير بكلماته، عادت حنين حاملة ورقة ثم اقتربت منه وأعطته إياها 

- ده رقم عمو يحيى والتاني رقمي لو مقدرتش توصله قولي وأنا هتصرف
- متشكر جداً وأسف على الإزعاج مرة تانية

قالها وهو يهم بالمغادرة بينما وقف أمجد يشاكسها بغمزاته ونظراته فعاد إليه وجذبه من معصمه ثم نظر إلى حنين وأردف قائلاً 

- أقفلي إحنا هنمشي

ابتعد أمير وهو مازال ممسكاً بمعصم أمجد فلوح الأخير إليها مودعاً فابتسمت على جنونه وهمت أن تغلق الباب، لكنها توقفت حينما عاد أمير مرة أخرى 

- معلش طلب رخم شوية
- أتفضل

تنحنح قليلاً لشعوره الشديد بالإحراج ثم تحدث قائلاً: عايز رقم وعد

- هو مش مع حضرتك؟ 

كاد أمير أن يجيبها لكن سبقه أمجد وضرب أحد كفيه بالأخر ثم هتف مازحاً 

- بسم الله ماشاء الله ذكية أوي، وهو لو معاه هيطلبه ليه؟! 

اشتعلت حنين غضباً وضيقت بين حاجبيها فابتلع أمجد ريقه وتابع قائلاً 

- بهزر
- هزار بايخ 

قالتها حنين في نفسها ثم دلفت إلى الداخل دون أن تعيره أي اهتمام وعادت بعد دقائق قليلة وأعطت أمير ورقة أخرى دونت بها رقم وعد فشكرها وغادر... أوصدت حنين باب الشقة واقتربت من باب شقة والد وعد للتشاجر مع منيرة لكنها توقف حينما استمعت إلى صوتها بالداخل

- غاروا في داهية يلا أخرج
- دي هتبقى أخر مرة أجيلك هنا، بعد كده نتقابل عندي

جحظت عينيّ حنين وأتسع فاها لكنها فاقت من صدمتها حينما انتبهت إلى صوت الباب يُفتح فركضت مُسرعة إلى الشقة ونظرت من العين الموضوعة بالباب وتابعت الموقف وهي تكتم شهقاتها ثم ابتعدت عن الباب وهتفت في نفسها

- بتخونه

********

بالأسفل... 
دلف كل من أمير وأمجد إلى السيارة فهم الأخير بالانطلاق لكن أمير طلب منه عدم التحرك ثم أمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف والد وعد.... استغل أمجد انشغال أمير واختلس النظر إلى الورقة، وابتسم حينما تأكد من شكوكه فقد كان رقم حنين ذات الرقم الذي هاتفه منذ عدة ساعات

- مساء الخير 

قالها أمير فتحدث يحيى قائلاً: مساء النور، مين معايا؟ 

- أنا دكتور أمير أحمد نور الدين وبكلم حضرتك بخصوص بنتك وعد

تسارعت نبضات قلب يحيى خوفاً ثم هتف بصوت مرتعش: وعد جرالها حاجة؟ 

- لا الآنسة وعد كويسة، ممكن أقابل حضرتك ونتكلم بس ياريت بره البيت

اندهش يحيى بشدة وأخذه الفضول ليعرف أخبار ابنته فاعطى عنوان المكتب إلى أمير فأنهى الأخير المكالمة ونظر إلى أمجد 

- الراجل شكله ذوق، هتروح معايا ولا توصلني للعربية وتروح
- لا هروح معاك

انطلق أمجد إلى العنوان الذي حصل عليه من أمير، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى وصل إلى وجهته فأوقف السيارة أسفل عقاراً فخم وهتف باندهاش

- معقول أبوها مكتبه في منطقة راقية زي دي ومراته بيئة كده
- ورامي بنته كمان ربنا ينتقم منه، يلا بينا

ترجل أمير من السيارة ولحق به أمجد ثم استقلا المصعد إلى الدور التاسع حيث يوجد مكتب يحيى فأطلق أمجد صفيراً وهو يقول

- واو ده طلع محاسب قانوني يعني شوال فلوس
- منه لله هو والشيء اللي متجوزها

قالها أمير ثم دلف إلى الداخل وتقدم من مساعدة يحيى فسمحت له بالدخول... دلف إلى الداخل ولحق به أمجد ثم تقدم من والد وعد وصافحه فهتف الأخير متسائلاً 

- خير؟ 
- من غير مقدمات أنا طالب من حضرتك أيد وعد 

اندهش يحيى بشدة لكن أمير لم يهتم وبدأ يقص عليه كل ما حدث مع وعد منذ أن تركت المنزل، فشعر يحيى بغصة في قلبه فقد اعتقد طوال تلك الفترة أن ابنته تعيش مع والدتها

- يا عمي حضرتك معايا؟ 

فاق يحيى من شروده وهتف: معاك 

- حضرتك رأيك إيه؟ 
- أنا شايف أن البنت صغيرة على الجواز

جز أمير على أسنانه وكاد أن يعترض، لكن سبقه أمجد وهتف بحدة مغلفة بالغيظ

- يعني صغيرة على الجواز ومش صغيرة على الرمي في الشارع 

شعر يحيى بالخجل من نفسه ومن فعلته، وخيم الصمت لدقائق قطعها أمير حينما تساءل

- قولت إيه؟ 
- أنا موافق بس ياريت تخلي كتب الكتاب بكرة أو بعده  لأني باقي الأسبوع ما بجيش المكتب ومش عايز المدام تعرف لأنها أكيد هتعارض
- لا دكر بصحيح

قالها أمجد بصوت خفيض لكنه وصل إلى مسامع أمير فأسر ابتسامته ونظر إلى يحيى قائلاً 

- أنا هرتب كل حاجة بكرة بأمر الله بس عايز وعد من حضرتك أنك مش هتغير رأيك
- بكرة الساعة خمسة هكون موجود في بيت مدام سوسن 

لوى أمجد شفتيه بضجر وهتف بصوت خفيض: والله ما في سوسن غيرك يا عرة الرجال 

وقف أمير عن مقعده وصافح يحيى مرة أخرى ثم غادر وهو يشعر بالسعادة... وما أن دلف إلى السيارة هاتف وعد فأجابته قائلة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، عامله إيه دلوقتي؟

تسارعت نبضات قلبها فقد ميزت صوته جيداً... استمع أمير إلى صوت أنفاسها المضطربة فشعر بالرضا وأردف قائلاً 

- وعد أنتي كويسة؟ 
- الحمد لله 
- أخدت رقمك من حنين، أنا قابلت والدك و

قاطعته قائلة بحزن: ما تقولش والدي، أنا مليش أب

ما أن وصلت نبرات صوتها الحزينة إلى مسامعه، شعر بغصة في قلبه لكنه لم يظهر لها ذلك بل غير مجرى الحديث تماماً 

- أكلتي حاجة؟ 
- لا مش جعانه 
- طيب أنا جاي في الطريق 
- تنور، مع السلامة 

أنهت وعد المكالمة واتجهت إلى غرفة سوسن لتخبرها أن أمير سيصل بعد قليل.. بينما أنهى أمير المكالمة وشرد بشدة، لكن أعاده صوت أمجد إلى الواقع

- وصلت لحد فين؟ 
- أنا اتجننت يا أمجد، مش كده؟ 
- ليه بتقول كده؟ 

تنهد أمير ووجه نظره إلى الطريق وأجابه بهدوء قائلاً: هتجوز بنت عمرها ١٨ سنة وانا كمان كام شهر هكمل ٢٨ 

- وإيه المشكلة يا قفل، عشر سنين مش قضية 
- عارف بس خايف 
- يا عيني على الحلو لما تبهدله الأيام 

ارتسمت ابتسامة خفيفة على ثغر أمير وحرك رأسه يميناً ويساراً على جنون ابن خالته ثم أخذ يتابع الطريق في صمت 

********

بمنزل حسام... 
عاد حسام إلى المنزل واتجه مُباشرةً صوب غرفة شقيقته ليطمئن عليها... دلف إلى الغرفة بدون سابق إنذار ليفاجئها كعادته لكنه اندهش لرؤيتها تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تتحدث إلى نفسها لدرجة جعلتها لا تنتبه لوجوده فهتف متسائلاً 

- في إيه؟ 

توقفت حنين عن الحركة وابتلعت ريقها ثم أجابته بصوت مرتعش

- ما ما ما 

قاطعها قائلاً بحزم: من غير مأمأه، قولي على طول

- شوفت راجل خارج من شقة عمو يحيى وهو مش موجود 

رفع حسام أحد حاجبيه في تسأل فأردفت قائلة: الراجل ده شوفته كذا مرة خارج من العمارة بس النهارده سمعته وهو بيقولها أخر مرة أجيلك بعد كده تيجي أنتي

قالت كلماتها بخجل ملحوظ دون أن تنظر إلى شقيقها فابتسم على براءتها واقترب منها خطوات قليلة ثم جذبها إلى صدره وقال مازحاً 

- بتتكسفي مني يا هبلة، ده أنا اللي مربيكي
- الموضوع أصلاً محرج، دي بتخونه

أبعدها عنه قليلاً ثم نظر إليها وتحدث بهدوء قائلاً: منيرة دي هتكون نهايتها سوداء 

- هتقول لعمو يحيى؟ 
- لما امسك عليها حاجة الأول، قوليلي وعد عاملة إيه؟ 

ما أن وصل سؤاله إلى مسامعها تراجعت خطوات قليلة إلى ثم عضت على شفاها السفلى فشعر حسام أن هناك خطباً ما أصاب وعد وهم أن يعيد سؤاله، لكنها سبقته وألقت مفاجأة من العيار الثقيل

- وعد هتتجوز

شعر حسام باهتزاز الأرض تحت قدميه فجلس على حافة فراشها دون أن يتفوه ولو بكلمة... شعرت حنين بالحزن من أجل شقيقها فاقتربت منه وجلست إلى جواره ثم بدأت تقض عليه كل ما حدث.... كان حزنه يفوق طاقته فظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهه، ما جعل حنين تجلس أمامه راكعة 

- ورحمة بابا وماما ما تزعلش
- كان لازم أنا اللي اعمل كده، كان لازم من أول يوم خرجت فيه أتجوزها وتيجي تعيش معانا هنا، بس قولت صغيرة وأنا اكبر منها ب١٥ سنة

سقطت دمعة من عين حنين حزناً على حال شقيقها فأسرع بإزالتها ثم أمسك وجهها بين كفيه وتابع بحنان 

- ما تعيطيش خلاص أنا مش زعلان وهروح أقف جمبها زي ما وعدتها أني هفضل دايماً جمبها كأخ وسند 

طبع قبلة على مقدمة رأس شقيقته ليخفف عنها ثم ابتسم لها ابتسامة مصطنعة وغادر إلى غرفته... ألقى بجسده على الفراش وهو بشعر بحزن يعادل الحزن الذي شعر به عندما توفى والديه وشعر كذلك بالندم لأنه لم يخبر وعد طوال تلك السنوات عن المشاعر التي تسكن قلبه

*********

في ذات الوقت أوقف أمجد سيارته أسفل عقار وعد وترجل منها ثم لحق بأمير إلى الداخل، طرق الأخير زر الجرس فتركت وعد مقعدها وفتحت الباب فأسرع برسم الابتسامة على شفتيه ثم هتف بصوت دافئ

- مساء الخير 

بادلته الابتسامة بأخرى رقيقة وبادلته التحية أيضاً ثم تنحت جانباً لتفسح لهما المجال للدخول، فدلف أمير وجلس على أحد المقاعد بينما اقترب أمجد من وعد وقال بسعادة

- مبروك يا عروسة 

خجلت بشدة وتوردت وجنتيها ثم دلفت إلى الداخل لتخبر سوسن بوصولهم، بينما شعر أمير بقليل من الغيرة فترك مقعده وجذب أمجد من معصمه بعنف 

- بتقولها إيه؟ 
- الله الله ده أحنا بنغير بقى، كنت بقولها مبروك يا عروسة
- الله يبارك فيك يا أخويا، صاحب واجب من يومك

قالها أمير بغيظ ثم جلس على المقعد فأسر أمجد ابتسامته وجلس هو الأخر... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عادت وعد برفقة سوسن 

- الشقة نورت 
- الله يحفظك، أنا قابلت أستاذ يحيى وطلب أن كتب الكتاب يكون بكرة

اندهشت سوسن بشدة بينما ابتسمت وعد بسخرية وهتفت بنبرة صوت حزينة

- طبعاً ماصدق يخلص مني خالص في أول فرصة 

نظر أمير إلى أمجد فتحدث الأخير قائلاً: لا يا عروسة ما تفهميش غلط، ده الأستاذ يحيى مكنش موافق أصلاً وقال بنتي صغيرة بس لما أنا وأمير قعدنا نزن عليه وافق

تلألأت الدموع في عينيّ وعد لكنها أبت أن تبكي أمامهم فتركت مقعدها وهتفت برقة

- بعد إذنكم

ابتعدت إلى غرفتها فتابعها أمير بعينيه حتى اختفت تماماً ثم قص على سوسن تفاصيل الأتفاق بينه وبين يحيى... وبعد مرور عدة دقائق وقف عن مقعده واستأذن من سوسن ثم اتجه صوب غرفة وعد وطرق بابها

- ممكن أدخل؟ 

مسحت دموعها بكلتا يديها ثم وقفت عن الفراش وحركت رأسها كإشارة بالموافقة فدلف إلى الداخل وتحدث قائلاً 

- في عروسة تعيط ليلة كتب كتابها
- أنا مش بعيط، دي حاجة دخلت في عيني

امسك يدها بين كفيه وقال بصوت دافئ: هعمل نفسي مصدق، بس لو شوفتك بتعبطي بعد كده هيكون ليا تصرف تاني مع عيونك الحلوين دول

تسارعت نبضات قلبها أثر لمسته وكلماته العذبه وكعادتها اصطبغت وجنتيها بالحمرة فشعر هو بالسعادة والرضا ثم تابع قائلاً 

- أنا همشي محتاجة حاجة؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فغمز لها بمشاكسة ثم غادر الغرفة ليعود إلى منزله

********

بعد مرور عدة دقائق صف أمير سيارته داخل أسوار الفيلا ثم ترجل منها ودلف إلى الداخل.... صعد مُباشرةً إلى غرفة والدته لكنه لم يجدها فذهب إلى غرفة أمل وطرق بابها ثم دلف إليها... اقترب من والدته وطبع قبلة على ظاهر يدها ثم اقترب من أمل وطبع قبلة على مقدمة فهتفت بمشاكسة

- شكل كده الغزالة رايقة على الأخر يا عريس
- شايفه بنتك بتتريق عليا أزاي

ابتسمت سلوى ثم ربتت على كتفه وهتفت بذات المشاكسة: بصراحة يا ابني الفرحة هتنط من عينيك

- كده تتفقوا عليا
- بطل هزار وقولي رجعت ليه؟ مش قولت هتبات في المستشفى 

نظرت أمل إلى شقيقها وانتظرت إجابته وهي تأسر ابتسامتها فرمقها بنظرة غيظ ثم نظر إلى والدته وهتف 

- صممت تروح بيتها

شرعت سلوى أن تتحدث، لكن سبقتها أمل وقالت مازحة: عندها حق، أكيد خافت لتاكلها

انفجرت ضاحكة فاشتعل أمير غضباً وضربها بخفة على رأسها لكنها لم تهتم وأكملت الضحك وأنضمت إليها والدتها ثم استردت أنفاسها وتحدثت بهدوء قائلة

- حاسة أن وعد وراها حكاية، مش كده؟ 
- فعلا يا أمي، أنا هحكيلكم كل حاجة 

بدأ أمير يقص على والدته وشقيقته الظروف الحرجة التي مرت بها وعد... وضعت سلوى يدها على فاها عدة مرات في عدم تصديق، بينما تلألأت الدموع في عينيّ أمل وكادت أن تبكي على حال تلك البريئة... وبعد مرور عدة دقائق انتهى أمير من سرد قصة وعد وهتف بنبرة صوت حزينة

- هي دي حكايتها
- يا قلبي يا بنتي، استحملتي كل ده وأنتي لسه صغيرة

قالتها سلوى بحزن فربتت أمير على كف يدها وهتف بهدوء: ضحية مرات أب

- ربنا ينتقم منها، واتفقت مع أبوها على إيه؟ 

ابتلع أمير ريقه بصعوبة ثم نظر إلى أمل فعلمت أنه على وشك إلقاء خبر هام فتحدثت مازحة

- شكلك كده هتقول قنبلة
- كتب الكتاب بكرة بعد صلاة العصر 

أتسع فاه أمل بينما جحظت عينيّ سلوى في عدم تصديق، لكنها فاقت من صدمتها وارتسمت ابتسامة على شفتيها 

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Saturday, February 16, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 16, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل الحادي عشر - بقلمي منى سليمان

* جنون *  

خرجت وعد من الحمام وتفاجأت بعدم وجود أمير فشعرت بغضب لا تعرف سببه ثم اتجهت صوب الفراش وأراحت جسدها وهي تقول

- دكتور أمير فين؟ 

اقتربت منها الممرضة وجلست على حافة الفراش ثم ابتسمت بخبث وهتفت بسعادة

- دكتور أمير راح يطرد الدكتورة الرخمة نادين

جحظت عينيّ وعد من وقاحة تلك النادين فاعتدلت في جلستها وهمت أن تغادر الفراش لتلحق بأمير، لكن الممرضة لم تسمح لها بذلك 

- ممنوع تتحركي كتير، دي أوامر الدكتور
- أنا كويسه 
- لازم ترتاحي، دكتور أمير طيب جداااااااا بس ما بيحبش حد يكسر كلمته 

ابتلعت وعد ريقها بصعوبة وحركت رأسها كإشارة بالموافقة ثم أراحت جسدها مرة أخرى بالرغم من رغبتها في معرفة ما يحدث بالخارج، فقاطعت الممرضة شرودها حينما تابعت

- ما تقلقيش على دكتور أمير، ولو نفسك تتفرجي البنات هيصورولي الخناقة أصل إحنا بنكرها أوي

ابتسمت وعد على حديثها ثم هتفت متسائلة: ليه بتكرهوها كده؟ 

- يا ساتر دي تنحه أوي

قالتها بطريقة تمثيلية جعلت وعد تنفجر ضاحكة فشاركتها الضحك ثم استردت الممرضة أنفاسها وبدأت تقص على وعد أسباب كره الجميع لتلك الحرباء

********

بالخارج.... 
وصل أمير إلى باب المشفى وسمع نادين تعنف الحارس بشدة وتقذفه بأسوأ الألفاظ فاقترب منهما وهتف بحدة

- إيه اللي بيحصل هنا؟ 

كاد الحارس أن يجيبه لكن سبقته نادين حينما هتفت بنبرة صوت تحمل الحزن المصطنع

- كده يا أمير تخلي الشيء ده يمنعني أدخل

زفر أمير بضيق وشرع أن يتحدث، لكن الحارث لم يتقبل الأهانة فسبقه قائلاً 

- ما تحترمي نفسك يا وليه أنتي

أتسع فاها من وقاحة كلماته بينما قهقه أمير بأعلى طبقات صوته ما جعلها تشتاط غيظاً

- أنت راجل مش محترم و

توقف أمير عن الضحك وقاطعها قائلاً بحدة: أنتي تخرسي خالص ومش عايز أشوف وشك لا هنا ولا في البيت، وصدقيني لو عمي عايش كنت خليته يربيكي من أول وجديد لإنك فعلاً محتاجة تتربي

لم ينتظر ردها بل أشار إلى الحارس ليمنعها من الدخول كما طلب منه ثم غادر إلى غرفة وعد دون أن يعيرها أي اهتمام 

********

في غرفة وعد.... 
كانت الممرضة تقلد حركات نادين وطريقتها في الكلام فانفجرت وعد ضاحكة وعلّا صوت ضحكاتها لدرجة منعت أمير من فتح باب الغرفة ليستمع إلى صوت الضحكة الغائبة عن شفتيها لمدة لا يعلمها... ظل بالخارج لعدة دقائق وهو يشعر بالسعادة لأجلها وكان يضحك أيضاً على كلمات الممرضة 

- ويا اختي لو حد لمس حاجة من حاجتها تلوي وشها وتعمل كده (أنتي غبية) 

ضحكت وعد من جديد على كلمات الممرضة صاحبة القلب الطيب، فابتسم أمير بالخارج ولم يستطع أن يمنع نفسه أكثر من ذلك ففتح باب الغرفة بدون سابق إنذار لينعم برؤية ضحكتها.... توقفت وعد عن الضحك وتلونت وجنتيها بالحمرة، بينما خجلت الممرضة من فعلتها وغادرت الغرفة كالإعصار بعد أن لوحت مودعة إلى وعد.... اقترب منها وجلس على حافة فراشها ثم وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها لينعم برؤية انعكاس صورته داخل عينيها

- مش هقولك أني بحبك علشان مش بحب الكذب بس هقولك إن جوايا في مشاعر ليكي مش عارف هي إيه، ما بحبش أشوف دموعك وبفرح بابتسامتك وعايز أشوفك قدامي على طول، ما تعرفيش ده إيه؟ 

كانت كل كلمة من كلماته تتسبب في تسارع نبضات قلبها، وما أن وصل سؤاله الفريد إلى مسامعها، ابتسمت على جنونه وحركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بعدم المعرفة فبادلها البسمة بغمزة من عينه اليسري وتابع قائلاً 

- طيب إيه رأيك نفضل سوا لحد ما نلاقي الإجابة؟ 

تضاربت المشاعر بداخلها بين السعادة لسماع كلماته العذبة والاندهاش من جنونه، لكنها شعرت برغبة ملحة في البقاء معه فأجابته بصوت يكسوه الخجل

- موافقة 
- أنا عارف أن فرق السن بينا كبير، علشان كده هنكتب الكتاب وهنتظرك لحد ما تخلصي أول سنة في الجامعة وبعدين نتجوز

بدأ كلماته بطريقة جادة ثم أنهاها بمزحة وغمزة من عينه فرفعت أحد حاجبيها لتبادله المشاكسة فتابع قائلاً 

- خلاص نخليها بعد تاني سنة
- لا 
- تالت سنة طيب، إيه رأيك؟ 

شرعت أن تعترض كعادتها، لكن قاطعها صوت طرق على باب الغرفة فزفر بضيق ثم نظر إليها قائلاً 

- مش عارف أطلب أيدك

ابتسمت على جنونه الذي لا يتوقف وأشارت إليه لكي يفتح باب الغرفة وبالفعل فتحه وتفاجأ برؤية أخر شخص قد يتوقع وجوده بالمشفى

- ماما!!!!! إيه اللي جابك وجيتي أزاي؟ 
- أنا جبتها

قالتها أمل التي كانت تختبأ خلف والدتها فضرب أحد كفيه بالأخر وهتف متسائلاً 

- بتعملوا إيه في المستشفى؟ 
- جايين نشوف العروسة، وسع كده

قالتها أمل ثم دلفت إلى الداخل وتبعتها والدتها دون أن يعيروا لاعتراض أمير أي اهتمام، فاقتربت سلوى من وعد وهتفت بسعادة

- بسم الله ماشاء الله

نظرت وعد إلى أمير فتحدث قائلاً: ماما وأمل أختي

همت وعد أن تقوم عن الفراش لتقترب من سلوى، لكنها منعتها حينما قالت بحنان وصوت دافئ

- خليكي مرتاحة 
- أنا مش تعبانه

قالت وعد كلماتها بسعادة ثم تركت فراشها وتقدمت منها لتصافحها فربتت سلوى على كتفها وهي تقول

- الواد أمير طلع ذوقه حلو أوي

خجلت بشدة وتوردت وجنتيها كعادتها ثم تقدمت من أمل وعانقتها فهتفت الأخيرة بسعادة

- طول عمري نفسي يبقى ليا أخت بنت 
- وأنا كمان 

استغلت سلوى انشغال الفتيات بالحديث ومالت على أذن أمير وتحدثت مازحة

- بيتفقوا عليك
- إيه اللي جابكم بجد؟ 
- لما قولت أنها تعبانه قولنا نيجي نعمل الواجب 

رفع أحد حاجبيه بعدم تصديق فأسرت ابتسامتها وتابعت قائلة: ونتفرج 

- وانا أقول وارث الشقاوة من مين، أتاريه منك يا سلوى
- سلوى!!!! دي الغزالة رايقه على الأخر
- شوفيها وهي بتضحك وهتعرفي أنا مبسوط ليه 
- ربنا يسعدك، بس مش لسه صغيرة على الجواز 
- لما نروح هفهمك كل حاجة

ابتسمت له وربتت على كتفه فأمسك يدها وطبع على ظاهرها قبلة حانية رأتها وعد واستشعرت حنانه

********

في مصلحة الطب الشرعي.... 
انتهى أمجد من تشريح الجثة ثم اتجه إلى مكتبة ليكتب التقرير... وبعد مرور عدة دقائق أنهى تقريره وأراح ظهره على المقعد ثم أمسك هاتفه ليجري اتصالاً بهاتف أمير ليعرف مستجدات الأحداث، لكن وقعت عينيه على مكالمة لم يجيبها من رقم غير مسجل فتسرب الشك بداخله ولم يتردد ولو لدقيقة بإعادة الاتصال... في ذات اللحظة كانت حنين ماتزال نائمة لكنها تململت في الفراش حينما صدع صوت رنين هاتفها.... فتحت عينيها بصعوبة ثم نظرت إلى اسم المتصل وانتفضت عن نومتها حينما وجدت الاتصال منه... ترددت في ضغط زر الإيجاب فبالرغم من رغبتها في الاطمئنان عليه، إلا أنها تخشى غضب شقيقها فقررت عدم الرد... على الجانب الأخر أبعد أمجد الهاتف عن أذنه ثم وضعه على سطح المقعد وبداخله صوت يخبره أنها صاحبة الرقم.... وبعد مرور عدة دقائق من التفكير حمل هاتفه ومفتاح سيارته ثم غادر إلى المشفى ليطمئن على وعد بدلاً من الاتصال بأمير

*******

في منزل نادين.... 
دلفت إلى منزلها وهي في حالة يرثى لها، وما أن رأتها والدتها في تلك الحالة تقدمت منها وهتفت بقلق متسائلة

- في إيه؟ 
- أمير هيتجوز

أتسع فاه والدتها وتعالت شهقاتها بينما انفجرت دموع نادين كالشلال، فرمقتها والدتها بنظرة غيظ وتحدثت بغضب قائلة

- ياما نصحتك وقولتلك أدلعي عليه وعلقيه بيكي 
- أنا عملت المستحيل وهو مكنش 

قاطعتها قائلة بحدة: خلاص اللي حصل حصل خلينا نفكر في حل للمصيبة دي 

- أنا راجعه تعبانه بكرة نتكلم

دلفت نادين إلى غرفتها وهي تجر أذيال خيبتها ثم جلست على المقعد الموضوع أمام المرآة وأخذت تطالع هيئتها التي يرثى لها فزفرت بضيق وهتفت بغيظ

- مش هسيبك تتهني يا وعد

*********

في المشفى... 
وقفت سلوى عن مقعدها ثم تقدمت من وعد التي كانت تتحدث إلى أمل ثم هتفت بسعادة

- شكلكم كده هتتفقوا على أمير 

ابتسم أمير على مشاكسة والدته بينما وقفت أمل عن مقعدها وتحدثت بسعادة قائلة 

- خلاص أنا حبيت وعد يعني تحت حمايتي
- ربنا يديم المحبة بس لازم نمشي 

اقتربت وعد من سلوى وهي تزم شفتيها بطريقة طفولية فربتت سلوى على كتفها وهتفت بحنان

- على عيني أسيبك وأمشي 
- طيب أقعدوا شوية
- معلش يا حبيبتي بكرة تيجي تعيشي معانا ونفضل سوا على طول

توردت وجنتيّ وعد لشعورها بالخجل فابتسمت سلوى على براءتها بينما تسارعت نبضات قلب أمير... وبعد مرور عدة دقائق غادرت سلوى برفقة أمل فاقترب أمير من وعد وتحدث بجدية مصطنعة قائلاً 

- يلا على السرير علشان ترتاحي علشان هاخد عينة دم وأعملك شوية تحاليل
- بس 

قاطعها قائلاً بحزم: ما بحبش الاعتراض

- مش اعتراض بس بجد أنا مش تعبانه وشايفه التحاليل ملهاش لازمة
- التحاليل مهمة جداً وأنا عايز أطمن عليكي

امتثلت لرغبته وعادت إلى الفراش فقام بسحب عينة دم من وريدها ثم غادر إلى المعمل وأعطى العينة إلى الطبيب المختص بالتحاليل وطلب منه إجراء كافة التحاليل ليطمئن عليها ثم عاد إلى غرفتها وجلس على حافة الفراش فقالت برقة دون أن تنظر إلبه

- أنا عايزه أروح

وضع أنامله أسفل ذقنها ورفع رأسها لتتقابل أعينهم من جديد وأطال النظر إليها لدرجة أخجلتها فابتسم لها وتحدث بحنان قائلاً 

- مش عايزه تفضلي معايا؟ 
- م مش قصدي بس عايزه أروح، ممكن؟ 

ارتسمت على شفتيه ابتسامة خلفت تسارع لنبضات قلبها فاقترب منها أكثر وأكثر ما جعل صدرها يعلو ويهبط

- مش عايزه تفضلي معايا؟ 
- والله لا بس

قاطعها قائلاً: يعني عايزه تفضلي معايا لأخر يوم في عمري؟ 

- لو جاوبتك هتسيبني أروح؟ 

كاد أمير أن ينفجر ضاحكاً على براءتها لكنه لم يفعل حتى لا يغضبها واكتفى بتحريك رأسه لأعلى وأسفل كإشارة بالموافقة فوجهت نظراتها إلى الأرض وهتفت برقة

- عايزه أفضل معاك، ممكن أروح بقى؟ 

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه شعر بأنواع عدة للسعادة تسري بداخله ثم تنحنح قليلاً وقال

- طيب هخرج على ما تغيري هدومك وهروحك 

غادر الغرفة فتنفست وعد بعمق وجلست على حافة الفراش لشعورها باهتزاز الأرض تحت قدميها ثم تحدثت إلى نفسها قائلة

- ده مجنون بجد

*********

بعد مرور عدة دقائق طرق أمير باب غرفتها ودلف إليها فاقتربت منه وعد وهتفت برقة 

- أنا جاهزة

كاد أن يتحدث لكن قاطعه دخول أمجد قائلاً ببلاهة: بتعملوا إيه؟ 

رمقه أمير بنظرة نارية ثم هتف بغيظ متسائلاً: إيه اللي جابك؟ 

رفع أمجد كتفيه بلامبالاة وأجابه قائلاً: جاي أطمن على وعد، عندك مانع؟ 

- لا معنديش يا خفيف 

قالها أمير بغيظ ثم دعس على قدم أمجد فتأوه الأخير بشدة بينما ضحكت وعد فنسى أمير غضبه وتأملها بهيام فوكزه أمجد في كتفه وهتف بغيظ

- تور داس على رجلي
- بس يا مشرحجي
- بس يا بتاع نادين زفت ال

توقف أمجد عن إكمال كلماته حينما شعر ببلاهة ما تفوه به فعض أمير شفتاه بغيظ وشعر برغبة في الفتك بابن خالته بينما توقفت وعد عن الضحك وشعرت بغضب يتسرب إلى قلبها وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فاقترب أمير منها وهتف متسائلاً 

- مالك؟ 
- مفيش

قالتها بغضب طفولي فأسر أمير ابتسامته لاستشعاره الغيرة المصاحبة لنبرة صوتها وقرر تلطيف الأجواء 

- كنت عايز عنوان بيت والدك علشان 

قاطعته قائلة بحدة لم تعتادها من قبل: لييييه؟ 

اندهش أمجد بشدة بينما ابتلع أمير ريقه وأجابها بهدوء قائلاً 

- علشان أطلب أيدك منه ويحضر كتب الكتاب

تلألات الدموع في عينيها فأشار أمير بيده إلى أمجد لكي يغادر فنغذ رغبته وانتظرهم بالخارج بينما اقترب أمير من طفلته ومسح الدمعة التي هربت من عينها وتابع بحنان قائلاً 

- أوعدك أن محدش في الدنيا دي هيزعلك دون ما أنا عايش
- مش عايزه أشوفه 
- عارف بس شرعاً هو وليك في الجواز 

ابتعدت عنه خطوات قليلة إلى الوراء وقالت بحدة: يبقى مش هتجوز

جحظت عينيه في عدم تصديق، لكنه رفض الاستسلام فأخذ يقترب منها وشرار الغضب يتطاير من عينيه فشعرت بالخوف ما جعلها تتراجع إلى الوراء حتى اصطدمت بالفراش وجلست عليه فمال عليها واقترب منها بشدة فشعرت بقلبها يكاد أن يفارق الضلوع، لكنه لم يهتم للخوف والخجل اللذان سكنا مقلتيها وهتف بحدة مصطنعة قائلاً 

- أسمع كده قولتي إيه؟ 
- ما ما ما 

قاطعها قائلاً: اللي بعده

- مقولتش ح حاجة

كاد أن ينفجر ضاحكاً، لكنه تمسك برسم الجمود على قسمات وجهه وتحدث مازحاً 

- ناس ما تجيش إلا بالعين الحمراء صحيح

قالها وهو ينظر إلى عينيها فابتسمت رغماً عنها فبادلها بغمزة من عينه وابتعد عنها قليلاً وهو يقول

- لو بتثقي فيا أديني العنوان ومش هخلي حد يأذيكي

حركت رأسها كإشارة بالموافقة فشعر بالسعادة لكونها تثق به.. أخرجت من حقيبتها ورقة وقلم ودونت العنوان ثم أعطته الورقة فابتسم لها وهتف بحنان 

- يلا علشان أروحك وأروحله

مضت برفقته ولحق بهما أمجد، وما أن وصلوا أمام السيارة فتح أمير بابها لتركب ثم نظر إليها وهتف

- هقول لأمجد حاجة وهاجي 

دلفت إلى السيارة فاقترب من أمجد وتحدث معه لدقائق قليلة ثم عاد إليها وانطلق بالسيارة وتبعهما أمجد بسيارته

********

بعد مرور عدة دقائق وصل أمير إلى وجهته فأوقف سيارته أسفل العقار الذي تسكنه وعد... كادت أن تترجل من السيارة لكنه منعها حينما قبض يده برفق على يدها ورفعها لتستقر عند شفتيه طابعاً على باطنها قبلة عميقة فخجلت بشدة وسحبت يدها وهي تقول

- أنا لا لازم أط ل ع و 

ابتسم على حالة الارتباك الذي تملكتها فقاطعها قائلاً: اشششششش جمعي، عموما أنا فهمت إنك عايزه تطلعي 

لم تجيبه من شدة خجلها فتابع قائلاً: ما تناميش إلا لما أرجع

- حاضر 

ترجلت من السيارة ودلفت إلى العقار فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً فأغلق سيارته ودلف إلى سيارة أمجد فانطلق الأخير إلى منزل والد وعد وشعر بالسعادة حينما علم أنه ذات العقار الذي تسكنه حنين... وما هي إلا دقائق حتى وصل إلى وجهته فأوقف السيارة وترجلا منها ثم دلفا سوياً إلى العقار.... اتجه أمير صوب شقة والد وعد بينما أخذ أمجد يدور بعينه في العقار عله يقابل حنين فعاد إليه أمير وهتف بحدة

- بتدور على إيه؟ 
- ولا حاجة 
- طيب تعالى الشقة أهيه

اقترب أمير من باب الشقة وطرقه فجحظت عينيّ منيرة ثم ابتعدت عن عشيقها فزفر الأخير بغيظ 

- يالهوي ليكون يحيى رجع
- قولتلك تعالي بيتي وانتي ما

قاطعته وهي ترتدي ثيابها قائلة: أنت لسه هتعاتب، ألبس هدومك واستخبى في أي حته 

انتهت من ارتداء ثيابها ثم اتجهت صوب باب الشقة وفتحته فابتسم لها أمير وهتف متسائلاً 

- أستاذ يحيى موجود؟ 
- لا 

همت أن تغلق باب الشقة، لكن منعها أمير حينما فتح الباب بقدمه فأردفت بحدة قائلة

- أوعى رجلك
- عايز رقمه
- معرفش ولو أتكلمت كلمة زياد هصوت وألم عليك العمارة 

قالتها ثم أغلقت الباب بحدة فلوى أمجد شفتيه بضجر وهتف بغيظ

- إيه الست البيئة دي
- أكيد دي مرات أبوها
- طيب يلا نمشي لحسن شكلها مجنون
- لا أستنى نخبط على الشقة اللي قدامهم 

جذبه أمجد من معصمه وهو يقول: يا ابني يالا ليطلعوا مجانين هما كمان

- أتهد شوية، وعد قالتلي دي شقة حنين هاخد منها الرقم وهنمشي

اتجه أمير صوب باب الشقة وطرق بابه بخفة بينما وقف أمجد يهندم ثيابه استعداداً لرؤية المشاكسة التي سيطرت على عقله وتفكيره بجنونها

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Friday, February 15, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

February 15, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان

طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء

الفصل العاشر - بقلمي منى سليمان

* تعارف *  

التفتت وعد إليه فاقترب منها وأمسك يدها وساعدها على النهوض ثم نظر إلى عينيها التي تورمت من كثرة البكاء وهتف بصوت دافئ

- إيه اللي جابك هنا؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة بل ألقت بجسدها في صدره وانفجرت باكية.... اندهش من فعلتها لكنه لم يظهر لها ذلك بل حاوطها بحنان وتركها تفرغ الغضب الكائن بداخلها.... ظلت تبكي وتبكي دون أن يمنعها أو يطلب منها التوقف، وبعد مرور عدة دقائق توقفت عن البكاء وسكنت بين أحضانه فأبعدها عنه ثم نظر إلى عينيها وتحدث قائلاً 

- تتجوزيني؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي وهمت أن تغادر لكنه لم يسمح لها بذلك وقبض يده على يدها ثم جذبها إليه وكرر سؤاله فأكدت رفضها وحاولت الابتعاد عنه إلا أنه تمسك بها أكثر وهتف متسائلاً 

- ليه؟!!! 

مسحت دموعها ثم قالت بصوت غلفه الحزن: مش عايزه حاجة من حد ولو سمحت سيبني، أنا هختفي من الدنيا كلها

- ودراستك؟ 
- مش هروح الجامعة دي تاني أبداً، سيبني من فضلك

قالت كلماتها ثم عادت لتبكي من جديد فشعر بجمرة نار تسري داخل قلبه و سمح لنفسه بأن يمسح دموعها وهو يتمتم

- اشششششش خلاص كفاية، لازم تبقي أقوى من كده وما تسمحيش لحاجة تافهة تكسرك 

ما أن وصلت كلماته الأخيرة إلى مسامعها انفجرت ضاحكة فاندهش بشدة لتبدل حالها وتابع متسائلاً 

- بتضحكي على إيه؟ 
- تافهة 

قالتها ثم علاّ صوت ضحكاتها فازداد اندهاشه وسألها مرة أخرى عن سبب الحالة التي أصابتها فتابعت وهي مازالت تضحك 

- حاجة تافهة، بقالي سبع سنين عايشه في جحيم مع مرات بابا وفي الأخر طردتني وبابا وقف ساكت، وجوز ماما وعمي ومراته كمان طردوني وقالولي طب إيه اللي عايزه تدخليه أنتي فاكرة نفسك مين، تخيل نمت ليلة على الرصيف قبل ما طنط سوسن تاخدني أعيش معاها، شوفت يا دكتور اللي كسرتني حاجة تافهة أزاي شوفت شوفت

ظلت تكرر كلمتها الأخيرة مراراً وتكراراً وتجدد بكائها فجحظت عينيّ أمير من هول ما سمع وسيطرت الصدمة على قسمات وجهه لكنه فاق من صدمته حينما سقطت مغشياً عليها فحملها واتجه بها صوب سيارته ثم وضعها بداخلها وانطلق إلى المشفى وقلبه ينزف دماً على حالتها والظلم والذل الذي تعرضت إليه

********

في منزل سوسن... 
كانت حنين تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وهي تشعر بالقلق على وعد... ولم تتوقف سوسن عن البكاء من شدة قلقها هي الأخرى فأخرج أمجد هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف أمير عله يحصل على أي معلومة تقلل من حدة توتر الجميع... ما أن صدع صوت رنين هاتف أمير، أجاب المكالمة وقص على أمجد كل ما حدث وأخبره أيضاً أنه في طريقه للذهاب إلى المشفى، فأنهى أمجد المكالمة ونظر إليهن قائلاً 

- أمير لقاها 
- ألف حمد وشكر ليك يارب

قالتها سوسن ثم اقتربت من أمجد وتابعت قائلة: هما جايين مش كده؟ 

نظر أمجد إلى حنين فعلمت أن هناك خطباً ما فاقتربت من سوسن وتحدثت بهدوء مصطنع

- المهم أننا لقيناها
- يعني هتيجي، صح يا حنين؟ 

نظرت حنين إلى أمجد فابتلع ريقه وأجابها: هي بس تعبت شوية وأمير 

قاطعته سوسن قائلة بنبرة صوت تحمل القلق: تعبت أزاي؟ 

- أغمى عليها وأمير هينقلها المستشفى 

وضعت سوسن يدها على ثغرها لتكتم صرختها بينما احتضنتها حنين لتقلل من حدة توترها وهتفت بهدوء 

- ما تقلقيش يا طنط هنروح نطمن عليها، مش كده يا دكتور؟ 
- أيوه طبعاً هنروح حالاً المستشفى 
- هدخل أغير وننزل على طول 

قالتها سوسن ثم دلفت إلى غرفتها لتبدل ثيابها فاقترب أمجد من حنين وتحدث بهدوء قائلاً 

- مش كفاية دموع وتوتر، خلاص أطمنا عليها

رفعت حنين بصرها لتتقابل عينيها الدامعة بعينيه فخجلت بشدة ووجهت نظراتها إلى الأرض ثم هتفت برقة

- حاضر

تركته ودلفت مسرعة إلى غرفة سوسن فابتسم على فعلتها وهتف في نفسه مازحاً 

- والله مجنونة
*******

وصل أمير إلى المشفى ودلف إليها حاملاً وعد ثم اتجه صوب غرفة الطوارئ ووضعها على الفراش وهو يشعر بالقلق عليها.... خلع جاكيت حلته ثم بدأ في معاينتها ليصدم بضعف نبضات قلبها وانخفاض ضغطتها بصورة جعلت الطبيب الساكن بداخله يعلن حالة الطوارئ... أسرع في تركيب المحاليل اللازمة ووضع بداخلها العقاقير المناسبة لمساعدتها ثم جلس إلى جوارها وأخذ يتأملها وهو يشعر بالأسى على ما مرت به بالرغم من سنوات عمرها القليلة.... أخذ يمرر ظاهر يده على وجنتها دون أن يعرف السبب الذي دفعه لذلك فقط أراد أن يخفف عنها ولو بلمسة... ابتعد عنها قليلاً ثم أحضر مقعداً وجلس إلى جوارها وكان يتفقد مؤشراتها الحيوية بين تارة وأخرى... وبعد مرور عدة دقائق وصل أمجد برفقة حنين وسوسن إلى المشفى وذهبوا مُباشرةً إلى غرفة وعد فبكت سوسن حينما رأتها فاقدة للوعي ثم اقتربت منها وأخذت تمسد على خصلات شعرها بحنان وهي تقول

- اوعي تسبيني وتمشي يا وعد، كفاية نور مشيت من غير ما تخدني معاها

في تلك اللحظة كانت وعد غارقة بأحلامها المخيفة، وجدت نفسها وحيدة في غرفة مظلمة وتشعر بالبرد والخوف في آن واحد... صرخت وصرخت لكن لم يسمعها أحد فجلست على الأرض في إحدى زوايا الغرفة وبكت على حالها، لكن الظلام لم يدوم كثيراً فقد كان صوت سوسن بمثابة بر الأمان لها، ما جعلها تسترد وعيها وتفتح عينيها لتتقابل بعينيّ أمير الذي تنفس براحة حينما عادت إليهم

- حمدالله على السلامة، إيه النوم ده كله؟

قالها مازحاً فظهرت شبه ابتسامة على شفتيها بادلها بغمزة من عينه ثم نظر إلى سوسن وهتف بجدية

- وعدتك إني هرجعها وبفضل ربنا رجعت
- ربنا يخليك ويحفظك لشبابك

طبعت سوسن قبلة على مقدمة رأس وعد وفعلت حنين المثل، بينما مال أمجد على أذن أمير وتحدث مازحاً كعادته

- بقيت السوبر هيرو بتاعها، الله يسهلك
- أتهد وأسكت كفاية وشك اللي يقطع الخميرة من البيت
- يا سلام!!!!! 
- ده أنت بس جيت تشوفها الدنيا ولعت، ما بالك لو كنت طولت شوية

اشتعل أمجد غضباً فضيق بين حاجبيه ثم وكز أمير في صدره فتأوه بمشاكسة ما جعل وعد تنظر إليه فغمز لها مرة أخرى وهتف بجدية مصطنعة

- وعد محتاجة ترتاح يا جماعة وبعد إذن حضرتك هخليها تحت الملاحظة النهاردة لأن تكرار الإغماء ما يطمنش

ابتسمت سوسن حينما استشعرت رغبته في البقاء معها فطبعت قبلة على مقدمة رأسها ثم تركت مقعدها واقتربت من أمير 

- أنا همشي وانا مطمنة عليها وهرجع الصبح بأمر الله
- مفيش داعي أنا الصبح هوصلها لحد البيت 

ربتت سوسن على كتفه ثم ودعت وعد وفعلت حنين المثل قبل أن تغادر برفقة أمجد، فعاد أمير إلى مريضته وجلس على حافة فراشها وهو يقول بابتسامة ساحرة

- أنا هتحفظ عليكي النهارده هنا ومش هروح هفضل جمبك
- ملوش لازمة، انا مش محتاجة شفقة من

قاطعها قائلاً بحزم: ولا كلمة زيادة أنا ما بشفقش عليكي، أنا عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله 

- علشان الفضيحة يعني شفقة
- مين قالك كده

قالها بنبرة صوت هادئة وهو ينظر إلى عينيها فخجلت بشدة وتوردت وجنتيها فابتسم لها وتابع قائلاً 

- أعملي حسابك كتب الكتاب أخر الأسبوع وده أخر كلام عندي
- مجنون

قالتها بصوت خفيض وصل إلى مسامعه فأسر ابتسامته واقترب منها بشدة فخجلت ظناً منها أنه على وشك القيام بعمل متهور، لكنه فاجأها حينما ساعدها على الجلوس قليلاً ثم وضع وسادة خلف ظهرها، وما أن عاد لجلسته نظر إليها لدقائق ثم استرد انفاسه وهتف متسائلاً 

- إيه رأيك نتغدى بيتزا؟ 
- نعم؟!! 
- هطلب بيتزا مستغربة ليه؟ 

ابتسمت على جنونه فتسارعت نبضات قلبه في سعادة وأطال النظر إليها لدرجة أخجلتها فتنحنح قائلاً 

- أحم ها قولتي إيه؟ 
- موافقة
- على البيتزا ولا الجواز؟ 
- أنت مش طبيعي أبداً على فكرة

لا يعلم لما شعر برغبة ملحة في احتضانها، لكنه لم يفعل خوفاً من إغضابها واكتفى بابتسامة جعلتها تخبئ عينيها من شدة خجلها 

********

بالطريق ...
كان أمجد يختلس النظر بين تارة وأخرى إلى الجميلة الجالسة بالمقعد الخلفي من خلال مرآة السيارة الداخلية لكنها لم تنتبه لنظارته فقد كانت تتابع الطريق كالأطفال... وبعد مرور ساعة أوقف سيارة حنين أسفل العقار الذي تسكنه سوسن فترجلت حنين وودعتها ثم ركبت إلى جوار أمجد فانطلق مرة أخرى إلى منزلها وبمجرد أن وصل إلى وجهته أوقف السيارة ثم نظر إليها وأعطاها المفتاح 

- زي ما اتفقنا ما هتركبيهاش غير لما تتعلمي وتاخدي رخصة
- حاضر 
- وعد؟ 

قالها بجدية فابتسمت له وهتفت بذات الجدية: وعد

ترجل من السيارة ووقف في انتظار سيارة أجرة تقله إلى سيارته فتابعته بعينيها حتى أوقف سيارة واستعد لركوبها، لكنه لم يفعل بل أمر السائق بالانتظار وعاد إليها 

- تحبي أعلمك السواقة؟ 
- بجد؟!!!! 

قالتها وهي تضم كفيها إلى صدرها كطفلة شقية فابتسم على فعلتها وحرك رأسه بنعم، لكنها تذكرت شقيقها فتابعت قائلة

- معلش مش عايزه أتعبك
- مش هتتعبيني
- ما هو مش هينفع بصراحة، أخويا ممكن يقتلني وشبابي هيروح في الوبا زي هنادي 

رفع أحد حاجبيه وتساءل: مين هنادي؟ 

ضحكت بجنون ثم استردت انفاسها وأجابته: ما تاخدش في بالك

غمز لها بمشاكسة وقال مازحاً: ماشي يا هنادي

شعرت بالخجل ووجهت نظرها إلى الأرض فارتسمت ابتسامة على شفتيه خلفتها براءتها ثم أخرج ورقة وقلم وكتب رقم هاتفه وأعطاه إليها

- لو أحتاجتي سواق في أي وقت كلميني

أخذت منه الورقة ولوحت بيدها مودعة ثم دلفت إلى المنزل فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً ثم اتجه صوب السيارة وركبها

******

في المشفى.... 
كانت وعد تتناول الطعام في صمت تام دون أن تنظر إلى أمير أو تتحدث معه، فضيق بين حاجبيه وقرر مشاكستها قائلاً 

- وبعدين؟ 

رفعت رأسها ورمقته بنظرة اندهاش: هو إيه اللي بعدين؟ 

- هتفضلي ساكته ومش عايزه تبصيلي 

غمز لها فابتسمت رغماً عنها وكادت أن تتحدث لكن قاطعها صوت رنين هاتفه فاخرج الهاتف وقرأ أسم المتصل وقبل أن يجيب المكالمة نظر إليها وهتف 

- دي حبيبتي

ما أن وصلت كلمته الأخيرة إلى مسامعها مطت شفتيها بضجر ورمقته بنظرة غضب فأسر ابتسامته وأجاب قائلاً 

- نعم يا قلبي 

اشتعلت غضباً وهمت أن تقوم عن مقعدها إلا أنه لم يسمح لها بذلك وقبض يده برفق على يدها فجلست مرة أخرى وهي ترمقه بنظرات غضب

- أمير يا أمير روحت فين؟ 
- أسف يا قلبي معاكي 
- مش هتيجي على الغداء 

تساءلت سلوى فأجابها بمشاكسة: لا أنا مش هرجع البيت النهارده، أتغدي أنتي يا قلبي

أتسع فاه وعد من وقاحة كلماته كما اعتقدت فجاهدت لتحرر يدها من قبضته لكنه تمسك بها أكثر وأكثر ثم أكمل حديثه 

- ماما جهزي نفسك علشان هنروح بكرة نخطب

وضعت سوسن يدها على فاها لتكتم صرختها الناتجة عن السعادة، بينما عضت وعد على شفاها السفلى من شدة خجلها فابتسم على فعلتها ثم حرر يدها وتابع حديثه قائلاً 

- روحتي فين يا ست الكل؟ 
- بتتكلم بجد يا أمير؟ 
- العروسة قاعدة قدامي تحبي تكلميها؟ 
- أكيد 

أبعد الهاتف عن أذنه وأعطاه إلى وعد فأخذته وهي لا تصدق ما يحدث معها ثم ابتلعت ريقها بصعوبة وهتفت بصوت مرتعش

- ا السلام ع عليكم
- وعليكم السلام يا حبيبة قلبي، أنتي وعد مش كده؟ 

اندهشت وعد بشدة وشعرت بصدق أمير حينما أخبرها أنه لا يشفق عليها فأجابتها قائلة

- أيوه أنا وعد
- أمير ملوش سيرة غيرك

توردت وجنتيها خجلاً فشعر هو بالرضا فكم يعشق خجلها وتورد وجنتيها وهي إلى جواره... وبعد مرور عدة دقائق من الثرثرة أرجعت الهاتف إلى أمير بعد أن أنهت المكالمة فأخذه وتحدث قائلاً 

- أمي طيبة جداً، إيه رأيك نتعرف على بعض من أول وجديد؟ 
- مش فاهمة
- هنعتبر أننا أول مرة نتقابل، أنتي مريضة وأنا الدكتور بتاعك وحابب أتقدملك فنتعرف على بعض وكل واحد يحكي تفاصيل حياته

ابتسمت على جنونه لكنها قررت مسايرته لتتعرف إليه أكثر فابتسمت له ابتسامة رقيقة وحركت رأسها بالموافقة... بدأ يقص عليها تفاصيل سنوات عمره فأخبرها أنه الابن الأكبر لأسرته ولديه أخت تصغره بأربع سنوات وتعمل بجريدة شهيرة.... شردت في كلماته وطريقة حديثه عن أهله وبخاصة عشقه لوالدته فشعرت بالإعجاب والفخر في ذات الوقت، فبالرغم من إمتلاكه للمشفى وانتمائه لأسرة مرموقة إلا أنه حسن الخلق ومتواضع لدرجة تجعل من يجلس معه يشعر بالألفة.... وبعد مرور عدة دقائق من الثرثرة توقف عن الحديث وتأملها لدقائق فخجلت كعادتها وهتفت بصوت مرتعش

- طي طيب ليه يعني ما أتجوزتش لحد دلوقتي؟ 
- كنت بدور عليكي

ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها، تسارعت نبضات قلبها لدرجة جعلتها تشعر أنه على وشك الخروج من بين الضلوع في أي لحظة، فارتبكت بشدة وهمت أن تقوم عن مقعدها متناسية المحلول المعلق بيدها، فتأوهت بشدة... انتفض عن مقعده وتقدم منها ثم أمسك يدها التي كانت تنزف وهتف بحدة 

- مش تخلي بالك من الكانيولا اللي في أيدك
- ك كنت رايحه الحمام

ارتسمت ابتسامة خفيفة على جانب ثغره لاستشعاره الكذب المصاحب لنبرة صوتها ثم أزال المحلول عن يدها وقام بتطهير الجرح وقبل أن تسحب يدها رفعها على شفتيه وطبع على جرحها الصغير قبلة رقيقة فأسرعت بسحب يدها والهروب منه في الحمام ثم وقفت خلف بابه ووضعت يدها على قلبها علها تهدئ دقاته المتسارعة 

*******

في منزل حسام.... 
خرجت حنين من الحمام بعد أن أنعشت جسدها تحت المياة ثم اتجهت صوت المرآة وأخذت تمشط خصلات شعرها وهي تفكر في الطبيب الذي جمعها القدر به... تركت الفرشاة من يدها وأمسكت حقيبتها ثم أخرجت منها الورقة التي أعطاها إياها، وبعد دقائق قليلة من التفكير أحضرت هاتفها وأجرت اتصالاً بهاتفه... في ذات الوقت كان أمجد يتابع عمله في المشرحة فلم يستطع أن يجيب المكالمة فزفرت حنين بضيق وهتفت بغيظ

- أحسن أنه ما ردش بتصل بيه ليه أنا أصلا، هقوم أتخمد

اتجهت صوب الفراش وأراحت جسدها عليه ثم احتضنت وسادتها واستسلمت إلى النوم في أقل من دقيقة 

********

في المشفى... 
أوقفت نادين سيارتها أمام المشفى ثم ارتدت نظارتها الشمسية لتداري أثر اللكمة التي وُجهت إلى عينها اليسري... ترجلت من السيارة ثم اتجهت صوب باب المشفى لتدلف لكن منعها حارس الأمن حينما وقف أمامها فزفرت بضيق وهتفت بحدة

- أبعد من وشي
- ممنوع يا دكتورة
- هو إيه اللي ممنوع يا متخلف أنت؟!!!   

جز الحارس على أسنانه واشتعل غضباً فشعر برغبة ملحة في الفتك بها لكنه لم يفعل بل رمقها بنظرة اشمئزاز وأجابها ببرود

- ممنوع تدخلي المستشفى ودي أوامر دكتور أمير
- أنت أكيد اتجننت وسع من وشي

همت أن تتخطاه لكنه منعها مرة أخرى وهتف: ما قولت ممنوع

- بقولك أبعد من وشي أحسنلك
- وإن ما بعدتش هتعملي إيه؟ 
- هخلي نهارك أسود 
- برضو ممنوع 

في ذات اللحظة طرقت إحدى الممرضات باب غرفة وعد التي كانت ما تزال داخل الحمام فترك أمير مقعده وفتح الباب

- آسفة على الإزعاج بس دكتورة نادين على باب المستشفى وعامله مشكلة

جز أمير على أسنانه وتطاير شرار الغضب من عينيه ثم نظر إلى الممرضة وتحدث بهدوء مصطنع

- خليكي مع وعد لحد ما أرجع
- تحت أمر حضرتك

دلفت الممرضة إلى الغرفة بينما اتجه أمير صوب باب المشفى وهو يتوعد لتلك الحرباء

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف