سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

سحر الأبجدية للنشر و التوزيع الالكتروني

مدونة سحر الأبجدية للنشر والتوزيع الالكترونى

Monday, March 18, 2019

طريقي بقربك/ منى سليمان

March 18, 2019 0
طريقي بقربك/ منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثالث والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غيرة *

غادرت أمل غرفة الرعاية بناءاً على طلب الطبيب ليعاين حسام ثم اقتربت من أمير الذي كان مازال يغفو جالساً على المقعد، ربتت على كتفه ففتح عينيه بفزغ وتساءل بقلق

- حصل حاجة؟ 
- حسام فاق والدكتور عنده جوه
- الحمد لله، تعالي أقعدي وأرتاحي شوية وأنا هتصل أطمنهم

حركت رأسها بالموافقة ثم جلست إلى جواره فأمسك هاتفه وأجرى اتصالاً بهاتف وعد فأجابت قائلة

- طمني
- الحمد لله فاق والدكتور عنده دلوقتي
- الحمد لله، حنين منهارة جداً وماما سلوى خدتها تنام معاها حتى ماما سوسن هنا محدش قدر يروح
- طمنيهم أنه بخير 

قالها ووقف عن مقعده ثم ابتعد قليلاً وهتف: وحشتيني

ارتسمت ابتسامة ساحرة هل ثغرها وبادلته كلمات الشوق ثم أنهت المكالمة وغادرت جناحها لتُطمئن الجميع

********

مع الساعات الأولى للصباح غادر أمير المشفى ليعود إلى منزله بعد أن فشلت جميع محاولاته في إقناع أمل بالمغادرة... ودعت شقيقيها وعادت إلى غرفة الرعاية وما أن رآها حسام تقترب، مد لها يده فلم تتردد ولو لدقيقة في الإمساك بها... جلست على المقعد المجاور للفراش وتأملته في صمت فتساءل

- بتبصيلي كده ليه؟ 
- شكلك متبهدل أوووووووي

قالت كلمتها الأخيرة بطريقة تمثيلية فابتسم بصعوبة وهتف مازحاً: أحمدي ربنا أني رجعت، كان زماني مدفون من بدري

لم تشعر بنفسها إلا وهي توكزه في كتفه لشعورها بالغضب فتأوه بشدة لكنها لم تهتم وأدارت وجهها صوب الطرف الأخر فشعر بمقدار العشق الساكن بقلبها... رفع كفها إلى شفتيه بصعوبة ضارباً عرض الحائط بالألم الذي كان يشعر به ثم طبع على ظاهر كفها قبلة حانية وأردف

- أسف كنت بهزر
- هزار بايخ وغتت زيك

قالتها بصوت خفيض دون أن تنظر إليه وسحبت يدها لكن صوتها وصل إلى مسامعه فابتسم على جنونها وقال بدون أي تردد أو تفكير

- بحبك يا مجنونة

تعالت شهقاتها وأتسع ثغرها في صدمة فنظرت إليه وأخذت ترمش عدة مرات بعدم تصديق، أحقاً قال أحبكِ أم أتوهم؟!!!... تساءلت وتساءلت وتساءلت حتى قاطعها حينما تابع بصوت أكثر دفئاً 

- بحبك يا أمل، بحبك بجنون ولو مكنتش هنا كان زمانا مخطوبين 

جحظت عينيها وهي لا تستوعب ما قاله فتمنى أن ينفجر ضاحكاً على هيئتها لكنه لم يريد إفساد سحر اللحظة فأمسك يدها مرة أخري وأكمل حديثه العذب قائلاً 

- لما أمير رجع من السفر طلبت أيدك منه وبعد كده أتفقت معاه أني هخطبك يوم كتب الكتاب بس للأسف بخطبك في العناية المركزة

ابتسمت أثر مزحته ولم تستطع أن تتفوه ولو بكلمة فتساءل: مش فرحانه؟ 

حركت رأسها بالنفي فتابع: أمال ساكته ليه؟ 

توردت وجنتيها خجلاً فكانت الإجابة المناسبة لسؤاله لكنه لم يرفع راية الاستسلام بل قال مازحاً 

- لا ده مش وقت كسوف خالص، اللحظة دي محتاجة نانسي 

رمقته بنظرة نارية ورفعت أحد حاجبيها ثم قالت بغيظ: أنت قليل الأدب

انفجر ضاحكاً فتألم بشدة وتأوه عدة مرات، فانتفضت عن مقعدها وتساءلت بقلق

- مالك؟ 
- هتموتيني ناقص عمر ما تضحكنيش

غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وهتفت بغيظ: عارف لو جبت سيرة الموت تاني، هموتك أنا 

اصطنع الخوف وحرك رأسه بالموافقة فرفعت رأسها بشموخ وتابعت: ناس متجيش إلا بالعين الحمراء صحيح، أتفضل نام علشان لازم ترتاح وأنا كمان عايزه أنام

- طيب مش عايزه تقوليلي حاجة كده ولا كده؟ ولا تعترفي بحاجة كده ولا كده؟ 
- لا، بعدين بعدين

قالتها بحزم ثم جلست على المقعد وأغمضت عينيها فتأملها بعشق وكأنه يود حفر صورة لها، وما أن شعر بالحنين لرؤية عينيها تحدث مازحاً 

- تعالي نامي جمبي

فتحت عينيها أو بالأحرى جحظت عينيها فأغمض خاصته قبل أن تتفجر كعادتها في وجهه فابتسمت على فعلته وأغلقت عينيها مرة أخرى واستسلمت إلى النوم في أقل من دقيقة

*******

في الظهيرة استيقظت رمزية أثر شعورها بلمسات محمود تداعب وجنتها... فتحت عينيها لتتقابل بعينيه فبادر برسم الابتسامة وانتظر حتى بادلته بأخرى ثم طبع على جبينها قبلة حانية وهتف

- صباحية مباركة يا عروسة

أصابها الخجل وشعرت أنها لم تتزوج من قبل وأن ما عاشته لم يكن شيء فقالت بسعادة

- الله يبارك فيك
- يلا قومي جهزت الفطار
- كده تتعب نفسك، كان لازم تصحيني أجهزه
- أنتي عروسة ولازم تدلعي

ما أن وصلت كلماته العذبة إلى مسامعها أتسعت ابتسامتها فخفق قلبه بسعادة وبمجرد أن فاق من سحر ابتسامتها أردف مازحاً 

- هبقى أطلعه منك بعدين 

ضحكت على جنونه فشعر بالربيع يسري داخل أوردته وتأكد أن شعوره نحوها شعور عاشق

*****

في ذات الوقت وصلوا جميعاً إلى المشفى وبمجرد أن أوقف أمجد سيارته ترجلت حنين وركضت إلى الداخل فلحق بها أمجد، وخلال دقيقة واحدة وصل أمير مصطحباً زوجته ووالدته بالإضافة إلى سوسن وطفلتها... توقف المصعد بالطابق الرابع حيث توجد غرفة الرعاية فركضت حنين إلى الغرفة ودلفت إليها بدون سابق إنذار كالإعصار وما أن وقعت عينيها على شقيقها ونبض قلبها تقدمت منه وألقت بجسدها في صدره لتنفجر دموعها كالشلال... شعر بغصة في قلبه لرؤيتها هكذا حتى أنه لم يشعر بالألم الناتج عن احتضانها فتقدم أمجد منها وأبعدها بصعوبة عن صدر حسام وهتف

- غلط كده على الجرح

تذكرت حنين إصابة حسام فقالت برقة: أسفة يا حبيبي 

- أسف أني كنت السبب في دموعك، ما تعيطيش يا قلبي

كادت حنين أن تجيبه ولكن سبقها أمجد حينما تحدث بغيرة ملحوظة قائلاً 

- هو أنا رجل كرسي هنا ولا إيه، بتقوليله حبيبي ويقولك يا قلبي ما تلموا نفسكم

قال كلمته الأخيرة بغيظ ملحوظ فضحكت أمل على جنون ابن خالتها بينما ابتسم حسام بصعوبة أما حنين فرمقته بنظرة نارية وهتفت بحدة

- اه حبيبي عندك مانع؟ 
- لا طبعاً معنديش بس بغير عليكي يا روحي 

قالها ثم غمز لها بمشاكسة فضحكت هي الأخرى على جنونه وبمجرد أن دلف أمير توقفت عن الضحك واصطحبت أمجد إلى الخارج حتى لا تزدحم الغرفة وفعلت أمل المثل بعد أن لوحت بيدها إلى حسام فتابعها بعينيه حتى اختفت تماماً وأغلقت باب الغرفة

******

في الخامسة عصراً غادروا جميعاً وبقت أمل بمفردها معه بالرغم من محاولات حنين للبقاء برفقة شقيقها ولكن مع إصرار أمل وشعورها برغبة حسام في البقاء برفقة حبيبته غادرت.... تم نقل حسام إلى إحدى الغرف فشعرت أمل بقليل من الطمأنينة لكنها بقت بالخارج حتى يسمح لها الطبيب بالدخول... جلست على المقعد المقابل لباب الغرفة وهي شاردة في حبيبها الذي اعترف بعشقه بعد طول انتظار ولكن قاطع شرودها صوت رائد

- مساء الخير 
- مساء النور
- مش حضرتك الصحفية أمل اللي كشفتي تجار الأعضاء 

اندهشت بشدة إلا أنها لم تظهر له ذلك بل حركت رأسها بالموافقة فابتسم لها ابتسامة زائفة وأردف 

- شوفت صورك في الجرايد وكذا برنامج

مد لها يده ليصافحها وهو يقول: مهندس رائد علم الدين

- تشرفنا 

شعرت بالخجل ومع ذلك صافحته ثم سحبت يدها فتحدث قائلاً: بعد إذنك جاي أزور صديق 

- ربنا يشفيه
- يارب لحسن حالته صعبة ومش هيرتاح غير لما يخف

قالها بخبث فقد قصد بكلماته أنه لن يشعر بالراحة إلا إذا نفذ انتقامه... ودعها بابتسامة مصطنعة وغادر فشردت أمل من جديد وهي تشعر أنها رأت هذا الشخص من قبل لكنها لا تتذكر أين رأته وظلت هكذا حتى غادر الطبيب غرفة حسام وسمح لها بالدخول فدلفت وابتسامة ساحرة تزين ثغرها 

- كنتي بتعملي إيه بره؟ اعترفي
- ولا حاجة، وعد جابتلي هدوم هدخل أغير في الحمام
- أجي أساعدك

قالها مازحاً فضيقت بين حاجبيها ثم اقتربت منه وقالت بعد أن أشهرت سبابتها في وجهه

- أنت قليل الأدب
- متأسفين يا شكل كنت عايز أساعد بس
- لا متشكرين 

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها وبمجرد أن دلفت إلى الحمام حررت ضحكته التي اختلطت بصوت الألم فسمعته بوضوح ورددت في نفسها

- الواد انحرف على كبر

*******

مرت عدة أيام هادئة تحسنت خلالها حالة حسام... لم تفارقه أمل ولو لدقيقة فأصبحوا حديث المشفى... انتظر رائد طوال تلك المدة خروجها بمفردها لينفذ انتقامه لكن القدر لم يسمح له بذلك
عادت وعد لتتابع عملها بالمشفى حتى لا تبتعد عن أمير فأصبحوا أيضاً حديث الجميع فقد كان جنونه لا يتوقف متناسياً كل من حولهم
عاد محمود أيضاً إلى عمله فقد مر على زواجه عشر أيام لكنه رفض جميع محاولات رمزية في إقناعه بالعودة إلى عملها بل طلب منها البقاء في المنزل كأميرة متوجة
قضت حنين الأيام الماضية بين منزلها والمشفى لتطمئن على شقيقها وكان أمجد دائم الشعور بالغيرة من غزل حسام لطفلته فتأكدت حنين بالدليل القاطع من جنونه
تعودت سوسن أكثر وأكثر على وجود صغيرتها وشعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد

********

كانت تشعر بالملل بعد أن انتهت من ترتيب المنزل وإعداد الطعام فقررت الذهاب إلى الشركة لتفاجأ محمود... أبدلت ثيابها وغادرت على الفور ثم أوقفت إحدى سيارات الأجرة... لم تمض سوى عشرون دقيقة حتى وصلت إلى وجهتها فترجلت من السيارة ودلفت إلى الداخل... رحب بها العاملون بالشركة وكذلك مديرة مكتب محمود

- الشركة نورت وألف مبروك على الجواز
- الله يبارك فيكي، محمود جوه؟ 
- أستاذ محمود عنده اجتماع مع مديرة الشركة السعودية، دقيقة هديله خبر
- لا عايزه أعمله مفاجأة
- زي ما حضرتك تحبي

شكرتها رمزية ثم اتجهت صوب باب غرفة المكتب وفتحته وقبل أن تتحدث جحظت عينيها عندما وجدت زوجها يمسك يد الفتاة الجالسة على المقعد ولا يفضل بينهما سوى سنتيمترات قليلة فتلألأت الدموع داخل مقلتيها وأغلقت الباب مرة أخرى ثم غادرت كالإعصار فترك يد الفتاة التي كانت تنزف بشدة وحاول اللحاق برمزية بعد أن طلب من مساعدته الاهتمام بالفتاة التي جُرحت يدها وهي تحاول فتح ظرف المناقصة بالسكين المخصص لذلك.... 
أمام الشركة أوقفت رمزية إحدى سيارات الأجرة ودلفت إليها متجاهلة نداءات محمود فانطلق السائق بينما أمر محمود سائقه باللحاق بها والخوف يتملكه من فقدانها

*******

في ذات اللحظة غادر أمير غرفة العمليات بعد جراحة استمرت لأكثر من ساعتين... كان يشعر بالتعب والإرهاف ومع ذلك اتجه مُباشرةً إلى مكتب طفلته بعد أن شعر بالحنين لرؤيتها لكنه ما أن وصل أمام غرفة مكتبها رآها تقف بالخارج وبرفقتها أحد الأطباء فاشتعلت النيران بداخله عندما سمع صوت ضحكاتها... اقترب منها كالإعصار الذي على وشك تدمير كل شيء فتوقفت عن الضحك ما أن رأت ملامح وجهه الغاضبة بينما ابتعد الطبيب ليعود إلى عمله فقبض أمير على معصم وعد وأدخلها إلى غرفة المكتب وبمجرد أن أغلق بابها حرر معصمها وهتف للمرة الأولى بحدة وصوت عال

- إيه يا مدام اللي أنا شوفته بره ده؟ 

سرت رعشة خوف في بدنها ولم تستطع أم تجيبه فكرر سؤاله بطريقة أكثر حدة فقالت بتلعثم

- و و والله حصل حاجة ضحكتني والدكتور عماد 

قاطعها قائلاً بحدة: ما تنطقيش أسمه 

حركت رأسها بالموافقة وجاهدت بشتى الطرق أن تأسر دموعها حتى لا تبكي أمامه فاتجه صوب شباك الغرفة ليهدئ من الغضب أو بالأحرى الغيرة التي تملكته فساد الصمت لدقائق قطعتها عندما أردف

- خلي السواق يروحك ولينا حساب لما أروح 

حملت حقيبتها على الفور وغادرت الغرفة فانطلقت دموعها كالشلال... رآها تبكي بحرقة وهو مازال ينظر من الشباك فشعر بغصة في قلبه وترك الغرفة عائداً إلى عمله عله ينسى الغضب 

********

ترجل محمود من سيارته بمجرد أن أوقفها السائق ثم ركض إلى الداخل واستقل المصعد إلى شقته... دلف إلى الداخل وأخذ يبحث عن زوجته الغاضبة فوجدها بغرفة النوم تجمع ملابسها بحقيبة لتغادر... اقترب منها ثم أمسك كفها وأدارها إليه فشعر بالحزن حينما رأى تورم عينيها من كثرة البكاء... كاد أن يتحدث ليبرر ما رأته لكنها سبقته وسحبت يدها ثم أكملت جمع ثيابها وهي تقول 

- لو سمحت مش عايزه أسمع منك حاجة وطالما الموضوع كده من أولها يبقى كل واحد يروح لحاله

شعر بالحزن يضرب كل ذرة في قلبه فهتف بصوت كساه الألم: ممكن تديني فرصة أفهمك و

قاطعته قائلة بعد أن أدارت جسدها وانفجرت في وجهه كالبركان: تفهمني إيه، أنا شوفتك بعيني لازق فيها وكمان ماسك أيدها

لم يتفوه ولو بكلمة بل جلس على حافة الفراش ليراقب انفعالاتها، كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإيابا وهي تعنفه وتتفوه بكلمات حادة تارة وكلمات غير مفهومة تارة أخرى... تضاربت المشاعر بداخله بين الحزن لانفعالها إلى هذا الحد والسعادة لاستشعاره الغيرة في نبرة صوتها فهو يعلم جيداً أن الغيرة أقوى وجوه الحب فلم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منها حتى استقر خلفها ثم قبض على معصمها وأدارها إليه لتصدم بصدره وقبل أن تتفوه بالمزيد أسكتها بقبلة متملكة ليخبرها مقدار عشقه ويطمئنها كذلك أن قلبه لا يعشق سواها... ابتعد عن شفتيها بصعوبة ليلتقط أنفاسه وابتسم حينما رآها مغمضة العينين لتستمتع بسحر اللحظة فأحاط خصرها بذراعه وقربها منه بشدة وبمجرد أن فتحت عينيها طبع قبلة حانية على جبينها وبدأ يقص عليها ما حدث فسكنت بين أحضانه وتأكدت من كل ما قاله حينما رأت قطرات الدم الموجودة بيده فقالت بغضب غلفه الدلال

- وأنت طبعاً ما قدرتش تستحمل وجعها وقولت أروح أعالجها، صح؟ 

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وشعر بألوان عدة للربيع تسري بين ثنايا قلبه فالجميلة الساكنة بين أحضانه تغار... غرق بين بحور عينيها البندقية وأخذ يتأمل صنع الخالق في وجهها الأشبه بوجه الأطفال ثم تنهد براحة وأجابها بنبرة صوت غلفها العشق

- أنا بحبك، يمكن بقالنا عشر أيام بس متجوزين، بس أنا فعلاً بحبك ولأخر يوم في عمري هحبك أنتي وبس
- بجد؟ 

حرك رأسه لأعلى وأسفل وأجابها: بجد، يلا رجعي هدومك في الدولاب وأوعديني مهما حصل ما تسبيش البيت وأي مشكلة نتتاقش فيها ونحلها قبل ما تكبر

- أوعدك
- يلا رجعي الهدوم علشان نخرج نتغدى

حركت رأسها بالموافقة ونفذت رغبته فجلس على أحد المقاعد وتأملها بعشق حتى انتهت ثم اصطحبها إلى السيارة وانطلق إلى ذات المطعم الذي جمعه به عندما تقدم بطلب الزواج منها

*******

في الثانية عشر صباحاً عاد أمير إلى منزله والغضب مازال يملأ قلبه، دلف إلى الداخل واندهش بشدة لرؤية والدته تجلس بمفردها في تلك الساعة المتأخرة... تقدم منها ثم أمسك يدها وطبع على ظاهر كفها قبلة حانية فبادلته بنظرات نارية لم يعتادها من قبل 

- مالك يا ست الكل؟ 
- كده يا أمير تنكد على مراتك ده أنتوا يادوب بقالكم شهر ونص متجوزين خلاص شهر العسل خلص والنكد اشتغل؟!! 

جلس على المقعد المقابل لها دون أن يتفوه بكلمة فتابعت: عملتلها إيه؟

- هي ما قالتش؟ 
- لا قالت ولا عادت، البنت رجعت من بره منهاره وما بطلتش عياط واليوم كله لا كلت ولا شربت وقافله على نفسها فوق، فضلت قاعده معاها ولما نامت سبتها ونزلت استناك، قولي عملتلها إيه؟ 

قص أمير على والدته كل ما فعلته وعد، كما قص عليها الشجار الذي دار بينهما منذ عدة ساعات فصرت على أسنانها وقالت بحدة

- بتستقوى عليها، إيه ممنوع تكلم حد غيرك، ما أنت سايب أختك بقالها عشر أيام قاعدة في المستشفى ومفيش بينها وبين حسام ارتباط رسمي ومع ذلك كبرتك وقولت طالما أخوها سمحلها يبقى أسكت، لكن توافق لواحدة وتنكد على التانية يبقى ظلم، أتفضل قوم صالحها 

وقف عن مقعده وتقدم من والدته ثم طبع قبلة على مقدمة رأسها وتحدث بهدوء

- حاضر يا ست الكل، أنا أصلاً اليوم كله بلوم نفسي وبالنسبة لأمل الصبح هخليها ترجع وتبقى تروحله زيارة وقت ما تحب
- خلاص مفيش داعي تصالح واحدة وتنكد على التانية، كلها كام يوم وحسام يخرج، أتفضل أطلع صالحها 

ساعد والدته على الوقوف واصطحبها إلى غرفتها ثم صعد الدرج إلى جناحه... دلف إلى غرفة النوم وتفاجأ برؤية وعد نائمة فزفر بضيق وقرر مصالحتها في الصباح... أبدل ثيابه ثم صلى فرضه وأراح جسده إلى جوارها، وللمرة الأولى منذ زواجه لا يجذبها لتغفو بين أحضانه... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى أغمض عينيه عله يحصل على قسط من النوم لكنه استمع إلى صوت أنينها فعلم أنها مازالت مستيقظة، أدار جسده نحو الطرف الأخر ثم قبض برفق على معصمها وأدارها هي الأخرى وشعر بغصة في قلبه عندما رأى دموعها تنساب بغزارة وهي مازالت مغمضة العينين... مد يده ومسح دموعها ثم طبع قبلة على وجنتها وواحدة أخرى على وجنتها الأخرى وقال بهدوء 

- أنا أسف، عارف أني قسيت عليكي بس لما شوفتك بتضحكي معاه غيرت عليكي، فتحي عينيكي بقى وحشوني

حركت رأسها بالنفي وتمسكت بإغلاق عينيها فطبع قبلة على جبينها وتابع

- يلا بقى أفتحيهم 

امتثلت لرغبته وفتحت عينيها فاخذ يتحسس وجنتها بظاهر أنامله وأكمل حديثه قائلاً 

- لسه زعلانه؟

حركت رأسها بنعم فمال عليها وسرق من شفتيها قبلة ثم ابتعد عنها وتساءل 

- هاه لسه زعلانه؟ 
- لا 

قالتها برقة فأراح جسده إلى جوارها وجذبها إلى صدره فأحاطت خصره بذراعها وشددت في احتضانه فشعر أنها تفتقده وتحدث بصوت دافئ قائلاً 

- أنا أسف يا عمري بجد محستش بنفسي

وضع يده أسفل ذقنها ورفع رأسها قليلاً ثم غمز لها وتابع بمشاكسة: مراتي زي القمر من حقي أغير عليها

- غير براحتك بس ما تزعقليش تاني علشان بجد قلبي وجعني أوي

شعر بغصة في قلبه فقد قالت كلمتها الأخيرة بصوت مخنوق نتيجة لتجدد بكائها فابعدها عنه واعتدل في جلسته ثم كفكف دموعها وهتف

- خلاص بقى علشان خاطري ما تعيطيش
- حاضر، بس لازم تفهم أني بحبك أوي ومش بشوف راجل في الدنيا غيرك وأنا كنت واقفة معاه علشان كنت بطلب منه طلب فقال كلمة ضحكتني، لكن والله العظيم مفيش حاجة بينا وأنا مش بخونك زي ما بابا عمل، أنا بحبك

كانت كلماتها بمثابة خنجر طُعن في قلبه فقد أيقظ بيده ذكرياتها الحزينة وعلم أن جرح الماضي مازال يسكن بداخلها فمسح دموعها وأمسك وجهها بين كفيه قائلاً 

- أنا بثق فيكي يا عمري، في فرق بين الغيرة وقلة الثقة وأوعدك اللي حصل النهارده مش هيتكرر تاني ولا حتى عايز أعرف قالك إيه ضحكك لأني بثق فيكي فوق ما تتصوري

ابتسمت بسعادة وشعرت بالطمأنينة فبادلها بابتسامته الساحرة وتابع مازحاً 

- قوليلي بقى كان بيقولك إيه؟ 

انفجرت ضاحكة على جنونه فشاركها الضحك ثم استرد أنفاسه وجذبها إلى صدره فبادلته العناق وتمسكت به ثم هتفت وهي مازالت بين أحضانه

- إمبارح طلبت من دكتور عماد يعملي تحليل

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، أبعدها عنه والخوف يتملكه فتساءل بقلق

- تحليل ليه، أنتي تعبانه؟ 

حركت رأسها بالنفي وأجابته: بقالي يومين بدوخ كتير وطلبت منه يعملي تحليل حمل، والنهارده جابلي النتيجة بس لما خرج جريت وراه أقوله ما يقولكش فقالي أنك هتعلقه على باب المستشفى لو مقالكش أن في ضيف هيجيلك بعد ٨ شهور فضحكت و

توقفت عن إكمال كلماتها حينما انتفض أمير عن الفراش والسعادة تظهر برضوح داخل مقلتيه وهتف

- بجد حامل؟ 
- نتيجة التحليل أهيه

أعطته نتيجة التحليل الرقمي وكُتب به عمر الجنين ثلاثون يوماً فشعر بأنواع عدة للسعادة تسري بداخله وأمطرها بقبلاته ثم جذبها إلى صدره وردد مراراً وتكراراً 

- أسف أسف أسف يا عمري، أنا بجد فرحان أوي ربنا بخليكي ليا
- ويخليك ليا
- بس أنا خايفة دراستي تتأثر بالحمل والولادة والبيبي 

أبعدها عنه ثم نظر مُباشرةً إلى عينيها وهتف: ما تقلقيش أنا هساعدك في المذاكرة وماما أصلاً أول ما تقومي بالسلامة هتهتم بيه طول ما أنتي بتذاكري، بمناسبة ماما قالت أنك ما أكلتيش هقوم أعملك حاجة تأكليها

- لا مش جعانه 
- مستحيل هتاكلي يعني هتاكلي

سرق قبلة من شفتيها ثم ترك الفراش واتجه صوب المطبخ فاتجهت وعد صوب الشرفة ونظرت إلى السماء قائلة

- ألف حمد وشكر ليك يارب

*******

رحل ظلام الليل وسطعت شمس يوم جديدة  حاملة مفاجأة لم يتوقعها أحد.... 
في التاسعة فتحت أمل عينيها واستيقظت من النوم عندما شعرت بيد تحاول إيقاظها... جحظت عينيها عندما وجدت حسام يقف أمامها فقالت بغضب 

- إيه قومك من السرير؟ الدكتور قال ممنوع
- أنتي قولتي لازم تروحي الجريدة والمنبه رن أكتر من مرة فخوفت تتأخري
- طيب يلا على السرير

ساعدته على العودة إلى الفراش فتأوه عدة مرات لشعوره بالألم في قدمه المصابة وكذلك صدره... أراح جسده على الفراش وتأملها بعشق وهي تساعده على الاعتدال واضعة وسادة خلف ظهره ثم نظرت إليه وتساءلت بقلق

- في حاجة بتوجعك؟ 
- لا ما تقلقيش، يلا علشان ما تتاخريش على شغلك 
- مش هتاخر عليك ساعتين بالكتير وهرجع 
- خدي بالك من نفسك وما تنسيش تلبسي الساعة 
- حاضر

قالتها ثم تركته ودلفت إلى الحمام لتبدل ثيابها وخلال دقائق قليلة ودعته واتجهت صوب المسجد المجاور للمشفى لتصلي فرضها، وبمجرد أن فرغت استقلت سيارتها التي أرسلها أمير مساء أمس وانطلقت إلى عملها... كانت هناك سيارة تلاحقها وانتبهت أمل إلى ذلك فتعمدت تغيير الطريق فتأكدت شكوكها، شعرت بالخوف وحاولت تضليل السيارة ولكن دون جدوى بل واستطاع قائدها صدم سيارتها من الخلف فتوقفت على جانب الطريق... ترجل مجموعة من الرجال واستطاعوا اختطافها بعد أن تم تخديرها ثم وضعوها داخل سيارتهم وانطلقوا إلى إحدى المناطق النائية بالفيوم حيث ينتظرهم رائد

********

بالمشفى... 
أمسك حسام هاتفه ليتحدث إلى حنين ولكنه قرر إلقاء نظرة على خط سير أمل فاندهش بشدة لتغيير مسارها... حاول الاتصال بها عدة مرات ولكن دون جدوى وبعد مرور ما يقارب نصف الساعة أجاب أحدهم المكالمة وقبل أن يتحدث سبقه وتساءل

- أنتي فين يا أمل؟ 
- مع حضرتك نقيب محمد من شرطة الطرق والمرافق، لقينا العربية مركونة ومفيش حد جواها بس متعلقات الآنسة أمل موجودة وفي شهود أكدوا أن في رجاله أخذوها بالقوة

جحظت عينيّ حسام ولم يشعر بنفسه إلا وهو يترك الفراش ليبحث عن طفلته متبعاً خط سير الإشارات الصادرة عن ساعة يدها


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Sunday, March 17, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 17, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الثاني والثلاثون - بقلمي منى سليمان 

* غرام وانتقام *

الحب كلمة من أربع حروف ولكن تحمل بداخلها الكثير، نظرات وهمسات ومشاكسات وصعاب يتخطاها فقط الحب الحقيقي...
تململ أمير في الفراش وفتح عينيه بمجرد أن استشعر عدم وجود وعد إلى جواره... ترك الفراش وأخذ يبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتجلس قطتها على قدمها... اقترب منها بهدوء إلى أن استقر خلفها ثم ثنى جزعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة وتساءلت

- إيه صحاك؟
- قلقت لما ما لاقتكيش جمبي، مالك؟

قال كلمته الأخيرة بعد أن جلس على المقعد المقابل لها فأجابته: مفيش حاجة، قلقت وقومت، قولت أصحيك لما المنبه يرن علشان تروح شغلك، شهر العسل خلص

قالتها بطريقة طفولية فقبض برفق على معصمها ثم جذبها بخفة فوقفت عن مقعدها وجلست مرة أخرى على قدمه وتابعت

- أوعي تنشغل عني
- إيه رأيك تيجي معايا؟
- مش هينفع أخر الأسبوع كتب كتاب ماما يعني فاضل أربع أيام ويادوب نحلق نجهز كل حاجة

رفع يدها إلى شفتيه وطبع على باطن كف يدها قبلة عميقة وهتف: خدي بالك من نفسك وما تتعبيش نفسك

- ما تخافش عليا
- لا أخاف طبعاً لتكوني حامل ولا حاجة

غمز لها بمشاكسة فضحكت على جنونه وبمجرد أن استردت أنفاسها وضعت يدها على كتفه وتحدثت مازحة

- مخك ضرب خالص من أول شهر جواز
- لو مكنش ورايا شغل كنت وريتك الجنان على أصوله

صمتت لدقائق وشردت في عينيه فبادلها نظرات العشق وتأمل كذلك انعكاس صورته داخل عينيها لتقطع الصمت قائلة

- أنا بحبك أوي
- وأنا بعشقك

******
بمنزل أمجد...
استيقظ في الثامنة والنصف عندما صدع صوت رنين آلة التنبيه وقبل أن يترك فراشه ألقى نظرة سريعة على صغيرته النائمة فقالت وهي مازالت مغمضة العينين

- صباح الخير

ارتسمت ابتسامة ساحرة على شفتيه وأزال الخصلات الساقطة على وجهها ثم طبع قبلة على جبينها ففتحت عينيها وأردفت

- هتسيبني وتروح المشرحة؟
- غصب عني معجزة أني أخدت شهر أجازة بس مش هتأخز، هتنزلي أمتى؟
- هعدي على وعد الساعة ١١ وسواق أمير هيوصلنا عند طنط سوسن
- خدي بالك من نفسك

قالها ثم أتكى على ذراعه وأخذ يداعب وجنتها بظاهر يده فتركت وسادتها وأتخذت من صدره وسادة وتابعت

- أنا بحبك أووووي كتيررررررر
- وأنا بعشقك يا أجمل مجنونة في الدنيا، حسام قالك أنه هيطلب أيد أمل في كتب كتاب بابا؟
- قالي وحلفني ما أقولهاش وللأسف مضطرة أسكت بس هقول لوعد لساني مش قادر يسكت

ضحك على جنونها فشاركته الضحك وهي تشعر بالسعادة لأجل شقيقها الذي قرر الزواج بعد طول انتظار ولن يبقى وحيداً

******

في التاسعة استيقظت أمل لتذهب إلى عملها لكنها لم تغادر الفراش بل رقدت على ظهرها وأخذت تفكر في الهمجي الذي سقطت في غرامه وتعلم جيداً أنه يكن لها مشاعر ولا يرغب في البوح بمشاعره... شعرت برغبة ملحة في الفتك به فقد تزوج الجميع وهي باقية في انتظار اعترافه فاعتدلت في جلستها ثم أمسكت هاتفها وبحثت عن صورته وبمجرد أن وجدتها ضيقت بين حاجبيها وهتفت بغيظ

- أقسم بالله حلوف ولا بتحس و

توقفت عن إكمال كلماتها وصرخت عندما صدع صوت رنين هاتفها ثم وضعت يدها على ثغرها وتنفست بعمق ثم أزالتها وأردفت

- منك لله خضتني وأنا بهزقك

ضغطت زر الإيجاب بعد أن توعدت له وقالت بحدة: نعم

أبعد الهاتف عن أذنه ليتأكد من الرقم فتأكد أنه يتحدث إليها فلوى شفتيه بضجر وقال

- مالك يا بت أنتي؟
- ملكش دعوة، هتقول متصل ليه ولا أقفل السكة في وشك؟
- أقفليها كده وأنا أجي أجيبك من شعرك

قالها بحدة تفوق حدتها فصرت على أسنانها فكانت أشبه بالبركان الذي على وشك الانفجار وإلقاء الحمم البركانية ولكن في وجه حسام فقط فتحدثت بغيظ قائلة

- مين دي اللي تجبها من شعرها يا بارد يا تلم يا رخم
- أتعدلي يا أمل بدل ما أعدلك وأقص لسانك
- أنا مش عايزه أتكلم معاك أصلاً، أقففففففل

أبعدت الهاتف عن أذنها وألقت به على الفراش اعتقاداً منها أنه أنهى المكالمة فتابعت بغيظ وهي تنظر إلى الهاتف

- الكل بيتجوز وأنا قاعده مستنيه جنابك تنطق وتقولي بحبك، جتك القرف

تركت الفراش واتجهت كالإعصار صوب الحمام فأبعد حسام الهاتف عن أذنه وابتسم بسعادة فطفلته تعشقه بجنون وغضبها نابع عن العشق الساكن بداخلها فتنهد براحة وردد في نفسه وهو ينظر إلى صورتها الموجودة بهاتفه

- حمارة صحيح، كلها أربع أيام وأقولك أني بعشقك يا هبله

*******

في الظهيرة ذهبت حنين إلى منزل وعد ليذهبن إلى منزل سوسن وبالطريق أخبرتها حنين برغبة حسام في الزواج من أمل فشعرت وعد بالسعادة لأجل حسام كما رحبت باختياره لأمل... بعد مرور ما يقارب الساعة ترجلن أمام مركز تجاري فخم وبدأن في اختيار كل ما يليق برمزية التي عادت الفرحة تسري بداخلها من جديد....
مرت الأيام هادئة و انشغلوا جميعاً في تحضيرات عقد القران وطوال تلك المدة تعمدت أمل عدم رؤية حسام ولم تجيب أي من مكالماته عله يشعر بأهميتها

******

في صباح اليوم الرابع كانت وعد في طريقها إلى المطبخ عندما صدع صوت رنين جرس شقة سوسن فقد قضت ليلتها برفقة والدتها... اندهشت بشدة فلم تتخطى الساعة السابعة صباحاً فاتجهت صوب باب الشقة وفتحته لتتفاجأ بحبيبها.... أتسعت ابتسامتها الساحرة فبادلها بأخرى وقال بعشق

- وحشتيني، وطول الليل ما نمتش علشان مش في حضني

خفق قلبها بسعادة مع كل كلمة من كلماته وبمجرد أن فاقت من سحر كلماته ألقت بجسدها في صدره فشدد في احتضانها ليطفأ شوقه وحنينه إليها... ابتعدت عنه بصعوبة فدلف إلى الداخل وتساءل بعد أن أغلق باب الشقة

- كنتي صاحيه ولا صحيتك؟
- أنا كمان ما نمتش طول الليل وكنت رايحه أعمل شاي يفوقني
- يبقى نشربه سوا

أمسكت يده واصطحبته إلى المطبخ فشاكسها بلمساته وقبلاته فكانت تعبس تارة وتبتسم على جنونه الذي لا يتوقف تارة أخرى، وما أن انتهت من إعداد الشاي حمل عينيها الصينية واتجه إلى الشرفة... انتبهت وعد إلى صوت بكاء أمل فاتجهت إلى غرفة الصغيرة وحملتها فتوقفت عن البكاء... وقف أمير عن مقعده حينما رأى وعد تقترب وصغيرته بين يديها فحملها وقال بسعادة

- وحشتيني، صاحيه بدري ليه أنتي كمان؟
- أكيد عرفت أنك هنا

قالتها وعد فنظر إليها وهتف: قصدك بتقطع عليا

- أمولا تعمل اللي هي عايزاه و

توقفت عن إكمال كلماتها عندما صدع صوت رنين هاتف أمير فاندهشت بشدة إلا أنها لم تعلق بينما أخرج أمير الهاتف من جيب بنطاله واندهش هو الأخر لاتصال حسام في هذه الساعة المبكرة فأجاب قائلاً

- أنت ما نمتش من فرحتك ولا إيه؟
- للأسف طلبوني في مهمة مستعجلة بس بأمر الله هكون موجود في المعاد ولو أتأخرت ما تقلقش
- خد بالك من نفسك، ترجع بالسلامة

أنهى حسام المكالمة وحاول الاتصال بأمل ليتحدث إليها قبل أن يغادر لكنها تمسكت بالعناد ولم تجيبه فزفر بضيق وكرر الاتصال عدة مرات ولكن دون جدوى فأرسل إليها رسالة نصية

(خلي عندك دم وردي عليا، أولاً وحشتيني جداً.. ثانياً أنا طالع دلوقتي مهمة وعايز أسمع صوتك علشان لو ما رجعتش يكون صوتك أخر صوت سمعته)

أرسلها ثم حمل مفتاح سيارته ليغادر وقبل أن يصل إليها صدع صوت رنين هاتفه وسرت السعادة بأوردته عندما وجد الاتصال منها فأجاب قائلاً بصوت دافئ

- وحشتيني

لم تستطع أن تجيبه ولو بكلمة فقد كانت تبكي بغزارة تأثراً بكلماته فشعر بغصة في قلبه وتساءل

- بتعيطي ليه؟
- علشان أنت رخم أوي ورسالتك رخمة زيك، عارف لو ما رجعتش على معاد كتب الكتاب هاجي أجيبك أنا

مرر يده بين خصلات شعره في سعادة فالجميلة خاصته تخشى عليه وتبكي من خوفها لفقدانه فتنفس بعمق وتمنى أن يخبرها بعشقه إلا أنه فضل الانتظار للمساء حتى لا يُفسد كل ما خطط له فتحدث بصوت دافئ قائلاً

- ما تعيطيش وما تخافيش عليا، أنا هرجع علشانك يا أمل

اختلطت دموعها بابتسامة ساحرة وهتفت: لا إله إلا الله

- محمد رسول الله

قالها وأنهى المكالمة ثم دلف إلى سيارته وانطلق بها، بينما أنهت أمل المكالمة وتركت فراشها ثم توضأت وصلت ركعتين لله لكي يعود حسام إليها كما وعدها

******

في السادسة مساءاً أوقف أمجد سيارته أسفل منزل سوسن.... ترجل منها وكذلك فعل والده وهو يشعر بالتوتر فالمشاعر التي تسري بداخله كان قد نسيها فأعاده أمجد إلى أرض الواقع عندما ربت على كتفه وقال مازحاً

- مبروك يا عريس، عايزينك تشرفنا النهارده

صر محمود على أسنانه ووكز ابنه المشاكس في كتفه فتأوه كمشاكسة لوالده إلا أنه لم يهتم وهتف بغيظ

- لم نفسك يا قليل الأدب
- بشجعك الله
- واد أنت إحنا طالعين عند الناس عارف لو قعدت تضحكني زي عوايدك هتبرى منك

أسر أمجد ابتسامته بصعوبة وحرك رأسه بالموافقة ومضى برفقة والده وهو يتمتم في نفسه

- أبويا ده نمس بس مداري

وصل محمود إلى وجهته فوقف يهندم ثيابه ثم تنفس بعمق وضغط زر الجرس... ترك أمير مقعده واتجه صوب باب الشقة وفتحه فدلف محمود وأخذ يبحث بعينيه عن عروسه لكنه لم يجد أحد فنظر إلى أمير متسائلاً

- هو مفيش غيرك ولا إيه؟
- والله بقالي ساعتين مرمي هنا لوحدي وكلهم في الأوضة مع العروسة
- طيب

دلف إلى الداخل ولحق به أمجد فوكز أمير في كتفه وقال مازحاً: أبويا متوتر، تقولش أول مرة يتجوز

- أتهد ما تضحكنيش بدل ما يشتمنا

بعد مرور عدة دقائق حضر الشيخ الذي سيقوم بعقد القران فاتجه أمير صوب غرفة وعد وطرق بابها ليخبرهم بوصول الشيخ فتأبطت رمزية ذراعه ومضت برفقته وصدرها يعلو ويهبط من شدة شعورها بالتوتر، وبمجرد أن استقرت أمام محمود أتسع ثغره فقدت كانت تشبه الأميرات... كانت ترتدي فستاناً ضيق من الستان الأبيض، حجاب باللون الوردي مع لمسات طفيفة من الماكياج.... اقترب منها وطبع قبلة على ظاهر يدها فخجلت بشدة وسحبت يدها مسرعة فقال محمود بسعادة

- مبروك يا عروسة
- الله يبارك فيك

تأبطت ذراعه ومضت معه إلى طاولة عقد القران المزينة بالورود الحمراء والستان الأبيض فبدأ الشيخ في إجراءات عقد القران... كانت الأجواء ساحرة وشعر الجميع بفرحة عارمة عدا أمل فقد كانت تشعر بالقلق على حسام الذي لم يأتي حتى الآن... لاحظ أمير شرود شقيقته فأخرج هاتفه من جيب بنطاله وأجرى اتصالاً بهاتف حسام لكنه وجده مغلقاً فشعر هو الأخر بالقلق... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الشيخ وعلا صوت الفرح في أرجاء المكان وتبادلوا التهاني حتى استقرت رمزية أمام محمود فطبع قبلة على جبينها وهتف بصوت دافئ

- ألف مبروك يا أجمل عروسة
- الله يبارك فيك

أخرج علبة من جيب بنطاله وفتحها ثم أخرج منها أسواره وألبسها إياها وألبسها أيضاً خاتم من الألماس فقالت برقة

- ليه كلفت نفسك؟
- دي شبكتك ده أولاً، ثانياً مفيش حاجة في الدنيا تغلى عليكي
- ربنا يخليك ليا ويفرح قلبك زي ما بتفرحني
- طول ما أنتي جمبي الفرحة هتسكن في قلبي، يلا بينا

بعد مرور ما يقارب الساعة تأبطت رمزية ذراعه بعد أن ودعت ابنتها والجميع ثم مضت برفقته إلى السيارة فانطلق إلى منزله ليبدأ حياة جديدة وهي إلى جواره

*******

بشقة سوسن...
اجتمعوا على مائدة الطعام وقضوا سوياً أوقات سُرقت من الزمن عدا أمل فقد كانت كالمغيبة ولا تشعر سوى بالقلق على الغائب الذي ودعها منذ أكثر من ١٢ ساعة ولم يأتي حتى الآن ولكن قاطع شرودها صوت هاتف حنين فأجابت قائلة

- السلام عليكم
- وعليكم السلام، أستاذة حنين معايا؟
- أيوه
- أنا الرائد سمير زميل حسام

تسارعت نبضات قلبها خوفاً فوقفت عن مقعدها وقالت بصوت مرتعش غلفه الخوف

- حسام حصله حاجة؟

انتفضت أمل عن مقعدها واقتربت من حنين كالإعصار ثم اختطفت الهاتف واستمعت إلى صوت زميله يقول

- حسام أتصاب وهو موجود دلوقتي بمستشفى الشرطة

لم تستطع أمل أن تتحمل ما سمعته فسقطت مغشياً غليها... حملها أمير ووضعها على الأريكة بينما صرخت حنين منادية بأسم شقيقها بعد أن تحدثت إلى زميله وعلمت هي الأخرى بما حدث.... لم تمض سوى دقائق قليلة حتى غادروا جميعاً إلى المشفى فلم تتوقف حنين ولو لدقيقة عن البكاء وكذلك أمل... ما أن وصلوا أمام مستشفى الشرطة ترجلت أمل وركضت مسرعة إلى الداخل فشعروا بالأسى عليها... رأت اللواء نجدت يقف أمام باب غرفة العمليات فاقتربت منه وتساءلت

- فين حسام؟
- في العمليات وللأسف أصابته خطيرة

وضعت يدها على ثغرها لتكتم صرختها ثم تراجعت إلى الخلف وجلست على أحد المقاعد فانفجرت دموعها كالشلال... مضت ساعة كاملة على وجود حسام بغرفة العمليات، وبمجرد أن خرج الطبيب منها، ركضوا جميعاً باتجاهه

- حالته حالياً مستقرة بس هيفضل في الرعاية ولو الأربعة وعشرين ساعة الجايين فاتوا من غير مضاعفات يبقى مفيش خطر على حياته، بعد إذنكم

غادر الطبيب وتم إخراج حسام من غرفة العمليات فانهمرت دموع أمل كالشلال ولحقت به إلى غرفة الرعاية المركزة ولكن منعها الطبيب من الدخول فوقفت أمام زجاج الرعاية وراقبته وهي تردد

- ما تسيبنيش أنا بحبك

ظلت تراقبه عبر الزجاج الكاشف لغرفة الرعاية لمدة ثلاث ساعات دون أن تشعر بالتعب وفشلت محاولات الجميع في أقناعها لترتاح ولو دقيقة فطلب أمير من أمجد اصطحاب الجميع إلى الفيلا، رفضت حنين المغادرة ولكن مع إصرار الجميع غادرت وبقى أمير برفقة شقيقته... قبض على معصمها برفق وأجبرها على الجلوس ثم أحاط ظهرها بذراعه وقربها إليه فأسندت رأسها على صدره وتجددت دموعها

*******

بمطار القاهرة هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من سويسرا وعلى متنها رائد علم الدين الذي جاء خصيصاً لينتقم مِن مَن راقبها رجاله لثلاث أسابيع تمهيداً لاختطافها... دلف إلى السيارة وأمر سائقها بالانطلاق، بعد مرور ما يقارب نصف الساعة توقف السائق أمام فندق سبع نجوم يطل على نهر النيل وبمجرد أن ترجل رائد وجد خادمه الوفي يقف في انتظاره بعد أن أخفى هيئته بنظارة سوداء وشعر مستعار... صعد رائد إلى جناحه فأطلعه حكيم على كافة المعلومات التي حصل عليها فراجع رائد الملف وتوقف أمام صورتها فأمر حكيم بالانصراف ثم نظر إلى الصورة وقال ببرود

- حلوة وخسارة في الموت، هبقى أتسلى بيكي قبل ما أقتلك

********

في الواحدة والنصف من منتصف الليل حل السكون داخل المشفى وغفى أمير على المقعد المقابل لغرفة الرعاية لكن أمل لم تغفى فالنيران المشتعلة بداخلها لن تخمد إلا عندما بستيقظ حبيبها المشاكس... اختلطت دموعها بابتسامة عندما تذكرت نبرة صوته وهو يناديها "بشكل" تارة و"نانسي" تارة أخرى فرددت بخفوت

- أصحى بقى يا مجنون

فاقت من شرودها عندما وجدت الطبيي يقترب من الغرفة فنظرت إليه بأعين ذبلت من كثرة البكاء وقالت بصوت أقرب إلى الرجاء

- ما ينفعش أدخل؟
- صدقيني صعب بس لما يفوق هتكوني أول واحدة تدخلي
- طيب هدخل معاك دلوقتي وهخرج وأنت خارج، هشوفه بس وأخرج أرجوك

قالت كلمتها الأخيرة والدموع تتساقط بغزارة من مقلتيها فشعر الطبيب بالأسى على حالها ولم يشعر بنفسه إلا وهو يسمح لها بالدخول فكفكفت دموعها وارتدت الملابس المخصصة للرعاية ثم ركضت إلى الداخل وجلست على المقعد المجاور له واضعة كفه بين كفيها وهمست بالقرب من أذنه

- قوم بقى يا رخم، الدنيا وحشه من غير رخامتك وغتاتك

وصلت كلماتها الأخيرة إلى مسامع الطبيب فأسر ضحكته بصعوبة وردد في نفسه

- غرام وانتقام

لم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتهى الطبيب من معاينة حسام وطلب من أمل الخروج لكنها لم تستطع ترك يده وتجدد بكائها فسمح لها بالبقاء لعدة دقائق أخرى وغادر ليتابع عمله... استعاد حسام وعيه بمجرد أن غادر الطبيب وأغلق باب الرعاية لكنه لم يفتح عينيه عندما استنشق عبير عطرها وشعر كذلك بيدها الممسكة بيده

- أول مرة قابلتك لما فتحتلك باب الشقة قولت لنفسي إيه الهيبة دي لسه في رجالة ليهم هيبة كده

قالتها بطريقة تمثيلية فأسر ابتسامته بصعوبة واستمع إلى باقي حديثها

- وبعد كده رخمت عليا وقولت إيه قليل الذوق ده لسه في رجالة قلالات الذوق كده، وبعدها طبعاً معركة الاجتماع، اللواء نجدت كان شكله مسخرة وهو بيفض العاركة زي ما بيقولوا

ضحكت بجنون حينما تذكرت الشجار العالمي الذي دار أثناء اجتماع كبار قادة البحث الجنائي لكنها توقفت فجأةً عن الضحك وتساقطت دموعها من جديد حتى أنه شعر بدموعها على كف يده فكاد أن يفتح عينيه ليخبرها أنه مازال إلى جوارها إلا أنها أكملت حديثها قائلة

- بس برغم كل حاجة حصلت وبرغم رخامتك وغتاتك أنا بحس معاك بالأمان، اليومين اللي فاتوا من غير ما أكلمك كانوا أسوأ أيام حياتي ولو ما فتحتش عينيك تاني وسبتني ومشيت مش هعيش بعدك، يلا بطل رخامة وقوم قولي أنك كويس ومش هتسيبني

لم يستطع أن يتحمل صوت بكائها أكثر من ذلك فضغطت بيده على يدها ليخبرها أنه إلى جوارها فتوقفت عن البكاء ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم من جديد وقبل أن تتحدث سبقها وهتف بصعوبة وصوت غلفه الألم

- أسف أني أتأخرت عليك يا شكل

قال كلمته الأخيرة ليشاكسها فاختلطت دموعها بابتسامة ساحرة جعلت جهاز تخطيط نبض القلب الموصول بجسده يسجل تزايد في عدد نبضاته فهتف مازحة هي الأخرى

- وحشتني يا أرخم هولاكو في الدنيا

شعرت بيده تحاول جذبها فوقفت عن مقعدها واقتربت منه فجذبها مرة أخرى وجعلها تقترب أكثر فظنت أنه يريد قول شيء لكنه فاجئها عندما طبع قبلة على جبينها ما جعل حمرة الخجل تسيطر على وجنتيها فابتسم على هيئتها وهتف مازحاً وهو مازال ممسكاً بكف يدها

- سبحان الله طلعت بتتكسف يا شكل

لم تجيبه ولو بكلمة فقد كان شعورها بالخجل يفوق طاقتها فتابع: زعلانه مني؟

حركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي ثم استجمعت شجاعتها وقالت برقة: هروح أجيب الدكتور علشان يطمن عليك

همت أن تسحب يدها لتبتعد لكنه لم يسمح بذلك فنظرت إليه وأردفت: سيب أيدي علشان

قاطعها قائلاً: خليكي جمبي، ما تبعديش

قالها بصوت دافئ لم يعتاد عليه فخفق قلبها بسعادة وجلست على المقعد المجاور للفراش وساد الصمت لتتحدث لغة العيون فكلماتها أصدق وتصل إلى القلب مُباشرةً

*******

بمنزل محمود...
تململ في الفراش بعد أن شعر بعدم وجود رمزية فاعتدل في جلسته ونظر إلى ساعة الحائط ووجدها تشير إلى الثانية صباحاً... ترك الفراش وترك الغرفة كذلك ليبحث عنها حتى وجدها تجلس بالشرفة وتتأمل سكون الليل والسماء المزينة بالنجوم... اقترب منها حتى استقر خلفها ثم أحاط ظهرها بذراعه وطبع قبلة على خصلات شعرها فابتسمت بسعادة ورفعت رأسها لتتقابل أعينهم.... ثنى ركبتيه وجلس أمامها ممسكاً كفيها بين كفيه وتساءل

- مالك؟
- معرفتش أنام
- بجد ولا أنا زعلتك في حاجة؟

قالها بحنان وصوت دافئ فسحبت أحد كفيها وتحسست وجنته دون أن تجيبه فطبع قبلة على باطن كفها وتابع

- تعرفي من سنتين ما حستش أني سعيد غير النهارده
- وأنا من سنين نسيت الفرحة ونسيت حاجات تانية كتير بس لقتها معاك
- ربنا يخليكي ليا بس دلوقتي لازم تنامي وترتاحي

وقف عن الأرض وجذبها بخفة فوقفت عن مقعده ومضت برفقته إلى الغرفة وبمجرد أن أراح جسده إلى جوارها جذبها إلى صدره فغفت في أقل من دقيقة لشعورها بالحنان وكذلك الأمان، أما هو شعر براحة قلب كان قد نسيها فاستسلم إلى النوم بعد أن شدد في احتضانها

******

في ذات اللحظة توقف السائق داخل المقابر فترجل رائد ولحق به حكيم وبمجرد أن وصل رائد أمام مقبرة الأسرة أشار لحكيم بالتوقف ودلف بمفرده بالرغم من الظلام الدامس... اقترب من قبر والدته ووقف أمامه لدقائق ثم انتقل إلى قبر خاله وثنى ركبتيه ليجلس القرفصاء وبعد مرور عدة دقائق من الصمت تحدث بثبات قائلاً

- أنا جيت علشان أحد حقك وكلها كام يوم وأجبها أدفنها جمبك بعد ما أخليها تطلب مني موتها

وقف عن الأرض وتحسس بيده اليافطة الرخامية الموضوعة على قبر خاله وكُتب عليها عادل سعيد السيد، رحل في الأول من يوليو لعام ٢٠١٨، وما هي إلا دقائق حتى غادر المكان وأمر السائق بالعودة إلى الفندق وطوال الطريق تذكر عادل  فقد كان له الأب والأم والصديق والسند بعد وفاة والديه وهو في الخامسة من عمره


ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Saturday, March 16, 2019

طريقي بقربك/منى سليمان

March 16, 2019 0
طريقي بقربك/منى سليمان
طريقي بقربك - الحكاية الأولى لثلاثية قدر النساء 

الفصل الحادي والثلاثون - بقلمي منى سليمان

* طلب زواج * 

في الرابعة عصراً وصل محمود إلى وجهته وبمجرد أن رأى رمزية تقف في انتطاره ترجل واقترب منها ثم ألقى عليها التحية وابتعدت ليفتح لها باب السيارة فاندهشت بشدة إلا أنها لم تعلق بل ركبت فأسرع بالركوب ثم انطلق إلى أحد المطاعم الهادئة.... في ذات اللحظة أوقف حسام سيارته أسفل منزل سوسن ثم ترجل منها وحمل الصغيرة واصطحب أمل إلى الداخل وخلال دقائق قليلة ضغط زر الجرس فتركت سوسن غرفتها واتجهت صوب الباب لتفتحه وابتسمت عندما رأت حسام يحمل طفلة صغيرة تشبه الملائكة إلى حد كبير فقالت بسعادة بعد أن حملتها بين ذراعيها

- بسم الله تبارك الله مين الجميلة دي؟ 
- أول ما ندخل هقولك على طول

قالها حسام بمشاكسة بعد أن نست سوسن أن تطلب منه الدخول فرحبت به وعانقت أمل وبمجرد أن أغلقت باب الشقة جلست على أحد المقاعد وأجلست الصغيرة فوق قدميها فمال حسام على أذن أمل وهتف بصوت خفيض

- شوفتي فرحانه بيها أزاي
- عندك حق وهتملي عليها هي وطنط رمزية البيت

أدار وجهه نحو سوسن وراقبها وهي تداعب الصغيرة بسعادة ثم تنفس بعمق وقرار إخبارها بالاقتراح داعياً إلى الله أن تقبل بقاء أمل معها

- الجميلة دي لقوها من سنة وشهر مرميه جمب برميل زبالة

تعالت شهقات سوسن وأتسع ثغرها في صدمة فأردف: ومن يومها وهي موجودة في دار الأيتام الخاصة بأسرة أمير فإيه رأيك تتبنيها وتملى عليكي البيت؟ 

تأملت سوسن الملاك الجالس على قدميها بأعين ملأتها الدموع فكيف لأم أن تتجرد من إنسانيتها وتلقي بطفلتها إلى جوار صناديق القمامة... بعد مرور عدة دقائق رفعت رأسها ونظرت إلى حسام قائلة

- البيت فضي عليا بعد ما وعد أتجوزت ورمزية كمان أجرت شقة ومصممة تعيش فيها علشان ما تقلش عليا بس قالت هتيجي كل فترة تشوفني فأكيد ربنا بعتكم ليا علشان تجيبولي القمر ده ينور حياتي، أنا موافقة

نظرت أمل إلى حسام بسعادة وامتنان كما فعلت سوسن فتركهن ودلف إلى الشرفة ليتحدث إلى أمير في الأمر... في ذات اللحظة كان أمير يطعم صغيرته بيده ليدللها ثم اقتربت منها بشدة ليقتطف من شفتيها قبلة ولكن قاطعه صوت رنين الهاتف فزفر بضيق وضيق بين حاجبيه قائلاً 

- تلاقيكي أنتي اللي موصياهم يقاطعوني

ضحكت بشدة على جنونه بالرغم من شعورها بالخجل فتركها واتجه صوب الهاتف وبمجرد أن وجد أسم المتصل "حسام" نظر إلى الهاتف بغيظ وتمتم في نفسه

- ليك يوم نقاطعك فيه

استرد هيبته وضغط زر الإيجاب فاطمئن حسام عليه وعلى وعد في البداية ثم قص عليه ما حدث فرحب هو الأخر بالفكرة قائلاً 

- أنا معنديش مانع طبعاً بس هكلم المحامي يشوف الإجراءات وهعرف منه ينفع ولا لا، أقفل هكلمه وأرجع أكلمك

ودعه حسام وأنهى المكالمة فعاد أمير إلى طفلته الرقيقة ثم طبع قبلة سريعة على وجنتها قبل أن يتركها ويدلف إلى الشرفة... بحث عن رقم المحامي الخاص بالعائلة ثم أجرى الاتصال وقص عليه الأمير فهتف

- قانوناً الاولوية في التبني بتكون لزوجين وميكونش عندهم أكتر من طفلين بس كمان مسموح للمطلقات والأرامل ومن لم تتزوج فوق التلاتين وأقل من الستين سنة بالتبني، الحمد لله في محضر للبنت يوم ما جابوها وبيه هقدم طلب للشئون الاجتماعية بطلب التبني

شعر أمير بفرحة عارمة فسيصبح لأمل الصغيرة أم جديدة تحبها وترعاها فقال بسعادة

- أنا متشكر جداً، ياريت تبدأ في الإجراءات وهديلك رقم القدم حسام علشان الأوراق المطلوبة لأني هسافر كمان ساعتين

بعد مرور عدة دقائق أنهى أمير المكالمة وبحث عن طفلته فوجدها تخرج من باب الحمام، اقترب منها وأحاط خصرها بذراعه ثم قربها إليه بشدة وسرق القبلة التي تمناها منذ دقائق وما أن ابتعد عن شفتيها أسند جيبنه على جبينها وقال بصوت دافئ

- بحبك 
- وأنا بموت فيك

قالتها بعد أن أبعدت رأسها إلى الخلف قليلاً وطوقت عنقه بذراعيها فابتسم بسعادة وتحدث قائلاً 

- عندي ليكي خبر حلو
- قول
- حسام كان بيكلمني علشان طنط سوسن عايزه تتبنى أمل فكلمت المحامي وطلبت منه يمشي في الإجراءات 

بمجرد أن توقف عن الكلام، نظر مُباشرةً إلى عينيها ليتأمل لمعة السعادة الساكنة بالداخل فقالت برقة

- أنا مبسوطة أووووي أمل هتملى البيت على ماما سوسن وهتحس بحنان الأم بجد
- نفسك يبقى لينا أولاد؟ 
- أيوه عايزه يبقى عندي تلات أربع بنات ومش عايزه ولاد خالص

قالت كلماتها الأخيرة بصوت كساه الألم فعلم أن الجرح الساكن بقلبها لم يلتئم فكل ما حدث لها بسبب تفضيل والدها للذكر على الأنثى فقرر تلطيف الأجواء قائلاً 

- أنا كمان عايز تلات أربع بنات، تعالي بقى أشرحلك بحب البنات قد إيه

غمز لها بمشاكسة فضحكت على جنونه الذي لا يتوقف ثم مضت برفقته لتقضي بين أحضانه لحظات سُرقت من الزمن

*******

بأحد المطاعم الهادئة... 
جلست رمزية على أحد المقاعد بعد أن سحبه محمود لها ثم جلس على المقعد المقابل لها وتساءل بهدوء 

- تحبي تشربي إيه ولا نتغدى؟ 
- لا شكراً مش جعانه، ممكن أخد فنجان قهوة

لم ينتظر ولو لدقيقة فأشار إلى النادل وطلب منه إحضار ما طلبته وبمجرد أن ابتعد نظرت إليه وتساءلت عن الموضوع الهام الذي تحدث عنه عبر الهاتف فارتبك بشدة خوفاً من رفضها إلا أنه استجمع شجاعته وقال بثبات

- من غير مقدمات ولا لف ودوران أنا عايز أتجوزك على سنة الله ورسوله 

أتسع ثغرها وجحظت عينيها بعدم تصديق فقد ظنت أنه سيتحدث معها في العمل والآن يتقدم إليها بعرض زواج، فابتلع ريقه بصعوبة نظراً للاندهاش الذي سيطر على قسمات وجهها وتابع

- خدي وقتك وفكري براحتك أنا مش مستعجل 
- أستاذ محمود أنا

قاطعها قائلاً: من فضلك بلاش تاخدي قرار سريع وأدي لنفسك فرصة تعرفيني قبل ما تقولي قرارك

- بس

قاطعها مرة أخرى قائلاً بصوت أقرب إلى الرجاء: أرجوكي فكري، أنا من يوم موت سهام الله يرحمها ما فكرتش أتجوز ولا شوفت ست غيرها لكن من أول مرة شوفتك حسيت أني محتاجلك وأنتي كمان محتاجة حد يعوضك اللي فات

شعرت بالخجل من كلماته كما شعرت برغبة ملحة في الاختفاء من أمامه... أرادت أن تصرخ بأعلى طبقات صوتها لتخبره برفضها لكن صوتاً بداخلها طالبها بالتمهل علها الفرصة المناسبة لتنسى ما مضى والعذاب الذي عاشته بين يدي يحيى ومعتصم... شردت بشدة لدرجة جعلته يعتقد أنها غرقت في بحور عميقة فأخرجها من شرودها عندما أردف

- تحبي تروحي؟ 

كادت أن تجيبه لكن قاطعها النادل حينما وضع فنجان القهوة أمامها وأخر أمام محمود وبمجرد أن ابتعد قالت بهدوء 

- لو تسمحلي فعلاً عايزه أمشي
- طيب أشربي قهوتك وهنمشي

حركت رأسها بالموافقة وبدأت في ارتشاف قطرات قهوتها المرة كأيام حياتها الماضية وبعد مرور عدة دقائق انتهت فاصطحبها محمود إلى السيارة وقادها إلى منزل سوسن دون أن تتحدث فاحترم سكونها وصمت هو الأخر

******

مضت عدة أيام هادئة كانت بمثابة نقطة فاصلة للجميع.... 
قضت وعد عشر أيام بمدينة العشق والعشاق فينسيا بمدينة السحر إيطاليا... شعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد لوجودها في هذا المكان الساحر برفقة حبيبها ونبض قلبها الذي عاملها معاملة الأميرات وأذاقها السعادة بأنواعها المختلفة
تأكدت حنين بالدليل القاطع من جنون أمجد فبالرغم من وجودهما في إيطاليا إلا أنه لم يتوقف عن مشاكساته... تذوق بجوارها نكهة جديدة للسعادة وأسقاها كذلك من بحور عشقه فأصبحت تسكن روحه كما سكن روحها
حافظ حسام على الوعد الذي قطعه لأمل فعاملها بلطف طوال العشر أيام الماضية وتخلى تماماً عن أسلوبه الهمجي فشعرت بالسعادة وتمنت أن يصارحها بمشاعره لكنه كعادته لم يفعل بل خبئ مشاعره كما خبئ صورها الموجودة بهاتفه
أخبرت سوسن شقيقها بقصة التبني عبر مكالمة هاتفية نظراً لعمله خارج البلاد فرحب بشدة كما وعدها بزيارتها في أقرب وقت فقضت الأيام المنصرفة في تجهيز كل ما يلزم صغيرتها بداية من فراش ملائكي إلى ملابس وأدوات رضاعة فشعرت بالحياة تسري بداخلها من جديد
طوال تلك الأيام جهزت سوسن جناح أمير استعداداً لعودته هو وعروسه، كما أشرفت على تجهيز فيلا أمجد لاستقباله هو وعروسه وبداخلها فرحة عارمة
بحثت نادين عن عمل بعد أن خسرت كل أموالها مقابل صمت إبراهيم فحصلت على عمل بأحد المستشفيات الخاصة لكنها لم تكن مشفى كبري كالذي يمتلكه أمير ما زاد الحقد بقلبها
طوال العشر أيام تعمد محمود عدم اللقاء برمزية بالرغم من رغبته في ذلك إلا أنه فضل البقاء بعيداً عنها حتى تأخذ قرارها... أما هي فكانت أسيرة الحيرة هل توافق وتكمل حياتها معه ليعوضها ما فات، أم ترفض وتمضي في طريقها دون أن تعتمد على أحد؟

******

بجناح أمير... 
استيقظ في العاشرة صباحاً بتوقيت إيطاليا ثم إتكئ على ذراعه وأخذ يتأمل الجميلة النائمة إلى جواره... داعب خصلات شعرها بيده علها تستيقظ لكنها كانت غارقة بالنوم فاقترب منها بشدة وطبع قبلة على أرنبة أنفها وأخرى على وجنتها ثم انتقل إلى شفتيها فتململت بكسل ثم فتحت عينيها لتتقابل بزرقاوية عينيه فابتسمت وقالت بجدية مصطنعة

- بطل رخامة وسيبني أنام
- لا كفاية نوم وقومي علشان نفطر قبل ما نروح المطار

مطت شفتيها بضجر عندما تذكرت أنها ستغادر فينسيا فبدت كطفلة غاضبة... أسر ابتسامته بصعوبة وأزال الخصلات الساقطة على وجهها وشفتيها وأردف

- هنيجي تاني ما تزعليش
- كنت حاسه أننا بعيد عن الدنيا وما فيها ودلوقتي هنرجع وهتنشغل عني في شغلك وأنا في المذاكرة 

كانت كلماتها بسيطة إلا أنها أخبرته بأن صغيرته تعشقه حد الجنون وتتمنى قربه إلى ما لا نهاية فقبل جبينها بحنان ثم هتف بصوت هادئ غلفه العشق 

- مستحيل انشغل عنك عارفه ليه؟ 

خفق قلبها في سعادة أثر كلماته العذبة إلا أنها لا تعرف إجابة سؤاله وأرادت بشدة معرفتها فحركت رأسها يميناً ويساراً بالنفي ليتابع وهو يشير بسبابته إلى حيث قلبه

- لأنك عايشه هنا

لمعت عينيها فرحاً فتطاير سحر نظرتها وكأنها سهام عشق اخترقت قلبه ووجدانه ولم يفق من سحرها إلى عندما أسندت رأسها على صدره لتشعر بالدفء الذي لا تجده إلا بين أحضانه 

*****

بجناح أمجد... 
انطلق صوت آلة التنبيه فاستيقظ أمجد وأسرع بإيقافها قبل أن تفيق الجميلة النائمة وهي تتخذ ذراعه كوسادة... أخذ يتأملها في صمت وكأنه يود حفر صورة لها وتساءل في نفسه يا لكِ من جنية لتجعليني أسير عشقكِ فأصبحتِ لقلبي لعنة لا اتمنى زوالها... بعد مرور عدة دقائق شعرت بأنفاسه تقترب من أذنها ليهمس بصوت هادئ

- نونا حنون نونو يلا أصحي يا عمري

استيقظت مع أول كلمة نطق بها إلا أنها قررت مشاكسته ليزيد من دلاله فتابع بعد أن طبع قبلة على كتفها

- يلا يا عمري قومي علشان ما نتأخرش على الطيارة

اصطنعت الضجر فأدارت وجهها نحو الطرف الأخر وهي مازالت مغمضة العينين فذهب بإتجاه الطرف الأخر وعلم أنها تتصنع النوم عندما شددت في إغلاف عينيها فرفع أحد حاجبيه بعد أن أعلن عليها الحرب... أنقض عليها كفريسة وقعت أخيراً بين أنيابه ثم بدأ يدغدغها لتنطلق من بين شفتيها أعلى الضحكات وتوسلت عدة مرات ليتوقف لكنه لم يفعل 

- هموووت مش قادرة 

أعلن هدنة مؤقتة ليسرق قبلته الصباحية ثم أكمل حربه لكن تلك المرة لم يدغدغها بل حملها بين ذراعيه واتجه بها صوب الشرفة ثم قال مازحاً 

- أرميكي؟ 
- أهون عليك يا ميجو؟ 

قالتها بدلال فعض شفتيه بهيام ثم غمز لها ببلاهة فانفجرت ضاحكة بأعلى طبقات صوتها ورردت وهي تمسك بوجنتيه

- مجنون خالص يا روحي

*******

بعد مرو عدة ساعات هبطت طائرة مصر للطيران القادمة من إيطاليا داخل مطار القاهرة... ترجلوا منها واتجه كل منهم إلى سيارته مصطحباً عروسه فانطلق أمير إلى منزله ولحق به أمجد فخالته تعد عزيمة يحضرها الجميع احتفالاً بعودتهم... بعد مرور ما يقارب نصف الساعة وصلوا إلى وجهتهم ودلفوا مُباشرةً إلى الداخل فاستقبلتهم سلوى بفرحة وكأن اليوم عيدُ... اصطحب أمير زوجته إلى جناحهم لتبدل ثيابها، لكنه بمجرد أن دلف إلى الغرفة جذبها إلى صدره ونظر إلى عينيها قائلاً 

- الفيلا نورت يا عمري
- منورة بيك يا حبيبي
- قوليها كمان

طوقت عنقه بذراعيها وكررت كلمتها مراراً وتكراراً فغمرته السعادة بشتى أنواعها وكاد أن يبادلها بكلمات الغزل إلا أن الخادمة قاطعته عندما طرقت باب الغرفة لتخبرهم بوصول بوصول سوسن ورمزية فركضت وعد إلى الأسفل وارتمت بين أحضان والدتها لتقول الأخيرة بحنان

- وحشتيني
- وأنتي كمان 

شددت وعد في احتضانها ثم ابتعدت عنها واحتضنت سوسن وبمجرد أن وقعت عينيها على أمل الصغيرة اقتربت من سلوى وحملتها ثم أخذت تداعبها وتشاكسها فمال أمير على أذنها وهمس بمشاكسة

- أنا عايز واحدة زيها بالظبط، أتصرفي

غمز لها بمشاكسة فتوردت وجنتيها خجلاً ما جعل سلوى تبتسم وتدعوا لهما بالذرية الصالحة كما دعت لحنين وأمجد.... بعد مرور عدة دقائق حضر حسام فرحب به الجميع لكنه لم يرى سوى الجميلة الجالسة إلى جوار شقيقته ووعد فاقترب منهن وتأمل عينيها في صمت ثم احتضن شقيقته وطبع قبلة على وجنتها وهمس بالقرب من أذنها

- مبسوطة يا قلبي؟ 
- أوووي

أجابته وهي مازالت بين أحضانه فلم تستطع أسر الدموع التي تساقطت من مقلتيها... أبعدها عنه ومسح دموعها بيديه ما أشعل غيرة أمجد فقال بغيظ

- ما تخف يا عم الحلو

أدار حسام جسده ورمق أمجد بنظرة نارية فابتلع الأخير ريقه وأردف ببلاهة

- بهزر
- دي أختي قبل ما تبقى مراتك يا مشرحجي

قالها بعد أن أحاط خصر شقيقته وقربها إليه فطبعت قبلة على وجنته وقالت بسعادة

- ربنا يخليك ليا يا حبيبي

توعد لها أمجد لكنها لم تهتم بينما راقبته أمل في صمت وزاد انجذابها نحوه فبالرغم من كل شجارهم إلا أنها استشعرت الحنان الساكن بقلبه وبخاصة حينما حمل الصغيرة وأخذ يداعبها ويلقي بها في الهواء ثم يعود ليمسك بها

******

تبادلوا أطراف الحديث وقضوا أوقات سُرقت من الزمن وبمجرد أن وصل محمود اجتمعوا على مائدة الطعام... كان يختلس النظر إلى رمزية بين تارة وأخرى فخبأت عينيها عنه حتى لا يلاحظ أحد فمالت سوسن على أذنها وهتفت بصوت خفيض

- والله حرام عليكي ده شكله واقع خالص
- بس يا سوسن هو إحنا عيال صغيرين ولا إيه؟! 
- طيب خليكي قاعده تفكري لحد ما يزهق ويطفش

ما أن وصلت كلمات سوسن إلى مسامع رمزية ضيقت بين حاجبيها وأخذت تتحدث إلى نفسها فاندهش من هيئتها وتساءل

- الشغل عامل معاكي إيه يا مدام رمزية؟ 
- الحمد لله 

قالتها باقتضاب دون أن تنظر إليه وأكملت تناول الطعام فلوى ثغره بضجر بينما وكز أمير ذراع أمجد الجالس إلى جواره وسأله بصوت خفيض

- هو أبوك مش قاعد على بعضه كده ليه؟ 
- بعدين هقولك
- أنت عارف حاجة أنا معرفهاش؟ 
- ما قولت بعدين سيبني أكل، أنا جعاااااان

*******

ما أن فرغوا من تناول الطعام صعدت وعد إلى جناحها بعد أن اصطحبت حنين وأمل، بينما طلب حسام من أمير التحدث إليه في أمر هام فلحق بهما أمجد، أما سلوى فغادرت إلى غرفتها لتصلي فرضها ولم يتبق سوى محمود ورمزية بالإصافة إلى سوسن وطفلتها فقررت إفساح المجال لمحمود عله يقنع رمزية فلحقت بوعد... انتظر محمود حتى صعدت سوسن ثم نظر إلى رمزية وتنحنح قائلاً 

- أزيك؟ 
- بخير 

قالتها باقتضاب ثم وقفت عن مقعدها لتغادر لكنه لحق بها بل وسبقها ووقف أمامها بدون سابق إنذار فاصطدمت بصدره وكادت أن تسقط على ظهرها إلا أنها تمسكت بثيابه حتى استعادت توازنها ثم ابتعدت عنه وقالت بارتباك

- ح ح حضرتك ما ينفعش كده، لو حد شافنا هيقول إيه؟ 
- أنا منتظر قرارك من عشر أيام واعتقد ده وقت كافي أنك تقولي ردك

خفق قلبها بسرعة لم تعتادها منذ أن انفصلت عن يحيى فعلمت أنها تكن له مشاعر... ترددت في إجابته وصمتت تماماً فكرر كلماته بصوت أكثر دفئاً لتجيبه وهي توجه نظراتها إلى الأرض

- موافقة

لم تستطع أن تقف أمامه لدقيقة أخرى فقد كان شعورها بالخجل يفوق طاقتها فركضت مبتعدة ثم صعدت الدرج بسرعة جنونية حتى أنها تعثرت أكثر من مرة فابتسم بسعادة وشرد بشده ولكن أعاده صوت سلوى إلى أرض الواقع

- مبروك يا محمود، قولتلك هتوافق من غير ما أكلمها
- الله يبارك فيكي 
- تعالى أشرب الشاي وبعدين نجمعهم ونبلغهم الخبر، ربنا يسعدك وتقدر تعوضها اللي شافته في حياتها

*****

بغرفة الفتيات.... 
دلفت رمزية بدون سابق إنذار وجلست إلى جوار سوسن وحمرة الخجل تلون وجنتيها فابتسمت سوسن بسعادة ومالت على أذنها قائلة 

- نقول مبروك؟ 
- بس يا سوسن للبنات ياخدوا بالهم، أصلاً أنا متوترة جداً 

اتتبهت حنين إلى الحديث السري الذي يدور بين سوسن ورمزية فوكزت وعد في ذراعها وتساءلت

- بت يا وعد، أمك وطنط سوسن بيخططوا لحاجة
- اه وعلى السفرة كمان كانوا كده
- لازم نعرف

قالتها حنين ثم تركت مقعدها وجلست إلى جوار سوسن وعلها تحصل على معلومة وبالفعل نالت مرادها عندما اعترفت سوسن بمجرد أن سألتها حنين فتعالت شهقاتها ووقفت عن مقعدها قائلة بأعلى طبقات صوتها

- طنط رمزية هتتجوز عمو محمود، زعرطوا يا بنات

زاد شعور رمزية بالخجل والارتباك خوفاً من رد فعل وعد لكن الأخيرة ابتسمت بسعادة وأعطت الصغيرة إلى أمل ثم اقتربت من والدتها وعانقتها

- مبروك يا ماما، ربنا يسعدك ويعوضك اللي فات
- مش مضايقة؟ 
- لا طبعاً أنتي لسه صغيرة وزي القمر ومن حقك تعيشي حياتك 

******

بغرفة المكتب الخاصة بأمير... 
نظر أمير إلى أمجد بتساؤل فرفع الأخير كفيه ليخبره أنه لا يعرف شيئاً فنظر إلى حسام وتساءل 

- يا حسام إحنا مش فاهمين حاجة، قول على طول عايز إيه؟ 
- أنا معجب بأمل أو بمعنى أدق بحبها 

اندهش أمير بشدة بينما ابتسم أمجد فقد توقع حدوث هذا نظراً لقرب حسام من ابنة خالته لكنه قرر مشاكسته فهتف بحدة مصطنعة

- وبتقولها عادي كده طب أحترم أن أخوها قاعد وأنا

قاطعه حسام قائلاً بغيظ: أتهد شوية

- حاضر كمل يا عندليب

رمقه حسام بنظرة نارية ثم وجه نظراته إلى أمير وقال: أنا لحد دلوقتي ما صارحتهاش بمشاعري بس في اللحظة المناسبة هقولها ومش عايز أحس أني بسرق حاجة مش من حقي علشان كده عايز ده يتم بعلمك

شعر أمير بالرضا واطمئن على شقيقته فالجالس أمامه رجلُ بمعنى الكلمة ودخل البيت من بابه ليحافظ عليها فاقترب منه وربت على كتفه ثم تحدث قائلاً 

- وأنا مش هلاقي لأختي إنسان يحافظ عليها زيك

كاد حسام أن يتحدث لكن قاطعه دخول محمود إلى الغرفة وقص عليهم رغبته في الزواج من رمزية كما أخبرهم بموافقتها فرفع أمير أحد حاجبيه باندهاش وردد في نفسه

- شكلي فتحت نفسهم على الجواز 

*******

بسويسرا.... 
ترك مقعده عندما صدع صوت رنين هاتفه فالتقطه ولوى ثغره بغيظ ثم أجاب قائلاً بحدة وصوت عال

- بتتصل من رقمك ليه؟ أكيد متراقب
- ركبت فيه جهاز تشويش، هتوصل أمتى يا باشا؟ أنا بقالي أسبوعين متبهدل وعايز أخرج من مصر في أسرع وقت

جلس الشاب على مقعده واضعاً قدم فوق الأخرى وأجابه: أسبوع أو عشر أيام بالكتير وهاجي تكون الدنيا هديت، هبعتلك حد بمفتاح بيت الفيوم تفضل فيه

- وأنا هكون في انتطارك

أنهى المتصل المكالمة وكذلك الشاب ثم أشعل سيجارة وبدأ ينفس دخانها في الهواء بطريقة تدل على حزنه فردد في نفسه

- همحيكي من على وش الأرض بعد ما أخليكي تطلبيها بنفسك

ألقى بسيجارته على الأرض ثم دعسها بقدمه وغادر فصدع صوت ضحكاته الشيطانية بأرجاء المكان

ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة... دائرة حقوق المؤلف

Thursday, March 14, 2019

القيصر الصغير/إبراهيم العمري

March 14, 2019 0
القيصر الصغير/إبراهيم العمري

وصوني ما تبقى من رميم القلب  ولا تذريه
شوقا اتاكي محترقا يا مليكتي الا تسعفيه
في بحور الحب وجذف اما كفاه الا ترسيه
اتري ذاك القلب مقيد وحصونا عنك تثنيه
لا يا مليكتي لاجل عيناك حلق فلا تذبحيه

للقراءة إضغط هنا
للتحميل إضغط هنا