سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, July 29, 2019

جوري/ منى سليمان

July 29, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل السادس عشر - بقلمي منى سليمان  

* العرض الأول *  

وصل أدم إلى وجهته وصعد مُباشرةً إلى الطابق العاشر ليزف الخبر إلى حبيبته... طرق الباب على غير عادته بطريقة موسيقية فتركت ماجدة مقعدها واتجهت صوب الباب وفتحته فدلف أدم وشاكسها كعادته لكنه لاحظ على الفور دموع خالته فاقترب منها ثم ثنى ركبتيه وجلس القرفصاء 

- مين مزعل قمري؟ 

لم تجيبه ولو بكلمة فلاحظ تبدل ملامح الجميع وتابع: أنتوا عاملين كده ليه؟ 

ما أن تفوه بكلماته دلفت جوري مستندة على ذراع أحمد وخلفها لمياء وعماد فجحظت عينيه وهو يكاد لا يصدق حالتها المزرية فابتلعت ريقها بصعوبة وتمسكت بعمها ثم طلبت منه التقدم من والدتها فساعدها على الفور وخلال لحظات قليلة جلست إلى جوار أحلام وعانقتها ثم رددت بوهن

- ما تعيطيش، أنا كويسة
- ليه كده يا بنتي؟ ده أنا مليش غيرك
- حقك عليا والله غصب عني

كادت أحلام أن تتحدث لكن سبقها أدم وتساءل بعد أن استوعب ما حدث: إيه اللي حصل؟ 

ابتعدت جوري عن صدر والدتها ثم كفكفت دموعها وأجابته: حادثة بسيطة وربنا ستر

- حادثة!!! 

رددها أدم باندهاش وغضب ملحوظ فتدخل أحمد ليمتص غضب ابن شقيقه الذي يعلمه جيداً فربت على كتقه وتحدث بهدوء 

- مش وقت تحقيق يا أدم، جوري تعبانة وأحلام كمان

وجه نظراته صوب ماجدة وتابع: يلا يا ماجدة خدي أحلام ترتاح في سريرها، وأنتي يا فاطمة ساعدي جوري ووصليها لأوضتها، وأنتي يا لمياء أدخلي جهزيلنا الغداء ومش عايز لا خناق ولا نكد في البيت

حركت لمياء رأسها بالموافقة ونفذت رغبة والدها وكذلك فعلت ماجدة وتبعتها فاطمة فبقى أدم واقفاً وهو مازال تحت تأثير الصدمة فتنحنح عماد قائلاً 

- طيب يا عمي أنا هرجع شقتي و

قاطعه أحمد قائلاً: أقعد يا عماد أتغدى معانا، أنت مش غريب

- بس

قاطعه مرة أخرى قائلاً بحزم: ما توجعش قلبي أنت كمان، كفاية التور اللي هيدخل يسود عيشه جوري دلوقتي

قال كلمته الأخيرة وهو يوجه نظراته صوب أدم الذي أعاد طرح سؤاله فقص عليه عمه كل ما حدث، فتضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لوجود كل هذا الخوف بداخلها لدرجة دفعتها لعدم الانتباه للسيارة وبين الغضب لأنها لم تنتبه لطريقها كما يطلب منها دائماً وبالنهاية تغلبت عاطفته على غضبه فزفر بضيق وهتف

- أنا لا هزعلها ولا هتخانق يا عمي، أنا زعلان من نفسي علشان ما كنتش جمبها وقت ضعفها وخوفها
- خلاص يا أدم اللي حصل حصل ولا إيه يا أستاذ عماد؟ 

فاق عماد من شروده وأفكاره والشك الذي تملكه وأخبره أن هناك علاقة بين أدم ولمياء كونها تعيش معه بذات المنزل وزاد شكه حينما تعرف إلى أدم ورأى وسامته التي قد تجذب الكثير من الفتيات، لكنه بالنهاية نفض الأفكار من رأسه وأجاب قائلاً 

- عندك حق يا عمي، الندم والعتاب مالهومش لازمة
- هدخل أطمن عليها

قالها أدم ثم ترك مقعده واتجه إلى غرفة جوري بينما اعتذر أحمد من عماد وذهب إلى غرفة أحلام ليطمئن عليها، فغادرت لمياء المطبخ بعد أن أعدت كوباً من عصير الليمون لأحلام وأخر لجوري، بالإضافة إلى فنجان قهوة لعماد فاقتربت منه وقدمت إليه الصينية ثم قالت برقة

- عملت لحضرتك فنجان قهوة، يارب تعجبك 
- متشكر 

تعلقت عينيه بعينيها للحظات فخجلت بشدة وابتعدت قليلاً إلى الخلف لكنه لم يستسلم فوقف عن مقعده واقترب منها ثم أخد الصينية ووضعها على الطاولة وعاد لينظر إلى عينيها وهو يتساءل

- أدم زي سعد بالنسبالك، مش كده؟ 
- أكيد طبعاً وعمري ما شوفته غير أخويا

لا تعلم لما أجابته على الفور بدون أي تردد أو تفكير بالرغم من اندهاشها للسؤال فشعر بالراحة ثم أخذ فنجان القهوة وعاد ليجلس على مقعده وكأن شيئاً لم يكن فازداد اندهاشها لكنها لم تُعلق وحملت الصينية ثم اتجهت صوب غرفة أحلام فتنفس عماد بعمق وتمتم في نفسه 

- أكيد مش بتكدب، مستحيل تكون زيهم، مستحيل تخون، قلبي بيقولي كده

****
بغرفة جوري... 
طرق أدم الباب ودلف إلى الداخل بعد أن سمحت له والدته فاقترب من جوري وجلس على حافة فراشها، ثم تأمل ذراعها والكدمات التي افترشت وجهها فشعر بغصة في قلبه لكنه لم يُظهر ذلك وسألها بصوت هادئ لم تتوقعه في مثل هذا الموقف

- في حاجة بتوجعك؟ 

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي فتابع: أنا مش زعلان منك، أنا زعلان عليكي

تلألأت الدموع داخل مقلتيها ثم تحدثت بنبرة صوت كساها الألم: كنت خايفة ومعرفتش أنا بعمل إيه، ولسه خايفة أنها تمشي وتسيبني لوحدي في الدنيا

- عمرك ما هتبقي لوحدك كلنا جمبك و

توقف عن إكمال كلماته حينما انتبه إلى والدته التي كانت تتابع ما يحدث وهي تضع كف يدها أسفل وجنتها فمط شفتيه واصطنع الغضب قائلاً 

- جرا إيه يا حاجة طمطم، فاكرة نفسك في السينما ولا بتابعي تركي
- أنت عديت مرحلة التركي يا عين طمطم، دخلت مرحلة النحنحه

ضحكت جوري بجنون على حرب المشاكسات التي انطلقت بين أدم ووالدته فضيق أدم بين حاجبيه وردد بغيظ

- بتضحكي، ده بدل ما تقوليها أطلعي منها
- مقدرش طمطم حبيبتي

غمز لها أدم بمشاكسة وسألها: طيب وأنا؟ 

توردت وجنتيها خجلاً نظراً لوجود فاطمة ومع ذلك استجمعت شجاعته وأجابته: وأنت كمان حبيبي

- حاسه أني قرطاس في النص
- ده مش إحساس يا طمطم ده أمر واقع

قالها أدم ثم ركض مبتعداً وغادر الغرفة على الفور قبل أن تفتك به والدته فضحكت جوري من جديد متناسية كل ما مرت به 

****

بالمسرح... 
جلست فاتن تتابع الاستعدادات النهائية للعرض للمسرحي الخاص بوالدها وهي تشعر بالضجر فأخرجت هاتفها والتقطت لها صورة ثم قامت بنشرها على كافة مواقع التواصل الاجتماعي خاصتها وكتبت (جيت أحضر أخر بروفة لمسرحية دادي الجديدة، ربنا يخليه ليا)، خلال لحظات قليلة بدأ متابعيها في التعليق على الصورة فلمعت عينيها فرحاً وبقت هكذا حتى اقترب منها فريد وتحدث بغيظ

- الأستاذة جاية تتفرج على بروفة العرض ولا 

قاطعته قائلة: سوري داد بس كنت بعمل للعرض دعاية و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقترب مساعد والدها وبيده الغلاف الدعائي الأخير فرأت صورة الشاب الذي اصطدمت به فور وصولها وتساءلت

- مين ده؟ 
- شاب جديد بس هيكون ليه مستقبل في التمثيل

أجابها فريد ثم أدار وجهه وتحدث لدقائق مع مدير أعماله فشردت فاتن وتمتمت في نفسها

- شكلي هاجي أحضر العرض كمان

فاقت من شرودها عندما انتهى والدها وبدأ يتحدث معها ويُعطيها النصائح كعادته فاصطنعت الاهتمام ثم حملت حقيبتها وودعته، وخلال لحظات قليلة انطلقت بسيارتها لتعوض الأيام التي قضتها برفقة العجوز صاحب الأموال الطائلة 

****

على مائدة الطعام اجتمعوا وجلسوا في انتظار أحلام لكنها لم تستطع مغادرة الفراش فعادت ماجدة من غرفتها وهتفت

- بتقول مش قادرة تقوم

تبدلت قسمات وجه جوري ووقفت عن مقعدها ثم طلبت من فاطمة مساعدتها للذهاب إلى غرفة والدتها فنفذت رغبتها على الفور وتبعها أحمد وأدم، بينما اتجهت ماجدة صوب غرفتها لتصلي فرضها لحين عودة الجميع فبقت لمياء جالسة على المقعد المقابل لعماد 

- الأكل شكله تحفة، تسلم أيدك
- ماما اللي طابخه، أنا يادوب كملته لما هي انشغلت

قالتها ثم وجهت نظراتها صوب المائدة لشعورها بالخجل فابتسم على فعلتها وأكمل حديثه بجدية مصطنعة

- لما وقتك يسمح قوليلي أبعتلك العقد تمضيه
- حاضر

قالتها باقتضاب دون أن تنظر إليه فقرر مشاكستها قائلاً: هو أنتي جعانه أوي كده؟ 

- أنا؟! 

تساءلت باندهاش بعد أن رفعت رأسها ونظرت إليه فحرك رأسه لأعلى وأسفل ليؤكد ما سمعته ثم هتف مازحاً 

- أصلك مش بتبصيلي وبتبصي للأكل وبس

كادت أن تتحدث لكنها انتبهت إلى عودة الجميع برفقة أحلام وجلس كل واحد منهم على مقعده فأنضمت ماجدة إليهم وتناولوا الطعام في جو أسري افتقده عماد منذ نعومة أظافره، وبمجرد أن فرغوا نظر أحمد إلى أدم وتحدث بجدية 

- أنا وماجدة لازم نسافر بكرة علشان عندي شغل مهم، تخلي بالك من الأمانة اللي سايبهالك

غمز أدم إلى عمه واصطنع الجدية قائلاً: دول أربع أمانات وكلهم في عينيا ما تقلقش وراك راجل

قالها بعد أن ضم قبضة يده وضرب بها صدره فضحكوا جميعاً على فعلته، وما أن توقفوا عن الضحك وقف أدم عن مقعده وأخبرهم بمستجدات الأمور وكيف حصل على دور لا يقل أهمية عن دور البطولة فشعروا جميعاً بالسعادة لأجله عدا فاطمة فرمقها أدم بنظرة عتاب وتساءل

- مش هتقوليلي مبروك؟ 
- مبروك با أبو دماغ ناشفه
- كان نفسي تكونوا معايا بس شكلي هكون لوحدي، عمي مسافر وجوري مش لازم تتعب نفسها زي الدكتور ما قال ولولي بتدلع علينا وطمطم مش طيقاني و

- أنا هاجي أتفرج

قالتها لمياء ما أشعل غيرة عماد فهتف بدون تردد أو تفكير: وأنا كمان، أنا أعرف أستاذ فريد معرفة شخصية

تنفس أدم براحة ثم نظر إلى عماد وقال: مش عارف أشكر حضرتك أزاي، وأنتي يا لمضة متشكر على الجدعنة

- يا ابني إحنا فنانين زي بعض، مش كده يا أستاذ عماد؟ 

تساءلت لمياء فحرك عماد رأسه مؤكداً ما قالته بينما مالت جوري على أذنها وتمتمت بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- يخربيت المحن، مش كده يا أستاذ عماد

قالتها مقلدة طريقة لمياء فوكزتها الأخيرة في قدمها فتأوهت جوري بشدة، فشعر أدم بالقلق عليها وطلب منها الاسترخاء قليلاً وساعدها على الذهاب إلى غرفتها، وكذلك ساعدت فاطمة شقيقتها على العودة إلى غرفتها فبدأت ماجدة في إفراغ محتويات السفرة برفقة لمياء بينما نظر أحمد إلى عماد وهتف

- مش هوصيك على لمياء والدنيا الجديدة اللي داخله عليها
- ما تقلقش يا عمي، أنا هكون معاها خطوة بخطوة ومش هتتعطل عن دراستها بأمر الله
- ربنا يكرمك يا ابني 
- معلش أنا لازم استأذن، لازم أروح أفك السلك بتاعي

تفهم أحمد الوضع وترك عماد يغادر فعاد إلى شقته ليأخذ مفتاح سيارته لكنه توقف حينما وجد كتب لمياء الخاصة بالجامعة وروايته التي أخذتها معها إلى الجامعة علها تنتهي من قرأتها وتعلم من الجاني، فالتقط روايته وكتب لها إهداء، ثم أخذ ما جاء من أجله وقبل الذهاب اتجه صوب شقة أحمد ففتحت لمياء

- نسيتي كتبك وروايتي 

شكرته وأخذت منه الكتب فتابع: كتبتلك إهداء يارب يعجبك، باي

لم ينتظر ردها وغادر على عُجالة فتنهدت براحة وأغلقت الباب ثم اتجهت مُباشرةً صوت غرفتها وجلست على أحد المقاعد لتقرأ ما كتب لأجلها

(إهداء إلى الطبيبة المزعجة، وجارتي المشاكسة، وزميلتي المتجددة... 
إهداء إلى الفتاة المختلفة التي كلما قابلتها حدثت كارثة، فصرت أعشق الكوارث لأجلها... عماد القاضي) 

رفعت رأسها عن الكتاب وابتسامة ساخرة تزين ثغرها ثم أمسكت هاتفها وقررت مراسلته فكتبت

(حبيت الإهداء، بس أنا مش مزعجة وبالنسبة للكوارث مش كتير يادوب كنت هتخطف وبعدها أنت تعبت والنهارده جوري تعبت، مش كتير يعني) 

صدح صوت رنين هاتفه فأخرج هاتفه من جيب سرواله ثم قرأ الرسالة وابتسم ثم استرد أنفاسه وكتب

(ربنا يستر من الكارثة الرابعة) 
(يارب) 

****

مضى يومين هادئين لم يتغير خلالهما الكثير... 
* سافر أحمد ليتابع أعماله ويباشر الأراضي الزررعية المملوكة له ولورثة شقيقيه، بينما تابع أدم الاستعدادات النهائية للعرض وبرع في أداء الشخصية الجديدة التي أُسندت إليه فشعر فريد بالرضا لنجاح اختباره * 
* بقت جوري بالمنزل ولم تداوم بالجامعة تنفيذاً لأوامر الطبيب، ولازمت والدتها طوال الوقت علها تساعدها في تخطي المحنة والألم الجسدي بعد جرعات العلاج الكيميائي *
* كان عماد دائم مراسلة لمياء وحصل على توقيعها على العقد قبل وقوع الكارثة الرابعة، وشعر كذلك بالسعادة لأنها أنهت قراءة الرواية وبادلت إهدائه بتحليل عميق لأحداث روايته من حيث السرد والحوار والحكبة والصراع *
* عادت سهلية إلى منزلها مختلفة تماماً عن تلك المهشمة بعد الفضيحة والطلاق فقد قررت نسيان ما حدث لتستطيع المضي قدماً أو بالأحرى لتستطيع اصطياد رجل جديد، ولم تقل وقاحة فاتن عن وقاحة والدتها فقد قضت اليومين بين البارات والرقص والتدخين، ومع ذلك لم تنسى موعد العرض الأول الخاص بوالدها فقررت الذهاب لتطارد هي الأخرى فريستها *

*****

أغلقت الكتاب وشردت بشدة وبدأت تفكر في حبيبها الذي ستتبدل حياته بعد عدة ساعات، دار برأسها ألف سؤال وسؤال خوفاً من فقدانه، ومع ذلك نفضت جميع الأفكار من رأسها وتركت مقعدها ثم غادرت الغرفة واتجهت صوب غرفته وطرقت بابها لكنه لم يُجيب فعادت أدراجها إلى الخلف استعداداً للمغادرة إلا أنها اصطدمت بصدره وأدارت جسدها على الفور وحمرة الخجل تزين وجنتيها، فرفع كلا حاجبيه باندهاش وسألها بغيظ

- وبعدين في الكسوف ده؟! هتفضلي كده لحد أمتى؟ 
- بطل رخامة يا أدم
- بطل رخامة يا أدم

رددها مقلداً طريقتها في الحديث فوكزته في صدره وهتفت بغضب: أنت رخم

تخطته وهمت أن تبتعد إلا أنه سبقها وقبض برفق على معصمها ثم أعادها إلى حيث كانت تقف وقال بحزم مصطنع: إياكي تمشي تاني وأنا بكلمك، مفهوم؟ 

أسرت جوري ابتسامتها وحركت رأسها بالموافقة بعد أن اصطنعت الخوف فغمز لها أدم بمشاكسة وتساءل

- كنتي عايزه حاجة؟ 
- كنت جايه أشوفك قبل ما تنام، من بكرة هتدخل مرحلة جديدة في حياتك

بدأت كلماتها بنبرة صوت عادية وأنتهت بنبرة حزينة فهمها جيداً وقرر بث الطمأنينة بقلبها 

- قصدك بكرة هندخل مرحلة جديدة في حياتنا
- أفهم من كده مش هتتغير ولا هتنساني وتروح لغيري؟ 
- لو عندك شك تعالي جوه وأضيعهولك

تطاير شرار الغضب من عينيها ووكزته من جديد في كتفه فتأوه كمشاكسة لها لكنها لم تهتم ورددت كعادتها: أنت قليل الأدب

تركته وعادت إلى غرفتها وهي تشعر بقليل من الألم في ذراعها وقدمها فراقبها أدم وهو يعقد ذراعيه أمام صدره، وبمجرد أن دلفت إلى غرفتها تمتم بغيظ

- البت دي بتطلع عليا إشاعات، قال قليل الأدب قال، هي اللي هبله وربنا

****

في الخامسة من عصر اليوم التالي وصل أدم إلى المسرح وهو يشعر بالتوتر والسعادة في آن واحد... دلف إلى الداخل واتجه مُباشرةً صوب الغرفة المُخصصة له... 
في المساء انتهت لمياء من إبدال ثيابها لتذهب إلى المسرح وتتابع العرض الأول كما وعدت أدم فراقبتها جوري وهي تسند يدها أسفل وجنتها فتفهمت لمياء حزنها وهتفت

- معلش كلها أسبوع عشر أيام وتروحي تتفرجي وأنا لو قدرت هصورلك
- ماشي، بس خلي بالك لحد يعاكسه
- من عينيا، باي 

ودعت الجميع وغادرت ثم وقفت في انتظار المصعد فاقترب عماد منها وهو يرتدي حلة سوداء أنيقة للغاية زادت وسامته وسامة فتسارعت نبضات قلبها في سعادة 

- مساء الخير 
- مساء النور، البدلة شيك أوي
- وأنتي كمان حلوة أوي

اندهشت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها فتنحنح ثم تابع: رايحة لأدم؟ 

- أيوه وحضرتك رايح ولا غيرت رأيك؟ 
- حضرتي رايح

أجابها بغيظ ثم فتح باب المصعد فدلفت إلى الداخل وهي تأسر ضحكتها بصعوبة فقد بدأت تعشق كلمة (حضرتك) حتى ترى رد فعله الغاضب.... خلال لحظات قليلة توقف المصعد بالطابق الأرضي فودعته لمياء وهمت أن تغادر لكنه سبقها وقال بثبات

- إيه رأيك نروح سوا بدل ما تروحي مع السواق؟ 
- مش عايزه أضايق حضرتك
- الله يخربيت حضرتي

هكذا تمتم في نفسه ثم رسم ابتسامة على شفتيه وهتف بغيظ: حضرتي مش مضايق، يلا

نفذت رغبته ومضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى وجهته وساد الصمت لدقائق قطعها حينما أردف مازحاً 

- عقبال حفل توقيع كتب حضرتكِ

اصطنعت عدم الفهم وقررت مبادلته المشاكسة فهتفت: متحمسة أووووي، والفضل لحضرتك

صر عماد على أسنانه دون أن يُظهر لها ذلك وأكمل طريقه في صمت فطالعته بين دقيقة وأخرى، بينما اختلس هو النظر إليها من خلال مرآة السيارة الجانبية وهو يشعر بالربيع يسري بداخله

****

في ذات اللحظة انتهى أدم من إبدال ثيابه ووضع الماكياج الخاص بالشخصية فانصرف جميع من بالغرفة وجلس هو يراجع الحوار، وبمجرد أن انتهى التقط هاتفه ليتحدث إلى حبيبته لكن قاطعه صوت طرق على باب الغرفة فترك الهاتف واتجه صوب الباب وفتحه ليتفاجأ بوجود فاتن التي لوحت بيدها مرحبة وقالت بدلال

- هاي (Hi) 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Friday, July 26, 2019

جوري/ منى سليمان

July 26, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الخامس عشر - بقلمي منى سليمان  

* كوب شاي *  

صر عماد على أسنانه وشعر برغبة ملحة في الفتك بها لكن منعه وجود لمياء داخل الدار من ذلك فأشار إليها لتلحق به إلى أحد المكاتب التي لا يوجد بداخلها أحد فنفذت رغبته اعتقاداً منها أنه تقبل وجودها، لكنه ما أن أغلق باب الغرفة تبدلت ملامحه تماماً وكأنه بركان نشط على وشك إلقاء الحمم البركانية في وجهها فابتلعت ريقها بصعوبة وهتفت بصوت مرتعش

- أن أنت أضايقت علشان جيت؟ 
- أنا طردت أختك وقولتلها ما أشوفش وشها هنا تاني، جاية أنتي بدالها لييييه؟ 

قالها عماد بحدة وصوت عالِ فتسارعت نبضاتها خوفاً وحاولت تهدئته قائلة

- أنا جيت أحاول أصلح بينكم وأفهمك اللي حصل يمكن تنسوا اللي فات وتبدأوا

توقفت عن إكمال كلماتها حينما اقترب عماد منها كالإعصار ثم قبض بعنف على رقبتها فكادت أن تختنق وحاولت التملص منه بشتى الطرق لكنه كان كالمغيب لا يعي ولا يسمع أي شيء، فقط ردد بجنون

- كفااية، أبعدوا عني، قوليلها تمشي وكفاية اللي عملته، قوليلها تبعد وترحمني 

فاق من غفلته حينما شعر بارتخاء جسدها فحرر رقبتها على الفور لتسقط أرضاً وهي تسعل بشدة فابتعد خطوات قليلة إلى الوراء وهو يكاد لا يصدق ما فعله وانتظر حتى التقطت أنفاسها واستعادت توازنها ووقفت عن الأرض ثم أشهر سبابته في وجهها وأردف محذراً 

- أخر مرة أشوف وشك أو وشها هنا، مفهوم؟ 

لم تستطع أن تجيبه لشعورها الشديد بالخوف فحركت رأسها كإشارة بالموافقة ثم حملت حقيبتها وركضت إلى الخارج والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها فجلس عماد على أحد المقاعد واضعاً رأسه بين كفيه عله يهدأ قليلاً ويعود إلى طبيعته

***

بالجامعة... 
انتهت محاضرة جوري الأولى فذهبت برفقة زميلاتها إلى الحديقة الخاصة بالجامعة، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى اقتربت منهن إحدى الزميلات وقالت بصوت كساه الحزن وغلفه الألم

- شوفتوا اللي حصل
- في إيه؟ 

تساءلت إحداهن بقلق فأجابت: ببقولوا رنيم أتوفت

تعالت شهقاتهن من هول الصدمة فتابعت الفتاة: كان عندها كانسر وما استحملتش الكيماوي، أتوفت النهارده الصبح بعد أول جرعة 

تسارعت نبضات جوري خوفاً وبدأ صدرها يعلو ويهبط فركضت مبتعدة لتطمئن على والداتها فصرت صديقتها المقربة على أسنانها ونظرت إلى الفتاة بغيظ ثم تحدثت بحدة

- أنتي معندكيش دم، حبكت يعني تقولي كل حاجة بالتفصيل

عضت الفتاة على شفاها السفلى وقالت بحزن: نسيت خالص موضوع والدتها، يا حرام شكلها كانت مرعوبة

زفرت صديقة جوري بضيق ثم ابتعدت قليلاً وأخرجت هاتفها لتطمئن عليها فتوقفت جوري بمنتصف الطريق ظناً منها أن المتصل على وشك إخبارها بوفاة والدتها فبدأت تبحث عن هاتفها بطريقة هسترية جعلتها لا تنتبه إلى السيارة التي اصطدمت بها 

****

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة استعاد عماد هدوئه فرفع رأسه وأخرج من جيب سرواله علبة وأخذ منها حبة دواء لتساعده على الإسترخاء أكثر وأكثر ثم ترك مقعده وعاد إلى مكتبه حيث تجلس لمياء في انتظاره فاقترب منها وجلس على المقعد المقابل لها بدلاً عن مقعده الرئيسي ثم بادر برسم الابتسامة على شفتيه وتساءل

- إتأخرت عليكي؟ 
- شوية

قالتها بمشاكسة وهي تضم إصبعها السبابة على الإبهام فتجددت ابتسامته ونسى بقربها كل ما حدث وقبل أن يتفوه ولو بكلمة صدح صوت رنين هاتفها فضيقت بين حاجبيها حينما وجدت الاتصال من جوري اعتقاداً منها أنها تشاكسها لمعرفتها الجيدة بوجود لمياء بالدار ومع ذلك اعتذرت منه وتركت مقعدها ثم ضغطت زر الإيجاب وتحدثت بغيظ

- مفيش فايدة فيكي و

قاطعها المتصل قائلاً: مع حضرتك أحمد من استقبال مستشفى القصر العيني

تعالت شهقات لمياء لدرجة جعلت عماد ينتفض عن مقعده ثم استوعبت الأمر وتساءلت بخوف: جوري جرالها حاجة؟ 

- الآنسة عملت حادثة بسيطة ونقلوها على المستشفى وهي اللي طلبت اتصل لأن في كسر في دراعها وهي حالياً في الاستقبال و

قاطعته لمياء قائلة: أنا جايه حالا 

أنهت المكالمة والصدمة تظهر بوضوح على قسمات وجهها والدموع كذلك تُغرق وجنتيها فسألها عماد بخوف

- حد جراله حاجة؟ 
- قا لو لللي جو عم حادث و

قاطعها قائلاً: بالراحة علشان أفهم

- جوري عملت حادثة
- يا ستار، طيب هي فين دلوقتي؟ 
- قالوا طوارئ القصر العيني، لازم أروحلها

ركضت إلى الخارج فلحق عماد بها ثم تذكر مفتاح سيارته فعاد وأخذه على عُجالة ثم ركض إلى الخارج وقاد بسرعة جنونية عله يصل في أسرع وقت فقد كان يشعر بالحزن لرؤيته دموع لمياء 

*****

بالبنك... 
شعر أدم بالملل فقد طال انتظاره لإنتهاء ما جاء من أجله فقرر التحدث إلى جوري لكنه بمجرد أن أخرج هاتفه ليُجري الاتصال، صدح صوت رنينه فأجاب على الفور 

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، معاك سهيل من مكتب مساعد الأستاذ فريد
- أهلاً وسهلاً بحضرتك
- أستاذ فريد حابب يقدم ميعاد البروفة وهتكون بعد نص ساعة، مناسب ليك؟ 

وقف أدم عن مقعده وأجابه: اه طبعاً وبأمر الله بعد نص ساعة هكون موجود

خلال لحظات قليلة أنهى أدم المكالمة ثم مال على أذن عمه وأخبره بما حدث فسمح له بالمغادرة فقد شارف على إنهاء ما جاء لأجله، فانطلق أدم بسيارته والسعادة تملأه لأنه على وشك تحقيق أولى خطواته الفنية

****

وصل عماد إلى المشفى فترجلت لمياء وركضت إلى الداخل ثم أخذت تبحث عن جوري حتى وجدتها واقتربت منها ثم عانقتها فتمسكت جوري بها وانفجرت دموعها كالشلال فبكت لمياء أيضاً وسألتها عن ما حدث معها فقصت عليها جوري ما حدث والخوف الذي تملكها لدرجة جعلتها تتوقف بمنتصف الطريق فعانقتها لمياء من جديد وقالت بهدوء 

- اللي حصل حصل، المهم أنك كويسه وربنا يستر على رد فعل ماما أحلام لما تشوفك وأنتي متخرشمه كده

ابتسمت جوري بصعوبة ورددت بوهن: أنا مش عارفه عملت كده ازاي 

- خلاص ما تفكريش، هروح أشوف الدكتور ولو كله تمام خلينا نروح نفجر القنبلة، شوفتيني وأنا عاملة إرهابية

كان عماد يقف بالخارج واستمع إلى كل ما دار بالداخل فحرك رأسه يميناً ويساراً على جنون لمياء ثم ابتعد وجلس على المقعد المقابل لباب الغرفة فغادرت لمياء الغرفة واقتربت منه قائلة

- هروح أشوف الدكتور علشان تروح 
- هاجي معاكي
- مش عايزه أتعب حضرتك

رفع عماد أحد حاجبيه باستنكار وتحدث بغيظ ملحوظ: حضرتي مش تعبان، قدامي

أدارت جسدها ومضت برفقته إلى غرفة الطبيب المختص وحصلت منه على إذن الخروج ثم عادت إلى غرفة جوري وساعدتها على النهوض فتساءل عماد 

- تحبي أشيلك لحد العربية؟ 

راقبت جوري ملامح وجه لمياء وهي تأسر ابتسامتها بصعوبة ثم أجابته بخبث: لو مش هتعب حضرتك هقولك مفيش مانع 

وكزتها لمياء في قدمها بعنف فتأوهت جوري بشدة لكن لمياء لم تهتم وقالت بغيظ: لا هتمشي عادي، أيدها اللي مكسوره على فكرة ورجلها فيها كدمة بسيطة، يعني تقدر تمشي زي القردة

وجهت نظراتها صوب جوري وتابعت بحدة: أمشي يا قردة

حررت جوري ضحكتها فامتزجت بصوت الألم بينما وقف عماد يراقب ما يحدث وهو يكاد لا يصدق كم الطفولة الساكنة داخل كل واحدة منهن، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى جلست جوري بالمقعد الخلفي وجلست لمياء إلى جواره فانطلق عائداً إلى المنزل

*****

في ذات الوقت وصل أدم إلى وجهته وصعد على خشبة المسرح فزاد إعجاب فريد به لوصوله قبل الجميع، وخلال دقائق قليلة حضر الجميع وبدأت الاستعدادات النهائية للعرض فشعر أدم أنه يطير في مدار أحلامه فبدى تمثيله حقيقة وتقمص الشخصية المسندة إليه ببراعه جعلته محط أنظار الكثيرين بل وجعل فريد يُعيد النظر في توزيع الأدوار فأشار لمساعده بالاقتراب وهتف

- خالد لسه ما وصلش؟ 
- للأسف لا، مع أني أكدت عليه الميعاد وقال مناسب ليه
- يبقى وقف التعامل معاه أهم حاجة بالنسبالي الالتزام 

اندهش المساعد بشدة وتساءل: بس ده دور رئيسي ما يقلش أهمية عن دور البطل، هنجيب مين والعرض فاضل عليه ٣ أيام؟ 

- أدم هيعمل الدور وهنجيب نجاح السفير مكان أدم 
- اختيار ممتاز أدم فعلاً موهوب

أوقف فريد الاستعدادات لعدة دقائق وأعطى الجميع استراحة لمدة خمس دقائق ثم طلب من أدم اللحاق به إلى غرفته الخاصة فظن أدم أن حلمه على وشك الضياع لكن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، أخبره فريد بإسناد الدور إليه فأتسع ثغر أدم وهو يكاد لا يصدق ما سمعه فتابع فريد

- شكلك كده مش مستعد؟ 

فاق أدم من صدمة السعادة التي تملكته وأجاب: بالعكس سعادتي ما تتوصفش، وأوعد حضرتك هكون قد المسئولية

- يبقى تروح حالاً وتاخد معاك الورق الجديد وبكرة زي النهارده هعملك بروفة ليك لوحدك، بس توعدني أن دراستك ما تتأثرش 
- أوعد حضرتك أني هحافظ على نجاحي في دراستي وأني هكون قد ثقتك
- يبقى يلا يا بطل على بيتك وأحفظ دورك والنص كويس

حصل أدم على الورق الخاص بالشخصية الجديدة ثم غادر والسعادة تسري بداخله حتى أنه لم ينتبه لاقتراب فاتن فاصطدم بها وكادت أن تسقط أرضاً لكنه سبقها وأحاط خصرها بذراعه ثم قربها منه، فكادت أن تعنفه كعادتها إلا أنها وجدت نفسها بين أحضان شاب أقل ما يقال عنه شديد الوسامة فنست غضبها تماماً وسكنت على غير عادتها فسألها بقلق

- أنتي كويسه؟ 
- كويسه (I'm fine) 
- أنا أسف كنت خارج مستعجل

قالها بعد أن حرر خصرها فهتفت: ولا يهمك (Never mind) 

- فرصة سعيدة أني أقابلك على الطبيعة
- أنا أسعد
- أسف مرة تانية، بعد إذنك

ودعته بابتسامة ثم أطلقت تنهيدة حارة وتمتمت بخفوت: واو so smart 

دلف أدم إلى سيارته وقبل أن ينطلق قرر الاتصال بجوري ليُخبرها بما حدث فصدح صوت رنين هاتفها لكنها لم تستطع إخراجه من حقيبتها فالتقطته لمياء وقالت بخوف

- استلقي وعدك، ده أدم 

تسارعت نبضات قلب جوري خوفاً لمجرد سماع اسمه فتابعت لمياء: هرد وأقوله أنك

قاطعتها جوري: بلاش قوليله أني معاكي بس بجيب ورق ولما نروح يبقى يعرف لحسن يسوق بسرعة وهو متعصب

حركت لمياء رأسها بتفهم وأجابت المكالمة فقال أدم: وشك حلو ليا يا عمري

- أنا لمياء يا عم الحبيب
- أعوذ بالله فين جوري؟ 

تساءل أدم فأجابته لمياء مازحة: في عصابة خطفتها وأنا من النهارده اللي هبقى موجوده وبس 

- بطلي استظراف وأديلها الفون
- بتجيب ورق من صاحبتها وكلها شوية وهنروح 
- ماشي، يبقى أشوفها في البيت

لم تمض سوى لحظات قليلة حتى أنهى أدم المكالمة وانطلق بالسيارة دون أن يشك بشيء، بينما على الجانب الأخر كانت النيران مشتعلة بقلب عماد وألف سؤال يدور داخل عقله عن هوية أدم، وطبيعة العلاقة بينه وبين لمياء لدرجة تجعلها تشاكسه وتمازحه بتلك الطريقة، وظل على تلك الحالة حتى وصل إلى وجهته فترجلت لمياء وساعدت جوري في ذات اللحظة التي وصل فيها أحمد وترجل من إحدى سيارات الأجرة، وجحظت عينيه حينما وقعت على جوري فاقترب منها متسائلاً 

- إيه اللي عمل فيكي كده؟ 
- ما تقلقش يا عمي حادثة بسيطة، قدر ولطف

أجابه عماد وأكدت لمياء على ما قاله فهتف أحمد: أحلام لو شافتك كده مش هتستحمل، هنعمل إيه دلوقتي؟

- اتفضلوا في شقتي وحضرتك ممكن تمهد لها الأول

حرك أحمد رأسه بتفهم ثم استقلوا جميعاً المصعد إلى شقة عماد وجلست جوري على أقرب مقعد وجلست لمياء إلى جوارها بينما اتصل أحمد بأدم فأجاب الأخير مازحاً كعادته

- وحشتك يا أبو حميد ولا إيه؟ 
- حاجة زي كده، أنت فين؟ 
- أنا ربع ساعة وهكون في البيت في حاجة؟ 
- لا مفيش حاجة كنت فاكرك هتتأخر وعايز نتغدى كلنا سوا

صدق أدم ما قاله أحمد وأخبره أنه لن يتأخر وأن لديه خبر سار سيقوله أمام الجميع فور وصوله فأنهى أحمد المكالمة ونظر إلى عماد قائلاً 

- معلش يا ابني هتقل عليك وأخلي البنات هنا لحد ما أقول لأم جوري اللي حصل لتتخض ولا يحصلها حاجة
- البيت بيتهم يا عمي 

شكره أحمد وغادر فمالت جوري على أذن لمياء وتمتمت بصوت خفيض: مصائب قوم عند قوم فوائد

- يهدك ربنا يا جوري، أنتي كارثة متحركة على سطح الكرة الأرضية
- تحبوا تشربوا إيه؟ 

تساءل عماد فهمت لمياء أن تشكره لكن سبقتها جوري وقالت بخبث: لو ينفع ومش هنتقل على حضرتك، لمياء تعملي كوباية شاي علشان عندي صداع رهيب

- أنا؟! 

سألت لمياء باندهاش فأكدت جوري حينما حركت رأسها كإشارة بنعم ثم نظرت إلى عماد وتابعت

- لمياء أحسن واحدة في مصر بتعمل شاي

أكل عماد الطعم فقد كان تائهاً في مدار الأسئلة التي مازالت تدور برأسه دون أن يجد لها أجوبة فوقف عن مقعده ووجه كلماته إلى لمياء

- البيت بيتك 

وقفت لمياء عن مقعدها بعد أن رمقت جوري بنظرة توعد ثم مضت برفقة عماد إلى المطبخ ووضعت الإبريق المملوء بالمياه فوق الشعلة فساعدها وأحضر إليها الشاي والسكر فبدأت في تجهيز الأكواب وهي تشعر بخجل لم تختبره يوماً ليقطاع خجلها متسائلاً 

- هو أدم أخوكي؟ 

اندهشت لمياء بشدة ومع ذلك أجابته: لا ابن عمي وابن عم جوري وابن خالتها في نفس الوقت

- بس واضح أنك واخده عليه أوي

قالها بغيرة واضحة ففهمت لمياء ذلك وقررت التأكد فهتفت: أكيد طول عمرنا متربين سوا وعايشين سوا

- نعم؟!

أسرت ضحكتها بصعوبة وجاهدت بشتى الطرق إخفاء نظرة السعادة الساكنة بمقلتيها فتابعت لعبتها قائلة

- في العزبة البيت جمب البيت، وهنا قاعد معانا أنا وجوري ومامتها ووالدته علشان ياخد باله مننا، هو الراجل بتاعتنا في غياب بابا و

لم تستطع أن تُكمل ما كانت تخطط له فقد توقفت عن الحديث حينما اقترب منها عماد بشدة وأصبح ملاصقاً لها فابتلعت ريقها بصعوبة وتساءلت بخوف

- هو في إيه؟ 
- في أنك مصرة تزعليني وأنا زعلي وحش أوي
- أن أن أنا ما عملتش حاجة، سألت ورديت عليك بس

شعر برغبة ملحة في الفتك بها ومع ذلك لم يستطع لمسها حتى لا يؤذيها فتراجع خطوات قليلة إلى الوراء ثم أدار جسده وأحضر الإبريق وبدأ في إعداد الشاي عله يهدأ قليلاً فقررت لمياء إنهاء الغضب الذي تملكه وأردفت

- جوري وأدم خطوبتهم بعد الترم التاني، عقبالك

هدأت النيران المشتعلة بداخله بمجرد سماعه لما قالت وبالرغم من ذلك لم يتفوه ولو بكلمة فتابعت: بيحبوا بعض من وعمرهم تسع أو عشر سنين، بيخاف عليها من الهواء ودايماً بيعاملها كأنها ملكة على عرش قلبه، وهي كمان بتعشقه ودايماً تقول هو سندي وأماني وأخويا وأبويا وكل حاجة ليا

- أنتِ طفولتي وشبابي... أنتِ عمري وساكنة أحلامي... متى كبرتِ حبيبتي وأصبحتِ ربيع أيامي... فأصبحت أتمنى رؤيتكِ ليلاً ونهاراً أمامي

اندهشت لمياء بشدة فما يردده هي خاطرة كتبتها داخل إحدى قصصها القصيرة وكانت بعنوان ملكت قلبي منذ الطفولة، وبالفعل كان عشق أدم وجورى ملهماً لها فابتسم على هيئتها وتابع

- من أجمل القصص في المجموعة بتاعتك، بس واضح أنها قصة حقيقية 
- أزاي حفظت كلامي وربطت بسرعة بين القصة والحقيقة؟ 
- سر المهنة حضرتكِ

أجابها مازحاً ثم حمل الصينية وغادر إلى الخارج فلحقت به وجلست إلى جوار جوري وتعمدت عدم النظر إليه حتى لا تفضحها عينيها وتُخبره بسرها الصغير وبمشاعرها تجاهه


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Tuesday, July 23, 2019

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان

جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الرابع عشر - بقلمي منى سليمان  

* سرقة واسترداد * 

انتظرت جوري حتى تأكدت من نوم والدتها ثم تركت الغرفة على عُجالة لتطلق العنان لدموعها الحبيسة طوال اليوم... كانت تبكي بحرقة لدرجة جعلت أدم يستمع إلى صوتها أثناء مروره من أمام بابها فطرقه ودلف قبل أن تسمح له بالدخول، وما أن وقعت عينيه على خاصتها التي تورمت من كثرة البكاء شعر بخنجر مسموم في قلبه فاقترب منها وسألها عن سبب البكاء لكنها لم تجيبه بل وقفت عن مقعدها وألقت بجسدها في صدره وهي مازالت تبكي وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق ثم ابتعدت عنه وكفكفت دموعها قائلة

- ماما تعبانة أوي وبتحاول ما تبيتش بس أنا حاسة بيها

تصادف مرور أحمد أمام الغرفة فشعر هو الأخر بالأسى على حال جوري وأحلام، وكاد أن يدلف إلى الداخل لكن سبقه أدم حينما قال

- أنتي قولتي الصبح هتستحملي علشان هي محتاجة مننا نقويها، وكنتي قوية فعلاً ولازم تفضلي قدامها قوية مهما حصل معاها، الفترة اللي هي فيها مؤقتة وهتعدي وهتكون أحسن، وصدقيني قوتك قدامها ومذاكرتك ونجاحك أكبر داعم ليها، أوعي تبكي أو تهملي دروسك أنتي كده بتقتليها بأيديكي

حركت جوري رأسها بتفهم وهي تزيل الدموع الساقطة من مقلتيها فابتسم لها أدم ليرسل إليها رسالة طمأنينة وتابع

- خلاص عيطتي بما فيه الكفاية، دلوقتي لازم تذاكري شوية وتنامي وترتاحي وماما الصبح هتبقى زي الفل 
- حاضر

ما أن قالت جوري كلمتها دلف أحمد إلى الداخل ثم اقترب من أدم وربت على كتفه قائلاً 

- كبرت وبقيت راجل يا أدم

غمز أدم إلى عمه بمشاكسة ثم تحدث مازحاً: وحضرتك كبرت وعجزت يا عمي

عقد أحمد بين حاجبيه واصطنع الغضب ثم ضرب أدم على مؤخرة رأسه وهتف

- لسانك ده عايز مقص 

ضحكت جوري على حرب المشاكسات التي انطلقت بينهما ثم قاطعتهما قائلة

- هسيبكم بقى وأروح أذاكر عند لمياء

حملت الكتب خاصتها وتركت الغرفة فتابعها أدم بعينيه حتى اختفت تماماً ثم تنهد بحرقة وجلس على حافة فراشها وهو يردد

- صعبانة عليا ومش عارف أعملها حاجة

جلس أحمد إلى جواره والحزن يظهر على قسمات وجهه: والله يا ابني أنا كمان قلبي بيتقطع عليها وعلى أحلام بس كله اختبار من ربنا، المهم خليك دايماً جمبها وحافظ عليها وبأمر الله من هنا لأخر السنة هعملكم خطوبة تتحاكى بيها الناس

أمسك أدم يد عمه وطبع على ظاهرها قبلة ثم شكره بامتنان فربت أحمد على كتفه وهتف

- أوعى في يوم تجرحها أو تكون أنت والدنيا عليها
- جوري جوه عيوني، تعرف يا عمي أكتر حاجة بخاف منها في الدنيا هي أني أخسرها
- ربنا وفق بين قلوبكم وبأيدك تحافظ عليها العمر كله بس قول يارب
- يارب

كان حوار أدم وأحمد حواراً هادئاً مفعم بالدفء والحنان الأبوي، أما حوار جوري ولمياء كان ضرباً من الجنون... 
دلفت جوري إلى الغرفة ووجدت لمياء غارقة في بحور القراءة لدرجة جعلتها لا تنتبه لدخولها فاقتربت منها على أطراف أصابعها ثم سرقت الكتاب من بين يديها فانتفضت لمياء عن الفراش وقالت بغيظ

- بطلي رخامة وهاتي الكتاب

نظرت جوري إلى الأسم المكتوب على الغلاف وشعار معرض الكتاب أسفله ثم رفعت رأسها وهتفت بمكر

- الله الله ده لسه بتاع المعرض الجاي، بقى ليكي special treatment (معاملة خاصة) يا دكتورة 

ركضت لمياء خلف جوري لتسترد ما أخذته فركضت جوري بدورها واعتلت الفراش وهي تضحك بأعلى طبقات صوتها ما أشغل غضب لمياء فلحقت بها لتبدأ حرب السرقة والاسترداد فدلفت جوري إلى الشرفة وقالت مازحة

- ما قولتليش ليه؟ 
- مكنتيش هنا، هاتي بقى هموت وأعرف مين القاتل

في ذات اللحظة كان عماد يجلس على أحد المقاعد بالشرفة لكن لمياء لم تستطع رؤيته فالحائط حال بينهما فاستمع إلى باقي الحديث في صمت 

- الرواية حلوة؟ 

تساءلت جوري فأجابتها لمياء بغيظ: حلوة أوي، هاتي بقى

اختبأت جوري خلف الأرجوحة واتخذت منها حصن أمان ثم تساءلت: طيب وصاحب الرواية أدهالك ليه قبل الكل؟ 

- مزاجه كده، هاتي يا رخمة

ابتسم عماد وحرك رأسه يميناً ويساراً على إجابتها النموذجية فتابعت جوري هجومها متسائلة

- مزاجه كده ولا قلبه قاله كده؟ 
- عارفه يا بت أنتي لما أمسكك هعضك 
- هو اللي بيحب جديد بيبقى عصبي كده أسأليني أنا

ابتسمت لمياء لا إرادياً فبادلتها جوري بأخرى وتابعت: هو يتحب الصراحة وسمارت كده في نفسه و

قاطعتها لمياء قائلة بحدة: أنتي يا بت لمي نفسك 

- الله الله ده إحنا بنغير كمان 
- جوررررري، هاتي الكتاب وأطلعي بره أوضتي
- خلاص خلاص هديكي الكتاب بس خليني معاكي في الأوضة بدل ما اقعد لوحدي أعيط

استشعرت لمياء الحزن المصاحب لنبرة صوت ابنة عمها فمطت شفتيها بضجر وتساءلت بقلق: ماما تعبانة؟ 

- شوية وأنا مخنوقة أوي

تقدمت لمياء منها وعانقتها فبادلتها جوري العناق بعد أن تجددت دموعها، وبمجرد أن ابتعدت عنها كفكفت دموعها وأعطتها الكتاب ثم أردفت

- خدي كملي روايتك وأنا هقعد أذاكر شوية
- أقولك أنا بقى الأحلى، تعالي نعمل فشار ونشغل فيلم رعب والصبح هكمل الرواية وأنتي النهارده بلاها مذاكرة مش هتركزي أصلاً وأنا كمان مليش مزاج أذاكر فنقضيها رعب وفشار، قولتي إيه؟ 

اختلطت دموع جوري بابتسامة خفيفة فأكملت إزالة الدموع عن وجنتيها وأجابتها بمشاكسة

- موافقة بس أعملي أنتي الفشار وأنا هروح أجيب طمطم ومامتك نرعبهم معانا، ديل؟ (Deal) 
- ديل (Deal) 

غادرن الشرفة وانطلقت كل واحدة منهن إلى المهمة الصعبة التي كُلفت بها فترك عماد مقعده وبداخله مشاعر مختلفة تجاه لمياء تجذبه نحوها أكثر وأكثر فهي خليط من الأنوثة والطفولة، الجدية والجنون، الغضب والحنان، التفوق العلمي والعملي إلى جانب خفة الظل، فابتسم بسعادة ثم دلف إلى الداخل ليُكمل قراءة القصص القصيرة خاصتها التي سرقته من نفسه وجعلته للمرة الأولى يعيش في عالم ساحر مليء بالرومانسية التي لم يكتب عنها يوماً أو بالأحرى لا يعترف بوجودها إلا عندما اقتحم عالمها الخاص من خلال ما كتبت

*****

أوقفت فاتن سيارتها داخل أسوار منزلها ثم تنفست بعمق وهي تكاد لا تصدق أنها تحررت من ذلك العجوز، ترجلت على الفور وحملت حقيبة يدها ثم أشارات إلى الحارس وطلبت منه إحضار حقيبة سفرها فنفذ على الفور وأحضر الحقيبة ثم صعد الدرج لوضعها داخل غرفة فاتن التي جلست على أقرب مقعد لشعورها الشديد بالتعب والإرهاق، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى عاد الحارس وبيده حقيبة سفر تُشبه خاصتها فتساءلت بحدة

- مش قولتلك حطها في أوضتي، نزلت بيها تاني ليه؟ 

شرع الحارس أن يجيبها لكن سبقته سهيلة عندما قالت وهي تهبط الدرج: دي بتاعتي أنا 

انصرف الحارس فوقفت فاتن عن مقعدها واقتربت من والدتها وعانقتها فبادلتها سهيله العناق وهي تردد

- معلش لازم أسافر حالاً عندي شغل مهم
- كان نفسي أقعد معاكي بس شغلك أهم
- معلش مض هتأخر يومين تلاته بالكتير وهرجع، أبقي كلمي فريد جه هنا وعمال خناقة زي عادته

لوت فاتن ثغرها بضجر وهتفت: أنا راجعه تعبانه مش هستحمل محاضراته الأخلاقية، هطلع أنام وارتاح وبكرة هبقى أجهز نفسي للمحاضرة وأكلمه

- أوك براحتك، أنا لازم أمشي باي 

انتظرت فاتن حتى غادرت والدتها ثم صعدت إلى غرفتها وأفرغت على الفور محتويات حقيبتها ثم خبأت عقد زواجها بمكان لا يستطيع أحد الوصول إليه تحسباً لأي طارئ وخبأت كذلك السندات المالية على أن تذهب صباحاً إلى البنك لصرفها ثم أراحت جسدها على الفراش وتمتمت بوهن

- أخيراً هنام براحتي

خلال لحظات قليلة استسلمت إلى النوم كمن لم يتذوق نكهته منذ عدة أشهر 

*****

مضى الليل سريعاً وسطعت شمس يوم جديد حاملة معها المزيد من المشاعر والمفاجأت والنظرات والهمسات... 
في التاسعة والنصف صباحاً غادرت جوري برفقة لمياء ليذهبن إلى الجامعة بينما بقى أدم ليذهب برفقة عمه إلى البنك لإنهاء مجموعة من المعاملات المالية... بالخارج وقفت لمياء في انتظار المصعد فابتسمت جوري بخبث حينما رأت عماد يقترب ثم وكزت ابنه عمها في معصمها وقالت

- سيدي يا سيدي على الصدف وجمال الصدف وشياكة الصدف
- أتهدي شوية بقى

اقترب عماد منهن وابتسامة ساحرة تزين ثغره ثم ألقى تحية الصباح فردتها لمياء بينما اصطنعت جوري البحث عن هاتفها ثم زمت شفتيها بضيق وهتفت

- نسيت الفون جوه، أنزلوا أنتوا علشان ما نعطلش الأسانسير وأنا هجيبه وأحصلك يا لمياء

فهمت لمياء ما فعلته جوري جيداً وكذلك عماد لكنه اصطنع عدم الفهم وفتح باب المصعد فسبقته لمياء ودلفت فلحق بها وأغلق الباب ثم ضغط زر الطابق الأرضي وسألها بهدوء 

- عامله إيه؟ 
- كويسه الحمد لله وحضرتك؟ 

رفع أحد حاجبيه باستنكار وأجابها مازحاً: حضرتي بخير

وجهت نظراتها نحو الأرض حتى لا يرى ابتسامتها فتابع: هتيجي الدار النهارده؟ 

- بأمر الله، عندي بس سيكشن عملي هخلص وأجي على طول، القصص عجبتك؟ 

تلاعب عماد بقسمات وجهه فظنت أن قصصها لم تلقى لديه القبول وأردفت بنبرة صوت حزينة

- شكلهم مش حلوين وضيعت وقت حضرتك على الفاضي، آسفة

كاد عماد أن يتحدث لكنه توقف حينما استقر المصعد في الطابق الأرضي فغادر وانتظر حتى غادرت ثم أغلق الباب ومضى برفقتها إلى الخارج دون أن يتفوه ولو بكلمة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وتمتمت بخفوت

- للدرجة دي القصص بتاعتي وحشة، ده مش طايق يقولي كلمة و

بترت كلمتها عندما وصلت أمام السيارة فنظر عماد إلى الدموع الساكنة داخل عينيها وشعر بالحزن لأجلها فقال بصوت هادئ

- القصص أكثر من رائعة و النهارده هنمضي عقد القصص والخواطر
- بجد؟!!! 
- أكيد بجد، سهرت طول الليل أقرأ وأنا مستمتع، لما تيجي الدار نتكلم أفضل من الشارع

حركت رأسها بتفهم فودعها بابتسامة خفيفة ثم ارتدى نظارته الشمسية ودلف إلى سيارته وخلال لحظات قليلة انطلق بها فاقتربت جوري من لمياء ووكزتها في كتفها قائلة

- أي خدمة، ما ردتش أكبس على نفسكم
- بجد أنتي مجنونة رسمي

ضحكت جوري بجنون فشاركتها لمياء ثم استردت أنفاسها وتابعت: يلا يا مجنونة هنتأخر 

****

بعد مرور ما يقارب نصف الساعة انصرف أدم برفقة أحمد الذي ما أن ركب السيارة نظر إلى أدم وقال 

- أمك مش مبسوطة خالص يا أدم من موضوع التمثيل واشتكتلي
- يا عمي ده حلمي، حضرتك سبت سعد يسافر بالرغم أننا الحمد لله مش محتاجين فلوس بس هو حب يعتمد على نفسه، حتى لمياء سمحتلها تطبع كتاب خواطر والنهارده هتمضي العقد وجوري كمان عمر ما حد مننا قالها لا على حاجة، ليه أنا حلمي ممنوع

ربت أحمد على كتفه ليهدأ من انفعاله المصاحب لنبرة صوته فهدأ أدم قليلاً وتابع

- أسف أني انفعلت بس ده حلم حياتي
- أمك خايفة عليك يا ابني من المجال ده، نفسها تكون حياتك هادية
- عارف بس أنا كبرت ومن حقي اختار حياتي
- المهم تثبتلها ده وتهتم بدراستك زي التمثيل ومهما حصل لا تتغير ولا تتكبر

حرك أدم رأسه بتفهم ثم طبع قبلة على ظاهر يد أحمد وخلال دقائق قليلة انطلق بالسيارة إلى وجهته وبداخله إصرار على تحقيق حلمه وإثبات نجاحه لوالدته علها تقتنع بموهبته

*****

دلفت الخادمة إلى الغرفة ثم اقتربت من فاتن وحاولت إيقاظها فزفرت بضيق ثم اعتدلت في جلستها وتساءلت بحدة وصوت عالِ

- إيه يا غبية أنتي، بتصحيني ليه؟ 
- الأستاذ فريد على التليفون ومصمم يكلم حضرتك

اعتدلت فاتن في جلستها ثم زفرت بضيق وأشارت إلى الخادمة لتقترب ثم أخذت الهاتف وأعادت فتح الصوت وأجابت قائلة

- صباح الخير Dad
- كويس أنك لسه فكراني

لوت ثغرها بضجر ولم تتفوه ولو بكلمة فتوقع فريد سبب صمتها وأردف

- طبعاً كلامي مش عاجبك، ما خلاص أتنسيت وأتنست حقوقي كأب بنته غايبة بقالها أسبوع وميعرفش عنها حاجة 

قال كلماتها بحدة وصوت عالِ كان كفيل بإزعاج فاتن التي وضعت يدها على رأسها لشعورها بألم حاد يكاد أن يفتك برأسها وانتظرت حتى أنهى والدها وصلة التوبيخ المعتادة ثم تحدثت بهدوء قائلة

- آسفة دادي كنت في رحلة مع صحباتي وكنت بتصل بمامي كل يوم بس وعد بعد كده قبل ما أسافر هقولك وهتصل بيك كل يوم 
- ماشي يا فاتن، بس يكون في علمك لو اللي حصل أتكرر يبقى تنسي أن ليكي أب

أخذت فاتن تفرك جبينها بأطراف أناملها وهتفت: خلاص داد ما تزعلش، أقولك إيه رأيك نتغدى سوا في النادي؟ 

- مش هينفع عندي بروفة جنرال، لو يهمك تشوفي فن راقي ومحترم تقدري تيجي 
- أوك داد هاجي يمكن تديني دور ولا حاجة

قالتها مازحة فحرك فريد رأسه يميناً ويساراً بأسى ثم قال بحزم: خلصي جامعتك وبعدها أبقى أديلك دور ده كان إتفاقنا من الأول وعمري ما هغيره، سلام 

أنهى فريد المكالمة ثم هبط الدرج ليتناول طعام الإفطار برفقة زوجته، بينما ألقت فاتن بالهاتف إلى جوارها وتمتمت ببعض كلمات غير مفهومة ثم أكملت نومها وكأن شيئاً لم يكن

***** 

بالجامعة... 
كانت جوري شاردة بشدة حتى أنها لم تنتبه لكل ما قاله المحاضر فقد كانت تفكر في والدتها ولكن قاطع شرودها اهتزاز هاتفها فأخرجته من حقيبتها لتجد رسالة من حبيبها المشاكس 

(وحشتيني) 

نست حزنها تماماً وكتبت (خلصت ولا لسه؟) 

(لا لسه بدري، بس لو خلصت هجيلك) 

قرأتها وابتسمت ثم كتبت (لسه عندي محاضرات كتيررررر، روح ارتاح أحسن) 

(بحبك) 

خفق قلبها بسعادة وبادلته الكلمة بأخرى ثم أعادت الهاتف إلى الحقيبة وتذكرت كلماته عندما أخبرها أن نجاحها سيكون أكبر داعم لوالدتها فبدأت تنتبه لما يقوله أستاذها الجامعي وتدون كل كلمة كما اعتادت دائماً 

****

في الواحدة ظهراً توقف السائق أمام مقر دار الحكمة للنشر والتوزيع فترجلت لمياء وهي تشعر بالسعادة والتوتر في آن واحد... استجمعت شجاعتها ودلفت إلى الداخل فاستقبلها سامي بترحاب وسمح لها بالدخول تنفيذاً لتعليمات عماد فطرقت الباب ودلفت إلى الداخل لكنها لم تجد عماد في استقبالها فقد كان يصلي فرضه ما زاد إعجابها به... جلست على أحد المقاعد في انتظاره وخلال دقائق قليلة قليلة فرغ ووقف عن الأرض ثم اقترب منها مُرحباً فبادلته بابتسامة رقيقة وقالت

- آسفة علشان دخلت بس أستاذ سامي قالي أدخل و

قاطعها عماد قائلاً: أنا قولتله أول ما توصلي تدخلي على طول، قولتلك قبل كده أنتي مش زي أي حد

خجلت بشدة وظهر ذلك بوضوح على قسمات وجهها ووجنتيها المائلة للحمرة فقرر تغيير مجرى الحديث

- عجبتك الرواية صحيح؟ 
- مقدرتش أكملها للأسف، فاضل ٢٥ صفحة هخلصهم النهارده بأمر الله
- أكيد كنتي مشغولة بالليل

تساءل بمكر فهو يعلم جيداً كل ما حدث بالأمس فأجابته ببراءة: فعلاً انشغلت شوية مع أني متشوقة أعرف مين القاتل

- تحبي أقولك؟ 
- لا لا لا لا 

قالتها بجنون خوفاً من حرق الأحداث فرفع يديه لأعلى باستسلام ليشاكسها قليلاً فابتسمت على فعلته وأردفت

- عايزه أكملها قراءة مش بحب حد يحكي
- وأنا زيك بس قولت أساعدك شوية و

بتر عماد كلمته عندما طرق سامي باب غرفة المكتب ودلف إلى الداخل ثم اقترب منه وثنى جزعه قائلاً بصوت خفيض يكاد أن يكون أقرب إلى الهمس

- في واحدة بره ومصممة تقابل حضرتك 
- واحدة مين؟ 

تبدلت قسمات وجه سامي وأجاب بصوت مرتعش: واحدة جت مرتين لما حضرتك كنت في الأجازة و و و

تردد سامي في قول المزيد فوقف عماد عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وطلب من سامي اللحاق به وتساءل: أوعى تكون هي؟ 

- لا مش هي بس اللي بره تشبهها أوي

كور عماد قبضة يده وتطاير الشرار من مقلتيه فابتلع سامي ريقه بصعوبة وغادر على عُجالة فلحق عماد به بعد أن اعتذر من لمياء، وبالخارج تأكدت شكوكه عندما وقعت عينيه على المرأة التي تقف في انتظاره فاقتربت منه وتساءلت بهدوء 

- أزيك يا عماد؟ 


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

جوري/ منى سليمان

July 23, 2019 0
جوري/ منى سليمان
جوري ( الوردة الحمراء ) - الحكاية الثانية لثلاثية قدر النساء

الفصل الثالث عشر - بقلمي منى سليمان  

* قصص قصيرة * 

لحق عماد بطبيبته الغاضبة لكنها اصطنعت عدم الاهتمام وأجرت اتصالاً هاتفياً بسائقها لتعلم منه سبب اختفائه فأحبرها أنه ذهب إلى أقرب محطة بنزين لتزويد الإطارات بالهواء وسيعود خلال دقائق قليلة فأنهت المكالمة ووقفت في انتظاره ضاربة عرض الحائط بنظرات عماد المصوبة نحوها فاقترب منها وهتف بدون سابق 

- هتفضلي مخصماني كده كتير؟ 

عقدت ذراعيها أمام صدرها وتحدثت بنبرة صوت تحمل الغضب والغيط بطياتها

- أنا مش مخاصمة حد

كاد أن يبتسم على طريقتها الطفولية عند الغضب لكنه لم يرغب في زيادته فأسر ابتسامته وقال بجدية مصطنعة

- بلاش مخصماني، نقول زعلانة مني
- مش زعلانة من حد

رددت كلماتها دون أن تنظر إليه وهي مازالت تعقد ذراعيها أمام صدرها لكن تلك المرة عقدت بين حاجبيها أيضاً فتنحنح قائلاً 

- أنا عارف أني سريع الغصب بس ده طبع فيا يمكن مع الوقت أغيره، ومع ذلك مش بعترف بغلطي ولا عمري اعتذرت لحد زعلته وقت غضبي غيرك أنتي، عارفه ليه؟ 

كان قلبها يخفق بسرعة جنونية مع كل كلمة من كلماته، وما أن وصل سؤاله إلى مسامعها حركت رأسها يميناً ويساراً كإشارة بالنفي فنظر مُباشرةً إلى عينيها  تابع بصوت دافئ

- علشان أنتي بالنسبالي مش أي حد 

نست غضبها تماماً وارتسمت ابتسامة أسرة للقلوب لتزين وجهها قبل شفتيها فشعر عماد بالسعادة لرؤية البريق المنبعث من عينيها فكانت كسهام العشق التي تخترق القلب بدون سابق إنذار، وبقى يطالعها في صمت حتى صدح صوت رنين هاتفها فأجابت على الفور

- جيت؟ 
- أنا واقف عند الباب الرئيسي 
- تمام لحظة وجايه

أنهت المكالمة ثم نظرت إلى عماد وأردفت برقة: السواق جه ولازم أمشي، باي

ابتعدت على عُجالة بعد أن لوحت بيدها مودعة فتابعها بعينيه وبداخله شعوراً جديداً لم يتذوق نكهته يوماً، وبمجرد أن اختفت تماماً عن نظره، وضع نظارته الشمسية واتجه نحو سيارته ثم انطلق إلى الدار ليباشر عمله الذي تعطل لعدة أيام

****


في ذات اللحظة أوقف أدم سيارته على مقربة من المشفى فاندهشت جوري بشدة وتساءلت

- وقفت ليه؟ 
- النهارده أول جرعة لماما أحلام، وأول مرة هتشوفيها تعبانه هتقدري تستحملي ولا 

قاطعته قائلة: هستحمل يا أدم ومهما شوفتها تعبانة مستحيل أبكي هي محتاجة لينا علشان نقويها مش نضعفها

رفع أدم أحد حاجبيه وهو يكاد لا يصدق ما قالته فالجالسة إلى جواره فتاة ناضجة قوية وغير قابلة للكسر، في حين يراها دائماً طفلة رقيقة بجسد فتاة كبيرة تحتاج دائماً إلى من يرعاها ويحميها، فاندهشت من جديد من شروده وسكونه وسألته ببراءة

- بتبصلي كده ليه؟ 
- فرحان بيكي وبقوتك

غمز لها بمشاكسة وتابع: عقبال ما تبطلي خجل

- أنت قليل الأدب أوووي

قالتها بطريقة تمثيلية جعلت ابتسامته ترتسم لا إرادياً فاصطنعت الغضب وأردفت بحزم

- أتفضل وصلني 
- تمام يا فندم

أدارمحرك السيارة وانطلق من جديد إلى أن وصل أمام المشفى فترجلت جوري وسبقته إلى الداخل واستقبلت المصعد إلى الطابق الرابع حيث تتلقى والدتها أولى جرعات علاجها، وما أن وصلت إلى وجهتها وغادرت المصعد وجدت الطبيب الشاب الذي قابلته منذ عدة أيام يقف على مقربة منها فاصطنعت عدم الاهتمام وأكملت طريقها إلا أنه استوقفها قائلاً 

- خير، راجعة المستشفى ليه؟ 
- ماما بتاخد أول جرعة، بعد إذنك

همت أن تبتعد لكنه سبقها وقال: ما تقلقيش هتبقى كويسة

- أنا مش قلقانه لأني بثق في ربنا و

بترت كلمتها عندما توقف المصعد وخرج أدم منه فتسارعت نبضات قلبها خوفاً من رد فعله ولم تمض سوى لحظة واحدة حتى استقر أدم إلى جوارها وأحاط ظهرها بذراعه ثم سألها بهدوء مصطنع

- في حاجة يا قلبي؟ 

تضاربت المشاعر بداخلها بين الخوف من هدوء أدم والسعادة لوجوده إلى جوارها ليخلصها من الكائن الواقف أمامها فاستجمعت ربلط جأشها وأجابته برقة

- لا يا حبيبي مفيش حاجة، الدكتور افتكر ماما تعبانه وبيسأل عليها

رفع أدم رأسه قليلاً ورمق الطبيب بنظرة غيظ ومع ذلك ردد بهدوء: طيب مش هنعطلك عن شغلك وشكراً على سؤالك

- العفو، بعد إذنكم

قالها الطبيب باقتضاب ثم ابتعد مُسرعاً بعد أن فهم الرسالة جيداً فعضت جوري على شفاها السفلى وتساءلت

- زعلان مني؟ 
- لا

كانت إجابته قصيرة لدرجة أكدت لها الغضب المتملك من حبيبها الذي يغار عليها من نسمات الهواء فقالت

- هو اللي جه يتلزق فيا وكنت لسه هديله على دماغه

تغلبت طريقتها الطفولية في الحديث على غيرته فابتسم وردد مازحاً 

- ماشي يا شرس، قدامي نشوف لولي وطمطم فين

مضت معه والسعادة تسري بداخلها فللمرة الثانية يتغلب على غضبه ولا يعنفها كعادته خوفاً من فقدانها فتنهدت براحة وتمتمت بخفوت

- يارب يفضل سندي العمر كله

***

بالفندق...
كانت فاتن تتناول طعام الغداء برفقة هشام الذي كان يأكل بنهم مثير للاشمئزاز فتوقفت فجأة عن الأكل وقالت

- أنا شبعت هقوم أجهز شنطتي وأنام شوية
- ما أكلتي
- مش جعانه

وقفت عن مقعدها وهمت أن تبتعد فوقف هشام عن مقعده وتأملها بوقاحة جعلتها تفهم ما يرمي إليه فسبقته وأردفت

- أبو عبد الرحمن أنا جسمي كله مكسر وحقيقي مش هستحمل
- ما ضل غير اليوم خلينا نستمتع
- لما أنام وأصحى يبقى ربنا يحلها 

تركته ودلفت إلى الغرفة ثم أراحت جسدها على الفراش فلحق بها على الفور وجلس إلى جوارها على حافة الفراش وهتف

- شو رأيك نمدد العقد أسبوع كمان؟ 

كتمت شهقاتها بصعوبة فقد كانت تعد الأيام لتتخلص منه لكنها رسمت الجمود على قسمات وجهها وأجابته بثبات

- مش هيتفع، عندي شغل لشهرين قدام
- خسارة 
- ما تزعلش لما أصحى هبقى أودعك وداع عمرك ما تنساه

لمعت عينيه فزفرت فاتن بحرقة بعد أن خبأت وجهها بالوسادة ثم تمتمت في نفسها

- الله يهدك، أسبوع ده أنا حاسه الكام ساعة الفاضلين هيمروا سنين

***

في ذات الوقت كانت سهيلة تحتسي أكواب الخمر بجنون فذهب عقلها بلا رجعة وبدأت تترنح بالرغم من حلوسها، أشعلت إحدى سجائرها وبدأت تتفس دخلنها وهي تتناول الكوب ثم ألقت به على الأرض فتهشم إلى قطع صغيرة لكنها لم تهتم ورددت بحرقة

- كده يا محسن، ده أنا عمري ما حبيت فريد قد ما حبيتك

حملت زجاجة الخمر وبدأت تشرب بطريقة هسترية حتى تناولتها بالكامل ثم وضعتها على المنضدة وحملت سيجارتها وتركت مقعدها وخلال لحظات قليلة تناولت هاتفها واتصلت بمحسن الذي كان يساعد زوجته لإعداد طعام الغداء ليُدللها ويُنسيها ما فعله، لكنه ما أن صدح صوت رنين هاتفه تبدلت ملامحه فعلمت زوجته هوية المتصل أو بالأحرى المتصلة قبل أن ترى ذلك فقالت بثبات

- رد عليها يمكن عايزه حاجة
- فرح أنا

قاطعته قائلة: عادي يا محسن رد عليها، خلينا نقفل الصفحة بكل اللي فيها

زاد إعجاب محسن برقي تفكير زوجته فأجاب المكالمة قائلاً: نعم يا سهيلة، في إيه؟ 

- طلقتني ليه؟ ده أنا بحبك
- سهيلة من فضلك ما تتصليش بيا تاني، جوازنا كان غلطة وأتصلحت
- غلطة؟!! حبي ليك وجوازنا غلطة

كانت تتحدث بطريقة مريبة جعلت محسن يشك في تناولها للخمر فتحدث بحدة وصوت عالِ جعل جسد فرح ينتفض

- أنتي سكرانه وجايه تخربي بيتي تاني، أخر مرة تتصلي ولو ما فهمتيش ده بالذوق هضطر أفهمه ليكي بالعافية

لم ينتظر ردها وأنهى المكالمة ثم نظر إلى زوجته ليعتذر منها فتفاجأ بنظرة الهلع الساكنة داخل مقلتيها 

- مالك يا عمري؟ 
- أول مرة أشوفك عصبي كده

اقترب منها وجذبها إلى صدره ثم طوقها بذراعيه وضمها بكل الحنان الكائن بداخله فتمسكت به وسكنت كذلك بين أحضانه، وبقت على تلك الحالة لعدة دقائق قطعها حينما قال

- أسف لو خوفتك، بس أنا غلطت مرة ومستحيل أغلط تاني لأني بحبك ومقدرش أخسرك
- بجد يا محسن؟ 
- بجد يا قلب محسن

شعر بسعادتها عندما شددت في احتضانه فعلم أنها تريد الاختباء بداخله، أما على الطرف الأخر انتابت سهيلة حالة هسترية وبدأت في تكسير كل ما يقابلها ثم جلست على الأرض تبكي لشعورها بالحنين للمساته وللدفء الذي كانت تشعر به وهي بين أحضانه ولكن هيهات فقط حفرت الحفرة لغيرها وسقطت هي في بركان الشر خاصتها

****

في الرابعة عصراً شعر عماد بالملل والإرهاق فقرر العودة إلى المنزل للحصول على قسط من الراحة وخلال دقائق ليست بالقليلة وصل إلى وجهته فخفق قلبه بطريقة لم يعتادها من قبل عندما رفع بصره لأعلى ورآها تقف بالشرفة... دلف مُسرعاً إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته ثم ركض إلى غرفته متناسياً تعبه، لكن سعادته لم تكتمل فقد سبقته وعادت إلى الداخل فزفر بضيق وحل رابطة عنقه ثم جلس على أحد المقاعد وأخرج هاتفه بعد أن قرر مراسلتها

(نمتي) 

قرأتها وابتسمت لكنها تردد في الرد ففاجئها برسالة جديدة

(كنت عايز أديكي روايتي لو لسه عايزه تقرأيها) 
(أكييييييييد عايزه أقرأها) 

أرسلتها على الفور فشعر براحة تغمره وأرسل 

(مستنيكي في البلكونة) 

تركت فراشها على الفور ودلفت إلى الشرفة ثم تقدمت منه وصدرها يعلو ويهبط لشعورها الشديد بالخجل، وقبل أن تصل إلى نهاية الشرفة وقفت لتلتقط أنفاسها وتُهدى التوتر الذي تملكها ثم أكملت خطواتها لتجده بالفعل يقف في انتظارها فقالت برقة 

- مساء الخير
- مساء النور، عامله إيه؟ 
- كويسه، وأنت أيدك عامله إيه دلوقتي؟ 

تنهد براحة وأجابها: هفك الخياطة بكرة

- أبقى خد بالك بعد كده
- حاضر

قالها بنبرة صوت دافئة لم يعتادها من قبل فارتبكت من جديد وتحدثت بصوت مرتعش

- ف فين الرواية؟ 
- لحظة هجبها من جوه، النهارده استلمت أول طبعة

ابتسمت له فبادلها بأخرى ثم تركها ودلف إلى الداخل وخلال دقائق قليلة عاد إليها ووجدها تتحدث إلى سعد فشعر بقليل من الغضب ومع ذلك جاهد بشتى الطرق أن يخبئ ذلك حتى لا يُغضبها مرة أخرى، ولم تمض سوى دقائق قيلة حتى أنهت المكالمة فقال بغيظ ملحوظ 

- واضح أنتي وهو قريبين أوي من بعض، طول المكالمة ضحك وهزار

شعرت لمياء بالرضا لاستشعارها الغيرة المصاحبة لصوته فقد تعمدت الضحك والمزاح حتى ترى رد فعله وبالنهاية نالت ما تمنت فأجابته بتلقائية 

- سعد أخويا وصحبي وأوقات بحسه أبويا، طبعه زي طبع بابا بالظبط وطول عمره بيخاف عليا من الهواء و

قاطعها قائلاً بغيظ: ربنا يخليكم لبعض

- يارب

قالتها بصعوبة وهي تأسر ابتسامتها ثم مدت له يدها وتابعت: الرواية 

بدت كطفلة شقية تطلب من أبيها الجائزة الكبرى التي وعدها بها فابتسم عماد لا إرادياً متناسياً الغيرة التي كانت تتأكله منذ لحظات فأعطاها ما بيده ثم تحدث بجدية 

- أول مرة أطبع كتابي قبل المعرض بتلات شهور، بس قولت تقرأي من الكتاب أفضل علشان عيونكِ ما يتعبوش 
- ميرسي، هسهر عليها النهارده وبكرة هقولك رأيي
- ينفع أكلمك قبل ما أنام؟ 

أخذت تفرك جبينها بأطراف أناملها واصطنعت التفكير العميق فخفق قلبه لشعوره الشديد بالانجذاب نحوها ورغبته في البقاء معها إلى ما لا نهاية، لكنه فاق من شروده بطفولتها حينما أجابته بمرح طفولي

- موافقة، باي

لم تنتظر رده ودلفت مُسرعة إلى الداخل فتابعها بعينيه حتى حال الحائط بينهما وردد بخفوت

- باي 

دلف إلى الداخل والسعادة تغمره فقد وجد المرأة للتي استطاعت هزم ماضيه وملأ حياته البائسة لكن شعوره لم يدوم طويلاً حيث طاردته الأفكار وبدأ يترنح يميناً ويساراً كمن شرب الخمر لأيام وأيام فوضع رأسه بين كفيه وتمتم 

- كفاية كفاية

لم يكن رجائه كافياً فبدأ صوت ما يجول في رأسه مردداً وبقوة: هتخونك 

فتح عينيه أو بالأحرى جحظت عينيه وركض مُسرعاً إلى العلبة الموضوعة إلى جوار فراشه ثم التقطها على الفور وتناول دوائه فهدأ قليلاً واستسلم إلى النوم خلال لحظات قليلة وهو يردد بوهن

- بلاش تطلعي زيهم، خليكي جمبي

احتضن جسده كطفل صغير يحتاج إلى الأمان ثم توقف عن الكلام ونام والسكينة تملأ قلبه

****

بالمشفى... 
غادرت جوري غرفة والدتها ثم اقتربت من أدم وجلست إلى جواره واضعة رأسها على كتفه فعلم أن الحزن الكائن بداخلها عميق وقرر تغيير الواقع 

- ماما لسه قدامها ساعتين ونمشي، إيه رأيك ننزل وكده كده طمطم معاها
- هنروح فين؟ 
- محتاج أجيب هدوم للدور بتاعي في المسرحية وأكيد هتختاري ليا هدوم حلوة، قولتي إيه؟ 

حركت رأسها بالموافقة ثم تحدثت مازحة: وتكتب أسمي على التتر وأبقى الأستايلست بتاعك

ضربها بخفة على رأسها وهتف: موافق يا ظريفة بس الكلام ده لما أبقى بطل في فيلم أو مسلسل، مش حته كومبارس على خشبة المسرح

- بكرة هتكون نجم جيل بحاله ومعجباتك طوابير، أوعى أنت بس تنساني و

بترت كلمتها عندما رفع أحد حاجبيه بتوعد فابتسمت وتابعت: بقول نقوم نشتري الهدوم

- قدامي يا لمضه، قال أنساكي قال، أنا أنسى روحي وأنتي لا

غمز لها بمشاكسة ثم وقف عن مقعده فوقفت هي الأخرى ومضت برفقته إلى مركز تجاري ضخم وبدأت بالفعل تنتقي له ملابس أظهرت وسامته بوضوح

****

بالفندق... 
اتنهت فاتن من حزم حقائبها ثم أبدلت ثيابها وغادرت الغرفة فاستقبلها هشام بعقد من الألماس ثم اقترب منها وألبسها إياه لكنه لم يبتعد بل طبع قبلة على كتفها وهمس

- رح أشتاجلك
- وأنا

قالتها بنبرة صوت صادقة لكنها لم تكن تقصده بل تقصد الهدايا والمبالغ المالية الطائلة التي حصلت عليها خلال أسبوعاً واحداً، فأدارها إليه قائلاً 

- خلينا نمدد العقد
- حقيقي مش هقدر
- يبقى أمت ما بدك أتصلي وبچيكي
- عيوني

قالتها بدلال جعله يلتهم شفتيها فبادلته قبلاته وهي على وشك الاختناق ثم ابتعدت عنه بصعوبة فطلقها كما إتفق معها لتشعر بالحرية من جديد، وخلال لحظات قليلة غادرت الجناح واستقلت سيارتها ثم انطلقت وهي تردد

- وأخيراً خلصت منه

****

في العاشرة والنصف مساءاً عادت أحلام إلى المنزل وبقت جوري جالسة إلى جوارها فجلست لمياء معها حتى الحادية عشر والنصف ثم عادت إلى غرفتها لتُكمل قراءة الرواية... ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى صدح صوت رنين هاتفها فتسارعت نبضاتها لمجرد ظهور أسمه على شاشة الهاتف، ومع ذلك تنفست بعمق وأجابت بثبات

- السلام عليكم
- عليكم السلام، خلصتي ولا؟ 
- فاضلي ٥٠ صفحة بس، وحقيقي الرواية تحفففة هموت وأعرف مين القاتل
- بعد الشر عليكي

ما أن وصلت كلماته إلى مسامعها، شعرت بهروب الكلمات فصاد الصمت للحظات قطعها حينما تابع

- هو أنا بضايقك بوجودي؟  
- لا خالص

شعر عماد بالربيع يعود إليه من جديد بعد سنوات الخريف التي عاشها ومع ذلك لم يرغب في إظهار مشاعره أكثر فقرر تغيير مجرى الحديث قائلاً 

- إيه رأيك بكرة نمضي عقد كتابك وأبدأ شغل فيه؟ 
- بجد؟ 

حرك رأسه يميناً ويساراً على جنونها وأجابها بجدية: أكيد بجد

- موافقة، بس كنت عايزه أقول لحضرتك على حاجة
- حضرتك؟!! 

هكذا تمتم في نفسه بغيظ ثم هتف مازحاً: قولي لحضرتي حاجة

فهمت لمياء ما يرمي إليه فابتسمت وقالت: أنا كنت بكتب قصص قصيرة قبل الخواطر، لو ينفع نطبعهم بدل الخواطر حقيقي نفسي يخرجوا للنور و

قاطعها قائلاً: هقرأهم ولو عجبوني هطبعلك الأتنين

أخذت ترمش عدة مرات وهي تكاد لا تصدق ما سمعته فتوقع عماد هيئتها وتابع 

- قدامك دقيقتين والقصص تكون عندي، بدل ما أغير رأيي
- بجد ميرسي ميرسي ميرسي، أنا ممكن أطبع الخواطر والقصص على حسابي بس يكونوا من الدار لأنه شرف ليا بجد أبدأ مع أسم زي حضرتك
- يادي حضرتك

تمتم في نفسه مرة أخرى ثم اتجه صوب الشرفة ووقف في انتظارها فاقتربت منه وسلمته الأوراق الخاصة بها فأخذهم ثم تحدث إليها عبر الهاتف وهو ينظر مُباشرةً إلى عينيها

- الدار بتتكفل بكل مصاريف النشر، سمعاني ياللي لسه على الخط؟ 

اتسعت ابتسامتها على مشاكسته لها فأبعدت الهاتف عن أذنها ثم أنهت المكالمة وأجابته

- سمعاك
- نسيتي تقولي حضرتك على فكرة

علمت جيداً أنه يشاكسها فقالت بجدية مصطنعة: هدخل بقى أكمل قراءة كتاب حضرتك

- وأنا هدخل حالاً أقرأ قصص حضرتكِ

ازدادت ابتسامتها إتساعاً فجنونه لا يتوقف أبداً، فبادلها بأخرى ثم ودعها ودلف إلى الداخل شوقاً لقراءة أفكارها والبناء الدرامي والحبكة الخاصة بها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف